الحرف المعجز لا ال بعد

 

https://hhh71.blogspot.com/

اللام بمعني بعد

 

طلاق سورة الطلاق  إعجازٌ وضعه الله في حرفٍ.حيث وضع الله الباري إعجاز تبديل أحكام الطلاق التي كانت  في سورة البقرة 2هـ  إلي أحْكَمِ  أحكامها  في  سورةِ الطلاقِ 5هـ لينتهي كل متشابهٍ  وظنٍ وخلافٍ واختلافٍ  إلي الأبد وحتي يوم القيامة ..وسورة الطلاق5هـ نزلت بعد سورة البقرة2هـ بحوالي عامين ونصف تقريباً يعني ناسخة لأحكام طلاق سورة البقرة2هـ .

الأحد، 14 نوفمبر 2021

ج 2 -الوسيط في المذهب/الجزء الثاني أبو حامد الغزاليالوسيط في المذهب/الجزء الثالث

ويكي مصدر *

الوسيط في المذهب/الجزء الثاني  أبو حامد الغزالي الوسيط في المذهب/الجزء الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم



= كتاب الشُّفْعَة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الِاسْتِحْقَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى ثَلَاثَة الْمَأْخُوذ والآخذ والمأخوذ مِنْهُ الرُّكْن الأول الْمَأْخُوذ وَهُوَ كل عقار يجْبر فِيهِ على الْقِسْمَة أما قَوْلنَا عقارا احترزنا بِهِ عَن المنقولات فَلَا شُفْعَة فِيهَا إِذْ لَا يتأبد الضرار فِيهَا فَلم تكن فِي معنى الْعقار نعم يستتبع الْعقار الجدران وَالْأَشْجَار لاتصالها بهَا على التَّأْبِيد وَلَا يتَعَلَّق حق الشَّفِيع بالثمار المؤبرة وَسَوَاء تأبرت بعد العقد أَو حَال العقد مهما كَانَت مؤبرة عِنْد الْآخِذ وَإِن لم تكن مؤبرة فَقَوْلَانِ سَوَاء كَانَت مَوْجُودَة حَالَة العقد أَو وجدت بعده إِذا بقيت عِنْد الْآخِذ غير مؤبرة أَحدهمَا يَأْخُذهُ الشَّفِيع لِأَن مَا يتبع فِي العقد يتبع فِي الشُّفْعَة كأغصان الشّجر وَالثَّانِي لَا لِأَن الأغصان تبقى فِي معنى الثوابت بِخِلَاف الثِّمَار وَأما قَوْلنَا يجْبر فِيهِ على الْقِسْمَة احترزنا بِهِ عَن الْحمام والطاحونة والبئر الَّتِى يسقى بهَا النَّوَاضِح إِذا كَانَت صَغِيرَة فَلَا شُفْعَة فِيهَا إِذْ لَيْسَ فِيهَا ضرار مُؤنَة الْقِسْمَة وتضييق الْمرَافِق وَهُوَ منَاط الشُّفْعَة ولأجله لم تثبت للْجَار

وَقَالَ ابْن سُرَيج تثبت فِيهِ الشُّفْعَة لِضِرَار المداخلة على التَّأْبِيد ونعني بالمنقسم مَا تبقى منفعَته بعد الْقِسْمَة وَلَو على تضايق فَيبقى حَماما فِيهِ وطاحونة وَقيل الْمَعْنى أَن يبْقى فِيهِ مَنْفَعَة مَا وَلَو للسكون وَقيل أَن تبقى تِلْكَ الْمَنْفَعَة من غير تضايق كَالدَّارِ الفيحاء وعرصة الأَرْض والوجهان بعيدان فروع ثَلَاثَة أَحدهَا من لَهُ فِي الدَّار الصَّغِيرَة عشرهَا لَيْسَ لَهُ إِجْبَار صَاحبه على الْقِسْمَة لِأَنَّهُ تعنت من غير فَائِدَة فَلَا يجْبر صَاحب الْعشْر على الْقِسْمَة وَلِصَاحِب الْكثير غَرَض فِيهِ وَجْهَان فَإِن منع فَلَا شُفْعَة من الْجَانِبَيْنِ الثَّانِي الْأَشْجَار إِذا بِيعَتْ مَعَ قَرَارهَا دون الْبيَاض المتحلل بَينهمَا فِي ثُبُوت الشُّفْعَة للشَّرِيك فِيهَا وَكَذَا الْجِدَار العريض إِذا بيع مَعَ الأس وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ بيع مَعَ الأَرْض فَصَارَ كالبائع وَالدَّار

وَالثَّانِي لَا لِأَن الأَرْض فِيهِ تبع والمتبوع مَنْقُول وَالْعبْرَة للمتبوع لَا للتابع الثَّالِث دَار سفلها لوَاحِد وعلوها مُشْتَرك إِن كَانَ السّقف لصَاحب السّفل فَلَا شُفْعَة فِي الْعُلُوّ لِأَنَّهُ لَا أَرض لَهُ فَلَا ثبات وَإِن كَانَ السّقف لشركاء الْعُلُوّ فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه لَا أَرض لَهُ والسقف لَا ثبات لَهُ

الرُّكْن الثَّانِي الْآخِذ وَتثبت الشُّفْعَة لكل شريك فِي الدَّار وَإِن كَانَ كَافِرًا إِلَّا إِذا كَانَت شركته بِالْوَقْفِ فَإِن قُلْنَا لَا يملكهُ الْمَوْقُوف فَلَا شُفْعَة وَإِن قُلْنَا يملك فَوَجْهَانِ مبنيان على أَنه هَل يقسم الْوَقْف وَالْملك وَلَا تثبت للْجَار وَإِن كَانَ ملاصقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يثبت للْجَار ووإن لم يكن شَرِيكا وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول مثله وَحكي عَن ابْن سُرَيج وَهُوَ غير صَحِيح نعم لَو قضى حَنَفِيّ لشفعوي بِهِ فَهَل يحل لَهُ بَاطِنا فِيهِ وَجْهَان فرع الشَّرِيك فِي الْمَمَر إِذا لم يكن شَرِيكا فِي الدَّار لَا شُفْعَة لَهُ فِي الدَّار

وَإِذا بيع الْمَمَر وَهُوَ مَمْلُوك منسد الْأَسْفَل فَإِن لم يقبل الْقِسْمَة أَي لَا يصلح للممر بعد الْقِسْمَة فَلَا شُفْعَة على الْمَذْهَب وَإِن كَانَ يَنْقَسِم نظر فَإِن كَانَ للْمُشْتَرِي فِي غير الْمَأْخُوذ طَرِيق آخر إِلَى دَاره سوى الْمَمَر ثبتَتْ الشُّفْعَة وَإِن لم يكن فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَن فِيهِ ضَرَرا بالمشتري فِي غير الْمَأْخُوذ بِالشُّفْعَة وَالثَّانِي أَنه يثبت لِأَن حق الْمَمَر تَابع وَالثَّالِث أَنه إِن أَرَادَ الْأَخْذ وَجب لَهُ تَجْوِيز الِاخْتِيَار للْمُشْتَرِي جمعا بَين الْحَقَّيْنِ وَإِن أَبى ذَلِك فَلَا شُفْعَة لَهُ

الرُّكْن الثَّالِث الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَهُوَ كل من اسْتَفَادَ الْملك اللَّازِم بمعاوضة فِي الشّقص الْمشَاع أما الْمُعَاوضَة فقد احترزنا بهَا عَن الْهِبَة فَلَا شُفْعَة فِيهَا كَمَا فِي الْإِرْث لِأَنَّهُ لَا عوض حَتَّى يُؤْخَذ بِهِ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يُؤْخَذ بِقِيمَتِه وحوينا فِيهِ الشّقص إِذا جعل أُجْرَة فِي إِجَارَة أَو صَدَاقا فِي نِكَاح أَو عوضا فِي خلع أَو كِتَابَة أَو صلح عَن دم أَو مُتْعَة فَيُؤْخَذ بِالشُّفْعَة بِقِيمَة مُقَابِله فَإِن الشَّرْع قد قوم جَمِيع ذَلِك وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُؤْخَذ إِلَّا الْمَبِيع وَقَوْلنَا بمعاوضة احترزنا بِهِ عَن الْملك الْعَائِد بالإقالة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة كَمَا إِذْ أسقط الشَّفِيع حَتَّى بَاعَ المُشْتَرِي وَعَاد إِلَيْهِ بإقالة فَلَا يَتَجَدَّد الْحق لِأَن الْعَائِد هُوَ ملك المُشْتَرِي بذلك الشِّرَاء فَلَيْسَ حَاصِلا بِخُرُوج

الثّمن عَن ملكه على طَرِيق الرَّد وَقَوْلنَا لَازم احترزنا بِهِ عَن الْمَبِيع فِي زمَان الْخِيَار إِذا كَانَ الْخِيَار للْبَائِع لم يُؤْخَذ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى البَائِع للشَّفِيع وَإِن كَانَ للْمُشْتَرِي وَحده فطريقان أَحدهمَا أَنه لَا يُؤْخَذ لِأَن العقد لم يسْتَقرّ بعد وَرُبمَا قُلْنَا لَا ملك لَهُ وَالثَّانِي أَنه يخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي أَنه لَو وجد بِهِ عَيْبا فَهُوَ أولى بِالرَّدِّ على البَائِع أَو الشَّفِيع بِالْأَخْذِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الشَّفِيع أولى لِأَن حَقه ثَابت بِالْعقدِ وَلَا ضَرَر عله إِذا سلم لَهُ كَمَال الثّمن وَالثَّانِي المُشْتَرِي أولى إِذْ لَا يحِق للشَّفِيع إِلَّا بعد العقد وَرُبمَا يكون للْمُشْتَرِي غَرَض فِي عين ثمنه فَإِن قُلْنَا الشَّفِيع أولى فَلَو حضر بعد الرَّد فَفِي رده الرَّد وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يرد فَهُوَ بطرِيق تبين الْبطلَان أَو بطرِيق الْإِنْشَاء فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان وَيقرب من هَذَا أَن الشّقص الْمَشْفُوع إِذا كَانَ صَادِقا وهم الشَّفِيع بِأَخْذِهِ

فَطلق الزَّوْج قبل الْمَسِيس قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي الزَّوْج أولى لِأَن سَببه سَابق وَقَالَ ابْن الْحداد لَو أفلس مُشْتَرِي الْمَشْفُوع بِالثّمن فالشفيع أولى بِالْأَخْذِ من البَائِع بِالرُّجُوعِ فَقَالَ الْأَصْحَاب هما جوابان متناقضان فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِلشَّيْخَيْنِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا فِي مَسْأَلَة الإفلاس الشَّفِيع أولى فالبائع هَل يخْتَص بِالثّمن فِيهِ وَجْهَان وَاخْتِيَار ابْن الْحداد أَنه يضارب لِأَن حَقه قد بَطل فروع عشرَة الأول إِذا اشْترى ذمِّي شِقْصا مشفوعا من ذمِّي بِخَمْر وَفِيه لمُسلم أَو ذمِّي شركَة فَلَا يحكم بِالشُّفْعَة لِأَن الشِّرَاء الْفَاسِد لَا يُفِيد الْملك فملكه قَائِم وَلَو أَخذ الذِّمِّيّ ثمن خمر وَسلمهُ عَن الْجِزْيَة لم نقبله إِذا رَأينَا ذَلِك وَإِن لم نره واعترف بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَنه لَا اعْتِمَاد على قَوْلهم الثَّانِي سلم العَبْد عَن نُجُوم الْكِتَابَة شِقْصا ثمَّ رد إِلَى الرّقّ فَفِي بطلَان حق الشُّفْعَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه كَانَ عوضا أَولا ثمَّ خرج عَن كَونه عوضا الثَّالِث أوصى لمستولدته بشقص إِن خدمت أَوْلَاده شهرا فَفِي الشُّفْعَة

وَجْهَان لِأَنَّهُ مردد بَين الْوَصِيَّة والمعاوضة الرَّابِع العَبْد الْمَأْذُون لَهُ الْأَخْذ بِالشُّفْعَة إِن كَانَ شَرِيكا لِأَنَّهُ من التِّجَارَة وَإِن عَفا لم يسْقط حق سَيّده وَإِن عَفا سَيّده لم يكن لَهُ الْأَخْذ وَإِن كَانَ بعد إحاطة الدُّيُون بِهِ الْخَامِس الْوَصِيّ إِن اشْترى للطفل شِقْصا وَهُوَ شريك فَلهُ أَخذه وَإِن بَاعَ فَأخذ من المُشْتَرِي لم يجز لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهِ فَكَأَنَّهُ يَبِيعهُ من نَفسه وَللْأَب ذَلِك لِأَنَّهُ يَبِيع من نَفسه فَهَذَا لَا يزِيد عَلَيْهِ وَقيل إِنَّه يحْتَمل التجويز فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن الْغِبْطَة لَا تخفى وَالْوَكِيل بِالْبيعِ هَل يَأْخُذ مَا بَاعَ بِالشُّفْعَة فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع التُّهْمَة وَالأَصَح الْجَوَاز السَّادِس يجب على الْأَب أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة لطفله إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة فَإِن لم يَفْعَله فعله القَاضِي فَإِن أسقط الْأَب الشُّفْعَة كَانَ للصَّبِيّ الطّلب بعد الْبلُوغ وَإِن بيع بشئ فِيهِ غِبْطَة للصَّبِيّ فَفِي وجوب الشِّرَاء وَجْهَان

وَالْفرق أَن الشُّفْعَة تثبت وَفِي الإهمال تَفْوِيت والتفويت مُمْتَنع وَإِن لم يكن الِاكْتِسَاب وَاجِبا السَّابِع إِذا كَانَ المُشْتَرِي أحد الشُّرَكَاء فِي الدَّار فَلَا يُؤْخَذ الْجَمِيع مِنْهُ بل يتْرك عَلَيْهِ مَا كَانَ يَخُصُّهُ لَو لم يكن مُشْتَريا وَقَالَ ابْن سُرَيج يُؤْخَذ الْكل لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن يَأْخُذهُ بِالشُّفْعَة من نَفسه وَهُوَ محَال وَالشِّرَاء لَا يُوجب ملكا لَازِما فِي الْمَشْفُوع فليؤخذ وَالْمذهب الأول الثَّامِن حكى الْقفال عَن ابْن سُرَيج أَنه قَالَ أَن عَامل الْقَرَاض إِذا اشْترى بِمَال الْقَرَاض شِقْصا للْمَالِك فِيهِ شركَة فَلهُ الْأَخْذ ثمَّ أنكر الْقفال وَقَالَ كَيفَ يَأْخُذ ملك نَفسه وَفِيه احْتِمَال من حَيْثُ إِن الْعَامِل يسْتَحق بَيْعه لينض المَال وَفِي ذَلِك إِضْرَار بِهِ فَلهُ دفع هَذَا الضَّرَر كَمَا لَهُ دفع ضَرَر أصل الْملك التَّاسِع إِذا بَاعَ الْمَرِيض شِقْصا يُسَاوِي أَلفَيْنِ بِأَلف من أَجْنَبِي وَثلث مَاله واف بِهِ وَلَكِن الشَّفِيع وَارِث فَلَو أَخذه لوصلت الْمُحَابَاة إِلَيْهِ ولصار ذَلِك ذَرِيعَة فَفِيهِ خَمْسَة أوجه أَحدهمَا يَصح وَلَا يثبت الشُّفْعَة حذارا من وُصُول الْمُحَابَاة وَالشُّفْعَة على

الْجُمْلَة تسْقط بأعذار فَهَذَا من جُمْلَتهَا وَالثَّانِي يَصح وَتثبت الشُّفْعَة وَتَكون الْمُحَابَاة من الْمَرِيض مَعَ الْأَجْنَبِيّ لَا مَعَ الْوَارِث وحسم الْحِيَل غير مُمكن وَالثَّالِث لَا يَصح البيع إِذا لَو صَحَّ لاستحال نفي الشُّفْعَة واستحال إِثْبَاتهَا أَيْضا وَمَا أدّى إِلَى محَال فَهُوَ محَال وَالرَّابِع أَن هَذِه الإحالة فِي النّصْف فَيصح البيع على النّصْف بِأَلف وَتبطل فِي الْبَاقِي وَالْخَامِس أَن الإحالة فِي حق الشَّفِيع فَيَأْخُذ النّصْف بِأَلف وَيتْرك الْبَاقِي على المُشْتَرِي الْعَاشِر تساوق رجلَانِ إِلَى مجْلِس الحكم وهما شريكان فِي دَار يزْعم كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه السَّابِق فِي الشِّرَاء وَأَنه يسْتَحق نصيب الآخر بِالشُّفْعَة فَيعرض الْيَمين عَلَيْهِم فَإِن تحَالفا أَو تناكلا تساقط قَوْلهمَا وَإِن حلف أَحدهمَا أَخذ نصيب الآخر وَإِن أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة نظر إِلَى التَّارِيخ فَإِن أرخا بِيَوْم وَاحِد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يتساقطان فَكَأَن لَا بَيِّنَة على الآخر لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة الثَّانِي أَنه يحكم بهما وَيقدر جَرَيَان الْعقْدَيْنِ مَعًا فَلَا شُفْعَة لأَحَدهمَا على الآخر إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا قَدِيما بِالْإِضَافَة إِلَى الآخر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْأَخْذ وَحكم الْمَأْخُوذ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَا يحصل بِهِ الْملك وَلَا بُد من رضَا الشَّفِيع فَإِنَّهُ غير مجبر وَلَا يشْتَرط رضَا المُشْتَرِي فَإِنَّهُ مقهور وَلَا يَكْفِي قَول الشَّفِيع أخذت وتملكت وَأَنا طَالب بل يحصل الْملك بأمرين أَحدهمَا بذل الثّمن وَالْآخر تَسْلِيم المُشْتَرِي الشّقص إِلَيْهِ رَاضِيا بِذِمَّتِهِ فَإِن وجد الرِّضَا دون تَسْلِيم الشّقص وَالثمن فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يحصل لِأَنَّهُ مُعَاوضَة فَبعد التَّرَاضِي لَا يشْتَرط الْقَبْض وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا عِبْرَة بِرِضا المُشْتَرِي وَهُوَ مقهور فَلَا بُد من أَمر زَائِد وَهُوَ تَسْلِيم الشّقص أَو أَخذ الثّمن وَلَو رفع الشَّفِيع الْأَمر إِلَى القَاضِي وَطلب وَقضى لَهُ القَاضِي فَفِي حُصُول الْملك وَجْهَان وَلَو أشهد على الطّلب وَلم يقْض القَاضِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يحصل ثمَّ إِن

قصر فِي تَسْلِيم الثّمن بَطل ملكه بطرِيق التبين لَهُ أم بطرِيق الِانْقِطَاع فِيهِ وَجْهَان هَذَا إِن رَضِي المُشْتَرِي فَإِن أَبى إِلَّا أَخذ الثّمن فَهَل يبْقى خِيَار الشَّفِيع إِلَى أَن يسلم الثّمن فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَن الْملك لَا يحصل بِالْقضَاءِ وَالْإِشْهَاد وَإِن حصل فَلَا يبْقى الْخِيَار وَيمْتَنع التَّصَرُّف على المُشْتَرِي وَفَاء بتحصيل الْملك وعَلى الْأَحْوَال كلهَا فَلِلْمُشْتَرِي حبس الشّقص إِلَى تَسْلِيم الثّمن بِخِلَاف البَائِع فَإِن فِيهِ أقوالا لِأَنَّهُ رَضِي بِزَوَال الْملك فرع هَل تلتحق مُعَاوضَة الشَّفِيع بِالْبيعِ فِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس من جَانب الشَّفِيع بعد التَّمَلُّك فِيهِ وَجْهَان ذكرناهما فِي أول البيع وَوجه الْفرق أَن إِثْبَات خِيَار الْمجْلس من أحد الْجَانِبَيْنِ بعيد وَلَا خلاف فِي أَن خِيَار الشَّرْط لَا يثبت وَكَذَا الْخلاف فِي أَن تصرف الشَّفِيع قبل الْقَبْض وَبعد التَّمَلُّك هَل ينفذ وَوجه الْفرق أَن ملك الشُّفْعَة كَأَنَّهُ ملك بِنَاء قهري يضاهي الْإِرْث بِخِلَاف البيع وَكَذَا ثُبُوت الْملك بِالشُّفْعَة فِيمَا لم ير فِيهِ خلاف مُرَتّب على البيع وَأولى بالثبوت فَإِن أثبتنا الْملك فَلهُ الْخِيَار عِنْد الرُّؤْيَة وَللْمُشْتَرِي الِامْتِنَاع عَن قبُول الثّمن إِلَى أَن يرَاهُ الشَّفِيع فَإِنَّهُ لَا يَثِق بِالتَّصَرُّفِ فِي الثّمن

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يبْذل من الثّمن وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الشَّفِيع يَأْخُذ الشّقص بِمَا بذله المُشْتَرِي إِن كَانَ مثلِيا فبمثله وَإِن كَانَ مُتَقَوّما فبقيمته يَوْم العقد ليجبر مَا فَاتَ عَلَيْهِ إِذا أَخذ مَا حصل لَهُ وَإِذا كَانَ الثّمن مائَة منا من الْحِنْطَة قَالَ الْقفال وَالْأَئِمَّة يُكَال وَيسلم مثله كَيْلا فَإِن الْمُمَاثلَة فِي الربويات بمعيار الشَّرْع وطردوا هَذَا فِي إقراض الْحِنْطَة بِالْوَزْنِ ومنعوه وَقَالَ القَاضِي يَكْفِي الْوَزْن فِي مَسْأَلَتنَا إِذْ المبذور فِي مُقَابلَة الشّقص وَقدر الثّمن معياره لَا عوضه وَكَذَا فِي الْقَرْض فَإِنَّهُ لَو كَانَ مُعَاوضَة لشرط التَّقَابُض فِي الْمجْلس الثَّانِيَة اشْترى شِقْصا بِأَلف إِلَى سنة فَثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد وَهُوَ الْأَصَح أَن الشَّفِيع يتَخَيَّر بَين أَن يعجل الْألف وَيَأْخُذ أَو يُؤَخر إِلَى حُلُول الْأَجَل فَيَأْخُذ وَيسلم بعد الْحُلُول إِذْ إِثْبَات الْأَجَل عَلَيْهِ يضر بالمشتري فَإِنَّهُ قد لَا يرضى بِذِمَّتِهِ وعَلى هَذَا إِن أخر وَأشْهد على الطّلب لم تبطل شفعته وَإِن لم يشْهد فَوَجْهَانِ وَوجه بَقَاء الشُّفْعَة أَنه مَعْذُور وَلَو مَاتَ المُشْتَرِي وَحل عَلَيْهِ الدّين لم يحل على الشَّفِيع لِأَنَّهُ حَيّ فَهُوَ كضامن لدين مُؤَجل مَاتَ الْمَضْمُون عَنهُ

وَالْقَوْل الثَّانِي حَكَاهُ حَرْمَلَة أَنه يملك الشَّفِيع بِثمن فِي ذمَّته مُؤَجل كَمَا لَو ملكه المُشْتَرِي ثمَّ إِن كَانَ مَلِيًّا أَو كَانَ لَهُ كَفِيل سلم إِلَيْهِ الشّقص وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَمن الْأَصْحَاب من لم يشْتَرط الْكَفِيل واليسار وَقَالَ هُوَ كالمشتري الثَّالِث حَكَاهُ ابْن سُرَيج أَن الشَّفِيع يَأْخُذ فِي الْحَال بعوض يُسَاوِي ألفا إِلَى أجل إِذْ التَّأْخِير إِضْرَار وتكليفه النَّقْد إِضْرَار وتنقيص النَّقْد عَن الْمبلغ وُقُوع فِي الرِّبَا فَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب الثَّالِثَة إِذا اشْترى شِقْصا وسيفا بِأَلف وَقِيمَة السَّيْف مائَة وَقِيمَة الشّقص مِائَتَان أَخذ الشّقص بِثُلثي الْألف وَترك السَّيْف بِالْبَاقِي ثمَّ لم يكن للْمُشْتَرِي خِيَار التَّبْعِيض لِأَنَّهُ دخل على بَصِيرَة من الْأَمر وَلَو انْهَدم الدَّار قبل الْأَخْذ نقل الْمُزنِيّ أَنه يَأْخُذ بِكُل الثّمن وَنقل

الرّبيع أَنه يَأْخُذ بِحِصَّتِهِ فَاخْتلف طرق الْأَصْحَاب فِي تَنْزِيل النصين وَالْأَقْرَب من جملَة ذَلِك أَنه إِن ارتجت الدَّار وَلم ينْفَصل مِنْهَا شئ فَهُوَ عيب مَحْض فَيَأْخُذ بِكُل الثّمن كَمَا يَأْخُذ المُشْتَرِي الْمَبِيع قبل الْقَبْض إِذا تعيب وَإِن انْهَدم نظر فَإِن فَاتَ بعض الْعَرَصَة بسيل يَغْشَاهُ مَعَ بعض الْبناء أَخذ الْبَاقِي يحصته فَإِن كَانَ جَمِيع الْعَرَصَة بَاقِيَة نظر فَإِن تلف بعض النَّقْض فيبني على أَن السقوف من الدَّار كَالْيَدِ من العَبْد أَو كَأحد الْعَبْدَيْنِ فِي مُقَابلَته بِقسْطِهِ من الثّمن فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا كَالْيَدِ فَهَذَا تعيب فَيَأْخُذ بِالْكُلِّ كَمَا قَالَه الْمُزنِيّ وَإِن قُلْنَا كَأحد الْعَبْدَيْنِ فَيَأْخُذ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ وَإِن كَانَ النَّقْض قَائِما فقد صَار مَنْقُولًا فِي الدَّوَام وَلَا شُفْعَة فِي الْمَنْقُول فَفِي بَقَائِهِ فِي الِاسْتِصْحَاب قَولَانِ ذكرناهما وَيدل عَلَيْهِمَا هَذِه النُّصُوص فَإِن قُلْنَا يُؤْخَذ النَّقْض فَيُؤْخَذ الْجَمِيع بِكُل الثّمن إِذْ يبْقى الانهدام عَيْبا مَحْضا وَإِن قُلْنَا لَا يُؤْخَذ النَّقْض وجعلناه كَأحد الْعَبْدَيْنِ أَخذ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه كَالْيَدِ احْتمل الْقَوْلَيْنِ إِذْ يبعد أَن يفوز المُشْتَرِي بشئ مجَّانا

وَكَذَا الْخلاف لَو تلف النَّقْض بجنابة أَجْنَبِي وَحصل الْغرم للْمُشْتَرِي الرَّابِعَة إِذا اشْترى الشّقص بِأَلف ثمَّ انحطت مائَة فللحط أَرْبَعَة أَسبَاب الأول أَن يكون ببإبراء البَائِع فَإِن كَانَ بعد اللُّزُوم فَهُوَ مُسَامَحَة مَعَ المُشْتَرِي لَا يلْحق الشَّفِيع خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِن كَانَ فِي زمَان الْخِيَار فَالْأَظْهر أَنه يلْحقهُ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَنْبَنِي على أَقْوَال الْملك فَإِن قُلْنَا الْخِيَار لَا يمْنَع الْملك فَيصح الْإِبْرَاء وَفِي اللحوق بِالْعقدِ وَالشَّفِيع وَجْهَان وَإِن قُلْنَا يمْنَع الْملك فَلم يسْتَحق البَائِع الثّمن فَفِي نُفُوذ الْإِبْرَاء خلاف فَإِن صَحَّ فَيلْحق الشَّفِيع وَالأَصَح صِحَة الْإِبْرَاء واللحوق لِأَنَّهُ يُمكنهُ فِي الِابْتِدَاء أَن تصير الزِّيَادَة وَسِيلَة إِلَى دفع الشُّفْعَة فَيُبَاع بأضعاف الثّمن وَيبرأ فِي الْمجْلس السَّبَب الثَّانِي أَن يجد البَائِع بِالثّمن عَيْبا فَإِن كَانَ الثّمن عبدا فَإِن رده قبل أَخذ الشَّفِيع فَهُوَ أولى أم الشَّفِيع فِيهِ قَولَانِ

مرتبان على المُشْتَرِي إِذا أَرَادَ رد الشّقص بِالْعَيْبِ وَالْأولَى هَاهُنَا تَقْدِيم البَائِع فَإِنَّهُ لَا حق للشَّفِيع عَلَيْهِ وَلم يسلم لَهُ العَبْد وَإِن وجد الْعَيْب بعد أَخذ الشَّفِيع فَالصَّحِيح أَن الشُّفْعَة لَا تنقض وَلَكِن يرد العَبْد وَيرجع إِلَى قيمَة الشّقص فَإِن كَانَ تِسْعمائَة أَو كَانَ ألفا وَمِائَة فَهَل يجْرِي التراجع من الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الشُّفْعَة بِنَاء على العقد وَهَذَا أَمر حَادث وَالثَّانِي نعم يرجع الشَّفِيع على المُشْتَرِي إِن نقص وَالْمُشْتَرِي على الشَّفِيع إِن زَاد إِذْ صَار هَذَا مقَام الشّقص بِهِ على الْمُشْتَرى السَّبَب الثَّالِث الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَقد طَرَأَ على العَبْد عيب حَادث منع الرَّد فطالب البَائِع المُشْتَرِي بِالْأَرْشِ فقد اسْتمرّ بِمِقْدَار الثّمن فَإِن رَضِي بِالْعَيْبِ فَهَل يقْتَصر من الشَّفِيع بِقِيمَة الْمَعِيب فِيهِ وَجْهَان من

حَيْثُ إِنَّه قد يظنّ أَن هَذِه مُسَامَحَة مَعَ المُشْتَرِي على الْخُصُوص السَّبَب الرَّابِع أَن يجد المُشْتَرِي عَيْبا بالشقص فَإِن كَانَ بعد أَخذ الشَّفِيع فَلَا رد لَهُ وَلَا أرش لِأَنَّهُ روج على غَيره كَمَا روج عَلَيْهِ إِلَّا أَن يرد الشَّفِيع عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَعِنْدَ ذَلِك لَهُ الرَّد على البَائِع فَإِن وجد الْعَيْب قبل أَخذ الشَّفِيع وَقد حدث بِهِ عيب مَانع فاسترد الْأَرْش فَهَذَا يلْحق الشَّفِيع قطعا لِأَنَّهُ مُوجب العقد فِي عين الشّقص وَلَو تصالحا على عوض وَصحح الصُّلْح فَفِي لُحُوق ذَلِك بالشفيع وَجْهَان إِذْ قد يظنّ أَنه عوض عَن حق الْخِيَار الْخَامِسَة إِذا اشْترى بكف من الدَّرَاهِم مَجْهُولَة الْمِقْدَار نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على سُقُوط الشُّفْعَة إِذْ الْأَخْذ بِالْمَجْهُولِ غير مُمكن نعم لَو ادّعى على المُشْتَرِي الْعلم بِهِ فَيحلف على نفي الْعلم وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا تسْقط الشُّفْعَة بل يعين الشَّفِيع قدرا وَيحلف الْمُشْتَرى عَلَيْهِ فَإِن أصر على قَوْله لَا أعرف جعل ناكلا وَحلف الشَّفِيع فَإِن حلف على مِقْدَار يظنّ أَنه صدق فِيهِ فقد اسْتحق

وَإِن حلف المُشْتَرِي على أَن مَا عينه الشَّفِيع هُوَ دون مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَلكنه لَا يدْرِي قدر الزِّيَادَة فَيُقَال للشَّفِيع زد وادع إِلَى أَن يحلف المُشْتَرِي أَو ينكل وَهُوَ كَمَا لَو ادّعى ألفا على إِنْسَان دينا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا أَدْرِي مِقْدَاره فَإِنَّهُ لَا يسمع بل يَجْعَل ناكلا إِن اسْتمرّ عَلَيْهِ وَالْمذهب الأول السَّادِسَة الشَّفِيع يسلم الثّمن إِلَى المُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي إِلَى البَائِع وَلَا مُعَاملَة بَين الشَّفِيع وَالْبَائِع هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَفِيه وَجه أَنه يسلم إِلَى البَائِع وَكَأن المُشْتَرِي عقد لَهُ وَلَو كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع وتعلل المُشْتَرِي بِهِ لم يكن ذَلِك عذرا فَإِنَّهُ إِذا سلم الثّمن أجبر البَائِع على أَخذ الثّمن وَرفع الْيَد وَلَو خرج الثّمن مُسْتَحقّا نظر إِن خرج ثمن العقد مُسْتَحقّا فقد بَان بطلَان العقد وَانْتِفَاء الشُّفْعَة وَإِن خرج ثمن الشَّفِيع مُسْتَحقّا بعد أَن أَخذ فَإِن لم يعرف الشَّفِيع فَهُوَ مَعْذُور وَالْقَوْل قَوْله أَنه لم يعرف وَلَكِن هَل يتَبَيَّن أَنه لم يحصل ملكه بذلك الثّمن وَإِنَّمَا يحصل بِالثَّانِي فِيهِ وَجْهَان

وَإِن عرف كَونه مُسْتَحقّا فَفِي بطلَان شفعته بتقصيره وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْحق أَنه لم يقصر فِي الطّلب وَالْأَخْذ ثمَّ فِي تَبْيِين بطلَان الْملك بِالثّمن الْمُسْتَحق وَجْهَان مرتبان وَهَاهُنَا أولى بِأَن يتَبَيَّن وَيُقَال حصل الْملك بِالثّمن الثَّانِي وَتظهر فَائِدَة ذَلِك فِي ارْتِفَاع الْملك وزيادته وَلَو خرج الثّمن زُيُوفًا لَا يبطل الْملك الْحَاصِل وَلَا حق الشُّفْعَة لِأَن ذَلِك مِمَّا يُمكن الرضاء بِهِ فرع لَو خرج الشّقص مُسْتَحقّا بعد أَن بنى فِيهِ الشَّفِيع نقض الْمُسْتَحق بناءه مجَّانا قَالَ القَاضِي وَيرجع الشَّفِيع على المُشْتَرِي بِأَرْش النَّقْض إِذا قُلْنَا يرجع المُشْتَرِي على الْغَاصِب أخذا من قَاعِدَة الْغرُور وَفِيه إِشْكَال لِأَن المُشْتَرِي مقهور هَاهُنَا فَكيف يُحَال الْغرُور إِلَيْهِ ثمَّ قد يكون جَاهِلا

فَإِن كَانَ مقهورا لم ينقدح الرُّجُوع وَإِن رَضِي بِالثّمن أَو طلبه انقدح ثمَّ إِن كَانَ جَاهِلا انقدح أَن يرجع هُوَ بِهِ على البَائِع فَإِنَّهُ منشأ الْغرُور السَّابِعَة أَن يزِيد الثّمن على الشَّفِيع بِأَن يَبْنِي المُشْتَرِي ويغرس فَلَيْسَ لَهُ قلعة مجَّانا بل عَلَيْهِ أَن يبْذل قِيمَته ويتملك عَلَيْهِ أَو ينْقضه بِأَرْش أَو يبقيه باجره كَمَا يفعل الْمُعير بالمستعير خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ ينْقضه مجَّانا فَأَما زرعه فيبقيه بِغَيْر أُجْرَة لِأَن أمده مَعْلُوم وَكَأن الْمَنْفَعَة كالمستوفاة بالزراعة فَهُوَ كَمَا لَو اشْترى أَرضًا مزروعة إِذْ الشَّفِيع من المُشْتَرِي كالمشتري من البَائِع وَفِي الْعَارِية تبقى بِأُجْرَة وَقد خرج فِي مَسْأَلَتنَا أَيْضا مِنْهُ وَجه وَلكنه غَرِيب وَقد اعْترض الْمُزنِيّ على الْمَسْأَلَة وَقَالَ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يثبت

شُفْعَة الْجوَار وَلَا يتَصَوَّر الْبناء على الْمُشْتَرك إِلَّا بِالرِّضَا فَإِن لم يكن رضَا فَهُوَ عدوان منقوض فَقَالَ الْأَصْحَاب يتَصَوَّر بِأَن يقاسم الشَّرِيك المُشْتَرِي على ظن أَنه وَكيل البَائِع أَو يكون غَائِبا فَيقسم القَاضِي عَنهُ أَو يكون قد وكل وَكيلا فِي الْقِسْمَة وَهُوَ غَائِب فَلَا يسْقط حَقه بشئ من ذَلِك فَإِن قيل فَالشُّفْعَة لرفع ضَرَر مُؤنَة الاستقسام وكيفما كَانَ فقد انْقَطع وَهُوَ الْآن جَار لَا يحذر الاستقسام قُلْنَا ذَلِك يعْتَبر حَالَة الِاسْتِحْقَاق ودوامه حَالَة الْأَخْذ لَا تعْتَبر فَإِن قيل فَلَو بَاعَ نصِيبه مَعَ الْجَهْل بِالشُّفْعَة فَفِي بطلَان الشُّفْعَة خلاف لانْقِطَاع السَّبَب عَن الْأَخْذ فالانقطاع بِالْقِسْمَةِ هلا كَانَ كالانقطاع بِالْبيعِ حَتَّى يخرج على الْخلاف قُلْنَا قطع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ إِن زَالَت الشّركَة بَقِي الْجَوَاز وَهُوَ نوع اتِّصَال كَانَ شركَة فِي الِابْتِدَاء فَلَا يَنْقَطِع حكمهَا مَا لم يزل تَمام الِاتِّصَال فَكَأَن الْجَوَاز يصلح للاستصحاب إِن لم يصلح للابتداء أما تَصَرُّفَات المُشْتَرِي بِالْوَقْفِ وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَكلهَا منقوضة وَإِن بَاعَ فالشفيع بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ بِالثَّانِي أَو ينْقض الثَّانِي وَيَأْخُذ بِالْأولِ وَعَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي أَنه لَا ينْقض بَيْعه لِأَن الْأَخْذ بِهِ مُمكن كَمَا لَا ينْقض بِنَاؤُه مجَّانا الثَّامِنَة إِذا تنَازع المُشْتَرِي وَالشَّفِيع فَإِن تنَازعا فِي قدر الثّمن فَالْقَوْل قَول

المُشْتَرِي لِأَنَّهُ أعرف بِهِ وَالْملك ملكه فَلَا يزَال إِلَّا بِحجَّة وَإِن أنكر المُشْتَرِي كَونه شَرِيكا فَعَلَيهِ إِثْبَات كَونه شَرِيكا وَإِلَّا فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي يحلف على أَنه لَا يعلم لَهُ فِي الدَّار شُرَكَاء وَلَا يلْزمه الْبَتّ بِخِلَاف مَا لَو ادّعى ملكا فِي يَده فَإِنَّهُ يجْزم الْيَمين على نفي ملك الْغَيْر لِأَن هَذَا ينزل منزلَة نفي فعل الْغَيْر وَإِن أنكر المُشْتَرِي الشِّرَاء فَإِن كَانَ للشَّفِيع بَيِّنَة أَقَامَهَا وَأخذ الشّقص وَالثمن يسلم إِلَى المُشْتَرِي إِن أقرّ وَإِن أصر على الْإِنْكَار فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يبْقى فِي يَد الشَّفِيع وَالثَّانِي يحفظ كَمَا يحفظ المَال الضائع وَالثَّالِث أَنه يجْبر المُشْتَرِي على الْقبُول حَتَّى تَبرأ الشَّفِيع وَيحصل لَهُ الْملك أما إِذا لم يكن لَهُ بَيِّنَة وَكَانَ البَائِع مقرا فاختيار الْمُزنِيّ أَنه تثبت الشُّفْعَة لِأَن البَائِع وَالشَّفِيع متقاران على أَن قَرَار الْملك للشَّفِيع فَلم يمْتَنع بقول من لَا قَرَار لملكه وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج وَمذهب أبي حنيفَة أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ فرع المُشْتَرِي وَلَا يثبت الشِّرَاء إِلَّا بقول المُشْتَرِي أَو بِحجَّة

التَّفْرِيع إِن قُلْنَا لَهُ الشُّفْعَة فَمَاذَا يصنع بِالثّمن نظر إِن قَالَ البَائِع مَا قبضت الثّمن فَيسلم إِلَيْهِ وَفِي كيفيته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسلم إِلَيْهِ ابْتِدَاء لِأَنَّهُ الْأَقْرَب وَالثَّانِي أَنه ينصب القَاضِي عَن المُشْتَرِي نَائِبا ليقْبض لَهُ ثمَّ يسلم عَن جِهَته إِلَى البَائِع وَفِيه إِشْكَال إِذْ نصب النَّائِب عَمَّن يُنكر الْحق لنَفسِهِ بعيد وَإِن قَالَ البَائِع قبضت الثّمن فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يتْرك فِي يَد الشَّفِيع فَلَعَلَّ المُشْتَرِي يقر وَالثَّانِي يحفظه القَاضِي فَإِنَّهُ ضائع وَقيل إِنَّه تسْقط الشُّفْعَة إِذا أقرّ البَائِع بِالْقَبْضِ لعسر الْأَمر

الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَخْذ عِنْد تزاحم الشُّرَكَاء وَله ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى إِذا توافقوا فِي الطّلب وزع القَاضِي عَلَيْهِم بِالسَّوِيَّةِ فَأن تفاوتت حصصهم فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يوزع على عدد الرؤوس وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله والمزني وَالثَّانِي أَنه يوزع على الحصص وَهُوَ الْجَدِيد وتوجيهه مَذْكُور فِي الْخلاف فروع ثَلَاثَة الأول إِذا مَاتَ الشَّفِيع وَخلف ابْنا وبنتا وَقُلْنَا الشُّفْعَة على قدر الرؤوس فهاهنا فِي التَّفَاوُت وَجْهَان ومأخذه أَن الْوَارِث يَأْخُذ بشركته الناجزة أَو يَرث حق الشُّفْعَة وَالأَصَح أَنه يَرث ويتفاوتان للتفاوت فِي الْإِرْث وَالثَّانِي مَاتَ رجل وَخلف ابْنَيْنِ ودارا بَينهمَا فَمَاتَ أحد الِابْنَيْنِ وَخلف وَلدين فَبَاعَ أَحدهمَا نصِيبه

فالجديد وَهُوَ الْقيَاس الْحق أَن الشُّفْعَة يشْتَرك فِيهَا أَخُوهُ وَعَمه وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن الْأَخ مقدم لقرب الإداء بالأخوة وَهُوَ بعيد الثَّالِث إِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه من شَخْصَيْنِ فِي صفقتين متعاقبتين فَإِن المُشْتَرِي الأول شَرِيكه عِنْد الشِّرَاء الثَّانِي فَهَل يساهم الشَّرِيك الْقَدِيم فِي الشُّفْعَة مَعَ أَن حِصَّته الَّتِى بهَا اسْتِحْقَاقه معرضة لنقض الشَّرِيك الْقَدِيم فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ ملك مزلزل معرض للنقض فَكيف ينْقض بِهِ غَيره وَهُوَ غير مصون عَن النَّقْض فِي نَفسه وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ شريك حَالَة الشِّرَاء فتوقع زَوَال ملكه لَا يمنعهُ من الْحق وَالثَّالِث أَن الشَّرِيك الْقَدِيم إِن عَفا عَن الشُّفْعَة فِي نصِيبه فقد اسْتَقر ملكه فَلهُ الْأَخْذ وَإِن كَانَ يَأْخُذهُ فَلَا يحسن الْأَخْذ بالمأخوذ فِي نَفسه الْحَالة الثَّانِيَة أَن يعْفُو بعض الشُّرَكَاء نقدم عَلَيْهِ أَن الْمُنْفَرد لَو عَفا عَن بعض حَقه سقط كل حَقه لِأَن التجزئة إِضْرَار بالمشتري وَمَا امْتنع تجزئته فإسقاط بعضه إِسْقَاط كُله كَالْقصاصِ وَفِيه وَجْهَان غَرِيبَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يسْقط شئ أصلا لِأَن مبْنى الْقصاص على السُّقُوط بِخِلَاف الشُّفْعَة

وَالثَّانِي أَنه يسْقط مَا أسْقطه وَيبقى الْبَاقِي إِن رَضِي بِهِ المُشْتَرِي أما إِذا عَفا أحد الشُّرَكَاء فَالْمَذْهَب أَن الشَّرِيك الآخر يَأْخُذ الْكل وَيسْقط حق الْمسْقط وَقيل إِنَّه يَأْخُذ الثَّانِي نصِيبه وَقيل لَا يسْقط نصيب الآخرين كَمَا فِي الْقصاص وَقيل لَا يسْقط حق السقط وَالْكل بعيد الْحَالة الثَّالِثَة إِن تغيب بعض الشُّرَكَاء فالحاضر يَأْخُذ حذارا من التشطير على المُشْتَرِي فَإِذا حضر الآخر شاطر الأول فَإِن حضر ثَالِث قاسمهما فَإِن أخر الأول تَسْلِيم كل الثّمن وَقَالَ أؤخر إِلَى حُضُور الآخرين فَفِي بطلَان حَقه وَجْهَان ثمَّ إِذا أَخذ الثَّانِي من الأول لم يُطَالِبهُ بالغلة للمدة الْمَاضِيَة لِأَنَّهُ متملك عَلَيْهِ كَمَا أَن الشَّفِيع متملك على المُشْتَرِي فرع لَا يجوز التَّبْعِيض على المُشْتَرِي مهما اتّحدت صفقته فَإِن تعدّدت الصَّفْقَة بِتَعَدُّد البَائِع أَو بِتَعَدُّد المُشْتَرِي فَلهُ أَخذ مَضْمُون أَحدهمَا وَفِيمَا إِذا اتَّحد المُشْتَرِي وتعدد البَائِع وَجه أَنه لَا يَأْخُذ إِلَّا الْكل أما إِذا اشْترى شقصين من دارين وَالشَّرِيك فيهمَا وَاحِد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يَأْخُذ الْكل حذارا من تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهِي متحدة وَالثَّانِي لَهُ الِاقْتِصَار على وَاحِد كَمَا لَو لم يكن شَرِيكا إِلَّا فِي أَحدهمَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِيمَا يسْقط بِهِ حق الشُّفْعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد اخْتلف فِي مدَّته قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَالصَّحِيح وَهُوَ الْجَدِيد أَنه على الْفَوْر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الشُّفْعَة كحل العقال وَلِأَنَّهُ قريب الشّبَه من الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ نقض ملك لدفع ضَرَره وَالثَّانِي وَهُوَ الذى رَوَاهُ حَرْمَلَة أَنه يتمادى إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن التَّأْبِيد إِضْرَار بالمشتري وَإِيجَاب الْفَوْر إِضْرَار بالشفيع فَإِنَّهُ قد يحْتَاج إِلَى روية وَمُدَّة النّظر فِي الشَّرْع ثَلَاثَة أَيَّام بِدَلِيل مُدَّة الْخِيَار ويطرد هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي قتل الْمُرْتَد وتارك الصَّلَاة وَطَلَاق المؤلي وَنفي الْوَلَد بِاللّعانِ وَفسخ الزَّوْجَة بإعسار الزَّوْج وَخيَار الْأمة إِذا عتقت وَالثَّالِث أَنه على التأييد كحق الْقصاص وَهَذَا القَوْل لَا يطرد إِلَّا فِي خِيَار الْأمة

وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فِي أَمريْن أَحدهمَا أَنه يسْقط بِصَرِيح الْإِبْطَال وَهل يسْقط بِدلَالَة الْإِبْطَال كَقَوْلِه بِعْهُ مِمَّن شِئْت فِيهِ وَجْهَان وَالثَّانِي أَن المُشْتَرِي هَل يرفع الشَّفِيع إِلَى القَاضِي ليَأْخُذ أَو يسْقط حَتَّى يكون على ثِقَة فِي التَّصَرُّف فِيهِ قَولَانِ والتفريع بعد هَذَا على الصَّحِيح وَهُوَ أَنه على الْفَوْر فَيسْقط بِكُل مَا يعد فِي الْعرف تقصيرا فِي الطّلب وَمَا لَا يعد تقصيرا فَلَا وَبَيَانه بِسبع صور الأولى أَنه إِذا بلغه الْخَبَر فَيَنْبَغِي أَن يشْهد على الطّلب وينهض إِلَى طلب المُشْتَرِي أَو يبْعَث وَكيلا فَإِن كَانَ عَاجِزا عَن طلبه بِمَرَض أَو حبس فِي بَاطِل فَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي دين حق فَهُوَ غير قَادر على الْأَدَاء أَو كَانَ المُشْتَرِي غَائِبا وَلم يجد فِي الْحَال رفْقَة يخرج مَعهَا وَكيله فَلَا يسْقط حَقه فَإِنَّهُ مَعْذُور فَإِن كَانَ المُشْتَرِي حَاضرا فَخرج بِنَفسِهِ وَلم يشْهد فَالْمَذْهَب أَنه لَيْسَ بتقصير وَإِن لم يخرج بِنَفسِهِ لعذر وَقدر على التَّوْكِيل فَلم يُوكل فَثَلَاثَة

أوجه الثَّالِث أَنه كَانَ يلْزمه فِيهِ منَّة أَو مُؤنَة فَهُوَ مَعْذُور وَإِلَّا فَلَا فَإِن عجز عَن التَّوْكِيل فليشهد فَإِن لم يفعل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن الْإِشْهَاد مُسْتَحبّ قطعا للنزاع وَإِلَّا فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه فِي الْحَال لَا أقل من الْإِشْهَاد إِذا لم ينْهض للطلب الثَّانِيَة أَنه لَو كَانَ فِي حمام أَو على طَعَام أَو فِي نَافِلَة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يلْزمه الْقطع وَمُخَالفَة الْعَادة بل يجْرِي على الْمُعْتَاد وَفِيه وَجه أَنه يلْزمه ذَلِك تَحْقِيقا للبدار الثَّالِثَة أَنه لَو أخر ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أخرت لِأَنِّي لم أصدق الْمخبر نظر فَإِن أخبرهُ عَدْلَانِ فَلَا يعْذر وَإِن أخبرهُ فَاسق أَو صبي أَو كَافِر وَمن لَا تقبل رِوَايَته فمعذور وَإِن أخبرهُ عدل وَاحِد أَو عبيد وَمن تقبل رِوَايَته لاشهادته فَوَجْهَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يعْذر وَلَو كذب الْمخبر وَقَالَ بيع بِأَلفَيْنِ فَإِذا هُوَ بِأَلف أَو بِالصَّحِيحِ فَإِذا هُوَ مكسر

أَو بالمؤجل فَإِذا هُوَ حَال أَو بِالْعَكْسِ أَو بيع من زيد فَإِذا هُوَ من عَمْرو أَو قيل اشْترى النّصْف بِخَمْسِينَ فَإِذا هُوَ اشْترى الْكل بِمِائَة أَو بيع بِالدَّرَاهِمِ فَإِذا هُوَ بِالدَّنَانِيرِ أَو بِالْعَكْسِ فَعَفَا ثمَّ تبين كذب الْمخبر فحقه بَاقٍ وَله الطّلب وَلَو أخبر أَنه بيع بِأَلف فَإِذا هُوَ بِأَلفَيْنِ فَعَفَا ثمَّ طلب فَلَا لِأَن من رغب عَن ألف فَهُوَ عَن أَلفَيْنِ أَرغب وَلَو قَالَ جهلت بطلَان الْحق بِالتَّأْخِيرِ وَكَانَ مِمَّن يشْتَبه على مثله فَهُوَ أَيْضا مَعْذُور الرَّابِعَة إِذا ألفى المُشْتَرِي فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك جِئْت طَالبا لم يبطل حَقه لِأَنَّهُ إِقَامَة سنة وَلَو قَالَ اشْتريت رخيصا وَأَنا طَالب بَطل حَقه لِأَنَّهُ اشْتغل بِفُضُول لَا فَائِدَة لَهُ فِيهِ فَإِن قَالَ بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك وَأَنا طَالب قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يبطل لِأَنَّهُ تهنئة وَقِيَاس المراوزة الْإِبْطَال لِأَنَّهُ فضول فِي هَذَا الْموضع وَلَو قَالَ بكم اشْتريت قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يبطل وَقَالَ المراوزة لَا لِأَن لَهُ غَرضا فَلَعَلَّهُ يستنطقه بِالْإِقْرَارِ وَيبين الْمِقْدَار إِذْ عَلَيْهِ تبتنى رغبته فِي الطّلب

الْخَامِسَة إِذا زرع المُشْتَرِي الأَرْض ثمَّ علم الشَّفِيع فَأخر تَسْلِيم الثّمن لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع فِي الْحَال لَا يبطل حَقه لِأَنَّهُ لَا يتَحَصَّل على فَائِدَة فِي الْحَال وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يعجل الطّلب وَيُؤَخر الثّمن السَّادِسَة لَو بَاعَ ملكه قبل الْأَخْذ مَعَ الْعلم بِالشُّفْعَة فَهُوَ إِسْقَاط للشفعة وَإِن كَانَ جَاهِلا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يسْقط إِذْ لم يبْق شَرِيكا فَلَا يبْقى ضَرَر عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه لَا يبطل لِأَن الْحق ثَبت وَلم يجر إِسْقَاطه فَيبقى وَمثله جَار فى الْأمة إِذا لم تشعر حَتَّى عتق العَبْد وَالْمُشْتَرِي إِذا لم يشْعر بِالْعَيْبِ حَتَّى زَالَ السَّابِعَة لَا يجوز أَخذ الْعِوَض عَن حق الشُّفْعَة وَلَا عَن حق حد الْقَذْف وَلَا عَن مقاعد الْأَسْوَاق وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي أَنا أُخَالِف الْأَصْحَاب فِي هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث وَالْمَقْصُود أَنه لَو صَالح الشَّفِيع بطلت شفعته وَلم يثبت الْعِوَض إِن كَانَ عَالما بِالْبُطْلَانِ فَإِن ظن الصِّحَّة فَوَجْهَانِ وَالْأولَى أَن لَا يبطل

فرع إِذا تنَازعا فِي الْعَفو فَالْقَوْل قَول الشَّفِيع أَنه عَفا فَلَو أَقَامَ بَيِّنَة على أَنه أَخذ بِالشُّفْعَة وَالشَّيْء فِي يَده وَأقَام المُشْتَرِي بَيِّنَة على الْعَفو فَوَجْهَانِ أَحدهمَا بَيِّنَة الشَّفِيع أولى لِأَنَّهُ صَاحب الْيَد وَالثَّانِي بَيِّنَة المُشْتَرِي لِأَنَّهُ يشْتَمل على مزِيد وَلَيْسَ فِيهِ تَكْذِيب الآخر فَلَو شهد البَائِع على الْعَفو قبل قبض الثّمن لم يجز إِذْ بَقِي لَهُ علقَة الرُّجُوع بالإفلاس وَبعد الْقَبْض فَوَجْهَانِ من حَيْثُ توقع التراد بالأسباب وَلَو شهد بعض الشُّرَكَاء على الْبَعْض بِالْعَفو فَإِن كَانَ قد عَفا الشَّاهِد قبلت شَهَادَته وَإِلَّا فَلَا فَإِنَّهُ يجر إِلَى نَفسه نفعا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

= كتاب الْقَرَاض = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الصِّحَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة العاقدان والعوضان وَرَأس المَال وَصِيغَة العقد ومستند صِحَة الْقَرَاض الْإِجْمَاع وَقد عرف ذَلِك بِمَا رُوِيَ أَن عبد الله بن عمر وَعبيد الله بن عمر لما انصرفا من غَزْوَة نهاوند أتحفهما وَالِي الْعرَاق بإقراض مَال من بَيت المَال ليشتريا بِهِ أَمْتعَة فيربحان عَلَيْهِ ويسلمان قدر رَأس المَال إِلَى عمر فكلفهما عمر رَضِي الله عَنهُ رد الرِّبْح وَقَالَ مَا فعل ذَلِك إِلَّا لمكانتكما مني فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لَو جعلته قراضا على النّصْف فَأجَاب إِلَيْهِ فَدلَّ ذَلِك على أَن الْقَرَاض كَانَ بَينهم مَعْرُوفا مفروغا مِنْهُ وَلَعَلَّ مستندهم فِيهِ صِحَة الْمُسَاقَاة إِذْ كل وَاحِد مِنْهُمَا مُعَاملَة يحْتَاج إِلَيْهِ رب المَال لتنميته وَهُوَ عَاجز عَنهُ بِنَفسِهِ لقصوره وَعَن اسْتِئْجَار غَيره لجَهَالَة الْعَمَل فنبدأ بالركن الأول وَهُوَ رَأس المَال وَله أَرْبَعَة شَرَائِط

الأول كَونه نَقْدا فَلَا يُورد الْقَرَاض إِلَّا على النَّقْدَيْنِ وَهِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير المسكوكة أما النقرة وَسَائِر الْعرُوض فَلَا وَكَذَا على الْمَغْشُوش على الصَّحِيح لِأَن النّحاس فِيهِ سلْعَة وَلَا يُورد على الْفُلُوس قطعا وَعلة هَذَا الشَّرْط أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن مَقْصُود العقد الاتجار وَإِنَّمَا جوز رخصَة وَفِي الْإِيرَاد على الْعرُوض تضييق فقد لَا تروج فِي الْحَال وَالثَّانِي أَنه لَا بُد عِنْد الْقِسْمَة من الرَّد إِلَى رَأس المَال ليتبين الرِّبْح فَلَو أورد على وقر حِنْطَة وَقِيمَته فِي الْحَال دِينَار فقد يربح تِسْعَة ثمَّ تغلو الْحِنْطَة فَلَا يُوجد الوقر إِلَّا بِعشْرَة دَنَانِير فَصَاعِدا فيحبط الرِّبْح لَا بخسران فِي التِّجَارَة الثَّانِي أَن يكون مَعْلُوم الْمِقْدَار فَلَو قارض على صبرَة من الدَّرَاهِم بَطل لِأَن جَهله يُؤَدِّي إِلَى جهل الرِّبْح وَهُوَ عوض فِي العقد الثَّالِث التَّعْيِين فَلَو أورد على ألف لم يعين فسد إِلَّا إِذا عين فِي الْمجْلس فَيصح كَبيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ وَلَو سلم إِلَيْهِ أَلفَيْنِ فِي كيسين وَقَالَ أودعتك أَحدهمَا وقارضتك على الآخر وَلم يعين فيوجهان فِي الصِّحَّة

أَحدهمَا الْجَوَاز للتساوي وَالثَّانِي لَا لعدم التَّعْيِين وَلَو قارضه على ألف وَهُوَ عِنْده وَدِيعَة جَازَ وَكَذَا لَو كَانَ عِنْده غصبا وَلَكِن هَل يَنْقَطِع الضَّمَان فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَالرَّهْنِ وَالثَّانِي نعم لِأَن الْأَمَانَة مَقْصُودَة فِي هَذَا العقد فَهُوَ إِلَى الْوَدِيعَة أقرب وَفِي طَريقَة الْعرَاق ذكر الْوَجْهَانِ فِي صِحَة الْقَرَاض وَلَعَلَّه غلط إِذْ لَا مُسْتَند لاشْتِرَاط عدم الْغَصْب فَإِذا صحت الْوَدِيعَة وَالرَّهْن وَالْوكَالَة فبأن يَصح الْقَرَاض أولى الرَّابِع أَن يكون رَأس المَال مُسلما إِلَى الْعَامِل يدا لَا يداخله الْمَالِك بِالتَّصَرُّفِ وَالْيَد فَلَو شَرط لنَفسِهِ يدا أَو تَصرفا مَعَه فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تضييق وَكَذَا إِذا

شَرط مُرَاجعَته فِي التَّصَرُّف أَو مُرَاجعَة مشرفه وَلَو شَرط أَن يعْمل مَعَه غُلَامه فالنص الْجَوَاز فِي الْمُسَاقَاة والقراض جَمِيعًا وَفِيه وَجه لِأَن يَد الْغُلَام يَد الْمَالِك الرُّكْن الثَّانِي عمل الْعَامِل فَإِنَّهُ أحد الْعِوَضَيْنِ وَفِيه ثَلَاث شَرَائِط الأول أَن يكون تِجَارَة أَو من لواحقها أما الْحَرْف والصناعات فَلَا فَلَو سلم إِلَيْهِ دَرَاهِم ليَشْتَرِي حِنْطَة فيطحن ويخبز وَيكون الرِّبْح بَينهمَا فَهُوَ فَاسد وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أُجْرَة الْمثل بل إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهِ فَاشْترى الْحِنْطَة وطحن وخبز انْفَسَخ الْقَرَاض لِأَن الرِّبْح حصل بِالْعَمَلِ وَالتِّجَارَة جَمِيعًا وَمَا لَيْسَ تِجَارَة لَا يُقَابل بِالرِّبْحِ الْمَجْهُول والتمييز غير مُمكن أما النَّقْل وَالْوَزْن ولواحق التِّجَارَة فَهِيَ تَابِعَة أما إِذا سلم إِلَيْهِ مَالا لينقل إِلَى بلد وَيَشْتَرِي بِهِ سلْعَة وَيبِيع وَالرِّبْح بَينهمَا فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن النَّقْل عمل مَقْصُود انْضَمَّ إِلَى التِّجَارَة وَلَكِن لما كَانَ يعْتَاد السّفر فِي التِّجَارَة ترددوا فِيهِ

فرع لَو قَالَ قارضتك على الْألف الذى عَلَيْك فاقبضه لي من نَفسك واتجر فِيهِ فَهُوَ فَاسد إِذْ لَا يَصح قَبضه لَهُ من نَفسه فَلَا يملك فَلَو اشْترى لَهُ بِدَرَاهِم نَفسه شَيْئا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ اشْتَرِ لي هَذَا الْفرس بثوبك فَفعل فَفِي وُقُوعه عَن الْآمِر وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن عوضه ملك غَيره وَالثَّانِي بلَى وَلَكِن يقدر انْتِقَال الْملك فِي الْعِوَض ضمنا إِمَّا هبة وَإِمَّا قرضا وَفِيه أَيْضا وَجْهَان الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يعين الْعَمَل تعيينا مضيقا فَلَو قَالَ لَا تتجر إِلَّا فِي الْخَزّ الأدكن وَالْخَيْل الايلق فسد وَكَذَلِكَ إِذا عين للمعاملة شخصا لِأَنَّهُ قد لَا يربح عَلَيْهِ وَلَو عين جنس الْبَز أَو الْخَزّ جَازَ ثمَّ يتبع فِيهِ مُوجب الِاسْم فَكل مَا يُسمى بزا يتَصَرَّف فِيهِ وَذَلِكَ مُعْتَاد لَا تضييق فِيهِ الثَّالِث إِطْلَاق الْقَرَاض قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز الْقَرَاض إِلَى مُدَّة فاتفق الْأَصْحَاب أَنه لَو أقت إِلَى سنة وَصرح بِمَنْع البيع بعده فَهُوَ بَاطِل إِذْ قد

لَا يجد رَاغِبًا قبله وَإِن قَالَ لَا تشتر بعده وبع أَي وَقت شِئْت فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ تضييق وَالثَّانِي يجوز إِذْ لَهُ مَنعه من الشِّرَاء مهما أَرَادَ وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع من البيع فَلهُ أَن يؤقت فِي الِابْتِدَاء مَاله أَن يفعل فِي الدَّوَام وَلَو أطلق وَقَالَ قارضتك سنة فطريقان أَحدهمَا الْبطلَان تَنْزِيلا على الصُّورَة الأولى وَالثَّانِي الْوَجْهَانِ تَنْزِيلا على الْأَخِيرَة وترجيحا لجَانب الصِّحَّة وَلَو قَالَ لَا تتصرف إِلَّا فِي الرطب فَالْمَذْهَب جَوَازه وَإِن كَانَ ذَلِك يتَضَمَّن تأقيتا بِحكم الْحَال

الرُّكْن الثَّالِث الرِّبْح وَهُوَ الْعرض الْمُقَابل للْعَمَل وجهالته وَالْغرر فِي وجوده للْحَاجة وَله أَرْبَعَة شَرَائِط الأول الاستهام فَلَو شَرط للْمَالِك فَهُوَ فَاسد وَهل يسْتَحق أُجْرَة الْمثل عل تصرفه فَإِنَّهُ يَصح التَّصَرُّف بِحكم الْإِذْن اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ خَاضَ فِي الْعَمَل غير طامع فِي الرِّبْح وَقَالَ ابْن سُرَيج يسْتَحق لِأَن العقد يَقْتَضِي الْعِوَض بِوَضْعِهِ فَشرط النَّفْي لَا يَنْفِيه كالمهر فِي النِّكَاح وَلَو شَرط الْكل لَهُ فَهُوَ فَاسد وَالرِّبْح كُله للْمَالِك وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ إِلَّا أُجْرَة الْمثل فَإِنَّهُ طمع فِي عوض وَلَو قَالَ خُذ المَال وَتصرف فِيهِ وكل الرِّبْح لَك فَهُوَ منزل على الْقَرْض فَيكون الرِّبْح لِلْعَامِلِ وَإِذا ذكر لفظ الْقَرَاض لم ينزل على الْقَرْض على الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَلَو قَالَ على أَن النّصْف لي وَسكت عَن جَانب الْعَامِل لم يَصح على الْمَذْهَب لِأَن الْإِضَافَة إِلَى الْعَامِل هى النتيجة الْخَاصَّة للقراض وَقَالَ ابْن سُرَيج يَصح أخذا من الفحوى وَالْعرْف

وَلَو قَالَ على أَن النّصْف لَك فَالْمَذْهَب صِحَّته وَفِيه وَجه بعيد الثَّانِي أَن لَا يُضَاف جُزْء إِلَى ثَالِث فَإِنَّهُ إِثْبَات اسْتِحْقَاق بِغَيْر مَال وَلَا عمل إِلَّا أَن يُضَاف إِلَى غُلَام أَحدهمَا فَهُوَ كالإضافة إِلَى مَالِكه الثَّالِث أَن لَا يقدر الرِّبْح فَلَو قَالَ لَك من الرِّبْح دِرْهَم أَو ألف لم يَصح فَرُبمَا لَا يزِيد الرِّبْح على مَا ذكره فَيخْتَص الْكل بِمن شَرط لَهُ وَكَذَلِكَ إِذْ قَالَ لي دِرْهَم أولك دِرْهَم من الْجُمْلَة وَالْبَاقِي بَيْننَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ على أَن لي ربح العبيد من مَال الْقَرَاض وَلَو قَالَ على أَن لي ربح أحد الْأَلفَيْنِ وَهُوَ مختلط قَالَ ابْن سُرَيج لَا يَصح للتخصيص وَقَالَ القَاضِي يَصح إِذْ لَا فرق بَين أَن يَقُول لي ربح النّصْف أَو نصف الرِّبْح أَو ربح الْألف وَالْمَال أَلفَانِ الرَّابِع أَن يكون الْجُزْء الْمَشْرُوط مَعْلُوما فَلَو قَالَ على أَن لَك من الرِّبْح مَا شَرطه فلَان لفُلَان وَهُوَ مَجْهُول لَهما

أَو لأَحَدهمَا فَهُوَ فَاسد كَنَظِيرِهِ فِي البيع وَلَو قَالَ على أَن لَك سدس تسع عشر الرِّبْح وَهُوَ لَيْسَ حيسوبا يفهم مَعْنَاهُ فِي الْحَال فَوَجْهَانِ وَوجه الصِّحَّة أَن اللَّفْظ مَعْرُوف والقصور فيهمَا وَلَو قَالَ على أَن الرِّبْح بَيْننَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يَصح وَينزل على الشّطْر وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن للتشطير فَهُوَ مَجْهُول

الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَهُوَ أَن يَقُول قارضتك أَو ضاربتك أَو عاملتك على أَن لَك من الرِّبْح كَذَا فَيَقُول قبلت فَلَو قَالَ خُذ المَال واتجر فِيهِ وَلَك من الرِّبْح نصفه فقد قَالَ القَاضِي يَكْفِي الْقبُول بِالْفِعْلِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوكَالَة وَهُوَ هَاهُنَا أبعد إِذْ فِيهِ معنى الْمُعَاوضَة

الرُّكْن الْخَامِس وَالسَّادِس وهما العاقدان وَلَا يشْتَرط فيهمَا إِلَّا مَا يشْتَرط فِي الْمُوكل وَالْوَكِيل بِالْأُجْرَةِ وَهل يشْتَرط كَون الْمُقَارض مَالِكًا حَتَّى لَا يَصح قِرَاض الْعَامِل مَعَ عَامل آخر بِإِذن الْمَالِك فعلى وَجْهَيْن فرعان أَحدهمَا لَو كَانَ الْمَالِك مَرِيضا وَشرط لَهُ أَكثر من أُجْرَة الْمثل لم يحْسب من الثُّلُث لِأَن تَفْوِيت الْحَاصِل هُوَ الْمُقَيد بِالثُّلثِ وَالرِّبْح لَيْسَ بحاصل وَلذَلِك تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَيجوز وَفِي نَظِيره من الْمُسَاقَاة وَجْهَان لِأَن النخيل حَاصِل وَالثَّمَر على الْجُمْلَة قد يحصل دون الْعَمَل بِخِلَاف الرِّبْح الثَّانِي إِذا تعدد الْمَالِك وقارض رجلا وَاحِدًا صَحَّ فَيشْتَرط لَهُ شئ وَالْبَاقِي بَين المالكين على نِسْبَة الْملك لَا يجوز فِيهِ شَرط تفَاوت وَإِن كَانَ الْعَامِل مُتَعَددًا فَهُوَ أَيْضا جَائِز فَإِن التعاون على مَقْصُود وَاحِد لَا يفوت مَقْصُود العقد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْقَرَاض الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الْعَامِل وَكيل فِي التَّصَرُّف فيتقيد تصرفه بالغبطة فَلَا يَبِيع بِالْغبنِ وَلَا يَشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ وَلَا يَبِيع بِالنَّسِيئَةِ إِلَّا إِذا أذن فِيهِ لِأَن النَّاس يتفاوتون فِي الرِّضَا بِهِ وَفِيه غرر وَلَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ لِأَنَّهُ رُبمَا يفوت رَأس المَال فَيتَعَلَّق الْعهْدَة بالمالك بِخِلَاف ولي الطِّفْل فَإِنَّهُ قد يفعل ذَلِك عِنْد الْمصلحَة وَلَا شكّ فِي أَنه يَشْتَرِي وَيبِيع بِالْعرضِ فَإِنَّهُ عين التِّجَارَة فَإِذا أذن لَهُ فِي البيع بِالنَّسِيئَةِ يلْزمه الْإِشْهَاد فَإِن فَاتَ الثّمن بإنكار وَقد قصر فِي الْإِشْهَاد ضمن وَله أَن يَشْتَرِي الْمَعِيب إذاكان فِيهِ غِبْطَة وَإِن اشْترى على أَنه سليم فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا الرَّد فَإِن اخْتلفَا قدم مَا يَقْتَضِيهِ الْمصلحَة وَالْغِبْطَة وَلَا يُعَامل رب المَال بِمَال الْقَرَاض فَإِنَّهُ ملكه كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون لَا يُعَامل سَيّده وَلَا يَشْتَرِي بِجِهَة الْقَرَاض بِأَكْثَرَ من رَأس المَال فَإِن سلم إِلَيْهِ ألفا فَاشْترى بِعَينهَا عبدا تعين الْألف للتسليم فَلَو اشْترى عبدا آخر بِعَيْنِه بَطل وَلَو اشْترى فِي الذِّمَّة وَقع عَنهُ لَا عَن الْقَرَاض وَلَو صرف إِلَيْهِ مَال التراض ضمن كصرفه إِلَى عبد نَفسه

وعَلى الْجُمْلَة هُوَ فِي هَذِه القضايا يُقَارب الْوَكِيل وَقد استقصينا حكمه فِي الْوكَالَة الثَّانِيَة لَو اشْترى من يعْتق على الْمَالِك بِغَيْر إِذْنه لم يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ على نقيض التِّجَارَة وَلَو اشْترى زَوجته فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِن الرِّبْح فِيهِ مُمكن وَلَكِن ضَرَر انْفِسَاخ النِّكَاح لَاحق فبالحري أَن يُخرجهُ عَن عُمُوم اللَّفْظ وَالْوَكِيل إِذا قيل لَهُ اشْتَرِ عبدا فَاشْترى من يعْتق على الْمُوكل فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى عُمُوم اللَّفْظ وَفِي الثَّانِي إِلَى الضَّرَر كَمَا فِي شِرَاء زَوْجَة الْمُقَارض أما العَبْد الْمَأْذُون إِن قيل لَهُ اتّجر فَهُوَ كالعامل وَإِن قيل اشْتَرِ عبدا فَهُوَ كَالْوَكِيلِ وَإِن اشْترى من يعْتق على الْمَالِك بِإِذْنِهِ صَحَّ وَعتق وسرى إِلَى نصيب الْعَامِل إِن كَانَ فِيهِ ربح وَغرم لَهُ الْمَالِك وَإِن قُلْنَا لَا يملك بالظهور لِأَنَّهُ يملك عِنْد الِاسْتِرْدَاد وَهَذَا فِي حكم اسْتِرْدَاد المَال وَسَيَأْتِي حكمه ووَإِن اشْترى الْعَامِل قريب نَفسه وَلَا ربح فِي المَال صَحَّ فَإِن ارْتَفع السُّوق عتق نصِيبه وَلم يسر لِأَن ارْتِفَاع السُّوق لَيْسَ إِلَى اخْتِيَاره فَهُوَ كَالْإِرْثِ

وَإِن كَانَ فِيهِ ربح وَقُلْنَا إِنَّه لَا يملك بالظهور فَهُوَ كَمَا إِذا لم يكن ربح وَإِن قُلْنَا يملك فَفِي صِحَة التَّصَرُّف قَولَانِ حَكَاهُمَا صَاحب التَّقْرِيب وَوجه الْمَنْع بعده عَن مَقْصُود التِّجَارَة فَإِن صححنا فَفِي نُفُوذ الْعتْق وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن نصِيبه وقاية لرأس المَال فَنزل تعلق حق الْمَالِك بِهِ منزلَة تعلق الرَّهْن بِهِ فَإِن قُلْنَا ينفذ فيسرى لِأَن الشِّرَاء بِاخْتِيَارِهِ فرع لَيْسَ لأَحَدهمَا الِانْفِرَاد بِكِتَابَة عبد لِأَنَّهُ بعيد عَن التِّجَارَة فَإِن توافقا عَلَيْهِ وَلَا ربح فِي المَال فَفِي انْفِسَاخ الْقَرَاض وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه يسْتَمر على بذله وَإِن كَانَ فِيهِ ربح لم يَنْفَسِخ وَعتق العَبْد وَكَانَ الْوَلَاء لَهَا على نِسْبَة ملكيهما الثَّالِثَة إِن عَامل عَامل الْقَرَاض عَاملا آخر بِإِذن الْمَالِك لينسلخ هُوَ من الْقَرَاض وَيكون الْعَامِل هُوَ الثَّانِي صَحَّ وَيكون هُوَ وَكيلا فِي العقد وَإِن أَرَادَ أَن ينزل الْعَامِل مِنْهُ مَنْزِلَته من الْمَالِك ليَكُون لَهُ شئ من

حِصَّته فَوَجْهَانِ ذكرناهما وَوجه الْمَنْع أَن وضع الْقَرَاض أَن يجْرِي بَين مَالك وعامل وَإِن فعل ذَلِك بِغَيْر إِذن الْمَالِك فَهُوَ فَاسد وَإِن اتّجر الْعَامِل الثَّانِي فَيخرج على اتجار الغاضب فِي المعضوب وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا النّفُوذ مهما كثرت التَّصَرُّفَات وَظهر الرِّبْح نظرا للْمَالِك حَتَّى لَا يفوتهُ الرِّبْح فَلهُ الْإِجَارَة فَإِن قُلْنَا الرِّبْح للْمَالِك تَفْرِيعا على القَوْل الْقَدِيم قَالَ الْمُزنِيّ هَاهُنَا لرب المَال نصف الرِّبْح وَالنّصف الآخر بَين العاملين نِصْفَيْنِ كَمَا شَرط فَإِن قيل فقد طمع الْعَامِل فِي نصف الْكل قُلْنَا هُوَ منزل على نصف مَا رزق الله تَعَالَى لَهما وَنصف الْكل هُوَ رزقهما وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يرجع بِأُجْرَة الْعَمَل فِي النّصْف الذى فَاتَهُ وَخَالف الْمُزنِيّ فَإِن قيل وَلم اسْتحق الْعَامِل الثَّانِي وَالْأول شَيْئا وتفريع الْقَدِيم فِي الْغَصْب يُوجب أَن يكون الْكل للْمَالِك قُلْنَا لِأَنَّهُ جرى هَاهُنَا مشارطة ومراضاة ويبنى هَذَا القَوْل على الْمصلحَة وَفِي الْغَضَب لم تجر مشارطة ومراضاة

وَإِن فرعنا على الْجَدِيد قَالَ الْمُزنِيّ الرِّبْح كُله لِلْعَامِلِ الأول وللعامل الثَّانِي أُجْرَة مثله على الأول قَالَ بعض الْأَصْحَاب هَذَا غلط إِذْ الرِّبْح على الْجَدِيد للْغَاصِب وَالْعَامِل الثَّانِي هُوَ الْغَاصِب وَمِنْهُم من وَافقه لِأَن الْعَامِل الثَّانِي مَا اشْترى لنَفسِهِ بل اشْترى لِلْعَامِلِ الأول فَكَأَن الأول هُوَ المُشْتَرِي كَمَا أَن الْغَاصِب هُوَ المُشْتَرِي لنَفسِهِ الرَّابِعَة لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَن يُسَافر بِمَال الْقَرَاض دون الْإِذْن فَإِنَّهُ اقتحام خطر فَإِن فعل صَحَّ تَصَرُّفَاته وَلكنه يضمن الْأَعْيَان والأثمان جَمِيعًا لِأَن الْعدوان بِالنَّقْلِ يتَعَدَّى إِلَى الثّمن وَإِن سَافر بِالْإِذْنِ جَازَ وَنَفَقَة النَّقْل وَحفظ المَال على مَال الْقَرَاض كَمَا أَن نَفَقَة الْوَزْن والكيل وَالْحمل الثقيل الذى لَا يعتاده التَّاجِر أَيْضا فِي الْبَلَد على رَأس المَال فَإِن تعاطى شَيْئا من ذَلِك بِنَفسِهِ فَلَا أُجْرَة لَهُ وَأما نشر الثَّوْب وطيه وَحمل الشئ الْخَفِيف فَهُوَ عَلَيْهِ للْعَادَة فَإِن اسْتَأْجر عَلَيْهِ فَعَلَيهِ الْأُجْرَة وَكَذَا عَلَيْهِ نَفَقَته وسكناه فِي الْبَلَد وَأُجْرَة الْحَانُوت لَيْسَ عَلَيْهِ أما نَفَقَته فِي السّفر فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَهُ نَفَقَته بِالْمَعْرُوفِ

وروى الْبُوَيْطِيّ أَنه لَا نَفَقَة لَهُ فَمنهمْ من قطع بِنَفْي النَّفَقَة عَن مَال الْقَرَاض قِيَاسا على الْحَضَر وَحمل النَّص على أُجْرَة النَّقْل وَالْحمل وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَوجه الْفرق أَنه فِي السّفر متجرد لهَذَا الشّغل دون غَيره فضاهى الْحرَّة المحتبسة بِسَبَب النِّكَاح بِخِلَاف الْحَاضِر فَإِنَّهُ لَيْسَ محتبسا على هَذَا المَال وعَلى هَذَا فَلَو استصحب مَعَه مَال نَفسه توزع النَّفَقَة على الْمَالَيْنِ وَإِن لم يستصحب فَفِي مِقْدَار الْوَاجِب قَولَانِ أَحدهمَا مَا يزِيد بِالسَّفرِ وَالثَّانِي جَمِيع النَّفَقَة وَلَو فاصله الْمَالِك أَو لقِيه فِي بلد فَفِي لُزُوم نَفَقَة إيابه إِلَى الْبَلَد وَجْهَان وَالْمذهب أَنه إِذا عَاد إِلَى الْبَلَد رد السفرة والمطهرة وبقايا آلَات السّفر إِلَى الْمَالِك الْخَامِسَة اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن الْعَامِل يملك الرِّبْح بالظهور أَو بالمقاسمة

أَحدهمَا أَنه بالظهور فَإِن مُوجب الشَّرْط أَن مَا يحصل من ربح فَهُوَ لَهما وَقد حصل وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعَمَل مَجْهُول وَلم يتم فَأشبه الْجعَالَة وَلِأَنَّهُ لَو ملك لصار شَرِيكا وَلم يكن نصِيبه وقاية الخسران وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا لَا يملك فَلَو أتلف الْمَالِك المَال غرم حِصَّته لِأَن الْإِتْلَاف كالقسمة والاستيفاء وَكَذَا إِذا أتلف الْعَامِل شَيْئا غرم نصِيبه وَلَو أَرَادَ الْعَامِل التنضيض لتَحْصِيل نصِيبه لم يمْنَع وَلَو مَاتَ قَامَ ذُريَّته مقَامه لِأَن الْحق متأكد حَتَّى لَو كَانَ فِي مَال الْقَرَاض جَارِيَة لم يجر للْمَالِك وَطْؤُهَا لتأكد حَقه وَكَذَا إِذا لم يكن لَهُ ربح لِأَن الرِّبْح بارتفاع السُّوق لَا يُوقف عَلَيْهِ وَالْوَطْء يحرم بِالشُّبْهَةِ وَإِن قُلْنَا يملك بالظهور فَلَا يسْتَقرّ بل هُوَ وقاية رَأس المَال مَا دَامَ العقد بَاقِيا فَإِن فسخ وَقسم اسْتَقر وَإِن فسخ وَالْمَال ناض وَلم يقسم بعد

فَالصَّحِيح الِاسْتِقْرَار فَإِن فسخ وَالْمَال عرُوض فَإِن قُلْنَا الْعَامِل يجْبر على البيع فَلَا اسْتِقْرَار وَإِن قُلْنَا لَا يجْبر كَمَا سَيَأْتِي فَوَجْهَانِ السَّادِسَة فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان العينية أما الزِّيَادَة فَهِيَ من مَال الْقَرَاض كَمَا إِذا نتجت شَاة أَو أثمرت حديقة أَو ولدت جَارِيَة فَهُوَ من مَال الْقَرَاض ويعد ذَلِك من الرِّبْح وَكَذَا أُجْرَة الْمَنَافِع إِذا آجر دَوَاب المَال أَو تعدى غَيره باستعمالها وَكَذَا مهر الْجَارِيَة إِذا وطِئت حَتَّى لَو وَطئهَا السَّيِّد جعل مستردا مِقْدَار الْعقر وَلَو اسْتَوْلدهَا كَانَ مستردا قدر الْجَارِيَة وَهل يُضَاف إِلَيْهِ العقد أَيْضا فِيهِ تردد وَأما النُّقْصَان فَمَا يَقع بانخفاض الأسعار فَهُوَ خسران عَلَيْهِ جبره وَكَذَلِكَ مَا يَقع يتعيب المَال وَمرض الدَّوَابّ فَأَما مَا يَقع بِتَلف المَال أَو سَرقَة فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَن عَلَيْهِ جبره لِأَن التَّاجِر بصدد ذَلِك وَقد حَسبنَا لَهُ الزِّيَادَة العينية فيحسب عَلَيْهِ النُّقْصَان الْعَيْنِيّ أَيْضا وكما حَسبنَا عَلَيْهِ التعييب فِي الصِّفَات هَذَا إِذا كَانَ بعد التَّصَرُّف الثَّانِي

فَإِن كَانَ قبل التَّصَرُّف بِأَن سلم إِلَيْهِ أَلفَيْنِ فَتلف ألف وَبَقِي ألف فرأس المَال ألف أم أَلفَانِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه قَوْلنَا ألف أَن ذَلِك فَاتَ قبل الْخَوْض فِي التِّجَارَة فَلَا تكون التِّجَارَة متناولة لَهُ فَلَا يجْبر وَإِن اشْترى بِأَلفَيْنِ عَبْدَيْنِ فَقبل بيعهمَا تلف أَحدهمَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يجْبر لِأَنَّهُ خَاضَ فِي التَّصَرُّف وَوجه الآخر أَن التِّجَارَة هُوَ البيع وَتَحْصِيل الرِّبْح بِبيعِهِ أما الشِّرَاء فَإِنَّهُ تهيئة مَحل التِّجَارَة فرع إِذا سلم إِلَيْهِ ألفا فَاشْترى عبدا فَتلف الْألف نظر إِن اشْترى بِعَيْنِه انْفَسَخ وَإِن اشْترى فِي الذِّمَّة لَا يَنْفَسِخ وَفِي انصراف العقد إِلَى الْعَامِل وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا ينْصَرف فعلى الْمَالِك تَسْلِيم ألف آخر ثمَّ إِذا سلم فرأس المَال ألف

أم أَلفَانِ فِيهِ وَجْهَان مرتبان وَهَاهُنَا أولى بِأَن يكون رَأس المَال ألفا لِأَنَّهُ لم يبْق مِمَّا يتَنَاوَلهُ العقد الأول شئ هَذَا إِذا تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة أما إِذا تلف رَأس المَال أَو بعضه بِإِتْلَاف أَجْنَبِي فالقراض مُسْتَمر وَالْبدل ثَابت فِي ذمَّته وَإِن أتْلفه الْمَالِك فَهُوَ مسترد وَعَلِيهِ حِصَّة الْعَامِل وَإِن كَانَ بِإِتْلَاف الْعَامِل انْفَسَخ إِذْ لَا يدْخل الْبَدَل فِي ملك الْمَالِك إِلَّا بِقَبْضِهِ مِنْهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي حكم التفاسخ والتنازع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه أَربع مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى إِذا انْفَسَخ الْقَرَاض بِفَسْخ أحد الْمُتَعَاقدين فَإِنَّهُ جَائِز من الْجَانِبَيْنِ فللمال ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى أَن يكون ناضا من جنس رَأس المَال فَازَ بِهِ الْمَالِك إِن لم يكن ربح وَلم يكن لِلْعَامِلِ مَنعه ليستربح وَإِن كَانَ ربح عمل بِمُوجب الشَّرْط الْحَالة الثَّانِيَة أَن يكون عرُوضا فَإِن لم يكن ربح فَهَل للْمَالِك إِجْبَار الْعَامِل على الرَّد إِلَى النضوض وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن العقد قد انْفَسَخ وَهُوَ لم يلْتَزم أمرا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مُلْتَزم أَن يرد جنس مَا أَخذ مِنْهُ ليخرج عَن الْعهْدَة فَإِن رَضِي الْمَالِك بِأَن لَا يُبَاع فَأبى الْعَامِل إِلَّا البيع فَهُوَ مَمْنُوع مِنْهُ إِلَّا إِذا صَادف زبونا يَشْتَرِي بِزِيَادَة يَسْتَفِيد بِهِ ربحا على رَأس المَال فَعِنْدَ ذَلِك يُمكن فَلَو لم يبع ورد الْعرُوض فارتفعت الْأَسْوَاق وَظهر ربح بعد الرَّد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَهُ طلب نصِيبه فَإِنَّهُ رد على ظن أَنه لَا ربح فِيهِ وَقد ظهر الْآن وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ ظُهُور بعد الْفَسْخ وَإِن كَانَ فِي المَال ربح وَجب على الْعَامِل أَن ينض رَأس المَال فَيبقى الْبَاقِي

مُشْتَركا وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيْعه فَإِنَّهُ لم يلتزمه وَإِن امْتنع الْعَامِل من البيع أجبر فَإِن الرِّبْح لَا يظْهر إِلَّا بِظُهُور قدر رَأس المَال بالتنضيض فَإِن قَالَ دَعونِي فقد تركت ربحي فَإِن قُلْنَا ملك بالظهور فَلَا يسْقط بالإسقاط وَإِن قُلْنَا لَا يملك فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يسْقط كالغنيمة قبل الْقِسْمَة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْغَنِيمَة غير مَقْصُودَة فِي الْجِهَاد الذى هُوَ إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَالرِّبْح مَقْصُود وَقد تَأَكد سَببه فَإِن قُلْنَا لَا يسْقط فَعَلَيهِ البيع وَإِن قُلْنَا يسْقط فَهُوَ كَمَا إِذا لم يكن ربح فَفِيهِ وَجْهَان فرع لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يطْلب قسْمَة الرِّبْح لِأَنَّهُ يعرض جبر الخسران فيتضرر الْعَامِل برده إِن طلب الْمَالِك وَالْمَالِك بِخُرُوجِهِ عَن جبر الخسران إِن طلب الْعَامِل الْحَالة الثَّالِثَة أَن يرد المَال إِلَى نقد لَا من جنس رَأس المَال فَيلْزمهُ الرَّد إِلَى ذَلِك الْجِنْس وَإِن كَانَ هُوَ النَّقْد الْغَالِب لِأَن الرِّبْح لَا يظْهر إِلَّا بِهِ فَإِن كَانَ مكسرا وَرَأس المَال صِحَاح فيشتري بهَا مثله إِن وجد وَإِلَّا فيحذر من الرِّبَا وَيَشْتَرِي بِهِ الذَّهَب إِذا كَانَ رَأس المَال فضَّة غير مكسرة وبالذهب الصِّحَاح فَلَو اشْترى بِهِ عرضا ليَبِيعهُ بِالذَّهَب فَهَل يُمكن فِيهِ وَجْهَان

وَوجه الْمَنْع أَن الْعرض قد يصير معوقا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا تفاسخا وَكَانَ الْمَالِك قد اسْتردَّ من قبل طَائِفَة من المَال فَإِن لم يكن وَقت الِاسْتِرْدَاد لَا ربح وَلَا خسران فَلَا إِشْكَال إِذْ رَأس المَال هُوَ الْبَاقِي وَإِن كَانَ فِيهِ ربح فَمَا استرده وَقع شَائِعا فالقدر الذى يخص الرِّبْح يسْتَقرّ لِلْعَامِلِ نصِيبه مِنْهُ فَلَا يضيع بعد ذَلِك بخسران وَإِن كَانَ فِي المَال خسران فَمَا استرده بِحِصَّة جُزْء من الخسران فَلَا يجب على الْعَامِل جبر الْقدر الذى يخص المسترد من الرِّبْح الذى بعده بَيَانه صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا المَال مائَة وَربح عشْرين فاسترد الْمَالِك عشْرين ثمَّ خسر عشْرين فَعَاد إِلَى ثَمَانِينَ فَلَيْسَ للْمَالِك أَن يَأْخُذ الْكل وَيَزْعُم أَن رَأس المَال كَانَ مائَة لِأَنَّهُ إِذا اسْتردَّ عشْرين وَهُوَ سدس جملَة المَال فسدس الْعشْرين ربح وَهُوَ ثَلَاثَة وَثلث فقد اسْتَقر لِلْعَامِلِ نصفه وَهُوَ دِرْهَم وَثُلُثَانِ فَلَا يلْزمه جبر ذَلِك بل يَأْخُذ هَذَا الْقدر من الثَّمَانِينَ وَيرد الْبَاقِي الثَّانِيَة المَال مائَة وخسر عشْرين واسترد الْمَالِك عشْرين فَصَارَ سِتِّينَ ثمَّ ربح عشْرين فترقى إِلَى ثَمَانِينَ فَلَيْسَ للْمَالِك أَن يَقُول ربح عشْرين بخسران عشْرين وَالْكل لي لِأَنَّهُ خسر أَولا عشْرين فتوزع على الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانُون فيخص كل وَاحِد من عشْرين خَمْسَة فَلَا يلْزمه جبر تيك الْخَمْسَة فَكَأَنَّهُ بَقِي المَال خَمْسَة وَسبعين وَإِذا صَار الْآن ثَمَانِينَ تكون الْخَمْسَة فضلا فَيقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ

حَتَّى يفوز الْمَالِك بسبعة وَسبعين وَنصف من جملَة الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَة الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الْقَرَاض يَنْفَسِخ بالجنون وَالْمَوْت فَلَو مَاتَ الْمَالِك فلوارثه مُطَالبَة الْعَامِل بالتنضيض حَيْثُ كَانَ يجوز للْمَالِك لَو فَسخه بِنَفسِهِ وَهُوَ حَيّ ثمَّ يقدر ربح الْعَامِل وَلَا يصرف إِلَى دُيُون الْمَالِك لِأَن حَقه وَإِن لم يملك بالظهور لَا يتقاعد عَن حق الْمُرْتَهن فَيقدم على الدُّيُون فَلَو أَرَادَ وَارِث الْمَالِك تَقْرِيره فَقَالَ قررتك على مَا مضى فَقَالَ قبلت فَفِيهِ وَجْهَان يجْرِي مثلهمَا فِي الْوَارِث إِذا قَالَ أجزت الْوَصِيَّة وَقُلْنَا إِنَّهَا ابْتِدَاء عَطِيَّة وَوجه الْمَنْع ظَاهر لِأَن مَا مضى قد بَطل فَلَا معنى للتقرير وَوجه الْجَوَاز أَن التَّقْرِير يبْنى على إِعَادَة مثل مَا سبق حَتَّى طردوا هَذَا فِيمَا إِذا قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي بعد فسخ البيع قررتك على مَا مضى وَلم يسمح بِهَذَا فِي النِّكَاح بِحَال لما فِيهِ من التَّعَبُّد هَذَا إِذا كَانَ المَال ناضا فَإِن كَانَ عرضا فَوَجْهَانِ وَوجه الْجَوَاز أَنه عرض هُوَ اشْتَرَاهُ فَلَا يضيق عَلَيْهِ وَقد تعين جنس رَأس المَال من قبل فَأمكن الرُّجُوع إِلَيْهِ بِخِلَاف العقد على الْعرُوض ابْتِدَاء أما إِذا مَاتَ الْعَامِل فقد انْفَسَخ العقد فَإِن قرر الْمَالِك وَارثه فَالْخِلَاف الْوَاقِع فِي لفظ التَّقْرِير كَمَا مضى

أما إِذا كَانَ المَال عرُوضا لم يجز لِأَن وَارِث الْعَامِل لم يشتر المَال بِنَفسِهِ فَيكون الْعرُوض كلا عَلَيْهِ وَإِن لم يكن على الْعَامِل المُشْتَرِي وعَلى الْأَحْوَال كلهَا فلوارثه طلب نصيب الْعَامِل من الرِّبْح وَقطع الْأَصْحَاب يتجويز اسْتِئْنَاف الْقَرَاض مَعَه وَإِن كَانَ فِي المَال ربح إِذا كَانَ المَال ناضا وَهَذَا يدل على أَن الْقَرَاض مَعَ الشَّرِيك جَائِز إِذا كَانَ الْعَامِل مستبدا بِالْيَدِ فَيقسم الرِّبْح على نِسْبَة الْملك ثمَّ يقسم الْبَاقِي بِالشّرطِ فَأَما إِذا كَانَ الشريكان متعاونين على الْعَمَل وَالْمَال فِي يدهما لَا يجوز تَغْيِير نِسْبَة الْملك بِالشّرطِ وَلَو اخْتصَّ أَحدهمَا بمزيد عمل فَفِي جَوَاز ذَلِك وَجْهَان الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي التَّنَازُع وَله صور الأولى إِذا تنَازعا فِي تلف المَال فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ أَمِين مَا لم يَتَعَدَّ كَالْمُودعِ وَإِن تنَازعا فِي الرَّد فَكَذَلِك وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي الرَّد وَجْهَان وَزَعَمُوا أَنه لَا يلْحق فِي هَذَا بالمودع على أحد الْوَجْهَيْنِ الثَّانِيَة لَو اخْتلفَا فِي قدر الرِّبْح الْمَشْرُوط فيتحالفان لِأَنَّهُ نزاع فِي قدر الْعِوَض فَإِذا تحَالفا سلم كل الرِّبْح للْمَالِك وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ إِلَّا أُجْرَة الْمثل الثَّالِثَة إِذا اخْتلفَا فِي قدر رَأس المَال وَلَا ربح فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ نزاع فِي الْقَبْض وَالْأَصْل عَدمه وَإِن كَانَ فِيهِ ربح فَهُوَ كَذَلِك على الْأَصَح وَقيل إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لِأَن

قدر الرّيح يتَفَاوَت بِهِ الرَّابِعَة فِي المَال عبد فَقَالَ الْمَالِك اشْتَرَيْته للقراض وَقَالَ الْعَامِل بل لنَفْسي أَو بِالْعَكْسِ فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ أعرف بنيته الْخَامِسَة لَو قَالَ كنت نهيتك عَن شِرَاء العَبْد فَأنْكر فَالْقَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل عدم النَّهْي السَّادِسَة تنَازعا فِي الرِّبْح ووجوده فَالْقَوْل قَول الْعَامِل فَإِن أقرّ بِالرِّبْحِ ثمَّ قَالَ غَلطت أَو كذبت خيفة أَن ينتزع المَال من يَدي لم يسمع رُجُوعه وَإِن قَالَ صدقت وَلَكِن خسرت بعده فَالْقَوْل قَوْله السَّابِعَة سلم رجلَانِ كل وَاحِد ألفا إِلَى رجل فَاشْترى لكل وَاحِد عبدا والتبس واعترفوا بالإشكال فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يُبَاع العبدان وَيقسم الثّمن عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا ينقلبان إِلَى الْوَكِيل وَيغرم هُوَ لَهما قيمتهمَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِن زَاد فَذَاك وَإِن نقص غرم قدر النُّقْصَان وَكَأَنَّهُ مقصر بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا فِيهِ مزِيد نظر ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

= كتاب الْمُسَاقَاة = وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الرُّكْن الأول فِي الأَصْل الذى يعْقد عَلَيْهِ العقد وَله شَرَائِط الأول أَن يكون شَجرا والنخيل هُوَ الأَصْل إِذْ ساقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل خَيْبَر على النّصْف مِمَّا يخرج من تمر وَزرع وَهَذِه الْمُعَامَلَة قريبَة من الْقَرَاض وَلَكِن تخالفها فِي اللُّزُوم والتأقيت فَإِنَّهُمَا لَا يليقان بالقراض وَفِي أَن الثِّمَار تملك بِمُجَرَّد الظُّهُور فَإِنَّهُ لَيْسَ وقاية للنخيل بِخِلَاف الْقَرَاض وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه كالربح حَتَّى يخرج على الْقَوْلَيْنِ ثمَّ لَا خلاف فِي أَن الْكَرم بِمَعْنى النخيل لِأَن الْعَمَل عَلَيْهِمَا يتقارب وَالزَّكَاة تجب فيهمَا وَفِي سَائِر الْأَشْجَار المثرة قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا فِي مَعْنَاهُمَا للْحَاجة إِلَيْهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعَمَل عَلَيْهِمَا يقل فَيمكن الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ

ونعني بِالشَّجَرِ كل مَا يثبت أَصله فِي الأَرْض ويفصل ثمره أما الْمزَارِع وقصب السكر والبطيخ والقثاء والباذنجان فَلَا يعْقد عَلَيْهَا هَذِه الْمُعَامَلَة لِأَن جَمِيعهَا فِي معنى المخابرة والمزارعة وَالْمُخَابَرَة هِيَ صُورَة هَذِه الْمُعَامَلَة على الأَرْض وَالْبذْر من الْعَامِل والمزارعة هى بِعَينهَا وَالْبذْر من الْمَالِك وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُمَا وساقى فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يرد إِحْدَى السنتين بِالْأُخْرَى خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ أبطل الْمُسَاقَاة قِيَاسا على الْمُزَارعَة

ثمَّ البقل من قبيل الزَّرْع وَإِن ثبتَتْ أُصُوله فَإِن قيل فقد ساقى عَلَيْهِ السَّلَام على الزَّرْع وَالتَّمْر جَمِيعًا قُلْنَا لَا جرم بقول تصح الْمُزَارعَة تبعا للمساقاة فِي الأَرْض المتحللة بَين النخيل بِخَمْسَة شَرَائِط اثْنَان مُتَّفق عَلَيْهِمَا وَهُوَ أَن يكون الْعَامِل على النخيل وَالزَّرْع وَاحِدًا وَالثَّانِي أَن تكون الْأَرَاضِي بِحَيْثُ لَا يُمكن إفرادها بِالْعَمَلِ إِذْ بسقيها وتقليبها ينْتَفع النخيل وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاث شَرَائِط أَحدهَا اتِّحَاد الصَّفْقَة فَلَو عقدهَا فِي صفقتين فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَصح ثمَّ إِن أخرت الْمُزَارعَة تبِعت الْمُسَاقَاة السَّابِقَة وَإِن قدمت كَانَت مَوْقُوفَة الصِّحَّة على الْمُسَاقَاة بعْدهَا وَالثَّانِي لَا يَصح مُطلقًا لِانْعِدَامِ التّبعِيَّة بالتمييز

وَالثَّالِث إِن قدمت الْمُزَارعَة فَسدتْ إِذْ لَا متبوع وَإِن أخرت صحت ثمَّ لَو جَمعهمَا فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَلَكِن جعل لِلْعَامِلِ من الثِّمَار النّصْف وَمن الزَّرْع جُزْءا آخر أقل أَو أَكثر فَفِيهِ أَيْضا تردد لِأَن التَّغَيُّر يكَاد يقطع حكم التّبعِيَّة وَالثَّانِي أَن لَا تكْثر الْأَرَاضِي فَإِن كثرت إِمَّا بِكَثْرَة الِارْتفَاع بِالْإِضَافَة إِلَى النخيل أَو باتساع الساحة بِالْإِضَافَة إِلَى مغارس النخيل فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الصِّحَّة مهما لم يُمكن إفرادها بِالْعَمَلِ مَعَ الْكَثْرَة الثَّالِث أَن يكون الْبذر من رب النخيل فَإِن كَانَ من الْعَامِل فقد حصل نوع مُغَايرَة بَين الجنسين فَفِي انْقِطَاع التّبعِيَّة وَجْهَان الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون شَجرا غير بارزة الثِّمَار عِنْد الْمُسَاقَاة فَإِن برزت الثِّمَار نَص فِي الْقَدِيم أَنَّهَا فَاسِدَة إِذْ لم تخرج الثِّمَار بِعَمَلِهِ وَهُوَ مَوْضُوع العقد وَنَصّ فِي

الْجَدِيد على أَنه إِذا جَازَ قبل البروز فبعده أجوز وَعَن الْغرَر أبعد لِأَنَّهُ بَقِي الْعَمَل وَالثَّمَر صَار موثوقا بِهِ الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون الحديقة مرئية فَإِن ساقاه على مَا لم ير فطريقان أَحدهمَا فِيهِ قَولَانِ كَبيع الْغَائِب وَالثَّانِي الْبطلَان لِأَنَّهُ عقد غرر فَلَا يحْتَمل فِيهِ هَذَا الْجَهْل الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمَشْرُوط لِلْعَامِلِ وَهُوَ الثِّمَار فَلْيَكُن مَشْرُوطًا على الاستهام ومخصوصا بهما ومعلوما بالجزئية لَا بالتقدير كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الرِّبْح فِي الْقَرَاض وننبه هَاهُنَا على أُمُور ثَلَاثَة الأول أَنه لَو ساقى على ودي نظر فَإِن لم يكن مغروسا فَقَالَ خُذْهُ واغرسه فَإِن علق فَهُوَ بَيْننَا فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تَسْلِيم بذر فَهُوَ فِي معنى الْمُزَارعَة فَإِن قَالَ اغرسه ونمه وَمَا حصل من الثِّمَار فَهُوَ بَيْننَا فَهُوَ أَيْضا فَاسد إِذْ الْغَرْس لَيْسَ من أَعمال الْمُسَاقَاة وَقد ضم إِلَيْهَا فَكَانَ كَمَا إِذا ضم غير التِّجَارَة إِلَيْهَا فِي الْقَرَاض

وَفِي الصُّورَتَيْنِ وَجه أَنه لَا يَصح حَكَاهُ صَاحب التَّقْرِيب أما إِذا كَانَ مغروسا نظر فَإِن ساقاه عَلَيْهِ مُدَّة لَا يُثمر فِيهَا إِلَّا بثمرة تحصل بعد الْمدَّة فَهُوَ بَاطِل إِذْ مَا يحصل بعد مُضِيّ الْمدَّة لَا يتَعَلَّق بِهِ العقد وَإِن كَانَ يعلم حُصُوله فِي الْمدَّة وَلَو فِي آخر السنين وساقاه على عشر سِنِين مثلا فَهُوَ صَحِيح وخلو أول الْمدَّة عَن الثِّمَار كخلو أول السّنة الْوَاحِدَة وَإِن كَانَ يتَوَهَّم الثَّمَرَة وَلَا يعلم قَالَ القَاضِي إِن غلب الْوُجُود صَحَّ وَإِن غلب الْعَدَم بَطل وَإِن تساوى الِاحْتِمَال فَوَجْهَانِ وَقيل إِن غلب الْعَدَم بَطل وَإِن غلب الْوُجُود فَوَجْهَانِ وَقيل عَكسه أَيْضا أما إِذا كَانَ بِحَيْثُ يُثمر كل سنة فساقاه عشر سِنِين على جُزْء من ثَمَرَة السّنة الْأَخِيرَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يجوز وليقدر مَا سبق مَعْدُوما وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ تعرية الْعَمَل عَن الْعِوَض فِي مُدَّة وجود مَا حَقه أَن يكون عوضا فِي هَذَا العقد

وَفِي أصل زِيَادَة مُدَّة الْمُسَاقَاة على سنة كَلَام يجْرِي مثله فِي كل إِجَارَة وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْإِجَارَة الْأَمر الثَّانِي لَو كَانَ فِي الْبُسْتَان عَجْوَة وصيحاني فَقَالَ ساقيتك على أَن لَك من الصيحاني نصفه وَمن الْعَجْوَة ربعه لَا يَصح مَا لم يعرف قدر الْعَجْوَة والصيحاني أَعنِي الْأَشْجَار نظرا أَو تخمينا وَإِن شَرط النّصْف مِنْهُمَا فَلَا يشْتَرط هَذِه الْمعرفَة وَكَذَلِكَ إِذا ساقي رجلَانِ وَاحِدًا على أَن لَهُ النّصْف من نصيبهما وَلَا يشْتَرط مَعْرفَته بِقدر النَّصِيبَيْنِ وَإِن تفَاوت الشَّرْط وَجَبت الْمعرفَة وَلَو قَالَ ساقيتك على النّصْف إِن سقيت بالنضح أَو الرّبع إِن سقيت بالسماء فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ مردد بَين جِهَتَيْنِ الْأَمر الثَّالِث أَن أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي النخيل لَو ساقى شَرِيكه على أَن يتعاونا على الْعَمَل فَهُوَ فَاسد إِذْ رب النخيل لَا يَنْبَغِي أَن يَخُوض فِي الْعَمَل وَلَو كَانَ الشَّرِيك الْعَامِل يستبد بِجَمِيعِ الْعَمَل صحت الْمُسَاقَاة بِشَرْط أَن يشْتَرط لَهُ مزيدا على مَا تَقْتَضِيه نِسْبَة الْملك فَلَو كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَشرط لَهُ النّصْف فَلم يشرط لَهُ شئ فتفسد الْمُسَاقَاة وَلَا يسْتَحق أُجْرَة الْمثل عِنْد الْمُزنِيّ وَيسْتَحق عِنْد ابْن سُرَيج وَلَو شَرط لَهُ الْكل فَيفْسد وَفِي أُجْرَة الْمثل وَجْهَان مأخذهما أَنه لم ينْو

بِعَمَلِهِ مستأجره فضاهى الْأَجِير فِي الْحَج إِذا نوى بعد التَّلْبِيَة صرف الْحَج إِلَى نَفسه فَلَا ينْصَرف إِلَيْهِ وَهل تسْقط أجرته فِيهِ وَجْهَان الرُّكْن الثَّالِث الْعَمَل الموظف على الْعَامِل وَله شَرَائِط يُنَبه عَنْهَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقَرَاض الأول أَن يكون لَا يشْتَرط عَلَيْهِ عمل لَيْسَ من الْمُسَاقَاة الثَّانِي أَن يستبد بِالْيَدِ فِي الحديقة ليتَمَكَّن من الْعَمَل لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَو شَرط الْمَالِك الْيَد لنَفسِهِ فسد وَلَو سلم الْمِفْتَاح إِلَيْهِ وَلَكِن بِشَرْط أَن يدْخل هُوَ أَيْضا فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح الْجَوَاز الثَّالِث أَن يعرف بتأقيت مُدَّة العقد لَا بِتَعْيِين الْعَمَل ثمَّ يجوز التَّعْرِيف بِالسنةِ الْعَرَبيَّة وَهل يجوز التَّعْرِيف بِإِدْرَاك الثِّمَار فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يتَفَاوَت بالبرد وَالْحر وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَهُوَ مُتَقَارب وَإِن عرف بِالْأَشْهرِ فَجَائِز

فرع لَو ساقى سنتَيْن فَهُوَ شريك فِي كل سنة فَلَو برز شئ فِي آخر السّنة الْأَخِيرَة من الثِّمَار وَانْقَضَت الْمدَّة قبل الْإِدْرَاك فالعامل شريك فِيمَا برز فِي مُدَّة عمله الشَّرْط الرَّابِع أَن ينْفَرد الْعَامِل بِعَمَلِهِ وَأَن لَا يشْتَرط مُشَاركَة الْمَالِك فِي الْعَمَل فَإِن شَرط فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تَغْيِير الْموضع كَمَا فِي الْقَرَاض وَإِن شَرط أَن يعْمل غُلَام الْمَالِك مَعَه فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْجَوَاز وَذكر الْأَصْحَاب ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع هَاهُنَا وَفِي الْقَرَاض لِأَن يَد العَبْد يَد الْمَالِك فَيبْطل الاستبداد بِالْيَدِ وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن العَبْد يكون مستعارا على التَّحْقِيق فالإعانة بِهِ كالإعانة بالثيران وَلَا خلاف فِي جَوَازهَا شرطا وَالثَّالِث أَنه يَصح فِي الْمُسَاقَاة إِذْ من الْأَعْمَال مَا يجب على الْمَالِك كبناء الجدران وَحفظ الْأُصُول كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَاف الْقَرَاض فَلَا عمل فِيهِ على الْمَالِك

التقريع إِذا حكمنَا بِالْجَوَازِ فنفقه الْغُلَام على من إِن شَرط على الْمَالِك أَو أطلق فَهُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَرط إِعَانَة وَإِن شَرط على الْعَامِل فَفِي جَوَاز ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ قطع لنفقة الْملك عَن الْمَالِك وَالثَّانِي نعم لِأَن الأَصْل أَن الْعَمَل عَلَيْهِ فَلَا يبعد أَن ينْفق على من يُعينهُ وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يتبع فِيهِ الشَّرْط قطعا وَإِن أطلق فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه على الْمَالِك وَالثَّانِي أَنه على الْعَامِل وَالثَّالِث أَنه من الثَّمَرَة وَهُوَ بعيد إِذْ رد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على مَالك رَحمَه الله حَيْثُ أوجب نَفَقَة العبيد على الْعَامِل عِنْد الْإِطْلَاق فَقَالَ أوجب أُجْرَة مثل أُجْرَة العبيد إِن كنت توجب النَّفَقَة

فرع لَو شَرط أَن يسْتَأْجر الْعَامِل أَجِيرا وَالْأُجْرَة على الْمَالِك لم يجز إِن لم يبْق لِلْعَامِلِ عمل وَإِن بَقِي لَهُ الدهقنة والتحذق فِي الِاسْتِعْمَال فَوَجْهَانِ الرُّكْن الرَّابِع فِي الصِّيغَة وَهِي أَن يَقُول ساقيتك على أَن لَك نصف الثِّمَار أَو عاملتك فَيَقُول قبلت أَو أَن يَقُول اعْمَلْ على هَذِه النخيل من الثِّمَار فَقبل فَلَا بُد من الْقبُول فَإِن هَذَا العقد لَازم بِخِلَاف الْقَرَاض وَالْوكَالَة ففيهما وَجه تقدم وَلَو قَالَ استأجرتك على الْعَمَل بِالنِّصْفِ فَالظَّاهِر الْبطلَان لِأَنَّهُ يستدعى شُرُوطًا وَفِيه وَجه أَنه يجوز لِأَنَّهُ مُسَاقَاة وَلَكِن بِلَفْظ الْإِجَارَة نعم لَو كَانَت الثِّمَار بارزة وَعين الْعَمَل واستأجره بِجُزْء من الثَّمر جَازَ بعد بَدو الصّلاح وَقَبله غير جَائِز لِأَنَّهُ شَرط الْقطع ايضا فَقطع الشَّائِع غير مُمكن إِلَّا بتغيير عين الْمَبِيع فَيكون كَبيع بعض النصل

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْمُسَاقَاة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلها أَحْكَام سِتَّة الحكم الأول أَن الْعَامِل يلْزمه كل مَا يتَعَلَّق بِهِ صَلَاح الثِّمَار مِمَّا يتَكَرَّر فِي كل سنة كالسقي وتقليب الأَرْض وَقطع القضبان وتنحية الْحَشِيش وكنس الْبِئْر وَالنّهر وتصريف الجريد وَنقل الثِّمَار إِلَيْهِ وَمَا لَا يتَكَرَّر فِي كل سنة بل تبقى فَائِدَته سِنِين كبناء الْحِيطَان وَشِرَاء الثيران ونضب الدولاب وحفر الْأَنْهَار والقنى الجديدة فَهُوَ على الْمَالِك وترددوا فِي حفظ الثِّمَار بالناظور وَفِي جذاذها وَفِي ردم ثلم يتَّفق فِي أَطْرَاف الجدران فَمنهمْ من رأى ذَلِك على الْعَامِل فِي الْعرف وَمن هَذَا ذكر خلاف فِي صِحَة الْمُسَاقَاة الْمُطلقَة دون تَفْصِيل الْأَعْمَال لاضطراب الْعرف فِي هَذِه الْأُمُور وَالصَّحِيح الصِّحَّة عِنْد الْإِطْلَاق ثمَّ يحكم كل فريق بِمَا يرَاهُ لائقا بالعامل الحكم الثَّانِي إِذا هرب الْعَامِل قبل تَمام الْعَمَل فَالْقَاضِي يسْتَأْجر من يعْمل ويقترض عَلَيْهِ

فَإِن عمل الْمَالِك بِنَفسِهِ أَو اسْتَأْجر عَلَيْهِ أَو اسْتقْرض فَهُوَ مُتَبَرّع وَلَا رُجُوع لَهُ وكل الثِّمَار لِلْعَامِلِ هَذَا إِن قدر على الرُّجُوع إِلَى القَاضِي فَإِن لم يقدر وَعمل بِنَفسِهِ أَو اسْتَأْجر عَلَيْهِ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يرجع لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن يكون حَاكما لنَفسِهِ على غَيره وَالثَّانِي نعم للضَّرُورَة وَالثَّالِث إِن أشهد يرجع وَإِلَّا فَلَا ثمَّ لَهُ أَن يفْسخ عِنْد هرب الْعَامِل فَإِن عجز عَن اسْتِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَلَو قَالَ الْأَجْنَبِيّ لَا تفسخ حَتَّى أنوب عَنهُ جَازَ لَهُ الْفَسْخ فَرُبمَا لَا يرضى بِدُخُولِهِ بستانه فَلَو عمل الْأَجْنَبِيّ قبل أَن يشْعر بِهِ الْمَالِك فالثمرة لِلْعَامِلِ وَالْأَجْنَبِيّ مُتَبَرّع عَلَيْهِ لَا على الْمَالِك ثمَّ إِذا فسخ فَإِن كَانَ قد مضى شئ من الْعَمَل فللعامل أُجْرَة مثل ذَلِك الْمِقْدَار وَلَا نقُول توزع الثِّمَار على نِسْبَة أُجْرَة الْمثل إِذْ الثِّمَار لَيْسَ مَعْلُوم الْمِقْدَار فِي أول

العقد حَتَّى يَقْتَضِي العقد فِيهِ توزيعا الحكم الثَّالِث إِذا ادّعى الْمَالِك عَلَيْهِ خِيَانَة أَو سَرقَة فَالْقَوْل قَوْله فَإِنَّهُ أَمِين فَإِن أَقَامَ حجَّة نصب عَلَيْهِ مشرف إِن أمكن أَن يحفظ بِهِ وَألا تزَال يَده ويستأجر عَلَيْهِ ثمَّ أُجْرَة المشرف على الْعَامِل إِن ثَبت خيانته بِإِقْرَارِهِ أَو بِبَيِّنَة وَإِلَّا فعلى الْمَالِك الحكم الرَّابِع إِذا مَاتَ الْمَالِك لم يَنْفَسِخ العقد وَبَقِي مَعَ الْوَرَثَة وَإِن مَاتَ الْعَامِل لم يَنْفَسِخ أَيْضا قطع بِهِ الْمُزنِيّ وَهُوَ الْمَذْهَب وَفِيه وَجه ثمَّ على الْوَارِث إتْمَام الْعَمَل من تركته وَله حِصَّة من الثِّمَار إِذا تمم وَإِن لم يكن لَهُ تَرِكَة فَلهُ أَن يتمم لأجل الثِّمَار فَإِن أَبى لم يجْبر عَلَيْهِ إِذْ لَا تَرِكَة وَلَا يلْزمه عمل غَيره هَذَا إِذا أوردت الْمُسَاقَاة على الذِّمَّة وَهُوَ شَرطهَا فَإِن أوردت على الْعين فَفِي صِحَّتهَا نظر لِأَن فِيهِ نوع تضييق فَإِن صحّح فينفسخ بِمَوْت الْعَامِل الحكم الْخَامِس إِذا خرجت الْأَشْجَار مُسْتَحقَّة بعد تَمام الْعَمَل يرجع الْعَامِل بِأُجْرَة مثله على الْغَاصِب وَقيل إِنَّه يخرج على قولي الْغرُور وَأما الثِّمَار إِن بقيت فَكلهَا للْمَالِك

وَإِن تلفت بعد أَن قسم فَمَا قَبضه الْعَامِل لنَفسِهِ مَضْمُون عَلَيْهِ ويستقر عَلَيْهِ الضَّمَان لِأَنَّهُ أَخذه عوضا كالمشتري وَأما حِصَّة الْغَاصِب إِن تلف قبل الْقِسْمَة أَو على الْأَشْجَار أَو تلف شئ من الْأَشْجَار فَفِي مُطَالبَة الْعَامِل بِهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن أقل درجاته أَن يكون كَالْمُودعِ فِيهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن يَده تثبت على الْأَشْجَار وَنصِيب الْمَالِك تَحْقِيقا وَإِنَّمَا هُوَ عَامل عَلَيْهَا وَيَد الْمَالِك مستدامة حكما وَهُوَ ضَعِيف الحكم السَّادِس إِذا تنَازع العاقدان فِي الْقدر الْمَشْرُوط من الثِّمَار تحَالفا وتفاسخا وَحكم تنازعهما مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقَرَاض


محتويات
1 كتاب الْإِجَارَة
2 كتاب الْجعَالَة
3 كتاب الْفَرَائِض
4 كتاب الْوَصَايَا
5 كتاب الْوَدِيعَة
6 كتاب النِّكَاح
7 كتاب الْكَفَّارَات
8 كتاب اللّعان
كتاب الْإِجَارَة

= كتاب الْإِجَارَة = وَالْإِجَارَة صنف من الْبيُوع موردها الْمَنْفَعَة وصحتها مجمع عَلَيْهَا وَلَا مبالاة بِخِلَاف ابْن كيسَان والقاساني وَيدل على صِحَّتهَا قصَّة شُعَيْب واستئجاره مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام وَقَوله تبَارك تَعَالَى {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطوا الْأَجِير أجره قبل أَن يجِف عرقه وَقَوله حِكَايَة عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى ثَلَاثَة أَنا خصمهم وَمن كنت خَصمه فقد خصمته رجل بَاعَ حرا فَأكل ثمنه وَرجل اسْتَأْجر أَجِيرا فاستوفى منفعَته وَلم يؤد أجره وَرجل أَعْطَانِي صَفْقَة يَمِينه ثمَّ غدر ومقصود الْكتاب تحصره ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الْإِجَارَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى ثَلَاثَة الصِّيغَة وَالْأُجْرَة وَالْمَنْفَعَة أما العاقدان فَلَا يخفى أَمرهمَا الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي ثَلَاثَة إِحْدَاهَا الْإِجَارَة وَالْإِكْرَاه فَإِذا قَالَ أجرتك الدَّار أَو أكريتكها فَقَالَ قبلت صَحَّ وَشَرطهَا الْإِضَافَة إِلَى عين الدَّار لَا إِلَى الْمَنْفَعَة الثَّانِيَة لفظ التَّمْلِيك فَإِذا قَالَ مَلكتك مَنَافِع الدَّار شهرا صَحَّ وَشَرطهَا الْإِضَافَة إِلَى الْمَنْفَعَة لَا إِلَى الدَّار الثَّالِثَة لفظ البيع فَإِن قَالَ بِعْتُك الدَّار شهرا فَهُوَ بيع مُؤَقّت فَاسد وَإِن قَالَ بِعْتُك مَنْفَعَة الدَّار فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز كَلَفْظِ التَّمْلِيك وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج الثَّانِي الْمَنْع وَهُوَ الْأَظْهر لِأَن البيع مَخْصُوص بالأعيان عرفا الرُّكْن الثَّانِي الْأُجْرَة وَحكمهَا إِن كَانَت فِي الذِّمَّة حكم الثّمن وَإِن كَانَت مُعينَة حكم البيع وَقد سبق شرائطهما وننبه الْآن على ثَلَاثَة أُمُور

الأول أَن الْإِعْلَام شَرط فَلَو أجر الدَّار بعمارتها لم يجز فَإِن الْعِمَارَة مَجْهُولَة وَلَو أجر بِدَرَاهِم مَعْلُومَة ليصرفها إِلَى الْعِمَارَة لم يَصح لِأَن الْعَمَل فِي الصّرْف إِلَى الْعِمَارَة مَجْهُول فَتَصِير الْأُجْرَة مَجْهُولَة وَلَو أَشَارَ إِلَى جبره من الدَّرَاهِم أَو من الْحِنْطَة جزَافا وَجعلهَا أُجْرَة مِنْهُم من ألحق بِالْمَبِيعِ فجوز وَمِنْهُم من ألحق بِرَأْس المَال فِي السّلم لِأَنَّهُ عقد غرر فَخرج على الْقَوْلَيْنِ الثَّانِي إِذا اسْتَأْجر السلاخ بِالْجلدِ بعد السلخ وحمال الجيفة بجلد الجيفة والطحان بالنخالة فَهُوَ فَاسد لنَهْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن قفيز الطَّحَّان وَلِأَنَّهُ بَاعَ جُزْءا مُتَّصِلا بِعَين الْمَبِيع قبل الْفَصْل فَهُوَ كَبيع نصف من الْفَصْل وَلَو اسْتَأْجر الْمُرضعَة بِجُزْء من المرتضع الرَّقِيق بعد الْفِطَام ومجتني الثِّمَار بِجُزْء من الثِّمَار بعد القطاف فَهُوَ أَيْضا فَاسد لما سبق أما إِذا جعل الْأُجْرَة جُزْءا من الرَّقِيق فِي الْحَال وجزءا من الثِّمَار قبل القطاف فقد أطلق الْأَصْحَاب إفساده تخريجا على مَا سبق

وَزَادُوا فَقَالُوا المرتضع الْمُشْتَرك بَين امْرَأَة مُرْضِعَة وَرجل لَا يجوز للرجل استئجارها على الرَّضَاع لِأَن عَملهَا لَا يُصَادف خَاص ملك الْمُسْتَأْجر وَهَذَا فِيهِ نظر وَاحْتِمَال إِذْ قطعُوا فِي كتاب الْمُسَاقَاة بِأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ لَو ساقى صَاحبه وَشرط لَهُ جزاءا من الثِّمَار جَازَ وَهُوَ عمل على مُشْتَرك وَلَكِن قبل مَا يخص الْمُسْتَأْجر يسْتَحق بِهِ الْأُجْرَة فَهُوَ مُحْتَمل هَاهُنَا أَيْضا الثَّالِث الْأُجْرَة إِن أجلت تأجلت وَإِن أطلقت تعجلت عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ إِذا أجلت وَتغَير النَّقْد عِنْد الْأَجَل فَالْعِبْرَة بِحَالَة العقد وَلَو تغير النَّقْد فِي الْجعَالَة عِنْد الْعَمَل فَوَجْهَانِ الْأَظْهر أَنَّهَا كلا إِجَارَة الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمَنْفَعَة وَلها شَرَائِط

الأول أَن تكون مُتَقَومَة فَلَو اسْتَأْجر تقاحة للشم أَو طَعَاما لتزيين الْحَانُوت لم يَصح إِذْ الْقيمَة لهَذِهِ الْمَنْفَعَة وَكَذَا إِذا اسْتَأْجر بياعا على كلمة لَا تَعب فِيهَا لترويج سلْعَته فَإِن ذَلِك أَخذ مَال على الحشمة لَا على الْعَمَل وَاخْتلفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا اسْتِئْجَار الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير للتزيين وَكَذَا اسْتِئْجَار الْأَشْجَار لتجفيف الثِّيَاب عَلَيْهَا أَو للسكون فِي ظلها وَكَذَا استعارتها وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز لِأَن هَذَا قد يقْصد وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يقْصد بِعقد وَالثَّالِث أَنه يَصح الْإِعَارَة دون الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا يقْصد بِمَال ويقصد بالمسامحة الثَّانِيَة اسْتِئْجَار الْكَلْب وَفِيه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن إِبَاحَته لضَرُورَة فَهُوَ كالميتة الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يتَضَمَّن اسْتِيفَاء عين قصدا

وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى لَا يَصح اسْتِئْجَار الْأَشْجَار لثمارها وَلَا الْمَوَاشِي للبن وَالصُّوف والنتاج لِأَنَّهَا أَعْيَان بِيعَتْ قبل الْوُجُود الثَّانِيَة اسْتِئْجَار امْرَأَة للحضانة والإرضاع جَائِز وَاللَّبن تَابع وَهُوَ كَالْمَاءِ فِي إِجَارَة الأَرْض وَلَو اسْتَأْجر على مُجَرّد الْإِرْضَاع دون الْحَضَانَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كاستئجار الشَّاة بلبنها لإرضاع السخلة وَالثَّانِي يجوز لِأَن لبن الْآدَمِيَّة لَا يقْصد مُنْفَصِلا فَهُوَ فِي معنى الْمَنْفَعَة وَالْحَاجة تمس إِلَيْهِ الثَّالِثَة اسْتِئْجَار الْفَحْل للضراب فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح الْمَنْع لِأَنَّهُ نهي عَن ثمن عسب الْفَحْل وَلِأَنَّهُ غرر لَا يقدر عَلَيْهِ الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون الْمَنْفَعَة مَقْدُورًا على تَسْلِيمهَا حسا وَشرعا

وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى إِذا اسْتَأْجر أخرس على التَّعْلِيم أَو أعمى على الْحِفْظ فسد وَكَذَا لَو اسْتَأْجر من لَا يحسن الْقُرْآن على التَّعْلِيم إِلَّا إِذا وسع عَلَيْهِ وقتا يقدر فِيهِ على التَّعَلُّم أَولا ثمَّ على التَّعْلِيم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْعَجز مُحَقّق والتعلم قد لَا يتَّفق وَالثَّانِي نعم وَكَأَنَّهُ يضاهي سلم الْمُفلس الثَّانِيَة اسْتَأْجر قِطْعَة أَرض لَا مَاء لَهَا فِي الْحَال نظر فَإِن لم يتَوَقَّع لَهَا مَاء أصلا فَإِن اسْتَأْجر للزِّرَاعَة فسد وَإِن اسْتَأْجر للسكون جَازَ وَإِن أطلق فَكَانَ على قلَّة جبل لَا يطْمع فِي الزِّرَاعَة ينزل على السّكُون وَإِن كَانَ يطْمع فِي الزِّرَاعَة فمطلقة للزِّرَاعَة فَيفْسد إِلَّا إِذا صرح بِنَفْي المَاء وَهل يقوم علم الْمُسْتَأْجر بِعَدَمِ المَاء مقَام صَرِيح النَّفْي حَتَّى يَصح عِنْد الْإِطْلَاق فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن مَفْهُوم اللَّفْظ مُطلقًا فِي مثل هَذِه الأَرْض للزِّرَاعَة مَا لم

يُصَرح بِنَفْي المَاء أما إِذا كَانَ يتَوَقَّع إِن كَانَ نَادرا فَالْعقد فِي الْحَال للزِّرَاعَة فَاسد وَهُوَ كَبيع الْآبِق لتوقع عوده وَإِن كَانَ يغلب وَفَاء الْمَطَر والسيل بِمَا يحصل الْمَقْصُود ويتوهم خلَافَة فَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال فَسَاده لِأَن الْعَدَم فِي الْحَال مَعْلُوم والوجود موهوم من بعد بِخِلَاف مَا لَو كَانَ للْأَرْض مَاء غَد وَشرب مَعْلُوم فَإِن الِانْقِطَاع موهوم وَلَكِن الْوُجُود مستصحب وَقَالَ القَاضِي يجوز لِأَن المَاء الْمَوْجُود فِي النَّهر لَا يبْقى بِعَيْنِه إِلَى وَقت الزِّرَاعَة وَلَكِن يغلب تجدّد مثله فَكَذَلِك هَاهُنَا يغلب وَفَاء الْمَطَر والسيل فَلَا فرق أما إِذا اسْتَأْجر قِطْعَة أَرض على شط دجلة وَالْمَاء زَائِد وَقد استولى عَلَيْهَا وانحساره عَنْهَا موهوم فَالْعقد بَاطِل وَإِن كَانَ نَاقِصا وَالزِّيَادَة موهومة فَالْعقد فِي الْحَال صَحِيح وَإِن كَانَت الزِّيَادَة متيقنة فَلَا وَإِن كَانَ المَاء مستويا عَلَيْهَا وَلَكِن الانحسار مَعْلُوم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ العقد صَحِيح

فَإِن قيل فالأرض غير مرئية قُلْنَا لَعَلَّه فرع على قَول صِحَة شِرَاء الْغَائِب أَو فرض فِيمَا إِذا تقدّمت الرُّؤْيَة أَو كَانَ المَاء صافيا لَا يمْنَع الرُّؤْيَة فَإِن فرض خلاف ذَلِك كُله لم يَصح فَإِن قيل وَإِن تقدّمت الرُّؤْيَة فَفِي الْحَال لَا يُمكن الِانْتِفَاع بهَا قُلْنَا هُوَ كاستئجار دَار مشحونة بالأقمشة واستئجار أَرض فِي الشتَاء فَإِنَّهُ فِي الْحَال لَا يزرع وَلَكِن يتسلط عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجر بِالْإِجَارَة وَالتَّصَرُّف الْمُمكن وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها فِي إِجَارَة الدَّار المشغولة بالأمتعة بِخِلَاف بيعهَا لِأَن الْمَنْفَعَة تتراخى فَيصير كإجارة السّنة الْقَابِلَة الثَّالِثَة إِجَارَة الدَّار للسّنة الْقَابِلَة فَاسِدَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه

الله لَان التشاغل بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الْحَال غير مُمكن فيتراخى التسليط على العقد الْوَارِد على مَنْفَعَة عين فرعان أَحدهمَا لَو أجره شهرا ثمَّ أجر الشَّهْر الثَّانِي مِنْهُ لَا من غَيره فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الْمَنْع لِأَن العقد الأول قد يَنْفَسِخ بِسَبَب فَشرط العقد الثَّانِي لَا يتَحَقَّق بِالْأولِ وَالثَّانِي الْجَوَاز لتواصل الِاتِّصَال فَهُوَ كَمَا لَو أجر شَهْرَيْن فِي صَفْقَة وَاحِدَة الثَّانِي إِذا قَالَ اسْتَأْجَرت هَذِه الدَّابَّة لأركبها نصف الطَّرِيق وأترك إِلَيْك النّصْف قَالَ الْمُزنِيّ هُوَ فَاسد إِذْ لَا يتَعَيَّن لَهُ النّصْف الأول فَيَنْقَطِع بِحكم المناوبة وَيصير كَالْإِجَارَةِ للزمان الْقَابِل وَمن الْأَصْحَاب من صحّح وَنزل على اسْتِئْجَار نصف الدَّابَّة وأحال التقطع على مُوجب الْمُهَايَأَة وَالْقِسْمَة لَا على العقد

وَلَو صرح باستئجار نصف الدَّابَّة فَالظَّاهِر صِحَّته فَهُوَ كَمَا لَو اسْتَأْجر نصف دَار وَفِيه وَجه آخر أَنه يفْسد لِأَن الْجمع غير مُمكن فَيُؤَدِّي إِلَى التقطع بِخِلَاف الدَّار الْوَاحِدَة ومحمل الدَّابَّة إِذْ يحْتَمل عَلَيْهِ الشريكان فَلَا يَنْقَطِع الرَّابِعَة الْعَجز الشَّرْعِيّ كالعجز الْحسي فِي الْإِبْطَال فَلَو اسْتَأْجر على قلع سنّ سليمَة أَو قطع يَد سليمَة أَو الْحَائِض على كنس الْمَسْجِد أَو الْمُسلم على تَعْلِيم الْقُرْآن لذِمِّيّ لَا يُرْجَى رغبته فِي الْإِسْلَام أَو على تعلم السحر أَو الْفُحْش والخنا أَو تعلم التَّوْرَاة والكتب المنسوخة فَكل ذَلِك حرَام وَالْعقد عَلَيْهِ فَاسد لِأَنَّهُ معجوز شرعا عَن تَسْلِيمه

أما إِذا كَانَت السن وجعة أَو الْيَد متآكلة فَالْأَصَحّ جَوَاز الْقلع وَالْقطع وَصِحَّة الِاسْتِئْجَار فرع إِذا اسْتَأْجر مَنْكُوحَة الْغَيْر على عمل دون رضَا الزَّوْج فسد فَإِنَّهَا مُسْتَحقَّة التعطيل لحق الزَّوْج وبإذنه يَصح وَلَو اسْتَأْجرهَا الزَّوْج لإرضاع وَلَده جَازَ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه مَمْنُوع لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ لَهُ وَهُوَ ضَعِيف أما إِذا التزمت عملا فِي الذِّمَّة صحت الْإِجَارَة دون إِذن الزَّوْج ثمَّ إِن وجدت فرْصَة وعملت بِنَفسِهَا اسْتحقَّت الْأُجْرَة وَفِي إِجَارَة الْحَائِض لكنس الْمَسْجِد احْتِمَال مأخذه صِحَة الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة وَلَكِن الْمَنْقُول مَا ذَكرْنَاهُ الشَّرْط الرَّابِع حُصُول الْمَنْفَعَة للْمُسْتَأْجر وَفِيه مسَائِل الأولى لَا يَصح اسْتِئْجَار دَابَّة ليرْكبَهَا المكرى فَإِن الْعِوَضَيْنِ يَجْتَمِعَانِ لَهُ وَكَذَا لَا يجوز استئجاره على الْعِبَادَات الَّتِى لَا تجْرِي النِّيَابَة فِيهَا فَإِنَّهَا تحصل لَهُ بِخِلَاف الْحَج وَغسل الْمَيِّت وحفر الْقُبُور وَدفن الْمَوْتَى وَحمل الْجَنَائِز فَإِن الِاسْتِئْجَار على جَمِيع ذَلِك يجوز لدُخُول النِّيَابَة أما الْجِهَاد فَلَا يجوز اسْتِئْجَار الْمُسلم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دَاخل تَحت الْخطاب فَيَقَع عَنهُ

وَيجوز للْإِمَام اسْتِئْجَار أهل الذِّمَّة على الْجِهَاد لأَنهم لم يدخلُوا تَحت خطاب الْجِهَاد وَكَذَلِكَ لَا يجوز الِاسْتِئْجَار على الْإِمَامَة فِي فَرَائض الصَّلَوَات أما الِاسْتِئْجَار على الْأَذَان فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا كالجهاد فَإِنَّهُ من الشعائر وَالثَّانِي نعم لِأَن فَائِدَته تحصل للنَّاس فِي طلب وَقت الصَّلَاة وَالثَّالِث يجوز للْقَاضِي وَالْإِمَام وَلَا يجوز لآحاد النَّاس وَفِي الِاسْتِئْجَار على إِمَامَة التَّرَاوِيح خلاف وَالأَصَح الْمَنْع إِذْ لَا يتَمَيَّز الْمُسْتَأْجر بفائدة مَقْصُودَة عَن الْأَجِير أما الِاسْتِئْجَار على التدريس فِي جنسه وَكَذَا اسْتِئْجَار الْمُقْرِئ على هَذَا الْوَجْه مُتَرَدّد بَين الْجِهَاد لِأَنَّهُ من فروض الكفايات وَبَين الْأَذَان لِأَن فَائِدَته تخْتَص بالآحاد أما الِاسْتِئْجَار على تَعْلِيم مَسْأَلَة مُعينَة من شخص معِين فَلَا خلاف فِي جَوَازه فَلَا يتَعَيَّن كامرأة أسلمت ولزمها تعلم الْفَاتِحَة فنكحها رجل على التَّعْلِيم وَلم يحضر سوى ذَلِك الرجل فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح الصِّحَّة إِذْ لَيْسَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ التَّعَب مجَّانا بل يجب ببذل كَمَا فِي بذل المَال فِي صُورَة المخمصة وعَلى الْجُمْلَة فَكل عمل مَعْلُوم مُبَاح يلْحق الْعَامِل فِيهِ كلفة ويتطوع بِهِ الْغَيْر عَن

الْغَيْر فَيجوز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ وَيجوز جعله صَدَاقا الشَّرْط الْخَامِس كَون الْمَنْفَعَة مَعْلُومَة وتفصيلها بِبَيَان أَقسَام الْإِجَارَة وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام الأول استصناع الْآدَمِيّ وَذَلِكَ يعرف إِمَّا بِالزَّمَانِ أَو بِمحل الْعَمَل كَمَا إِذا اسْتَأْجر على الْخياطَة فيعين الثَّوْب أَو يَقُول استأجرتك يَوْمًا للخياطة وَلَو جمع بَينهمَا وَقَالَ استأجرتك لتخيط هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا الْيَوْم فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع لِأَن تَفْرِيع الْجَوَاز يُفْضِي إِلَى خبط إِن تمّ الْعَمَل قبل مُضِيّ الْيَوْم أَو على الْعَكْس وَلَو اسْتَأْجر على تَعْلِيم الْقُرْآن إِمَّا أَن يعرف بِالزَّمَانِ أَو بِمِقْدَار السُّور وتعينها وَلَا يشْتَرط أَن يجْبر فهم المتعلم وَلَا فَائِدَة أَيْضا فِي شَرط رُؤْيَته وَلَو اسْتَأْجر على قدر عشر آيَات وَلم يعين السُّورَة فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع تضادتها أَيْضا فِي عسر الْحِفْظ ويسره وَوجه الْجَوَاز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن

وَلم يعين السُّورَة وَقيل إِنَّه كَانَ عشر آيَات من أول الْبَقَرَة والاستئجار على الرَّضَاع يعرف فِيهِ الْمدَّة وَالصَّبِيّ لِأَن الْغَرَض يخْتَلف بِهِ اخْتِلَافا ظَاهرا والموضع الذى فِيهِ الرَّضَاع وَلَا يبالى بِمَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ من جَهَالَة بِسَبَب تعرض الصَّبِي للأمراض وَزِيَادَة حَاجته ونقصانها وَهَذَا يدل على نوع من التساهل فِي الْإِجَارَة للْحَاجة الْقسم الثَّانِي فِي اسْتِئْجَار الْأَرَاضِي وَفِيه صور الأولى أَن يسْتَأْجر للسكون فَيشْتَرط أَن يعرف من الدَّار والحانوت وَالْحمام كل مَا تخْتَلف بِهِ الْمَنْفَعَة فَيرى فِي الْحمام الْبيُوت وبئر المَاء وَالْقدر ومطرح الرماد ومبسط القماش وَمَوْضِع الْوقُود والأتون وَمجمع فضلات المَاء كَمَا يرَاهُ المُشْتَرِي وَيعرف قدر الْمَنْفَعَة بالمدة

فَإِن اسْتَأْجر سنة فَذَاك وَإِن زَاد فَثَلَاثَة أَقْوَال وَالأَصَح أَنه لَا يتَقَدَّر بِمدَّة بل يتبع التَّرَاضِي إِذْ لَا تَوْقِيف فِي التَّقْدِير وَالثَّانِي أَنه لَا يزِيد على سنة فَإِنَّهُ أثبت للْحَاجة وَالثَّالِث أَنه يَنْتَهِي إِلَى ثَلَاثِينَ سنة وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يصير فِي معنى البيع التَّفْرِيع إِذا جَوَّزنَا الزِّيَادَة وَهُوَ الصَّحِيح فَلَو أجر سِنِين فَهَل يشْتَرط بَيَان حِصَّة كل سنة فِي الْأُجْرَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كبيان الْأَشْهر فِي سنة وَاحِدَة وَالثَّانِي نعم إِذا يغلب تفَاوت أُجْرَة الْمثل وَرُبمَا تمس الْحَاجة إِلَى مَعْرفَته فِي التفاسخ إِن اتّفق فرع لَو قَالَ أجرتك سنة فَالْأَظْهر أَنه يَصح وَينزل على السّنة الأولى بِالْعرْفِ

وَقيل إِنَّه فَاسد لِأَنَّهُ لم يُصَرح بِالتَّعْيِينِ وَلَو قَالَ أجرتك كل شهر بِدِينَار وَلم يقدر عدد الْأَشْهر فَهُوَ فَاسد إِذْ لَا مرد لَهُ وَقَالَ ابْن سُرَيج يَصح فِي الشَّهْر الأول لِأَنَّهُ مَعْلُوم وَالْبَاقِي يبطل فِيهِ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن نَظِيره من الصُّبْرَة قَوْله بِعْتُك كل صَاع بدرهم وَلم يقل بِعْتُك الصُّبْرَة الثَّانِيَة إِذا اسْتَأْجر الأَرْض للزِّرَاعَة فَلَو قَالَ أكريتك لتنتفع كَيفَ شِئْت صَحَّ وَجَاز الْبناء وَالْغِرَاس والزراعة وكل مَا أمكن من الْمَنْفَعَة وَلَو اقْتصر على قَوْله أكريتك فسد لِأَنَّهُ لم يعين مَنْفَعَة وَلَا فوض إِلَى مَشِيئَته وَلَو قَالَ أكريتك للزِّرَاعَة وَلم يعين جنس الزَّرْع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الذّرة أضرّ من الْقَمْح وَالثَّانِي نعم وَيحمل الْإِطْلَاق بعد التَّعَرُّض لجنس الزَّرْع على مَا يَشَاء الثَّالِثَة إِذا قَالَ أكريتك إِن شِئْت فازرعها وَإِن شِئْت فاغرسها فَالظَّاهِر الصِّحَّة كَمَا إِذا قَالَ انْتفع كَيفَ شِئْت وَقيل إِنَّه فَاسد كَمَا لَو قَالَ بِعْتُك بِأَلف إِن شِئْت مكسرة وَإِن شِئْت صَحِيحَة أما إِذا قَالَ أكريتك فازرعها واغرسها وَلم يبين قدر مَا يزرع فِيهِ اخْتِيَار

الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج بُطْلَانه لجَهَالَة الْقدر وَقَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة يَصح وَينزل على النّصْف الرَّابِعَة إِذا أكرى الأَرْض للْبِنَاء وَجب بَيَان عرض الْبناء وَفِي التَّعَرُّض للارتفاع وَالْقدر خلاف وَالْأَظْهَر أَنه لَا يشْتَرط الْقسم الثَّالِث اسْتِئْجَار الدَّوَابّ وَهِي تستأجر لأَرْبَع جِهَات الأولى الرّكُوب فَيشْتَرط أَن يعرف الْمُسْتَأْجر الدَّابَّة بِأَن يَرَاهَا وَإِلَّا فَهُوَ إِجَارَة غَائِب وَالْآخر يعرف قدر الرَّاكِب بِرُؤْيَتِهِ أَو بِسَمَاع وَصفه فِي الطول والضخامة حَتَّى يعرف وَزنه تخمينا وَلَا يشْتَرط التَّحْقِيق بِالْوَزْنِ وَيعرف الْمحمل بِالصّفةِ فِي السعَة والضيق وبالوزن فَإِن ذكر الْوَزْن دون الصّفة أَو الصّفة دون الْوَزْن فَوَجْهَانِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِن كَانَت محامل بَغْدَاد فالإطلاق يكفى لِأَنَّهَا مُتَقَارِبَة وتنزل منزلَة السرج والإكاف فَإِنَّهَا لَا تُوصَف لتساويها

وَيذكر تَفْصِيل المعاليق فَإِن ذكرت من غير تَفْصِيل قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْقيَاس أَنه فَاسد للتفاوت قَالَ وَمن النَّاس من ينزله على وسط مقتصد فَمن الْأَصْحَاب من جعل هَذَا أَيْضا قولا لَهُ وَأما تَقْدِير الطَّعَام فِي السفرة فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِوُجُوب التَّعْرِيف بل الصَّحِيح وُجُوبه لِأَنَّهُ يتَفَاوَت تَفَاوتا لَا يَنْضَبِط وَيجب ذكر تَفْصِيل السّير أَو السرى وَمِقْدَار الْمنَازل إِن لم يكن مضبوطا بِالْعَادَةِ وَإِن انضبط بِالْعَادَةِ نزل عَلَيْهِمَا هَذَا إِذا كَانَت الْإِجَارَة على عين الدَّابَّة فَإِن أورد على الذِّمَّة فَيشْتَرط وصف الدَّابَّة أَفرس أم بغل أم جمل وَهل يشْتَرط التَّعَرُّض لكيفية السّير مثل كَونه مهملجا أَو بحرا أَو قطوفا فِيهِ وَجْهَان وَيدخل التَّأْجِيل فِيهِ فَيَقُول فِي الْمحرم ألزمتك أَن تركبني غرَّة الْمحرم لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّة فَأشبه السّلم وَلَفظ الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة أَن تَقول ألزمت ذِمَّتك إركابي كَذَا فرسخا أَو ألزمت ذِمَّتك تَسْلِيم مركوب إِلَيّ أركبه كَذَا فرسخا فَيَقُول التزمت

الْجِهَة الثَّانِيَة اسْتِئْجَار الدَّابَّة للْحَمْل وَحكمه حكم الرّكُوب إِلَّا فِي أَمريْن أَحدهمَا أَن معرفَة وزن الْمَحْمُول تَحْقِيقا شَرط إِن كَانَ غَائِبا بِخِلَاف تَحْقِيق وزن الرَّاكِب وَإِن كَانَ الْحمل حَاضرا فشاله بِالْيَدِ وَعرف قدره تخمينا كفى وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ فِي الذِّمَّة لَا يشْتَرط ذكر جنس الدَّابَّة أبغل أم فرس إِلَّا إِذا اسْتَأْجر لحمل زجاج فقد يخْتَلف الْغَرَض بِهِ الْجِهَة الثَّالِثَة الاستقاء وَهُوَ كالحمل فَيعرف قدر المَاء وَيُرِيد أَنه يتَكَرَّر فَيعرف قدر كل كرة وَيعرف عمق الْبِئْر أَو الدولاب وَقد تحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّعْيِين إِذا كَانَ لَا يَنْضَبِط بِالْوَصْفِ الْجِهَة الرَّابِعَة الحراثة فَإِن قدر بِالزَّمَانِ لم يجب تَعْرِيف الدَّابَّة ورؤيتها وَإِن ضبط بِقدر الأَرْض وَجب معرفَة الدَّابَّة على الْمُكْتَرِي وَمَعْرِفَة الأَرْض على الْمكْرِي أَهِي سهلية أم جبلية فَإِن كَانَت مستورة بِالتُّرَابِ فَلَا يَكْفِي النّظر إِلَى وجهتها مَا لم يعرف جِنْسهَا هَذَا تَفْصِيل الْعلم وَالْعرض إِنَّمَا يتَفَاوَت الْمَقْصُود بِهِ تَفَاوتا لَا يتَسَامَح بِمثلِهِ فِي الْمُعَامَلَة وَجب بيتنه هَذَا جملَته وتفصيله فليعتبر بِمَا ذكرنَا مَا لم نذْكر قِيَاسا عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان حكم الْإِجَارَة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي مُوجب الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة لُغَة وَعرفا ويرتبط النّظر فِيهِ بأقسام الْإِجَارَة وَهِي ثَلَاثَة الْقسم الأول فِي الاستصناع وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا الاستتباع واستئجار الأَرْض للزِّرَاعَة يستتبع اسْتِحْقَاق الشّرْب قطعا وَإِن لم يذكر للْعُرْف واستئجار الْخياط لَا يُوجب عَلَيْهِ الْخَيط إِذْ الْعرف لَا يَقْتَضِيهِ واستئجار الحاضنة للحضانة هَل يستتبع الْإِرْضَاع وَكَذَا الِاسْتِئْجَار للإرضاع هَل يستتبع الْحَضَانَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا إِذْ كل وَاحِد يُمكن إِفْرَاده بِنَفسِهِ على ظَاهر الْمَذْهَب كَمَا سبق فإفراد أَحدهمَا بِالذكر يدل على تَخْصِيصه وعَلى هَذَا لَيْسَ على الْمُرضعَة إِلَّا وضع الثدي فِي فَم الصَّبِي وَبَاقِي الْأَعْمَال فِي تعهد الصَّبِي على الحاضنة وَالثَّانِي أَن كل وَاحِد يتبع صَاحبه لِأَن الْعرف قَاض بِأَن ذَلِك لَا يَتَوَلَّاهُ شخصان بل يتلازمان وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أَنه إِن استؤجرت للإرضاع استتبع

الْحَضَانَة كي لَا تبقى الْإِجَارَة فِي مُقَابلَة مُجَرّد الْعين فَإِن الأَصْل فِي الْإِجَارَة الْمَنْفَعَة وَإِن استؤجرت للحضانة لم يستتبع الْإِرْضَاع وَأما الحبر فِي حق الْوراق والصبغ فِي حق الصّباغ فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ هُوَ كاللبن فِي حق الحاضنة فَيخرج عل الْخلاف فِي اتِّبَاعه وَإِن لم نحكم بالتبعية فَإِن شَرط فِيهِ وَهُوَ مَجْهُول جَازَ كَمَا فِي اللَّبن وَمِنْهُم من قطع بِأَن الحبر والصبغ مُسْتَقل وَهُوَ مستتبع لَا تبيع فَإِن شَرط فَلَا بُد وَأَن يذكر وَيعرف ثمَّ يكون جمعا بَين بيع وَإِجَارَة بِخِلَاف اللَّبن فَإِنَّهُ لَا يفرد اعتيادا فرع لَو انْقَطع لبن الْمُرضعَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَنْفَسِخ لِأَن اللَّبن كل الْمَقْصُود وَالْبَاقِي تَابع وَالثَّانِي يثبت الْخِيَار لِأَن الأَصْل عمل الْحَضَانَة وَهَذَا عيب وَالثَّالِث أَن كل وَاحِد مَقْصُود فَهُوَ كَمَا لَو اسْتَأْجر عَبْدَيْنِ فَتلف أَحدهمَا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا نسي المتعلم مَا حفظ قيل إِن كَانَ مَا دون سُورَة يجب على الْمعلم إِعَادَته وَقيل مَا كَانَ دون آيَة وَهُوَ تحكم وَلَعَلَّ الْأَصَح أَنا مَا نسي فِي مجْلِس التَّعَلُّم يجب إِعَادَته وَكَأَنَّهُ لم يثبت فِي

نَفسه بعد وَمَا نسي بعد مجْلِس التَّعَلُّم فَهُوَ من تَقْصِير الصَّبِي الْقسم الثَّانِي فِي اسْتِئْجَار الْأَرَاضِي والدور أما الدّور فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِقَامَة جِدَار مائل وَإِصْلَاح جذع منكسر وَمَا يجْرِي مجْرَاه من مرمة لَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى تَجْدِيد عين يجب على الْمكْرِي إدامته لتوفير الْمَنْفَعَة فَإِن افْتقر إِلَى إِعَادَة جِدَار مائل أَو جذع فَإِن فعل استمرت الْإِجَارَة وَلَا خِيَار وَإِن أَبى فللمكتري الْخِيَار وَهل لَهُ إِجْبَاره على إِعَادَته قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَنَّهُ إِلْزَام عين جَدِيدَة لم يَتَنَاوَلهَا العقد وَقَالَ القَاضِي وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يجْبر عَلَيْهِ وَفَاء بتوفير الْمَنْفَعَة وَكَذَا الْخلاف إِذا غصبت الدَّار وَقدر الْمكْرِي على انتزاعها هَل يلْزمه وَكَذَا الْخلاف إِذا ضَاعَ الْمِفْتَاح هَل يجب عَلَيْهِ إِبْدَاله

وَلَا خلاف فِي أَن تَسْلِيم الْمِفْتَاح وَاجِب وَلَو ضَاعَ فِي يَد الْمُكْتَرِي فَهُوَ أَمَانَة وَلَيْسَ على الْمكْرِي إِبْدَاله والدعامة الَّتِى تمنع من الانهدام إِذا احْتِيجَ إِلَيْهَا فِي معنى جذع جَدِيد أَو فِي معنى إِقَامَة مائل فِيهِ تردد فرع لَو أجر دَارا لَيْسَ لَهَا بَاب ومرزاب لم يلْزمه إحداثه قطعا إِذْ لم يلتزمه أصلا نعم إِن جَهله المكترى فَلهُ الْخِيَار الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تَطْهِير الدَّار عَن الكناسة والأتون عَن الرماد وعرصة الْموضع عَن الثَّلج الْخَفِيف على الْمُكْتَرِي وتطهير السطوح على الثَّلج لَيْسَ على الْمُكْتَرِي بل إِن فعله الْمُكْتَرِي فَذَاك وَإِن تَركه فَهُوَ المستضر بِهِ فَإِن انْهَدَمت بِهِ الدَّار فللمكتري الْخِيَار وَأما تنقية البالوعة والحش فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه على الْمُكْتَرِي ككنس الْعَرَصَة

وَالثَّانِي على الْمكْرِي إِذْ بِهِ يتهيأ للِانْتِفَاع وَلَا خلاف فِي أَنه إِذا انْقَضتْ الْمدَّة لَا يُطَالب الْمُكْتَرِي بالتنقية عِنْد الْخُرُوج من الدَّار وَيُطَالب بتنقية الْعَرَصَة من الكناسات وَقَوْلنَا فِي دوَام الْمدَّة عَلَيْهِ أردنَا بِهِ إِن أَرَادَ الِانْتِفَاع لنَفسِهِ فرع لَو طرح فِي الْبَيْت مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد هَل يمْنَع مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه لَا يمْنَع فَإِنَّهُ مُعْتَاد فِي الدّور أما الْأَرَاضِي فَفِيهَا ثَلَاث مسَائِل الأولى إِذا اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة وَلها شرب اتبع مُوجب الشَّرْط فِي الشّرْب وَإِن لم يكن شَرط فالعرف فَإِن لم يكن عرف فاستؤجرت للزِّرَاعَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الِاتِّبَاع لِأَن لفظ الزِّرَاعَة كالشرط للشُّرْب إِذْ لَا يسْتَغْنى عَنهُ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَنه لَا اتِّبَاع إِذْ مُوجب اللَّفْظ يُزَاد عَلَيْهِ بعرف غير مُضْطَرب فَإِذا اضْطربَ اقْتصر على مُوجب اللَّفْظ وَمِنْهُم من قَالَ تفْسد هَذِه الْإِجَارَة لِأَن الْمَقْصُود صَار مَجْهُولا بتعارض

هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا مَضَت مُدَّة الْإِجَارَة وَالزَّرْع بَاقٍ نظر فَإِن كَانَ السَّبَب تَقْصِير الْمُكْتَرِي وتأخيره فللمكري قلعه مجَّانا وَله إبقاؤه بِأُجْرَة وَإِن كَانَ السَّبَب برد الْهَوَاء وإفراطه فَلَمَّا يقلعه مجَّانا بل يتْركهُ بِأُجْرَة لِأَنَّهُ غير مقصر وَفِيه وَجه أَنه يقْلع مجَّانا كالتقصير وَإِن كَانَ السَّبَب كَثْرَة الأمطار الْمَانِعَة من الْمُبَادرَة إِلَى الزِّرَاعَة فَهَذَا مُتَرَدّد بَين التَّأْخِير وَبَين برد الْهَوَاء وَإِن كَانَ السَّبَب قصر الْمدَّة الْمَشْرُوطَة كَمَا إِذا اسْتَأْجر الأَرْض لزراعة الْقَمْح شَهْرَيْن فَإِن شَرط الْقلع مجَّانا فَلهُ ذَلِك فَلَعَلَّهُ لَيْسَ يَبْغِي إِلَّا القصيل وَإِن شَرط الْإِبْقَاء فَالْإِجَارَة فَاسِدَة لتناقض التَّأْقِيت وَشرط الْإِبْقَاء وَإِن سكت قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ينزل على شَرط الْإِبْقَاء فَيفْسد لِأَن الزَّرْع يقْصد ليبقى فِي الْعَادة فَهُوَ كَمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة يَوْمًا ليسافر بهَا إِلَى مَكَّة من بَغْدَاد وَإِلَيْهِ يُشِير نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه يَصح لِأَن الْمدَّة مَعْلُومَة وَقد يقْصد القصيل ثمَّ فِي جَوَاز الْقلع وَجْهَان أَحدهمَا لَا يقْلع مجَّانا كالإعارة المؤقتة وَالثَّانِي يقْلع لِأَن فَائِدَة تأقيت الْإِعَارَة طلب الْأُجْرَة بعد الْمدَّة وَهَاهُنَا

الْأُجْرَة فِي الْمدَّة لَازِمَة فَلَا تظهر فَائِدَة سوى الْقلع وعَلى الْجُمْلَة نقل وَجه من هَاهُنَا إِلَى تأقيت الْإِعَارَة مُتَّجه وَكَذَلِكَ فِي إِجَارَة الأَرْض للْبِنَاء وَالْغِرَاس فِي جَوَاز الْقلع بعد الْمدَّة هَذِه الْخلاف مَعَ الْقطع فِي الْعَارِية المؤقتة بِأَنَّهُ لَا يجوز الْقلع بعد الْمدَّة والتسوية متجهة ثمَّ إِذا فرعنا على أَن الْإِجَارَة المؤقتة كالعارية المؤقتة وَأَن الْقلع مجَّانا بعده لَا يجوز فَيتَخَيَّر بَين الْقلع بِأَرْش أَو الْإِبْقَاء بِأُجْرَة أَو التَّمَلُّك بعوض كَمَا فِي الْعَارِية فَإِن اخْتَار الْقلع فمباشرة الْقلع أَو بدل مُؤْنَته على من فِي كَلَام الْأَصْحَاب فِيهِ تردد يحْتَمل أَن يُقَال على الْمُكْتَرِي فَإِنَّهُ تَفْرِيغ الْملك وَهُوَ الذى شغله وَإِنَّمَا على الْمَالِك أرش النُّقْصَان وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن أَرَادَ الْمَالِك الْقلع فليباشره وعَلى هَذَا لَو أَبى الْمُكْتَرِي الْقلع أَو التَّمْكِين مِنْهُ ذكرنَا فِي الْعَارِية أَنه يقْلع مجَّانا وَذكر هَاهُنَا وَجه يطرد أَيْضا فِي الْعَارِية أَنه يقْلع وَيغرم لَهُ كالمالك إِذا منع الْمُضْطَر الطَّعَام لَا يبطل حَقه لَكِن يُؤْخَذ قهرا بعوض

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو استلجرها للقمح فَلَيْسَ لَهُ زراعة الذّرة وَلَو اسْتَأْجر للذرة فَلهُ زراعة الْقَمْح لِأَن ضَرَره دونه وَلَو شَرط الْمَالِك الْمَنْع عَن الْقَمْح فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يتبع الشَّرْط فَهُوَ الْمَالِك وَالثَّانِي يفْسد الشَّرْط فَهُوَ كَقَوْلِه أجرت بِشَرْط أَن لَا تلبس إِلَّا الْحَرِير وَالثَّالِث أَن العقد يفْسد كَمَا لَو شَرط أَن لَا يُؤَاجر الأَرْض الْمُسْتَأْجرَة وَلَو نفى الذّرة فزرعها فللمكري الْمُبَادرَة إِلَى الْقلع فِي الْحَال وَلَو زرع مَا ضَرَره دون ضَرَر الْمَشْرُوط وَلَكِن يطول بَقَاؤُهُ فَهَل لَهُ فِي الْحَال قلعه وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا ضَرَر فِي الْحَال وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مُضر فِي جنسه بطول الْبَقَاء فرع لَو شَرط الْقَمْح فزرع الذّرة فَلم يقْلع حَتَّى مَضَت الْمدَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يتَخَيَّر بَين أَن يُطَالب بِأُجْرَة الْمثل أَو يُطَالب بِالْمُسَمّى وَأرش نُقْصَان الأَرْض

قَالَ الْمُزنِيّ الأولى بقوله الْمُسَمّى وَأرش النَّقْص فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ هَذَا يدل على اضْطِرَاب قَول وَحَاصِل مَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يتَعَيَّن الْمُسَمّى وَأرش النَّقْص إِذْ صحت الْإِجَارَة وَلم يعدل عَن جنس الزِّرَاعَة فَهُوَ كَمَا لَو اسْتَأْجر دَابَّة لحمل خمسين فَحمل مائَة يثبت الْمُسَمّى وَزِيَادَة وَالثَّانِي تتَعَيَّن أُجْرَة الْمثل إِذْ ترك الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَو اسْتَأْجر للزِّرَاعَة فَبنى وَالثَّالِث أَنه ليتخير كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَن الذّرة يضاهي الْقَمْح من وَجه وَيُخَالِفهُ من وَجه فَالْخِيَار للْمَالِك وَمن الْأَصْحَاب من طرد الْأَقْوَال فِي الْعُدُول عَن الزَّرْع إِلَى الْبناء وَالْغِرَاس الْقسم الثَّالِث فِي اسْتِئْجَار الدَّوَابّ وَفِيه سبع مسَائِل الأولى يجب على مكري الدَّابَّة تَسْلِيم الحزام والثغر والإكاف وَفِي الْإِبِل الْبرة والخطام والبرذعة

وَفِي السرج خلاف فِي إكراء الْفرس والمتبع فِي كل ذَلِك الْعرف أما الْمحمل والمظلة والغطاء وَالْحَبل الذى يشد بِهِ أحد المحملين إِلَى الآخر على الْمُكْتَرِي أما آلَات النَّقْل كالوعاء فعلى الْمُكْتَرِي إِن وَردت الْإِجَارَة على عين الدَّابَّة وَإِن الْتزم فِي الذِّمَّة نقل مَتَاعه فعلى الْمكْرِي والدلو والرشأ فِي الاستقاء كالوعاء والمتبع فِي كل ذَلِك الْعرف الثَّانِيَة إِذا اسْتَأْجر للرُّكُوب وَلم يتَعَرَّض للمعاليق فِي اقتضائه تَعْلِيق المعاليق وَجْهَان أَحدهمَا يَقْتَضِيهِ للْعَادَة وَالثَّانِي لَا إِذْ رب رَاكب لَا معلاق لَهُ فَإِن قُلْنَا إِنَّه يَقْتَضِيهِ فَهُوَ كَمَا لَو ذكر المعلاق وَلم يفصله وَقد ذكرنَا خلافًا فِي أَنه مَجْهُول أم يحكم فِيهِ الْعرف فرع الصَّحِيح أَن الطَّعَام يجب تَقْدِيره فَلَو قدر عشْرين منا فَإِذا فني هَل يجوز إِبْدَاله فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم كَسَائِر المحمولات وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعَادة فِي الطَّعَام أَن تنزفه الدَّابَّة إِذْ لم يبْق

وَالثَّالِث أَنه يُبدل إِن فني الْكل وَإِن فني شئ مِنْهُ فَلَا يُبدل كل سَاعَة الثَّالِثَة كَيْفيَّة السّير والسرى ينزل فِيهِ على الْعَادة أَو الشَّرْط وَكَذَا النُّزُول على العقبات يَقْتَضِيهِ مُطلق الْإِجَارَة فَلَو تنَازعا فِي الْمنزل فَإِن كَانَ فِي صيف فالصحراء وَإِن كَانَ فِي شتاء فَفِي الْقرى وَقد يخْتَلف بالأمن وَالْخَوْف فَينزل فِي وَقت الْخَوْف فِي الْقرى وَفِي الْأَمْن فِي الصَّحرَاء فَإِن لم يكن عرف فَسدتْ الْإِجَارَة إِن لم يشْتَرط وَالنُّزُول عَن الدَّابَّة وَالْمَشْي رواحا مُعْتَاد فَإِن أَبى فَهَل يجْبر عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الْعَادة التَّبَرُّع بِهِ لمن أَرَادَ لَا كالنزول على الْعقبَة الرَّابِعَة يجب على الْمكْرِي إِعَانَة الرَّاكِب فِي النُّزُول وَالرُّكُوب إِن كَانَ الرَّاكِب مَرِيضا أَو شَيخا أَو امْرَأَة هَذَا إِذا الْتزم بتبليغ الرَّاكِب الْمنزل فِي الذِّمَّة فَإِن أورد على عين الدَّابَّة وَسلم فَفِيهِ خلاف وَلَعَلَّه يخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال

الْمُكْتَرِي فِي الْعَادة أما الْإِعَانَة على الْحمل فَالصَّحِيح أَنه يجب إِذْ الْعرف فِيهِ غير مُخْتَلف والاستقلال بِالْحملِ غير مُمكن بِخِلَاف الرّكُوب وَرفع الْمحمل وحطه أَيْضا على الْمكْرِي كالإعانة على الْحمل وَشد أحد المحملين إِلَى الآخر فِي الِابْتِدَاء على من فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه مردد بَين تنضيد الأقمشة وَهُوَ على الْمكْرِي وَبَين الْخط وَالرَّفْع ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن تنَازعا فِي كَيْفيَّة الرّكُوب فِي الْمحمل جلس لَا مكبوتا وَلَا مُسْتَلْقِيا أَي مستويا غير مخفوض أحد الْجَانِبَيْنِ من أَسْفَل أَو من قُدَّام الْخَامِسَة إِذا اسْتَأْجر للْحَمْل مُطلقًا فَلهُ أَن يحمل مَا شَاءَ وَالْأَظْهَر أَن اخْتِلَاف الْحَدِيد والقطن وَالشعِير كاختلاف الْقَمْح والذرة حَتَّى يشْتَرط التَّعَرُّض لَهُ فِي وَجه ثمَّ إِن شَرط الشّعير حمل الْحِنْطَة إِذْ لَا فرق وَلَا يحمل الْحَدِيد وَلَو شَرط الْحَدِيد حمل الرصاص والنحاس للتقارب وَلَا يحمل الْقطن وَكَذَا إِذا شَرط الْقطن لَا يحمل الْحَدِيد لاخْتِلَاف جنس الضَّرَر

وَأما الْوِعَاء هَل يحْتَسب إِن قَالَ التزمت حمل مائَة منا من الْحِنْطَة فالوعاء وَرَاءه فَإِن تماثلت الغراير فِي الْعرف حمل عَلَيْهِ وَإِلَّا شَرط ذكر وزند الظّرْف فَإِن قَالَ احْمِلْ مائَة من فَالظَّاهِر أَنه مَعَ الظّرْف وَفِيه وَجه أَنه كالصورة الأولى وَلَو قَالَ أحمل عشرَة آصَع بدرهم وَمَا زَاد فبحسابه فَهُوَ فِي عشرَة آصَع صَحِيح وَفِي الْبَاقِي فَاسد لِأَنَّهُ لَا مرد لَهُ السَّادِسَة إِذا تلفت الدَّابَّة الْمعينَة انْفَسَخت الْإِجَارَة وَإِن وَردت على الذِّمَّة وسلمت الدَّابَّة فَتلفت جَازَ للمكري إبدالها وَلم تَنْفَسِخ وَكَذَا إِذا وجد بهَا عَيْبا لم يكن لَهُ الْفَسْخ كَمَا إِذا وجد بِالْمُسلمِ فِيهِ عَيْبا نعم يُفِيد الْقَبْض فِي الدَّابَّة وَإِن لم يعين فِي العقد تسلط الْمُسْتَأْجر على إِجَارَتهَا والاختصاص بهَا إِن أفلس الْمكْرِي حَتَّى يقدم على الْغُرَمَاء بمنافعها وَلَو أَرَادَ الْمَالِك إبدالها فِي الطَّرِيق دون رِضَاهُ فِيهِ تردد وَالأَصَح أَنه إِن قَالَ أجرتك دَابَّة من صفتهَا كَذَا وَكَذَا ثمَّ عين لم بجز لَهُ الْإِبْدَال وَإِن قَالَ التزمت إركابك إِلَى الْبَلَد الْفُلَانِيّ جَازَ الْإِبْدَال السَّابِعَة فِي إِبْدَال متعلقات الْإِجَارَة

أما المستوفي وَهُوَ الرَّاكِب فَيجوز إِبْدَاله بِمثلِهِ وَأما الْمُسْتَوْفى مِنْهُ وَهُوَ الْأَجِير وَالدَّابَّة وَالدَّار فَلَا يجوز الْإِبْدَال بعد وُرُود الْإِجَارَة على الْعين وَأما الْمُسْتَوْفى فِيهِ وَهُوَ الثَّوْب فِي الْخياطَة وَالصَّبِيّ فِي التَّعْلِيم والمسافة فِي الْبِلَاد والطرق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز لِأَن الْإِجَارَة لَا تتَعَلَّق بِهَذِهِ الْأَشْيَاء كالمستوفي وَالثَّانِي لَا كالمستوفى مِنْهُ وَالثَّالِث أَنه لَا إِجْبَار فِيهِ وَلَكِن بِالتَّرَاضِي يجوز من غير تَصْرِيح بمعاوضة وَشَرطهَا فرع إِذا اسْتَأْجر ثوبا للبس فَلَا يبيت فِيهِ لَيْلًا وَكَذَا فِي وَقت القيلولة وَفِي وَقت القيلولة وَجه وَلَيْسَ لَهُ الاتزار بِهِ لِأَن ضَرَره فَوق اللّبْس وَفِي الارتداء بِهِ وَجْهَان لِأَن ضَرَر جنس آخر

الْفَصْل الثَّانِي فِي الضَّمَان وَالنَّظَر فِي الْمُسْتَأْجر والأجير أما الْمُسْتَأْجر فيده يَد أَمَانَة فِي مُدَّة الِانْتِفَاع وَلَو انْهَدَمت الدَّار الْمُسْتَأْجرَة أَو تلف الثَّوْب الْمُسْتَأْجر للبس أَو الدَّابَّة المتسأجرة للرُّكُوب بِغَيْر عدوان فَلَا ضَمَان لِأَن توفيه الْمَنْفَعَة وَاجِبَة على الْآجر وَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات يَد الْمُسْتَأْجر فَكَأَنَّهُ يمسِكهُ لغَرَض الْآجر أما إِذا تعدى بِضَرْب الدَّابَّة من غير حَاجَة أَو سَبَب آخر فَتلف ضمن ضَمَان الْعدوان أما إِذا انْقَضتْ الْمدَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو حَبسه بعد الْمدَّة فَتلف ضمن وَاخْتلف الْأَصْحَاب فَمنهمْ من قطع بِأَن يَده يَد أَمَانَة بعد الْمدَّة كَمَا فِي الْمدَّة وَأَنه لَا يلْزمه مُؤنَة الرَّد وَإِذا تلف فَلَا ضَمَان وَأَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا إِذا حبس بعد الْمُطَالبَة وَمِنْهُم من قَالَ يَده بعد الْمدَّة كيد الْمُسْتَعِير فَعَلَيهِ مؤونة الرَّد وَالضَّمان فَأَما قبل الِانْتِفَاع إِذا سلم إِلَيْهِ الدَّابَّة فربطها فِي الإصطبل فَمَاتَتْ فَلَا ضَمَان قبل مُضِيّ مُدَّة الِانْتِفَاع

فَإِن انْهَدم عَلَيْهَا والإصطبل قَالَ الْأَصْحَاب يجب الضَّمَان إِذْ لَو ركب فِي الطَّرِيق لَكَانَ آمنا من هَذِه الآفة أما الْأَجِير على الدَّابَّة للرياضة وعَلى الثَّوْب للخياطة وعَلى الْخبز للخبز فضامن إِن تلف المَال بتقصيره فِي الْعَمَل وَإِن لم يقصر وَتلف بِآفَة نظر إِن كَانَ فِي دَار الْمَالِك وَفِي حُضُوره والشئ فِي يَد الْمَالِك فَلَا ضَمَان وَإِن كَانَ فِي يَد الْأَجِير ودكانه فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْأَصَح أَنه لَا ضَمَان قَالَ الرّبيع اعْتقد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَا ضَمَان على الْأَجِير وَأَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَكِن كَانَ لَا يبوح بِهِ خيفة الْقُضَاة السوء والآجر السوء ويتأيد ذَلِك بِأَن الرَّاعِي إِذا نلفت الأغنام تَحت يَده بِالْمَوْتِ بِآفَة سَمَاوِيَّة لَا يضمن إِجْمَاعًا وعامل الْقَرَاض لَا يضمن إِجْمَاعًا وَالْمُسْتَأْجر لَا يضمن إِجْمَاعًا وَالثَّانِي أَنه يضمن

ويتأيد ذَلِك بآثار من الصَّحَابَة وَفِيه مصلحَة للنَّاس صِيَانة لِلْمَالِ من الأجراء السوء وَلِأَن الْعَمَل وَجب عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مستعير للثوب لغَرَض نَفسه حَتَّى يُوفي عمله بواسطته بِخِلَاف المتسأجر وَالثَّالِث أَن الْأَجِير الْمُشْتَرك الذى يقدر على أَن يحصله بِنَفسِهِ وَغَيره يضمن وَالْمُنْفَرد الْمعِين شخصه للْعَمَل لَا يضمن وَالْفرق ضَعِيف فروع أَرْبَعَة الأول إِذا غسل ثوب غَيره أَو حلق رَأسه أَو دلكه من غير جَرَيَان لفظ فِي الْإِجَارَة فَظَاهر نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يسْتَحق شَيْئا وَهُوَ قِيَاس مذْهبه لِأَن الْأُجْرَة تجب بِعقد وَمُجَرَّد الْقَرِينَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا تقوم مقَام العقد ولأجله لم تكن المعاطاة بيعا أَو تجب بِالْإِتْلَافِ والغسال والدلال والحلاق هم الَّذين أتلفوا مَنَافِع أنفسهم وَلم يجر مِنْهُ إِلَّا سكُوت أَو إِذن

وَلَو أتلف ملك غَيره بِإِذْنِهِ لم يضمن فَكيف إِذا أتلف الْمَالِك مَنْفَعَة نَفسه وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ أَنه يضمن لَهُ إِذا كَانَ مثله يعْمل بِأُجْرَة وَيكون بِالْإِذْنِ مُسْتَوْفيا للمنفعة وَفعله لَا يدل على الْمُسَامحَة فَيبقى مَضْمُونا كَمَا أَن من دخل الْحمام جعل مُسْتَوْفيا للمنفعة ضَامِنا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ الالتماس من صَاحب الثَّوْب ضمن وَإِن كَانَ من الغسال لم يسْتَحق فَإِن قيل وَمَا يسْتَحقّهُ الحمامي عوض مَاذَا قُلْنَا من أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ ثمن المَاء وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرّع بالسطل والإزار إِعَارَة لَهُ ومتبرع بِحِفْظ الثِّيَاب وَهُوَ ضَعِيف لِأَن المَاء تَابع فِي مَقْصُود الاستحمام وَلَو كَانَ مَقْصُودا لَكَانَ يضمن بِالْمثلِ إِن كَانَ مُتَقَوّما بل مَا يسْتَحقّهُ أجره مَنْفَعَة السطل والإزار وَالْحمام وَحفظ الثِّيَاب فَهُوَ فِي حق الثَّوْب كأجير مُشْتَرك حَتَّى يخرج ضَمَانه على الْقَوْلَيْنِ والداخل لَا يضمن السطل والإزار ضَمَان الْمُسْتَعِير بل هُوَ كالمستأجر الْفَرْع الثَّانِي إِذا قصر الثَّوْب فَتلف بعد القصارة إِن كَانَ يغسل فِي يَد الْمَالِك وداره فَيسْتَحق الْأُجْرَة وَلَا ضَمَان وَإِن كَانَ فِي يَد الغسال فَفِي الضَّمَان الْقَوْلَانِ وَفِي الْأُجْرَة قَولَانِ مأخذهما أَن القصارة عين أَو أثر وَفَائِدَته أَن الْقصار هَل لَهُ حق الْحَبْس كَمَا للصباغ فَإِن قُلْنَا لَهُ حق الْحَبْس فقد تلف قبل التَّسْلِيم فَلَا أُجْرَة لَهُ

وَإِن قُلْنَا أثر وَلَا حبس فقد صَار بِمُجَرَّد الْفَرَاغ مُسلما فَلهُ الْأُجْرَة وَالصَّحِيح أَنه لَا أُجْرَة لَهُ وَلَا ضَمَان وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنا إِن ضمناه فَلهُ الْأُجْرَة وَإِن جَعَلْنَاهُ أَمينا فَلَا أُجْرَة لَهُ وقدمناه من الْبناء أظهر الْفَرْع الثَّالِث إِذا اسْتَأْجر دَابَّة ليحملها عشرَة آصَع فَأخذ الدَّابَّة وَحملهَا أحد عشر صَاعا وَتلف تَحت يَده ضمن كلهَا لِأَنَّهُ غَاصِب وَلَو أسلم أحد عشر صَاعا إِلَى الْمكْرِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ فَظن أَنه عشرَة فحملها فَتلفت الدَّابَّة بِآفَة أُخْرَى فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل للزِّيَادَة وَإِن تلفت بثقل الْحمل فَالْأَظْهر أَن الْغَار يُطَالب بِالضَّمَانِ وَإِن كَانَ مُبَاشرَة الْحمل من مَالك الدَّابَّة وَفِي قدر الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا النّصْف لِأَنَّهُ تلف بمضمون وَغير مَضْمُون فَهُوَ كالجراحات وَالثَّانِي يوزع على قدر الْحمل فَيلْزمهُ جُزْء من أحد عشر جُزْءا من الضَّمَان بِخِلَاف الْجِرَاحَات فَإِن آثارها لَا يَنْضَبِط وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي الجلاد إِذْ زَاد على الْحَد وَاحِدَة أَنه يوزع على الْعدَد أَو ينصف وَلَو اسْتَأْجر رجلَانِ ظهرا فارتدفهما ثَالِث بِغَيْر إذنهما وَهَلَكت الدَّابَّة

فَفِيمَا على الرديف ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا النّصْف إِذْ هلك بمضمون وَغير مَضْمُون وَالثَّانِي أَنهم يوزنون ويقسط الضَّمَان على وَزنه بِحِصَّتِهِ وَالثَّالِث أَن عَلَيْهِ الثُّلُث فَإِن وزن الرِّجَال بعيد الْفَرْع الرَّابِع سلم ثوبا إِلَى خياط فخاطه قبَاء فَقَالَ الْمَالِك مَا أَذِنت لَك إِلَّا فِي خياطته قَمِيصًا وتنازعا قَالَ ابْن أبي ليلى القَوْل قَول الْخياط لِأَن الْإِذْن فِي أَصله مُتَّفق عَلَيْهِ وَهُوَ أَمِين فَالْقَوْل قَوْله فِي التَّفْصِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله القَوْل قَول الْمَالِك لِأَنَّهُ الْآذِن فَيرجع إِلَه ف تَفْصِيل إِذْنه قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَول أبي حنيفَة رَحمَه الله أولى ثمَّ ذكر قولا ثَالِثا وَهُوَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إِذْ الْمَالِك يَدعِي عَلَيْهِ خِيَانَة وَهُوَ ينكرها والخياط يَدعِي على الْمَالِك إِذْنا فِي خياطَة القباء وَهُوَ يُنكره

فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ ثَلَاثَة أَقْوَال إِذْ لَا يرجح فَاسد على فَاسد فَدلَّ على أَنه رأى مَذْهَبهمَا رَأيا وَمِنْهُم من قَالَ مذْهبه التَّحَالُف وَذَاكَ حِكَايَة عَن مَذْهَب الْغَيْر وَهُوَ الْأَصَح التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يحلف الْأَجِير فَحلف سقط عَنهُ الْأَرْش وَهل يسْتَحق الْأُجْرَة وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي لَا لِأَن يَمِينه نَافِيَة فَلَا تصلح للإثبات وَالثَّانِي أَنه يسْتَحق لأَنا نحلفه على أَنه أذن لَهُ فِي خياطته قبَاء لَا قَمِيصًا فليستفد بِيَمِينِهِ اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة فَإِن قُلْنَا يسْتَحق فأجرة الْمثل أَو الْمُسَمّى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمُسَمّى تَصْدِيقًا لَهُ كَمَا قَالَ فَإِن كَانَ من إِشْكَال فَهُوَ من ضعف هَذَا القَوْل ولزومه عَلَيْهِ

وَالثَّانِي أُجْرَة الْمثل إِذْ رُبمَا يكثر الْمُسَمّى وَيبعد إثْبَاته بِيَمِين النَّفْي فَإِن قُلْنَا لَا يسْتَحق فيدعي على الْمَالِك الْأُجْرَة فَإِن حلف سقط وَإِن نكل فَهَل تجدّد الْيَمين عَلَيْهِ قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله لَا إِذْ لَا فَائِدَة فِي التكرير فَكَأَن يَمِينه السَّابِقَة كَانَت مَوْقُوفَة على النّكُول لتصير حجَّة وَالثَّانِي أَنه يُكَرر الْيَمين إِذْ لَا عهد بِتَقْدِيم الْيَمين على النّكُول فِي الْإِثْبَات وَإِن فرعنا على أَن القَوْل قَول الْمَالِك فَيحلف لَهُ أَنه أذن لَهُ فِي الْقَمِيص لَا فِي القباء وَتسقط عَنهُ الْأُجْرَة وَيسْتَحق الضَّمَان لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى الْإِذْن فَالْأَصْل الضَّمَان وَفِي قدر الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا التَّفَاوُت بَين الْمَقْطُوع وَغير الْمَقْطُوع وَالثَّانِي التَّفَاوُت بَين الْمَقْطُوع قَمِيصًا وقباء لِأَن هَذَا الْقدر مَأْذُون فِيهِ وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْوَكِيل إِذا ضمن فِي البيع هَل يحط عَنهُ مَا يتَغَابَن النَّاس بِهِ فَإِنَّهُ كالمأذون فِيهِ لَو تمّ البيع ثمَّ مهما لم يَأْخُذ الْأَجِير الْأُجْرَة فَلهُ نزع الْخَيط إِذا كَانَ

ملكا لَهُ وَإِن فرعنا على التخالف فَإِذا تحَالفا سَقَطت الْأُجْرَة وَهل يسْقط الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ فَائِدَة التَّحَالُف رفع العقد وَالرُّجُوع إِلَى مَا قبله وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يسْقط لِأَنَّهُ حلف على نفي الْعدوان أَعنِي الْخياطَة وَلَو نكل لَكَانَ لَا يلْزمه إِلَّا الضَّمَان فَلْيَكُن ليمينه فَائِدَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الطوارئ الْمُوجبَة للْفَسْخ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا ينقص الْمَنْفَعَة من الْعُيُوب فَهِيَ سَبَب للخيار قبل الْقَبْض وَبعد الْقَبْض لِأَنَّهُ وَإِن قبض الدَّار وَالدَّابَّة فالمنافع غير مَقْبُوضَة بعد نعم أقيم قبض مَحل الْمَنَافِع مقَام قبض الْمَبِيع فِي التسليط على الْإِجَارَة وَفِي لُزُوم تَسْلِيم الْبضْع إِن كَانَت الْمَنْفَعَة صَدَاقا وَحُصُول الْعتْق إِن كَانَت الْمَنْفَعَة نُجُوم كِتَابَة وَذَلِكَ لأجل الضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي نفي خِيَار الْعَيْب وَالْعَيْب كل مَا يُؤثر فِي الْمَنْفَعَة تَأْثِيرا يظْهر بِهِ تفَاوت الْأُجْرَة مَا لَا يظْهر بِهِ تفَاوت قيمَة الرَّقَبَة فَإِن مورد العقد الْمَنْفَعَة فروع أَرْبَعَة أَحدهَا أَن عذر الْمُسْتَأْجر فِي نَفسه لَا يُسَلط على الْفَسْخ كَمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة لسفر فَمَرض أَو حَماما فَتعذر عَلَيْهِ الْوقُود أَو حانوتا فاحترف بحرفة أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا خلل فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يثبت الْفَسْخ بِهَذِهِ المعاذير

الثَّانِي لَو استرم الْجِدَار فَهُوَ عيب فَلَو بَادر الْمكْرِي إِلَى الْإِصْلَاح لم يثبت الْفَسْخ وَإِنَّمَا الْخِيَار إِذا امْتنع عَن الْعِمَارَة أَو افْتقر إِلَى تَعْطِيل مُدَّة فَإِن رَضِي الْمُكْتَرِي دون الْإِصْلَاح فَالصَّحِيح أَنه يلْزمه تَمام الْأُجْرَة الثَّالِث إِذا أكرى أَرضًا للزِّرَاعَة ففسد الزَّرْع يحائحة من برد أَو صَاعِقَة لم يثبت بِالْفَسْخِ وَلَا ينقص شئ من الْأُجْرَة لِأَن الأَرْض لم تتعيب وَإِنَّمَا النَّازِلَة نزلت بِملكه وَإِن أفسدت الْجَائِحَة الأَرْض وأبطلت فِيهَا قُوَّة الإنبات ثمَّ فسد الزَّرْع بعده فَيفْسخ العقد فِيمَا بَقِي من الزَّمَان وَالظَّاهِر أَنه يسْتَردّ أُجْرَة مَا سبق إِذْ كَانَ مَوْقُوفا على الْآجر فَإِن أول الزِّرَاعَة غير مَقْصُود وَلم يسلم لَهُ الْآجر وَإِن أفسد الأَرْض بعد إِفْسَاد الزَّرْع فَالظَّاهِر أَنه لَا يسْتَردّ شَيْئا لِأَنَّهُ لَو بقيت صَلَاحِية الأَرْض وقوتها لم يكن للْمُسْتَأْجر فِيهَا فَائِدَة بعد فَوَات زرعه الرَّابِع مهما أثبتنا لَهُ الْخِيَار فَإِن رَضِي فَالصَّحِيح أَنه مَأْخُوذ بِتمَام الْأُجْرَة وَإِن فسخ فَالصَّحِيح أَنه لَا يَنْفَسِخ فِيمَا مضى وتوزع الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة

على قدر أُجْرَة الْمثل فِي المدتين لَا على الْمدَّة الْقسم الثَّانِي فَوَات الْمَنْفَعَة الْكُلية فموت الدَّابَّة الْمعينَة وَالْعَبْد الْمعِين للْعَمَل يُوجب انْفِسَاخ الْإِجَارَة إِن وَقع عقب العقد وَإِن مَضَت مُدَّة انْفَسَخ بِالْإِضَافَة إِلَى الْبَاقِي وبالإضافة إِلَى الْمَاضِي يخرج على نَظِيره فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة فروع الأول إِذا انْهَدَمت الدَّار نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ وَإِذا انْقَطع شرب الأَرْض الْمُسْتَأْجرَة للزِّرَاعَة نَص أَن يثبت الْخِيَار فَقَالَ الْأَصْحَاب فِيهِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا الِانْفِسَاخ إِذْ فَاتَت الْمَنْفَعَة الْمَقْصُودَة وَالثَّانِي ثُبُوت الْخِيَار إِذْ الأَرْض على الْجُمْلَة تبقى مُنْتَفعا بهَا بِوَجْه مَا وَمِنْهُم من قرر النصين وَفرق بِأَن الدَّار لم تبْق دَارا بعد الانهدام وَالْأَرْض بقيت أَرضًا

فَإِن قُلْنَا لَهُ الْخِيَار فَأجَاز فَهَل يُجِيز بِكُل الْأُجْرَة أم يحط قسط لأجل الشّرْب فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا أَيْضا يضاهي التَّرَدُّد فِي أَن اللَّبن مَقْصُود مَعَ الْحَضَانَة أَو هُوَ تَابع وَلَو كَانَ عود المَاء متوقعا فَلم يفْسخ ثمَّ بعد ذَلِك أَرَادَ الْفَسْخ إِذا لم يعد فَلهُ ذَلِك وَهُوَ كَالْمَرْأَةِ إِذا أخرت الْفَسْخ بعد ثُبُوت إعسار الزَّوْج ومضي مُدَّة الْإِيلَاء الثَّانِي إِذا مَاتَ الصَّبِي الذى اُسْتُؤْجِرَ على إرضاعه أَو العَبْد الذى اُسْتُؤْجِرَ على تَعْلِيمه أَو تلف الثَّوْب الذى اُسْتُؤْجِرَ على خياطته فَفِي الِانْفِسَاخ وَجْهَان ذكرناهما

أَحدهمَا أَنه لَا يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ كالمستوفي فَأشبه موت الْعَاقِدين فَإِنَّهُ لَا يُوجب الْفَسْخ عندنَا وَالثَّانِي نعم بل هُوَ كموت الْأَجِير لِأَن الْغَرَض يخْتَلف بِهِ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو أصدقهَا خياطَة ثوب فَتلف الثَّوْب رجعت إِلَى مهر الْمثل وَهُوَ حكم بالانفساخ وَفِيه وَجه ثَالِث وَهُوَ الأعدل وَهُوَ أَنَّهُمَا إِن لم يتشاحا فِي الْإِبْدَال اسْتمرّ العقد وَإِلَّا ثَبت الْفَسْخ الثَّالِث إِذا غصبت الدَّار الْمُسْتَأْجرَة حَتَّى مَضَت مُدَّة الْإِجَارَة قَالَ المراوزة يَنْفَسِخ العقد وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يَنْفَسِخ وَالثَّانِي للْمُسْتَأْجر الْخِيَار فَإِن أجَاز طَالب الْغَاصِب بِالْأُجْرَةِ كَالْبيع إِذا أتْلفه أَجْنَبِي قبل الْقَبْض وَهَذَا بِخِلَاف الْمَنْكُوحَة إِذا وطِئت بِشُبْهَة فَإِن الْبَدَل لَا يصرف إِلَى

الزَّوْج لِأَن النِّكَاح لَا يُوجب حَقًا فِي المَال بِخِلَاف مَنْفَعَة الْإِجَارَة هَذَا إِذا مَضَت الْمدَّة وَأما فِي ابْتِدَاء الْغَصْب فَكَمَا جرى يثبت الْخِيَار للمكتري لِأَنَّهُ تَأَخّر حَقه بعد التَّعْيِين وَلَو ادّعى الْغَاصِب ملك الرَّقَبَة لنَفسِهِ فاللمكري حق الْمُخَاصمَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَيْسَ للمكتري حق الْمُخَاصمَة لِأَنَّهُ لَو أقرّ مَا كنت أقبل إِقْرَاره وَذكر المراوزة وَجها منقاسا أَنه يُخَاصم لطلب الْمَنْفَعَة وَإِن كَانَ لَا يقبل إِقْرَاره فِي الرَّقَبَة فَلَو أقرّ الْمكْرِي بِالدَّار للْغَاصِب فَإِن قُلْنَا يَصح بَيْعه نفذ إِقْرَاره وَإِن قُلْنَا لَا يَصح بَيْعه فَفِي إِقْرَاره من الْخلاف مَا فِي إِقْرَار الرَّاهِن فَإِن قبلنَا إِقْرَاره فَفِي سُقُوط اسْتِحْقَاق الْمُسْتَأْجر من الْمَنْفَعَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يسْقط تَابعا للرقبة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ الْتزم حَقه فِي الْمَنْفَعَة فَلَا يقدر على إِبْطَاله وَالثَّالِث إِن كَانَت الدَّار فِي يَد الْمُكْتَرِي لَا تزايل يَده إِلَى مُضِيّ الْمدَّة وَإِن

كَانَت فِي يَد الْمقر لَهُ فَلَا تنْزع من يَده أَيْضا الرَّابِع إِذا هرب الْجمال بجماله فقد تَعَذَّرَتْ الْمَنْفَعَة فَإِن ورد العقد على الْعين فَلهُ الْفَسْخ وَإِذا مَضَت الْمدَّة انْفَسَخ وَإِن ورد على الذِّمَّة فللقاضي أَن يسْتَأْجر عَلَيْهِ استقراضا إِلَى أَن يرجع وَإِن كَانَ لَهُ مَال بَاعَ فِيهِ وَإِن ترك جماله استوفيت مَنْفَعَتهَا وَالْقَاضِي ينْفق عَلَيْهَا فَإِن انفق الْمُكْتَرِي بِنَفسِهِ فَفِي رُجُوعه عِنْد الْعَجز عَن القَاضِي خلاف ذَكرْنَاهُ فِي الْمُسَاقَاة وَحَيْثُ قضينا بالانفساخ فِي موت الدَّابَّة وَالْعَبْد وَالْغَصْب أردنَا بِهِ مَا إِذا وَردت الْإِجَارَة على الْعين فَإِن وَردت على الذِّمَّة فَلَا تَنْفَسِخ وَلَكِن يُطَالب بالتوفية من عين أُخْرَى الْخَامِس إِذا حبس الْمُكْتَرِي الدَّابَّة الَّتِى اسْتَأْجرهَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَة وَإِن لم يستعملها مهما مَضَت الْمدَّة فِي حَبسه سَوَاء كَانَت الْإِجَارَة وَردت على عين الدَّابَّة أَو على الذِّمَّة وسلمت الدَّابَّة فَأَما الْمكْرِي إِذا حبس وَلم يسلم انْفَسَخت الْإِجَارَة إِن كَانَ قد عين مُدَّة وَإِن لم تكن الْمدَّة مُعينَة فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا نعم يَنْفَسِخ كَمَا تَسْتَقِر بِهِ الْأُجْرَة فِي حبس الْمُكْتَرِي وَالثَّانِي لَا يَنْفَسِخ بل يُقَال تَأَخّر حَقه فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ لِأَن الْوَقْت غير مُتَعَيّن السَّادِس التّلف الْمُوجب للانفساخ أَو للخيار مُوجب حكمه وَإِن صدر من الْمُكْتَرِي وَلكنه ضَامِن وَهُوَ كَمَا لَو جبت الْمَرْأَة زَوجهَا ضمنت وَثَبت لَهَا فسخ النِّكَاح الْقسم الثَّالِث مَا يمْنَع من اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة شرعا فَهُوَ أَيْضا مُوجب للانفساخ كَمَا لَو اسْتَأْجر على قلع سنّ فسكن الْأَلَم أَو قطع يَد فَسلمت الْيَد أَو ليقطع يَد من عَلَيْهِ الْقصاص فَعَفَا انْفَسَخت الْإِجَارَة فِي الْكل لِأَن الْفَوات شرعا كالفوات حسا إِلَّا عِنْد من يرى الْإِبْدَال فِي مثل هَذِه الْأُمُور وتيسر الْإِبْدَال فروع أَرْبَعَة الأول إِذا أجر الْوَقْف الْمُرَتّب على الْبُطُون وَمَات فَفِي انْفِسَاخ الْإِجَارَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ عَاقد وَالْإِجَارَة لَا تَنْفَسِخ بِمَوْت الْعَاقِد فعلى هَذَا الْبَطن

الثَّانِي يرجع فِي تركته بِأُجْرَة الْمدَّة الْبَاقِيَة وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر أَنه يَنْفَسِخ إِذْ بَان أَن بإجارته تنَاول مَا لَا حق فِيهِ وَفِي إِلْزَام إِجَارَته على من بعده من الْبُطُون ضَرَر ظَاهر بِخِلَاف الْوَارِث فَإِنَّهُ يلْزمه تَسْلِيم الدَّار المكراة لِأَنَّهُ يَأْخُذ الْملك من الْمُورث وَلم يملك إِلَّا دَارا لَا مَنْفَعَة لَهَا الثَّانِي إِذا آجر الصَّبِي أَو مَاله على وفْق الْغِبْطَة مُدَّة تزيد على مُدَّة الصبى فَهُوَ بَاطِل فِي الْقدر الْفَاضِل وَفِي الْقدر الْبَاقِي يَنْبَنِي على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن كَانَ متقاصرا عَن سنّ بُلُوغه صحت الْإِجَارَة فَإِن بلغ قبل السن بالاحتلام فَفِي انْفِسَاخ الْإِجَارَة وَجْهَان الْأَظْهر أَنه لَا يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ وليه وَقد نظر لَهُ وَالْأُجْرَة قد سلمت لَهُ وَالثَّانِي أَنه يَنْفَسِخ إِذْ بَان أَنه تنَاول يعقدة مَا خرج عَن مَحل ولَايَته الثَّالِث إِذا آجر عبدا ثمَّ أعْتقهُ قبل مُضِيّ الْمدَّة صَحَّ الْعتْق كَمَا لَو زوج جَارِيَة ثمَّ أعْتقهَا إِذْ لَا يُنَاقض الْإِجَارَة الْعتْق

وَالْمذهب الْمَقْطُوع بِهِ أَنه لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة وَفِيه وَجه ذكره صَاحب التَّقْرِيب أَنه يَنْفَسِخ كموت الْبَطن الأول نعم اخْتلفُوا فِيمَا للْعَبد فَمنهمْ من قَالَ لَهُ الْخِيَار وَهُوَ أَيْضا بعيد فِي الْمَذْهَب بل الصَّحِيح اسْتِمْرَار الْإِجَارَة على اللُّزُوم وَفِي رُجُوع العَبْد بِأُجْرَة مثله على السَّيِّد وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ فَوته بعد الْحُرِّيَّة وَالْمَنْفَعَة حدثت على ملك العَبْد وَالثَّانِي لَا وَكَأَنَّهُ كالمستوفى فِي حَالَة الرّقّ فَإِن قُلْنَا لَا يرجع بِالْأُجْرَةِ فَفِي نَفَقَته وَجْهَان أَحدهمَا على السَّيِّد وَكَأَنَّهُ استبقى حَبسه مَعَ الْعتْق وَالثَّانِي على بَيت المَال فَإِن الْملك قد زَالَ وَهُوَ فَقير فِي نَفسه الرَّابِع إِذا بَاعَ الدَّار الْمُسْتَأْجرَة من أَجْنَبِي قبل مُضِيّ مُدَّة الْإِجَارَة فَفِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا الصِّحَّة وَكَأن الْمَنَافِع مُسْتَثْنَاة وَلَو اسْتثْنى الْمَنَافِع لنَفسِهِ مُدَّة فَهُوَ على هَذَا الْخلاف وَيشْهد لجَوَاز الِاسْتِثْنَاء حَدِيث ورد فِيهِ وَإِن كَانَ الْقيَاس يَقْتَضِي الْبطلَان وَلَو انْفَسَخت الْإِجَارَة بِعُذْر فِي بَقِيَّة الْمدَّة فالمنفعة الْبَاقِيَة للْمُشْتَرِي أَو للْبَائِع فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا للْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يحدث على ملكه بعد انْفِسَاخ الْإِجَارَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَانَ للْمُسْتَأْجر فَيَعُود بفسخه إِلَى الْعَاقِد للإجارة لَا غير أما إِذا بَاعهَا من الْمُسْتَأْجر فَالظَّاهِر الصِّحَّة وتستوفى الْمَنْفَعَة فِي بَقِيَّة الْمدَّة بِحكم الْإِجَارَة وَفِيه وَجه آخر أَنه تَنْفَسِخ الْإِجَارَة كَمَا لَو اشْترى زَوجته فَإِن ملك الْعين أقوى فِي إِفَادَة الْمَنْفَعَة من الْإِجَارَة فَيدْفَع الأضعف أما إِذا أجر الْمُسْتَأْجر الدَّار الْمُسْتَأْجرَة من الْمَالِك صَحَّ على الظَّاهِر وعَلى قَوْلنَا ملك الْعين وَالْإِجَارَة لَا يَجْتَمِعَانِ لَا يَصح أصلا
كتاب الْجعَالَة

وَهِي مُعَاملَة صَحِيحَة لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} وَلما رُوِيَ أَن قوما من أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلُوا بحي من أَحيَاء الْعَرَب فلدغ سيدهم فالتمسوا مِنْهُم رقية فَأَبَوا إِلَّا بِجعْل فَجعلُوا لَهُم قطيعا من الشَّاة وَمضى إِلَيْهِم وَاحِد وَقَرَأَ أم الْقُرْآن وتفل فِيهِ بلعابه فبرئ فَسلم القطيع فَقَالُوا لَا نَأْخُذ حَتَّى نسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحكي ذَلِك لَهُ فَضَحِك وَقَالَ مَا أَدْرَاك أَنَّهَا رقية خذوها واضربوا لي فِيهَا بِسَهْم ويتأيد ذَلِك بِالْحَاجةِ إِذْ قد تمس الْحَاجة إِلَى ذَلِك فِي رد عبد آبق أَو ضَالَّة وَمَا لَا يدرى من الذى تعذر عَلَيْهِ

وَالنَّظَر فِي أَحْكَامهَا وأركانها أما الْأَركان فَأَرْبَعَة الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي قَول الْمُسْتَعْمل من رد عَبدِي الْآبِق أَو ضالتي أَو عمل الْعَمَل الذى يُريدهُ مِمَّا يجوز فعله ويستباح فَلهُ دِينَار أَو مَا يُرِيد صَحَّ العقد وَلم يشْتَرط الْقبُول لفظا بل اكل من سَمعه اشْترك فِي حكمه فَمن قَامَ بِالْعَمَلِ اسْتحق وَلَو لم يصدر مِنْهُ لفظ فَرد إِنْسَان عَبده الْآبِق أَو عمل لَهُ عملا لم يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ مُتَبَرّع وَلَو قَالَ رد عَبدِي وَلم يقطع لَهُ أُجْرَة فَرد فَفِي اسْتِحْقَاقه مَا ذَكرْنَاهُ فِي اسْتِعْمَال الْقصار والدلاك والمزين وَكَذَا إِذا نَادَى وَلَكِن رد العَبْد من لم يسمع نداءه فَلَا يسْتَحق شَيْئا لِأَن النداء يتَنَاوَل من سمع وَهُوَ قصد التَّبَرُّع بِهِ وَكَذَا الْفُضُولِيّ إِذا كذب وَقَالَ قَالَ فلَان من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فَرده إِنْسَان لَا يسْتَحق لَا على الْمَالِك وَلَا على الْفُضُولِيّ وَلَو قَالَ من رد عبد فلَان فَلهُ دِينَار وَجب على الْفُضُولِيّ لِأَنَّهُ ضمنه بقوله

الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد وَلَا يشْتَرط فِي الْجَاعِل إِلَّا أَهْلِيَّة الِاسْتِئْجَار وَلَا فِي المجعول لَهُ إِلَّا أَهْلِيَّة الْعَمَل وَلَا يشْتَرط التَّعْيِين إِذْ يُخَالف اشْتِرَاط تعْيين الشَّخْص مصلحَة العقد الرُّكْن الثَّالِث الْعَمَل وَهُوَ كل مَا يجوز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ وَلَكِن لَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما فَإِن رد الْآبِق لَا يَنْضَبِط الْعَمَل فِيهِ وَكَانَ ينقدح أَن يشْتَرط كَون الْعَمَل مَجْهُولا وَلَا يتَقَدَّر كالمضاربة وَلَكِن قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَو قَالَ من بني حائطي أَو خاط ثوبي فَلهُ كَذَا أَن ذَلِك لَا يجوز وَكَذَا إِذا قَالَ أول من يحجّ عني فَلهُ دِينَار اسْتحق الدِّينَار هَذَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي المنثور ثمَّ قَالَ الْمُزنِيّ يَنْبَغِي أَن يسْتَحق أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ إِجَارَة فَلَا يَصح بِغَيْر تعْيين وَهَذَا يدل على أَن الْمُزنِيّ اعْتقد اخْتِصَاص الْجعَالَة بِالْمَجْهُولِ الذى لَا يسْتَأْجر عَلَيْهِ وَقد نسب الْعِرَاقِيُّونَ الْمُزنِيّ إِلَى الْغَلَط فِيهِ وَقَالُوا هَذِه جعَالَة الرُّكْن الرَّابِع الْجعل وَشَرطه أَن يكون مَالا مَعْلُوما فَلَو شَرط مَجْهُولا فسد وَاسْتحق الْعَامِل

أُجْرَة الْمثل كَمَا فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة فروع ثَلَاثَة أَحدهَا لَو قَالَ من رد عَبدِي من الْبَصْرَة فَلهُ دِينَار وَهُوَ بِبَغْدَاد فَرده من نصف الطَّرِيق اسْتحق نصف الدِّينَار وَمن الثُّلُث الثُّلُث لِأَنَّهُ قدر الْمسَافَة وَإِن رد من مَكَان أبعد لم يسْتَحق للزِّيَادَة شَيْئا لِأَنَّهُ لم يشْتَرط عَلَيْهِ شَيْئا الثَّانِي إِذا قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فاشترك فِي رده اثْنَان اشْتَركَا فِي الْجعل وَإِن عين شخصا وَقَالَ إِن رددت فلك دِينَار فشاركه غَيره وَقَالَ قصدت معاونه الْعَامِل اسْتحق الْعَامِل الدِّينَار وَإِن قَالَ قصدت المساهمة فللعامل نصف الدِّينَار وَلَا شئ للمعين فَإِنَّهُ لم يشرط لَهُ شئ الثَّالِث إِذا قَالَ لأَحَدهمَا إِن رددت عَبدِي فَللَّه دِينَار وَقَالَ لآخر إِن رددت فلك دِينَار فاشتركا فَلِكُل وَاحِد نصف مَا شَرط لَهُ وَإِن شَرط لأَحَدهمَا دِينَارا وَللْآخر ثوبا مَجْهُولا فاشتركا اسْتحق من شَرط لَهُ الدِّينَار نصفه وَللْآخر نصف أُجْرَة الْمثل

أما أَحْكَامهَا فَأَرْبَعَة الأول أَنه جَائِز من الْجَانِبَيْنِ كالمضاربة إِذْ لَا يَلِيق بهَا اللُّزُوم ثمَّ إِن فَسخه الْمَالِك قبل الْعَمَل انْفَسَخ وَإِن كَانَ بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل وَقبل الْفَرَاغ انْفَسَخ وَلَزِمَه أُجْرَة الْمثل وَإِن كَانَ بعد الْفَرَاغ من الْعَمَل فَلَا معنى للْفَسْخ الثَّانِي جَوَاز الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَلَو قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ عشرَة ثمَّ قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فَمن رده اسْتحق الدِّينَار وَكَذَا على الْعَكْس وَالِاعْتِبَار بالأخير فَإِن لم يسمع الْعَامِل النداء النَّاقِص الْأَخير فينقدح أَن يُقَال يرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل الثَّالِث أَن الْعَامِل لَا يسْتَحق شَيْئا إِلَّا بالفراغ من الْعَمَل فَلَو رد العَبْد إِلَى بَاب دَاره فهرب أَو مَاتَ قبل التَّسْلِيم لم يسْتَحق شَيْئا لِأَن الْمَقْصُود قد فَاتَ وَهُوَ الرَّد الرَّابِع لَو تنَازعا فِي أصل شَرط الْجعل فَأنكرهُ الْمَالِك أَو فِي عين عبد فَأنْكر الْمَالِك الشَّرْط فِيهِ وَقَالَ إِنَّه شَرط فِي عبد غَيره أَو أنكر الْمَالِك سَعْيه فِي الرَّد وَقَالَ رَجَعَ العَبْد بِنَفسِهِ فَالْقَوْل فِي ذَلِك كُله قَول الْمَالِك فَإِن الْعَامِل مُدع فليثبت وَإِن اخْتلفَا فِي مِقْدَار الْمَشْرُوط تحَالفا وَرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل كَمَا فِي الْإِجَارَة

= كتاب إحْيَاء الْموَات = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي تملك الْأَرَاضِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الأول فِيمَا يملك من الْأَرَاضِي بِالْإِحْيَاءِ وَهِي الْموَات قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ والموات هى الأَرْض المنفكة عَن الاختصاصات والاختصاصات سِتَّة أَنْوَاع النَّوْع الأول الْعِمَارَة فَكل أَرض معمورة فَهِيَ محياة فَلَا تتملك بِالْإِحْيَاءِ سَوَاء كَانَ ذَلِك من دَار الْإِسْلَام أَو دَار الْحَرْب وَإِن اندرست الْعِمَارَة وَبَقِي أَثَرهَا فَإِن كَانَ من عمَارَة الْإِسْلَام فَلَا تملك لِأَنَّهُ موروث عَمَّن ملكه فينتظر صَاحبه أَو يحفظ لبيت المَال ويتصرف الإِمَام فِيهِ

كَمَا يتَصَرَّف فِي مَال ضائع لَا يتَعَيَّن مَالِكه وَإِن كَانَ من عمارات الْجَاهِلِيَّة وَعلم وَجه دُخُولهَا فِي يَد الْمُسلمين إِمَّا بطرِيق الاغتنام أَو الفئ استصحب ذَلِك الحكم وَلم تتملك بِالْإِحْيَاءِ وَإِن وَقع الْيَأْس عَن مَعْرفَته فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يتَمَلَّك إِذْ لَا حُرْمَة لعمارة الْكفَّار فَصَارَ كركازهم وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ دخل فِي يَد أهل الْإِسْلَام فَالْأَصْل سبق ملك عَلَيْهِ وَأما الرِّكَاز فَحكمه حكم لقطَة معرضة للضياع هَذَا حكم دَار الْإِسْلَام أما دَار الْحَرْب فمعمورها كَسَائِر أَمْوَالهم يملك بالاغتنام وَأما مواتها فَمَا لَا يدْفَعُونَ الْمُسلمين عَنْهَا فَهُوَ كموات دَار الْإِسْلَام يتَمَلَّك بِالْإِحْيَاءِ ويفارقها فِي أَمر وَهُوَ أَن الْكَافِر لَو أَحْيَاهَا ملكهَا وَلَو أَحْيَا موَات دَار الْإِسْلَام لم يملكهَا عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن لأهل الْإِسْلَام اختصاصا بِحكم الْإِضَافَة إِلَى الدَّار

أما مَا يدْفَعُونَ الْمُسلمين عَنهُ فَلَو أَحْيَاهَا مُسلم وَقدر على الْإِقَامَة ملكه وَإِن استولى عَلَيْهَا بعض الْغَانِمين وقصدوا الِاخْتِصَاص بهَا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا انه يفيدهم الِاخْتِصَاص بِالِاسْتِيلَاءِ مَا يُفِيد التحجر كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي أَنه يفيدهم الْملك فِي الْحَال لِأَن مَال الْكفَّار يملك بِالِاسْتِيلَاءِ وَالثَّالِث أَنه لَا يُفِيد الْملك لِأَنَّهُ لَيْسَ ملك الْكفَّار وَإِنَّمَا هُوَ موَات وَلَا اخْتِصَاص لِأَنَّهُ لَا يحْجر وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد يَد فَهُوَ كمجرد الِاسْتِيلَاء على موَات دَار الْإِسْلَام النَّوْع الثَّانِي من الِاخْتِصَاص أَن يكون حَرِيم عمَارَة فَيخْتَص بِهِ صَاحب الْعِمَارَة وَلَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَإِن قيل وَمَا حد الْحَرِيم قُلْنَا أما الْبَلدة الَّتِى قَررنَا الْكفَّار عَلَيْهَا بالمصالحة فَلَمَّا حواليها من الْموَات الَّتِى يدْفَعُونَ الْمُسلمين عَنْهَا لَا تحيا وَفَاء بِالصُّلْحِ فَإِنَّهَا حَرِيم الْبَلدة وَأما الْقرْيَة المعمورة فِي الْإِسْلَام فَمَا يتَّصل بهَا من مرتكض الْخَيل وملعب الصّبيان ومناخ الْإِبِل ومجتمع النادي فَهُوَ حريمها فَلَيْسَ لغَيرهم إحياؤها وَمَا ينتشر إِلَيْهِ الْبَهَائِم للرعي فِي وَقت الْخَوْف وَهُوَ على قرب الْقرْيَة فِيهِ تردد أما الدَّار فحريمها إِذا كَانَت محفوفة بالموات مطرح التُّرَاب والثلج

ومصب مَاء الْمِيزَاب وفناء الدَّار وَحقّ الاجتياز فِي جِهَة فتح الْبَاب وَإِن كَانَت محفوفة بالأملاك فَلَا حَرِيم لَهَا لِأَن الْأَمْلَاك متعارضة فَلَيْسَ بعضهما بِأَن يَجْعَل حريما لَهَا أولى من الآخر وَلكُل وَاحِد أَن ينْتَفع فِي ملكه بِمَا جرت بِهِ الْعَادة وَإِن تضرر بِهِ صَاحبه فَلَا يمْنَع إِلَّا إِذا كَانَت الْعَادة السّكُون وَلَو اتخذ أَحدهمَا دَاره مدبغة أَو حَماما أَو حَانُوت قصار أَو حداد قَالَ المراوزة يمْنَع نظرا إِلَى الْعَادة الْقَدِيمَة وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا أحكم الجدران واحتاط على الْعَادة لَا يمْنَع وَتردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِيمَا إِذا كَانَ يُؤْذِي بِدُخَان الْخبز وَجعله مخبزا على خلاف الْعَادة لِأَن هَذَا إِيذَاء الْمَالِك لَا إِيذَاء الْملك وَحَاصِله وَلَا يمْنَع لَا تمنع وَمَعَ

أما الْبِئْر فَإِن حفرهَا فِي الْموَات للنزح فموقف النازح حواليها حريمها وَإِن كَانَ النزح بالدواب فموضع تردد الدَّوَابّ وعَلى الْجُمْلَة مَا يتم الِانْتِفَاع وَلَو حفر آخر بِئْرا بجنبه بِحَيْثُ ينقص مَاؤُهَا لم يجز بل حريمها الْقدر الذى يصون ماءها وَكَأَنَّهُ اسْتحق بِالْحفرِ وَفِي طَريقَة الْعرَاق الْقطع بِأَنَّهُ يجوز وَالْأول أظهر فَإِنَّهُ لَو أَحْيَا دَارا فِي موَات فَلَيْسَ لآخر أَن يحْفر بِجنب جِدَاره بِئْرا يتَوَهَّم الْإِضْرَار بجداره وَإِن كَانَ ذَلِك يجوز للْجَار الْمَالِك وَلَكِن وضع الْبناء فِي الْموَات أوجب حريما لصيانة الْملك فَكَذَلِك لصيانة مَاء الْبِئْر النَّوْع الثَّالِث اخْتِصَاص الْمُسلمين بِعَرَفَة لأجل الْوُقُوف وَفِي امْتنَاع إحْيَاء عَرَفَة بِهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يمْتَنع إِذْ لَا تضييق بِهِ وَالثَّانِي يمْتَنع إِذْ فتح بَابه يُؤَدِّي إِلَى التَّضْيِيق

وَالثَّالِث يجوز وَإِن ضيق ثمَّ يبْقى فِي الدّور حق الْوُقُوف النَّوْع الرَّابِع اخْتِصَاص المتحجر وَمن تقدم إِلَى مَوضِع وَنصب حِجَارَة وعلامات للعمارة اخْتصَّ بِهِ بِحَق السَّبق بِشَرْط أَن يشْتَغل بالعمارة فَلَو تحجر ليعمر فِي السّنة الثَّانِيَة لم يجز وَمهما جَازَ التحجر وَمنع غَيره من الْإِحْيَاء فَإِن أَحْيَا فَهَل يملك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَنَّهُ سَبَب قوي والتحجر ضَعِيف فَكَانَ كَالْبيع سوما على سوم غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ اخْتِصَاص مُؤَكد وَالثَّالِث أَن التحجر إِن كَانَ مَعَ الإقطاع منع وَإِلَّا فَلَا وَهل يجوز للمتحجر بيع حَقه من الِاخْتِصَاص والاعتياض عَنهُ فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا يجوز كالملك

وَالثَّانِي لَا كحق الشُّفْعَة وَحقّ الرَّهْن النَّوْع الْخَامِس من الِاخْتِصَاص الإقطاع وَيجوز للْإِمَام أَن يقطع مواتا على قدر مَا يقدر المقطع على عِمَارَته وَينزل الإقطاع منزلَة التحجر فِي الِاخْتِصَاص النَّوْع السَّادِس الْحمى وَهُوَ كَانَ جَائِزا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَن يحمي الْكلأ ببقعة لإبل الصَّدَقَة وَكَانَ يجوز لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحمي لنَفسِهِ وللمسلمين وَهل يجوز للْإِمَام بعده فِيهِ خلاف وَالصَّحِيح الْجَوَاز إِذْ حمى عمر رَضِي الله عَنهُ لإبل الْمُسلمين

وَلَكِن لَا يجوز أَن يحمى الإِمَام لنَفسِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك خاصية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا صَحَّ الْحمى فإحياؤه كالإحياء بعد التحجر فرع مَا حماه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحَاجَة أَو حماه غَيره فَزَالَتْ الْحَاجة فَهَل لأحد بعد ذَلِك نقضه فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهَا بقْعَة أرصدت لخير فَأشبه الْمَسْجِد وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ بني على مصلحَة حَالية ظنية وَالثَّالِث أَن حمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُغير وَهُوَ حماه بِالبَقِيعِ وَهُوَ بلد لَيْسَ بالواسع لِأَن حماه كالنص وَحمى غَيره كالاجتهاد

الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِحْيَاء وَالرُّجُوع فِي حَده إِلَى الْعرف وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْغَرَض فَإِن أَحْيَا بقْعَة للزريبة فيكفيه التحويط وتغليق الْبَاب وَلَا يملك قبله إِذْ بِهِ تصير زريبة وَإِن أَرَادَ السّكُون فبالبناء وتسقيف الْبَعْض إِذْ بِهِ يتهيأ للسكون وَإِن أَرَادَ بستانا فبسوق المَاء إِلَيْهِ وتسوية الْأَنْهَار والتحويط وتغليق الْبَاب وَإِن كَانَ من البطائح فَيحْبس المَاء عَنهُ فَإِنَّهُ الْعَادة وَإِن أَرَادَ مزرعة فيقلب الأَرْض ويسويها وَيجمع حواليها التُّرَاب ويسوق إِلَيْهَا المَاء وَهل يفْتَقر إِلَى الزِّرَاعَة ليملك فِيهِ وَجْهَان ظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ أَنه يشْتَرط كالتسقيف فِي الْبناء وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا انْتِفَاع ووزانه من الدَّار السّكُون وَلَا يحْتَاج إِلَى بِنَاء الْجِدَار للمزرعة

قَالَ إمامي رَضِي الله عَنهُ يحْتَمل أَن يُقَال مَا تملك بِهِ الأَرْض إِذا قصد الزِّرَاعَة فَيملك أَيْضا وَإِن قصد الْبُسْتَان وَمَا تملك بِهِ الزريبة يملك بِهِ الْمسكن وَإِن الْقَصْد لَا يُغير أمره وَمن أَحْيَا أَرضًا ميتَة بِغَيْر إِذن الإِمَام ملكهَا عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْمَنَافِع الْمُشْتَركَة فِي الْبِقَاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي كالشوارع والمساجد والرباطات والمدارس فَإِن هَذِه الأرضي لَا تملك أصلا إِذا ثَبت فِي كل وَاحِد مِنْهَا نوع اخْتِصَاص فالشوارع للاستطراق وَهُوَ مُسْتَحقّ لكافة الْخلق فِي الصَّحَارِي والبلاد نعم يجوز الْجُلُوس فِيهَا بِشَرْط أَن لَا يضيق الطَّرِيق على المجتازين وَمن سبق إِلَى مَوضِع فَجَلَسَ فِيهِ إِن لم يجلس لغَرَض فَكَمَا قَامَ انْقَطع حَقه وَإِن جلس لبيع كالمقاعد فِي الْأَسْوَاق اخْتصَّ السَّابِق بِهِ وَلَو انْصَرف إِلَى بَيته لَيْلًا وتخلف بِعُذْر يَوْمًا ويومين وَلم يَنْقَطِع اخْتِصَاصه إِذْ ألافه فِي الْمُعَامَلَة لَا ينقطعون بِهَذَا الْقدر وَلَو طَال سَفَره أَو مَرضه أَو جلس فِي مَوضِع آخر أَو غير ذَلِك مِمَّا يقطع ألافه عَن مَكَانَهُ فَيَنْقَطِع بِهِ اخْتِصَاصه وَلَو جلس فِي غيبته فِي الْمدَّة القصيرة من عزم على التَّسْلِيم لَهُ إِذا عَاد فقد قيل إِنَّه يمْنَع إِذْ يتخيل بِهِ ألافه تَركه الحرفة وَقيل إِنَّه لَا يمْنَع لِأَن الْموضع فارغ فِي الْحَال فَلَا يعطل منفعَته وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن الإِمَام فِي هَذَا الِاخْتِصَاص

وَهل للإقطاع فِيهِ مدْخل كَمَا فِي الْموَات فعلى وَجْهَيْن وَالْفرق أَنه إِذا كَانَ لَا يَبْغِي بِهِ ملكا فَلَا وزن لَهُ كالسبق فِي الْمَسَاجِد وَأما الْمَسَاجِد فَمن سبق إِلَى مَوضِع للصَّلَاة لَا يثبت لَهُ حق الِاخْتِصَاص فِي صَلَاة أُخْرَى إِذْ لَا غَرَض فِيهِ وَلَو غَابَ فِي صَلَاة وَاحِدَة بِعُذْر رُعَاف أَو ريح أَو تَجْدِيد وضوء فِي متسع الْوَقْت وَعَاد فَفِي بَقَاء اخْتِصَاصه وَجْهَان وَوجه الْبَقَاء قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا قَامَ أحدكُم من مَجْلِسه فِي الْمَسْجِد فَهُوَ أَحَق بِهِ إِذا عَاد إِلَيْهِ وَإِن جلس ليقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن أَو يتَعَلَّم مِنْهُ الْعلم وألفه أَصْحَابه ثمَّ فَارقه

فَهَذَا يظْهر إِلْحَاقه بمقاعد الْأَسْوَاق وَأما الرباطات والمدارس فَالسَّابِق إِلَى بَيت أولى بِهِ وَإِن غَابَ بِعُذْر فَإِذا عَاد فَهُوَ أولى بِهِ لوُقُوع الإلف بِوَجْه الارتفاق بالبقعة بِخِلَاف الْمَسَاجِد وَلَو طَال مقَام وَاحِد إِن كَانَ لَهُ غَرَض كَمَا فِي الْمدَارِس فَلَا يزعج إِلَى تَمام الْغَرَض وَإِن لم يكن للغرض مرد كرباط الصُّوفِيَّة فَفِي إزعاجه وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَنه يُؤَدِّي إِلَى أَن يتَمَلَّك الرِّبَاط وَيبْطل الِاشْتِرَاك مِنْهُ فيتقدم إِلَيْهِمَا جمَاعَة ويقيمون فِيهَا على الدَّوَام وَإِن جَوَّزنَا ذَلِك فَالرَّأْي فِي تَفْصِيل مُدَّة الْإِقَامَة إِلَى الْمُتَوَلِي وَهُوَ جَار فِي العكوف على الْمَعَادِن ومقاعد الْأَسْوَاق

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْأَعْيَان المستفادة من الأَرْض كالمعادن والمياه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الْمَعَادِن فظاهرة وباطنة أما الظَّاهِرَة كالملح المائي والجبلي والنفظ والمومياء والمياه الْعدة فِي الأودية والعيون وأحجار الأرجبة والقدور وكل مَا الْعَمَل فِي تَحْصِيله لَا فِي إِظْهَاره فَهَذَا لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ اخْتِصَاص لَا يتحجر وَلَا يملك بإحياء وَلَا إقطاع لما رُوِيَ أَن أَبيض ابْن حمال المأربي استقطع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ملح مأرب فهم بإقطاعه فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَالْمَاءِ الْعد فَقَالَ فَلَا إِذا فَلَو سبق وَاحِد وحوط مثل هَذَا الْمَعْدن وَبنى وَزعم أَنه أَرَادَ مسكنا فَالظَّاهِر أَنه لَا يملكهُ فَإِنَّهُ احتيال إِذْ لَا يقْصد من هَذِه الْبقْعَة الْمسكن

نعم لكل سَابق أَن يَأْخُذ قدر حَاجته لَا يزعج قبل قَضَاء وطره إِلَّا إِذا طَال عكوفه فَفِيهِ الْخلاف السَّابِق فَلَو تسابق رجلَانِ فتزاحما قيل إِنَّه يقرع بَينهمَا وَقيل للْقَاضِي أَن يقدم مِنْهُمَا من يرَاهُ أحْوج وَهُوَ جَار فِي مقاعد الْأَسْوَاق فرع لَو حفر بِجنب المملحة حفيرة يملك تِلْكَ الحفيرة فَلَو اجْتمع فِيهَا مَاء وانعقد ملحا فَهُوَ مَخْصُوص بِهِ وَكَأَنَّهُ أَخذه بِيَدِهِ وَوَضعه فِي ظرف مَمْلُوك لَهُ أما الْمَعَادِن الباطانه فَهِيَ الَّتِى تظهر بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا كالذهب وَالْفِضَّة والفيروزج وَمَا هُوَ مثبوت فِي طَبَقَات الأَرْض فَفِي تملك ذَلِك بإحيائه بالإظهار بِالْعَمَلِ أَو بعمارة أُخْرَى قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن إحياءه إِظْهَار فَهُوَ كعمارة الْموَات وَالثَّانِي لَا إِذْ تبقى حَيَاة الْعِمَارَة بِالْبِنَاءِ وَهَذَا يحْتَاج إِلَى عمل فِي كل سَاعَة لينْتَفع بِهِ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يملك فَهُوَ كالموات على مَا سبق وَفِيه فروع الأول لَو حفر حفيرة وَظهر النّيل فِي طرفها لَا يقصر ملكه على مَحل

النّيل بل مَا حواليه على مَا يَلِيق بحريمه فَلَو بَاعَ الأَرْض فَالظَّاهِر الْمَنْع إِذْ الرَّغْبَة فِيهِ بالنيل وَهُوَ غرر وَالثَّانِي الْجَوَاز تعويلا على الرَّقَبَة والنيل كدر الشَّاة وَثَمَرَة الشَّجَرَة وَلَو جمع تُرَاب الْمَعْدن وَفِيه الذَّهَب لم يجز البيع لِأَن التُّرَاب لَا يقْصد بِخِلَاف الرَّقَبَة الثَّانِي لَو قَالَ لغيره اعْمَلْ وكل النّيل لَك فَإِن اسْتعْمل صِيغَة الْإِجَارَة فَالظَّاهِر أَنه يسْتَحق أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ إِجَارَة فَاسِدَة إِذْ النّيل يكون للْمَالِك وَلَا يصلح أَن يَجْعَل أُجْرَة وَإِن قَالَ أَذِنت لَك أَن تعْمل لنَفسك كَانَ النّيل للْمَالِك وَلم يسْتَحق الْأُجْرَة على الظَّاهِر وَفِيه عَن ابْن سُرَيج وَجه أَنه يسْتَحق كَمَا لَو شَرط فِي الْمُضَاربَة كل الرِّبْح لِلْعَامِلِ وَإِن قَالَ اعْمَلْ وَلَك النّيل فَوَجْهَانِ مشهوران لتردده بَين صِيغَة الْإِذْن وَالْإِجَارَة أما إِذا قَالَ اعْمَلْ على أَن لَك نصف النّيل فَيسْتَحق أُجْرَة الْمثل هَاهُنَا إِذْ وجد قصد الْعَمَل لغيره

وَلَكِن قيل إِنَّه يسْتَحق أُجْرَة نصف الْعَمَل لِأَنَّهُ قصد غَيره بِالنِّصْفِ وَقيل إِنَّه يسْتَحق أُجْرَة نصف الْعَمَل للْكُلّ أما إِذا فرعنا على أَنه لَا يملك الْمَعَادِن بالإظهار فَلَو أَحْيَا مواتا بِالْبِنَاءِ ثمَّ ظهر بعد ذَلِك مَعْدن فَلَا خلاف فِي أَنه ملكه فَإِنَّهُ من أَجزَاء الأَرْض الْمَمْلُوكَة إِلَى تخوم الْأَرْضين وعَلى قولي الْملك يَنْبَنِي جَوَاز الإقطاع فَإِن قُلْنَا يملك بالإظهار تطرق إِلَيْهِ الإقطاع كالموات وَإِلَّا فَلَا كالمعادن الظَّاهِرَة أما الْمِيَاه فَهِيَ ثَلَاثَة أَقسَام الأول الْمِيَاه الْعَامَّة المنفكة عَن كل اخْتِصَاص وَهِي الَّتِى لم تظهر بِالْعَمَلِ وَلَا حفر نهرها كدجلة والفرات وَسَائِر أَوديَة الْعَالم فَحكمه أَن من سبق إِلَيْهِ واقتطع مِنْهُ ساقية إِلَى أرضه وانتفع بِهِ جَازَ فَإِن تنَازعا وَجب على الْأَسْفَل الصَّبْر إِلَى أَن يسرح إِلَيْهِ الْأَعْلَى فضل مَائه فقد ورد فِيهِ الحَدِيث

فَإِن استوعب جمَاعَة المَاء بأراضيهم المحياة فَمن سفل مِنْهُم لَاحق لَهُ إِلَّا بتبرعهم بالتسريح إِلَيْهِ فَإِذا سقى كل وَاحِد أرضه إِلَى الكعب كَانَت الزِّيَادَة مَمْنُوعَة لِأَنَّهُ فَوق الْحَاجة كَذَلِك ورد الحَدِيث فَإِن أَرَادَ وَاحِد أَن يَعْلُو عَلَيْهِم وَيحبس عَنْهُم المَاء إِلَى أَرض يستجد إحياؤها منع لأَنهم بِالْإِحْيَاءِ على شاطئ النَّهر استحقوا مرافق الأَرْض وَالْمَاء من مرافقها وَلَو فتح هَذَا الْبَاب لأبطل سَعْيهمْ فِي الْإِحْيَاء وفاتت أملاكهم فَهِيَ كالحريم الْمُسْتَحق بالعمارة الْقسم الثَّانِي الْمِيَاه الْمُخْتَص بِالْملكِ بالإحراز فِي الْأَوَانِي والروايا فَهُوَ كَسَائِر الْأَمْلَاك لَا يجب بذله لأحد وَلَا لمضطر إِلَّا بِقِيمَة وَالْمَاء مَمْلُوك على الْأَظْهر وَبيعه صَحِيح الْقسم الثَّالِث متوسط بَين الرتبتين وَهُوَ مَا ظهر اخْتِصَاص بِمَنْعه كالمياه فِي الْآبَار والقنوات وَلها صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يحْفر المنتجع حُفْرَة ليسقى بهَا مَا شيته وَلم يقْصد ملك الحفرة فَهُوَ أَحَق بذلك المَاء فَإِن فضل عَن حَاجته ومست إِلَيْهِ حَاجَة مَاشِيَة غَيره حرم عَلَيْهِ الْمَنْع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

من منع فضل المَاء ليمنع بِهِ الْكلأ مَنعه الله فضل رَحمته وَالْمعْنَى أَنه يمْتَنع عَن مَاشِيَة غَيره بِسَبَب منع المَاء وَهَذَا مَخْصُوص بالماشية وَلَا يجْرِي فِي الزَّرْع وَإِنَّمَا هُوَ لحُرْمَة الرّوح وَلَا يجْرِي فِي الْكلأ فِي الْحَال لَا يسْتَخْلف فقد يتَضَرَّر بِهِ وَالْمَاء يسْتَخْلف وَلَا يجْرِي فِي الدَّلْو والرشاء فَلَا يجب إعارته إِلَّا بعوض لِأَن الْملك فِيهِ ثَابت بِخِلَاف المَاء إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا حق سبق بِهِ الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يقْصد ملك الْبِئْر فالماء الْحَاصِل مِنْهُ مَمْلُوك وَكَذَلِكَ مَاء القنوات وَفِي تَحْرِيم منع الشّرْب فِيمَا يفضل من حَاجته بِغَيْر عوض خلاف مِنْهُم من نظر إِلَى عُمُوم الْخَبَر وَمِنْهُم من خصص بِمَا لم يملك وَألْحق هَذَا بالمحرز فِي الْأَوَانِي

فرع إِذا اشْترك جمَاعَة فِي حُفْرَة قناة اشْتَركُوا فِي الْملك بِحَسب الْعَمَل أَو بِحَسب الْتِزَام الْمُؤْنَة وقسموا المَاء بِنصب خَشَبَة مستوية فِيهَا ثقب مُتَسَاوِيَة كَمَا جرت الْعَادة فَإِن قسموا بالمهاياة فَالظَّاهِر جَوَازهَا فَإِنَّهَا لَا تلْزم وَفِيه وَجه أَنَّهَا تلْزم وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تصح لِأَن الْقيمَة تخْتَلف باخْتلَاف الأوقوات

= كتاب الْوَقْف = وَالْوَقْف قربَة مَنْدُوب إِلَيْهَا لما رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ أصبت أَمْوَالًا لم أصب مثلهَا وفيهَا حدائق ونخيل فراجعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ حبس الأَصْل وسبل الثَّمَرَة وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا فِي ثَلَاث ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَعلم ينْتَفع بِهِ وَصدقَة جَارِيَة وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا الْوَقْف وَفِي تَفْصِيله بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الْمَوْقُوف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَصِيغَة الْوَقْف وَشَرطه الرُّكْن الأول فِي الْمَوْقُوف وَشَرطه أَن يكون مَمْلُوكا معينا تحصل مِنْهُ فَائِدَة أَو مَنْفَعَة مَقْصُودَة دائمة مَعَ بَقَاء الأَصْل أما قَوْلنَا مَمْلُوكا عممنا بِهِ الْعقار وَالْمَنْقُول وَالْحَيَوَان والشائع والمفرز فَكل ذَلِك مَا يجوز وَقفه وعه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وقف الْحَيَوَان وَمنع بعض الْعلمَاء وقف الْمَنْقُول إِلَّا تحبيس فرس فِي سَبِيل الله وَعِنْدنَا كل وقف فِي معنى مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ واحترزنا بِهِ عَن

العَبْد الْمُوصى بخدمته وَالْعين الْمُسْتَأْجرَة فَإِن الْمُوصى لَهُ لَو وقف لَا يَصح لِأَنَّهُ تصرف فِي الرَّقَبَة على الْجُمْلَة إِمَّا بِالْحَبْسِ أَو إِزَالَة الْملك وَلَا ملك لَهُ وَلِهَذَا لَا يقف الْحر نَفسه وَإِن صحت إِجَارَته نَفسه وَأما الْكَلْب فَفِي وَقفه خلاف كَمَا فِي إِجَارَته وكما فِي هِبته لِأَنَّهُ مَمْلُوك منتفع بِهِ وَمن منع علل بِأَن الْملك فِي غير مُتَقَوّم فَإِنَّهُ لَا يقبل الِاعْتِيَاض فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ ووقف الْمُسْتَوْلدَة مُرَتّب على الْكَلْب وَأولى بِالصِّحَّةِ لِأَن الْملك فِيهَا مَضْمُون وَإِنَّمَا البيع مُمْتَنع فِيهَا لعَارض الِاسْتِيلَاد أما قَوْلنَا تحصل مِنْهُ فَائِدَة أَشَرنَا بِهِ إِلَى ثمار الْأَشْجَار ووقف الْحَيَوَانَات الَّتِي لَهَا صوف ووبر وَلبن تقوم مقَام الْمَنَافِع وَلَو وقف ثورا على النزوان على بهائم قريبَة يَنْبَغِي أَن يَصح كَمَا لَو وقف جَارِيَة على الْإِرْضَاع نعم لَا يسْتَأْجر الْفَحْل للنزوان لِأَنَّهُ لَا يقدر على تَسْلِيمه كَمَا لَا يسْتَأْجر الشَّجَرَة لثمارها

أما قَوْلنَا مَنْفَعَة دائمة احترزنا بِهِ عَن الْوَقْف الرياضيين الَّتِى لَا تبقى وَقَوْلنَا مَقْصُودَة احترزنا بِهِ عَن وقف الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير للتزين وَفِيه خلاف كَمَا فِي إِجَارَته لِأَن ذَلِك لَا قصد مِنْهَا نعم وقف الْحلِيّ للبس أَو النقرة ليتَّخذ مِنْهَا الْحلِيّ جَائِز وَقَوْلنَا مَعَ بَقَاء أَصْلهَا احترزنا بِهِ عَن الطَّعَام فَإِن منفعَته فِي استهلاكه فَلَا يجوز وَقفه وَقَوْلنَا معِين احترزنا بِهِ عَمَّا إِذا وقف إِحْدَى داريه وَفِيه وَجْهَان أظهرهمَا الْمَنْع كَمَا فِي الْهِبَة وَمِنْهُم من جوز كَمَا فِي الْعتْق الرُّكْن الثَّانِي الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَإِن كَانَ وقف قربَة على جِهَة عَامَّة فَيشْتَرط أَن يكون فِيهِ ثَوَاب وَإِن كَانَ مَعْصِيّة كالوقف على بِنَاء البيع وَالْكَنَائِس وكتبة التَّوْرَاة وإعانة قطاع الطَّرِيق فَهُوَ فَاسد وَإِن كَانَ على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَهُوَ صَحِيح وَإِن كَانَ على الْأَغْنِيَاء فَلَيْسَ فِيهِ ثَوَاب وَلَا عِقَاب فَفِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من شَرط الْقرْبَة وَمِنْهُم من اكْتفى بانتقاء الْمعْصِيَة

وَكَذَلِكَ لَو وقف على الْيَهُود وَالنَّصَارَى والفسقة فَيخرج على الْوَجْهَيْنِ أما إِذا كَانَ الْوَقْف على شخص معِين فَيشْتَرط أَن يكون أَهلا للْملك فَمن صحت الْهِبَة مِنْهُ الْوَقْف عَلَيْهِ فَيصح على الْيَهُودِيّ وَالْفَاسِق المعينين لِأَنَّهُ تمْلِيك وَهل يَصح على الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ وَفِيه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه يُرَاد للبقاء وَهُوَ مُسْتَحقّ الْقَتْل لَا بَقَاء لَهُ وَلَا يجوز على الْجَنِين لِأَنَّهُ تمْلِيك فِي الْحَال أَو إِثْبَات حق فِي الْحَال فضاهى الْهِبَة بِخِلَاف الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا تقبل الْإِضَافَة وَلَا يَصح على العَبْد بل الْوَقْف عَلَيْهِ وفْق على سَيّده وَلَا على الْبَهِيمَة وَهل يكون الْوَقْف وَقفا على صَاحبهَا كَمَا فِي العَبْد فِيهِ وَجْهَان

فرعان أَحدهمَا لَو وقف على أحد رجلَيْنِ على الْإِبْهَام فَهُوَ فَاسد كَمَا يفْسد مثله فِي الْهِبَة وَفِيه وَجه على قَوْلنَا إِن الْوَقْف لَا يفْتَقر إِلَى الْقبُول مخرج من وقف أحد الْعَبْدَيْنِ الثَّانِي لَو وقف على نَفسه فَالظَّاهِر مَنعه لِأَنَّهُ لم يجدد إِلَّا منع التَّصَرُّف وَلم يوضع العقد لمنع التَّصَرُّف فَقَط وَذهب أَبُو عبد الله الزبيرِي إِلَى جَوَازه لما رُوِيَ أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وقف بِئْرا وَقَالَ دلوي فِيهِ كدلاء الْمُسلمين وَهَذَا ضَعِيف لِأَن إِلْقَاء الدَّلْو فِيهَا لَا يفْتَقر إِلَى شَرط بِحكم الْعُمُوم فِي الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد نعم لَو وقف على الْفُقَرَاء وافتقر فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَن الظَّاهِر أَن مُطلق الْوَقْف ينْصَرف إِلَى غير الْوَاقِف وَلَو شَرط لنَفسِهِ التَّوْلِيَة وَأُجْرَة وَقُلْنَا يمْتَنع الْوَقْف على نَفسه فيبنى على جَوَاز صرف سهم العاملين إِلَى بني هَاشم وَفِيه خلاف

وَلَو شَرط أَن تقضى من ريعه دُيُونه وزكاته فقد بعضه على نَفسه فَيخرج على مَا ذَكرْنَاهُ الرُّكْن الثَّالِث الصِّيغَة فَلَا بُد مِنْهَا فَلَو صلى فِي مَوضِع أَو أذن فِي الصَّلَاة وَلم يصر مَسْجِدا إِلَّا بِصِيغَة دَالَّة عَلَيْهِ وَهِي ثَلَاثَة مَرَاتِب الرُّتْبَة الأولى وَهِي الْمرتبَة الْعليا قَوْله وقفت الْبقْعَة أوحبستها أَو سبلتها على الْمَسَاكِين فَالْكل صَرِيح فَلَو قَالَ وقفت الْبقْعَة على صَلَاة الْمُصَلِّين فَهَل يصير مَسْجِدا فِيهِ خلاف وَذكر الْإِصْطَخْرِي أَن لفظ التحبيس والتسبيل كِنَايَة عَن الْوَقْف وَهُوَ بعيد إِذْ ثَبت بعرف لِسَان الشَّرْع إِذْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام حبس الأَصْل وسبل الثَّمَرَة الرُّتْبَة الثَّانِيَة قَوْله حرمت هَذِه الْبقْعَة وأبدتها على الْمَسَاكِين فَإِن نوى الْوَقْف حصل وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه صَرِيح لعرف الِاسْتِعْمَال فِي الْوَقْف وَالثَّانِي أَنه كِنَايَة لِأَنَّهُمَا لَا يستعملان إِلَّا تَابعا مؤكدا

الرُّتْبَة الثَّالِثَة قَوْله تَصَدَّقت وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيح للْوَقْف فَإِن أضَاف إِلَيْهِ قرينَة قَاطِعَة كَقَوْلِه تَصَدَّقت صَدَقَة مُحرمَة مُؤَبّدَة لاتباع وَلَا توهب تعين لَهُ وَإِن لم يتَعَرَّض لمنع البيع وَالْهِبَة فَفِيهِ خلاف وَإِن لم يذكر قرينَة وَلَكِن نوى الْوَقْف فَإِن جرى مَعَ شخص معِين لم يكن وَقفا لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِيمَا هُوَ صَرِيح فِيهِ وَهُوَ التَّمْلِيك وَإِن أضَاف إِلَى قوم فَفِيهِ خلاف لتعارض الِاحْتِمَال مَعَ ظُهُور جِهَة التَّمْلِيك من اللَّفْظ هَذَا فِي الْإِيجَاب وَأما الْقبُول فَلَا يُمكن شَرطه فِي الْوَقْف الْمُضَاف إِلَى الْجِهَات الْعَامَّة وَإِن وقف على شخص معِين فَوَجْهَانِ وَوجه الِاشْتِرَاط أَنه يبعد إِدْخَال شئ فِي ملك غَيره قهرا من غير قبُوله مَعَ تعينه فَإِن قُلْنَا يشْتَرط الْقبُول فَلَا شكّ أَنه رد امْتنع برده كَمَا نقُول فِي الْوكَالَة أما الْبَطن الثَّانِي فَلَا يشْتَرط قبولهم لأَنهم كالفروع وَلَا يتَقَبَّل استحقاقهم بِالْإِيجَابِ وَهل يرْتَد عَنْهُم بردهمْ فِيهِ خلاف

الرُّكْن الرَّابِع فِي الشَّرَائِط وَهِي أَرْبَعَة التَّأْبِيد والتنجيز والإلزام وإعلام الْمصرف الأول التَّأْبِيد ونعني بِهِ أَن لَا يقف على جِهَة يَنْقَطِع آخرهَا كَمَا إِذا وقف على أَوْلَاده وَلم يذكر الْمصرف بعدهمْ فَإِن فعل ذَلِك فَهُوَ وقف مُنْقَطع الآخر وَفِي صِحَّته قَولَانِ الْأَصَح الذى بِهِ الْفَتْوَى بُطْلَانه لِأَنَّهُ مائل عَن مَوْضُوعه فِي التَّأْبِيد وَيبقى أمره مُشكلا بعد انقراضهم فليضف بعده إِلَى جِهَة لَا تَنْقَطِع كالمساكين وَالْعُلَمَاء وَمن يجْرِي مجراهم وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن ذَلِك يمْتَنع فِي الْعقار دون الْحَيَوَان فَإِن الْحَيَوَان أَيْضا يعرض للانقطاع فَإِن فرعنا على الْجَوَاز فَفِي انْقِطَاع الْوَقْف بانقراضهم قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يعود ملكا فَيصْرف إِلَى وَرَثَة الْوَاقِف وَالثَّانِي أَنه يبْقى وَقفا وَيصرف إِلَى أهم الْخيرَات وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يصرف إِلَى أقرب الْأَقَارِب لوُرُود أَخْبَار فِيهِ وعَلى هَذَا هَل يشْتَرك فِيهِ الْأَغْنِيَاء والفقراء وَجْهَان

وَهل يقدم من قدم فِي الْإِرْث أَو يُرَاعى قرب الدرجَة وَجْهَان وَالثَّانِي أَنه يصرف إِلَى الْمَسَاكِين لِأَنَّهُ أَعم جِهَات الْخَيْر وَالثَّالِث أَنه يصرف إِلَى مصَالح الْإِسْلَام فَإِنَّهُ الْأَعَمّ أما إِذا قَالَ وقفت على الْفُقَرَاء سنة أَو سنتَيْن وَقطع آخِره بالتأقيت فَالْمَذْهَب فَسَاد هَذَا الشَّرْط وَفِيه وَجه مخرج من الْمَسْأَلَة السَّابِقَة ثمَّ إِذا فسد الشَّرْط فَهَل يفْسد الْوَقْف إِذْ كَانَ من قبيل التَّحْرِير كجعل الْبقْعَة مَسْجِدا فَلَا يفْسد بل يتأبد كَالْعِتْقِ لِأَنَّهُ فك عَن اخْتِصَاص الْآدَمِيّين كالتحرير وَإِن كَانَ وَقفا على شخص معِين وَقُلْنَا يفْتَقر إِلَى قبُوله فَيفْسد كَسَائِر الْمُعَامَلَات وَإِن كَانَ وَقفا على جِهَة الْفقر والمسكنة فَوَجْهَانِ لتردده بَين التَّحْرِير وَالتَّمْلِيك الشَّرْط الثَّانِي التَّنْجِيز فِي الْحَال فَلَو قَالَ وقفت على من سيولد من أَوْلَادِي فَهُوَ وقف مُنْقَطع الأول فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن فِيهِ الْأَقْوَال كَمَا فِي الْمُنْقَطع الآخر فَيَعُود مَا فضلناه وَالثَّانِي الْبطلَان لِأَنَّهُ لم يجد فِي الْحَال مقرا ينزل فِيهِ

فَلَو قَالَ وقفت على عَبدِي أَو كَانَ مَرِيضا فَقَالَ وقفت على وارثي ثمَّ بعده على الْمَسَاكِين فَهُوَ وقف مُنْقَطع الأول فَإِن صححنا فَلَا يصرف إِلَى الْمَسَاكِين مَا لم يمت العَبْد وَالْوَارِث لِأَنَّهُ لم يدْخل أول الْوَقْف إِلَّا أَن يَقُول وقفت على رجل ثمَّ بعده على الْمَسَاكِين فَإِنَّهُ لَا يُمكن ترقب انْقِرَاض من لَا يتَعَيَّن فَيصْرف فِي الْحَال إِلَى الْمَسَاكِين وَكَذَلِكَ إِذا وقف على معِين فَرده أَو لم يقبل إِذا شرطنا قبُوله فقد صَار مُنْقَطع الأول أما إِذا صرح بِالتَّعْلِيقِ وَقَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد وقفت على الْمَسَاكِين قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ لَا يُوَافق مصلحَة الْوَقْف بِخِلَاف الْوَقْف على من يُوجد من الْأَوْلَاد وَذكر المراوزة خلافًا وَهُوَ مُتَّجه فِيمَا لَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول فقد ذكر ابْن سُرَيج وَجها فِي تَعْلِيق الضَّمَان فينقدح أَيْضا طرده فِي الْإِبْرَاء وكل مَا يسْتَقلّ الْإِنْسَان بِهِ تَشْبِيها لَهُ بالعنق الشَّرْط الثَّالِث الْإِلْزَام فَلَو قَالَ وقفت بِشَرْط أَن أرجع مَتى شِئْت أَو أحرم الْمُسْتَحق وأحوله إِلَى غَيره مَتى شِئْت فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ يُنَاقض مَوْضُوعه فِي اللُّزُوم فَأَما إِذا قَالَ وقفت على أَنِّي بِالْخِيَارِ لأغير مقادير الِاسْتِحْقَاق بِحكم الْمصلحَة فَلهُ ذَلِك وَلَو قَالَ على أَنِّي أُبْقِي أصل الْوَقْف وَلَكِن أغير تَفْصِيله فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْمَنْع للُزُوم الأَصْل وَالْوَصْف

وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن شَرطه مُتبع فَإِذا شَرط التَّغْيِير بِتَغَيُّر رَأْيه فَيكون ذَلِك أَيْضا من الشَّرَائِط فرعان أَحدهمَا لَو شَرط أَن لَا يُؤَاجر الْوَقْف أصلا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أظهرها أَنه يتبع وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ حجر على من ثَبت ملك الْمَنْفَعَة وَالثَّالِث أَنه يجوز فِي قدر سنة فَيتبع لِأَنَّهُ يَلِيق بمصلحة الْوَقْف وَلَو شَرط الْمَنْع من أصل الْإِجَارَة وَلم يتبع الثَّانِي لَو جعل الْبقْعَة مَسْجِدا وخصصه بأصحاب الحَدِيث أَو الرَّأْي لَا

يخْتَص بهم لِأَنَّهُ من قبيل التَّحْرِير فَلَا يثبت الشَّرْط فِيهِ كَالْعِتْقِ وَفِيه وَجه أَنه يتبع للْمصْلحَة وَقطع الْمُنَازعَة فِي إِقَامَة الشعائر أما إِذا جعل الْبقْعَة مَقْبرَة فَفِي تَخْصِيصه بِقوم خلاف ظَاهر لتردده بَين الْمَسْجِد وَبَين مسَاكِن الْأَحْيَاء الشَّرْط الرَّابِع بَيَان الْمصرف فَلَو قَالَ وقفت هَذِه الْبقْعَة وَلم يذكر التَّفْصِيل فَفِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا الْفساد للإجمال وَالثَّانِي أَنه يَصح ثمَّ فِي مصرفه من الْكَلَام مَا فِي مُنْقَطع الآخر إِذا صححناه فرعان أَحدهمَا لَو وقف على شَخْصَيْنِ وبعدهما على الْمَسَاكِين فَمَاتَ أَحدهمَا فَنصِيبه لصَاحبه أَو للْمَسَاكِين فِيهِ وَجْهَان

الثَّانِي لَو رد الْبَطن الثَّانِي وَقُلْنَا يرْتَد عَنْهُم بردهمْ فقد صَار الْوَقْف مُنْقَطع الْوسط فَيَعُود فِي مصرفه إِلَى أَن يَنْقَضِي الْبَطن الثَّانِي مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَقْوَال وقولان آخرَانِ أَحدهمَا الصّرْف إِلَى الْبَطن الثَّالِث ويلتحقون بالمعدومين عِنْد الرَّد وَالثَّانِي الصّرْف إِلَى الْجِهَة الْعَامَّة الْمَذْكُورَة فِي شَرط الْوَقْف عِنْد انْقِرَاض الْجَمِيع لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَقْصُود الْوَاقِف من غَيره

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْوَقْف الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي أُمُور لفظية وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ وقفت على أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي فَمَعْنَاه التَّشْرِيك دون التَّرْتِيب إِذْ التَّقْدِيم يفْتَقر إِلَى زِيَادَة دلَالَة وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ عَلَيْهِ دَلِيل إِلَّا أَن يَقُول بَطنا بعد بطن وَمَا يجْرِي مجْرَاه الثَّانِيَة إِذا قَالَ وقفت على أَوْلَادِي وبعدهم على الْمَسَاكِين فَالظَّاهِر أَن أَوْلَاد الْأَوْلَاد لَا يسْتَحقُّونَ لأَنهم يسمون أحفادا فَلَو قَالَ وعَلى أَوْلَاد أَوْلَادِي دخل فِيهِ أَوْلَاد الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ على ذريتي أَو عَقبي أَو نسلي فأولاد الْبَنَات يدْخلُونَ فِيهِ وَلَو قَالَ على من ينتسب إِلَيّ من أَوْلَاد أَوْلَادِي لم يدْخل فِيهِ أَوْلَاد الْبَنَات قَالَ الشَّاعِر ... بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد ... الثَّالِثَة إِذا قَالَ على الْبَنِينَ أَو الْبَنَات لم يدْخل الخناثى لِأَنَّهُ مُشكل وَلَو قَالَ على الْبَنِينَ وَالْبَنَات فَفِيهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ لَا يعدهما فَلَا يعد مِنْهُمَا

وَلَو قَالَ على الْأَوْلَاد دخل فيهم وَالظَّاهِر أَن الْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ لَا يسْتَحق إِذْ اللّعان لَا يظْهر أَثَره إِلَّا فِي حق الزَّوْج الْملَاعن للضَّرُورَة والجنين لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ لَيْسَ بِولد فَإِذا ولد لم يسْتَحق الرّيع الْحَاصِل فِي مُدَّة اجتنانه وَإِنَّمَا يسْتَحق من وَقت الْولادَة الرَّابِعَة لَو قَالَ على عِتْرَتِي قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وثعلب هم ذُريَّته وَقَالَ القتيبي هم عشيرته الْخَامِسَة لَو وقف على بني تَمِيم فَفِي دُخُول الْبَنَات وَجْهَان أَحدهمَا لَا لخُصُوص اللَّفْظ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ إِذا ذكر فِي الْقَبِيلَة أُرِيد كل من ينتسب إِلَيْهَا ثمَّ يغلب التَّذْكِير فِي اللَّفْظ السَّادِسَة إِذا قَالَ وقفت على أَوْلَادِي فَإِذا انقرض أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي فعلى الْمَسَاكِين فَمنهمْ من قَالَ هَذَا مُنْقَطع الْوسط إِذْ لَا دُخُول لأَوْلَاد الْأَوْلَاد فِي الْوَقْف وَمِنْهُم من قَالَ جعل اشْتِرَاط انقراضهم قرينَة دَالَّة أَيْضا على دُخُولهمْ فِي الِاسْتِحْقَاق

السَّابِعَة لَو وقف على الموَالِي وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا على الْأَعْلَى أَو الْأَسْفَل تعين لَهُ وَلَو كَانَ لَهُ كِلَاهُمَا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْبطلَان للإجمال وَهُوَ الْأَصَح وَالثَّانِي التَّوْزِيع على الْأَعْلَى والأسفل لاشتراك اللَّفْظ وَالثَّالِث تَقْدِيم الْأَعْلَى لاختصاصه بالعصوبة

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْأَحْكَام المعنوية وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الْوَقْف حكمه اللُّزُوم فِي الْحَال خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِن قَالَ لَا يلْزم إِلَّا إِذا أضيف إِلَى مَا بعد الْمَوْت ثمَّ لُزُومه فِي منع الْمَالِك من التَّصَرُّفَات وَهل يُوجب زَوَال ملكه نظر فَإِن جعل الْبقْعَة مَسْجِدا زَالَ ملكه وَكَأَنَّهُ تَحْرِير وَفك عَن الاختصاصات وَلذَلِك لَا يتبع فِيهِ شُرُوطه وَإِن وقف على معِين أَو على جِهَة القربات فَالظَّاهِر أَنه يَزُول ملكه وَلَكِن

إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَو إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فَإِنَّهُ قربَة وَتصرف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ غير نَافِذ وَالثَّانِي إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقُول وقفت عَلَيْك وَلَا يبعد ملك لَا ينفذ فِيهِ التَّصَرُّف وعَلى الْجُمْلَة إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ معينا فيبعد قَول نقل الْملك إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فَإِنَّهُ لَيْسَ من القربات وَإِن كَانَ على الْمَسَاكِين وجهات القربات فيبعد نقل الْملك إِلَى الْمَسَاكِين كَيفَ وَقد يقف على الرباطات والقناطر وحمامات مَكَّة وَمن لَا ينْسب إِلَيْهِ ملك وَمن أَصْحَابنَا من خرج قولا ثَالِثا أَنه لَا يَزُول ملك الْوَاقِف لِأَن الشَّرْط لَا يتبع فِي الْملك الزائل إِلَّا أَنه تضمن الْحجر فِي التَّصَرُّفَات وَإِثْبَات الِاسْتِحْقَاق فِي الثمرات الثَّانِيَة لَا خلاف فِي أَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ يملك الْغلَّة وثمار الشَّجَرَة وَاللَّبن والوبر وَالصُّوف من الصُّوف من الْحَيَوَان وَلَا يقطع أَغْصَان الشَّجَرَة إِلَّا إِذا كَانَ هُوَ الْمَقْصُود كَمَا فِي شَجَرَة الْخلاف وَهل يملك ولد الْمَوْقُوفَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كاللبن

وَالثَّانِي لَا بل وَلَده وقف كَمَا أَن ولد الضحية ضحية وَولد الْمُسْتَوْلدَة مستولد وَلَا يملك وَطْء الْجَارِيَة الْمَوْقُوفَة لِأَنَّهُ وَإِن قدر ملكه فِيهَا فَهُوَ ضَعِيف نعم يصرف إِلَيْهِ مهرهَا إِذا وطِئت بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ فِي حكم بدل الْمَنْفَعَة فَيُشبه أُجْرَة الْمَنْفَعَة وَهل يملك تَزْوِيج الْجَارِيَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ ينقص الْوَقْف فيخالف غَرَض الْوَاقِف وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ نوع انْتِفَاع فَإِن قُلْنَا تزوج فيزوجها الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِن قُلْنَا إِن الْملك لَهُ ويزوجها السُّلْطَان إِن قُلْنَا إِن الْملك لله تبَارك وَتَعَالَى وَهل يستشير الْوَاقِف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ لتَعَلُّقه بغرضهما فِيهِ خلاف وَإِن قُلْنَا للْوَاقِف فَلَا يستشير السُّلْطَان وَهل يستشير الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف من حَيْثُ إِنَّه نقص عَن انتفاعه فيكاد يكون إبطالا لما أثبت لَهُ فَإِن قُلْنَا يجوز تَزْوِيجهَا فَلَو تزوج بهَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَقُلْنَا إِنَّه لَا ملك لَهُ صَحَّ وَإِن قُلْنَا لَهُ الْملك فَلَا

الثَّالِثَة تَوْلِيَة أَمر الْوَقْف وَالنَّظَر فِي مصالحة إِلَى من شَرطه الْوَاقِف فَإِن سكت عَنهُ فطريقان أَحدهمَا للْوَاقِف لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ وَلم يشرط صرفه إِلَى غَيره وَالثَّانِي أَنه نَبْنِي على أَقْوَال الْملك فَيكون لمن لَهُ الْملك فَإِن قُلْنَا لله فَهُوَ للسُّلْطَان ثمَّ يشْتَرط فِي الْمُتَوَلِي خصلتان الْأَمَانَة والكفاية فَإِن أخلت إِحْدَاهمَا نزع السُّلْطَان من يَده ذَلِك وَفِيه وَجه أَن الْعَدَالَة لَا تشْتَرط إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ معينا وَلم يكن فِيهِ طِفْل وَلكنه يَسْتَعْدِي عَلَيْهِ الْمُسْتَحق إِن خَان وَهُوَ بعيد ثمَّ إِلَى الْمُتَوَلِي الْعِمَارَة وَتَحْصِيل الرّيع بالزرع وَالْإِجَارَة ومصرفه إِلَى الْمُسْتَحق وَله إِثْبَات الْيَد على الْوَقْف إِذا شَرط التَّصَرُّف وَشرط الْيَد لغيره وَله من الْأُجْرَة مَا شَرط لَهُ فَإِن لم يشْتَرط فَهُوَ مَبْنِيّ على أَن مُطلق الِاسْتِعْمَال هَل يَقْتَضِي أُجْرَة وَفِيه خلاف

الرَّابِعَة نَفَقَة الْمَوْقُوف من الْموضع الْمَشْرُوط فَإِن سكت فَهُوَ من الِارْتفَاع فَإِن كَانَ للْعَبد كسب فَهُوَ من كَسبه فَإِن بَطل كَسبه فَهُوَ على من يحكم بِأَن الْملك فِيهِ لَهُ على مُوجب الْأَقْوَال هَذَا فِي الْحَيَوَان الذى لَا يجوز تعطيله لحُرْمَة الرّوح فَأَما الْعقار فَلَا تجب عِمَارَته إِلَّا على من يُرِيد الِانْتِفَاع فيعمره بِاخْتِيَارِهِ الْخَامِسَة إِذا تعطل مَال الْوَقْف فَلهُ أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يتلفه متْلف فَيجب الضَّمَان عَلَيْهِ وماذا يفعل بِهِ فِي طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يصرف ملكا خَالِصا إِلَى من يُقَال إِن الْملك لَهُ فَإِن قُلْنَا لله تبَارك وَتَعَالَى فيشترى بِهِ مثله وَيجْعَل وَقفا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يشترى بِهِ مثله إِن كَانَ عبدا فعبد أَو شقص عبد إِن لم يُوجد عبد لِأَن علقَة الْوَقْف آكِد من الرَّهْن الذى لَا يتَعَدَّى إِلَى الْوَلَد قطعا فبأن يسري إِلَى الْبَدَل وَلَا يفوت بِفَوَات الْعين أولى وَإِن كَانَت الْجِنَايَة على الطّرف فيشتري بِهِ أَيْضا شقص عبد وَهَاهُنَا يحْتَمل أَن يسْلك بِهِ مَسْلَك الْفَوَائِد فَيصْرف إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ ملكا وَهَذَا ذكره صَاحب التَّقْرِيب

الْحَالة الثَّانِيَة أَن لَا يكون مَضْمُونا فَإِن لم يبْق مِنْهُ بَقِيَّة كَالْعَبْدِ إِذا مَاتَ فقد فَاتَ الْوَقْف وَإِن بقى متمولة كالشجرة إِذا جَفتْ وَبَقِي الْحَطب فَفِي انْقِطَاع الْوَقْف وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَنْقَطِع كَالْعَبْدِ إِذا مَاتَ والحطب وَإِن كَانَ يتمول فالوقت مُعَلّق باسم الشَّجَرَة فعلى هَذَا يَنْقَلِب الْحَطب ملكا إِلَى الْوَاقِف وَالثَّانِي أَنه يبْقى أثر الْوَقْف فَإِن إبقاءه مُمكن ثمَّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَشْتَرِي بِثمنِهِ شَجَرَة أَو شقص شَجَرَة وَيجْعَل وَقفا وَالثَّانِي أَنه يَسْتَوْفِي منفعَته بإجارته جذعا وَالثَّالِث أَنه يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوف عَلَيْهِ عينه فَيصير ملكا لَهُ الْحَالة الثَّالِثَة حَصِير الْمَسْجِد إِذا بلي وجذعه إِذا انْكَسَرَ أَو انفصلت نحاتة مِنْهُ فِي النخر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ الْأَصَح أَنه يُبَاع وَيصرف إِلَى مصَالح الْمَسْجِد كَيْلا يضيق الْمَكَان أَولا يتعطل وَالثَّانِي أَنه يبْقى كَذَلِك فَإِنَّهُ وقف لَا يُمكن بَيْعه وَلَيْسَ يُمكن اسْتِيفَاء عينه فَيتْرك أبدا

أما إِذا أشرف جذعه على الانكسار وداره على الانهدام وَعلم أَنه لَو أفرج لخرج عَن أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ وَبَطلَت مَالِيَّته أَيْضا فَفِي جَوَاز بَيْعه وَجْهَان مشهوران أَحدهمَا يمِيل إِلَى الِاحْتِيَاط وَالْآخر إِلَى الْمصلحَة فَإِن قُلْنَا إِنَّه يُبَاع فَالْأَصَحّ أَنه يصرف الثّمن إِلَى جِهَة الْوَقْف وَيحصل مثل مَا بيع الْحَالة الرَّابِعَة أَن يتفرق النَّاس عَن الْبَلدة وتخرب الْبَلدة ويتعطل الْمَسْجِد أَو يخرب الْمَسْجِد فهاهنا لَا يعود الْمَسْجِد ملكا وَلَا يُبَاع وَلَا يتَصَرَّف فِي عِمَارَته لِأَن عود النَّاس متوقع بِخِلَاف الْمَوْت والجفاف وَكَذَلِكَ إِذا وقف شَيْئا على بعض الثغور كطرسوس فَبَطل واتسعت خطة الْإِسْلَام حواليها قَالَ الْأَصْحَاب يحفظ ارْتِفَاع الْوَقْف فَإِنَّهُ يتَوَقَّع أَن يعود ثغرا كَمَا كَانَ فَلم يحصل على الْيَأْس الْمَسْأَلَة السَّادِسَة الْجَارِيَة الْمَوْقُوفَة إِذا وطِئت بِالشُّبْهَةِ إِن كَانَ الْوَاطِئ أَجْنَبِيّا وأحبل لزمَه الْمهْر للْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَتلْزَمهُ قيمَة الْوَلَد لِأَن الْوَلَد حر ويشترى بِقِيمَة الْوَلَد

مثله وَإِن قُلْنَا يسرى الْوَقْف إِلَى الْوَلَد وَإِلَّا فَيصْرف إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ ملكا كالمهر وَإِن كَانَ الْوَاقِف هُوَ الْوَاطِئ فَهَذَا حكمه وَيزِيد أَمر الِاسْتِيلَاد وَلَا ينفذ إِن قُلْنَا لَا ملك لَهُ وَإِن قُلْنَا الْملك لَهُ فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع تَأَكد حق الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِيهِ وَإِن كَانَ الْوَاطِئ هُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَا مهر إِذْ هُوَ مصرفه وَالْولد حر وَلَا قيمَة إِن قُلْنَا إِن مصرفه هُوَ وَإِن قُلْنَا يَشْتَرِي بِهِ مثله فَيلْزمهُ وَالِاسْتِيلَاد لَا ينفذ إِن قُلْنَا لَا ملك لَهُ وَإِن قُلْنَا لَهُ الْملك فَينفذ على الْأَصَح إِذْ اجْتمع لَهُ ملك الرَّقَبَة وَالْمَنْفَعَة بِخِلَاف الْوَاقِف السَّابِعَة إِذا أجر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ الْوَقْف فَطلب بِزِيَادَة فَلَا فسخ لَهُ وَإِن أجر الْمُتَوَلِي مَا هُوَ لِلْخَيْرَاتِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا أثر لَهُ إِذْ صَحَّ العقد الْمُوَافق للغبطة أَولا فَلَا نظر إِلَى مَا يطْرَأ وَهُوَ الْأَصَح وَالثَّانِي أَنه يفْسخ لِأَنَّهُ يُخَالف الْغِبْطَة فِي الْمُسْتَقْبل الثَّالِث أَنه إِن زَاد على السّنة فِي العقد فَلهُ أَن يمْنَع مَا زَاد على السّنة الثَّامِنَة أَنه إِن تعذر العثور على شَرط الْوَاقِف يقسم على الأرباب بِالسَّوِيَّةِ فَإِن لم يعرف الأرباب جَعَلْنَاهُ كوقف مُطلق لم يذكر مصرفه فَيصْرف إِلَى تِلْكَ المصارف الَّتِى ذَكرنَاهَا

= كتاب الْهِبَة = وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي ثَلَاثَة الأول صِيغَة العقد فَلَا بُد من الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَعَن ابْن سُرَيج أَنه يجوز تراخي الْقبُول وَهُوَ بعيد وَالصَّحِيح أَنه فِي الْإِبْرَاء لَا يفْتَقر إِلَى قبُول من عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون بِلَفْظ الْهِبَة فَفِيهِ تردد وَالْفِعْل لَا يقوم مقَام اللَّفْظ كالمعاطاة فِي البيع وَذكر الفوراني أَنه يكْتَفى فِي الْهَدَايَا بِالْفِعْلِ فَلَا يعْتَبر اللَّفْظ فَإِن الْعَادة كَانَت مستمرة فِي عصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا ذكره مُحْتَمل فِي الْأَطْعِمَة أما مَا عداهُ فَلَا يُمكن دَعْوَى اطراد الْعَادة فِيهِ ويتصل بالصيغة حكم الرقبى والعمرى

أما الْعُمْرَى فلهَا ثَلَاث صور الأولى أَن يَقُول أعمرتك هَذِه الدَّار حياتك أَي جَعلتهَا لَك فِي عمرك فَإِذا مت فَهِيَ لورثتك فَهَذَا صَحِيح لِأَنَّهُ عبر بِهِ عَن مُقْتَضى الْهِبَة وَإِن طول فِيهِ الثَّانِيَة أَن يَقُول أعمرتك حياتك أَي جَعلتهَا لَك فِي عمرك وَلم يتَعَرَّض لما بعد مَوته فَقَوْلَانِ الْقَدِيم بُطْلَانه وَهُوَ الأقيس لِأَنَّهُ هبة مُؤَقَّتَة فيضاهي البيع الْمُؤَقت والجديد أَنه يَصح وَيبقى لوَرثَته لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تعمروا وَلَا ترقبوا وَمن أعمر شَيْئا أَو أرقب فسبيله الْمِيرَاث وَفِيه قَول ثَالِث ضَعِيف أَنه يَصح كَمَا شَرط الثَّالِثَة أَن يَقُول فَإِذا مت عَاد إِلَيّ فَفِيهِ قَولَانِ مرتبان أَحدهمَا الْبطلَان وَهُوَ الْقيَاس لتصريحه بِمَا يناقص الْمَوْضُوع فَهُوَ أولى بِالْبُطْلَانِ من الْمُطلق وَوجه الصِّحَّة إِلْغَاء شَرطه وَتَقْرِير الْهِبَة على موضوعها وَمن هَذَا استنبط بعض الْأَصْحَاب قولا أَن الْهِبَة لَا تفْسد بالشرئط الْفَاسِدَة

بِخِلَاف البيع لِأَن الشَّرْط فِي البيع يطْرق جهلا إِلَى الْعِوَض إِذْ يصير الْمَشْرُوط مَقْصُودا مَعَ الْعِوَض أما إِذا أضَاف إِلَى عمر غير الْمُتَّهب أَو إِلَى وَقت مَعْلُوم فَالظَّاهِر فَسَاده وَإِن فرعنا على الْجَدِيد وَفِيه وَجه مخرج أَنه تلغى الْإِضَافَة وَتَصِح الْهِبَة مُطلقًا أما الرقبى هُوَ أَن يَقُول أرقبتك دَاري أَو دَاري لَك رقبى أَي هى لَك فَإِن مت قبلي عَادَتْ إِلَيّ وَإِن مت قبلك اسْتَقر ملكك فَحكمه حكم الصُّورَة الثَّالِثَة من الْعُمْرَى لِأَنَّهُ مَا زَاد إِلَّا قَوْله إِن مت قبلك اسْتَقر ملكك وَهَذَا يُوَافق مَوْضُوع العقد الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمَوْهُوب وكل مَا جَازَ بَيْعه جَازَ هِبته وَإِن كَانَ شَائِعا قبل الْقِسْمَة أَو لم يقبل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح هبة شَائِع قَابل للْقِسْمَة

وَمَا لَا يجوز بَيْعه من الْمَجْهُول وَمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه كالآبق لَا تصح هِبته وَفِي هبه الْكَلْب خلاف من حَيْثُ إِنَّه تصح الْوَصِيَّة بِهِ وَهُوَ نقل اخْتِصَاص وَإِنَّمَا الْخَبيث ثمنه بِحكم الحَدِيث وَاخْتلفُوا فِي أَن هبة الْمَرْهُون هَل تفِيد الْملك عِنْد فك الرَّهْن أم يفْتَقر إِلَى إِعَادَته مَعَ أَن الْقطع بِأَن تَعْلِيق الْهِبَة لَا يجوز وَأَن بيع الْمَرْهُون بَاطِل لِأَن الْهِبَة لَا توجب الْملك بِنَفسِهَا بِخِلَاف البيع وَاخْتلفُوا فِي هبة الدّين إِن قُلْنَا يَصح بَيْعه من غير من عَلَيْهِ الدّين وَالأَصَح الْمَنْع لِأَن الْقَبْض فِي الدّين غير مُمكن

وَمن صَحَّ اكْتفى بِقَبض الدّين بتعيينه وَقيل يطرد هَذَا الْوَجْه فِي رهن الدّين وَهُوَ فِيهِ أبعد إِذْ الْوَثِيقَة مُتَعَلقَة بِالْقَبْضِ فِيهِ فَأمر الْقَبْض فِيهِ آكِد الرُّكْن الثَّالِث الْقَبْض وَالْهِبَة لَا تَفْسِير الْملك عندنَا إِلَّا بعد الْقَبْض خلافًا لمَالِك رَحْمَة الله وَذَلِكَ لِأَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ نحل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا جدَاد عشْرين وسْقا من التَّمْر ثمَّ مرض وَقَالَ وددت لَو كنت حُزْته والآن هُوَ مَال الْوَارِث وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا قبض تَبينا حُصُول الْملك عِنْد العقد وتسلم للمتهب الزَّوَائِد الْحَاصِلَة قبل الْقَبْض وَأخذ ذَلِك من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله

عَنهُ على أَن من وهب عبدا قبل هِلَال شَوَّال وَقبض بعد الاستهلال فالفطرة على الْمُتَّهب وَقد قيل إِن هَذَا من الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَفْرِيع على مَذْهَب مَالك فرعان أَحدهمَا لَو قبض الْمُتَّهب دون إِذن الْوَاهِب لم يجز يحصل الْملك وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يحصل الثَّانِي إِذا مَاتَ الْوَاهِب قبل الْقَبْض فَالْأَظْهر أَن الْوَارِث يتَخَيَّر فِي الْإِقْبَاض كَالْبيع فِي زمَان الْخِيَار وَمِنْهُم من قَالَ يَنْفَسِخ العقد لِأَن هَذَا عقد جَائِز فينفسخ بِالْمَوْتِ كَالْوكَالَةِ والجعالة وَكَأن هَذَا الْقَائِل يَجْعَل الْقَبْض كجزء من السَّبَب مثل الْقبُول

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْهِبَة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الأول فِي الرُّجُوع وَالْأَصْل أَن الْهِبَة مَنْدُوب إِلَيْهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام تهادوا تحَابوا وَهُوَ مَعَ الْأَقَارِب أحب لِأَن فِيهِ صلَة الرَّحِم وَإِذا وهب من أَوْلَاده فليسو بَينهم لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لنعمان ابْن بشير وَقد وهب بعض أَوْلَاده شَيْئا أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا إِلَيْك فِي الْبر سَوَاء فَقَالَ نعم فَقَالَ فَارْجِع

وسو بَينهم وَإِن خصص فالهبة تَنْعَقِد وَلكنه يكون تَارِكًا للأحب وَهل يسْتَحبّ التَّسْوِيَة بَين الابْن وَالْبِنْت فِيهِ تردد وَحكم الْهِبَة إِذا صحت إِزَالَة الْملك ولزومه إِلَّا فِيمَا يهب لوَلَده قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يحل لواهب أَن يرجع فِيمَا وهب إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يهب لوَلَده

وَقَالَ أَبُو حنيفَة يرجع كل واهب إِلَّا الْوَالِد ثمَّ النّظر فِيمَن يرجع وَمَا بِهِ الرُّجُوع وَمَا يرجع فِيهِ أما الرَّاجِع فَهُوَ الْأَب وَفِي مَعْنَاهُ الْجد فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَقيل إِنَّه يخْتَص بِالْأَبِ وَقيل يتَعَدَّى إِلَى الْجد من قبل الْأَب وَولي لِأَن هَذَا احتكام وَالظَّاهِر أَن الوالدة فِي معنى الْوَالِد وَفِيه وَجه بِخِلَافِهِ فروع أَحدهَا إِن تصدق على وَلَده عِنْد حَاجته فَالظَّاهِر أَنه يرجع لِأَنَّهُ هبة وَفِيه

وَجه أَنه لَا يرجع لِأَنَّهُ فقد طلب الثَّوَاب لَا لإِصْلَاح حَال الْوَلَد وَقد حصل الثَّوَاب الثَّانِي صبي تداعاه رجلَانِ ووهبه كل وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا رُجُوع لأَحَدهمَا إِذْ لم يثبت أبوته فَإِن قَامَت لَهُ البنية فَفِي رُجُوعه خلاف لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ حَال العقد أبوة ظَاهِرَة الثَّالِث لَو وهب من وَلَده فوهب هُوَ من وَلَده أَو مَاتَ وانتقل إِلَى وَلَده وَقُلْنَا للْجدّ الرُّجُوع فَفِي الرُّجُوع هَاهُنَا وَجْهَان وَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَن الرُّجُوع للْوَاهِب وَهُوَ الْآن لَيْسَ واهبا أما مَا بِهِ الرُّجُوع فَهُوَ كل لفظ صَرِيح وَفِي إقدامه على البيع وَالْعِتْق ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لَيْسَ بِرُجُوع وَلَا ينفذ فَإِنَّهُ صَادف ملك غَيره وَهُوَ لَازم وَالثَّانِي أَنه ينفذ وَيكون رُجُوعا لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهِ ونهو من ضَرُورَته وَالثَّالِث أَنه رُجُوع لدلالته عَلَيْهِ وَلَا ينفذ لِأَنَّهُ لم يلاق الْملك أما الْوَطْء فَالظَّاهِر أَنه لَا يكون رُجُوعا بل يجب عَلَيْهِ الْمهْر وَكَذَا الْقيمَة إِن أحبلها أما مَا فِيهِ الرُّجُوع فَهُوَ عين الْمَوْهُوب مَا دَامَ بَاقِيا فِي سلطنة الْملك فَإِن تلف فَلَا رُجُوع بقيمه وَإِن نقص فَيرجع إِلَى النَّاقِص

وَإِن زَاد زِيَادَة مُتَّصِلَة رَجَعَ إِلَيْهَا زَائِدَة وَإِن كَانَت مُنْفَصِلَة سلمت الزِّيَادَة للمتهب وَإِن خرج عَن ملكه بِمَوْت أَو تصرف انْقَطع الرُّجُوع إِن عَاد إِلَى ملكه فَفِي عود الرُّجُوع قَولَانِ بِنَاء على أَن الزائل الْعَائِد كالذى لم يزل أَو كالذى لم يعد وَلَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَ عصيرا خمرًا ثمَّ عَاد خلا عَاد الرُّجُوع لِأَن الْعَائِد هُوَ الْملك الأول وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مَرْهُونا أَو مكَاتبا فَيمْتَنع الرُّجُوع فَإِن انْفَكَّ عَاد الرُّجُوع وَلَا يمْتَنع الرُّجُوع بِإِجَارَة الْمَوْهُوب وَفِي امْتِنَاعه بإباقه تردد وَإِن تلعق حق غُرَمَاء الْمُتَّهب بِمَالِه لإفلاسه فَفِي الرُّجُوع وَجْهَان أَحدهمَا لَا كالمرهون وَالثَّانِي نعم وَلذَلِك منع الرَّهْن رُجُوع البَائِع بِخِلَاف الإفلاس

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْهِبَة بِشَرْط الثَّوَاب وَالْهِبَة ثَلَاثَة أَقسَام مُقَيّد بِشَرْط نفي الثَّوَاب فَلَا يَقْتَضِي ثَوابًا ووطلق فَإِن كَانَ من كَبِير مَعَ صَغِير فَلَا تقضى ثَوابًا وَإِن كَانَ من صَغِير مَعَ كَبِير فَقَوْلَانِ الْجَدِيد أَنه لَا يلْزم الثَّوَاب مَوْضُوع اللَّفْظ التَّبَرُّع وَفِي الْقَدِيم يلْزمه لقَرِينَة الْعَادة وَإِن وهب من مثله فطريقان قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِنَفْي الثَّوَاب وطرد المراوزة الْقَوْلَيْنِ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يَقْتَضِي الثَّوَاب فَفِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا إِن قدر الثَّوَاب قدر قيمَة وَالثَّانِي مَا يتمول وَالثَّالِث مَا يعد ثَوابًا فِي الْعَادة وَالرَّابِع مَا يرضى بِهِ الْمَوَاهِب أما الْهِبَة الْمقيدَة بِشَرْط الثَّوَاب إِن فرعنا على الْجَدِيد وَكَانَ الثَّوَاب مَجْهُولا فَهُوَ

بَاطِل وَإِن كَانَ مَعْلُوما فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه ينْعَقد بيعا وَلكنه بِلَفْظ الْهِبَة وَالثَّانِي أَنه يفْسد لِأَنَّهُ متناقض وَهُوَ قريب من الْخلاف فِي أَنه لَو قَالَ بِعْت بِلَا ثمن هَل ينْعَقد هبة وَإِن فرعنا على الْقَدِيم فالثواب الْمَجْهُول كالمطلق وَإِذا قُلْنَا ينْعَقد بيعا فَيثبت الشُّفْعَة وَسَائِر أَحْكَام البيع على الظَّاهِر من الْمَذْهَب التَّفْرِيع إِذا فرعنا على الْقَدِيم فِي الْهِبَة الْمُطلقَة فَمَا رَأَيْنَاهُ ثَوابًا إِذا لم يسلم جَازَ الرُّجُوع عِنْد بَقَاء الْعين وَإِن تلفت رَجَعَ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهُ مَضْمُون بِالْعِوَضِ وَكَذَا إِذا غَابَ طلب الْأَرْش وَفِيه وَجه أَنه لَا يرجع بِالْقيمَةِ لِأَن الرُّجُوع يتَعَلَّق بِالْعينِ فِي الْهِبَة وَهَذِه لَيست هبة فروع أَحدهَا لَو وجد بالثواب عَيْبا ورد وَرجع إِلَى الْعين وَإِن كَانَ تَالِفا وَالثَّوَاب فِي الذِّمَّة فَيُطَالب بِهِ وَإِن كَانَ معينا فَهُوَ بيع يرجع إِلَى قِيمَته

الثَّانِي لَو وهب حليا فأثابه فِي الْمجْلس نَقْدا من جنسه زَائِدا أَو نَاقِصا فَمَمْنُوع لِأَنَّهُ رَبًّا وَفِيه وَجه أَنه يجوز لِأَنَّهُ لَا مُقَابلَة وَلكنه إنْشَاء تبرع فِي مُقَابلَة تبرع الثَّالِث إِذا قَدرنَا الثَّوَاب بِالْقيمَةِ فَيعْتَبر يَوْم الْقَبْض وَفِيه وَجه آخر أَنه يعْتَبر يَوْم بذل الْقيمَة الرَّابِع إِذا تنَازعا فَقَالَ الْمَالِك بِعْتُك وَقَالَ الْآخِذ بل وهبتني فَقَوْلَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْآخِذ لِأَنَّهُ وَافقه صَاحبه على الْملك وَيَدعِي عَلَيْهِ عوضا الأَصْل عَدمه وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لتساويهما إِذْ هَذَا يُعَارضهُ أَن الرُّجُوع فِي وَجه الزَّوَال إِلَى المزيل وَحكي فِي طَريقَة الْعرَاق بدل هَذَا الْوَجْه أَن القَوْل قَول الْوَاهِب فَإِنَّهُ المزيل

= كتاب اللّقطَة = وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي ثَلَاثَة الأول الِالْتِقَاط وَهُوَ عبارَة عَن أَخذ مَال ضائع ليعرفها الْآخِذ سنة ثمَّ يتملكها بعد مُضِيّ السّنة ويضمنها لمَالِكهَا إِن ظهر وَفِيه أَخْبَار وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا فِي وجوب الِالْتِقَاط نقل الْمُزنِيّ أَنه قَالَ لَا أحب تَركه وَقَالَ فِي الْأُم لَا يجوز تَركه فَمنهمْ من أطلق قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من نزل على حالتين فَأوجب إِن كَانَ يضيع لَو لم يَأْخُذهُ وَلم يُوجب إِذا كَانَ لَا يضيع وَالأَصَح الْقطع بِأَنَّهُ لَا يجب لِأَنَّهُ بَين أَن يكون كسبا أَو أَمَانَة فَلَا معنى لوُجُوبه وَأَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله تَأْكِيد النّدب

نعم يسْتَحبّ إِن كَانَ يَثِق بأمانة نَفسه وَإِن خَافَ على نَفسه فَفِي جَوَاز الْأَخْذ وَجْهَان يجْرِي مثله فِيمَن يتَوَلَّى الْقَضَاء وَهُوَ يخَاف الْخِيَانَة وَوجه الْجَوَاز أَنه لم يعرف الْخِيَانَة فنأمره بالاحتراز الثَّانِيَة فِي وجوب الْإِشْهَاد على اللّقطَة وَجْهَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْتقط لقطَة فليشهد عَلَيْهَا فَاحْتمل أَن يكون إِيجَابا أَو اسْتِحْبَابا وإرشادا لقَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} فَإِذا أشهد فليعرف الشَّاهِد بعض الْأَوْصَاف ليَكُون فِيهِ فَائِدَة وَلَا يَنْبَغِي أَن يستوعب فَإِنَّهُ رُبمَا يشيع فيعتمده الْمُدَّعِي الْكَاذِب ويتوسل بِهِ

الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمُلْتَقط وأهلية الِالْتِقَاط لمن لَهُ أَهْلِيَّة الْأَمَانَة وَالْكَسْب وَالْولَايَة فَإِن هَذِه المشابه ظَاهِرَة فِي اللّقطَة فَإِنَّهَا أَمَانَة فِي الْحَال وَولَايَة بِإِثْبَات الْيَد وَكسب بِالْإِضَافَة إِلَى ثَانِي الْحَال فَيثبت جَوَاز الِالْتِقَاط لكل مُسلم حر مُكَلّف عدل وَالنَّظَر فِي الْكَافِر وَالرَّقِيق وَالصَّبِيّ وَالْفَاسِق أما الْكَافِر فَهُوَ من أهل الِالْتِقَاط قطع بِهِ المراوزة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَكَأَنَّهُم رَأَوْا بذلك تسلطا فِي دَار الْإِسْلَام كالإحياء إِذْ لم يروه من أهل الْأَمَانَة أما الْفَاسِق فَلَا يجوز لَهُ أَخذه فَإِن أَخذه فَهَل يَصح الْتِقَاطه لإِفَادَة الإحكام فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَمَانَة فِي الْحَال وَفِيه شُبْهَة الْولَايَة وَالْفَاسِق لَا يَلِيهِ الشَّرْع الْأَمَانَات وَالثَّانِي نعم لِأَن مَاله التَّمَلُّك وَهُوَ مَقْصُوده وَالْفَاسِق من أهل الِاكْتِسَاب

التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ أَهلا فَلَو التقطه فَهُوَ غَاصِب وَلَو عرف لم يمتلك وَلَو تلف فِي يَده ضمن وَفِي انتزاع القَاضِي من يَده وَجْهَان كَمَا فِي انْتِزَاعه من يَد الْغَاصِب وَوجه الْمَنْع أَنه مَضْمُون فِي يَده وَيكون فِي يَد القَاضِي أَمَانَة ثمَّ فِي بَرَاءَته عَن الضَّمَان عِنْد الانتزاع وَجْهَان وَفِي جَوَاز الانتزاع لآحاد النَّاس احتسابا وَفِي بَرَاءَة الْغَاصِب بِهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن النّظر للْغَائِب يَلِيق للقضاة وَإِن فرعنا على أَنه أَهله فَهُوَ كالعدل حَتَّى يملك بعد الْمدَّة ويتلف أَمَانَة فِي يَده وَلَكِن القَاضِي ينْزع من يَده أَو ينصب عَلَيْهِ رقيبا فِيهِ وَجْهَان لِأَن النّظر للْمَالِك فِي أَن لَا يهمل إِلَّا بانتزاع أَو مراقبة أما الرَّقِيق فَفِيهِ أَيْضا قَولَانِ لِأَنَّهُ أهل الْكسْب لَا من أهل الْأَمَانَة وَالْولَايَة فَإِن قُلْنَا لَيْسَ من أَهله فَهِيَ فِي يَده مَضْمُونَة إِن تلف تعلّقت الْقيمَة بِرَقَبَتِهِ

وَإِن فضلت قِيمَته فَلَا يُطَالب السَّيِّد بِهِ إِن لم يعلم وَإِن علم وَلم ينْزع من يَده نقل الْمُزنِيّ أَنه يُطَالب وَكَأن يَده يَد السَّيِّد بعد علمه وَنقل الرّبيع أَنه لَا يُطَالب وَهُوَ الْأَصَح كَمَا أَو أذن لَهُ فِي الْإِتْلَاف وكما لَو لم يعلم وَأما الانتزاع من يَده فللسيد أَن يُطَالب القَاضِي بِإِزَالَة يَده ليخرج عَن ضَمَان عَبده فجواز الانتزاع والبراءة من الضَّمَان هَاهُنَا مُرَتّب على الْفَاسِق وَأولى بِالْجَوَازِ لغَرَض السَّيِّد أما السَّيِّد لَو أَرَادَ أَن يَأْخُذهُ على قصد الِالْتِقَاط أَو الْأَجْنَبِيّ أَرَادَ ذَلِك قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ جَائِز وَكَأَنَّهُ يعد فِي مضيعة إِذْ هُوَ لَيْسَ أَهلا فَكَأَنَّهُ لم يلتقط بعد وَفِيه نظر لِأَنَّهُ وَقع فِي مَحل مَضْمُون والالتقاط هُوَ الْأَخْذ من مَحل مضيع وَلكنه ينقدح خلاف فِي أَنه هَل تحصل الْبَرَاءَة بانتزاعه كَمَا فِي الْأَجْنَبِيّ وَهَاهُنَا أولى بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ يتمحض حَسبه إِذْ لَهُ فِيهِ غَرَض

فرع لَو عق العَبْد بعد الِالْتِقَاط فقد تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي أَن طرآن الْحُرِّيَّة على دوَام اللّقطَة هَل يَصح اللّقطَة حَتَّى يُفِيد حكمهَا وَهُوَ مُحْتَمل أما إِذا قُلْنَا هُوَ أهل الِالْتِقَاط فَإِن عرف وتملك بِإِذن السَّيِّد صَحَّ وَحصل الْملك للسَّيِّد وَإِن اسْتَقل بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي شِرَائِهِ لِأَنَّهُ تملك بعوض وَأولى بِالْفَسَادِ لِأَن البَائِع رَاض بِذِمَّتِهِ فَلَا يُطَالب السَّيِّد وَهَاهُنَا الْمُلْتَقط يتبع من لَهُ الْملك فيعرضه للمطالبة فَأَما الضَّمَان فَإِن تلف قبل مُضِيّ الْمدَّة فأمانة وَإِن تلف بعد مُضِيّ الْمدَّة والتملك فمضمون على السَّيِّد إِن أذن فِي التَّمَلُّك وَكَذَلِكَ إِذا أذن فِي قصد التَّمَلُّك وَبعد لم يجز التَّمَلُّك لِأَنَّهُ مَأْخُوذ على جِهَة التَّمَلُّك ويتلعق بِذِمَّة العَبْد أَيْضا لكَونه فِي يَده وَفِيه وَجه أَنه لَا يتَعَلَّق بالسيد كَمَا لَو أذن فِي الْغَصْب وَهُوَ ضَعِيف بل تشبيهه بِالْإِذْنِ فِي الشِّرَاء أولى وَإِن لم يكن أذن السَّيِّد فِيهِ فَيتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد وَلَا يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَة مِنْهُ وَهُوَ أَمَانَة وَقد تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة

وَفِيه وَجه أَنه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ وَجب بِغَيْر رضَا مُسْتَحقّه أما إِذا أتْلفه العَبْد بعد الْمدَّة فَالظَّاهِر أَنه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنه يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ كَمَا لَو أتلف الْمَبِيع كَأَن ذَلِك تسليط من الْمَالِك وَهَذَا تسليط على الْمَالِك من الشَّرْع فرعان أَحدهمَا الْمكَاتب نَص أَنه كَالْحرِّ فَمنهمْ من قطع بِهِ لِأَنَّهُ أهل الِاسْتِقْلَال وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله فَإِن عرف ملك بِنَفسِهِ وَإِن قُلْنَا لَيْسَ أَهلا فالسلطان ينتزعه من يَده وَلَيْسَ للسَّيِّد ولَايَة الانتزاع إِلَّا كَمَا للآحاد لِأَنَّهُ لَا يَد لَهُ على كَسبه الثَّانِي من نصفه حر وَنصفه رَقِيق نَص أَنه كَالْحرِّ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه أهل كَالْحرِّ وَلم يكن مُهَايَأَة فَهُوَ مُشْتَرك بَينهمَا كَسَائِر

أكسابه وكما لَو اشْترك رجلَانِ فِي اللّقطَة وَإِن كَانَ بَينهمَا مُهَايَأَة وَقُلْنَا إِن الْكسْب النَّادِر لَا يدْخل فِي الْمُهَايَأَة فمشترك وَإِن قُلْنَا يدْخل فَهُوَ لمن وَقع فِي نوبَته ويرعى قيمَة فِيهِ يَوْم الِالْتِقَاط أَو مُضِيّ مُدَّة التَّعْرِيف فِيهِ احْتِمَال أما الصَّبِي فَفِي الْتِقَاطه قَولَانِ كَمَا فِي العَبْد وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ أهل الِالْتِقَاط وطردوا ذَلِك فِي الْمَجْنُون وكل مَحْجُور عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أهل الِاكْتِسَاب فَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله انتزعه الْوَلِيّ من يَده ثمَّ يتَمَلَّك لَهُ بعد مُضِيّ الْمدَّة وَإِن قُلْنَا لَيْسَ أَهلا فَهُوَ فِي يَده فِي غير حق فلينتزع من يَده فَإِن أتْلفه الصَّبِي ضمنه وَإِن تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فَيلْزمهُ الضَّمَان أَيْضا وَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله وَتلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فِي يَده فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للأمانة

وَلَو أودع عِنْد الصَّبِي شَيْئا فَتلف لم يضمن وَإِن أتلف فَوَجْهَانِ بِالْعَكْسِ من اللّقطَة لِأَنَّهُ تسليط من الْمَالِك ثمَّ لَو علم الْوَلِيّ بذلك وَلم ينتزع من يَده حَتَّى تلف ضمن الْوَلِيّ بتقصيره فَإِنَّهُ مُلْتَزم حفظه عَن مثل ذَلِك الرُّكْن الثَّالِث فِيمَا يلتقط وَهُوَ كل مَال معرض للضياع وجد فِي عَامر من الأَرْض أَو غامرها فَإِن كَانَ حَيَوَانا نظر فَمَا يمْتَنع عَن صغَار السبَاع كَالْإِبِلِ وَفِي مَعْنَاهُ الْبَقر وَالْحمار لَا يجوز الْتِقَاطه وَمَا لَا يمْتَنع كالشاة والفصيل والجحش جَازَ الْتِقَاطه لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن اللّقطَة فَقَالَ أعرف غفاصها ووكائها وَعرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَك فَسئلَ عَن ضَالَّة الشَّاة فَقَالَ هى لَك أَو لأخيك أَو للذئب فَسئلَ عَن الْإِبِل فَغَضب حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه وَقَالَ مَالك وَلها مَعهَا سقاؤها وحذاؤها ترد المَاء وتأكل الشّجر ذرها حَتَّى يلقاها رَبهَا هَذَا إِن وجد فِي الصَّحرَاء فَإِن وجد الْحَيَوَان فِي الْعمرَان فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه كالصحاري لعُمُوم الْخَبَر فَيُفَرق بَين الصَّغِير وَالْكَبِير

وَالثَّانِي أَنه يلتقط الْكل إِذا تتناولها أَيدي النَّاس بِخِلَاف مَا فِي الصَّحرَاء وَالثَّالِث أَنه لَا يلتقط لَا الصَّغِير وَلَا الْكَبِير فَإِنَّهُ لَا يخَاف الصَّغِير هَاهُنَا من السبَاع بِخِلَاف الصَّحرَاء فَإِذا قُلْنَا لَا يلتقط الْبَعِير فَإِذا أَخذه ثمَّ تَركه على مَكَانَهُ لم يخرج من ضَمَانه فرعان أَحدهمَا اسْتثْنى صَاحب التَّلْخِيص الْبَعِير الذى وجد فِي أَيَّام منى وَقد قلد الْهدى وَقَالَ جَازَ أَخذه وذبحه اعْتِمَادًا على الْعَلامَة وَمن أَصْحَابنَا من خرج ذَلِك على أَن الْبَعِير إِذا وجد مذبوحا وَقد غمس منسمه فِي دَمه هَل يجوز أَن يُؤْكَل اعْتِمَادًا على هَذِه الْعَلامَة وَهَاهُنَا أولى بِالْمَنْعِ إِذْ لَا يبعد شرود الْبَعِير من صَاحبه فَلَا يرضى صَاحبه بنحر غَيره الثَّانِي إِذا وجد كَلْبا التقطه واختص بِالِانْتِفَاعِ بِهِ بعد التَّعْرِيف فَإِن الِانْتِفَاع بِهِ كالملك فِي غَيره وَفِيه احْتِمَال من حَيْثُ إِنَّه اخْتِصَاص بِغَيْر ضَمَان فيكاد يُخَالف مَوْضُوع اللّقطَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام اللّقطَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الأول الضَّمَان وَذَلِكَ يخْتَلف بِقَصْدِهِ فَإِن الْتقط على قصد أَن يحفظه لمَالِكه أبدا فَهُوَ أَمَانَة فِي يَده أبدا وَإِن قصد أَن يختزل فِي الْحَال فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ أبدا وَإِن قصد أَن يتملكها بعد السّنة فَهُوَ فِي السّنة أَمَانَة لَو تلف لَا ضَمَان فَإِذا مَضَت السّنة فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ وَإِن لم يتَمَلَّك لِأَنَّهُ صَار ممسكا لنَفسِهِ بِالْقَصْدِ السَّابِق فَهُوَ كالمأخوذ على جِهَة السّوم وَإِن لم يقْصد شَيْئا من ذَلِك وَأطلق الْأَخْذ فَإِن غلب مشابع الْأَمَانَة فَلَا ضَمَان وَإِن غلبنا مشابه الْكسْب ضمناه فرع إِذا قصد الْأَمَانَة أَولا ثمَّ تعدى بِالْفِعْلِ فِيهِ ضمن وَهل يضمن بِمُجَرَّد قصد الْخِيَانَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَالْمُودعِ لَا يضمن بِمُجَرَّد الْقَصْد وَالثَّانِي يضمن لِأَن الْمُودع مسلط عَلَيْهِ من جِهَة الْمَالِك وَالْأَصْل أَن إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه مضمن إِلَّا عِنْد قصد الْأَمَانَة

وَلِهَذَا قَطعنَا بِأَن الْمُلْتَقط على قصد الْخِيَانَة فِي الِابْتِدَاء يضمن وَفِي الْمُودع إِذا قصد الْخِيَانَة عِنْد الْأَخْذ وَجْهَان ثمَّ مهما صَار ضَامِنا فَلَو أنْفق التَّعْرِيف لم يكن لَهُ التَّمَلُّك فَإِنَّهُ جوز ذَلِك عِنْد وجود الْأَمَانَة وَفِيه وَجه آخر أَن يتَمَلَّك إِذْ الْعدوان لم يكن فِي عين السَّبَب وَإِنَّمَا كَانَ فِي قَصده وَلم يتَّصل بِهِ تَحْقِيق الحكم الثَّانِي التَّعْرِيف وَفِيه طرفان الأول فِيمَا يعرف وَيجب ذَلِك سنة فِي كل ملتقط إِلَّا مَا قل أَو تسارع الْفساد إِلَيْهِ أما الْقَلِيل فَمَا لَا يتمول كالزبيبة الْوَاحِدَة لَا تعرف أصلا وَمَا يتمول يعرف وَلَكِن لَا يجب تَعْرِيفه سنة وَالأَصَح أَنه لَا حد لَهُ بِتَقْدِير بل مَا يعرف أَنه يفتر صَاحبه عَن طلبه على الْقرب وَمِنْهُم من قدر بنصاب السّرقَة لِأَن مَا دونه تافه شرعا وَمِنْهُم من قَالَ الدِّينَار فَمَا دونه قَلِيل لما رُوِيَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ وجد

دِينَارا فَذكره لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره باستنفاقه ثمَّ مَا رَأَيْنَاهُ قَلِيلا فَفِي قدر التَّعْرِيف ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا مرّة وَاحِدَة إِذْ لَا ضبط للزِّيَادَة وَيدل عَلَيْهِ أثر عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِن إِظْهَاره لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كَافِيا وَالثَّانِي أَنه الْقدر الذى يوازي طلب الْمَالِك ومداومته عَلَيْهِ الثَّالِث أَنه يقدر بِثَلَاثَة أَيَّام حذارا من الْجَهَالَة أما مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد كالطعام وَأَمْثَاله فَإِن وجده فِي الصَّحرَاء جَازَ لَهُ أَن يَتَمَلَّكهُ أَو يَأْكُلهُ قبل التَّعْرِيف لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من الْتقط طَعَاما فليأكله

وتلحق الشَّاة بِالطَّعَامِ فَإِنَّهَا مطعومة وَلَا تبقى بِغَيْر نَفَقَته لَهُ وَلَا نَفَقَة لَهَا وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هى لَك أَو لأخيك أَو للذئب وَلم يَأْمر بالتعريف وَفِي إِلْحَاق الجحش وصغار الْحَيَوَانَات الَّتِى لَا تُؤْكَل بِالشَّاة وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا تبقى دون الْعلف وَالثَّانِي لَا لِأَن حكم المطعوم أسهل وَقد ورد الْخَبَر فِي الطَّعَام وَالشَّاة ثمَّ إِذا أكل أَو تملك فَفِي وجوب التَّعْرِيف بعده وَجْهَان أَحدهمَا يجب حذارا من الكتمان وَالثَّانِي لَا لعُمُوم الْخَبَر ولبعد وجود الْمَالِك فِيمَا الْتقط من الصَّحرَاء أما إِذا وجد الطَّعَام فِي عمرَان فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه كالصحراء لعُمُوم الْخَبَر

وَالثَّانِي أَنه يلْزمه أَن يَبِيعهُ فَإِن ثمنه قَابل للبقاء فَيكون بَدَلا عَنهُ وَفِي الصَّحرَاء يعجز عَنهُ فَإِن قُلْنَا يَبِيع فيتولاه بِنَفسِهِ إِن لم يجد قَاضِيا وَإِن وجد فَفِي جَوَاز استقلاله بِالْبيعِ وَجْهَان وَجه الْجَوَاز أَنه لَو نوع ولَايَة بِسَبَب الِالْتِقَاط ثمَّ مهما حصل الثّمن سلك بِهِ مَسْلَك عين اللّقطَة فِي الضَّمَان والتملك وَغَيره وَإِن قُلْنَا يَأْكُل ثمَّ يعرف بعده فَهَل يلْزمه تَمْيِيز قِيمَته ليعتمد التَّعْرِيف مَوْجُودا فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يُمَيّز فَلَا يتَعَيَّن لَهُ إِلَّا بِقَبض القَاضِي ثمَّ لَا يصير ملكا لرب اللّقطَة وَلَكِن فَائِدَته إِن يقدم الْمَالِك بِهِ على الْغُرَمَاء عِنْد إفلاسه وَيمْتَنع فِيهِ تصرف الْمُلْتَقط ويتلف فِي يَده أَمَانَة وَإِذا لم يظْهر حَتَّى مَضَت الْمدَّة فالأشهر أَنه لَا يرْتَفع الْحجر بل يحفظه أبدا لمَالِكه لِأَنَّهُ لَا عينهَا وَيحْتَمل أَن يرْتَفع الْحجر كَمَا لم يُمَيّز

الطّرف الثَّانِي فِي كَيْفيَّة التَّعْرِيف وَفِيه مسَائِل الأولى وَقت التَّعْرِيف عقب الِالْتِقَاط وَإِن عزم على التَّمَلُّك بعد سنة وَإِن لم يعزم على التَّمَلُّك أصلا أَو عزم بعد سنتَيْن فَهَل يلْزمه التَّعْرِيف فِي الْحَال فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن التَّعْرِيف تَعب فِي مُقَابلَة ثَمَرَة الْملك وَالثَّانِي يجب لِأَن الْمَقْصُود وُصُول الْحق إِلَى مُسْتَحقّه وَفِي تَأْخِيره إِضْرَارًا بِالْكِتْمَانِ فَإِن قُلْنَا يجب البدار فالبالتأجير يصير ضَامِنا ثمَّ يَنْبَغِي أَن يعرف فِي الِابْتِدَاء فِي كل يَوْم ثمَّ فِي كل جُمُعَة ثمَّ فِي كل شهر وَالْمَقْصُود أَن يعرف أَن الْأَخير تكْرَار الأول الثَّانِيَة مَكَان التَّعْرِيف مَكَان الِالْتِقَاط إِن كَانَ فِي عمَارَة فَإِن سَافر فليوكل غَيره بالتعريف وَإِن الْتقط فِي صحراء فَلَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ بلد وَلَكِن ليعرفه فِي الْبَلَد الذى يَنْتَهِي إِلَيْهِ ويقصده فَإِن الْإِمْكَان فِي سَائِر الْبِلَاد على وتيرة وَاحِدَة الثَّالِثَة يَنْبَغِي أَن يذكر بعض أَوْصَاف اللّقطَة فِي التَّعْرِيف كالغطاص والوكاء ليَكُون تَنْبِيها للْمَالِك وَهُوَ اسْتِحْبَاب أَو وجوب فِيهِ خلاف الرَّابِعَة مُؤنَة التَّعْرِيف لَا تلْزمهُ أَعنِي أُجْرَة الْمُعَرّف إِن قصد حفظه أَمَانَة

أبدا وَإِن قصد التَّمَلُّك وَلم يظْهر الْمَالِك فالمؤنة عَلَيْهِ وَإِن ظهر الْمَالِك فقد أطلق الْعِرَاقِيُّونَ أَنه على الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ يسْعَى لنَفسِهِ وَفِيه احْتِمَال لِأَن التَّعْرِيف طلب الْمَالِك فَهُوَ سعي فِي الْحَال لَهُ لَا سِيمَا إِذا ظهر وَإِذا قُلْنَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يسلم من بَيت المَال أَو من عين اللّقطَة فرع إِذا كَانَت اللّقطَة جحشا وَقُلْنَا يجب تَعْرِيفه بِخِلَاف الشَّاة فَلَيْسَ ذَلِك على الْمُلْتَقط قطعا وَإِنَّمَا هُوَ كَنَفَقَة الْجمال عِنْد هرب الْجمال فَإِن مست الْحَاجة إِلَى بيع جُزْء مِنْهُ فعلى ذَلِك قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِن كَانَ كَذَلِك فسيأكل نَفسه فَيلْحق بقبيل مَا يتسارع الْفساد إِلَيْهِ الحكم الثَّالِث التَّمَلُّك بعد مُضِيّ الْمدَّة وَهُوَ جَائِز إِذْ لم يقْصد الْخِيَانَة وَفِيه أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يحصل بِمُجَرَّد مُضِيّ السّنة فَإِنَّهُ قصد بالالتقاط الْملك عِنْده الثَّانِي أَنه لَا بُد من لفظ فمجرد الْقَصْد فَقَط لَا يُؤثر وَمَا مُضِيّ عزم لَا قصد وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي تَجْدِيد قصد عِنْد مُضِيّ السّنة وَالرَّابِع أَنه لَا بُد من تصرف يزِيل الْملك فَإِن فعله وَقَوله لَا يزِيد على الاستقراض وَثمّ لَا يملك إِلَّا بِالتَّصَرُّفِ على قَول

فرع إِذا وجد لقطَة فِي مَكَّة فَفِيهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يتَمَلَّك كَسَائِر الْبِلَاد وَالثَّانِي لَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حرم مَكَّة لَا ينفر صيدها وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا تحل لقطها إِلَّا لِمُنْشِد وَالْمرَاد بِهِ منشد على الدَّوَام وَإِلَّا فَأَي فَائِدَة لتخصيص مَكَّة الحكم الرَّابِع وجوب الرَّد إِذا ظهر مَالِكه وَيعرف ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ فَإِن أطنب فِي الْوَصْف وَغلب على الظَّن صدقه جَازَ التَّسْلِيم إِلَيْهِ وَفِي وجوب ردهَا دون إِقَامَة الْبَيِّنَة خلاف مِنْهُم من أوجب إِذْ تَكْلِيف الْبَيِّنَة عسر وَمِنْهُم من قَالَ رُبمَا يكون قد عرف الْوَصْف بِوَصْف الْمَالِك الفاقد

وَلَعَلَّ الأولى الِاكْتِفَاء بقول عدل وَاحِد لحُصُول الثِّقَة فرعان أَحدهمَا إِذا سلمه إِلَى الواصف فَظهر الْمَالِك فَيُطَالب الواصف أَو الْمُلْتَقط من شَاءَ مِنْهُم وَيرجع الْمُلْتَقط على الواصف إِلَّا إِذا كَانَ اعْترف لَهُ بِالْملكِ فَلَا يقدر على الرُّجُوع الثَّانِي إِذا ظهر الْمَالِك بعد أَن تملكه فَإِن تلف رد قِيمَته يَوْم التَّمَلُّك وَإِن كَانَت قَائِمَة فَفِي لُزُوم رد الْعين وَجْهَان كمثله فِي رُجُوع الْمُسْتَقْرض وَإِن كَانَت مَعِيبَة فَأَرَادَ أَن يردهَا وَيضم الْأَرْش إِلَيْهَا وَامْتنع الْمَالِك وَقَالَ أُرِيد الْقيمَة فَأَيّهمَا يُجَاب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمَالِك لِأَن الْعين بعد التَّمَلُّك تزاد للتقريب فِي حُصُول الْجَبْر وَقد فَاتَ بِالْعَيْبِ وَجه الْجَبْر وَالثَّانِي الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ لَا يزِيد على الْغَاصِب وللغاصب رد الْعين من الْأَرْش ثمَّ إِذا رد فَلَو طَالب من الْمَالِك أجرت الرَّد لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ قد نَادَى الْمَالِك بِأَن من رد لقطتي فَلهُ كَذَا فَيسْتَحق مَا سمي على مَا فصلناه فِي كتاب الْجعَالَة عقيب الْإِجَارَة وَالله أعلم

= كتاب اللَّقِيط = وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الِالْتِقَاط وَأَحْكَامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَما الْأَركان فَثَلَاثَة الأول نفس الِالْتِقَاط وَهُوَ عبارَة عَن أَخذ صبي ضائع لَا كافل لَهُ وَهُوَ فِي نَفسه فرض على الْكِفَايَة لِأَنَّهُ تعاون على الْبر وإنقاذ عَن الْهَلَاك وَفِي وجوب الْإِشْهَاد عَلَيْهِ خلاف مُرَتّب على الْإِشْهَاد على اللّقطَة وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الاسترقاق مخوف فِيهِ وَمن الْأَصْحَاب من أوجب ذَلِك على المستور على الْعدْل ثمَّ إِذا شرطناه فمهما تَركه لم يثبت لَهُ ولَايَة الْحَضَانَة وَجَائِز الانتزاع من يَده وَكَأَنَّهَا ولَايَة لَا تثبت إِلَّا بعد الشَّهَادَة الرُّكْن الثَّانِي اللَّقِيط وَلَا يشْتَرط فِيهِ إِلَّا الْحَاجة إِلَى كافل فَإِن كَانَ لَهُ ملتقط سبق إِلَيْهِ أَو أَب أَو أم أَو قريب فَلَا معنى لالتقاطه وَكَذَا إِن كَانَ بَالغا وَإِن كَانَ دون سنّ التَّمْيِيز فَيجب الْتِقَاطه وَفِيمَا بعد التَّمْيِيز إِلَى الْبلُوغ تردد فَإِنَّهُ قريب الشُّبْهَة من الْإِبِل من جملَة اللّقطَة إِذْ لَهُ نوع اسْتِقْلَال

الرُّكْن الثَّالِث الْمُلْتَقط وأهلية الِالْتِقَاط ثَابِتَة لكل حر مُكَلّف مُسلم عدل رشيد أما العَبْد وَالْمكَاتب فَلَا يتفرعان للالتقاط فَإِن التقطا انتزع من أَيْدِيهِمَا وَلَا ولَايَة لَهما على الْحَضَانَة إِلَّا أَن يَأْذَن السَّيِّد فَيكون هُوَ الْمُلْتَقط وَالْعَبْد نَائِب فِي الْأَخْذ وَأما الْكَافِر فَهُوَ أهل الِالْتِقَاط للْكَافِرِ لَا الْمُسلم فَإِنَّهُ نوع ولَايَة نعم للْمُسلمِ الْتِقَاط الْكَافِر وَأما الْفَاسِق فَلَا يأتمنه الشَّرْع والمستور لَهُ الِالْتِقَاط ثمَّ لَو قصد المسافرة بِهِ مَنعه القَاضِي إِلَّا أَن تعرف عَدَالَته وَأما المبذر وَإِن لم يكن فَاسِقًا فَلَيْسَ أَهلا لأمانات الشَّرْع وَأما الْفَقِير وَهُوَ على الله رزقهم وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها آخر أَنه ينتزع من يَده نظرا للصَّبِيّ فَإِن قيل فَلَو ازْدحم ملتقطان قُلْنَا أما غير الْأَهْل فَلَا يزاحم الْأَهْل كَمَا سبق وَإِن كَانَ لَو وَاحِد أَهلا فَيقدم الْغَنِيّ على الْفَقِير نظرا للصَّبِيّ والبلدي على

الْقَرَوِي وَيقدم الْقَرَوِي على البدوي لما فِيهِ من النّظر للصَّبِيّ فِي اتساع معيشة الْبِلَاد وَحسن الْأَخْلَاق فِيهَا وَلَا تقدم الْمَرْأَة على الرجل وَإِن قدمت الْأُم على الْأَب فِي الْحَضَانَة لِأَن الْأُم أرْفق من أَجْنَبِيَّة يستأجرها الْأَب وَهَا هُنَا الْأَجْنَبِيَّة تشْتَمل الْجَانِبَيْنِ وَفِي تَقْدِيم الظَّاهِر الْعَدَالَة على المستور خلاف مِنْهُم من قَالَ لَا يقدم الظَّاهِر الثروة على الْمُتَوَسّط لِأَن المستور يزْعم أَن التَّقْصِير مِمَّن لم يطلع على عَدَالَته وَمِنْهُم من قَالَ يقدم لِأَن أصل الْعَدَالَة شَرط للأهلية فظهورها يُوجب التَّرْجِيح فَإِن تَسَاويا فِي الصِّفَات قدم السَّابِق على الْآخِذ وَهل يقدم السَّابِق إِلَى الْوُقُوف على رَأسه قبل الْآخِذ فِيهِ تردد فَإِن تَسَاويا أَقرع بَينهمَا إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْقِسْمَة وَلَا إِلَى الْمُهَايَأَة إِذْ يستضر الصَّبِي بتبديل الْيَد بعد الْألف وَقَالَ ابْن أبن أبي هُرَيْرَة يقره القَاضِي فِي يَد من يرَاهُ مِنْهُمَا وَلَو اخْتَار الصَّبِي أَحدهمَا فَلَا نظر إِلَيْهِ إِذْ لَا مُسْتَند لميله بِخِلَاف اخْتِيَار الصَّبِي أحد الْأَبَوَيْنِ فَإِن ذَلِك يسْتَند إِلَى تجربة وامتحان

فرع إِذا مست الْحَاجة إِلَى الْقرعَة فَأَعْرض أَحدهمَا يسلم إِلَى الآخر وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يجوز ذَلِك بل يخرج القَاضِي الْقرعَة باسمه فَإِن خرج عَلَيْهِ ألزم فَإِنَّهُ وَجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِالْحِفْظِ بعد الْأَخْذ وَهُوَ بعيد هَا هُنَا نعم فِي الدَّوَام لَو أَرَادَ الْمُنْفَرد باللقيط أَن يردهُ إِلَى مَوْضِعه لم يجز وَإِن سلمه إِلَى القَاضِي لعَجزه جَازَ وَإِن تبرم بِهِ مَعَ الْقُدْرَة فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه فرض كِفَايَة وَقد شرع فِيهِ وَقدر عَلَيْهِ فَصَارَ مُتَعَيّنا أما حكم الِالْتِقَاط فَهُوَ الْحَضَانَة والإنفاق أما الْحَضَانَة فواجبه وكيفيتها لَا تخفى وَمهما الْتقط فِي بلد لم يجز أَن يحول إِلَى بادية وَلَا إِلَى قَرْيَة لِأَن فِيهِ تضييق الْمَعيشَة وَلَو الْتقط فِي بادية أَو قَبيلَة فَنقل إِلَى الْبَلَد جَازَ لِأَنَّهُ أرْفق بِهِ وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز لِأَن ظُهُور نسبه فِي مَحل الْتِقَاطه متوقع وَلَو نقل من بلد مثله فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لتساوي المعاش

وَالثَّانِي الْمَنْع لتوقع ظُهُور النّسَب فِي مَحل الِالْتِقَاط مَعَ اتساع الْمَعيشَة فِي مَحل الِالْتِقَاط لَو وجده فِي صحراء خَال فَلهُ أَن يَنْقُلهُ إِلَى أَي مَوضِع شَاءَ إِذْ سَائِر الْمَوَاضِع إِمَّا مثله أَو أصلح مِنْهُ أما الْإِنْفَاق فَإِن كَانَ لَهُ مَال فَهُوَ من مَاله وَمَاله بِالْوَصِيَّةِ للقيط وَالْوُقُوف عَلَيْهِ وَالْهِبَة مِنْهُ ويقبلها القَاضِي ويقبضها أَو بِأَن يُوجد مَعَه مَال مشدود على ثَوْبه أَو فرس مربوط عَلَيْهِ أَو يُوجد فِي دَار فَتكون الدَّار لَهُ لِأَن أصل اللَّقِيط على الْحُرِّيَّة وَمعنى الْيَد الِاخْتِصَاص وَإِن كَانَ بِالْقربِ مِنْهُ مَال مَوْضُوع أَو بَهِيمَة مشدودة بشجرة فَفِيهَا وَجْهَان وَهُوَ تردد فِي هَذَا الْقدر هَل يعد اختصاصا وَإِن كَانَ المَال مَدْفُونا تَحْتَهُ فَلَا اخْتِصَاص لَهُ بِهِ فَإِن وجد مَعَه رقْعَة فِيهَا أَن المَال المدفون تَحْتَهُ لَهُ فَالْأَظْهر أَنه لَهُ وَفِيه وَجه أَنه لَا تعويل على الرقعة

ثمَّ الْمُلْتَقط لَيْسَ لَهُ أَن ينْفق مَاله عَلَيْهِ بِغَيْر إِذن القَاضِي فَإِن فعل ضمن إِذْ لَا ولَايَة لَهُ إِلَّا على نَفسه بِالْحِفْظِ وَهل لَهُ حفظ مَاله دون إِذن القَاضِي وَفِيه وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَنه تَابع للْمَالِك وَله حفظ الْمَالِك وَإِن أنْفق بِغَيْر إِذن القَاضِي لِأَنَّهُ لم يجد قَاضِيا وَأشْهد فَالظَّاهِر أَنه لَا يضمن وَإِن لم يشْهد فَقَوْلَانِ ذكرنَا نظيرهما فِي هرب الْجمال أما إِذا لم يكن لَهُ مَال فَلَا يجب على الْمُلْتَقط من مَاله بِحَال وَلَكِن ينْفق عَلَيْهِ من بَيت المَال فَإِن لم يكن فَيجمع من أهل الْيَسَار من الْمُسلمين لِأَنَّهُ عِيَال عَلَيْهِم ثمَّ لَا رُجُوع عَلَيْهِ بعده وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ إِن القَاضِي يستقرض إِمَّا من بَيت المَال أَو من مُوسر ينْفق عَلَيْهِ فَإِن ظهر أَن اللَّقِيط عبد رَجَعَ على مَوْلَاهُ وَإِن ظهر حرا مُوسِرًا أَو مكتسبا رَجَعَ عَلَيْهِ فِي كَسبه ويساره وَإِن كَانَ عَاجِزا قَضَاهُ من سهم الْمَسَاكِين والفقراء من الصَّدقَات إِذْ لَا معنى لإلزامه من غير هَذِه الْجِهَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي معرفَة حَال اللَّقِيط فِي الْإِسْلَام وَالنّسب وَالْحريَّة وَغَيرهَا وَفِيه أَرْبَعَة أَحْكَام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحكم الأول الْإِسْلَام وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى مَا يعرف بِمُبَاشَرَة وَإِلَى مَا يعرف بتبعية أما الْمُبَاشرَة فَيصح من الْبَالِغ الْعَاقِل وَلَا يَصح من الصَّبِي فِي الظَّاهِر الْمَذْهَب نعم نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن صبي الْكَافِر إِذا وصف الْإِسْلَام حيل بَينه وَبَين أَبَوَيْهِ فَمنهمْ من قَالَ هَذَا محتوم وَهُوَ حكم بِصِحَّة الْإِسْلَام فَخَرجُوا مِنْهُ قولا مثل مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ اسْتِحْبَاب بعد استعطاف الْوَالِدين فَإِن أَبَيَا لم نجبرهما عَلَيْهِ وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق إِذا أضمر الصَّبِي الْإِسْلَام كَمَا أظهره حكمنَا لَهُ بالفوز فِي الْآخِرَة وَإِن كُنَّا لَا نحكم بِهِ لصبيان الْكفَّار بِسَبَب تعَارض الْأَخْبَار وَعبر عَن هَذَا بِأَن إِسْلَامه صَحِيح بَاطِنا لَا ظَاهرا وَمِنْهُم من قَالَ إِن إِسْلَامه مَوْقُوف فَإِن أعرب بعد الْبلُوغ عَن الْإِسْلَام تَبينا صِحَّته من أَصله أما التّبعِيَّة فلهَا ثَلَاث وجهات الْجِهَة الأولى تَبَعِيَّة الْوَالِدين فَإِن حصل الْعلُوق من مُسلم أَو الْولادَة من مسلمة فَالْوَلَد مُسلم قطعا فَإِن أظهر الْكفْر بعد الْبلُوغ فَهُوَ مُرْتَد أما إِذا انْفَصل على الْكفْر فَأسلم أحد

أَبَوَيْهِ حكم بِإِسْلَامِهِ فِي الْحَال وَكَذَا إِسْلَام الأجداد والجدات عِنْد عدم من هُوَ أقرب مِنْهُ وَمَعَ وجود الْأَقْرَب فِيهِ خلاف وَأَحْكَام الْإِسْلَام جَارِيَة على هَذَا الصَّبِي فِي الْحَال فَإِن بلغ وأعرب عَن الْإِسْلَام اسْتَقر أمره وَإِن أظهر الْكفْر فَقَوْلَانِ مرتبان أَحدهمَا أَنه مُرْتَد لَا يقر عَلَيْهِ فَلَا ينْقض مَا سبق من الْأَحْكَام المبينة على الْإِسْلَام كالمنفصل من الْمُسلمين وَالثَّانِي أَنه كَافِر أُصَلِّي يُقرر بالجزية وَلَا يجْبر على الْإِسْلَام لِأَن التّبعِيَّة فِي الْإِسْلَام بعد الِانْفِصَال ضَعِيف وَإِنَّمَا حكم بِهِ فِي الْحَال بِشَرْط أَن يسْتَمر فَإِذا اسْتَقل فالنظر إِلَى استقلاله أولى فعلى هَذَا مَا سبق من أَحْكَام الْإِسْلَام بعد الْبلُوغ وَقبل الْإِعْرَاب من إِجْزَاء عتقه عَن كَفَّارَة أَو توريثه من مُسلم أَو نِكَاحه مسلمة كل ذَلِك منقوض وَمَا سبق فِي حَالَة الصَّبِي هَل يتَبَيَّن إنتقاضه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا بعد الْبلُوغ وَالثَّانِي لَا إِذْ لَو حكمنَا بِهِ لأوجب ذَلِك الْوَقْف فِي الْأَحْكَام للتوقف فِي الْإِسْلَام بل الحكم بِالْإِسْلَامِ مجزوم مَا دَامَ سَبَب التّبعِيَّة قَائِما وَهُوَ الصَّبِي

وَإِنَّمَا يَنْقَطِع بِالْبُلُوغِ فَبعد الْبلُوغ يتَوَقَّف إِلَى إعرابه فروع على هَذَا القَوْل أَحدهَا إِذا بلغ وَجرى تصرف يَسْتَدْعِي الْإِسْلَام كعتق عَن كَفَّارَة أَو موت قريب مُسلم فَمَاتَ اللَّقِيط قبل أَن يعرب بالْكفْر أَو الْإِسْلَام فَفِي نقض التَّصَرُّف وَجْهَان أَحدهمَا ينْقض إِذْ الأَصْل بعد الْبلُوغ الِاسْتِقْلَال وَلم يسْتَقلّ بِالْإِسْلَامِ فَكيف يقدر إِسْلَامه وَالثَّانِي أَنه لم يعرب أَيْضا بالْكفْر وَالْإِسْلَام غَالب وَقد سبق الحكم بِهِ فيستصحب إِلَى أَن يظْهر الْإِعْرَاب عَن الْكفْر وَالثَّانِي لَو قَتله مُسلم قبل الْبلُوغ فالقصاص لَا يمْتَنع بِسَبَب توهم الْكفْر بعد الْبلُوغ وَلَو قتل بعد الْبلُوغ وَقبل الْإِعْرَاب فَإِن قُلْنَا لَو أعرب بالْكفْر لنقض الْأَحْكَام فَلَا قصاص وَإِن قُلْنَا لَا ينْقض فَفِيهِ تردد وميل النَّص إِلَى سُقُوطه للشُّبْهَة وَنَصّ مَعَ هَذَا على أَن الْوَاجِب دِيَة مُسلم وَهَذَا يدل على أَن الْإِسْلَام مستصحب فِي سَائِر الْأَحْكَام وَإِنَّمَا سقط الْقصاص للشُّبْهَة الثَّالِث قَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن مَاتَ هُوَ قبل الْإِعْرَاب يَرِثهُ حميمه الْمُسلم وَإِن مَاتَ حميمه الْمُسلم فإرثه مَوْقُوف وَمَعْنَاهُ أَن يُقَال لَهُ أعرب فَإِن مَاتَ قبل الْإِعْرَاب فَيَنْبَغِي أَن نقضي بِتَقْدِير الأول

عَلَيْهِ بِنَاء على اسْتِصْحَاب حكم الْإِسْلَام الرَّابِع الْمَجْنُون إِذا بلغ مَجْنُونا فَهُوَ كَالصَّبِيِّ فِي جملَة هَذِه الْأَحْكَام وَإِن بلغ عَاقِلا كَافِرًا ثمَّ جن ثمَّ أسلم أحد أَبَوَيْهِ فَفِي التّبعِيَّة خلاف كَمَا فِي عود ولَايَة المَال الْجِهَة الثَّانِيَة تَبَعِيَّة السابي فالمسلم إِذا اسْترق صَبيا حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا لَهُ فَإِن الاسترقاق كَأَنَّهُ إِيجَاد مُسْتَأْنف وَإِن كَانَ مَعَه أَبَوَاهُ لم يحكم بِهِ لِأَن تَبَعِيَّة الْأَبَوَيْنِ أقوى من تَبَعِيَّة السابي فَلَو مَاتَ بعد ذَلِك أَبَوَاهُ اطرد كفره لِأَن النّظر إِلَى الِابْتِدَاء فِي تَبَعِيَّة السابي وَلَو استرقه ذمِّي فَالظَّاهِر أَنه لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ ثمَّ لَو بَاعه بعد ذَلِك من مُسلم لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ لفَوَات الِابْتِدَاء وَفِيه وَجه أَنه يحكم بِإِسْلَامِهِ لأَنا نجْعَل وُقُوع الصَّبِي فِي يَد المسترقى كوقوعه فِي دَار الْإِسْلَام وَالذِّمِّيّ كَالْمُسلمِ فِي كَونه من دَار الْإِسْلَام ثمَّ مهما حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا للسابي فَبلغ وَأعْرض بالْكفْر فَحكمه مَا سبق فِي تَبَعِيَّة الْأَبَوَيْنِ الْجِهَة الثَّالِثَة تَبَعِيَّة الدَّار وكل لَقِيط يُوجد فِي دَار الْإِسْلَام فَهُوَ مَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ لغَلَبَة الْإِسْلَام إِلَّا فِي

بَلْدَة كثر الْكفَّار فِيهَا وانجلي الْمُسلمُونَ عَنهُ حَتَّى لم يبْق مِنْهُم وَاحِد وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يحكم الْإِسْلَام إِذْ لَا يَخْلُو عَن مُسلم مستسر بِالْإِسْلَامِ أما مَا يُوجد فِي دَار الْكفْر فَهُوَ كَافِر وَإِن كَانُوا مُسلمُونَ يجتازون بهَا مسافرين وَإِن كَانَ فِيهَا سكان من الْأُسَارَى والتجار فَفِيهِ وَجْهَان لتعارض غَلَبَة نِسْبَة الدَّار مَعَ تَغْلِيب الْإِسْلَام ثمَّ هَذَا الصَّبِي إِذا بلغ وَأظْهر الْكفْر مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ كَمَا فِي تَبَعِيَّة المسترق والوالدين وَمِنْهُم من قطع هَاهُنَا بِأَنَّهُ كَافِر أُصَلِّي لِأَن تَبَعِيَّة الدَّار فِي غَايَة الضعْف ثمَّ هَؤُلَاءِ ترددوا فِي تَنْفِيذ أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَيْهِ فِي الصَّبِي وَمَال صَاحب التَّقْرِيب إِلَى التَّوَقُّف وَهَذَا يُعَكر على إِطْلَاق القَوْل بِالْإِسْلَامِ وأيد صَاحب التَّقْرِيب هَذَا باخْتلَاف القَوْل فِي وجوب الْقصاص على قَاتله الْمُسلم وَقَالَ لَا مَأْخَذ لَهُ إِلَّا هَذَا التَّوَقُّف

فرع الْمَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ تَابعا للدَّار لَو أَقَامَ ذمِّي بَيِّنَة على نسبه ألحق بِهِ وَتَبعهُ فِي الْكفْر وَتغَير مَا ظنناه من الْإِسْلَام وَإِن استلحق من غير بَيِّنَة ثَبت النّسَب وَفِي الحكم بِكُفْرِهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن تَبَعِيَّة الْأَب أقوى من تَبَعِيَّة الدَّار وَالدّين يتبع النّسَب هَاهُنَا وَالثَّانِي أَن ذَلِك أقوى إِذا لم يسْبق الحكم وَأما تسليط الذِّمِّيّ على الِاسْتِقْلَال بِإِبْطَال حكمنَا فبعيد الحكم الثَّانِي فِي اللَّقِيط جِنَايَته فِي الصَّبِي وَأرش خطئه على بَيت المَال وَإِن جنى عَلَيْهِ خطأ فالأرش لَهُ وَإِن كَانَ مُوجبا للقود نظر فَإِن كَانَ فِي النَّفس فقد اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقصاص أما وُجُوبه فَظَاهر لِأَنَّهُ مَعْصُوم مُسلم وَأما إِسْقَاطه فَاخْتلف فِي تقليه فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ سَببه أَن لَا وَارِث لَهُ وَأَنه يثبت للمجانين وَالصبيان وَسَائِر الْمُسلمين فَكيف يسْتَوْفى وعَلى هاذ لَو قتل من لَا وَارِث لَهُ فَلَا قصاص وَكَذَا كل

قصاص خَلفه من لَا وَارِث لَهُ فَلَا قصاص عَلَيْهِ وزيف صَاحب التَّقْرِيب هَذَا لِأَن الِاسْتِحْقَاق لَا ينْسب إِلَى آحَاد المجانين وَالصبيان بل إِلَى جِهَة الْإِسْلَام وَعلل بِأَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يدل على توقفه فِي الْإِسْلَام بتبعية الدَّار لانتظار تغيره بعد الْبلُوغ وَأما إِذا قطع طرفه فعلى طرْقَة الْأَصْحَاب يجب الْقصاص لتعين الْمُسْتَحق وعَلى طَريقَة صَاحب التَّقْرِيب يتَوَقَّف فَإِن أعرب عَن نَفسه بِالْإِسْلَامِ إِذا بلغ تبين الْوُجُوب وَإِلَّا فَلَا هَذَا إِذا كَانَ الْقَاطِع مُسلما فَإِن كَانَ ذِمِّيا فَلَا توقف من جِهَة الْإِسْلَام فَإِن قيل وَالْإِمَام هَل يَسْتَوْفِي الْقصاص قُلْنَا إِن كَانَ فِي النَّفس فيستوفيه إِن رَآهُ أَو يَأْخُذ الدِّيَة لبيت المَال إِذْ لَا معنى للتوقف وَلَو منع من أَخذ الْبَدَل لصار الْقصاص حدا وَإِن كَانَ فِي طرف فالمستحق هُوَ اللَّقِيط فَلَا يَسْتَوْفِيه لِأَن الْوَلِيّ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَسْتَوْفِي الْقصاص وَحكي عَن الْقفال وَجه أَن السُّلْطَان يَسْتَوْفِي الْقصاص فِي طرف الْمَجْنُون لِأَنَّهُ لَا ينْتَظر لإفاقته وَقت مَخْصُوص

وَهل للْإِمَام أَن يَأْخُذ الْأَرْش فِي الْحَال نظر فَإِن وَجب لصبي غَنِي فَلَا وَإِن وَجب لمَجْنُون فَقير فَيَأْخُذ للْحَاجة وَعدم الِانْتِظَار فَإِن وَجب لصبي فَقير أَو لمَجْنُون غَنِي فَوَجْهَانِ لوُجُود أحد الْمَعْنيين فَإِن قُلْنَا لَا يَأْخُذ فَيحْبس من عَلَيْهِ الْقصاص إِلَى الْإِفَاقَة وَالْبُلُوغ وَلَا يُبَالِي بطول الْحَبْس فَإِن تَفْوِيت الْحق غير مُمكن وَإِن قُلْنَا يَأْخُذ فَبلغ الصَّبِي وانتهض لطلب الْقصاص فَفِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَن الْأَخْذ للْحَيْلُولَة أم هُوَ إِسْقَاط للْقصَاص بِحكم ظُهُور الْمصَالح ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب ولَايَة أَخذ المَال إِن جَعَلْنَاهُ إِسْقَاطًا فَلَا يثبت للْوَصِيّ وَإِن جعل للْحَيْلُولَة فيثب لَهُ الحكم الثَّالِث نسب اللَّقِيط وَفِيه مسَائِل الأولى إِن ظهر إِنْسَان وَزعم أَنه وَالِده الْحق بِمُجَرَّد الدَّعْوَى إِذْ لَا مُنَازع وَإِقَامَة الْبَيِّنَة على النّسَب عسير نعم إِن بلغ الصَّبِي وَأنكر فَهَل يَنْقَطِع وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ تمّ الحكم بِهِ

وَالثَّانِي نعم كَمَا إِذا استلحق بَالغا فَأنكرهُ فَإِنَّهُ لَا يثبت وَإِن كَانَ الْمُسْتَلْحق هُوَ الْمُلْتَقط نَفسه يثبت النّسَب وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يثبت لِأَنَّهُ لَا ينْبذ ولد نَفسه ثمَّ يلتقطه إِلَّا إِذا كَانَ لَا يعين أَوْلَاده فقد يفعل ذَلِك تفاؤلا الثَّانِيَة لَو جَاءَ عبد واستلحقه نَص هَاهُنَا على أَنه يلْحقهُ وَنَصّ فِي الدَّعَاوَى على أَنه لَيْسَ أَهلا فَقَالَ الْأَصْحَاب قَوْلَيْنِ الصَّحِيح أَنه أهل إِذْ إِمْكَان النّسَب للرقيق حَاصِل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يقطع وَلَاء السَّيِّد بِهِ عَن نَفسه ثمَّ الصَّحِيح على هَذَا أَن الْحر لَو استلحق صَبيا رَقِيقا لحقه وَمِنْهُم من منع لهَذِهِ الْعلَّة وَهُوَ قطع الْحر بِدَعْوَاهُ وَلَاء السَّيِّد الثَّالِثَة الْمَرْأَة إِذا استلحقت فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يلْحق بهَا كَالرّجلِ

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَو ألحق بهَا للحق زَوجهَا وَقبُول قَوْلهَا على زَوجهَا محَال والإلحاق بهَا دونه محَال وَالثَّالِث أَنه يلْحق الخلية دون ذَوَات الزَّوْج لما ذَكرْنَاهُ الرَّابِعَة إِذا تداعى رجلَانِ نسب مَوْلُود فَلَا يقدم حر على عبد وَلَا مُسلم على كَافِر بل يتساويان نعم صَاحب الْيَد يقدم بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن لَا تكون يَده يَد الْتِقَاط فَإِن يَد الِالْتِقَاط لَا تدل على النّسَب نعم تدل على الْحَضَانَة وَالثَّانِي أَن يكون صَاحب الْيَد قد استلحق من قبل فَإِن لم يسمع استلحاقه إِلَّا عِنْد دَعْوَى الثَّانِي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقدم إِذا لَا دلَالَة لليد إِذْ لم يقارنه استلحاق وَالثَّانِي نعم لِأَن الْيَد على الْجُمْلَة دَالَّة وَلَعَلَّ الِاسْتِلْحَاق كَانَ وَلم يبلغنَا فرعان أَحدهمَا إِذا أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة على أَنه وَلَده تَعَارَضَتَا وتهاترتا إِذْ لَا سَبِيل إِلَى قَول الْقِسْمَة وَلَا إِلَى قَول الْوَقْف فَإِنَّهُ لَا يزِيد فَائِدَة

وَلَا يجْرِي قَول الإقراع أَيْضا إِذْ النّسَب لَا يثبت بِالْقُرْعَةِ وَلَو تنَازعا فِي الْحَضَانَة وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة على الِالْتِقَاط فَإِن شهِدت لأَحَدهمَا بِالسَّبقِ فِي الِالْتِقَاط فَهُوَ مقدم فِي الْحَضَانَة وَإِن كُنَّا نتردد فِي مثله فِي الإملاك لِأَن حق الْحَضَانَة لَا ينْتَقل وَالْملك قد ينْتَقل وَكَذَلِكَ لَو كَانَ أَحدهمَا صَاحب يَد قدمت بَينته لِأَنَّهَا دلَالَة الِالْتِقَاط كبينة الدَّاخِل وَإِن تَعَارضا من كل وَجه فإمَّا قَول التهاتر وَإِمَّا قَول الْقرعَة وَلَا سَبِيل إِلَى التَّوَقُّف وَالْقِسْمَة الثَّانِي إِذا بلغ الْغُلَام وَقد تَعَارَضَت الدَّعَاوَى أَو الْبَينَات خيرناه بَينهمَا وأمرناه بالتعويل على حَرَكَة الْبَاطِن من جِهَة الجبلة لَا على مَحْض التشهي فَإِن الْتحق بِأَحَدِهِمَا ثمَّ رَجَعَ لم يُمكن بِخِلَاف الصَّبِي الْمُخَير بَين الْأَبَوَيْنِ لِأَن ذَلِك يعْتَمد الشَّهْوَة فَلَو ظهر قائف فَيقدم قَول الْفَاسِق على التحاقه لِأَنَّهُ أقوى وَإِن الْقَائِف بَيِّنَة على خلَافَة قدمت الْبَيِّنَة لِأَنَّهَا أقوى من قَول الْقَائِف وَفِي حكم اخْتِيَار اللَّقِيط بعد التَّمْيِيز وَقبل الْبلُوغ خلاف

الحكم الرَّابِع رقّه وحريته وللقيط أَرْبَعَة أَحْوَال الْحَالة الأولى إِذا لم يدع أحد رقّه فَالْأَصْل فِيهِ الْحُرِّيَّة فِي كل مَا يَخُصُّهُ وَلَا يتَعَلَّق بِغَيْرِهِ فينبني فِيهِ الْأَمر على الأَصْل إِذْ يحكم لَهُ بِالْملكِ وَيصرف مَاله إِلَى بَيت المَال إِذا مَاتَ وَلَو جنى فالأرش على بَيت المَال لِأَنَّهُ لم يتَوَقَّف فِي تَوْرِيث بَيت المَال مِنْهُ فَكَذَا فِي تغريمه لِأَنَّهُ بإزائه أما مَا يتَعَلَّق بِالْغَيْر فَإِن أتلف متْلف مَاله وغرمه لَهُ إِذا الْغرم لَا بُد مِنْهُ وَلَا أرب للغارم فِي مصرفه وَإِن قَتله عبد قتل بِهِ وَإِن قَتله حر فحاصل الْخلاف ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب الْقصاص أَو الدِّيَة فَإِن الأَصْل الْحُرِّيَّة إِلَى أَن يظْهر نقيضه وَلم يظْهر

وَالثَّانِي أَنه تجب الدِّيَة دون الْقصاص لِأَن الْقصاص يسْقط بِالشُّبْهَةِ وَهَذِه شُبْهَة ظَاهِرَة وَالثَّالِث أَنه يجب أقل الْأَمريْنِ من الدِّيَة أَو الْقيمَة إِذْ لَا تشغل الذِّمَّة البرئية إِلَّا بِيَقِين وَقد ذكرنَا قولا فِي سُقُوط قصاص من لَا وَارِث لَهُ على التَّعْيِين فَذَلِك القَوْل عَائِد هَاهُنَا وَإِنَّمَا الْأَوْجه الثَّلَاثَة تَفْرِيع على القَوْل الآخر الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَدعِي مُدع نرقة بِغَيْر بَيِّنَة فَإِن لم يكن فِي يَده فَلَا تقبل دَعْوَاهُ وَكَذَا إِن كَانَ فِي يَده وَالْيَد يَد الِالْتِقَاط لأَنا عرفنَا مُسْتَنده وَفِيه وَجه أَنه يحكم لَهُ بِالرّقِّ بيد الِالْتِقَاط كمن وجد ثوبا فِي طَرِيق فَادّعى ملكه وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا حق للثوب فِي الانفكاك عَن الْملك وللصبي حق فِيهِ وَإِن لم تكن يَد الِالْتِقَاط بل وَجَدْنَاهُ فِي يَده وَهُوَ يزْعم أَنه رَقِيقه فَهُوَ مُصدق فَإِن بلغ الصَّبِي فَأنْكر فَفِي احْتِيَاج السَّيِّد إِلَى الْبَيِّنَة وَجْهَان سبق نظيرهما فِي النّسَب الْحَالة الثَّالِثَة أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة على الرّقّ مُطلقًا فحاصل الْمَذْهَب ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تسمع كالبينة على الْملك وَالثَّانِي لَا بُد من ذكر السَّبَب لِأَن أَمر الرّقّ خطير وَرُبمَا عولت الْبَيِّنَة على ظَاهر

الْيَد وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَن يَد الْمُدَّعِي إِن كَانَت عَن جِهَة الِالْتِقَاط فَلَا بُد من ذكر السَّبَب لِأَن الْبَيِّنَة رُبمَا استندت إِلَى هَذِه الْيَد الَّتِى لَا دلَالَة لَهَا وَإِن لم يكن للْمُدَّعِي يَد أَو لم يكن لَهُ يَد الْتِقَاط سَمِعت الْبَيِّنَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا لَا بُد من التقيد فالقيد أَن يَقُول هَذَا رقيقي وَلدته جاريتي الْمَمْلُوكَة فِي ملكي وعَلى ملكي فَلَو اقْتصر على أَنَّهَا وَلدته جَارِيَته الْمَمْلُوكَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ قد تَلد الْجَارِيَة الْمَمْلُوكَة ولدا حرا عَن وَطْء بِشُبْهَة وَالثَّانِي نعم إِذْ غَرَض التقيد أَن يَأْمَن استناد الْبَيِّنَة إِلَى ظَاهر الْيَد

ثمَّ لَو قيدت الْبَيِّنَة الرّقّ بِالسَّبْيِ أَو الشِّرَاء أَو الْإِرْث كَانَ كَمَا لَو قيدته بِالْولادَةِ إِذْ الْمَقْصُود دفع حِيَال الْإِطْلَاق الْحَالة الرَّابِعَة أَن يبلغ اللَّقِيط ويقر على نَفسه بِالرّقِّ للْمُدَّعِي نظر فَإِن لم يسْبق مِنْهُ مَا يُنَاقض هَذَا الْإِقْرَار قبل قَوْله على الصَّحِيح إِذْ لم تكن الْحُرِّيَّة مجزومة بل كَانَ بِنَاء على الظَّاهِر وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قولا أَنه لَا تقبل تَفْرِيعا على أَنه لَو أعرب بالْكفْر لم يَجْعَل كَافِرًا أَصْلِيًّا مُرَاعَاة لاستصحاب حكم الْإِسْلَام وَكَذَا اسْتِصْحَاب أصل الْحُرِّيَّة وَهُوَ بعيد أما إِذا سبق مِنْهُ مَا يناقضه نظر فَإِن سبق إِقْرَار بِالْحُرِّيَّةِ قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي حُسَيْن بِأَنَّهُ لَا يقبل إِقْرَاره إِذْ لله عز وَجل حق فِي حريَّة الْعباد وَقد ثَبت بِإِقْرَارِهِ فَلَيْسَ لَهُ إِبْطَاله وَقطع الصيدلاني بِالْقبُولِ كَمَا لَو أنكر حق الْغَيْر ثمَّ أقرّ وكالمرأة إِذا أنْكرت الرّجْعَة ثمَّ أقرَّت وَلَو كَانَ يرعي حق الشَّرْع لما قبل إِقْرَار اللَّقِيط ابتداءا وَقد حكم بحريَّته بِنَاء على الظَّاهِر أما إِذا سبق إِقْرَار بِالرّقِّ لإِنْسَان فَأنْكر الْمقر لَهُ فَأقر بِالرّقِّ لغيره حكى الْعِرَاقِيُّونَ من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يقبل إِقْرَاره الثَّانِي لِأَنَّهُ إِذا رد إِقْرَاره الأول عَاد إِلَى يَد نَفسه فَكَأَنَّهُ قد تمّ الحكم بحريَّته وَالثَّانِي نقض

وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يقبل إِذْ الإقراران متوافقان على الرّقّ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي الْإِضَافَة إِلَى السَّيِّد أما إِذا لم يسْبق إِقْرَار وَلَكِن سبق تَصَرُّفَات تستدعي الْحُرِّيَّة من نِكَاح وَبيع وَغَيره فَهَذَا لَا يمنعهُ من أَن يقر على نَفسه فَيقبل إِقْرَاره بِالرّقِّ وَيظْهر أَثَره فِي كل مَا قدر عَلَيْهِ كَمَا إِذا لم يسْبق التَّصَرُّف وَهل يقبل فِيمَا يقر بِغَيْرِهِ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يقبل لِأَن الْأَمر فِيهِ لَا يتَجَزَّأ فَيصير إِقْرَاره كقيام الْبَيِّنَة وَلَو قَامَت الْبَيِّنَة على رقة لقبل مُطلقًا فِيمَا لَهُ وَعَلِيهِ وسلك بتصرفاته السَّابِقَة مَسْلَك الصَّادِر من الرَّقِيق بِغَيْر إِذْنه فَذَلِك لَا يخفى حكمه والتفريع عَلَيْهِ فَكَذَلِك هَذَا وَالثَّانِي انه لَا يقبل فِيمَا يضر بِغَيْرِهِ إِذْ سبق مِنْهُ تصرف هُوَ الْتِزَام لحقوق الْأَعْيَان فَلَا تقبل مناقضته وَالثَّالِث أَنه لَا يقبل فِيمَا مُضِيّ لِأَن الِالْتِزَام مَقْصُور عَلَيْهِ وَفِي الْمُسْتَقْبل هُوَ رَقِيق مُطلق فِيمَا لَهُ وَعَلِيهِ وَيتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ الآخرين فروع الأول لقيطة نكحت ثمَّ أقرَّت بِالرّقِّ فالناكح دَائِم لِأَن فِي قطعه إِضْرَارًا

بِالزَّوْجِ وَالْوَطْء وَإِن كَانَ مُسْتَقْبلا فَهُوَ فِي حكم الْمَاضِي وَوَلدهَا الذى انْفَصل مِنْهَا قبل الْإِقْرَار حر وَلَا قيمَة على الزَّوْج إِذْ فِيهِ إِضْرَار وَفِي الْمُسْتَقْبل ترق الْأَوْلَاد إِن فرقنا بَين الْمَاضِي والمستقبل وَلَا يَجْعَل الْوَلَد كالمستوفى بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ موهوم بِخِلَاف اسْتِحْقَاق الْوَطْء وَأما الْمهْر فللسيد الْمُطَالبَة بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من الْمُسَمّى أَو من الْمثل فَإِن كَانَ الْمُسَمّى أقل فَفِي الزِّيَادَة إِضْرَار بِالزَّوْجِ وَإِن كَانَ مهر الْمثل أقل فالسيد لَا يَدعِي أَكثر مِنْهُ أما الْعدة فَإِذا طَلقهَا الزَّوْج طَلَاقا رَجْعِيًا اعْتدت بِثَلَاثَة أَقراء لِأَنَّهُ اسْتحق الرّجْعَة فِي الثَّالِثَة وَفِيه إِضْرَار بِهِ وَكَذَا إِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا لِأَن نفس الْعدة حق للزَّوْج وَإِلَّا إِذا قبلنَا إِقْرَارهَا فِيمَا يضر بِالْغَيْر فِي الْمُسْتَقْبل وَيحْتَمل أَن يُقَال هَذَا كالمستحق بِالْعقدِ السَّابِق كَمَا فِي الْوَطْء فَإِن مَاتَ الزَّوْج قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَعْتَد بشهرين وَخَمْسَة أَيَّام إِذْ حق الزَّوْج إِنَّمَا يحسن مراعاته فِي حَيَاته

فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن سقط حَقه فَلَا عدَّة لِأَنَّهَا تَدعِي بطلَان النِّكَاح من الأَصْل بل عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاء إِن وطِئت وَإِلَّا فَلَا شئ عَلَيْهَا وَالنَّص مَا ذَكرْنَاهُ وَكَأن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ينظر فِي أصل الْعدة إِلَى حق الشَّرْع وَفِي تَفْصِيله إِلَى حق الزَّوْج أما تسلميها إِلَى الزَّوْج نَهَارا فَيجب لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ بِالْعقدِ السَّابِق فَفِي الْمَنْع إِضْرَار الْفَرْع الثَّانِي لَقِيط نكح ثمَّ أقرّ بِالرّقِّ فَإِن قبلنَا الْإِقْرَار مُطلقًا فقد بَان بطلَان النِّكَاح من أَصله وَلَا يخفى حكم وَطْء الرَّقِيق فِي مهر الْمثل إِن جرى وَإِن لم نقبل فِيمَا مُضِيّ فقد بَطل حَقه من بضعهَا فِي الْمُسْتَقْبل فِي الْحَال فَكَأَنَّهُ طَلَاق فَيجب نصف الْمهْر مُتَعَلقا بِذِمَّتِهِ وَكَسبه إِن لم يكن وطئ وَإِن كَانَ وطئ فتمام الْمُسَمّى لِأَن الْوَطْء جرى فِي نِكَاح لم يتبعهُ بالإبطال فِيمَا مضى فَلَا يجب إِلَّا مهر الْمثل الْفَرْع الثَّالِث لَقِيط بَاعَ وَاشْترى ثمَّ أقرّ

فَهَذَا أَمر قد مضى فَإِن لم يقبل قَوْله فِي الْمَاضِي لم يتبع مَا مضى وَإِن قبل قَوْله عُمُوما قَدرنَا أَن تيك التَّصَرُّفَات صدرت من عبد غير مَأْذُون فيسترد أَعْيَان الْأَمْوَال وَيرد الْأَثْمَان وَمَا تلف فِي يدهم مَضْمُونَة للسَّيِّد وَمَا تلف فِي يَد العَبْد فَيتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد لَا بِرَقَبَتِهِ وَكَسبه كديون مُعَاملَة العَبْد وَلَا ينفع الْعَامِل ظَنّه حُرِّيَّته عِنْد التَّصَرُّف الْفَرْع الرَّابِع جنى اللَّقِيط ثمَّ أقرّ بِالرّقِّ اقْتصّ مِنْهُ أَو تعلق الْأَرْش برقته وَإِن جني عَلَيْهِ اقْتصّ إِن كَانَ الْجَانِي رَقِيقا وَإِن كَانَ حرا عدل إِلَى الْأَرْش فَإِن قطع إِحْدَى يَدَيْهِ وتساوت الْقيمَة وَنصف الدِّيَة فَذَاك وَإِن كَانَ نصف الْقيمَة أقل فَلَيْسَ للسَّيِّد إِلَّا ذَاك فَإِنَّهُ لَا يطْلب مزيدا وَإِن كَانَ نصف الْقيمَة أَكثر فرع على الْأَقْوَال فَإِن قُلْنَا الْإِقْرَار مُطلقًا لزم وَإِن بَعْضنَا اقْتصر على نصف الدِّيَة فَإِنَّهُ إِضْرَار بالجاني وَفِيه وَجه أَن التَّغْلِيظ على الْجَانِي أولى فرع بِهِ الاختتام إِذا قذف لقيطا بَالغا وَادّعى رقّه فَادّعى اللَّقِيط حريَّة نَفسه فَقَوْلَانِ

أَحدهمَا القَوْل قَول الْقَاذِف لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَالثَّانِي القَوْل قَول اللَّقِيط لِأَن الأَصْل الْحُرِّيَّة وَهُوَ من تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَإِن قطع حر طرفه وَجرى هَذَا النزاع فطريقان أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي الْقطع بِالْقصاصِ إِذْ لَو لم نوجب لعدلنا إِلَى الْقيمَة وَهِي أَيْضا مَشْكُوك فِيهَا أما الْحَد إِذا ترك فالتعزيز مستيقن بِكُل حَال وَالله تَعَالَى أعلم وَأحكم
كتاب الْفَرَائِض

وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تَعَالَى لم يكل قسم مواريثكم إِلَى ملك مقرب وَلَا إِلَى نَبِي مُرْسل وَلَكِن تولى بَيَانهَا فَقَسمهَا أبين قسم وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم وَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض وسينزع الْعلم من أمتِي حَتَّى يخْتَلف رجلَانِ فِي فَرِيضَة فَلَا يجدان من يعرف حكم الله فِيهَا

وَقد اخْتلف الصَّحَابَة فِي تَفْصِيل الْوَرَثَة وَاخْتَارَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَذْهَب زيد لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْقيَاس وَلقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أفرضكم زيد فنقتصر على ذكر مذْهبه فالوراثة تَارَة تكون بِسَبَب عَام كجهة الْإِسْلَام وَأُخْرَى بِسَبَب خَاص كَالنِّكَاحِ

وَالْوَلَاء وَتارَة النّسَب والوارثون من الرِّجَال عندنَا عشرَة من جَانب الْعُلُوّ الْأَب وَأب الْأَب وَإِن علا وَمن جَانب السّفل الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل وَمن الطّرف الْأَخ وَابْنه إِلَّا أَن يكون ابْن أَخ لأم وَالْعم وَابْنه إِلَّا أَن يكون عَمَّا لأم فَإِنَّهُ لَا يَرث وَلَا وَلَده فَيبقى اثْنَان وهما الْمُعْتق وَالزَّوْج والوارثات من النِّسَاء سبع الْأُم وَالْجدّة وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت وَالزَّوْجَة ومولدة الْمُعتقَة وَمن عدا هَؤُلَاءِ كأب الْأُم وَأَوْلَاد الْبَنَات وَأَوْلَاد الْإِخْوَة من الْأُم وَأَوْلَاد الْأَخَوَات والعمات والخالات والأخوال وَأَوْلَادهمْ فهم من ذَوي الْأَرْحَام لَا مِيرَاث لَهُم عندنَا بل الْفَاضِل من الْمُسْتَحقّين الْمَذْكُورين لبيت المَال

وتفصيل النّظر فِي الْوَارِث الْمَذْكُورين تحصره أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مقادير أنصباء ذَوي الْفُرُوض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْوَرَثَة قِسْمَانِ ذُو فرض وعصبة وَذُو الْفَرْض من لَهُ سهم مُقَدّر شرعا لَا يزِيد وهم أَصْنَاف الصِّنْف الأول الزَّوْج الزَّوْجَة وَللزَّوْج النّصْف وللزوجة الرّبع إِذْ لم يكن للْمَيت ولد وَارِث وَلَا ولد ابْن وَارِث فَإِن كَانَ فَللزَّوْج الرّبع وللزوجة الثّمن وَإِن اجْتمعت نسْوَة فَلَهُنَّ الثّمن أَو الرّبع يُشْرِكْنَ فِيهِ وَلَا يزِيد بِزِيَادَة الْعدَد

الصِّنْف الثَّانِي الْأُم وَالْجدّة وَللْأُمّ الثُّلُث إِلَّا فِي أَربع مسَائِل إِحْدَاهَا زوج وأبوان وَالثَّانيَِة زَوْجَة وأبوان فلهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثلث مَا يبْقى بعد نصيب الزَّوْج وَالزَّوْجَة الثَّالِثَة إِذا كَانَ للْمَيت ولد وَارِث أَو ولد ابْن وَارِث فَإِنَّهُ يرد الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس

الرَّابِعَة إِذا كَانَ للْمَيت اثْنَان من الْإِخْوَة أَو الْأَخَوَات فَصَاعِدا فلهَا السُّدس وَأما الْجدّة فلهَا السُّدس أبدا وَإِن اشتركت جمَاعَة فِي دَرَجَة اشتركن فِي السُّدس وَإِن كَانَت وَاحِدَة جدة من جِهَتَيْنِ لم يزدْ نصِيبهَا وَالْجدّة الوارثة هى الَّتِى تدلي بوارث وَهل كل جدة تدلي بمحض الذُّكُور كَأُمّ أَب الْأَب أَو بمحض الْإِنَاث كَأُمّ أم الْأُم أَو بمحض الْإِنَاث إِلَى مَحْض الذُّكُور كَأُمّ أم أَب الْأَب فَأَما إِذا أدلت بِذكر بَين أنثيين فَلَا تَرث لِأَن الذى تدلي بِهِ هُوَ أَب أم أَو أَب جدة وَهُوَ من ذَوي الْأَرْحَام وَقَالَ مَالك رَحمَه الله كل جدة تدلي بِذكر فَهِيَ لَا تَرث إِلَّا أم الْأَب وأمهاتها من قبل الْأُم فَأَما من تدلي بِذكر آخر سوى الْأَب فَلَا تَرث وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَالصَّحِيح هُوَ الأول

الصِّنْف الثَّالِث الْأَب وَالْجد أما الْأَب فيرث بالفرضية الْمَحْضَة السُّدس إِن كَانَ الْمَيِّت ابْن أَو ابْن ابْن وَتَكون الْعُصُوبَة للِابْن وَيَرِث بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْض إِذا لم يكن للْمَيت إِلَّا زوج أَو زَوْجَة أَو لم يكن وَارِث أصلا وَيجمع بَين الْفَرْض والتعصيب إِن كَانَ للْمَيت بنت أَو بنت ابْن فَلهُ السُّدس وللبنت أَو بنت الابْن نصِيبهَا وَمَا فضل يصرف إِلَى الْأَب بالعصوبة وَالْجد عِنْد عدم الْأَب يقوم مقَام الْأَب إِلَّا فِي أَربع مسَائِل الأولى زوج وأبوان وَالثَّانيَِة زَوْجَة وأبوان للْأُم فِي الصُّورَتَيْنِ ثلث مَا يبْقى فَإِن كَانَ بدله جد فللأم الثُّلُث كَامِلا الثَّالِثَة الْأَب يحجب الْإِخْوَة وَالْجد لَا يحجب إِلَّا الْأَخ للْأُم ويقاسم البَاقِينَ الرَّابِعَة الْأَب يحجب أم نَفسه وَالْجد أَيْضا يحجب أم نَفسه وَلَكِن لَا يحجب أم الْأَب لِأَنَّهَا زَوجته وَهَذَا أوضح

الصِّنْف الرَّابِع الْأَوْلَاد فَإِن تمحض أَوْلَاد الصلب فالذكر الْوَاحِد يسْتَغْرق المَال بالعصوبة وَإِن كَانَ فيهم ذُكُور وإناث فَالْمَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن كَانَ بنت وَاحِدَة فلهَا النّصْف وَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدا فلهَا الثُّلُثَانِ لَا يزِيد بِزِيَادَة عددهن وَأما أَوْلَاد الابْن فَإِن تمحضوا فحكمهم حكم أَوْلَاد الصلب إِذا تمحضوا فَأَما إِذا اجْتمع البطنان نظر فَإِن كَانَ فِي أَوْلَاد الصلب ذكر فقد حجب من تَحْتَهُ واستغرق وَإِن لم يكن نظر فَإِن لم يكن إِلَّا بنت وَاحِدَة فلهَا النّصْف ثمَّ ينظر فِي أَوْلَاد الابْن فَإِن كَانَ فيهم ذكر فالباقي لَهُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن لم يكن ذكر فللواحدة مِنْهُم وللعدد السُّدس تَكْمِلَة للثلثين فَإِن الثُّلثَيْنِ فرض الْبَنَات وَقد بَقِي مِنْهُ السُّدس أما إِذا كَانَ فِي أَوْلَاد الصلب بنتان فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ ثمَّ ينظر فِي أَوْلَاد الابْن فَإِن كَانَ فيهم ذكر فباقي المَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ

وَإِن لم يكن ذكر فِيهِنَّ وَلَا أَسْفَل مِنْهُنَّ فَلَا شئ لَهُنَّ إِذْ لم يبْق من نصيب الْبَنَات شئ فقد استغرق بَنَات الصلب جَمِيع الثُّلثَيْنِ فَإِن كَانَ أَسْفَل مِنْهُمَا ابْن ابْن ابْن وَإِن بعد يعصبها وَيكون المَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ مِثَاله بنت وَبنت ابْن وَبنت ابْن ابْن لبِنْت الصلب النّصْف ولبنت الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَلَا شئ لبِنْت ابْن الابْن إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَو أَسْفَل مِنْهَا ذكر يعصبها بنتان من الصلب وَبنت ابْن لبنتين الثُّلُثَانِ وَلَا شئ لبِنْت الابْن بنت وَبنت ابْن وَابْن ابْن ابْن للْبِنْت من الصلب النّصْف ولبنت الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالْبَاقِي لِابْنِ ابْن الابْن وَلَا يعصبها هَاهُنَا لِأَنَّهَا أخذت تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ

الصِّنْف الْخَامِس الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات أما الْإِخْوَة من الْأُم فللواحد مِنْهُم السُّدس وللاثنين فَصَاعِدا الثُّلُث لَا يزِيد حَقهم بِزِيَادَة الْعدَد ويتساوى ذكرهم وأنثاهم فِي قدر الِاسْتِحْقَاق أما الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم فحكمهم عِنْد الِانْفِرَاد كَحكم أَوْلَاد الصلب من غير فرق وَأما الْأُخوة من الْأَب فحكمهم أَيْضا عِنْد الِانْفِرَاد كَحكم الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم من غير فرق إِلَّا فِي مسالة المشركة

فَإِن اجْتمع إخْوَة الْأَب وَالأُم وإخوة الْأَب فحكمهم حكم أَوْلَاد الصلب وَأَوْلَاد الابْن إِذا اجْتَمعُوا فالأخ من الْأَب وَالأُم يسْقط أَوْلَاد الْأَب وَللْأُخْت الْوَاحِدَة من الْأَب وَالأُم وَالنّصف وَللْأُخْت من الْأَب مَعهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَكَذَلِكَ إِن كن جمعا فَلَهُنَّ السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ فَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة أختَان من الْأَب وَالأُم فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَقد استغرقتا فَلَا شئ لأخوات الْأَب إِلَّا إِذا كَانَ فِي درجتها ذكر يعصبها فَيكون الْبَاقِي بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا يعصبها من هُوَ أَسْفَل مِنْهَا كأولاد الابْن وَفِي هَذَا تخَالف أَوْلَاد الابْن فَإِن بنت الابْن يعصبها من هُوَ أَسْفَل مِنْهَا فرع ثَلَاث أَخَوَات متفرقات للْأُخْت من الْأَب وَالأُم النّصْف وَللْأُخْت للْأَب السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَللْأُخْت للْأُم السُّدس فرضا

وَلَو كَانَ فِي الْمَسْأَلَة أختَان للْأَب وَالأُم بدل أُخْت وَاحِدَة فلهَا الثُّلُثَانِ وَلَا شئ للْأُخْت للْأَب إِذْ لم يبْق تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَللْأُخْت للْأُم السُّدس فَإِن ذَلِك فرض مُسْتَقل فِي حَقّهَا فَإِن قيل وَمَا مَسْأَلَة المشركة الَّتِى فِيهَا يُفَارق إخْوَة الْأَب إخْوَة الْأَب وَالأُم قُلْنَا صورتهَا زوج وَأم وَأَخَوَانِ لأم وَأَخَوَانِ لأم وَأب فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس ولإخوة الْأُم الثُّلُث فَلَا يبْقى مَال فالإخوة من جِهَة الْأَب وَالأُم يشاركون أَوْلَاد الْأُم فِي نصِيبهم وَلَو كَانَ بدلهم إخْوَة للْأَب لسقطوا وَوَقعت الْمَسْأَلَة فِي زمَان عمر رَضِي الله عَنهُ وأرضاه فأسقط إخْوَة الْأَب وَالأُم فَقَالَ أَخ الْأَب وَالأُم هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا أَلسنا من أم وَاحِدَة فشرك عمر رَضِي الله عَنهُ بَينهم وَإِلَيْهِ ذهب زيد وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسقطون لأَنهم عصبَة كأولاد الْأَب ثمَّ للتشريك شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن يَكُونُوا أَوْلَاد الْأَب وَالأُم ليَقَع التَّشْرِيك بِقرَابَة الْأُم فَإِن كَانُوا أَوْلَاد الْأَب فَلَا تشريك وَالثَّانِي أَن يكون ولد الْأُم زَائِدا على وَاحِد فَإِنَّهُ إِن كَانَ وَاحِدًا فَلهُ السُّدس ويبقي سدس الْعصبَة فَلَا حَاجَة إِلَى التَّشْرِيك هَذَا حكم الْإِخْوَة أما أَوْلَادهم فالإناث مِنْهُم لَا يَرِثُونَ والذكور مِنْهُم بمنزلتهم إِلَّا فِي خمس مسَائِل

الأولى أَن ولد إخْوَة الْأُم لَا يَرِثُونَ فليسوا بمنزلتهم وَالثَّانيَِة أَن اثْنَيْنِ من الْإِخْوَة يحجبان الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَلَو كَانَ بدلهم أَوْلَادهم لَا يحجبون الثَّالِثَة فِي مَسْأَلَة الشّركَة لَو كَانَ بدل إخْوَة الْأَب وَالأُم أَوْلَادهم فَلَا تشريك فِي حَقهم الرَّابِعَة الْجد لَا يحجب الْإِخْوَة ويحجب بني الْإِخْوَة الْخَامِسَة الْأَخ يعصب أُخْته وَابْن الْأَخ لَا يعصب أُخْته إِذْ لَا مِيرَاث لأخته أحولا فرع الْأَخَوَات من جِهَة الْأَب وَالأُم أَو من جِهَة الْأَب مَعَ الْبَنَات عصبَة أما الْأُخْت من الْأُم فَتسقط بالبنت فَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة بنت وأخوات فلهَا النّصْف وَالْبَاقِي لَهُنَّ وَلَو كَانَ بنت وَأُخْت لأَب وَأم وَأُخْت لأَب فللبنت النّصْف وَالْبَاقِي لأخت الْأَب وَالأُم وَهِي عصبَة فَتسقط أُخْت الْأَب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْعَصَبَات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والعصبة الذى يسْتَغْرق المَال إِذا انْفَرد وَيَأْخُذ مَا بَقِي من ذَوي الْفَرَائِض إِذا كَانَ مَعَه ذُو فرض قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا أبقت الْفَرَائِض فَلأولى عصبَة ذكر والعصبة كل ذكر يُدْلِي إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ أَو بِذكر وَالْمُعتق أَيْضا والمعتقة من المعصبيات وَالْأَخَوَات أَيْضا مَعَ بَنَات الصلب

أَو بَنَات الابْن عصبات كَمَا سبق هَذَا تفصيلهم أما ترتبيهم فأولادهم البنون ثمَّ بنوهم ثمَّ الْآبَاء ثمَّ آباؤهم وهم الأجداد من قبل الْأَب وَالإِخْوَة فِي دَرَجَة الْجد يقاسمونه إِلَّا إخْوَة الْأُم فَإِنَّهُم يسقطون بِهِ وَيسْقط بَنو الْإِخْوَة بالجد وفَاقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسْقط الْإِخْوَة أَيْضا بالجد ثمَّ ليعم أَن التَّقَدُّم للْأَخ من الْأَب وَالأُم ثمَّ للْأَخ من الْأَب ثمَّ ابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم ثمَّ ابْن الْأَخ من الْأَب ثمَّ الْعم للْأَب وَالأُم ثمَّ الْعم للْأَب ثمَّ بنوهم على ترتيبهم ثمَّ عَم الْأَب للْأَب وَالأُم ثمَّ عَم الْأَب للْأَب ثمَّ بنوهم على ترتيبهم ثمَّ عَم الْجد على هَذَا التَّرْتِيب إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي

فَإِن لم يكن وَاحِد من هَؤُلَاءِ فَالْمَال لمعتق الْمَيِّت فَإِن لم يكن فلعصبات الْمُعْتق فَإِن لم يكن فلمعتق الْمُعْتق ثمَّ لعصباته ثمَّ لمعتقه على هَذَا التَّرْتِيب هَذَا ترتيبهم وَفِيه فروع أَرْبَعَة الأول ابْن الْأَخ وَإِن سفل مقدم على الْعم لِأَن الْجِهَة هَاهُنَا مُقَدّمَة ومختلفة فَلَا نظر إِلَى الْقرب وَأما بَان الْأَخ للْأَب يقدم على ابْن ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم إِذا سفل للقرب مَعَ أَن جِهَة الْأُخوة جنس وَاحِد فَإِنَّمَا يقوم هَاهُنَا بِالْقُوَّةِ عِنْد تَسَاوِي الدرجَة فليتنبه لهَذِهِ الدقيقة الثَّانِي ابْنا عَم أَحدهمَا أَخ لأم فَلهُ بأخوة الْأُم السُّدس وَالْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا ترجح قرَابَته فتقدمه بِخِلَاف الْأَخ للْأَب وَالأُم حَيْثُ قدم على الْأَخ للْأَب لِأَن الْقَرَابَة ثمَّ متجانسة فامتزجت فأوجبت تَرْجِيحا وَالثَّالِث بنت وابنا عَم أَحدهمَا أَخ لأم النّصْف للْبِنْت وَالْبَاقِي بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ وأخوة الْأُم سَقَطت بالبنت وَقَالَ ابْن الْحداد المَال كُله للَّذي هُوَ أَخ لأم لِأَنَّهُ لَا يُمكن اسْتِعْمَال قرَابَته فِي التوريث فيستعمل مرجحا وَهُوَ ضَعِيف

الرَّابِع فِي عصبات الْمُعْتق وَلَا يسْتَحق صَاحب فرض بِالْوَلَاءِ فَلَا مدْخل لأنثى فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَت مُعتقة وَإِنَّمَا يسْتَحق بِالْوَلَاءِ الذُّكُور كَمَا سبق فِي الْعَصَبَات فَإِن اجْتمع ابْن الْمُعْتق وَأَبوهُ فَالْمَال للِابْن لِأَن الْعُصُوبَة لَهُ هَاهُنَا وَالْأَخ للْأَب وَالأُم يقدم على الْأَخ للْأَب وَإِن لم تُؤثر الأمومة هَاهُنَا وَلَكِن تصلح للترجيح وَمن الْأَصْحَاب من طرد قَوْلَيْنِ كَمَا فِي التَّقْدِيم فِي ولَايَة النِّكَاح وَلَو اجْتمع الْجد وَالْأَخ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْأَخ أولى لِأَن إدلاءه بِالنُّبُوَّةِ وَهِي أقوى من الْعُصُوبَة وَالْوَلَاء يَدُور على مَحْض الْعُصُوبَة وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يستويان لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقرب والعصوبة فعلى هَذَا يقدم الْجد على ابْن الْأَخ وعَلى الأول يقدم ابْن الْأَخ على الْجد لقُوَّة النُّبُوَّة بإن قيل وَمَا طَرِيق مقاسمة الْجد وَالإِخْوَة فِي الوراثة بِالنّسَبِ

قُلْنَا مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه إِذا لم يكن مَعَهُمَا ذُو فرض جعل الْجد كَأحد الْإِخْوَة وَيقسم المَال عَلَيْهِ وعَلى الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ مَا دَامَ الثُّلُث لَا ينقص بِالْقِسْمَةِ كَمَا إِذا كَانَ مَعَه أَخ أَو أَخَوان أَو أَخ وَأُخْت أَو أَخ وأختان أَو أَربع أَخَوَات فَأَما إِذا نقص الثُّلُث بِأَن كَانُوا أَكثر من هَذَا وَيسلم إِلَيْهِ الثُّلُث كَامِلا وَقسم الْبَاقِي على الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم وَإِن كَانَ مَعَه ذُو فرض أعطي صَاحب الْفَرْض سَهْمه فَإِن لم يبْق شئ فرض للْجدّ السُّدس واعتلت الْمَسْأَلَة وَإِن بَقِي سدس سلم وَإِن بَقِي أقل من السُّدس اعتلت الْمَسْأَلَة وَسلم بِهِ السُّدس وَإِن كَانَ الْبَاقِي أَكثر من السُّدس قسم المَال وَسلم إِلَى الْجد إِمَّا ثلث مَا يبْقى بعد سهم ذَوي الْفُرُوض أَو سدس جَمِيع المَال أَو مَا يَخُصُّهُ بِالْقِسْمَةِ أَيهَا كَانَ خيرا لَهُ من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة خص بِهِ مسَائِله مَعَ الْجد زوج وَأَخ

للزَّوْج النّصْف وَالْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ خير من السُّدس وَثلث مَا يبْقى فَلَو كَانَا أَخَوَيْنِ اسْتَوَى الْقِسْمَة وَسدس الْجُمْلَة وَثلث مَا يبْقى فَلَو كَانُوا ثَلَاثَة اسْتَوَى السُّدس وَثلث مَا يبْقى وهما خير من الْقِسْمَة فَلهُ السُّدس وَهُوَ ثلث مَا يبْقى زوج وَأم وَأَخ مَعَ الْجد فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث لَا يبْقى إِلَّا سدس فَهُوَ للْجدّ وَسقط الْأَخ وَلَو كَانَ بدل الْأَخ أُخْت فَظَاهر الْقيَاس أَنَّهَا تسْقط أَيْضا لِأَنَّهَا عصبَة مَعَ الْجد كالأخ وَالصَّحِيح من مَذْهَب زيد أَنه يفْرض لَهَا النّصْف لِأَن الْجد صَاحب فرض الْآن فَهِيَ أَيْضا تنْقَلب إِلَى فَرضهَا ثمَّ يقسم مَجْمُوع حصتهما للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَأما الْأَخ فَلَيْسَ لَهُ حَال فَرضِيَّة وَإِسْقَاط الْأُخْت أَيْضا نقل عَن زيد فِي رِوَايَة زوج وَبنت وَأم وإخوة مَعَ الْجد للْبِنْت النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وَللزَّوْج الرّبع وَيبقى نصف سدس فتعال الْمَسْأَلَة حَتَّى يتم السُّدس للْجدّ وَتسقط الْإِخْوَة

هَذَا كُله حكمه مَعَ إخْوَة الْأَب وَالأُم وجدهم فَإِن كَانَ مَعَه أخوة الْأُم فهم مسقطون وَإِن كَانَ مَعَه إخْوَة الْأَب وحدهم فهم عِنْد عدمهم بمنزلتهم أَعنِي بِمَنْزِلَة إخْوَة الْأَب وَالأُم فَأَما إِذا اجْتمع مَعَه إخْوَة الْأَب وَالأُم وإخوة الْأَب فَيجْعَل الْجد كواحد مِنْهُم ويعد إخْوَة للْأُم عَلَيْهِ وَالْحكم مَا سبق يُعينهُ وَلَا يتَغَيَّر حكم الْجد مَعَهم هَاهُنَا وَإِنَّمَا الذى يَتَجَدَّد أَن إخْوَة الْأَب يدْخلُونَ أَيْضا عَلَيْهِ فِي الْحساب وَمَا يخصهم لَا يبْقى عَلَيْهِم بل يسْتَردّ مِنْهُم أَوْلَاد الْأَب وَالأُم إِمَّا على الْكَمَال إِن كَانَ فيهم ذكر أَو مَا يكمل بِهِ النَّصِيب إِن تمحض الْإِنَاث فِيهِنَّ أَعنِي إخْوَة الْأَب وَالأُم وعلته أَن سقوطهم بإخوة الْأَب وَالأُم فَلَا يظْهر فَائِدَته إِلَّا فِي حَقهم أما فِي حق الْجد فَلَا يظْهر مِثَاله إِذا لم يكن ذُو فرض أَخ لأَب وَأم وَأَخ لأَب مَعَ الْجد فَالثُّلُث وَالْقِسْمَة سيان فَلهُ الثُّلُث وَالْبَاقِي لأخ الْأَب وَالأُم وَيسْقط أَخ الْأَب بِهِ وَإِن دخل فِي حِسَاب الْقِسْمَة

وَإِن كَانَ بدل الْأَخ للْأَب أُخْت لأَب فالقسمة خير إِذْ يَصح الْمَسْأَلَة من خَمْسَة ويخص الْجد مِنْهَا سَهْمَان فَيبقى ثَلَاثَة أسْهم فتستقر على الْأَخ من الْأَب وَالأُم أُخْت لأَب وَأم وَأَخ لأَب مَعَ الْجد فَالْمَسْأَلَة من خَمْسَة وَالْقِسْمَة خير للْجدّ فَإِن لَهُ سَهْمَيْنِ يبقي ثَلَاثَة وَاحِدَة لَهَا وَاثْنَانِ للْأَخ من الْأَب فيسترد مِنْهُ مَا يكمل لَهَا النّصْف وَيبقى الْبَاقِي لأخ من الْأَب أختَان لأَب وَأم وَأُخْت لأَب مَعَ الْجد فَالْمَسْأَلَة من خَمْسَة ويخص الْأُخْتَيْنِ سَهْمَان وَهُوَ نَاقص عَن الثُّلثَيْنِ فيسترد مَا فِي يَد الْأُخْت للْأَب فَلَا يكمل الثُّلثَيْنِ فَيقْتَصر على اسْتِرْدَاد ذَلِك أما إِذا كَانَ فِي صُورَة الْمُعَادَة صَاحب فرض فَيقدم صَاحب الْفَرْض كَمَا سبق فِي غير صُورَة الْمُعَادَة على ذَلِك التَّفْصِيل وَيعْتَبر بِالْبَاقِي الْقِسْمَة أَو ثلث مَا يبْقى أَو السُّدس فَأَي ذَلِك كَانَ خيرا خص الْجد بِهِ فَإِن كَانَ الْخَيْر فِي الْقِسْمَة روعي فِي الْمُعَادَة مَا ذَكرْنَاهُ من حرمَان أَوْلَاد الْأَب إِن كَانَ فِي أَوْلَاد الْأَب وَالأُم ذكر واسترداد مَا يكمل بِهِ نصيب الْإِنَاث إِن لم يكن فِيهِنَّ ذكر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْحجب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فنعود إِلَى عد الْأَصْنَاف الْمَذْكُورين فِي الْبَاب الأول ونقول أما الزَّوْج وَالزَّوْجَة فَلَا يحجبان بوارث لِأَنَّهُمَا يدليان بأنفسهما وَأما الْأُم فَلَا تحجب أَيْضا وَالْجدّة تحجبها الْأُم فَلَا تَرث مَعَ الْأُم جدة وَأم الْأَب يحجبها الْأَب وَذَلِكَ الْقُرْبَى من كل جِهَة من الْجدَّات تحجب البعدى من تِلْكَ الْجِهَة والقربى من جِهَة الْأُم تحجب البعدي من جِهَة الْأَب والقربى من جِهَة الْأَب هَل تحجب البعدى من جِهَة الْأُم فِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا أَنَّهَا لَا تحجب بل تشارك لقُوَّة جدودة الْأُم وَأما الْأَب فَلَا يَحْجُبهُ أحد وَالْجد لَا يَحْجُبهُ إِلَّا الْأَب هَذَا حكم من يُدْلِي من جِهَة الْعُلُوّ أما من يُدْلِي من جِهَة السّفل فالابن وَالْبِنْت لَا يحجبان فَأَما ابْن الابْن فَلَا يَحْجُبهُ إِلَّا الابْن وَبنت الابْن يحجبها الابْن وابنتان فَصَاعِدا من بَنَات الصلب وَكَذَا التَّرْتِيب فِيمَن سفل مِنْهُم على اخْتِلَاف درجاتهم

وَأما المدلون على الْأَطْرَاف فالأخ للْأَب وَالأُم يَحْجُبهُ ثَلَاث الْأَب وَالِابْن وَابْن الابْن وَكَذَا الْأُخْت للْأَب وَالأُم وَأما الْأَخ للْأَب يَحْجُبهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَالْأَخ للْأَب وَالأُم وَأما الْأُخْت للْأَب يحجبها هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع وَاثْنَتَانِ فَصَاعِدا من الْأَخَوَات للْأَب وَالأُم وَأما الْأَخ للْأُم فيحجبه سِتَّة الْأَب وَالْجد وَالِابْن وَالْبِنْت وَابْن الابْن وَبنت الابْن وَأما الْعم فيحجبه من يحجب الْأَخ للْأَب وَالأُم وَالْأَخ للْأَب كَذَا بَنو الْأُخوة وَقد نبهنا على تَرْتِيب الْعَصَبَات من قبل فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِعَادَة فروع الأول أَن من لَا يَرث كالقاتل وَالْكَافِر وَالرَّقِيق لَا يحجب

وَيسْتَثْنى عَن هَذَا مَسْأَلَة وَهِي أَبَوَانِ وَأَخَوَانِ فَإِن الْأَخَوَيْنِ يسقطان بِالْأَبِ ويحجبان الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس لِأَن سقوطهما بِالْأَبِ لَا بِالْأُمِّ فَيرجع فائدتهما إِلَى الْأَب لَا إِلَى الْأُم وَمثله جدتان إِحْدَاهمَا أم الْأَب وَالْأُخْرَى أم الْأُم وَمَعَهَا الْأَب فلأم الْأُم السُّدس وَلَا يُقَال ان أم الْأَب تشارك لَوْلَا الْأَب وَإِنَّمَا سُقُوطهَا بِالْأَبِ فترجع الْفَائِدَة إِلَيْهِ لِأَن اسْتِحْقَاقهَا بالفرضية فَلَا يُنَاسب اسْتِحْقَاق الْأَب وَهُوَ بالعصوبة

وَأما الْأَخ وَالْأَب فِي تِلْكَ الصُّورَة كِلَاهُمَا يرثان بالعصوبة فَأمكن رد الْفَائِدَة إِلَيْهِ وَمن أَصْحَابنَا من طرد الْقيَاس وَقَالَ لَيْسَ لأم الْأُم إِلَّا نصف السُّدس الثَّانِي مهما اجْتمعت قرابتان من قرَابَة الْمَجُوس على وَجه لَا يجوز الْجمع بَينهمَا فِي الْإِسْلَام سَوَاء حصل بِنِكَاح الْمَجُوس أَو بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يُورث بهما عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل يُورث بأقواهما وَيصرف الْأَقْوَى بأمرين أَحدهمَا أَن تكون إِحْدَاهمَا مسقطة لِلْأُخْرَى كَبِنْت هى أُخْت لأم تَرث بالبنوة وَتسقط أخوة الْأُم الثَّانِي أَن يقل حجاب إحديهما كأخت لأَب هى أم الْأُم فترث

بالجدودة لِأَنَّهَا أثبت إِذْ لَا تسْقط إِلَّا بِالْأُمِّ فَقَط وَالْأُخْت تسْقط بِثَلَاث بِالْأَبِ وَالِابْن وَابْن الابْن فَإِذا تزوج الْمَجُوسِيّ بابنته فأولد بِنْتا فَمَاتَ الْمَجُوسِيّ فقد خلف بنتين إِحْدَاهمَا زَوجته فَلَا شَيْء لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهَا فَاسِدَة وَالْأُخْرَى بنت بنت وَلَا تَوْرِيث بهما فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بالبنوة فَلَو مَاتَت الْعليا بعد موت الْوَاطِئ فقد خلفت بِنْتا هى أُخْت لأَب فلهَا بالبنوة النّصْف فَلَو مَاتَت السُّفْلى أَولا فقد خلفت أما هى أُخْت لأَب فلهَا الثُّلُث بالأمومة وَلَا شَيْء لَهَا بالأخوة الْمَسْأَلَة بحالتها لَو وطئ الْبِنْت السفلي فأولدها بِنْتا أُخْرَى وَمَات الْوَاطِئ فقد خلف ثَلَاث بَنَات فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَلَا نظر إِلَى الزَّوْجَة وَلَا إِلَى بنوة الْبِنْت فَلَو مَاتَت الْعليا بعده فقد خلفت بِنْتا وَبنت بنت هما أختَان لأَب فللبنت الْعليا النّصْف وَالْبَاقِي للسفلى بأخوة الْأَب فَإِن الْأُخْت مَعَ الْبِنْت عصبَة

فَلَو مَاتَت الْوُسْطَى أَولا فقد خلفت أما وبنتا هما أُخْتا أَب فللأم السُّدس وللبنت النّصْف وَسقط أخوة الْأَب من الطَّرفَيْنِ بالبنوة والأمومة فَلَو مَاتَت السُّفْلى أَولا فقد خلفت أما وَجدّة هما أُخْتا أَب فللأم الثُّلُث وللجدة الْبَاقِي بأخوة الْأَب لِأَن الجدودة سَقَطت بالأمومة فَأَما إِذا وطئ الْمَجُوسِيّ أمه فَولدت لَهُ بِنْتا فَمَاتَ فقد خلف أما وبنتا هى أُخْت لأم فللأم السُّدس وللبنت النّصْف وَسقط أخوة الْأُم وَلَو مَاتَت الْبِنْت فقد خلفت أما هى أم لأَب فلهَا الثُّلُث بالأمومة وَتسقط أمومة الْأَب وعَلى هَذَا التَّرْتِيب جَمِيع الْمسَائِل وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي مَوَانِع الْمِيرَاث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة الأول اخْتِلَاف الدّين فَلَا يَرث كَافِر من مُسلم وَلَا مُسلم من كَافِر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يتوارث أهل ملتين شَتَّى وَيَرِث الْيَهُود من النَّصَارَى الْمَجُوس لِأَن جَمِيع الْملَل فِي الْبطلَان كالملة الْوَاحِدَة وَفِي هَذَا الْمَعْنى قَالَ الله تَعَالَى {لكم دينكُمْ ولي دين}

فرعان أَحدهمَا الذِّمِّيّ هَل يَرث من الْحَرْبِيّ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِاتِّحَاد الدّين وَالثَّانِي لَا لِأَن حكمنَا لَا يجْرِي على أهل الْحَرْب والتوريث حكم شَرْعِي وَأما الْمعَاهد فَهُوَ فِي حكم الذِّمِّيّ لأمانه وَقَالَ ابْن سُرَيج قِيَاس قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه فِي حكم الْحَرْبِيّ لِأَنَّهُ لم يستوطئ دَارنَا وَالصَّحِيح الأول الثَّانِي الْمُرْتَد لَا يَرث وَلَا يَرِثهُ لَا قريبَة الْكَافِر وَلَا قريبَة الْمُسلم وَلَا قربَة الْمُرْتَد بل مَاله فَيْء وَلَا فرق بَين مَا اكْتسب بعد الرِّدَّة وَبَين مَا اكْتَسبهُ قبله والزنديق حكمه حكم الْمُرْتَد هَذَا إِذا قتل أَو مَاتَ فَإِن عَاد إِلَى الْإِسْلَام اسْتَقر ملكه

الْمَانِع الثَّانِي الرَّقِيق وَهُوَ لَا يَرث وَلَا يُورث سَوَاء كَانَ قِنَا أَو أم ولد أَو مكَاتبا لِأَنَّهُ لَا يملك وَمن يرَاهُ أَهلا للْملك على قَول فَهُوَ ملك بِإِذن السَّيِّد لَا قَرَار لَهُ وَلَا مدْخل للْإِذْن فِي الْمِيرَاث فرع من نصفه حر وَنصفه رَقِيق لَا يَرث وَإِذا مَاتَ فَهَل تَرثه أَقَاربه قَالَ فِي الْقَدِيم لَا يَرث كَمَا لَا يُورث وَقَالَ فِي الْجَدِيد يُورث لِأَنَّهُ تحقق الْملك والقريب أولى النَّاس بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يُورث فَمَاله للسَّيِّد أَو لبيت المَال أَو أَيهمَا أولى بِهِ فِيهِ خلاف

الْمَانِع الثَّالِث الْقَتْل قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ للْقَاتِل من الْمِيرَاث شئ وَالْقَتْل قِسْمَانِ مَضْمُون وَغير مَضْمُون أما الْمَضْمُون فَيُوجب الحرمان سَوَاء ضمن بِالدِّيَةِ أَو الْكَفَّارَة أَو الْقصاص وَسَوَاء كَانَ عمدا أَو خطأ بِسَبَب كحفر الْبِئْر أَو بِمُبَاشَرَة من مُكَلّف أَو مَجْنُون أَو صبي وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يحرم الصَّبِي وَلَا من قتل بِحَفر الْبِئْر فَأَما الذى لَيْسَ بمضمون كَالْقَتْلِ الْمُسْتَحق حدا لله تَعَالَى فالإمام إِذا قتل حدا فَفِي حرمانه ثَلَاثَة أَقْوَال

حَدهَا الْمَنْع لعُمُوم الحَدِيث وَالثَّانِي أَنه لَا يحرم لِأَن الْمَفْهُوم السَّابِق من اللَّفْظ قتل بِغَيْر حق وَلِأَن الإِمَام كالنائب وَالْقَاتِل هُوَ الله عز وَجل وَالثَّالِث أَنه إِن ثَبت بِإِقْرَارِهِ فَلَا حرمَان إِذْ لَا تُهْمَة وَإِن ثَبت بِبَيِّنَة فَرُبمَا يتَطَرَّق تهمته إِلَى القَاضِي فِيهِ أما الْمُسْتَحق الذى يجوز تَركه كَالْقَتْلِ قصاصا وَدفع الصَّائِل وَقتل الْعَادِل الْبَاغِي فِيهِ خلاف مُرَتّب وَأولى بالحرمان لِأَنَّهُ مُخْتَار فِيهِ وَقد قتل لنَفسِهِ وَالْمكْره محروم لِأَنَّهُ آثم وَإِن قُلْنَا إِن الضَّمَان على الْمُكْره وَفِيه وَجه على هَذَا القَوْل

الْمَانِع الرَّابِع استبهام تَارِيخ الْمَوْت فَإِذا مَاتَ جمَاعَة من الْأَقَارِب تَحت هدم أَو غرق أَو فِي سفر واستبهم الْمُتَقَدّم والمتأخر فَيقدر فِي حق كل وَاحِد مِنْهُم كَأَنَّهُ لم يخلف الآخرين فَلَا يتوارثون ويوزع مَال كل وَاحِد مِنْهُم على من هُوَ حَيّ من جملَة الْأَقَارِب إِذْ لَيْسَ التَّقَدُّم بِأولى من التَّأَخُّر وَكَذَلِكَ إِذا علمنَا أَنهم تَلَاحَقُوا فِي الْمَوْت وَلَكِن لم نطلع على التَّرْتِيب وَكَذَلِكَ لَو اطَّلَعْنَا وَلَكِن نسيناه وَفِي هَذِه الصُّورَة الْأَخِيرَة احْتِمَال وَقد ذكرنَا فِي مثل هَذِه الصُّورَة فِي النكاحين والجمعتين خلافًا لِأَن إِعَادَة الْجُمُعَة وَفسخ النِّكَاح لَهُ وَجه وَهَاهُنَا لَا حِيلَة فِيهِ وَلَا معنى للتوقف أبدا

الْمَانِع الْخَامِس اللّعان فَإِنَّهُ يقطع مِيرَاث الْوَلَد وَكَانَ فِي هَذَا لَيْسَ مَانِعا بل هُوَ دَافع للنسب إِلَّا أَنه يقْتَصر أَثَره على الْأَب وَمن يُدْلِي بِهِ أما الْأُم فَالْوَلَد يَرِثهَا وَهِي تَرث الْوَلَد وَلها من مَاله الثُّلُث وَقَالَ ابْن مَسْعُود أمه عصبَة فلهَا الْجَمِيع وَلَو نفى توأمين فَهَل يَرث أَحدهمَا الآخر بالعصوبة الْمَذْهَب أَنه لَا يَرث لِأَنَّهُ لَا يُدْلِي إِلَّا بِقرَابَة الأمومة أما الْأُبُوَّة فقد انْتَفَت فَهُوَ أَخ لأم فَقَط وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ عصبَة والأبوة انْتَفَت فِي حق الْأَب بِحجَّة ضَرُورِيَّة وَهُوَ وَجه لِأَصْحَابِنَا بعيد وَإِذا ولدت الْمَرْأَة من الزِّنَا فَهِيَ تَرثه وَالْولد يَرِثهَا والتوأمان يتوارثان بأخوة الْأُم وَمن ينْسب إِلَى الزِّنَا فَلَا أبوة لَهُ وَلَا مِيرَاث

الْمَانِع السَّادِس الشَّك فِي الِاسْتِحْقَاق وَسَببه أَرْبَعَة أُمُور الأول التَّرَدُّد فِي الْوُجُود وَذَلِكَ فِي الْمَفْقُود والأسير الذى انْقَطع خَبره فَلَا يَرث عَنهُ أحد مَا لم تقم بَيِّنَة على مَوته أَو لم تمض مُدَّة يقْضِي الْحَاكِم فِي مثلهَا بِأَن ذَلِك الشَّخْص لَا يحيا أَكثر من ذَلِك وَتعْتَبر الْمدَّة من وَقت ولادَة الْمَفْقُود لَا من وَقت غيبته فَإِذا قضى بِمَوْتِهِ وَرثهُ أَقَاربه الموجودون وَقت الحكم لَا وَقت الْغَيْبَة فَأَما مِيرَاثه من الْحَاضِرين فَيجب التَّوَقُّف فِي نصِيبه إِذا مَاتَ لَهُ قريب فَإِن حكم القَاضِي بِمَوْتِهِ بعد ذَلِك فَيقدر كَأَنَّهُ لم يكن مَوْجُودا عِنْد موت قَرِيبه وَيصرف الْمَوْقُوف إِلَى الْوَرَثَة الْمَوْجُودين من حَال موت قريب الْمَفْقُود وَأما الْحَاضِرُونَ فَإِن كَانَ الْمَفْقُود مِمَّن يتَصَوَّر حجب الْحَاضِر بِهِ فَلَا يصرف إِلَيْهِم شئ وَإِن تصور أَن يحجب عَن الْبَعْض فَيتَوَقَّف فِي قدر الِاحْتِمَال وَلَا يصرف إِلَيْهِم إِلَّا المستقين ونأخذ بِأَسْوَأ الْأَحْوَال فِي حق كل وَاحِد فَإِن كَانَ النُّقْصَان فِي تَقْدِير الْحَيَاة قدرناها وَإِن كَانَ فِي تَقْدِير الْمَوْت قَدرنَا الْمَوْت حَتَّى إِذا خلفت الْمَرْأَة زوجا وأختين لأَب حاضرتين وأخا لأَب مفقودا فَإِن كَانَ

الْأَخ مَيتا فَللزَّوْج النّصْف وللأختين الثُّلُثَانِ وَالْمَسْأَلَة تعول إِلَى سَبْعَة من سِتَّة وَإِن كَانَ حَيا فَللزَّوْج نصف غير عائل وَالرّبع للأختين فَلَا يصرف إِلَى الزَّوْج إِلَّا ثَلَاثَة أَسْبَاع المَال وَهُوَ النّصْف العائل وَيقدر موت الْمَفْقُود فِي حَقه لِأَنَّهُ أَسْوَأ الْأَحْوَال وللأختين الرّبع على تَقْدِير الْحَيَاة فَإِنَّهُ الأسوأ وَالْبَاقِي مَوْقُوف إِلَى الْبَيَان وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تقدر الْحَيَاة فِي حق كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْحَال فَإِن ظهر نقيضه غَيرنَا الحكم وَمِنْهُم من قَالَ نَأْخُذ بِالْمَوْتِ لِأَن اسْتِحْقَاق هَؤُلَاءِ مستيقن فَإِن ظهر نقيضه غَيرنَا الحكم وَهَذَانِ وَجْهَان متقابلان إِذْ يُقَابل الْأَخير قَول الأول إِن الأَصْل بَقَاء الْحَيَاة فَالصَّحِيح التَّوَقُّف عِنْد الْإِشْكَال السَّبَب الثَّانِي الشَّك فِي النّسَب حَيْثُ يحْتَاج إِلَى الْقَائِف فَحكمه فِي مُدَّة الْإِشْكَال حكم الْمَفْقُود فنأخذ بِأَسْوَأ الْأَحْوَال فِي حق الْجَمِيع السَّبَب الثَّالِث الشَّك بِسَبَب الْحمل فَإِن الْحمل يَرث بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن ينْفَصل حَيا فَلَو انْفَصل مَيتا وَلَو بِجِنَايَة جَان كَانَ كَمَا لَو

انْعَدم من أَصله وَالثَّانِي أَن يكون مَوْجُودا عِنْد الْمَوْت وَهُوَ أَن يُؤْتى بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الْمَوْت فَإِن كَانَ لأكْثر من أَربع سِنِين فَلَا يَرث وَإِن كَانَ بَين المدتين ورث لِأَن النّسَب يثبت وَالْإِرْث يتبع النّسَب وَلَو انْفَصل الْجَنِين وصرخ ثمَّ مَاتَ ورث وَكَذَا إِذا فتح الطّرف وامتص الثدي وأمارات الْحَيَاة ظَاهِرَة وَلَو تحرّك فَإِن كَانَ من قبيل اخْتِلَاج وتقلص عصب وعضلة فَلَا أثر لَهُ وَإِن كَانَ اختياريا كقبض الْأَصَابِع وبسطها فَهُوَ دَلِيل الْحَيَاة وَإِن تردد بَين الْجِهَتَيْنِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يَرث لعدم الْيَقِين وَالثَّانِي يَرث اعْتِمَادًا على غَالب الظَّن بالعلامة

وَلَو برز نصف الْجَنِين وصرخ ثمَّ مَاتَ وانفصل فَفِيهِ وَجْهَان محتملان هَذَا إِذا انْفَصل فَأَما قبل الِانْفِصَال فَهُوَ وَقت الْإِشْكَال فَيقدر أضرّ الْأَحْوَال على بَقِيَّة الْوَرَثَة وأقصى الْمُمكن تَقْديرا أَرْبَعَة من الْأَوْلَاد فِي الْبَطن وَالْأُنُوثَة والذكورة مُحْتَملَة فنقدر مَا هُوَ الأضر بِكُل حَال مِثَاله مَاتَ رجل وَخلف امْرَأَة حَامِلا وأخا لَا شئ للْأَخ فِي الْحَال لاحْتِمَال أَن الْحمل ذكر فيحجب وَلَو خلف أبوين وَامْرَأَة حَامِلا أعطي كل وَاحِد من الْأَبَوَيْنِ السُّدس عائلا من سَبْعَة وَعشْرين لاحْتِمَال أَن يكون الْحمل بنتين فَتَقول الْمَسْأَلَة من أَربع وَعشْرين إِلَى سَبْعَة وَعشْرين يكون للْأُم أَرْبَعَة وَللْأَب

أَرْبَعَة وللمرأة ثَلَاثَة وَلكُل وَاحِد من البنتين ثَمَانِيَة فَهَذَا أضرّ التقديرات فنقدره فِي الْحَال فَإِن قيل وَهل يتسلط الْحَاضِرُونَ على مَا سلم إِلَيْهِم قُلْنَا قَالَ الْقفال لَا إِذْ لَا تصح الْقِسْمَة عَن الْحمل إِلَّا بِالْقَاضِي وَلَيْسَ للْقَاضِي التَّصَرُّف فِي مَال الأجنة بِخِلَاف الغائبين وَالصَّحِيح أَنهم يتسلطون وَأَنه يجب على القَاضِي أَن يَنُوب فِي الْقِسْمَة كَيْلا تتعطل الْحُقُوق فَإِن قيل فَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة الْحمل فَرُبمَا تكون معاندة فَكيف ينْتَظر بقولِهَا أَربع سِنِين قُلْنَا إِن ظهر مخايل الْحمل أَو كَانَت قريبَة الْعَهْد بِوَطْء يحْتَمل الْعلُوق فَلَا بُد من التَّوَقُّف وَإِن لم يظْهر مثل هَذِه العلامات فَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة وَالْأولَى الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا فَإِنَّهَا أعلم بالعلامات الْخفية وَهِي مؤتمنة فِي رَحمهَا

السَّبَب الرَّابِع الخنوثة وَالْخُنْثَى مُشكل الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَقَالَ بعض أهل الْعلم لَا يَرث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذكر وَلَا أُنْثَى وَلَيْسَ فِي الْكتاب إِلَّا مِيرَاث الذُّكُور وَالْإِنَاث وَقيل أَيْضا يَأْخُذ نصف نصيب الذّكر وَنصف نصيب الْأُنْثَى وَإِنَّمَا مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه إِمَّا ذكر وَإِمَّا أُنْثَى وَهُوَ مُشكل فَيَأْخُذ فِي الْحَال بأضر التقديرات إِلَى الْبَيَان كَمَا فِي الْحمل والمفقود مسَائِله إِذا مَاتَ وَخلف أَخا لأَب وَولدا خُنْثَى فَلَا شئ للْأَخ لاحْتِمَال أَنه ابْن للخنثى النّصْف فِي الْحَال لِأَنَّهُ أضرّ أَحْوَاله وَلَو كَانَا وَلدين خنثيين فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ فِي الْحَال لِأَنَّهُ الأضر وَالْبَاقِي مَوْقُوف بَينهمَا وَبَين الْأَخ إِلَى الْبَيَان والاصطلاح مِنْهُم على شئ وَلَو كَانُوا ثَلَاثَة خناثى يدْفع إِلَى كل وَاحِد خمس المَال فِي الْحَال لاحْتِمَال أَنه أُنْثَى وصاحباه ذكران وَيُوقف بَين الخناثى مَا بَين ثَلَاثَة أَخْمَاس إِلَى تَمام الثُّلثَيْنِ لَاحق فِيهِ للْأَخ وَيُوقف الثُّلُث الْبَاقِي بَينهم وَبَين الْأَخ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي حِسَاب الْفَرَائِض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي مقدرات الْفَرَائِض ومستحقيها ومخارجها وعولها أما المقدرات فستة النّصْف وَنصفه وَهُوَ الرّبع وَنصف نصفه وَهُوَ الثّمن وَالثُّلُثَانِ ونصفهما وَهُوَ الثُّلُث وَنصف نصفهما وَهُوَ السُّدس أما مستحقوها فالنصف فرض خَمْسَة الزَّوْج فِي حَالَة وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت للْأَب وَالأُم وَالْأُخْت للْأَب على مَا سبق وَالرّبع فرض الزَّوْج فِي حَالَة وَالزَّوْجَة فِي حَالَة وَالثمن فرض الزَّوْجَة فَقَط

وَالثُّلُثَانِ فرض أَرْبَعَة بِنْتي الصلب وبنتي الابْن والأختين للْأَب وَالأُم والأختين للْأَب وَالثلث فرض اثْنَتَيْنِ فرض الْأُم فِي حَالَة وَأَوْلَاد الْأُم إِذا زادوا على وَاحِد وَالسُّدُس فرض سَبْعَة الْأُم وَالْأَب وَالْجد وَالْجدّة وَبنت الابْن تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالْأُخْت للْأَب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالْوَاحد من أَوْلَاد الْأُم أما مخارج هَذِه المقدرات سَبْعَة فَإِن كَانُوا عصبات فَالْمَسْأَلَة من عدد رُءُوسهم وَإِن كَانَ فيهم إناث فَيقدر كل ذكر مَكَان أنثيين وَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة أَصْحَاب السِّهَام فالمخارج سَبْعَة اثْنَان وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَسِتَّة وَثَمَانِية وَاثنا عشر وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وكل فَرِيضَة احتجت فِيهَا إِلَى نِصْفَيْنِ أَو إِلَى نصف وَمَا بَقِي فَهُوَ من اثْنَيْنِ

وَإِن احتجت إِلَى ثلث وَمَا بَقِي أَو إِلَى ثلثين وَمَا بَقِي أَو إِلَى ثلث وثلثين فأصلها من ثَلَاثَة وَإِن احتجت إِلَى ربع وَمَا بَقِي أَو إِلَى ربع وَنصف وَمَا بَقِي فَمن أَرْبَعَة وَإِن احتجت إِلَى سدس وَمَا بَقِي أَو إِلَى سدس وَثلث أَو سدس وَنصف أَو سدس وثلثين فَمن سِتَّة وَإِن احتجت إِلَى ثمن وَمَا بَقِي أَو ثمن وَنصف وَمَا بَقِي فَمن ثَمَانِيَة وَإِن احتجت إِلَى سدس وَربع فَمن اثْنَي عشر وَإِن احتجت إِلَى ثمن وَسدس أَو ثمن وثلثين فَمن أَربع وَعشْرين وَزَاد زائدون على الْأُصُول السَّبْعَة ثَمَانِيَة عشر وستا وَثَلَاثِينَ وَهَذَا يحْتَاج إِلَيْهِ

فِي مسَائِل الْجد إِذا افْتقر إِلَى مُقَدّر وَثلث مَا يبْقى بعد الْمُقدر فَأَما عول هَذِه الْأُصُول فَلَا يدْخل الْعَوْل إِلَّا على ثَلَاثَة من الْأُصُول السَّبْعَة وَهِي السِّتَّة والاثنا عشر والأربع وَالْعشْرُونَ وَلَا يُوجد الْعَوْل فِي الْبَاقِي فالستة تعول بسدسها إِلَى سَبْعَة وبثلثها إِلَى ثَمَانِيَة وبنصفها إِلَى تِسْعَة وبثلثيها إِلَى عشرَة وَلَا يزِيد عَلَيْهِ والاثنا عشر تعول بِنصْف سدسها إِلَى ثَلَاثَة عشر وبريعها إِلَى خَمْسَة عشر وبربعها وسدسها إِلَى سَبْعَة عشر وَلَا تعول إِلَى الشفع وَهُوَ أَرْبَعَة عشر وَسِتَّة عشر وَلَا تزيد عَلَيْهِ وَأما الْأَرْبَع وَعِشْرُونَ فيعول بِثمنِهَا إِلَى سَبْعَة وَعشْرين فَإِذا خلف الْمَيِّت زوجا وأختين فتعول من السِّتَّة إِلَى سَبْعَة للزَّوْج ثَلَاثَة وللأختين أَرْبَعَة

أما الْأَرْبَع وَالْعشْرُونَ فَلَا تعول إِلَّا إِلَى سَبْعَة وَعشْرين فَقَط والعول عبارَة عَن الرّفْع وَمَعْنَاهُ رفع الْحساب حَتَّى يدْخل النُّقْصَان على الْكل على نِسْبَة الْوَاحِد لما ضَاقَ المَال عَن الْوَفَاء بالمقدرات وَقد اتّفقت الصَّحَابَة فِي عهد عمر رَضِي الله عَنهُ على الْعَوْل وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا توفّي عمر خَالف وَقَالَ من شَاءَ باهلته أَن الذى أحصى رمل عالج عددا لم يَجْعَل فِي المَال نصف وثلثين فَقيل هلا قلت ذَلِك فِي عهد عمر رَضِي الله عَنهُ فاقل كَانَ رجلا مهيبا فهبته

الْفَصْل الثَّانِي فِي طَرِيق تَصْحِيح الْحساب وَتقدم عَلَيْهِ مُقَدّمَة وَهُوَ أَن كل عددين فينسب أَحدهمَا إِلَى الآخر إِمَّا بالتداخل أَو بالتوافق أَو بالتباين وَمعنى التباين انْتِفَاء الْمُوَافقَة والمداخلة والمتداخلان كل عددين مُخْتَلفين أقلهما هُوَ جُزْء من الْأَكْثَر وَلَا يزِيد على نصفه كالثلاثة من التِّسْعَة فَإِنَّهَا ثلثهَا والخمسة من الْعشْرَة فَإِنَّهُ نصفهَا والاثنين من الثَّمَانِية فَإِنَّهَا ربعهَا والمتوافقان كل عددين مُخْتَلفين لَا يدْخل الْأَقَل فِي الْأَكْثَر وَلَكِن يفنيهما جَمِيعًا عدد آخر أكبر من الْوَاحِد كالستة وَالْعشرَة يغنيهما جَمِيعًا الِاثْنَان فهما موافقان بِالنِّصْفِ والتسعة مَعَ خَمْسَة عشر تغنيهما جَمِيعًا الثَّلَاثَة فهما متوافقان بِالثُّلثِ والمتباينان مَا لَيْسَ بَينهمَا مُوَافقَة وَلَا مداخلة فَإِذا أردْت أَن تعرف المداخلة والموافقة فأسقط الْأَقَل من الْأَكْثَر مرَّتَيْنِ أَو أَكثر على حسب الْإِمْكَان فَإِن فني بِهِ فهما متداخلان فَإِذا سَقَطت مرّة فَبَقيَ شئ أَو مرَارًا فَبَقيَ شَيْء فَلَا مداخلة فاطلب

الْآن الْمُوَافقَة وَطَرِيقه أَن تسْقط الْبَاقِي من الْعدَد الْأَقَل مرَارًا على حسب الْإِمْكَان فَإِن بَقِي شئ فأسقط تِلْكَ الْبَقِيَّة من الباق من الأول مرَارًا فَلَا تزَال تفعل ذَلِك إِلَى أَن يفنى فَإِن فنيا بِالْوَاحِدِ فهما متباينان وَإِن فنيا بِعَدَد فهما متوافقان بالجزء الْمُشْتَقّ من ذَلِك الْعدَد فَإِن فنيا بِاثْنَيْنِ فبالنصف أَو بِثَلَاثَة فبالثلث أَو بِتِسْعَة فبالتسع أَو بِأحد عشر فيجزء من أحد عشر جُزْءا وعَلى هَذَا الْقيَاس مِثَاله إِذا أردْت أَن تعرف نِسْبَة سَبْعَة من ثَمَانِيَة وَعشْرين فأسقط السَّبْعَة مِنْهُ مرَارًا فتضني بِأَرْبَع مَرَّات فهما متداخلان فَإِن أدرت أَن تعرف اثنى عشر من اثْنَيْنِ وَعشْرين فَتسقط مرّة فَلَا يبْقى إِلَّا عشرَة فَلَا مداخلة فأسقط الْآن الْعشْرَة من اثْنَي عشر فَيبقى اثْنَان فأسقط الِاثْنَيْنِ من الْعشْرَة فيفنى بِهِ فهما متوافقان بِالنِّصْفِ أَعنِي اثْنَي عشرَة واثنين وَعشْرين وَإِن أردْت أَن تعرف ثَلَاثَة عشر من ثَلَاثِينَ فَتسقط مِنْهُ مرَّتَيْنِ فَيبقى أَرْبَعَة فَتسقط من ثَلَاثَة عشر ثَلَاث مَرَّات فَبَقيَ وَاحِد فَتسقط من الْأَرْبَعَة

أَربع مَرَّات فتفنى بِهِ فهما متباينان وَإِذ فنيا بِالْوَاحِدِ رَجعْنَا إِلَى الْمَقْصُود فَإِذا عرفت أصل الْمَسْأَلَة بعولها فَانْظُر فَإِن انقسم على الْوَرَثَة وَلم ينكسر فقد صحت الْمَسْأَلَة من أَصْلهَا وَإِن انْكَسَرَ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن ينكسر على فريق وَاحِد أَو على فريقين أَو على ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة لَا يزِيد على الْأَرْبَعَة الْقسم الأول أَن ينكسر على فريق وَاحِد فطريقة أَن ينْسب النَّصِيب إِلَى عدد الْفَرِيق الذى انْكَسَرَ عَلَيْهِم فَإِن لم يُوَافقهُ بِجُزْء فَيضْرب عدد رُءُوسهم فِي أصل الْمَسْأَلَة فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة وَإِن وَافق بِجُزْء فَاضْرب جُزْء الوفق من عدد الرُّءُوس فِي أصل الْمَسْأَلَة فَلَمَّا بلغ فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة مِثَاله زوج وَبنت وَابْن ابْن للزَّوْج الرّبع وللبنت النّصْف وَالْبَاقِي لِابْنِ الابْن وَقد صحت الْمَسْأَلَة من أَرْبَعَة وانقسم وَلَو خلف بِنْتا وَابْني ابْن

فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ للْبِنْت النّصْف وَيبقى وَاحِد لَا يَنْقَسِم على اثْنَيْنِ فَتضْرب عدد الِاثْنَيْنِ فِي أصل الْمَسْأَلَة فَتَصِير أَرْبَعَة فَمِنْهَا تصح كَانَ للْبِنْت وَاحِد مَضْرُوب فِي اثْنَيْنِ فلهَا اثْنَان وَكَانَ للابنتين وَاحِد مَضْرُوب فِي اثْنَيْنِ فَلَهُمَا اثْنَان لكل وَاحِد وَاحِد وَلَو خلف أما وَأَرْبَعَة أعمام الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة للْأُم وَاحِد يبْقى اثْنَان لَا يَنْقَسِم على أَرْبَعَة وَلَكِن يُوَافق بِالنِّصْفِ فَيضْرب جُزْء الوفق من عدد الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ اثْنَان فِي أصل الْمَسْأَلَة هُوَ ثَلَاثَة فَتَصِير سِتَّة كَانَ للْأُم وَاحِد ضرب فِي اثْنَيْنِ فلهَا من السِّتَّة اثْنَان وَهُوَ الثُّلُث وَكَانَ للأعمام من الأَصْل اثْنَان مضروبان فِي اثْنَيْنِ فَهُوَ أَرْبَعَة فينقسم عَلَيْهِم الْقسم الثَّانِي أَن ينكسر على فريقين وَلها أَحْوَال ثَلَاث إِحْدَاهَا أَن توَافق سِهَام كل فريق عدد رُءُوس الْفَرِيقَيْنِ بِجُزْء فَإِن كَانَ كَذَلِك فَرد عدد كل فريق إِلَى جُزْء الوفق

الثَّانِيَة أَن لَا يُوَافق أصلا فاترك عدد كل فريق بِحَالهِ الثَّالِثَة أَن يُوَافق وَاحِد دون الآخر فَمَا وَافق يرد عدد ذَلِك الْفَرِيق إِلَى الوفق وَمَا لم يُوَافق فَاتْرُكْهُ بِحَالهِ ثمَّ إِذا فرغت من ذَلِك فَانْظُر إِلَى مَا حصل مِمَّن عدد الْفَرِيقَيْنِ فَإِن كَانَا متماثلين فاطرح أَحدهمَا واكتف بِالْآخرِ وَاضْرِبْهُ فِي أصل الْمَسْأَلَة بعولها فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة وَإِن لم يَكُونَا متماثلين فَانْظُر فَإِن كَانَا متداخلين وَهُوَ أَن يكون الْأَقَل جُزْءا من الْأَكْثَر لَا يزِيد على نصفه فاطرح الْأَقَل وَاضْرِبْ الْأَكْثَر فِي أصل الْمَسْأَلَة بعولها إِن عالت فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة وَإِن كَانَ متباينين فَاضْرب أَحدهمَا فِي الآخر فَمَا بلغ فَاضْرِبْهُ فِي أصل الْمَسْأَلَة فَمَا بلغ صحت مِنْهُ الْمَسْأَلَة وَإِن كَانَا متباينين فَاضْرب جُزْء الوفق من أَحدهمَا فِي جملَة الآخر ثمَّ اضْرِب الْمَجْمُوع فِي أصل الْمَسْأَلَة فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة مِثَاله أَخَوان لأم وَثَلَاثَة إخْوَة لأَب أصل الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة لأخوي الْأُم وَاحِد ينكسر عَلَيْهِمَا وَلَا مُوَافقَة ولإخوة الْأَب اثْنَان ينكسر عَلَيْهِم وَلَا مُوَافقَة فَاضْرب عدد ولد الْأُم وَهُوَ

اثْنَان فِي عدد ولد الْأَب وَهُوَ ثَلَاثَة فَبلغ سِتَّة فاضربها فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة فَيبلغ ثَمَانِيَة عشر فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة كَانَ لولد الْأُم من الأَصْل سهم فِي سِتَّة يكون لَهما سِتَّة لكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة وَكَانَ لولد الْأَب سَهْمَان فِي سِتَّة يكون اثْنَي عشر لكل وَاحِد أَرْبَعَة ثَلَاث بَنَات وَبنت ابْن وَابْن ابْن أَصْلهَا من ثَلَاثَة للبنات الثُّلُثَانِ سَهْمَان على ثَلَاثَة لَا يَصح وَلَا يُوَافق ولأولاد الابْن وَاحِد على ثَلَاثَة لَا يَصح وَلَا يُوَافق فقد وَقع الْكسر على جِنْسَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا متماثلان فَإِن كل وَاحِد من عدد الرُّءُوس ثَلَاثَة فتكتفي بِأَحَدِهِمَا وتضرب فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهِي أَيْضا ثَلَاثَة فَيصير تِسْعَة فَمِنْهَا تصح كَانَ للبنات سَهْمَان فِي ثَلَاثَة يكون لَهُنَّ سِتَّة لكل وَاحِدَة سَهْمَان وَكَانَ لأَوْلَاد الابْن من الأَصْل سهم وَقد ضرب فِي ثَلَاثَة فَيكون ثَلَاثَة للِابْن اثْنَان وللبنت وَاحِد ثَلَاث بَنَات وَسِتَّة إخْوَة لأَب أَصْلهَا من ثَلَاثَة للبنات الثُّلُثَانِ سَهْمَان على ثَلَاثَة لَا يَصح وَلَا يُوَافق

الْبَاقِي للإخوة وهم سِتَّة مِنْهُم على سِتَّة لَا يَصح وَلَا يُوَافق وَأحد الجنسين يدْخل فِي الآخر أَعنِي الثَّلَاثَة فِي السِّتَّة فيكتفي بالستة وَيضْرب فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهِي سِتَّة فَيبلغ ثَمَانِيَة عشر فَمِنْهَا تصح وَطَرِيق الْقِسْمَة مَا مضى زوج وَثَمَانِية إخْوَة لأم وتسع أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة وتعول إِلَى تِسْعَة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة وللإخوة للْأُم سَهْمَان على ثَمَانِيَة لَا يَصح وَلَكِن يُوَافق بِالنِّصْفِ فَيرد عدد رُءُوسهم إِلَى الوفق فتعود إِلَى أَرْبَعَة وللأخوات الثُّلُثَانِ أَرْبَعَة على تِسْعَة لَا تصح وَلَا توَافق فقد انْكَسَرَ على جِنْسَيْنِ أَحدهمَا أَرْبَعَة وَالْآخر تِسْعَة لَا مداخلة فَيضْرب أَحدهمَا فِي الآخر فَيبلغ سِتَّة وَثَلَاثِينَ فنضربهما فِي الْمَسْأَلَة بعولها وَهِي تِسْعَة فَيبلغ ثلثمِائة وَأَرْبَعَة وَعشْرين كَانَ للزَّوْج من الأَصْل ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ فَلهُ مائَة وَثَمَانِية وَكَانَ للإخوة من الْأُم سَهْمَان فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ يكون لَهُم اثْنَان وَسَبْعُونَ بَينهم على ثَمَانِيَة لكل وَاحِد تِسْعَة وَكَانَ للأخوات أَرْبَعَة فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ يكون لَهُم مائَة

وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ لكل وَاحِد سِتَّة عشر الْقسم الثَّالِث أَن ينكسر على ثَلَاث فرق وَطَرِيق مَا سبق فِي الْفَرِيقَيْنِ فَإِن وَافق جَمِيع السِّهَام عدد الرُّءُوس يرد عدد الرُّءُوس إِلَى جُزْء الوفق وَإِن وَافق الْبَعْض ترد ذَلِك إِلَى الوفق دون الْبَاقِي وَإِن لم يُوَافق بشئ فَيتْرك بِحَالهِ ثمَّ ينظر بَين الْأَعْدَاد الثَّلَاثَة فَمَا تماثل مِنْهَا يكْتَفى بِالْوَاحِدِ وَمَا تدَاخل يسْقط الْأَقَل ويكتفى بِالْأَكْثَرِ وَمَا توَافق فَيضْرب جُزْء الوفق من أَحدهمَا فِي مَجْمُوع الآخر وَمَا تبَاين فَنَضْرِب أحد الْأَعْدَاد فِي الثَّانِي فَمَا بلغ فَيضْرب فِي الثَّالِث فَمَا بلغ فَهُوَ الْمبلغ الذى يضْرب فِيهِ أصل الْمَسْأَلَة وَهَكَذَا الْقيَاس فِي الانكسار على أَربع فرق وَهُوَ الْقسم الرَّابِع ومعرفته من الْقيَاس الذى ذَكرْنَاهُ وَاضح

الْفَصْل الثَّالِث فِي حِسَاب الخناثى وَطَرِيقه أَن تصحح الْفَرِيضَة بِتَقْدِير الْأُنُوثَة ثمَّ بِتَقْدِير الذُّكُورَة ثمَّ تطلب الْمُمَاثلَة والمداخلة والموافقة فَإِن تماثلا فيكتفي بِأَحَدِهِمَا وَإِن تداخلا فيكتفي بِالْأَكْثَرِ فَإِن توَافق فَتَردهُ مِثَاله ولدان خنثيان وَعم فالاحتمالات أَرْبَعَة أَن يَكُونَا ذكرين فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ أَو يَكُونَا أنثيين فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَو يكون الْأَكْبَر ذكرا والأصغر أُنْثَى فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَو بِالْعَكْسِ فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة فقد تحصلنا على اثْنَيْنِ وعَلى ثَلَاث مَرَّات فيكتفي بِوَاحِدَة وَيضْرب الِاثْنَيْنِ فِي الثَّلَاثَة فَيصير سِتَّة فَيصح الْمَسْأَلَة

فَيصْرف أَرْبَعَة إِلَيْهِمَا لكل وَاحِد سَهْمَان ويتوقف فِي سَهْمَيْنِ بَينهمَا وَبَين الْعم فَإِن ظهر ذكورة وَاحِد سلمنَا وَاحِدًا من السهمين إِلَيْهِ فَإِن بَان أنوثة الثَّانِي يسلم الْبَاقِي إِلَى الْأَخ وَإِن بَان ذكورته سلم إِلَيْهِ أما إِذا كَانُوا ثَلَاثَة فيتضاعف الِاحْتِمَال بِكُل وَاحِد يزِيد فَإِن كَانَ الِاحْتِمَال فِي اثْنَيْنِ أَرْبعا فَفِي الثَّلَاثَة ثَمَانِيَة وَلَكِن لَا يخْتَلف الحكم بأَرْبعَة مِنْهَا ينشأ من الْأَصْغَر والأكبر فالاحتمالات الْمُعْتَبرَة أَرْبَعَة أَو يَكُونُوا ذُكُورا فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَو يَكُونُوا إِنَاثًا فَالْمَسْأَلَة أَيْضا من ثَلَاثَة وَتَصِح من تِسْعَة أَن يكون ذكر وأنثيان فَتَصِح من أَرْبَعَة أَو أُنْثَى وذكران فَيصح من خَمْسَة فقد تحصلنا على أَرْبَعَة أعداد ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة وَتِسْعَة إِلَّا أَن الثَّلَاثَة دَاخِلَة فِي التِّسْعَة فنسقطها فَيبقى ثَلَاثَة أعداد فَنَضْرِب خَمْسَة فِي أَرْبَعَة فَيصير عشْرين فَنَضْرِب الْعشْرين فِي التِّسْعَة الَّتِي هى الْعدَد الثَّالِث

فَيصير مائَة وَثَمَانِينَ فَمِنْهَا تصح الْمَسْأَلَة بِكُل تَقْدِير يفْرض وَلَو كَانَ خُنْثَى وَولد ابْن خُنْثَى وعصبة فالأحوال أَرْبَعَة أَن يَكُونَا ذكرين فَالْمَسْأَلَة من وَاحِد أَو أنثيين فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة أَو الْأَعْلَى ذكرا والأسفل أُنْثَى فَالْمَسْأَلَة من وَاحِد إِذا المَال للأعلى أَو بِالْعَكْسِ فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ فقد تحصلنا على اثْنَيْنِ وَسِتَّة وعَلى وَاحِد مرَّتَيْنِ فيكتفي بِأَحَدِهِمَا والاثنان دَاخل فِي السِّتَّة وَكَذَا الْوَاحِد فَتَصِح الْفَرِيضَة من سِتَّة يصرف إِلَى ولد الصلب النّصْف وَهُوَ ثَلَاثَة فَإِنَّهُ أضرّ أَحْوَاله فَإِن بَان ذكورته صرف إِلَيْهِ الْبَاقِي وَإِن بَان ذكورة الْأَسْفَل دون الْأَعْلَى لم نصرف إِلَيْهِ شَيْئا لاحْتِمَال أَن الْأَعْلَى ذكر وَإِن بَان أنوثة الْأَعْلَى دون الْأَسْفَل صرف إِلَى الْأَسْفَل فِي الْحَال سهم لِأَن أضرّ أَحْوَاله أَن يكون أُنْثَى فَيسْتَحق الْوَاحِد وَلَا يصرف إِلَى الْعصبَة شئ مادام يُمكن أَن يكون أَحدهمَا ذكرا

الْفَصْل الرَّابِع فِي حِسَاب المناسخات وَصُورَة هَذَا الْبَاب أَن يَمُوت إِنْسَان فَلَا يقسم مِيرَاثه حَتَّى يَمُوت بعض ورثته وَرُبمَا لَا يقسم حَتَّى يَمُوت ثَالِث ورابع وخامس ومطلوب الْبَاب تَصْحِيح مَسْأَلَة الْمَيِّت الأول من عدد يَنْقَسِم نصيب كل ميت مِنْهُ بعده على مَسْأَلته وَلَو أفرد مُفْرد كل مَسْأَلَة بحسابها لم يكن وافيا بمقصود الْمسَائِل فَإِن فَرْضه قسْمَة الْمسَائِل على حِسَاب وَاحِد من جِهَة أَن التَّرِكَة وَاحِدَة فِي غَرَض السُّؤَال فَالْأَصْل فِي حِسَاب الْبَاب أَن تنظر فَإِن كَانَ وَرَثَة الْمَيِّت الثَّانِي وَالثَّالِث وَمن بعدهمْ وَرَثَة الْمَيِّت الأول وَكَانَ ميراثهم من كل وَاحِد على سَبِيل فِي ميراثهم الْمَيِّت الأول وَذَلِكَ بِأَن يَكُونُوا عصبَة لكل وَاحِد مِنْهُم فاقسم مَال الْمَيِّت الأول بَين البَاقِينَ من الْمَوْتَى كَأَنَّهُ مَا خلف غَيرهم وَإِن كَانُوا ذُكُورا فبالسوية وَإِن كَانُوا ذُكُورا وإناثا فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ مِثَاله خلف الْمَيِّت أَربع إخْوَة وأختين ثمَّ مَاتَ أَخ ثمَّ مَاتَ أَخ آخر ثمَّ مَاتَت أُخْت وكل ذَلِك قبل قسْمَة التَّرِكَة

فينقسم المَال للْأولِ وَالثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع على أَخَوَيْنِ وَأُخْت بَينهم على خَمْسَة أسْهم كَأَن كل وَاحِد مِنْهُم مَا خلف إِلَّا أَخَوَيْنِ وأختا فَإِن كَانَ وَرَثَة الْمَيِّت الثَّانِي يَرِثُونَ مِنْهُ خلاف ميراثهم من الأول أَو ورثوا من الثَّانِي وَلم يرثوا من الأول فصحح مَسْأَلَة كل وَاحِد من الميتين واستخرج نصيب الْمَيِّت الثَّانِي من مَسْأَلَة الْمَيِّت الأول وَالنَّظَر فَإِن كَانَ نصِيبه يَصح على مَسْأَلته فقد صحت المسألتان مِمَّا صحت مِنْهُ مَسْأَلَة الْمَيِّت الأول مِثَاله امْرَأَة مَاتَت وخلفت زوجا وأخوين من أم ثمَّ مَاتَ الزَّوْج وَخلف ابْنا وبنتا فَإِن الْمَسْأَلَة الْمَيِّت الأول تصح من سِتَّة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة ولأخويها الثُّلُث سَهْمَان ثمَّ مَاتَ الزَّوْج عَن ابْن وَبنت ومسألته من ثَلَاثَة ونصيبه من الْمَرْأَة ثَلَاثَة وَهِي صَحِيحَة على مَسْأَلته فاقسم مَال الْمَيِّت الأول على سِتَّة سَهْمَان لأخويها وسهمان لِابْنِ زَوجهَا وَسَهْم لبِنْت زَوجهَا وَمَا يبْقى مِنْهُم للْعصبَةِ وَإِن كَانَ نصيب الْمَيِّت الثَّانِي من مَسْأَلَة الْمَيِّت الأول لَا يَصح على مَسْأَلته فَانْظُر فَإِن لم يُوَافِقهَا بِجُزْء فَاضْرب مَسْأَلَة الْمَيِّت الثَّانِي فِي مَسْأَلَة الْمَيِّت

الأول فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح المسألتان فَمن كَانَ لَهُ من الْمَسْأَلَة الأولى شئ أَخذه مَضْرُوبا فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَمن كَانَ لَهُ من الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة شئ أَخذه مَضْرُوبا فِي نصيب مُوَرِثه عَن الْمَيِّت الأول ومثاله زوج وَأَخَوَانِ لأم وَوَاحِد من الْعَصَبَات ثمَّ مَاتَ الزَّوْج وَخلف خمس بَنِينَ فمسألة الْمَيِّت الأول من سِتَّة وَمَسْأَلَة الْمَيِّت الثَّانِي من خَمْسَة ونصيبه من الأول ثَلَاثَة فَلَا تصح على خَمْسَة وَلَا توَافق فَتضْرب الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَهِي خَمْسَة فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَهِي سِتَّة فَيبلغ ثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تصح المسألتان كَانَ لأخوين من الأول سَهْمَان فِي خَمْسَة فَيكون لَهما عشرَة وَكَانَ لبني الزَّوْج من الثَّانِيَة خَمْسَة مَضْرُوبَة فِيمَا مَاتَ عَنهُ الزَّوْج وَهُوَ ثَلَاثَة يكون لَهُم خَمْسَة عشر لكل وَاحِد مِنْهُم ثَلَاثَة وَكَانَ للْعصبَةِ من الأولى سهم فِي خَمْسَة فَفِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة يكون لَهما خَمْسَة وَقد تمت الْقِسْمَة وَإِن كَانَ نصيب الْمَيِّت الثَّانِي من الْمَسْأَلَة الأولى لَا يَصح على مَسْأَلته وَلَكِن يُوَافق بِجُزْء فَاضْرب وفْق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَا وفْق النَّصِيب فِي الْمَسْأَلَة الأولى فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح المسألتان وَمن لَهُ من الْمَسْأَلَة الأولى شئ أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَمن لَهُ

من الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة شئ أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق نصيب مُوَرِثه من الْمَيِّت الأول مِثَاله زوج وجد وَأم وَثَلَاث إخْوَة لأَب ثمَّ مَاتَ الزَّوْج وَخلف سِتَّة بَنِينَ فمسألة الْمَيِّت الأول تصح من ثَمَانِيَة عشر وَنصِيب الزَّوْج مِنْهَا تِسْعَة ومسألته من سِتَّة والتسعة لَا تصح على سِتَّة وَلَكِن يُوَافِقهَا بِالثُّلثِ فَاضْرب ثلث السِّتَّة لَا ثلث التِّسْعَة وَهُوَ اثْنَان فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَهِي ثَمَانِيَة عشر فتبلغ سِتَّة وَثَلَاثِينَ فَمِنْهَا تصح المسألتان للْأُم من الْمَسْأَلَة الأولى ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ وَهُوَ وفْق السِّتَّة فَيكون لَهَا سِتَّة وَكَانَ للْجدّ من الأولى ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ فَلهُ سِتَّة وللإخوة من الأولى ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ فَيكون لَهُم سِتَّة لكل وَاحِد مِنْهُم اثْنَان وَكَانَ لبني الزَّوْج تِسْعَة مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ فَلهم ثَمَانِيَة شعر وَلكُل وَاحِد من الْبَنِينَ من الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَاحِد مَضْرُوب فِي جُزْء وفْق نصيب مُوَرِثه من الْمَيِّت الأول وَهِي ثَلَاثَة فَيكون الْمبلغ ثَمَانِيَة عشر لكل وَاحِد ثَلَاثَة وعَلى هَذَا فقس إِن مَاتَ ثَالِث ورابع وخامس قبل قسْمَة مَال الْمَيِّت الأول

فصحح مَسْأَلَة كل وَاحِد مِنْهُم فَإِن كَانَ نصيب كل وَاحِد مِنْهُم يَصح على مَسْأَلته فقد صحت الْمسَائِل كلهَا مِمَّا صحت مِنْهُ الْمَسْأَلَة الأولى وَإِن لم يَصح وَلم يُوَافق فَاضْرب الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِيمَا صحت مِنْهُ المسألتان الأوليان وَإِن كَانَ فِي الثَّالِثَة وفْق فَاضْرب وفْق الْمَسْأَلَة فِيمَا صَحَّ مِنْهُ الأوليان وَهَكَذَا فافعل بالرابع وَالْخَامِس وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَمَا بلغ مِنْهُ تصح الْمسَائِل كلهَا فَإِذا أردْت الْقِسْمَة فتعرف مَا يتَحَصَّل لكل وَاحِد بعد كَثْرَة الضَّرْب وتكرره فطريقه أَن تضرب سِهَام وَرَثَة الْمَيِّت الأول فِي مسَائِل المتوفين بعده مَسْأَلَة بعد مَسْأَلَة إِن لم تكن سِهَامهمْ انقسمت عَلَيْهِم وَلَا وافقها وَإِن انقسمت سِهَام بَعضهم على مَسْأَلته فَلَا تضربه فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَاضْرِبْهُ فِي بقايا الْمسَائِل وَإِن وَافَقت سِهَام بَعضهم مَسْأَلته فَاضْرِبْهُ فِي وفْق تِلْكَ الْمَسْأَلَة فَمَا بلغ فَهُوَ نصِيبه وَمن لَهُ من الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَو الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة شئ فَاضْرِبْهُ فِيمَا مَاتَ عَنهُ مُوَرِثه أَو فِي وَفقه أَعنِي وفْق النَّصِيب ثمَّ مَا بلغ فَاضْرِبْهُ فِي مسَائِل المتوفين بعده مَسْأَلَة بعد مَسْأَلَة أَو فِي وفقها أَعنِي وفْق الْمَسْأَلَة إِن كَانَ من جُمْلَتهَا مَا وَافق السِّهَام فِيهِ الْمَسْأَلَة على الشَّرْط الْمَذْكُور فِي الْمَيِّت الأول فَمَا بلغ فَهُوَ نصِيبه من الْمَيِّت الأول مِثَاله امْرَأَة وَأم وَثَلَاث أَخَوَات متفرقات

الْمَسْأَلَة من خَمْسَة عشر عائلا مَاتَت الْأُم وخلفت زوجا وَعَما وبنتين وهما الْأخْتَان من الْأَخَوَات المتفرقة فِي الْمَسْأَلَة الأولى ومسألتها من اثْنَي عشر وَفِي يَدهَا سَهْمَان وَافق مسألتها بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْهُ نصف مسألتها وَهِي سِتَّة فِي الْمَسْأَلَة الأولى تكون تسعين ثمَّ مَاتَت الْأُخْت من الْأَب وخلفت زوجا وَأما وبنتا وأختا لأَب هى وَاحِدَة الْأَخَوَات فِي أصل الْمَسْأَلَة ومسألتها من اثْنَي عشر وَلها من الْمَسْأَلَة سَهْمَان مضروبان فِي وفْق الثَّانِيَة وَهِي سِتَّة يكون اثْنَي عشر وَذَلِكَ منقسم على مسألتها فَصحت الْمسَائِل الثَّلَاثَة من تسعين للْمَرْأَة من الأولى ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي سِتَّة يكون ثَمَانِيَة عشر وَللْأُخْت للْأُم من الأولى سَهْمَان فِي سِتَّة يكون اثْنَي عشر وَلها أَيْضا من الثَّانِيَة أَرْبَعَة فِي وَاحِد فَجَمِيع مَا لَهَا سِتَّة عشر وَللْأُخْت من الْأَب وَالأُم من الأولى سِتَّة فِي سِتَّة وَمن الثَّانِيَة أَرْبَعَة فِي وَاحِد وَوَاحِد وَهُوَ مَا يخرج من قسمته من سِهَام الثَّالِث على مسألتها فَجَمِيع مَالهَا وَاحِد وَأَرْبَعُونَ ولزوج الثَّانِيَة ثَلَاثَة فِي وَاحِد ولعمها سهم فِي وَاحِد

ولزوج الثَّالِثَة ثَلَاثَة فِي وَاحِد ولبنتها سِتَّة فِي وَاحِد ولأمها سَهْمَان فِي وَاحِد مِثَال آخر امْرَأَة وَابْن وَبنت وَأَخ من أَب فَمَاتَ الابْن وَخلف من خلف أَبوهُ وهم أمه وَأُخْته وَعَمه ثمَّ مَاتَت الْبِنْت وخلفت زوجا وبنتا وَمن خلفت ثمَّ مَاتَت الْمَرْأَة وخلفت زوجا وأخا فالمسائل الْأَرْبَعَة كلهَا تصح من مائَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعين على مَا ذكرنَا فِي مراسم الْحساب فَلَا نطول بتفصيله

الْفَصْل الْخَامِس فِي قسْمَة التركات ومضمون هَذَا الْبَاب قسْمَة التركات إِذا كَانَت التَّرِكَة مقدرَة بكيل أَو وزن فَإِن لم تكن التَّرِكَة كَذَلِك فَمَا نحاوله فِي الْبَاب يجْرِي فِي تَقْدِيره قيمَة التَّرِكَة وَهَذَا الْبَاب كثير الْفَائِدَة وَكَأَنَّهُ ثَمَرَة الْحساب فِي الْفَرَائِض فَإِن الْمُفْتِي قد يصحح الْمَسْأَلَة من الْألف والتركة مِقْدَار نزر فَكيف يُفِيد كَلَامه بَيَانا وَنحن نذْكر مثالين أَحدهمَا أَن لَا يكون فِي التَّرِكَة المخلفة كسر وَالثَّانِي أَن يكون فِيهَا كسر فَإِن لم يكن فِيهَا كسر فَالْوَجْه أَن تبين سِهَام الْفَرِيضَة أَولا وتعرف الْعدَد الذى مِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة كَمَا تمهد ذَلِك فِيمَا سبق ثمَّ تنظر إِلَى التَّرِكَة وَتَأْخُذ سِهَام كل وَاحِد من الْوَرَثَة من جملَة الْعدَد الذى صحت الْمَسْأَلَة مِنْهُ وتضربها فِي التَّرِكَة فَمَا بلغ قسم على الْعدَد الذى تصح مِنْهُ الْمَسْأَلَة فَمَا خرج فَهُوَ نصيب ذَلِك الْوَارِث وَلَا فرق بَين أَن يكون فِي الْمَسْأَلَة عول وَبَين أَن لَا يكون فِيمَا عول مِثَال ذَلِك أَربع زَوْجَات وَثَلَاث جدات وست أَخَوان لأَب والتركة خَمْسَة وَسِتُّونَ دِينَارا

أصل الْمَسْأَلَة من اثْنَي عشر وتعول إِلَى ثَلَاثَة عشر وَتَصِح من مائَة وَسِتَّة وَخمسين فَنَقُول حِصَّة كل زَوْجَة من الْعدَد الذى صحت فِيهِ الْمَسْأَلَة مِنْهُ تِسْعَة فَاضْرب تِسْعَة فِي التَّرِكَة وَهِي خَمْسَة وَسِتُّونَ فَبلغ خَمْسمِائَة وَخَمْسَة وَثَمَانِينَ فنقسمهما على الأَصْل الذى مِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة وَهُوَ مائَة وَسِتَّة وَخَمْسُونَ فَيخرج ثَلَاثَة دَنَانِير وَثَلَاثَة أَربَاع دِينَار فَهُوَ نصيب كل وَاحِدَة من الزَّوْجَات من جملَة التَّرِكَة وَنصِيب كل جدة من الأَصْل ثَمَانِيَة فاضربها فِي التَّرِكَة فَمَا بلغ فاقسمها على الأَصْل فَيخرج لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثَلَاثَة دَنَانِير وَثلث فَهُوَ نصيب كل جدة فَكَانَ لكل أُخْت من الأَصْل سِتَّة عشر فاضربها فِي التَّرِكَة فَمَا بلغ فاقسمها على الأَصْل فَيخرج لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِتَّة دَنَانِير وَثُلُثَانِ وَهَذِه الطَّرِيقَة كَافِيَة فِي الْبَاب هَذَا إِذا لم يكن فِي التَّرِكَة كسر فَأَما إِذا كَانَ فِيهَا كسر فنبسط التَّرِكَة حَتَّى تصير

من جنس كسرهَا وَذَلِكَ بِأَن تضرب الصَّحِيح فِي مخرج كَسره وتزيد عَلَيْهِ كَسره فَمَا بلغ فَكَأَنَّهُ هُوَ التَّرِكَة صحاحا فَيقسم كَمَا بَيناهُ فِيمَا تقدم فَمَا خرج لكل وَاحِد مِنْهُم من الْقِسْمَة وَالضَّرْب نقسمهُ على مخرج ذَلِك الْكسر الذى جَعَلْنَاهُ الْكل من جنسه فَمَا خرج فَهُوَ نصِيبه مِثَاله فِي الصُّورَة الَّتِى ذَكرنَاهَا كَانَت التَّرِكَة خَمْسَة وَسِتِّينَ دِينَارا وَثلثا فابسطها أَثلَاثًا تكون مائَة وَسِتَّة وَتِسْعين دِينَارا فَكَأَن التَّرِكَة مائَة وَسِتَّة وَتسْعُونَ دِينَارا فاقسمها بَين أَربع زَوْجَات وَثَلَاث جدات وست أَخَوَات فَمَا خرج لكل وَاحِد من الْوَرَثَة من الْعدَد الْمَبْسُوط فاقسمه على ثَلَاثَة فَمَا خرج نَصِيبا للْوَاحِد فَهُوَ نصيب الْوَاحِد من الْجِنْس الذى تُرِيدُ وَقد أَكثر الْأَصْحَاب فِي ذكر الطّرق فِيهِ وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة وَالله أعلم وَأحكم
كتاب الْوَصَايَا

الْوَصِيَّة عبارَة عَن التَّبَرُّع بِجُزْء من المَال مُضَاف إِلَى مَا بعد الْمَوْت وَقد كَانَت وَاجِبَة فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام فنسخ بِآيَة الْمَوَارِيث وَهِي الْآن جَائِزَة فِي الثُّلُث لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد سَعْدا وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ أوصِي بِجَمِيعِ مَالِي فَقَالَ لَا فَقَالَ بالشطر فَقَالَ لَا فَقَالَ بِالثُّلثِ فَقَالَ النَّاس وَالثلث كثير لِأَن تدع وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تَدعهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ وُجُوه النَّاس فَأفَاد الحَدِيث الْمَنْع مَعَ الزِّيَادَة واستحباب النُّقْصَان من الثُّلُث إِن كَانَت الْوَرَثَة فُقَرَاء ثمَّ الأحب فِي الصَّدقَات التَّعْجِيل فِي الْحَيَاة ثمَّ سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن أفضل الصَّدَقَة فَقَالَ أَن تَتَصَدَّق وَأَنت صَحِيح

شحيح تَأمل الْغنى وتخشى الْفقر وَلَا تمهل حَتَّى إِذا بلغت الْحُلْقُوم قلت لفُلَان كَذَا وَلفُلَان كَذَا فَإِن اخْتَار الْوَصِيَّة فَالْأولى الْمُبَادرَة قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حق امْرِئ مُسلم عِنْده شئ يُوصي فِيهِ أَن يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده هَذَا تمهيد الْكتاب ومقاصده تحصرها أَبْوَاب أَرْبَعَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الْوَصِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الرُّكْن الأول الْمُوصي وَالْوَصِيَّة تصح من كل مُكَلّف حر لِأَنَّهُ تبرع فَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا مَا يعْتَبر فِي التَّبَرُّعَات فَلَا تصح من الْمَجْنُون وَالصَّغِير الذى لَا يُمَيّز وَتَصِح من السَّفِيه الْمَحْجُور عَلَيْهِ بِسَبَب التبذير لِأَن عِبَارَته نَافِذَة فِي الطَّلَاق والأقارير وَفِي وَصِيَّة الصَّبِي وتدبيره قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ صِحَّته لِأَنَّهُ تصرف لَا يضر بِهِ فِي الْحَال والمآل وَلها شبه بالقربات وَالثَّانِي لَا يَصح لفساد عِبَارَته وَلذَلِك بَطل بَيْعه وَإِن وَافق الْعَطِيَّة وَالْوَصِيَّة تمْلِيك فشبهه بالتصرفات أَكثر وَفِي طَريقَة الْعرَاق طرد الْقَوْلَيْنِ فِي المبذر أَيْضا أما الرَّقِيق فَكيف يوصى وَلَا مَال لَهُ

وَلَكِن لَو أوصى ثمَّ عتق وتمول فَالْأَظْهر أَنه لَا ينفذ إِذْ لم يكن أَهلا لَهُ حَالَة العقد وَفِيه وَجه آخر أَنه ينفذ إِذْ كَانَت عِبَارَته صَحِيحَة وَقد تيَسّر الْوَفَاء بهَا عِنْد الْحَاجة أما الْكَافِر فَيصح وَصيته كَالْمُسلمِ وَلَكِن لَو أوصى بِمَا هُوَ مَعْصِيّة عندنَا كبناء الْكَنَائِس البيع أَو الْخمر وَالْخِنْزِير لإِنْسَان وَرفع الْبناء رددناها عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو أوصى بعمارة قُبُور أَنْبِيَائهمْ نفذناه لِأَن كل قبر يزار فعمارته إحْيَاء زيارته وَيجوز ذَلِك فِي قُبُور مَشَايِخ الْإِسْلَام أَيْضا

الرُّكْن الثَّانِي الْمُوصى لَهُ وَالنَّظَر فِي العَبْد وَالدَّابَّة وَالْحَرْبِيّ وَالْقَاتِل وَالْحمل وَالْوَارِث أما العَبْد فَالْوَصِيَّة لَهُ صَحِيحَة فَإِن كَانَ حرا حَال الْقبُول ملك وَإِن كَانَ رَقِيقا انْصَرف إِلَى سَيّده وَفِي افتقار قبُوله إِلَى إِذن السَّيِّد خلاف كَمَا فِي اتهابه فَإِن قُلْنَا يعْتَبر رِضَاهُ فَلَو قبله السَّيِّد بِنَفسِهِ فَفِيهِ خلاف وَوجه الْمَنْع أَن اللَّفْظ تعلق بِالْعَبدِ فَلَا يَنْتَظِم قبُول غَيره فرعان أَحدهمَا أوصى لعبد وَارثه فَإِن عتق قبل مَوته صَحَّ قبُوله وَإِن كَانَ رَقِيقا لم يَصح لِأَنَّهُ يصير ذَرِيعَة إِلَى الْوَصِيَّة إِلَى الْوَارِث وَإِن عتق بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول وَقُلْنَا إِنَّه يملك الْوَصِيَّة بِالْقبُولِ صَحَّ وَإِن قُلْنَا بِالْمَوْتِ فَلَا وَكَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث قد بَاعه من أَجْنَبِي بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول يخرج عَلَيْهِ هَذَا مَا يظْهر لي فِي الْقيَاس

وَأطلق الْأَصْحَاب القَوْل بِأَن الْوَصِيَّة لعبد الْوَارِث بَاطِلَة من غير هَذَا التَّفْصِيل لِأَن وَصِيَّة لوَارث الثَّانِي إِذا أوصى لأم وَلَده جَازَ لِأَنَّهَا حرَّة بعد مَوته وَكَذَا إِن أوصى لمدبره إِن عتق من الثُّلُث وَإِلَّا فَهُوَ وَصِيَّة لعبد الْوَارِث فَلَا يَصح وَإِن أوصى لمكاتبة صَحَّ إِذْ يتَصَوَّر مِنْهُ الِاسْتِقْلَال بِالْملكِ وَكَذَا الْوَصِيَّة لمكاتب الْوَارِث إِلَّا إِذا رق الْمكَاتب فترجع الْوَصِيَّة إِلَى الْوَارِث فَيبْطل أما الدَّابَّة فَإِذا أوصى لَهَا ثمَّ فسر بِإِرَادَة التَّمْلِيك فَهِيَ بَاطِلَة وَكَذَا إِن أطلق لِأَن الْإِطْلَاق يَقْتَضِي التَّمْلِيك وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك للدابة بِخِلَاف العَبْد فَإِنَّهُ أهل لأسباب الْملك وَإِن لم يسْتَقرّ عَلَيْهِ الْملك وَإِن قَالَ أردْت صرفه فِي عَلفهَا فَصَحِيح وَهل يفْتَقر إِلَى قبُول الْمَالِك فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يفْتَقر وَهُوَ اخْتِيَار أبي زيد الْمروزِي وَكَأَنَّهَا وَصِيَّة للدابة وَلكُل كبد حرى أجر

وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا بُد من الْقبُول إِذْ يبعد أَن يُوقف على عبيد الْإِنْسَان ودوابه دون رِضَاهُ فَإِن قُلْنَا لَا بُد من الْقبُول فَإِذا قبل فَهَل يسلم إِلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن على الْمَالِك صرفه إِلَى الدَّابَّة وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال وَكَأَنَّهُ جعل الدَّابَّة كَالْعَبْدِ وَالثَّانِي أَنه يتَعَيَّن على الْوَصِيّ صرفه إِلَى دَابَّته فَإِن لم يكن وَصِيّ فَالْقَاضِي يصرف أَو يُكَلف الْمَالِك بعد قبُوله ذَلِك فرعان أَحدهمَا أَنه لَو قَالَ خُذ هَذَا الثَّوْب وكفن فِيهِ مورثك قَالَ الْقفال للْوَارِث إِبْدَاله تَفْرِيعا على أَن الْكَفَن للْمَالِك وَالْإِضَافَة إِلَى الْمُورث تمْلِيك لَهُ وَهَذَا أبعد مِمَّا ذكره فِي الدَّابَّة وَذَلِكَ أَيْضا بعيد بل الصَّحِيح هَاهُنَا أَن هَذِه عَارِية فِي حق الْمَيِّت الثَّانِي لَو قَالَ وقفت على الْمَسْجِد أَو أوصيت لِلْمَسْجِدِ وَقَالَ أردْت

تمْلِيك الْمَسْجِد فَبَاطِل وَإِن قَالَ أردْت صرفه إِلَى مصْلحَته فَصَحِيح وَإِن أطلق قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هُوَ بَاطِل لِأَن الْمَسْجِد لَا يملك كالبهيمة وَهَذَا فِي الْمَسْجِد بعيد لِأَن الْعرف ينزل الْمُطلق على صرف الْمَنَافِع إِلَى مصْلحَته أما الْحَرْبِيّ فَتَصِح الْوَصِيَّة لَهُ كَمَا يَصح البيع مِنْهُ وَالْهِبَة وَكَذَا الْمُرْتَد وَالذِّمِّيّ وَنقل صَاحب التَّلْخِيص عَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بطلَان الْوَصِيَّة للحربي وَعلل بِانْقِطَاع الْمُوَالَاة وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا معنى لشرط الْمُوَالَاة فِي الْوَصِيَّة وَإِن روعيت فِي الْإِرْث وَلَو أوصى الْمُسلم أَو الذِّمِّيّ لسلاح أهل الْحَرْب أَو الْبيعَة أَو للكنيسة فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهَا مَعْصِيّة بِخِلَاف الْوَصِيَّة لحربي معِين فَإِن الْهِبَة مِنْهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَة أما الْقَاتِل فَفِي الْوَصِيَّة لَهُ ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا الْمَنْع قِيَاسا على الْإِرْث فَإِنَّهُ لما عصى بالتوصل إِلَى السَّبَب عُوقِبَ بنقيض قَصده وَقطع عَنهُ ثَمَرَته وَالْوَصِيَّة أَيْضا ثَمَرَة الْمَوْت وَالثَّانِي الصِّحَّة لَان السَّبَب هُوَ التَّمْلِيك دون الْمَوْت وَهُوَ اخْتِيَار من جِهَته فَأشبه الْمُسْتَوْلدَة إِذا قتلت سَيِّدهَا ومستحق الدّين إِذا قتل من عَلَيْهِ الدّين فَإِنَّهَا تعْتق إِذْ عتقهَا بِاخْتِيَار الِاسْتِيلَاد وَالثَّالِث أَنه إِن أوصى أَولا ثمَّ قتل انْقَطَعت الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ استعجال وَإِن خرج ثمَّ أوصى لَهُ جَازَ أما الْمُدبر إِذا قتل سَيّده فَإِن قُلْنَا التَّدْبِير وَصِيَّة فَيخرج على الْأَقْوَال وَإِن قُلْنَا إِنَّه تَعْلِيق عتق نصفه فتشبيهه بالمستولدة أولى فَإِن قُلْنَا الْوَصِيَّة للْقَاتِل بَاطِل فَهَل تنفذ بِإِجَازَة الْوَرَثَة فِيهِ خلاف كَمَا فِي إجَازَة الْوَصِيَّة للْوَرَثَة وَلَو أوصى لعبد الْقَاتِل كَانَ كَمَا لَو أوصى لعبد الْوَارِث وَلَو أوصى لعبد وَهُوَ قَاتل صَحَّ لِأَن مصب الْملك غَيره أما الْحمل فَالْوَصِيَّة لَهُ صَحِيح بِشَرْطَيْنِ

أَحدهمَا أَن ينْفَصل حَيا فَلَو انْفَصل مَيتا وَلَو بِجِنَايَة جَان فَلَا يسْتَحق إِذْ كُنَّا نُعْطِيه حكم الْأَحْيَاء لتوقع مصيره إِلَى الْحَيَاة الثَّانِي أَن يكون مَوْجُودا حَالَة الْوَصِيَّة وَذَلِكَ بِأَن ينْفَصل لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الْوَصِيَّة فَإِن انْفَصل لأكْثر من أَربع سِنِين فَلم يسْتَحق وَإِن كَانَ لما بَينهمَا نظر إِن كَانَ للْمَرْأَة زوج يَغْشَاهَا لم يسْتَحق لِأَن الطريان ظَاهر وَإِن لم يكن زوج فَوَجْهَانِ وَوجه الِاسْتِحْقَاق أَن تَقْدِير الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ بعيد وَالزِّنَا فَلَا نقدره تحسنا للظن بِالْمُسلمِ أما إِذا صرح بِالْوَصِيَّةِ بِحمْل سَيكون فَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَنَّهُ لَا مُتَعَلق للاستحقاق فِي الْحَال وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِحمْل سَيكون

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يجوز كَالْوَصِيَّةِ بِالْحملِ المنتظر ويتأيد بِجَوَاز الْوَقْف على ولد الْوَلَد أما الْوَارِث فَالْوَصِيَّة لَهُ بَاطِلَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا وَصِيَّة لوَارث ونعني بِهِ إِذا رده بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِن أَجَازُوا وَقُلْنَا إجَازَة الْوَرَثَة تَنْفِيذ لَا ابْتِدَاء عَطِيَّة فَفِي صِحَة هَذِه الْوَصِيَّة بِالْإِجَازَةِ وَكَذَا الْوَصِيَّة للْقَاتِل قَولَانِ أَحدهمَا لَا للنَّهْي الْمُطلق وَالثَّانِي ينفذ وَالنَّهْي منزل على خلاف مُرَاد الْوَرَثَة

وروى ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تجوز لوَارث وَصِيَّة إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة فروع سِتَّة الأول إِذا أوصى لكل وَاحِد بِمِقْدَار حِصَّته فَهُوَ لَغْو لَا فَائِدَة لَا فَأَما إِذا خصصه بِعَين على مِقْدَار حِصَّته فَفِي الْحَاجة إِلَى الْإِجَازَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا وَصِيَّة بِزِيَادَة مَال وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يحْتَاج لِأَن فِي أَعْيَان الْأَمْوَال أغراضا وَكَذَلِكَ لَو أوصى بِأَن تبَاع دَاره من إِنْسَان تنفذ عندنَا وَصيته خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّانِي إِذا وقف على كل وَاحِد قدر حِصَّته فَإِن قُلْنَا الْوَصِيَّة للْوَارِث أصلا بَاطِل وَلَا يتأثر بِالْإِجَازَةِ فَأصل الْوَقْف بَاطِل وَإِن قُلْنَا ينفذ بِالْإِجَازَةِ فَلهُ أَن يرد بِقدر الزَّائِد على الثُّلُث وَلَيْسَ لَهُ إبِْطَال الثُّلُث فَإِنَّهُ لم يخصص بعض الْوَرَثَة بِهِ وَمن وقف عَلَيْهِ لَا يُمكنهُ أَن يرد نصيب نَفسه فَيَقُول خصصني فَإِن التَّخْصِيص يَسْتَدْعِي تعددا

وَيظْهر فهم هَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث وَاحِدًا فليقس عَلَيْهِ الْعدَد أَيْضا الثَّالِث إِذا أوصى بِالثُّلثِ لأَجْنَبِيّ ووارث فَرد مَا للْوَارِث فللأجنبي سدس المَال لِأَنَّهُ أوصى لَهما على صِيغَة التَّشْرِيك بِخِلَاف مَا إِذا أوصى للْوَارِث بِالثُّلثِ ثمَّ أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ فَإِنَّهُ إِن رد مَا للْوَارِث سلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ فِي الصُّورَتَيْنِ الرَّابِع أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ وَلكُل وَاحِد من ابنيه بِالثُّلثِ فَرد مَا لِابْنِهِ سلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ إِذْ لَا مدْخل لإجازة الْوَرَثَة فِي قدر الثُّلُث وَعَن الْقفال وَجه أَنه يسلم للْأَجْنَبِيّ ثلث الثُّلُث لِأَن ثلثه شَائِع فِي الأثلاث وَهُوَ مزيف الْخَامِس لَو أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ ولبعض الْوَرَثَة بِالْكُلِّ وأجبزت الْوَصَايَا فللأجنبي الثُّلُث كَامِلا لَا يزاحمه الْوَارِث وَالثُّلُثَانِ للْوَارِث الْمُوصى بِهِ هَكَذَا حُكيَ عَن ابْن سُرَيج وَلَا يبعد أَن يُقَال إِن الْوَارِث يزاحم فِي الثُّلُث بِكَوْنِهِ موصى لَهُ لَا بِكَوْنِهِ

وَارِثا كَمَا لَو أوصى لأَجْنَبِيّ بِالْكُلِّ ولأجنبي آخر بِالثُّلثِ إِذْ لَا يسلم الثُّلُث لصَاحب الثُّلُث بل يزاحمه فِيهِ السَّادِس أوصى لأَجْنَبِيّ بِالنِّصْفِ ولأحد ابنيه بِالنِّصْفِ وأجيز الْكل سُئِلَ الْقفال عَنهُ ببخارى فَأجَاب بِأَن الْأَجْنَبِيّ يفوز بِالنِّصْفِ وَالِابْن بِالنِّصْفِ فَنقل لَهُ عَن ابْن سُرَيج أَن للْأَجْنَبِيّ النّصْف وللابن الْمُوصى لَهُ ربعا وسدسا يبْقى نصف سدس للِابْن الذى لَيْسَ بموصى لَهُ قَالَ الْقفال فتأملت حَتَّى خرجت وَجهه بِالْبِنَاءِ على الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَة وَهِي أَنه لَو أوصى لأحد ابنيه بِالنِّصْفِ وأجيز شاطر فِي النّصْف الثَّانِي لِأَنَّهُ التَّرِكَة وَلَو أوصى لَهُ بالثلثين فَهَل يشاطر فِي الثُّلُث الْبَاقِي وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالصورة الأولى لِأَن مَا أَخذ بِالْوَصِيَّةِ كَأَنَّهُ لم يكن والتركة هُوَ الْبَاقِي فَكَانَ كَمَا لَو أوصى بالثلثين لأَجْنَبِيّ وأجيز وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَفْهُوم من الْوَصِيَّة لَهُ بالثلثين التَّخْصِيص لَهُ بالسدس الزَّائِد على النّصْف الذى هُوَ قدر حَقه فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تنازعوه فِي ثُلثي الدَّار ليَكُون لَهُ النّصْف بِالْإِرْثِ وَالْبَاقِي بِالْوَصِيَّةِ فعلى هَذَا يَسْتَقِيم مَذْهَب ابْن سُرَيج فَإِن الْأَجْنَبِيّ الْمُوصى لَهُ بِالنِّصْفِ سلم لَهُ الثُّلُث من رَأس المَال من غير حَاجَة إِلَى إجَازَة بَقِي الثُّلُثَانِ التوريث يَقْتَضِي للِابْن الْمُوصى لَهُ الثُّلُث وَقد أوصى لَهُ بِالنِّصْفِ

فخصص بمزيد فَانْقَطع حَقه عَن السُّدس الْبَاقِي وَبَقِي السُّدس خَالِصا للِابْن الذى لم يوص لَهُ إِلَّا أَن الْأَجْنَبِيّ بعد يطْلب سدسا وَقد أجازاه فَيكون نصيب الابْن الذى لم يوص لَهُ فِي ذَلِك إجَازَة نصف السُّدس فَيَأْخُذ مِنْهُ نصف سدسه من هَذَا السُّدس وَيبقى لَهُ نصف سدس وَيَأْخُذ النّصْف الآخر من نصيب الابْن الْمُوصى لَهُ فيكمل لَهُ النّصْف وَينْقص نصيب الْمُوصى لَهُ بِنصْف سدس وَإِن فرعنا على أَنه يشاطر الْمُوصى لَهُ فِي الْبَاقِي فالباقي سدس مُشْتَرك بَين الِابْنَيْنِ وَقد أجازاه للْأَجْنَبِيّ فَيصح مِنْهُ جَوَاب الْقفال

الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمُوصى بِهِ وَلَا يشْتَرط فِيهِ أَن يكون مَالا فَيصح الْوَصِيَّة بالزبل وَالْكَلب وَالْخمر الْمُحرمَة وَلَا كَونه مَعْلُوما فَيصح الْوَصِيَّة بِالْمَجْهُولِ وَلَا كَونه مَقْدُورًا على تَسْلِيمه فَيصح الْوَصِيَّة بالآبق وَالْمَغْصُوب وَالْحمل وَهُوَ مَجْهُول وَغير مَقْدُور عَلَيْهِ وَلَا كَونه معينا فَتَصِح الْوَصِيَّة بِأحد الْعَبْدَيْنِ وَالْأَظْهَر أَنه لَا يَصح الْوَصِيَّة لأحد الشخصين فَلَا يحْتَمل ذَلِك فِي الْمُوصى لَهُ وَإِن احْتمل فِي الْمُوصى بِهِ وَقد ذَكرْنَاهُ نَظِيره فِي الْوَقْف نعم يشْتَرط أَرْبَعَة أُمُور الأول أَن يكون مَوْجُودا فَإِن كَانَ مفقودا كالمنافع جَازَت الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا كالموجود شرعا فِي الْمُعَاوضَة وَفِي الْوَصِيَّة بِالْحملِ الذى سيوجد وَجْهَان مشهوران أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ لَا مُتَعَلق للْوَصِيَّة فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ للْحَمْل الذى سَيكون فَإِنَّهُ مَمْنُوع على الْأَظْهر وَالثَّانِي الْجَوَاز كَمَا فِي الْمَنَافِع وَفِي الثِّمَار الذى ستحدث طَرِيقَانِ

مِنْهُم من ألحق بالمنافع لتكرر وجودهَا فِي الْعَادة وَمِنْهُم من ألحقها بِالْحملِ الثَّانِي أَن يكون مَخْصُوصًا بالموصي فَلَو أوصى بِمَال الْغَيْر فسد وَإِن ملكه بعد ذَلِك لبُطْلَان الْإِضَافَة فِي الْحَال الثَّالِث أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ فَلَا تجوز الْوَصِيَّة بالكلب الذى لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا بِالْخمرِ الْمُسْتَحقَّة الإراقة الَّتِى اتَّخذت للخمرية وَتَصِح الْوَصِيَّة بالجرو إِذْ مصيره إِلَى الِانْتِفَاع وَفِي هبة الْكَلْب وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز كَالْوَصِيَّةِ وَكَأن الْمحرم أَخذ ثمنه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَلْب خَبِيث وخبيث ثمنه

وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الْوَصِيَّة فِي حكم خِلَافه يضاهى الْإِرْث بِخِلَاف الْهِبَة نعم يجرى الْإِرْث فِي حد الْقَذْف وَالْقصاص دون الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع الْمُوصى لَهُ بِهِ فروع الأول من لَا كلب لَهُ إِذا أوصى بكلب لَا يَصح لأَنا نحتاج إِلَى شِرَائِهِ وَهُوَ غير مُمكن وَإِن كَانَ لَهُ كلاب فَفِي كَيْفيَّة خُرُوجه من الثُّلُث خلاف قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِن ملك شَيْئا آخر وَلَو دانقا يَصح الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ خير من كل الْكلاب إِذْ لَا قيمَة للكلب وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا ينفذ إِلَّا فِي ثلث الْكلاب وَكَأَنَّهُ كل مَاله إِذْ لَا يُمكن نسبته

إِلَى سَائِر الْأَمْوَال ثمَّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا كلاب وَأوصى بالكلب فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه ينظر إِلَى الْعدَد فَإِن ملك ثَلَاثَة كلاب نفذت وَصيته بِوَاحِدَة وَمِنْهُم من قدر قيمَة الْكَلْب وَمِنْه من قدر الثُّلُث بِتَقْدِير الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ منتفع بِهِ وَإِذا كَانَ لَهُ خمر وكلب وطبل لَهو فأوصى بِوَاحِد فَلَا يُمكن إِلَّا تَقْدِير الْقيمَة إِذْ لَا مُنَاسبَة فِي الْعدَد وَالْمَنْفَعَة الثَّانِي إِذا أوصى بطبل لَهو وَكَانَ يصلح للحرب بِأَدْنَى تَغْيِير مَعَ بَقَاء اسْم الطبل صحت الْوَصِيَّة

وَلَو كَانَ لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا برضاضه لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يقْصد مِنْهُ الرضاض إِلَّا إِذا كَانَ من ذهب أَو عود أَو شئ نَفِيس فَيصح لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَلَو قَالَ أوصيت برضاض هَذَا الطبل صَحَّ وَتَقْدِيره أَنه لَهُ بعد الْكسر وَالْوَصِيَّة تقبل التَّعْلِيق بِخِلَاف البيع الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يكون الْمُوصى بِهِ زَائِدا على الثُّلُث لقصة سعد فَإِن زَاد على الثُّلُث وَلم يكن لَهُ وَارِث فَالْوَصِيَّة بِالزِّيَادَةِ بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الزِّيَادَة للْمُسلمين وَلَا مجيز لَهُ نعم لَو رأى القَاضِي مصلحَة فِي تِلْكَ الْجِهَة جَازَ لَهُ تقريرها فِيهَا وَإِن كَانَ لَهُ وَارِث فَفِي بطلَان الْوَصِيَّة من أَصْلهَا قَولَانِ كَمَا فِي أصل الْوَصِيَّة للْوَارِث فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بَاطِلَة فالإجازة إِن فرضت فَهِيَ ابْتِدَاء عَطِيَّة تفْتَقر إِلَى الْقَبْض وَالْقَبُول وَهل ينفذ بِلَفْظ الْإِجَازَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يَنْبَنِي على تَقْرِير مَا سبق وَلَا ثبات لما سبق وَالثَّانِي أَنه يَصح وَمَعْنَاهُ تَقْرِير مَقْصُود مَا سبق بِإِثْبَات مثله وعَلى هَذَا إِذا كَانَ الْوَصِيَّة عتقا كَانَ الْوَلَاء للْوَارِث

وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا صَحِيحَة فالإجازة يتَقَيَّد وَالْوَلَاء للمورث وكل تبرع منجز فِي مرض الْمَوْت فَهُوَ أَيْضا مَحْسُوب من الثُّلُث وَكَذَا إِذا وهب فِي الصِّحَّة وَلَكِن أَقبض فِي الْمَرَض وَهَذَا يَسْتَدْعِي بَيَان ثَلَاثَة أُمُور الأول مرض الْمَوْت وَهُوَ كل مرض مخوف يستعد الْإِنْسَان بِسَبَبِهِ لما بعد الْمَوْت كالطاعون والقولنج وَذَات الْجنب والرعاف الدَّائِم والإسهال الْمُتَوَاتر وَقيام الدَّم والسل فِي انتهائه والفالج الْحَادِث فِي ابْتِدَائه والحمى المطبقة لِأَن هَذِه الْأَمْرَاض يظْهر مَعهَا خوف الْمَوْت أما السل فِي ابْتِدَائه والفالج فِي انتهائه والجرب ووجع الضرس والصداع الْيَسِير وَحمى يَوْم ويومين فَكل ذَلِك لَيْسَ بمخوف فَإِذا هجم الْمَرَض الْمخوف حجرنا عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّف فِيمَا يزِيد على الثُّلُث وتوقفنا فِي تبرعاته فَإِن زَالَ نفذناه وتبينا صِحَّته

وَإِن كَانَ غير مخوف كوجع الضرس وَآخر الفالج فالتصرف نَافِذ وَإِن مَاتَ عِنْد ذَلِك فَجْأَة أَو بسب آخر لَا بذلك السَّبَب فَلَا يمْتَنع بِهِ التَّبَرُّعَات المنجزة فَأَما حمى يَوْم ويومين وإسهال يَوْم ويومين فَهُوَ إِذا دَامَ صَار مخوفا وابتداؤه مُشكل فَلَا يحْجر عَلَيْهِ فَإِن دَامَ وَمَات تَبينا فَسَاد التَّصَرُّف إِذْ بَان أَن الأول كَانَ مخوفا وَمَا أشكل من ذَلِك يتعرف من طبيبين مُسلمين لَا من أهل الذِّمَّة فَأَما إِذا كَانَ فِي الصَّفّ وَقد التحم الْفَرِيقَانِ أَو كَانَ فِي الْبَحْر وَقد تموج أَو فِي أسر كفار عَادَتهم قتل الْأُسَارَى أَو قدم للْقَتْل فِي قطع الطَّرِيق أَو الرَّجْم للزِّنَا أَو ظهر الطَّاعُون فِي بلد وَلَكِن بعد لم يظْهر فِي بدنه شئ فَفِي تبرعه فِي هَذِه الْأَحْوَال قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كَالْمَرِيضِ الْمخوف لِأَنَّهُ سَبَب ظَاهر فِي الاستعداد لما بعد الْمَوْت وَالثَّانِي أَنه كَالصَّحِيحِ إِذْ لَا يمس بدنه شئ وَلَا ضبط لما قبل تغير الْبدن للأسباب أما إِذا قدم للْقصَاص فالمنصوص أَنه لَا تعْتَبر عطيته من الثُّلُث مَا لم يخرج

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي هُوَ كالأسير وَقع فِي يَد قوم عَادَتهم الْقَتْل وَفهم من فرق بِأَن الْمُسلم الْغَالِب عَلَيْهِ الرَّحْمَة وَالْعَفو فِي الْقصاص وَأما الْحَامِل فَلَيْسَ بمخوف قبل أَن يضْربهَا الطلق فَإِن ضربهَا الطلق فَهُوَ مخوف وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن السَّلامَة مِنْهُ أَكثر الْأَمر الثَّانِي حد التَّبَرُّع وَهُوَ إِزَالَة الْملك عَن مَال مجَّانا من غير وجوب فالعتق وَالصَّدقَات تبرع وَالزَّكَاة وَالْكَفَّارَة الْوَاجِبَة وَالْحج الْوَاجِب لَيْسَ بتبرع فَمَا أوصى بِهِ لَهَا فَهُوَ من رَأس المَال وَكَذَا قَضَاء الدُّيُون لِأَن ذَلِك يسْتَند إِلَى وجوب فرعان أَحدهمَا إِذا بَاعَ بِثمن الْمثل نفذ وَإِن كَانَ من الْوَارِث

وَكَذَلِكَ إِذا قضى دين بعض الْغُرَمَاء لم يكن للْبَاقِي الْمَنْع وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِيهِ وَفِي البيع من الْوَارِث أما إِذا كَانَ فِي البيع مُحَابَاة فَقدر الْمُحَابَاة حكمه حكم التَّبَرُّعَات وَكَذَلِكَ إِذا نكح امْرَأَة بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل فَالزِّيَادَة تبرع مَحْسُوب من الثُّلُث الثَّانِي إِذا نكحت الْمَرْأَة بِأَقَلّ من مهر الْمثل لم يحْسب من الثُّلُث لِأَنَّهَا لم تنزل إِلَّا عَن الْبضْع والبضع لَيْسَ بِمَال لَو أجر عبيده ودوابه مَعَ الْمُحَابَاة فَهُوَ تبرع لِأَنَّهُ مَال وَلَو أجر نَفسه وحابى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تبرع كمنافع العبيد فَإِن منفعَته مَال وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يعد مَالا يطْمع فِيهِ الْوَارِث فَيُشبه بضع الْمَرْأَة من هَذَا الْوَجْه وَكَانَ ذَلِك يعد امتناعا عَن الِاكْتِسَاب لَا تفويتا الْأَمر الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الاحتساب من الثُّلُث وَوَجهه أَنه إِن كَانَت التَّبَرُّعَات كلهَا منجزة فِي الْمَرَض فَيقدم الأول فَالْأول فَإِن كَانَ الأول هبة وَالثَّانِي عتقا قدمت الْهِبَة لِأَنَّهُ استوفى الثُّلُث بهَا فَسقط الْعتْق بعده

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إنَّهُمَا يتساويان إِذْ لهَذَا قُوَّة الْعتْق ولذاك قُوَّة التَّقَدُّم أما إِذا كَانَت مُتَسَاوِيَة فَإِن كَانَ الْكل هبة ومحاباة فتوزع عَلَيْهِم الثُّلُث على نِسْبَة أقدارها وَإِن كَانَ الْكل عتقا أَقرع بَين العبيد وَلم يوزع حذارا من التشقيص بِخِلَاف الْهِبَة وَلما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقرع بَين سِتَّة أعبد أعنقهم مَرِيض وجزاهم ثَلَاثَة أَجزَاء فأرق أَرْبعا وَأعْتق اثْنَيْنِ وَإِن اجْتمع الْهِبَة وَالْعِتْق فِي حَالَة وَاحِدَة بقول وَكيل أَو بِإِضَافَة الْكل إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَفِي تَقْدِيم الْعتْق قَولَانِ أَحدهمَا لَا للتساوي فِي وَقت الِاسْتِحْقَاق

وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعتْق يزحم ملك الْغَيْر بِالسّرَايَةِ وَفِي إِلْحَاق الْكِتَابَة بِالْعِتْقِ فِي اسْتِحْقَاق تَقْدِيمهَا على الْمُحَابَاة خلاف أما إِذا أضيف الْكل إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَلَا ينظر إِلَى مَا تقدم فِي بعض الْوَصَايَا لِأَن وَقت اللُّزُوم وَاحِد فِي الْكل وَإِنَّمَا يبْقى النّظر فِي تَقْدِيم الْعتْق على غَيره وَلَو أوصى بِعِتْق عبد وعلق عتق آخر على الْمَوْت فَلَا تَقْدِيم لأَحَدهمَا بِحَال فروع الأول إِذا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ غَانِم وَسَالم فَقَالَ لغانم إِن أَعتَقتك فسالم حر ثمَّ أعتق غانما وَالثلث لَا يَفِي إِلَّا بِأَحَدِهِمَا يعْتق غَانِم وَلَا يقرع بَينهمَا إِذْ رُبمَا تخرج الْقرعَة على سَالم فَيُؤَدِّي إِلَى أَن يعْتق دون عتق عانم وَيكون ذَلِك تحصيلا للمسبب دون السَّبَب وَهُوَ محَال أما إِذا كَانَ لَهُ سوى غَانِم عَبْدَانِ فعلق عتقهما بِعِتْق غَانِم ووفى الثُّلُث بغانم وبأحدهما عتق غَانِم وأقرع بَينهمَا فَمن خرجت قرعته عتق الثَّانِي إِذا ملك جَارِيَة حَامِلا ومجموع مَاله ثلثمِائة وَالْولد من الْجُمْلَة مائَة وَالأُم خَمْسُونَ فَقَالَ إِن أعتقت نصف الْحمل فالأم حرَّة ثمَّ أعتق نصف الْحمل عتق

خَمْسُونَ وَبَقِي لنا خَمْسُونَ إِلَى تَمام الثُّلُث مردد بَين النّصْف الآخر من الْوَلَد بِالسّرَايَةِ أَو الْأُم بِالتَّعْلِيقِ فيقرع بَينهمَا فَإِن خرجت على الْوَلَد عتق كُله ورق الْأُم وَإِن خرج على الْأُم لَا يُمكن إِعْتَاق كلهَا إِذا يبْقى بعض الْوَلَد رَقِيقا مَعَ عتق كل الْأُم وَالْولد فِي حكم عُضْو من أعضائها لَا يقبل عتقه الِانْفِصَال عَن عتقهَا فَيعتق بِقدر خمسين مِنْهَا على نِسْبَة وَاحِدَة وَيحكم بِعِتْق نصف الْأُم وَهُوَ خمس وَعِشْرُونَ ليقتضي ذَلِك عتق نصف الْوَلَد وَهُوَ خَمْسُونَ وَلَكِن يخص النّصْف الْحر مِنْهُ النّصْف فَيبقى لِلنِّصْفِ الرَّقِيق النّصْف وَهُوَ قدر خمس وَعشْرين فَيعتق إِذا من الْأُم نصفهَا وَمن الْوَلَد ثَلَاثَة أَرْبَاعه نصف بِالْمُبَاشرَةِ وَربع بسراية عتق الْأُم الثَّالِث إِذا أوصى بِعَبْد لإِنْسَان وَهُوَ ثلث مَاله وَثلثا مَاله غَائِب فَلَا نسلم العَبْد إِذْ المَال رُبمَا يتْلف فَيكون العَبْد كل المَال وَهل يسلم ثلث العَبْد ليتسلط عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ أقل أَحْوَاله

وَالثَّانِي لَا فَإِن حق الشَّرْع أَن لَا يتسلط الْمُوصى لَهُ على شئ إِلَّا ويتسلط الْوَارِث على مثلَيْهِ وَهَاهُنَا لَيْسَ يُمكن تسليط الْوَارِث على الثُّلثَيْنِ من العَبْد فَإِنَّهُ رُبمَا يسلم للْمُوصى لَهُ فَإِن استبهم خبر المَال الْغَائِب وتواطئا على إِشَاعَة الْوَصِيَّة فِي جَمِيع المَال حَتَّى يصير العَبْد مثلثا بَينهم لم يكن لَهما ذَلِك لِأَنَّهُ نقل الْوَصِيَّة من عين إِلَى غَيره وَقَالَ مَالك يجوز ذَلِك للْمصْلحَة وَلَو أعتق عبدا وَهُوَ ثلث مَاله أَو دبره وَثلثا مَاله غَائِب فَفِي تَنْفِيذ الْعتْق فِي ثلث العَبْد الْخلاف الذى ذَكرْنَاهُ بِعَيْنِه فِي الْوَصِيَّة

الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول أما الْإِيجَاب فَقَوله أوصيت لَهُ أَو أَعْطوهُ أَو جعلت هَذَا لَهُ أَو ملكته بعد الْمَوْت وَلَو قَالَ عينت هَذَا لَهُ فكناية وَالْوَصِيَّة تَنْعَقِد بهَا عِنْد النِّيَّة فَإِنَّهُ إِذا قبل التَّعْلِيق بالإغرار فبأن يقبل الْكِنَايَة أولى وَلَو قَالَ وهبت هَذَا مِنْهُ وَنوى الْوَصِيَّة فَفِي كَونه كِنَايَة وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه صَرِيح فِي اقْتِضَاء ملك ناجز وَلَو قَالَ هَذَا لفُلَان ثمَّ قَالَ أردْت الْوَصِيَّة لم يقبل لِأَنَّهُ صِيغَة إِقْرَار إِلَّا أَن يَقُول هَذَا من مَالِي لفُلَان أما الْقبُول فَلَا بُد مِنْهُ وَلَكِن بعد الْمَوْت فَلَا أثر لقبوله ورده قبل موت الْمُوصى وَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْقبُول قَامَ وَارثه مقَامه لِأَنَّهُ حق التَّمَلُّك فَهُوَ بِالْإِرْثِ أولى من الشُّفْعَة وَإِن قبل الْمُوصى لَهُ ثمَّ رده قبل الْقَبْض فَفِي نُفُوذ رده وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ تمّ ملكه بِالْقبُولِ بعد الْمَوْت

وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ ملك بِغَيْر عوض فيتطرق الرَّد إِلَيْهِ هَذَا إِذا أوصى لمعينين أما إِذا أوصى للْفُقَرَاء أَو لجِهَة عَامَّة لزم بِالْمَوْتِ إِذْ لَا يتَصَوَّر شَرط الْقبُول فِيهِ ثمَّ اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي وَقت حُصُول الْملك على ثَلَاثَة أَقْوَال الأول أَنه يحصل بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ أضَاف إِلَى الْمَوْت وَالثَّانِي بِالْقبُولِ إِذْ يبعد أَن يدْخل الشئ فِي ملكه قهرا وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه مَوْقُوف فَإِن قبل تبين حُصُوله بِالْمَوْتِ وَإِن رد تبين أَنه لم يحصل من أَصله فَإِن فرعنا على أَنه يحصل بِالْقبُولِ فَهُوَ قبل الْقبُول ملك الْوَارِث أَو ملك الْمَيِّت فِيهِ وَجْهَان ومنشأ التَّرَدُّد أَن فِي إِضَافَته إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا نوع اسْتِحَالَة إِذْ لَا ملك لمَيت وَلَا مِيرَاث إِلَّا بعد الْوَصِيَّة

وَيتَفَرَّع على الْأَقْوَال مسَائِل خَمْسَة الأولى إِذا حدثت زِيَادَة قبل الْقبُول فَهِيَ للْمُوصى لَهُ على كل قَول إِن قبل الْوَصِيَّة إِلَّا إِذا فرعنا على أَن الْملك يحصل بِالْقبُولِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَهُ نظرا إِلَى الْقَرار وَالثَّانِي لَا إِذْ حدث قبل قبُوله وَملكه وعَلى هَذَا إِن قُلْنَا إِن الْملك للْمَيت فتقضى مِنْهُ الدُّيُون وَإِن قُلْنَا للْوَارِث فَلَا إِذْ الصَّحِيح أَن وَثِيقَة الدّين لَا يتَعَدَّى إِلَى الزِّيَادَة كوثيقة الرَّهْن أما إِذا رد فَالزِّيَادَة من التَّرِكَة بِكُل حَال إِلَّا إِذا فرعنا على أَن الْملك يحصل بِالْمَوْتِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يتبع الأَصْل فِي الرَّد وَالثَّانِي أَنه يبْقى على ملك الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ حصل على ملكه فَهُوَ كزيادة الْمَبِيع الثَّانِيَة النَّفَقَة والمؤن وَزَكَاة الْفطر بَين الْمَوْت وَالْقَبُول على الْمُوصى لَهُ إِن قبل عل كل قَول وعَلى الْوَارِث إِن رد على كل قَول وَلَا يعود الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الزِّيَادَات وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يُقَال الْغرم فِي مُقَابلَة الْغنم وَلَكِن إِدْخَال شئ فِي الْملك قهرا أَهْون من إِلْزَام مُؤنَة قهرا فرع مهما توقف فِي الْقبُول وَالرَّدّ مَعَ الْحَاجة إِلَى النَّفَقَة كلف النَّفَقَة قهرا فَإِن أَرَادَ الْخَلَاص فليرد

وَإِن لم يكن إِلَى النَّفَقَة حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ الْوَارِث أَن يسْتَقرّ الْأَمر مَعَه فَيُطَالب بِالْقبُولِ أَو الرَّد فَإِن توقف حكم عَلَيْهِ بِالرَّدِّ لأجل الْمصلحَة فَيُقَال إِمَّا أَن تقبل أَو نحكم عَلَيْك بِالرَّدِّ إِن توقفت الثَّالِثَة إِذا كَانَ الْمُوصى بِهِ زَوْجَة الْمُوصى لَهُ فَإِن قبل انْفَسَخ النِّكَاح وَإِن رَأينَا الْوَقْف كَانَ بطرِيق التبين من وَقت الْمَوْت وَإِن رد لم يَنْفَسِخ إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه يملك بِالْمَوْتِ فَيفْسخ وَإِن كَانَ الْملك ضَعِيفا لِأَن ملك الْيَمين يضاد ملك النِّكَاح وَإِن كَانَت زَوْجَة الْوَارِث فَإِن قبل الْمُوصى لَهُ لم يَنْفَسِخ نِكَاحه إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه يملك بِالْقبُولِ وَأَنه قبل الْقبُول للْوَارِث فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه بَقَاء النِّكَاح ضعف الْملك مَعَ أَن الِاخْتِيَار إِلَى غَيره بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ فَإِن الِاخْتِيَار إِلَيْهِ وَإِن رد فينفسخ النِّكَاح وَهل يسْتَند إِلَى حَالَة الْمَوْت فِيهِ خلاف منشؤه ضعف ذَلِك الْملك

وَلَو كَانَ الْمُوصى بِهِ قَرِيبا للْمُوصى لَهُ أَو الْوَارِث قرَابَة يعْتق بِالْملكِ فتخريجه على الْأَقْوَال كتخريج انْفِسَاخ نِكَاح الزَّوْجَة الرَّابِعَة إِذا أوصى بِأمة لزَوجهَا الْحر وَولدت قبل الْقبُول بعد الْمَوْت قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عتق الْأَوْلَاد وَلم تكن أمّهم أم ولد لَهُ هَذَا نقل الْمُزنِيّ وَهُوَ خطأ إِذْ لَا وَجه للْفرق بَين الْأُم وَالْولد على كل قَول أثبتنا الْملك أَو نَفينَا أَو توقفنا نعم قَالَ بعد ذَلِك وَلَو مَاتَ الْمُوصى لَهُ فَقبل الْوَارِث عتق الْأَوْلَاد وَهُوَ صَحِيح يخرج على قَوْلنَا يحصل الْملك بِالْمَوْتِ للْمُوصى لَهُ وعَلى قَول الْوَقْف أَيْضا الْخَامِسَة أوصى لَهُ بولده فَمَاتَ فَقبل وَارثه فعتقه يبْنى على أَن الْملك بِمَاذَا يحصل فَإِن قُلْنَا بِالْمَوْتِ أَو قُلْنَا بِالْوَقْفِ تبين الْعتْق على الْمُوصى لَهُ قبل مَوته وَإِن قُلْنَا بِالْقبُولِ فَفِي قبُول الْوَارِث وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَتَرَتَّب على قبُوله كقبول الْمُورث

وَالثَّانِي أَنا نسنده إِلَى ألطف حِين قبل موت الْمُوصى لَهُ فعلى هَذَا هُوَ تَرِكَة يقْضى مِنْهُ الدُّيُون ونتبين عتقه وَإِن قُلْنَا يَتَرَتَّب على الْقبُول فَلَا يعْتق لِأَن الْمَيِّت لَا يعْتق الْقَرِيب عَلَيْهِ بِحَال إِذْ ملكه وَإِن قدر لَا قَرَار لَهُ نعم هَل تقضى الدُّيُون مِمَّا قبله الْوَارِث فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يقْضى إِذْ لم يملكهُ الْمَيِّت وَإِنَّمَا ورث هَذَا حق التَّمْلِيك ابْتِدَاء وَذكر هَذَا الْوَجْه فِي الصَّيْد الْمُتَعَلّق بشبكة نصبها قبل مَوته وَلكنه أبعد فِيهِ وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يقْضى مِنْهُ الدُّيُون وكأنا نقدر حُصُول الْملك للْمَيت مختطفا ثمَّ نقدر انْتِقَاله إِلَى الْوَارِث تلقيا مِنْهُ التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا يعْتق الْوَلَد بِقبُول الْوَارِث فَلَا يَرث لِأَن الْقَابِل إِن كَانَ أَخا يصير محجوبا بِهِ فَيسْقط حَقه عَن الْقبُول فَيمْتَنع الْعتْق فَيُؤَدِّي توريثه إِلَى منع توريثه فَهُوَ دور فقهي

وَإِن كَانَ لَهُ ابْن آخر فشركته تمنع كَمَال حَقه فِي الْقبُول لَا يبْقى لَهُ إِلَّا قبُول النّصْف وَمن نصفه حر لَا يَرث وَلَا يُمكن أَن يقبل نصيب نَفسه لِأَن صِحَة قبُوله مَوْقُوف على توريثه وتوريثه مَوْقُوف على صِحَة قبُوله فيتمانعان

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوَصِيَّة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي أَقسَام الْقسم الأول فِي الْأَحْكَام اللفظية وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِيمَا يتَعَلَّق بالموصى بِهِ وَالْكَلَام فِي أَطْرَاف الطّرف الأول فِي الْحمل وَالْوَصِيَّة بِالْحملِ صَحِيحَة بِشَرْط أَن يكون مَوْجُودا حَالَة الْوَصِيَّة وَيعرف تَارِيخ ذَلِك فِي الْحَيَوَانَات من أهل الْخِبْرَة فَإِنَّهَا مُخْتَلفَة فَإِن انْفَصل حمل الْجَارِيَة مَيتا بِجِنَايَة جَان صرف الْأَرْش إِلَى الْمُوصى لَهُ وَلم يتَبَيَّن فَسَاد الْوَصِيَّة بِخِلَاف مَا إِذا أوصى لحمل فانفصل مَيتا بجنابة جَان لَا يصرف إِلَى ورثته لِأَن كَونه مَالِكًا يَسْتَدْعِي حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَكَونه مَمْلُوكا لَا يَسْتَدْعِي إِلَّا التقوم وَقد يقوم بِالْأَرْشِ

وَلَو أوصى بِجَارِيَة دون حملهَا جَازَ وَلَو أطلق الْوَصِيَّة فَفِي اندراج الْحمل تَحت مُطلق اللَّفْظ تردد فَإِن قُلْنَا ينْدَرج لم تبطل الْوَصِيَّة فِيهِ بانفصاله قبل موت الْمُوصي لِأَنَّهُ زِيَادَة فِي الْمُوصى بِهِ الطّرف الثَّانِي إِذا أوصى بطبل من طبوله وَله طبل لَهو وَحرب نزل على طبل الْحَرْب تَصْحِيحا لَهُ وَإِذا أوصى بِعُود من عيدانه وَعِنْده عود اللَّهْو وعود الْقوس وعود الْبناء فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه فَاسد لِأَنَّهُ لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا عود اللَّهْو وَالثَّانِي أَنه يعْطى عود الْبناء أَو الْقوس لِأَنَّهُ يُسمى عودا فيتكلف تَصْحِيحه كَمَا فِي الطبل أما إِذا لم يكن عِنْده إِلَّا عود الْقوس أَو الْبناء أعطي ذَلِك لِأَنَّهُ مُتَعَيّن

الثَّالِث إِذا أوصى بقوس حمل على الْقوس الَّذِي يَرْمِي مِنْهُ النبل والنشاب دون قَوس الندف والجلاهق وَهُوَ قَوس البندق وَيدخل تَحْتَهُ الحسبان فَإِنَّهُ يرْمى مِنْهُ الناوك وَهُوَ نشاب وَهل يعْطى الْوتر مَعَ الْقوس فِيهِ وَجْهَان فَإِن قَالَ أَعْطوهُ قوسا من قسي وَلم يكن عِنْده إِلَّا قَوس ندف أعْطى لِأَنَّهُ تعين وَإِن كَانَ عِنْده قَوس ندف وحلاهق أعْطى الجلاهق لِأَنَّهُ أسبق إِلَى الْفَهم الطّرف الرَّابِع إِذا قَالَ أَعْطوهُ شَاة جَازَ أَن يدْفع إِلَيْهِ الْكَبِير وَالصَّغِير والظأن والمعز لِأَن الِاسْم شَامِل وَقَالَ الصيدلاني لَا يعْطى السخلة وَقَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

بالصغير الْجَذعَة وَالْمَنْصُوص أَنه لَا يعْطى الْكَبْش وَمِنْهُم من قَالَ يعْطى لِأَن الشَّاة اسْم جنس كالإنسان وَالتَّاء فِيهِ لَيْسَ للتأنيث وَأَصله الشاهة وتصغيره شويهة وَلَو قَالَ أَعْطوهُ بقرة لم يُعْط ثورا وَلَو قَالَ أَعْطوهُ جملا لم يُعْط نَاقَة وَلَو قَالَ أَعْطوهُ بَعِيرًا فالمنصوص أَنه لَا يعْطى نَاقَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يعْطى لِأَن الْبَعِير كالإنسان للرِّجَال وَالنِّسَاء وَلَو قَالَ أَعْطوهُ رَأْسا من الْإِبِل أَو الْغنم أَو الْبَقر جَازَ الذّكر وَالْأُنْثَى فَإِن قَالَ أَعْطوهُ كَلْبا أَو حمارا لم يُعْط الكلبة والحمارة فَإِن الْأُنْثَى مُمَيزَة

فيهمَا بِالتَّاءِ وَلَو قَالَ أَعْطوهُ دَابَّة فالمنصوص أَنه يعْطى من الْخَيل أَو البغال أَو الْحمير وَلَا يعْطى من الْإِبِل قطعا قَالَ بعض الْأَصْحَاب أطلق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذَلِك على لُغَة مغر وَفِي غَيره لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا الْفرس وَمِنْهُم من قَالَ الْوَضع الْأَصْلِيّ أولى بالمراعاة من الْعرف الْخَاص الْمُخَصّص وَلَو قَالَ أَعْطوهُ دَابَّة لِيُقَاتل عَلَيْهِ لم يُعْط إِلَّا الْفرس فَإِن قَالَ ليحمل عَلَيْهِ لم يُعْط إِلَّا بغلا أَو حمارا وَلَو قَالَ لينْتَفع بنسله لم يُعْط إِلَّا فرسا أَو حمارا الْخَامِس فِي العَبْد فَإِن قَالَ أَعْطوهُ رَأْسا من رقيقي جَازَ أَن يعْطى السَّلِيم والمعيب وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى

وَإِن لم يكن عِنْد مَوته إِلَّا رَقِيق وَاحِد تعين ذَلِك الْوَاحِد فَإِن مَاتَ أرقاؤه اَوْ قَتَلُوهُ قبل مَوته انْفَسَخت الْوَصِيَّة وَإِن قتلوا بعد مَوته يُخَيّر الْوَارِث فِي صرف قيمَة وَاحِد إِلَيْهِ لِأَن حَقه المتأكد أَو ملكه مُتَعَلق بِهِ بعد مَوته فَينْتَقل إِلَى الْقيمَة فَلَو قتل كلهم إِلَّا وَاحِدًا لم يتَعَيَّن ذَلِك الْوَاحِد بل يُخَيّر الْوَارِث بَين تَسْلِيمه وَتَسْلِيم قيمَة وَاحِد وَفِيه وَجه أَنه يتَعَيَّن ذَلِك الْوَاحِد حذرا من الْعُدُول إِلَى الْقيمَة مَعَ الْإِمْكَان وَإِن قَالَ أعتقوه عني عبدا جَازَ الْمَعِيب والسليم وَفِيه وَجه أَنه ينزل على مَا يُجزئ فِي الْكَفَّارَة لِأَن الشَّرْع عَادَة فِي الْعتْق لَا فِي الْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَينزل على عرف الشَّرْع

فَإِن أوصى أَن يعْتق عَنهُ رِقَاب فأقله ثَلَاثَة إِن وفى الثُّلُث بِهِ فَإِن لم يَفِ إِلَّا بِاثْنَيْنِ اقْتصر عَلَيْهِ فَإِن وفى بِاثْنَيْنِ وَبَعض الثَّالِث فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الِاقْتِصَار على اثْنَيْنِ لِأَن الْبَعْض لَيْسَ رَقَبَة وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي الْفضل لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَقْصُود الْمُوصي وعَلى هَذَا لَو وجدنَا نفيسين أَو خسيسين وشقصا فَأَيّهمَا أولى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا النفيس أولى لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لما سُئِلَ عَن أفضل الرّقاب فَقَالَ أَكْثَرهَا ثمنا وأنفسها عِنْد أَهلهَا

وَالثَّانِي الزِّيَادَة فِي عدد الرَّقَبَة أولى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعتق رَقَبَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار وَلَو قَالَ أعتقوا عبدا من عَبِيدِي وَله خُنْثَى حكم بِكَوْنِهِ رجلا فَفِي إِعْتَاقه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن اسْم الْبعد مُطلقًا لَا ينْصَرف إِلَيْهِ وَلَو قَالَ أعتقوا أحد رقيقي وَفِيهِمْ خُنْثَى مُشكل روى الرّبيع فِيمَن أوصى بِكِتَابَة أحد رَقِيقه أَنه لَا يجوز الْخُنْثَى المكشل وروى الْمُزنِيّ أَنه يجوز وَاخْتلف الْأَصْحَاب وَالْأولَى مَا قَالَه الْمُزنِيّ

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يتَعَلَّق بالموصى لَهُ وَله أَطْرَاف الطّرف الأول إِذا قَالَ أعْطوا حمل فُلَانَة كَذَا فَأَتَت بولدين صرف إِلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَإِن كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْآخر أُنْثَى وَلَو خرج أَحدهمَا حَيا وَالْآخر مَيتا فَالْكل للحي وَفِيه وَجه آخر أَن لَهُ النّصْف وَنصف الْمَيِّت يعود إِلَى الْوَرَثَة وَهُوَ ضَعِيف وَلَو قَالَ إِن كَانَ حملهَا غُلَاما فَأَعْطوهُ كَذَا فَولدت غلامين لم يستحقا شَيْئا فَإِن الصِّيغَة للتوحيد فِي النكرَة وَكَذَا إِن جَاءَت بِغُلَام وَجَارِيَة وَلَو قَالَ إِن كَانَ فِي بَطنهَا غُلَام فَأَعْطوهُ كَذَا فَجَاءَت بِغُلَام وَجَارِيَة أعطي الْغُلَام وَإِن جَاءَت بغلامين فَأَيّهمَا يعْطى فِيهِ ثَلَاث أَقْوَال أَحدهَا أَنه يصرف الْوَارِث إِلَى أَيهمَا شَاءَ وَله خِيَار التَّعْيِين فَإِن رَأْيه يصلح للترجيح

وَالثَّانِي يوزع عَلَيْهِمَا لتساويهما وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف بَينهمَا إِلَى أَن يبلغَا ويصطلحا وَلَو قَالَ أوصيت لأحد هذَيْن الشخصين فَفِي صِحَّتهَا خلاف ذكرنَا نَظِيره فِي الْوَقْف فَإِن صَحَّ وَمَات قبل التَّعْيِين خرج على الْأَوْجه الثَّلَاثَة الطّرف الثَّانِي إِذا أوصى لجيرانه صرف إِلَى أَرْبَعِينَ دَارا من كل جَانب لما روى أَبُو هُرَيْرَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حق الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ يَمِينا وَشمَالًا وقداما وخلفا وَلَو أوصى لقراء الْقُرْآن صرف إِلَى من يحفظ جَمِيع الْقُرْآن

وَهل يصرف إِلَى من يقْرَأ وَلَا يحفظ عَن ظهر الْقلب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم للْعُمُوم وَالثَّانِي لَا إِذْ الْعرف يخصص بالحفاظ وَلَو أوصى للْعُلَمَاء صرف إِلَى الْعلمَاء بعلوم الشَّرْع دون الْأَطِبَّاء والمنجمين والمعبرين والأدباء لِأَن الْعرف يخصص وَلَا يصرف إِلَى من يسمع الْأَحَادِيث فَقَط وَلَا علم لَهُ بطرق الحَدِيث وَلَو أوصى للأيتام لم يدْخل فِيهِ من لَهُ أَب وَلَا بَالغ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتم بعد الْبلُوغ وَفِي الْغَنِيّ وَجْهَان وَإِن أوصى للأرامل دخل فِيهِ من لَا زوج لَهَا من النِّسَاء وَهل يدْخل فِيهِ من لَا زَوْجَة لَهُ من الرِّجَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا للْعُرْف

وَالثَّانِي نعم للوضع إِذْ قد يُسمى الرجل أرمل قَالَ الشَّاعِر ... كل الأرامل قد قَضَت حَاجته ... فَمن لحَاجَة هَذَا الأرمل الذّكر ... وَهل يدْخل الْغَنِيّ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْيَتِيم وَلَو أوصى للشيوخ أعطي من جَاوز الْأَرْبَعين وَإِن أوصى للفتيان والشبان أعطي من جَاوز الْبلُوغ إِلَى الثَّلَاثِينَ وَإِن أوصى للصبيان والغلمان صرف إِلَى من لم يبلغ اتبَاعا للْعُرْف فِي هَذِه الْأَلْفَاظ الطّرف الثَّالِث فِيمَا إِذا أوصى للْفُقَرَاء جَازَ أَن يصرف إِلَى الْمَسَاكِين وللمساكين جَازَ أَن يصرف إِلَى الْفُقَرَاء لِأَن كلا الاسمين يُطلق على الْفَرِيقَيْنِ وَإِن قَالَ للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين جمع بَينهمَا وَإِن أوصى لسبيل الله فَهُوَ للغزاة أَو للرقاب

وَإِن أوصى للرقاب فَهُوَ للمكاتبين ثمَّ لَا أقل من اسْتِيعَاب ثَلَاثَة من كل نفر وَلَا يجب التَّسْوِيَة بَين الثَّلَاثَة وَلَو أوصى لثَلَاثَة معنين يجب التسويه بَينهم وَلَو أوصى لزيد وللفقراء قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْقيَاس أَنه كأحدهم فَمنهمْ من قَالَ مَعْنَاهُ أَنه لَو أعْطى خَمْسَة من الْمَسَاكِين فيعطيه السُّدس أَو أعْطى سِتَّة فيعطيه السَّبع ليَكُون كأحدهم وَمِنْهُم من قَالَ يَكْفِيهِ أَن يُعْطِيهِ أقل مَا يتمول إِذْ مَا من أحد إِلَّا وَله أَن يُعْطِيهِ أقل مَا يتمول وَمِنْهُم من قَالَ يُعْطِيهِ الرّبع لِأَن أقل عدد الْمَسَاكِين الثَّلَاثَة فالقصر عَلَيْهِ وعَلى ثَلَاثَة يَقْتَضِي لَهُ الرّبع وَمِنْهُم من قَالَ يصرف إِلَيْهِ النّصْف وَإِلَى الْفُقَرَاء النّصْف لِأَنَّهُ قابله بهم

وَلَو قَالَ لزيد دِينَار وللفقراء ثَلَاثَة لم يُعْط زيدا شَيْئا آخر وَإِن كَانَ فَقِيرا لِأَنَّهُ قطع الْخيرَة بتنصيصه أما إِذا أوصى للعلويين والهاشميين أَو بنى طَيء وَبِالْجُمْلَةِ قَبيلَة عَظِيمَة فَفِي الصِّحَّة قَولَانِ أَحدهمَا نعم ثمَّ أقل الْأَمر أَن يُعْطي ثَلَاثَة كَمَا للْفُقَرَاء وَالثَّانِي لَا إِذْ هم محصورون وَلَا يُمكن استيعابهم وَلَا عرف للشَّرْع فِي تخصيصهم بِثَلَاثَة بِخِلَاف الْفُقَرَاء الطّرف الرَّابِع لَو أوصى لزيد ولجبريل كَانَ لزيد النّصْف وَيبْطل الْبَاقِي وَلَو قَالَ لزيد وللريح أَو للرياح فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَهُ النّصْف كَمَا سبق فِي جِبْرِيل

وَالثَّانِي لَهُ الْكل إِذْ الْإِضَافَة إِلَى الرِّيَاح لَغْو وَإِن أوصى لزيد وَللَّه تَعَالَى فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَهُ الْكل وَكَانَ ذكر الله تَعَالَى تَأْكِيدًا لقربته كَقَوْلِه تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} وَالثَّانِي أَن النّصْف لَهُ وَالْبَاقِي للْفُقَرَاء لِأَن عَامَّة مَا يجب لله تَعَالَى يصرف إِلَى الْفُقَرَاء وَلَو قَالَ لزيد وللملائكة أَو لزيد وللعلوية وَقُلْنَا لَا يَصح المعلوية فَفِي قدر مَا يصرف إِلَى زيد الْخلاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي قَوْله لزيد وللفقراء وَيبْطل فِي الْبَاقِي

الطّرف الْخَامِس لَو أوصى لأقارب زيد دخل فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث والغني وَالْفَقِير وَالْمحرم وَغير الْمحرم وقرابة الْأَب وقرابة الْأُم بألا إِذا كَانَ الرجل غَرِيبا فَلَا تدخل قرَابَة الْأُم لأَنهم لَا يعدون ذَلِك قرَابَة وَلَو قَالَ لأرحام فلَان دخل فِيهِ قرَابَة الْأُم مَعَ قرَابَة الْأَب إِذْ لَا تَخْصِيص لهَذَا الِاسْم وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لفظ الْقَرَابَة كَلَفْظِ الرَّحِم فِي حق الْعَرَبِيّ كَمَا فِي حق العجمي وَلم يثبت من الْعَرَب هَذَا التَّخْصِيص وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا فِي دُخُول الْأُصُول وَالْفُرُوع وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يدْخلُونَ إِذْ الْوَصِيَّة للأقارب وَالْأَب وَالِابْن لَا يُسمى قرَابَة وَالثَّانِي نعم لأَنهم من الْأَقَارِب وَإِن كَانَ لَهُم اسْم أخص وَالثَّالِث أَنه لَا يدْخل الْأَب وَالِابْن وَيدخل الأحفاد والأجداد

الْأَمر الثَّانِي أَن الْوَارِث لَا يدْخل إِذا أوصى لأقارب نَفسه إِذْ لَا وَصِيَّة لوَارث وَكَأَنَّهُم خارجون بِحكم الْقَرِينَة وَمِنْهُم من قَالَ يدْخلُونَ ثمَّ تبطل الْوَصِيَّة فِي نصِيبهم وَتبقى فِي الْبَاقِي الْأَمر الثَّالِث أَن قبائل الْعَرَب تتسع فتكثر فِيهَا الْقرَابَات إِن ارتقينا إِلَى أَوْلَاد الأجداد الْعَالِيَة فَقَالَ أَبُو يُوسُف يرتقي إِلَى أجداد الْإِسْلَام وَلَا يزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يرتقي إِلَى الْأَقْرَب جد ينْسب هُوَ إِلَيْهِ وَيعرف بِهِ وَذكر الْأَصْحَاب فِي مِثَاله أَنه لَو أوصى هُوَ لقرابة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ صرفنَا إِلَى بني شَافِع لَا إِلَى بني عبد منَاف وَبني عبد الْمطلب وَإِن كَانُوا أقَارِب وَهَذَا فِي زَمَانه أما فِي زَمَاننَا لَا يصرف إِلَّا إِلَى أَوْلَاد الشَّافِعِي وَلَا يرتقي إِلَى بني شَافِع لِأَنَّهُ أقرب من عرف بِهِ الطّرف السَّادِس إِذا أوصى لأقربهم قرَابَة لفُلَان صرف إِلَى الْأَقْرَب وَفِيه مَسْأَلَتَانِ

إِحْدَاهمَا أَن الْأَب وَالأُم وَالِابْن وَالْبِنْت يدْخلُونَ لِأَنَّهُ لَا يبعد تسميتهم أقرب الْأَقَارِب ثمَّ لَا تَفْضِيل بذكورة وأنوثة بل يَسْتَوِي فِيهِ الْأَب وَالأُم وَالِابْن وَالْبِنْت وَلَا يتبع الوراثة بل أَوْلَاد الْبَنَات يقدمُونَ على أحفاد الْبَنِينَ لمزيد الْقرب إِلَّا إِذا اخْتلف الْجِهَة كالأحفاد وَإِن سفلوا يقدمُونَ على الْإِخْوَة وَبَنُو الْإِخْوَة وَإِن سفلوا يقدمُونَ على الْأَعْمَام لِأَن الْعرف يقْضِي بِأَنَّهُم أقرب وَابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم مقدم على ابْن ابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم لِأَن جِهَة الْأُخوة وَاحِدَة وَلَا شكّ فِي أَن الْأَخ المدلي بجهتين مقدم على المدلي بِجِهَة وَاحِدَة وَلَا فرق بَين الْأَخ للْأُم وَالْأَخ للْأَب وَلَا بَين الْأَخ وَالْأُخْت الثَّانِيَة الْجد أَب أَب مَعَ الْأَخ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يستويان للاستواء فِي الْقرب وَالثَّانِي الْأَخ أولى لِأَن قرَابَة الْبُنُوَّة أقوى وَكَذَا الْخلاف فِي أَب الْأُم مَعَ الْأَخ للْأُم وَأب الْأَب من مَعَ ابْن الْأَخ للْأَب فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْجد أولى لقُرْبه وَالثَّانِي ابْن الْأَخ أولى لقُوَّة الْبُنُوَّة

الْقسم الثَّانِي من الْبَاب فِي الْأَحْكَام المعنوية وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي الْوَصِيَّة بمنافع الدَّار وَالْعَبْد وغلة الْبُسْتَان وثمرته وَهِي صَحِيحَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ وَسوى بَين الثِّمَار وَالْمَنَافِع وَحَقِيقَة هَذِه الْوَصِيَّة عندنَا تمْلِيك الْمَنَافِع بعد الْمَوْت حَتَّى يُورث عَن الْمُوصى لَهُ إِذا مَاتَ وَيملك الْإِجَارَة وَلَا يضمن إِذا تلف فِي يَده العَبْد كَمَا لَا يضمن الْمُسْتَأْجر وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله هى عَارِية لَازِمَة لَا ملك فِيهَا وَفِيه مسَائِل الأولى فِيمَا يملكهُ الْوَارِث وَلَا شكّ فِي أَنه ينفذ عتقه وَلَا لَا يُجزئهُ عَن الْكَفَّارَة إِن لم تكن الْوَصِيَّة مُؤَقَّتَة وَفِيه وَجه آخر أَنه يُجزئ

ثمَّ إِذا نفذ الْعتْق بَقِي حق المصوى لَهُ فِي الِانْتِفَاع وَلَا يجد العَبْد مرجعا على الْوَارِث بِخِلَاف عتق العَبْد الْمُسْتَأْجر لِأَن الْبَدَل ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمُعْتق وَهَاهُنَا لم يُوجد بدل هَذِه الْمَنْفَعَة وَأما الْكِتَابَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا كسب لَهُ وَالثَّانِي نعم تعويلا على الصَّدقَات وَأما البيع فَإِن كَانَ الْوَصِيَّة مُؤَقَّتَة خرج على بيع العَبْد الْمُسْتَأْجر وَإِن كَانَت مُؤَبّدَة فَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَنَّهُ معجوز عَن التَّسْلِيم أبدا إِلَّا أَن يَبِيع من الْمُوصى لَهُ وَفِيه وَجه آخر أَنه ينفذ البيع لنقل مَا يملكهُ ويتسلط المُشْتَرِي على إِعْتَاقه وجلب الْوَلَاء فِيهِ أما إِذا أوصى بنتاج الشَّاة صَحَّ بيع الشَّاة لبَقَاء مَنْفَعَة الصُّوف والوبر للْمَالِك

وَإِنَّمَا الْخلاف إِذا لم يبْق مَنْفَعَة أصلا فيضاهي مَالا مَنْفَعَة لَهُ حسا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي مَنَافِعهَا وَهِي للْمُوصى لَهُ أبدا وَيدخل فِيهِ أكساب العَبْد باحتطاب واصطياد وَلَا تدخل مَنْفَعَة الْبضْع بل يصرف بدله إِلَى الْمَالِك لِأَن مُطلق اسْم الْمَنْفَعَة لَا ينْصَرف إِلَيْهِ مَعَ أَنه لَو أوصى بهَا صَرِيحًا لم يدْخل وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الْبَدَل لَهُ فَإِنَّهُ من الْمَنَافِع وَلَا خلاف فِي امْتنَاع الْوَطْء على الْمُوصى بِهِ لعدم ملك الرَّقَبَة وعَلى الْوَارِث إِلَى هَلَاك حق الْمُوصى لَهُ بالطلق كَمَا فِي الرَّاهِن فَإِن كَاتب وَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو آيسة فقد قيل يجوز فِي الرَّهْن فَهُوَ جَار هَاهُنَا أَيْضا وَأما تَزْوِيجهَا فَهُوَ جَائِز لكسب الْمهْر وَفِي مصرف الْمهْر مَا ذَكرْنَاهُ

وَفِي من يتَوَلَّى العقد ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْوَارِث لملكه الرَّقَبَة ثمَّ لَا بُد من رضَا الْمُوصى لَهُ فَإِن فِيهِ نُقْصَان حَقه وضرره وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي أَن الْمُوصى لَهُ يسْتَقلّ بِهِ وَهُوَ مَذْهَب من يَقُول الْمهْر لَهُ وَالثَّالِث يسْتَقلّ بِهِ الْمَالِك وَأما التَّزْوِيج من العَبْد فَيظْهر اسْتِقْلَال الْمُوصى لَهُ لِأَن حق منع العَبْد لَا لقُصُور فِي أَهْلِيَّته وَلَكِن لضَرَر تعلق الْحُقُوق بالأكساب وَالْمُوصى لَهُ هُوَ المتضرر وَأما ولد الْجَارِيَة فَالصَّحِيح أَنه لَاحق للْمُوصى لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ يتبع الْملك وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ ملك الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ أَيْضا من الْمَنَافِع وَهُوَ بعيد وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ أُسْوَة الْأُم ملك الرَّقَبَة للْوَارِث وَملك الْمَنْفَعَة للْمُوصى لَهُ وَهُوَ أَيْضا بعيد لِأَن اسْتِحْقَاق الْمَنْفَعَة لَا يسري إِلَى الْوَلَد كَمَا فِي الْإِجَارَة وَأما مَا يكتسبه بالاتهاب فَفِي مصرفه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه للْمُوصى لَهُ كَمَا فِي الاحتطاب

وَالثَّانِي للْمَالِك فَإِنَّهُ لم ينْصَرف إِلَيْهِ عمل مُتَقَوّم وَالسَّبَب انْعَقَد للْعَبد وَالْمَالِك يتلَقَّى الْملك لملك الرَّقَبَة الثَّالِثَة فِي نَفَقَته ثَلَاثَة أوجه الْقيَاس أَنه على الْوَارِث نظرا إِلَى الْملك فَإِن أَرَادَ الْخَلَاص فليعتق وَالثَّانِي أَنه على الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ يسْتَحق الْمَنَافِع على الدَّوَام فَكَانَ كَزَوج الْأمة وَالثَّالِث أَنه فِي كَسبه فَإِن لم يَفِ فعلى بَيت المَال وَإِلَيْهِ ذهب الإصطخرى وَقد اخْتلفُوا فِي أَن الْمُوصى لَهُ هَل ينْفَرد بالمسافرة بِهِ وَالظَّاهِر أَنه يملك إِذْ بِهِ كَمَال الِانْتِفَاع وَلذَلِك يمْتَنع على الْوَارِث المسافرة قطعا بِخِلَاف سيد الْأمة الْمُزَوجَة وَالثَّانِي أَنه لَا يملك كَمَا لَا يملك بِملك زوج الْجَارِيَة مُرَاعَاة لحق الْمَالِك فَلَا يجوز إِلَّا بِالتَّرَاضِي كالتزويج على ظَاهر الْمَذْهَب الرَّابِعَة إِذا قتل فللوارث اسْتِيفَاء الْقصاص ويحبط حق الْمُوصى لَهُ وَإِن وَقع الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه للْوَارِث فَإِنَّهُ بدل ملكه وَقد انْقَضى عمره فَانْقَطع حق الْمُوصى لَهُ وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي بِهِ عبد وَيجْعَل بمثابتة بَينهمَا فِي الْملك وَالْمَنْفَعَة وَفِيه وَجه آخر أَنه يخْتَص بِهِ الْمُوصى لَهُ وَكَأن مَالِيَّته مستغرقة بِحقِّهِ إِذْ لم يبْق لَهُ قيمَة فِي حق الْمَالِك وَهُوَ بعيد وَفِيه وَجه رَابِع أَنه يوزع على قيمَة الْمَنْفَعَة وَقِيمَة الرَّقَبَة مسلوبة الْمَنْفَعَة وَيقسم بَينهمَا أما إِذا وَقطع طرفه فَالَّذِي قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَذكره الْأَكْثَرُونَ أَنه للْوَارِث وَجها وَاحِدًا أما إِذا جنى هُوَ على غَيره فَيُبَاع من أرش الْجِنَايَة فَإِن فدَاه السَّيِّد اسْتمرّ حق الْمُوصى لَهُ وَإِن فدَاه الْمُوصى لَهُ فَهَل يجب على الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبُوله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَجْنَبِي عَن الرَّقَبَة ومتعلق الْحق الرَّقَبَة وَالثَّانِي نعم لِأَن لَهُ غَرضا فِي بَقَاء الرَّقَبَة كَمَا للسَّيِّد الْخَامِسَة فِي كَيْفيَّة احتسابه من الثُّلُث وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يعْتَبر جملَة قيمَة العَبْد إِذْ لم يبْق لَهُ قيمَة فَكَأَنَّهُ أوصى بِالْعَبدِ وَالصَّحِيح أَنه يعْتَبر مَا نقص من قِيمَته إِذْ لَا بُد وَأَن يبْقى لَهُ قيمَة طَمَعا فِي إِعْتَاقه وولائه أما إِذا كَانَت الْمَنْفَعَة الْمُوصى بهَا مُؤَقَّتَة فطريقان أَحدهمَا طرد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر أُجْرَة الْمثل وَهُوَ بعيد لِأَن الْمَنْفَعَة الَّتِي تحدث بعد الْمَوْت فَلَيْسَ مفوتا لَهَا من ملكه بل لَا يتَّجه إِلَّا اعْتِبَار مَا ينقص من قِيمَته بِسَبَب الْوَصِيَّة

التَّفْرِيع إِذا اقْتضى الْحَال أَن يرد بعض الْوَصِيَّة كسدسها مثلا لزيادتها على الثُّلُث فينقص من الْمدَّة الْمقدرَة بسدسها من أجرهَا أَو يخرج سدس العَبْد فِي جملَة الْمدَّة عَن الْوَصِيَّة فِيهِ وَجْهَان الْأسد أَنه يخرج سدس العَبْد لِأَن الْأُجْرَة تخْتَلف باخْتلَاف الْمَوَاقِيت

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْوَصِيَّة بِالْحَجِّ وَالْحج ثَلَاثَة أَنْوَاع الأول التَّطَوُّع وَفِي صِحَة الْوَصِيَّة بِهِ وَجْهَان يبتنيان على أَن النِّيَابَة هَل تتطرق إِلَيْهَا وَالصَّحِيح أَنَّهَا تتطرق إِلَيْهِ اقْتِدَاء بالأولين فِي فعلهم فتحسب الْوَصِيَّة بِهِ من الثُّلُث وَفِيه فرعان أَحدهمَا أَن مطلقه يَقْتَضِي حجَّة من الْمِيقَات أم من دويرة أَهله اخْتلفُوا فِيهِ لتردد اللَّفْظ بَين أقل الدَّرَجَات وَبَين الْعَادة الثَّانِي أَنه هَل تقدم الْوَصِيَّة بِحَجّ التَّطَوُّع على سَائِر الْوَصَايَا حُكيَ فِيهِ قَولَانِ وَلَا وَجه للتقديم إِلَّا أَن حق الله تَعَالَى على رَأْي يقدم على حق الْآدَمِيّ حَتَّى إِن أوصى بِالصَّدَقَةِ مَعَ حج التَّطَوُّع لم يحْتَمل التَّقْدِيم نعم لَو أوصى بِحجَّة منذورة احْتمل التَّقْدِيم على الْوَصَايَا لتأكدها باللزوم

الثَّانِي حجَّة الْإِسْلَام وَلَا حَاجَة فِيهَا إِلَى الْوَصِيَّة إِذْ كَانَت قد لَزِمت فِي الْحَيَاة بل يخرج عندنَا من رَأس مَاله وَإِن لم يوص خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَهُوَ عندنَا كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَا تسْقط بِالْمَوْتِ فروع ثَلَاثَة الأول إِذا أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام فَلَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا إِذا قَالَ حجُّوا عني من الثُّلُث فَائِدَته مزاحمة الْوَصَايَا من الثُّلُث بِهِ ثمَّ إِن لم يخص الْحَج بعد الْمُضَاربَة مَا بفي بِهِ كمل من راس المَال وَمِنْهُم من قَالَ إِذا لم يفضل من حجَّة الْإِسْلَام شَيْء من الثُّلُث فَلَا شَيْء للوصايا بل فَائِدَته الْإِضَافَة إِلَى الثُّلُث الْفَرْع الثَّانِي إِذا قَالَ أوصيت بِأَن تَحُجُّوا عني وَلم يضف إِلَى الثُّلُث فَفِي مزاحمة الْوَصَايَا بِهِ فِي الثُّلُث وَجْهَان وَوَجهه أَن لفظ الْوَصِيَّة مشْعر بِهِ وَلَو زَاد وَقَالَ وأعتقوا عني وتصدقوا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالمزاحمة لِأَنَّهُ قربَة بِمَا ينْحَصر فِي الثُّلُث

الثَّالِث إِذا قَالَ أحجوا عني فلَانا بِأَلف وَهُوَ زَائِد على أجر الْمثل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يحجّ بِأَجْر الْمثل لِأَن مَقْصُوده الْحَج وَالزَّائِد لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَالثَّانِي أَن الزِّيَادَة وَصِيَّة لمن يحجّ ليحسن الْحَج فَيصْرف إِلَيْهِ إِن وفى بِهِ الثُّلُث أما إِذا قَالَ اشْتَروا بِمِائَة دِرْهَم عشرَة أَقْفِزَة حِنْطَة وتصدقوا بهَا فَوَجَدنَا أَجود الْحِنْطَة بِثَمَانِينَ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الزِّيَادَة وَصِيَّة لبائع الْحِنْطَة وَهُوَ بعيد فَإِن ذَلِك لَا يقْصد بِخِلَاف الْإِحْسَان إِلَى من يحجّ وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي بِهِ حِنْطَة زَائِدَة لِأَن مَقْصُوده التَّصَدُّق بِمِائَة وَصَرفه إِلَى الْحِنْطَة وَالثَّالِث أَنه يرد على الْوَرَثَة لِأَن مَقْصُوده عشرَة أَقْفِزَة من الْحِنْطَة وَقد تصدق بهَا الثَّالِث الْحجَّة الْمَنْذُورَة وَالصَّدَََقَة الْمَنْذُورَة وَالْكَفَّارَات وفيهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يخرج من رَأس المَال لِأَنَّهَا لَزِمته كحجة الْإِسْلَام فَلَا حَاجَة إِلَى الْوَصِيَّة وَالثَّانِي أَنَّهَا كالتطوعات فَإِن أوصى بهَا أخرج من الثُّلُث لِأَنَّهُ لَو فتح هَذَا

الْبَاب لاستغرق بالنذور جَمِيع أَمْوَاله ثمَّ يُؤَخِّرهُ إِلَى مَا بعد الْمَوْت وَالثَّالِث أَنَّهَا تُؤدِّي من الثُّلُث وَإِن لم يوص وَكَأن نَذره تبرع بِهِ وَقد أخر أداءه إِلَى الْمَوْت فَصَارَ النّذر نَفسه كَالْوَصِيَّةِ فَإِن قيل مَا الذى يَقع عَن الْمَيِّت بعد مَوته دون إِذْنه قُلْنَا الدُّعَاء وَالصَّدَََقَة وَقَضَاء دينه أما الدُّعَاء فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عَنهُ عمله إِلَّا فِي ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة وَعلم ينْتَفع بِهِ وَولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَأما الصَّدَقَة فقد قَالَ سعد بن أبي وَقاص يَا رَسُول الله إِن أُمِّي أصمتت وَلَو نطقت لتصدقت أفينفعها إِن تَصَدَّقت عَنْهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام نعم

وَقد قَالَ بعض الْأَصْحَاب إِنَّه يُرْجَى أَن يَنَالهُ بركته وَلَكِن لَا يلْتَحق بصدقاته الَّتِى أَدَّاهَا أما إِذا أعتق عَنهُ لَا يَقع عَنهُ وَيكون الْوَلَاء للْمُعْتق سَوَاء كَانَ الْمُعْتق وَارِثا أَو لم يكن لِأَن إِلْحَاق الْوَلَاء قهرا لَا وَجه لَهُ أما الدُّيُون اللَّازِمَة إِذا قضيت وَقعت عَنهُ وَإِن قَضَاهَا الْأَجْنَبِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله عَنهُ لما قضى دين ميت الْآن بردت جلدته على النَّار أما الْكَفَّارَات فَإِن أخرجهَا الْوَارِث عَنهُ وَلم يكن أوصى بِهِ وَقعت موقعها

وَإِن أخرجهَا أَجْنَبِي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ لَا خلَافَة لَهُ وَهَذِه عبَادَة فَلَا بُد من نِيَّته أَو نِيَّة من هُوَ خَلِيفَته شرعا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ دين لَازم غلب فِيهِ معنى الدُّيُون وَلذَلِك يسْتَقلّ بِهِ أحد الْوَرَثَة وَإِن لم يسْتَقلّ بجملة الْخلَافَة أما الْعتْق فِي كَفَّارَة الْيَمين حَيْثُ لَا يتَعَيَّن فَفِي إِخْرَاج الْوَارِث وَجْهَان وَفِي إِخْرَاج الْأَجْنَبِيّ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ يضاهي التَّبَرُّع من وَجه وَقد ذكرنَا منع التَّبَرُّع عَن الْمَيِّت بِالْإِعْتَاقِ وَلَو أوصى بِالْعِتْقِ وَالْكَفَّارَة مخيرة وَلم يَفِ الثُّلُث بِالزِّيَادَةِ لَا ينفذ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ فَكَانَ مُتَبَرعا أما الصَّوْم فَلَا يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ عبَادَة بدنية كَالصَّلَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم يَصُوم عَنهُ وليه

الْفَصْل الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة الأول الْمَرِيض إِذا ملك قريبَة فِي مرض الْمَوْت نظر فَإِن ملك بِالْإِرْثِ عتق عَلَيْهِ من رَأس المَال وَإِن ملك بِالشِّرَاءِ عتق عَلَيْهِ من الثُّلُث فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لم يعْتق أصلا وَإِن ملك بِوَصِيَّة أَو اتهاب فَوَجْهَانِ أَحدهمَا من رَأس المَال لِأَنَّهُ حصل مجَّانا كَالْإِرْثِ فَكَأَنَّهُ لم يحصل وَالثَّانِي من الثُّلُث لِأَنَّهُ حصل بِالِاخْتِيَارِ التَّفْرِيع لَو اشْترى ابْنه الذى يُسَاوِي ألفا بِخَمْسِمِائَة

فالقدر الذى يُقَابل الْمُحَابَاة كالموهوب لِأَنَّهُ حصل مجَّانا وَمهما عتق من الثُّلُث لم يَرث إِذْ لَو ورث لانقلب الْعتْق لَهُ وَصِيَّة لوَارث وَبَطل وَإِذا أعتق من رَأس المَال فِي صُورَة الْإِرْث ورث لِأَنَّهُ وَقع مُسْتَحقّا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا يَرث كَمَا لَو نكحت بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَإِنَّهُ يُقَال إِن الْمُحَابَاة وَصِيَّة للزَّوْج الْوَارِث إِلَّا إِذا كَانَ الزَّوْج رَقِيقا أَو مُسلما وَهَذَا الاستشهاد غير صَحِيح بل تنفذ الْمُحَابَاة بالبضع سَوَاء كَانَ الزَّوْج وَارِثا أَو لم يكن لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال الثَّانِي لَو قَالَ أعتقوا عَبدِي بعد موتِي لم يفْتَقر إِلَى قبُول العَبْد لِأَن حق الله تَعَالَى غَالب فِي الْعتْق وَلَو قَالَ أوصيت لعبدي بِرَقَبَتِهِ فَفِي الافتقار إِلَى قبُوله وَجْهَان وَلَو أعتق ثلث عَبده بعد مَوته وَفِي المَال متسع لم يسر الْعتْق لِأَنَّهُ بعد الْمَوْت مُعسر وَالْمَال لغيره وَهَذَا لَا يَخْلُو عَن احْتِمَال وَلَكِن النَّقْل مَا ذكرته أما إِذا أعتق جَارِيَته بعد مَوته وَهِي حَامِل سرى إِلَى الْجَنِين لِأَنَّهُ فِي حكم عُضْو لَا يتفصل

وَلَو اسْتثْنى وَقَالَ أَنْت حرَّة إِلَّا جنينك فَفِي صِحَة الِاسْتِثْنَاء وَجْهَان وَخرج وَجه من صِحَة الِاسْتِثْنَاء أَنه إِذا أطلق لَا يسري لِأَنَّهُ تصور الِانْفِصَال وَعتق الْمَيِّت لَا يسري الثَّالِث أوصى بِعَبْد لِرجلَيْنِ يعْتق على أَحدهمَا بِالْقَرَابَةِ فَإِن قبلاه مَعًا عتق على الْقَرِيب وَغرم للثَّانِي نصِيبه إِن كَانَ مُوسِرًا وسرى وَإِن قبل الْقَرِيب أَولا سرى ثمَّ يغرم للْوَارِث إِن رد الْأَجْنَبِيّ وَيغرم للْأَجْنَبِيّ أَن قبل الْأَجْنَبِيّ وَإِن قبله الْأَجْنَبِيّ أَولا وَأعْتقهُ فَإِن لم يقبل الْقَرِيب اسْتمرّ عتقه وَإِن قبل فَإِن قُلْنَا ملك الْمُوصى لَهُ يحصل بِمَوْت الْمُوصي فقد بَان أَنه كَانَ قد عتق وسرى وَعتق الْأَجْنَبِيّ صَادِق حرا فَيغرم الْقَرِيب للْأَجْنَبِيّ وَإِن قُلْنَا يحصل بِالْقبُولِ فقد عتق الْكل على الْأَجْنَبِيّ فَيغرم الْأَجْنَبِيّ للقريب الرَّابِع أوصى لَهُ بِثلث دَار فَاسْتحقَّ ثلثهَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يسلم لَهُ كل ثلثه ميلًا إِلَى تَصْحِيح الْوَصِيَّة وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَنه يَصح فِي ثلث ذَلِك الثُّلُث لِأَن أصل الْوَصِيَّة شاع فِي الأثلاث الثَّلَاثَة

الْخَامِس إِذا منعنَا نقل الصَّدقَات فَفِي نقل مَا أوصى للْمَسَاكِين إِلَى بَلْدَة أُخْرَى وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن الزكوات دارة متكررة تمتد إِلَيْهَا أطماع الْحَاضِرين بِخِلَاف الْوَصَايَا

الْقسم الثَّالِث من الْبَاب فِي الْأَحْكَام الحسابية وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا أوصى بِمثل نصيب ابْنه وَله ابْن وَاحِد صرف إِلَى الْمُوصى لَهُ النّصْف حَتَّى يَكُونَا متماثلين وَإِن كَانَ لَهُ ابْنَانِ فأوصى بِمثل نصيب أَحدهمَا صرف إِلَيْهِ الثُّلُث وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فالربع وَبِالْجُمْلَةِ تراعى الْمُمَاثلَة عندنَا بعد الْقِسْمَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ وَصِيَّة بِحِصَّة الابْن قبل الْقِسْمَة فَإِن كَانُوا اثْنَيْنِ فَهُوَ وَصِيَّة بِالنِّصْفِ وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فَهُوَ وَصِيَّة بِالثُّلثِ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن مَا ذَكرْنَاهُ مُحْتَمل وَهُوَ الْأَقَل فَيُؤْخَذ بِهِ وَلَو أوصى بِنَصِيب وَلَده كَانَ كَمَا لَو أوصى بِمثل نصيب وَلَده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ وَصِيَّة بالمستحق وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ إِذا قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه صَحَّ وَكَانَ مَعْنَاهُ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَقَالَ أوصيت لَك بِمثل نصيب ابْن ثَالِث لَو كَانَ

لَا يعْطى إِلَّا الرّبع وَكَأن ذَلِك الابْن الْمُقدر كَائِن وَفِيه وَجه أَنه يعْطى الثُّلُث وَكَأَنَّهُ قدره مَكَانَهُ الثَّانِيَة إِذا أوصى بِضعْف نصيب أحد ولديه أعطي مثله مرَّتَيْنِ فَلَو كَانَ لَهُ ابْنَانِ قسم المَال من أَرْبَعَة لكل ابْن وَاحِد وَله سَهْمَان وَلَو أوصى بضعفيه أعطي مثله ثَلَاث مَرَّات وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أعطي مثله أَربع مَرَّات وَالْحَاصِل أَنا نضعف الزِّيَادَة دون الْمَزِيد عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ الضعْف أَن يُزَاد على سَهْمه مثله كَانَ الضعفان أَن يُزَاد عَلَيْهِ مثلاه وَهُوَ مُحْتَمل وَهُوَ الْأَقَل فَينزل عَلَيْهِ الثَّالِثَة إِذا أوصى بِمثل نصيب أحد ورثته أعطي مثل أقلهم نَصِيبا بعد الْعَوْل إِن كَانَت الْمَسْأَلَة عائلة الرَّابِعَة إِذا أوصى بِخَط أَو سهم أَو قَلِيل أَو كثير جَازَ التَّنْزِيل على أقل مَا يتمول وَالرُّجُوع بِهِ إِلَى الْمُوصي

فَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينزل السهْم على السُّدس وَهُوَ تحكم وَكَذَلِكَ إِذا أوصى بِالثُّلثِ للأشياء جَازَ التَّنْزِيل على أقل مَا يتمول وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور ينزل على النّصْف وَزِيَادَة إِذْ الِاسْتِثْنَاء يَنْبَغِي أَن ينقص عَن النّصْف وَهُوَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِقْرَار إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة إِلَّا شَيْئا الْخَامِسَة إِذا أوصى بِثلث مَاله وَمَات عَن ابْنَيْنِ وبنتين فلتصحيح الْمَسْأَلَة بِالْحِسَابِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن تصحح مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَينظر إِلَى مَا بَقِي بعد إِخْرَاج سهم الْوَصِيَّة فَإِن انقسم على الْوَرَثَة فقد صحت المسألتان وَإِن لم يَنْقَسِم وَلم يُوَافق فَضربت مَسْأَلَة الْوَرَثَة فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَمِنْهَا تصح وَإِن وَافق ضربت جُزْء الوفق من مَسْأَلَة الْوَرَثَة فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَمِنْهَا تصح بَيَانه فِي مَسْأَلَتنَا أَن مَسْأَلَة الْوَصِيَّة من ثَلَاثَة أسْهم سهم للْمُوصى لَهُ بَقِي سَهْمَان وَلَا

يَنْقَسِم على سِتَّة إِذْ مَسْأَلَة الْفَرِيضَة من سِتَّة وَلَكِن توَافق بِالنِّصْفِ فَيضْرب نصف السِّتَّة فِي الثَّلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة وَقد صحت المسألتان الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن تصحح مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وينسب جُزْء الْوَصِيَّة مِنْهَا إِلَى مَا يبْقى مِنْهَا بعد إِخْرَاج الْجُزْء وتزيد مثل نسبته على مَسْأَلَة الْوَرَثَة بَيَانه أَن مَسْأَلَة الْوَصِيَّة من ثَلَاثَة فِيمَا فرضناه والجزء الْمُوصى بِهِ الثُّلُث وَهُوَ سهم ونسبته إِلَى الْبَاقِي أَنه مثل نصفه فيزيد على مَسْأَلَة الْوَرَثَة مثل نصفهَا وَهِي من سِتَّة وَنِصْفهَا ثَلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة وَتَصِح المسألتان السَّادِسَة إِذا أوصى بِمَا يزِيد على الثُّلُث وَردت الْوَصَايَا قسم الثُّلُث بَين أَصْحَاب الْوَصِيَّة على نِسْبَة تفاوتهم حَالَة الْإِجَارَة فَلَو أوصى لإِنْسَان بِالنِّصْفِ وَلآخر بِالثُّلثِ فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة لصَاحب النّصْف ثَلَاثَة وَلِصَاحِب الثُّلُث سَهْمَان ومجموع مَالهمَا خَمْسَة والتفاوت بَينهمَا بالأخماس فَإِذا أردْت قسْمَة الثُّلُث على نِسْبَة الْأَخْمَاس فاطلب مَالا لثلثه خمس وَذَلِكَ بِأَن تضرب ثَلَاثَة فِي خَمْسَة فَتَصِير خَمْسَة عشر فَالثُّلُث خَمْسَة يعْطى صَاحب النّصْف مِنْهَا ثَلَاثَة وَصَاحب الثُّلُث سَهْمَان ليحصل التَّفَاوُت وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يخْتَص بِالرَّدِّ السُّدس الزَّائِد على الثُّلُث من

نصيب صَاحب النّصْف وَيبقى التَّسَاوِي بَينهمَا فِي الثُّلُث أما إِذا أُجِيز بعض الْوَصَايَا ورد الْبَعْض فطريق تَصْحِيحه مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط مَعَ الْحساب فِي الْوَصِيَّة بِجُزْء من المَال بعد إِخْرَاج نصيب أحد الْأَوْلَاد والحساب فِي الِاسْتِثْنَاء على أكمل وَجه فليراجعه من رغب فِيهِ فَإِن هَذَا الْكتاب لَا يحْتَمل استقصاءه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ عقد تبرع وَلَا قبض فِيهِ فَإِذا لم تلْزمهُ الْهِبَة قبل الْقَبْض فَهَذَا قبل الْمَوْت وَالْقَبْض أولى وَالرُّجُوع بأَرْبعَة أَسبَاب السَّبَب الأول صَرِيح الرُّجُوع كَقَوْلِه نقضت وفسخت وَمَا يضاهيه وَمن الصَّرِيح قَوْله هَذَا لورثتي أَو هُوَ مِيرَاث عني أَو حرَام على الْمُوصى لَهُ وَلَو قَالَ هُوَ تركتي فَالْأَصَحّ أَنه لَيْسَ بِرُجُوع لِأَن الْوَصِيَّة من التَّرِكَة أَيْضا السَّبَب الثَّانِي التَّصَرُّفَات المتضمنة للرُّجُوع كَالْبيع وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض وَالْعِتْق وَالْكِتَابَة وَالتَّدْبِير فَإِن من ضَرُورَة تنفيذها الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة فرعان أَحدهمَا إِذا أوصى لزيد ثمَّ أوصى لعَمْرو بِعَين ذَلِك الشئ لم يكن ذَلِك رُجُوعا بل احْتمل التَّشْرِيك فَينزل عَلَيْهِ أخذا بِالْأَقَلِّ واستصحابا لما سبق فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أوصيت لَهما على الْجمع وَلَو قَالَ مَا أوصيت بِهِ لزيد فقد أوصيت بِهِ لعَمْرو فَهَذَا رُجُوع فِي ظَاهر الْمَذْهَب

وَلَو أوصى بِأَن يُكَاتب أَو يعْتق أَو يُبَاع بعد مَوته فَهُوَ رُجُوع لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنس الأول حَتَّى يحمل على التَّشْرِيك وَلذَلِك لَا يَنْتَظِم الْجمع بَينهمَا فِي صِيغَة التَّشْرِيك بِأَن يَقُول أوصيت بِهِ وأعتقته الثَّانِي إِذا أوصى بِثلث مَاله ثمَّ بَاعَ جَمِيع مَاله لم يكن رُجُوعا لِأَن الثُّلُث الْمُطلق لَا ينْحَصر فِي الْأَعْيَان وَالْبيع يتَنَاوَل الْعين وَلذَلِك لَو هلك جَمِيع مَا ملك حَال الْوَصِيَّة وتجدد من بعده شئ اسْتَحَقَّه الْمُوصى لَهُ السَّبَب الثَّالِث مُقَدمَات الْأُمُور المنذرة بِالرُّجُوعِ كالعرض على البيع وَالرَّهْن قبل الْقَبْض وَالْقَبُول وَالْهِبَة قبل الْقَبْض وَالْقَبُول الظَّاهِر أَنه رُجُوع لدلالته على قصد الرُّجُوع وَفِيه وَجه أَنه مَا لم يتم لَا يتم الرُّجُوع أما إِذا زوج العَبْد الْمُوصى بِهِ أَو الْأمة الْمُوصى بهَا أَو أَحدهمَا أَو علمهما صَنْعَة أَو ختنهما لم يكن ذَلِك رُجُوعا فرعان أَحدهمَا أَنه إِذا وطئ وعزل لم يكن رُجُوعا وَإِن أنزل قَالَ ابْن الْحداد هُوَ رُجُوع لِأَن التَّسَرِّي يُنَاقض قصد الْوَصِيَّة وَلَو حلف أَن لَا يتسرى لَا يَحْنَث إِلَّا بالإنزال فَلَو وطئ وعزل لم يَحْنَث وَمِنْهُم من قَالَ مَا لم يحصل الْعلُوق لَا يتم الرُّجُوع فَهُوَ كالعرض على البيع ونظائره

الثَّانِي أوصى لَهُ بِمَنْفَعَة دَاره سنة ثمَّ أجرهَا سنة وَانْقَضَت مُدَّة الْإِجَارَة قبل مَوته صرف إِلَيْهِ سنة فَإِن مَاتَ وَصَارَت السّنة الأولى مستغرقة بِالْإِجَارَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا حق للْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ أوصى لَهُ بِالسنةِ الأولى وَقد استوفاها الْمُسْتَأْجر وَالثَّانِي أَنه يسلم إِلَيْهِ لِأَن السّنة الأولى لم تشْتَرط للْمُوصى لَهُ وَإِنَّمَا تعين بِحكم البدار إِلَى التوفية فَإِذا منع مَانع من البدار تسلم إِلَيْهِ بعده السَّبَب الرَّابِع التَّصَرُّفَات المبطلة اسْم الْمُوصى بِهِ كَمَا لَو أوصى بِقطن فَعَزله أَو بغزل فنسجه أَو بحنطة فطحنها أَو دَقِيق فعجنه أَو عجين فخبزه فَالْكل رُجُوع لدلَالَة قَصده وَزَوَال الِاسْم

فروع الأول إِذا أوصى بِخبْز فَجعله فتيتا أَو بِلَحْم فقدره أَو برطب فجففه أَو بِثَوْب فَقطع مِنْهُ قَمِيصًا أَو بخشب فَاتخذ مِنْهُ بَابا فَفِي الْكل وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْوَصِيَّة أَن الِاسْم الأول يجوز إِطْلَاقه بِوَجْه مَا الثَّانِي إِذا أوصى بدار فَهَدمهَا إِن لم يبْق اسْم الدَّار فَهُوَ رُجُوع وَإِن انْهَدَمت وَلم يبْق اسْم الدَّار فَوَجْهَانِ وَوجه الْبَقَاء أَنه لم يُوجد من جِهَته قصد الرُّجُوع وَمَا يدل عَلَيْهِ

وَقِيَاس هَذَا أَنه لَو طحنت الْحِنْطَة وغزل الْقطن بِغَيْر إِذْنه لَا تَنْفَسِخ الْوَصِيَّة وَحَيْثُ لَا تَنْفَسِخ فَفِي بَقَاء الْحق فِي النَّقْص خلاف ذَكرْنَاهُ الثَّالِث لَو بنى أَو غرس فِي الْعَرَصَة الْمُوصى بهَا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه رُجُوع لِأَن الْبناء غير دَاخل فِي الْوَصِيَّة وَهُوَ للتخليد وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ انْتِفَاع مُجَرّد وَالثَّالِث أَنه رُجُوع عَن المغرس وأس الْجِدَار حَتَّى لَو تجنى لم يرجع أَيْضا إِلَى الْمُوصى لَهُ وَلَيْسَ رُجُوعا عَمَّا عداهُ وَالرَّابِع إِذا أوصى بِصَاع حِنْطَة وخلطه بِغَيْرِهِ فَرجع إِذا تعذر بِهِ التَّسْلِيم وَإِن أوصى بِصَاع من صبرَة وخلطة بِمثلِهِ فَلَيْسَ بِرُجُوع لِأَن الْغَرَض لَا يخْتَلف وَإِن خلط بالأجود فرجوع لِأَنَّهُ حدث زِيَادَة لم يَتَنَاوَلهَا الِاسْتِحْقَاق وَإِن خلط بالأردأ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه رُجُوع كالأجود وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ تعييب فَينزل منزلَة تعيب الْمُوصى بِهِ الْخَامِس لَو نقل الْمُوصى بِهِ إِلَى مَوضِع بعيد عَن الْمُوصى لَهُ فَفِيهِ

وَجْهَان السَّادِس لَو أوصى بِقطن ثمَّ حشى بِهِ فرشه فَفِي كَونه رُجُوعا وَجْهَان وَوجه التَّرَدُّد فِي هَذِه الْمسَائِل لَا يخفى مأخذها وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الأوصياء وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الْوِصَايَة وأحكامها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النّظر الأول فِي الْأَركان وَهِي أَرْبَعَة الرُّكْن الأول الْوَصِيّ وَله سِتَّة شَرَائِط الأول التَّكْلِيف فَلَا يَصح الْوِصَايَة إِلَى مَجْنُون وَصبي فَإِنَّهُمَا محتاجان إِلَى الْوَصِيّ يُفَوض إِلَيْهِمَا الثَّانِي الْحُرِّيَّة فَلَا يُفَوض إِلَى عبد لِأَنَّهَا ولَايَة وَالرّق ينافيها وَلِأَنَّهَا تستدعي فراغا لاهتمام بهَا وَالْعَبْد مَشْغُول وَالْمكَاتب وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق فِي حكم الْقِنّ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يُفَوض إِلَى العَبْد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا خلف أَوْلَادًا كلهم صغَار ففوض إِلَى عبد نَفسه جَازَ

فرع إِذا أوصى إِلَى مستولدته أَو مدبره فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه منشؤها أَن النّظر إِلَى مُرَاعَاة الشَّرْط حَال العقد أَو حَال الْمَوْت وَفِي الْوَجْه الثَّالِث يُرَاعى الْأَحْوَال من العقد إِلَى الْمَوْت حَتَّى لَو تخَلّل خلل بَين العقد وَالْمَوْت فسد أَيْضا والأقيس وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج الصِّحَّة نظرا إِلَى حَال الْمَوْت الشَّرْط الثَّالِث الْعَدَالَة فَلَا يُفَوض إِلَى فَاسق لِأَنَّهُ تصرف على الطِّفْل فيتقيد بِشَرْط الْغِبْطَة وَلَا غِبْطَة فِي الْفُسَّاق فرع لَو طَرَأَ الْفسق انْعَزل فَإِن عَاد أَمينا لم يعد وَصِيّا وَكَذَا القَاضِي يَنْعَزِل على الْأَظْهر ثمَّ لَا يعود قَاضِيا بِالتَّوْبَةِ وَالْأَب يَنْعَزِل وَلَكِن يعود وليا بِالتَّوْبَةِ فَإِن الْأُبُوَّة قَائِمَة وَفِي رُجُوع ولَايَة القَاضِي وَالْوَصِيّ بالإفاقة بعد الْجُنُون وَجْهَان وَالْإِمَام لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ على الْأَصَح للْمصْلحَة وَلَكِن إِن أمكن الِاسْتِبْدَال بِهِ من غير فتْنَة فعله أهل الْحل وَالْعقد الرَّابِع الْإِسْلَام فَلَا يُفَوض إِلَى كَافِر إِذْ لَا ولَايَة لكفار على مُسلم

وَلَو أوصى كَافِر إِلَى كَافِر فِي وَلَده الْكَافِر صَحَّ إِن كَانَ عدلا فِي دينه بِنَاء على الْأَظْهر فِي أَن ولي الْكَافِرَة فِي النِّكَاح كَافِر الْخَامِس الْكِفَايَة وَالْهِدَايَة للتَّصَرُّف فَلَا غِبْطَة فِي التَّفْوِيض إِلَى الْعَاجِز عَن التَّصَرُّف فرع لَو ضعف نظره وَعجز عَن حفظ الْحساب بعد أَن كَانَ قَادِرًا بِنصب القَاضِي مَعَه من يحفظ الْحساب وَلَا يَنْعَزِل بِهِ بِخِلَاف الْفسق فَإِنَّهُ يفوت أصل الْغَرَض وَبِخِلَاف مَا لَو نصب الْحَاكِم قيمًا فضعف نظره فِي الْحساب فَإِن القَاضِي يعزله لِأَنَّهُ مولى من جِهَته والإبدال أصلح وَالْوَصِيّ مَنْصُوب الْأَب فيحفظ مَا أمكن السَّادِس الْبَصَر وفى تفويضها إِلَى الْأَعْمَى وَجْهَان ومنشؤه التَّرَدُّد فِي أَنه هَل يُخَالف الْغِبْطَة أم لَا فرع يجوز التَّفْوِيض إِلَى النِّسَاء وَالأُم أولى من ينصب قيمًا وَإِن لم يوص إِلَيْهَا الْأَب فَلَا ولَايَة لَهَا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي هى ولية فِي المَال مُقَدّمَة على وَصِيّ الْأَب لِأَنَّهَا أحد الْأَصْلَيْنِ

الرُّكْن الثَّانِي الْمُوصي وَهُوَ كل من لَهُ ولَايَة على الْأَطْفَال لَو بَقِي حَيا كَالْأَبِ وَالْجد فَلَا يجوز للْوَصِيّ الْإِيصَاء لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ نَائِب خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَا يجوز نصب الْوَصِيّ على الْأَوْلَاد الْبَالِغين إِذْ لَا ولَايَة عَلَيْهِم نعم لَو نصب وَصِيّ لقَضَاء دُيُونه وتنفيذ وَصَايَاهُ وَلَا يجوز للْأَب نصب الْوَصِيّ فِي حَيَاة الْجد فَإِن الْجد بدل الْأَب شرعا فَهُوَ أولى من نَائِبه لفظا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَصِيّ الْأَب أولى من الْجد وَهُوَ وَجه لِأَصْحَابِنَا فروع الأول إِذا أوصى بِثَلَاثَة وَخلف جدا لأطفاله فَلَيْسَ للْجدّ التَّصَرُّف فِي الثُّلُث لِأَنَّهُ لَيْسَ وَصِيّا وَلَا قيمًا وَإِنَّمَا التَّصَرُّف فِيهِ إِلَى القَاضِي يصرفهُ إِلَى مصارفه إِذا أذن للْمُوصي فِي الْإِيصَاء عِنْد مَوته إِلَى غَيره فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجوز لِأَن ولَايَته زائلة بعد مَوته فَلَا يُؤثر إِذْنه وَلَيْسَ للْمُوصي رُتْبَة الْإِيصَاء

الثَّانِي هُوَ الأقيس الْجَوَاز لِأَن الشَّرْع فوض للأطفال بعد الْمَوْت وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت وَصِيّ إِلَى أَن يبلغ هَذَا الصَّبِي فَإِذا بلغ فَهُوَ الْوَصِيّ صَحَّ وَهُوَ تَفْوِيض بعد الْمَوْت وَكَذَلِكَ إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ وَقَالَ إِن مَاتَ أَحدهمَا انْفَرد الآخر جَازَ أما إِذا قَالَ إِن أوصيت إِلَى شخص فَذَلِك الشَّخْص وَصِيّ لي وَعين شخصا فَقَالَ أَذِنت لَك فِي الْإِيصَاء إِلَيْهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِالْجَوَازِ كَمَا إِذا علق ببلوغ الصَّبِي وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ

الرُّكْن الثَّالِث الْمُوصى فِيهِ وَهُوَ التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة الْمُبَاحَة الَّتِى يتولاها القَاضِي لَوْلَا الْوَصِيّ فَأَما بِنَاء الْبيعَة وكتبة التَّوْرَاة وَمَا هُوَ مَعْصِيّة فَلَا يَصح الْإِيصَاء فِيهِ وَلَا يجوز الْإِيصَاء فِيهِ وَلَا يجوز الْإِيصَاء فِي تَزْوِيج الْأَوْلَاد إِذْ لَا غِبْطَة فِي أَن يعْقد عَلَيْهِم من لَا يتَغَيَّر بضررهم وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يجوز الْإِيصَاء فِي ذَلِك

الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَهُوَ أَن يَقُول أوصيت إِلَيْك وفوضت إِلَيْك أُمُور أَوْلَادِي وَمَا يجْرِي مجْرَاه وَلَا بُد من الْقبُول وَالْأَظْهَر أَنه بعد الْمَوْت أَعنِي الْقبُول فروع الأول هَل يَكْفِي قَوْله أوصيت إِلَيْك فِي أَمر أطفالي أم يشْتَرط أَن يَقُول مَعَه فوضت إِلَيْك التَّصَرُّف فِي المَال فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من قَالَ مُطلق الْإِيصَاء لَا يَقْتَضِي إِلَّا حفظ المَال فَلَا بُد من التَّصْرِيح بِالتَّصَرُّفِ وَمِنْهُم من قَالَ الْعرف يُغني عَن التَّعَرُّض لَهُ الثَّانِي إِذا اعتقل لِسَانه وَقُرِئَ عَلَيْهِ الْكتاب فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ جَازَ لِأَنَّهُ عَاجز كالأخرس وَالثَّالِث لَو أوصى إِلَيْهِ فِي جنس من التَّصَرُّف معِين لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيره خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

الرَّابِع إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ إِن صرح بتسليط كل وَاحِد على الِاسْتِقْلَال أَو بِالْمَنْعِ من الِاسْتِقْلَال فَهُوَ كَمَا لَو صرح وَإِن أطلق نزل على نفي الِاسْتِقْلَال وَأَن لَا يتَصَرَّف وَاحِد دون إِذن صَاحبه تَنْزِيلا على الْأَقَل نعم مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْمُوصي كالتمكين من أَخذ الْمَغْصُوب والوديعة وأعيان الْحُقُوق لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج أصلا إِلَى الْوَصِيّ بل للْمُسْتَحقّ الْأَخْذ إِذا ظفر بِهِ وَيتَفَرَّع على نصب الْوَصِيّين صور الأولى إِذا مَاتَ أَحدهمَا فَإِن كَانَ قد أثبت لكل وَاحِد مِنْهُمَا اسْتِقْلَالا فيكتفى بِالثَّانِي وَإِن لم يثبت إِلَّا الشّركَة فللقاضي أَن ينصب قيمًا مَعَه بَدَلا عَن الْمَيِّت فَإِنَّهُ مَا رَضِي الْأَب إِلَّا بِرَأْي شَخْصَيْنِ فَلَو جعل الثَّانِي وَصِيّا ونائبا عَن الْمُوصى وَحده فَفِي جَوَازه وَجْهَان الثَّانِيَة لَو أوصى إِلَى زيد ثمَّ أوصى إِلَى عَمْرو فَإِن لم يقبل عَمْرو انْفَرد زيد بِالتَّصَرُّفِ وَإِن قبل كَانَ هَذَا تشريكا وَلم يكن فسخا للْأولِ بل ينزل منزلَة الوحيدين

وَإِن أوصى إِلَى زيد ثمَّ قَالَ لَهُ ضممت إِلَيْك عمرا فَإِن قبل فهما شريكان وَإِن قبل زيد دون عَمْرو فزيد مُسْتَقل بِهِ وَإِن قبل عَمْرو دون زيد فَلَا يسْتَقلّ لِأَن لفظ الضَّم لَا يبْنى إِلَّا عَن الشّركَة ورد زيد كموته فيفتقر إِلَى بدل عَنهُ الثَّالِثَة إِذا اخْتلفَا فِي تعْيين من يصرف إِلَيْهِ الْوَصِيَّة من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وشلا فالحاكم يتَوَلَّى التَّعْيِين وَلَو اخْتلفَا فِي حفظ المَال فيطلب موضعا مُشْتَركا يكون مَحْفُوظًا فِيهِ عَن جهتهما أَو يتفقان على ثَالِث أَو يقسم مَا يقبل الْقِسْمَة فينفرد كل وَاحِد بِحِفْظ الْبَعْض وَمَا لَا يقبل الْقِسْمَة يتَوَلَّى القَاضِي حفظه وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله ذكر الْقِسْمَة وَأَرَادَ بِهِ مَا إِذا أثبت لكل وَاحِد الِاسْتِقْلَال فِي الْوِصَايَة وَإِلَّا فَكيف يتفرد بِحِفْظ الْبَعْض وَمُوجب الْوِصَايَة الِاشْتِرَاك فِي الْكل

النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوِصَايَة وَهِي سِتَّة الأول أَن يقْضِي الدُّيُون اللَّازِمَة فِي مَال الصَّبِي من أرش الْجَنَابَة والأعواض وَالْكَفَّارَة عِنْد الْقَتْل وَينْفق عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ فَلَو تنَازعا بعد الْبلُوغ فِي مِقْدَار الْحَاجة فِي النَّفَقَة فَالْقَوْل قَول الْوَصِيّ لِأَنَّهُ أَمِين وَالْإِشْهَاد على النَّفَقَة مُتَعَذر فِي كل يَوْم وَكَذَا إِذا تنَازعا فِي كَون البيع مُوَافقا للغبطة فَالْقَوْل قَول الْوَلِيّ وَالْوَصِيّ إِذْ الأَصْل عدم الْخِيَانَة وَإِن تنَازعا فِي دفع المَال بعد الْبلُوغ إِلَيْهِ فَالظَّاهِر أَن القَوْل قَول الصَّبِي إِذْ الأَصْل عدم الرَّد وَالْإِشْهَاد مَأْمُور بِهِ عَلَيْهِ فِي كتاب الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ إِذا تنَازعا فِي تَارِيخ موت الْوَالِد إِذْ تكْثر النَّفَقَة بطول الْمدَّة فَالْبَيِّنَة على الوصى إِذا الأَصْل عدم الْمَوْت وَإِقَامَة الْبَيِّنَة على الْمَوْت مُمكن

الحكم الثَّانِي لَا يُزَوّج الْوَصِيّ الْأَطْفَال وَقد ذَكرْنَاهُ الثَّالِث لَا يتَوَلَّى الْوَصِيّ طرفِي العقد وَلَا يَبِيع مَاله من نَفسه بِخِلَاف الْأَب فَإِنَّهُ جوز لَهُ ذَلِك لقُوَّة الْأُبُوَّة نعم لَو أَن يُوكل فِي التَّصَرُّفَات الْجُزْئِيَّة كَمَا للْأَب وَلَيْسَ لَهُ الْإِيصَاء بِخِلَاف الْأَب الرَّابِع الْوِصَايَة عقد جَائِز وللوصي عزل نَفسه مهما شَاءَ قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَيْسَ لَهُ عزل نَفسه بعد موت الْمُوصي الْخَامِس إِذا لم يملك إِلَّا عبدا وَأوصى بِثلث مَاله فَلَيْسَ للْوَصِيّ إِلَّا بيع ثلث العَبْد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَهُ بيع الْكل فَإِن التشقيص بِنَقص من الثُّلُث السَّادِس للْوَصِيّ أَن يشْهد على الْأَطْفَال وَله أَن يشْهد لَهُم بِمَا لَا يَسْتَفِيد بِشَهَادَتِهِ سلطنة واتساع تصرف حَتَّى لَو كَانَ وَصِيّا بِالتَّصَرُّفِ فِي الثُّلُث وَشهد لَهُم بِمَال لَا يجوز إِذْ يَتَّسِع بِهِ الثُّلُث فيتسع تصرفه
كتاب الْوَدِيعَة

وَهِي مُشْتَقَّة من قَوْلهم ودع الشئ إِذا سكن وَاسْتقر أَي أَنَّهَا مُسْتَقِرَّة عِنْد الْمُودع وَقيل إِنَّهَا مُشْتَقَّة من قَوْلهم فلَان فِي دعة أَي فِي خفض من الْعَيْش أَي أَن الْوَدِيعَة فِي دعة غير متبلاة بِالِانْتِفَاعِ وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الْوَدِيعَة وأحكامها أما الْأَركان فالمودع وَالْمُودع والوديعة والصيغة أما الْوَدِيعَة فَهُوَ كل مَال تثبت عَلَيْهِ الْيَد الحافظة أما الْمُودع وَالْمُودع فَلَا يعْتَبر فيهمَا إِلَّا مَا يعْتَبر فِي الْوَكِيل وَالْمُوكل لِأَن الْإِيدَاع استنابة فِي الْحِفْظ فَلَا يَسْتَدْعِي إِلَّا التَّكْلِيف من الْجَانِبَيْنِ فرعان أَحدهمَا لَو أَخذ الْوَدِيعَة من صبي ضمن إِلَّا أَن يخَاف من الصَّبِي الإهلاك فَأَخذه على قصد الْحِسْبَة

فَفِي ضَمَانه وَجْهَان كَمَا لَو خلص طيرا من فَم جارحة ليحفظه على صَاحبه الثَّانِي لَو أودع صَبيا فأتلفه الصَّبِي فَفِي الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَنَّهُ مسلط عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَو اسْتقْرض أَو ابْتَاعَ فأتلف وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ متسلط على الْحِفْظ لَا على الْإِتْلَاف وَأما البَائِع والمقرض فقد سلطا على الْإِتْلَاف وشرطا عَلَيْهِ عوضا فقد الشَّرْط وَبَقِي التسليط وَهَذَا الْخلاف جَار فِي تعلق الضَّمَان بِرَقَبَة العَبْد إِذا تلف بعد أَن أودع وَلَا خلاف فِي تعلق الضَّمَان بِذِمَّتِهِ فَأَما الصِّيغَة فَهِيَ أَن يَقُول احفظ هَذَا المَال أَو استودعتك أَو مَا يُفِيد مَعْنَاهُ وَفِي اشْتِرَاط الْقبُول لفظا مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْوكَالَة وَهَاهُنَا أولى بِأَن يشْتَرط لِأَنَّهَا أبعد عَن مشابهة الْعُقُود

فَإِذا لم يشْتَرط الْقبُول لفظا فَإِذا أَخذ الْوَدِيعَة أَو وضع بَين يَدَيْهِ فرفعه كَانَ ذَلِك قبولا وَلَو قَامَ من الْمجْلس وَلم يَأْخُذ كَانَ ذَلِك ردا للوديعة وَلَو قَامَ الْمَالِك أَولا وخلى بَينه وَبَين الْمُودع لم تَنْعَقِد الْوَدِيعَة فَإِن التَّخْلِيَة قد تقوم مقَام الْقَبْض وَلَكِن إِذا اسْتحق الْقَبْض فَإِن قيل الْوَدِيعَة عقد أَو إِذن مُجَرّد قُلْنَا قد ذكر القَاضِي حُسَيْن فِيهِ خلافًا وَبنى عَلَيْهِ التَّرَدُّد فِي أَن الْمُودع إِذا عزل نَفسه هَل يَنْفَسِخ العقد وَذكر فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ عقد جَائِز وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ تسليط مُجَرّد فيضاهي إِبَاحَة الْأكل للضيف فَلَا معنى للْفَسْخ فِيهِ فَإِن قُلْنَا انْفَسَخ بقيت الْوَدِيعَة أَمَانَة شَرْعِيَّة كَمَا لَو طير الرّيح ثوبا وألقاه فِي دَاره حَتَّى لَو تمكن من الرَّد على الْمَالِك وَلم يرد ضمن على أحد الْوَجْهَيْنِ

أما حكم الْوَدِيعَة فَهُوَ أَنه عقد جَائِز من الْجَانِبَيْنِ يَنْفَسِخ بالجنون وَالْإِغْمَاء وَالْمَوْت وَمُوجب العقد التسلط على الْحِفْظ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنه إِن تلف بِغَيْر تَقْصِيره فَلَا ضَمَان وَأَنه مهما طلب الْمَالِك وَجب التَّمْكِين من الْأَخْذ فالنظر إِذا فِي الضَّمَان ورد الْعين أما الضَّمَان فسببه التقصر وللتقصير ثَمَانِيَة أَسبَاب السَّبَب الأول أَن يودع عِنْد غَيره من غير عذر فَيضمن لِأَنَّهُ لم يرض الْمَالِك بيد غَيره وَلَا فرق بَين أَو يودع زَوجته أَو عَبده أَو أَجْنَبِيّا إِلَّا أَن يسلم إِلَى عَبده وَزَوجته ليوصله إِلَى حرزه أَعنِي حرز الْمُودع وَإِن أودع القَاضِي وَقَبله القَاضِي فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ رُبمَا يتبرم الْحِفْظ فَلَا يلْزمه المداومة عَلَيْهِ وَلَا شُبْهَة فِي أَمَانَة القَاضِي وَإِن أبي القَاضِي أَن يَأْخُذ هَل يجوز لَهُ ذَلِك فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجوز لِأَنَّهُ نَائِب عَن كل غَائِب فلقبض عَنهُ

وَالثَّانِي لَا يلْزمه لِأَنَّهُ الْتزم الْحِفْظ فيكف بِهِ وَفِي وجوب قبُول الْمَغْصُوب من الْغَاصِب وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يلْزم لِأَنَّهُ فِي يَد الْغَاصِب مَضْمُون وَفِي وجوب قبُول الدّين مِمَّن عَلَيْهِ وَجْهَان مرتبان على الْمَغْصُوب وَأولى بِأَن لَا يلْزم لِأَن الدّين غير معرض للتلف فِي ذمَّته وَلَا يثقل عَلَيْهِ حفظه هَذَا إِذا أودع غَيره بِغَيْر عذر فَإِن حَضَره سفر فليرده على الْمَالِك فَإِن عجز فَإلَى القَاضِي فَإِن عجز فَإلَى أَمِين فَإِذا فعل شَيْئا من ذَلِك لم يضمن وَإِن عجز عَن الْكل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يُسَافر وَلَا ضَمَان للضَّرُورَة وَالثَّانِي أَنه يضمن فَإِنَّهُ الْتزم الْحِفْظ فاليتعرض لخطر الضَّمَان أَو ليترك السّفر السَّبَب الثَّانِي السّفر بالوديعة وَهُوَ سَبَب للضَّمَان إِذا لم يكن عذر

لِأَن الْمُسَافِر وَمَاله لعلى قلت إِلَّا مَا وقى الله تَعَالَى إِلَّا إِذا أَخذه فِي السّفر فَلهُ اسْتِدَامَة السّفر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُسَافر بِهِ إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا أما إِذا كَانَ بِعُذْر مثل حريق أَو نهب أَو غَارة فِي الْبَلَد فَلَا ضَمَان فِي السّفر بِهِ وَإِن كَانَ الْعذر حَاجته إِلَى السّفر فقد ذكرنَا حكمه فرع لَو حَضَره الْوَفَاة فَحكمه حكم من حَضَره سفر فليودع الْحَاكِم أَو أَمينا إِن عجز عَن الْحَاكِم أَو ليوص إِلَى وَارثه وليشهد عَلَيْهِ صِيَانة عَن الْإِنْكَار فَإِن سكت وَلم يخبر بِهِ أحدا ضمن إِلَّا إِذا مَاتَ فَجْأَة وَلَو أوصى إِلَى فَاسق ضمن وَإِن أوصى إِلَى عدل فَلم تُوجد الْوَدِيعَة فِي تركته فَلَا ضَمَان وَيحمل على أَنَّهَا ضَاعَت قبل مَوته وَإِن قَالَ عِنْدِي ثوب وَله أَثوَاب ضمن لِأَنَّهُ صِيغَة بالخلط

وَلَو لم يوص فَوجدَ فِي تركته كيس مختوم مَكْتُوب عَلَيْهِ أَنه وَدِيعَة فلَان فَلَا يجب تَسْلِيمه بِمُجَرَّد ذَلِك فَلَعَلَّهُ كتبه تلبيسا أَو بِملك بعد الكتيبة وَلم يُغير الْمَكْتُوب السَّبَب الثَّالِث نقل الْوَدِيعَة من قَرْيَة إِلَى قَرْيَة فَإِن نقلهَا من قَرْيَة آهلة إِلَى قَرْيَة غير آهلة ضمن لِأَن قَرْيَة آهلة أحرز فِي حَقه وَإِن كَانَ بِالْعَكْسِ وَبَينهمَا مَسَافَة تسمى سفرا ضمن لِأَنَّهُ سَافر بِهِ وَإِن لم تكن فَإِن كَانَت قَرْيَة غير آهلة مثل الأولى أَو أحرز فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ زَاد خيرا وَإِن كَانَ دونه ضمن لِأَنَّهُ نقص الأحزار فَكَانَ كَمَا لَو سَافر بِهِ وَإِن نقلهَا من بَيت فِي دَاره إِلَى بَيت آخر وَهُوَ مثل الآخر أَو فَوْقه لم يضمن

وَإِن كَانَ دونه ضمن مهما كَانَ الْبَيْت الأول معينا من الْمَالِك وَإِن قَالَ مَالك احفظ فِي هَذَا الْبَيْت وَلَا تنقل فَنقل إِلَى مَا هُوَ فَوْقه أَو مثله ضمن لمُخَالفَته صَرِيح الشَّرْط إِلَّا إِذا نقل بِعُذْر حريق أَو نهب أَو غَارة فروع أَرْبَعَة الأول حَيْثُ جَوَّزنَا النَّقْل إِلَى مثله فانهدم الْبَيْت الْمَنْقُول إِلَيْهِ فَتلفت الْوَدِيعَة ضمن لِأَن ذَلِك جوز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَإِنَّمَا لَا يضمن إِذا جَاءَ التّلف من نَاحيَة أُخْرَى وَكَذَا إِذا قَالَ احفظ فِي هَذَا الْبَيْت وَلَا تدخل عَلَيْهَا أحدا فَأدْخل إنْسَانا وَتلف لَا من نَاحيَة الدَّاخِل لم يضمن وَإِن تلف من جِهَة الدَّاخِل ضمن وَكَذَلِكَ مكتري الدَّابَّة للرُّكُوب إِذا ركبهَا فِي الإصطبل فَمَاتَتْ لم يضمن وَإِن انْهَدم عَلَيْهَا الإصطبل ضمن الثَّانِي إِذا قَالَ احفظ فِي هَذَا الْبَيْت وَلَا تنقل وَإِن وَقعت ضَرُورَة فَإِن نقل بِغَيْر ضَرُورَة ضمن من أَي جِهَة كَانَ التّلف لِأَنَّهُ تصرف فِي مَاله مَعَ نَهْيه عَنهُ وَإِن وَقعت ضَرُورَة فَتَركهَا لم يضمن لِأَنَّهُ مَأْذُون فِي التضييع وَلَكِن الأولى أَن ينْقل لِأَن التضييع مَكْرُوه

ثمَّ إِذا نقل فَفِي الضَّمَان وَجْهَان كَمَا فِي الْمُحْتَسب مَعَ الْغَاصِب بِإِخْرَاج الْمَغْصُوب من يَده وَوجه الضَّمَان أَنه أثبت الْيَد على مَاله بِغَيْر إِذْنه فَكَانَ الاحتساب جَائِزا بِشَرْط إيصاله إِلَيْهِ أَو ركُوب غرر الضَّمَان الثَّالِث لَو نقل من ظرف إِلَى ظرف كصندوق أَو كيس فَإِن كَانَ الظروف للْمَالِك فتصرفه فِيهَا بِالنَّقْلِ الْمُجَرّد لَيْسَ بمضمن إِلَّا إِذا فض الْخَتْم أَو حمل القفل هَذَا مَا دلّ عَلَيْهِ مُطلق كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَإِن كَانَ الظّرْف للْمُودع فَحكمه حكم الْبَيْت فِي النَّقْل إِلَى الأحرز أَو الْمثل أَو الأضعف الرَّابِع لَو قَالَ لَهُ لَا تنقل فَادّعى أَنه نقل لضَرُورَة فَإِن كَانَ سَبَب الضَّرُورَة مَشْهُورا فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا فَالْقَوْل قَول الْمَالِك فَإِن الأَصْل عدم السَّبَب وَكَونه مُخَالفا للفظ بِظَاهِرِهِ

السَّبَب الرَّابِع التَّقْصِير فِي دفع المهلكات وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِذا أودعهُ دَابَّة فَترك الْعلف والسقي ضمن إِلَّا إِذا كَانَ مَأْذُونا فِي تَركه فيعصي وَلَا يضمن ثمَّ الْعلف لَا يلْزمه من مَاله بل يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي حَتَّى يستقرض على الْمَالِك فَإِن عجز وَأنْفق من مَاله وَأشْهد فَفِي الرُّجُوع خلاف فَإِن قُلْنَا إِنَّه يرجع فقد نزلناه منزلَة الْحَاكِم فَلهُ أَن يَبِيع جُزْءا من الدَّابَّة إِن لم يجد طَرِيقا إِلَى النَّفَقَة سواهُ فرع لَو أَمر غُلَامه بالعلف والسقي وَكَانَ عَادَته ذَلِك جَازَ وَإِن كَانَ عَادَته الْمُبَاشرَة بِنَفسِهِ فاستناب فِي الْوَدِيعَة غَيره حَتَّى ثَبت يَده عَلَيْهَا فِي السَّقْي ضمن وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يضمن لِأَن يَد خادمه وَصَاحبه كَيده فِي الْعَادة وَالْأَظْهَر أَنه إِن أخرجه بِنَفسِهِ للسقي وَالطَّرِيق آمن لم يضمن قَالَ الْإِصْطَخْرِي يضمن لِأَنَّهُ أخرج الْوَدِيعَة من الْحِرْز من غير حَاجَة إِلَّا إِذا عجز عَن السَّقْي فِي الْمنزل الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الثَّوْب الَّذِي يُفْسِدهُ الدُّود من الْخَزّ وَالصُّوف وَلَو ترك صيانته

بالنشر والتعريض للرياح ضمن وَإِن كَانَ لَا يَنْتَفِي الدُّود إِلَّا بِأَن يلْبسهُ ويعبق بِهِ ريح الْآدَمِيّ فَلهُ لبسه السَّبَب الْخَامِس الِانْتِفَاع فَإِذا لبس الثَّوْب أَو ركب الدَّابَّة ضمن إِلَّا أَن يلبس الثَّوْب لدفع الدُّود أَو ركب الدَّابَّة ليدفع الجموح عِنْد السَّقْي وَكَذَلِكَ إِذا أَخذ الدَّرَاهِم ليصرفها إِلَى حَاجته ضمن بِالْأَخْذِ وَإِن لم يصرفهُ إِلَى حَاجته وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يضمن بِمُجَرَّد الْأَخْذ وَنحن نزيد على هَذَا فَنَقُول لَو حل ختم الْكيس ضمن مَا فِي الْكيس لِأَنَّهُ يعد خِيَانَة على الْكيس وَهل يضمن الْكيس فِي نَفسه فِيهِ وَجْهَان أما إِذا حل عقدا على الْكيس من نفس الْكيس أَو من خيط وَأَعَادَهُ لم يضمن لِأَن ذَلِك لَا يعد خِيَانَة وَلَو أخرج الدَّابَّة ليرْكبَهَا فَلم يركبهَا ضمن وَلَو نوى إِخْرَاج الدَّابَّة وَأخذ الدَّرَاهِم فَلم يَأْخُذ وَلم يخرج لَا يضمن

بِخِلَاف الْمُلْتَقط فَإِنَّهُ يضمن بِالنِّيَّةِ لِأَن سَبَب أَمَانَته نِيَّته فتغيرت الْأَمَانَة بِتَغَيُّر النِّيَّة وَهَاهُنَا سَبَب الْأَمَانَة إِثْبَات الْمَالِك يَده فَلَا تَتَغَيَّر إِلَّا بعد وَأَن فِي عين المَال وَقَالَ ابْن سُرَيج يضمن كالملتقط وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَو نوى أَن لَا يرد على الْمَالِك ضمن بِمُجَرَّد النِّيَّة لِأَنَّهُ صَار بِهِ ممسكا على نَفسه فرعان أَحدهمَا لَو ضمن الدِّرْهَم بِالْأَخْذِ فَرده إِلَى الْكيس فَإِن لم يخْتَلط فَالضَّمَان مَقْصُود عَلَيْهِ وَإِن اخْتَلَط فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يضمن لِأَنَّهُ خلط بالمضمون فَهُوَ كَمَا لَو خلط درهما لنَفسِهِ بِهِ فَإِنَّهُ يضمن الْكل وَالثَّانِي لَا يضمن لِأَنَّهُ خلط ملكه بِملكه بِخِلَاف مَا إِذا خلط بِهِ ملك نَفسه فَإِنَّهُ تعذر بِهِ تَسْلِيم ملك الْمَالِك الثَّانِي إِذا أتلف بعض الْوَدِيعَة لم يضمن الْبَاقِي إِذا كَانَ الْمُتْلف مُنْفَصِلا كَمَا لَو أتلف أحد الثَّوْبَيْنِ

وَإِن كَانَ مُتَّصِلا كَمَا لَو قطع ذِرَاعا من الثَّوْب أَو طرفا من الدَّابَّة فَإِن كَانَ عَامِدًا ضمن لِأَنَّهُ خِيَانَة على الْكل وَإِن كَانَ خطأ ضمن المفوت وَفِي الْبَاقِي وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يضمن لِأَنَّهُ لَا يعد خائنا فِي السَّهْو السَّبَب السَّادِس التَّقْصِير بكيفية الْحِفْظ وَفِيه ثَلَاث صور الأولى إِذا سلم إِلَيْهِ صندوقا وَقَالَ لَا ترقد عَلَيْهِ فرقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فقد زَاده خيرا فَلَا يضمن وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يضمن لِأَنَّهُ أغرى اللص بِهِ وَمَا ذكره مُتَّجه إِذا أَخذ السَّارِق من جنب الصندوق فِي الصَّحرَاء فَإِن هَذَا من قبيل الْمُخَالفَة الْجَائِزَة بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة الثَّانِيَة سلم إِلَيْهِ دَرَاهِم وَقَالَ اربطه فِي كمك فَأَمْسكهَا فِي يَده

فَإِن أَخذه غَاصِب فَلَا ضَمَان لِأَن الْيَد أحرز فِي هَذِه الْحَالة وَإِن استرخى بنوم أَو نِسْيَان ضمن لِأَن الرَّبْط أحرز هَاهُنَا وَلَو ربط فِي كمه قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن جعل الْخَيط الرابط خَارج الْكمّ ضمن لِأَنَّهُ أغرى للطرار بِهِ وَإِن جعله دَاخل الْكمّ لم يضمن فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا ضَاعَ من جِهَة الطرار فَإِن ضَاعَ بالاسترسال فَيَنْبَغِي أَن يكون الحكم بِالْعَكْسِ من هَذَا الثَّالِثَة أودعهُ خَاتمًا قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن جعله فِي خِنْصره ضمن لِأَنَّهُ مُسْتَعْمل وَفِي إِصْبَع آخر لَا يضمن لِأَنَّهُ إِحْرَاز وَمَا ذكره غير بعيد عَن الْقيَاس إِلَّا إِذا كَانَ تضيق الْحلقَة عَن غير الْخِنْصر فالحفظ فِيهِ مَحْمُول على قصد الْإِحْرَاز السَّبَب السَّابِع التضييع وَله صور الأولى أَن يلقيه فِي مضيعة فَيضمن

ويلتحق بِهِ مَا لَو دلّ سَارِقا عَلَيْهِ أَو دلّ من يصادر الْمَالِك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يضمن لِأَنَّهُ خَالف الْحِفْظ الْمُلْتَزم بِخِلَاف من لَا يَد لَهُ على المَال فَإِنَّهُ إِذا دلّ لم يضمن لِأَنَّهُ لم يلْتَزم الْحِفْظ وَلم يتَصَرَّف فِي المَال الثَّانِيَة إِذا ضيع بِالنِّسْيَانِ فقد سُئِلَ الخضري عَن زَوْجَة سلمت خلخالا إِلَى زَوجهَا ليسلمه إِلَى صائغ فتسلم وَنسي الصَّائِغ فَقَالَ إِن لم يشْهد يضمن بالتقصير فِي الْإِشْهَاد وَإِن أشهد فَلَا يضمن وَإِن مَاتَ الشُّهُود أَو نسوه وَهَذَا مصير إِلَى أَن النسْيَان لَيْسَ بتقصير وَهُوَ غير بعيد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يضمن بِالنِّسْيَانِ فَإِن حق الْمُودع التحفظ وَالنِّسْيَان لَا يُؤثر فِي دفع الضَّمَان الثَّالِثَة إِذا أكرهه ظَالِم على التَّسْلِيم فقرار الضَّمَان على الظَّالِم وَفِي توجه الْمُطَالبَة على الْمُكْره وَجْهَان جاريان فِي الْمُكْره على إِتْلَاف مَال الْغَيْر هَذَا إِذا لم يقدر على دفع الظَّالِم فَإِن قدر على دَفعه بإخفاء الْوَدِيعَة فَلم يفعل ضمن

فَإِن حلفه الظَّالِم فليحلف وليكفر وَلَا بَأْس بِأَن يحلف كَاذِبًا إِذا كَانَ مَقْصُوده حفظ حق الْغَيْر وَقد جوز الشَّرْع كلمة الرِّدَّة لحفظ النَّفس وَلَو حلف بِالطَّلَاق فَإِن حلف طلقت زَوجته لِأَنَّهُ قدر على الْخَلَاص بِتَسْلِيم الْوَدِيعَة وَإِن سلم الْوَدِيعَة ضمن لِأَنَّهُ قدر على أَن لَا يسلم بِالْحلف وَهُوَ كَمَا لَو خير بَين أَن يُطلق إِحْدَى زوجتيه لَا على التَّعْيِين إِكْرَاها فعين إِحْدَاهمَا للطَّلَاق وَقع الطَّلَاق السَّبَب الثَّامِن للضَّمَان الْجُحُود وجحود الْوَدِيعَة مَعَ غير الْمَالِك لَيْسَ بمضمن إِذْ عَادَة الْوَدِيعَة الْإخْفَاء وَأما مَعَ الْمَالِك فَبعد الْمُطَالبَة بِالرَّدِّ مضمن وَإِن لم يُطَالب وَلَكِن قَالَ لي عنْدك شئ فَسكت لم يضمن وَإِن أنكر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الْجُحُود بعد الطّلب وَالثَّانِي أَنه يضمن لِأَنَّهُ جحود إِذا وَقع بعد السُّؤَال فرع إِذا جحد فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه

فَإِن أَقَامَ الْمُودع بَيِّنَة على الْإِيدَاع فَادّعى الرَّد أَو التّلف قبل الْجُحُود نظر إِلَى صبغة جحوده فَإِن قَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي شئ فَقَوله مَقْبُول فِي الرَّد والتلف لِأَنَّهُ لَا مناقضة بَين كلاميه وَإِن أنكر أصل الْوَدِيعَة فَقَوله فِي الرَّد والتلف لَا يقبل فَلَو أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يُمكن لِأَن الْبَيِّنَة تنبني على الدَّعْوَى ودعواه بَاطِلَة بِمَا سبق من قَوْله المناقض لَهَا وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَنَّهُ كَاذِب فِي أحد قوليه لَا محَالة وَالْبَيِّنَة تبين أَن الْكَذِب فِي الأول لَا فِي الثَّانِي هَذَا مَا أردنَا أَن نذكرهُ من أَسبَاب الضَّمَان وَمهما جرى سَبَب الضَّمَان فَعَاد أَمينا وَترك الْخِيَانَة لم يبرأ عَن الضَّمَان عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فَلَو اسْتَأْنف الْمَالِك إيداعه فَالظَّاهِر أَنه يَزُول الضَّمَان وَفِيه وَجه أَنه لَا يَزُول إِلَّا بِإِزَالَة يَده كضمان يَد البَائِع

النّظر الثَّانِي فِي رد الْعين إِذا كَانَت بَاقِيَة وَهُوَ وَاجِب مهما طلب الْمَالِك فَإِن أخر بِغَيْر عذر ضمن وَإِن كَانَ فِي جنح اللَّيْل وَتعذر عَلَيْهِ الْوُصُول إِلَيْهِ لم يضمن وَإِن كَانَ فِي جماع أَو على طَعَام لم يعْص بِالتَّأْخِيرِ فِي هَذَا الْقدر وَلكنه جَائِز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن تلف بِهَذَا التَّأْخِير ضمن وَإِن عين وَكيلا ليرد عَلَيْهِ لزمَه الرَّد مهما طَالبه فَإِن تمكن وَلم يُطَالِبهُ الْوَكِيل فَفِي الضَّمَان كَنَظِيرِهِ فِي الثَّوْب إِذا طيره الرّيح فِي دَاره وَحَقِيقَة الْوَجْهَيْنِ أَن الْأَمَانَة الشَّرْعِيَّة تتمادى إِلَى التَّمَكُّن من الرَّد أَو إِلَى الْمُطَالبَة بِالرَّدِّ وَبعد أَن أمره بِالرَّدِّ على الْوَكِيل فقد عَزله وَصَارَت أَمَانَة شَرْعِيَّة فرعان أَحدهمَا لَو طَالبه بِالرَّدِّ فَادّعى التّلف فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه إِلَّا أَن يدعى التّلف بحريق أَو نهب أَو غَارة فَإِنَّهُ لَا يصدق مَا لم يستفض أَو لم تقم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة لِأَن

إِقَامَة البنية عَلَيْهِ سهل وَلَو أطلق دَعْوَى التّلف وطالبه الْمَالِك بتفصيل السَّبَب فَلَا يلْزمه الْبَيَان وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا يَمِين على التّلف فَأَما إِذا ادّعى الرَّد نظر فَإِن ادّعى الرَّد على من ائتمنه فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه فَإِنَّهُ اعْترف بأمانته فَلَزِمَهُ قبُول يَمِينه وَإِن ادّعى الرَّد على غير من ائتمنه كَمَا إِذا ادّعى الرَّد على وَارِث الْمَالِك بعد أَن مَاتَ الْمَالِك أَو ادّعى وَارِث الْمُودع الرَّد على الْمَالِك أَو ادّعى المتلقط أَو من طير الرّيح ثوبا فِي دَاره ردا على الْمَالِك فَهَؤُلَاءِ لَا يصدقون إِلَّا بِبَيِّنَة وَكَذَلِكَ إِذا ادّعى الرَّد على وَكيل الْمَالِك وَأنكر الْوَكِيل فَالْقَوْل قَول الْوَكِيل وَلَا يجب على الْمَالِك تَصْدِيق الموجع لِأَن الْخُصُومَة أَولا مَعَ الْوَكِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يلْزمه تَصْدِيقه لِأَن وَكيله بِمَنْزِلَتِهِ وَإِن اعْترف بِالتَّسْلِيمِ وَلَكِن نسب الْمُودع إِلَى التَّقْصِير بترك الْإِشْهَاد أَو أنكر وَكيله فَهَل يتَضَمَّن بِهَذَا التَّقْصِير فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا إِذا وَكله بِقَضَاء دين فَلم يشْهد وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَدِيعَة عَادَتهَا الْإخْفَاء وَلَا ينفع الْإِشْهَاد مَعَ الْوَكِيل فَإِنَّهُ إِن كَانَ يستجيز الْخِيَانَة فيدعي التّلف أَو الرَّد وَيكون مُصدقا بِيَمِينِهِ بِخِلَاف مُسْتَحقّ

الدّين فَإِنَّهُ لَا حِيلَة لَهُ مَعَ الْإِشْهَاد وَالْخلاف فِي وجوب الْإِشْهَاد جَار فِي الْوَصِيّ إِذا رد المَال على الْيَتِيم بعد بُلُوغه فَإِن قُلْنَا يجب الْإِشْهَاد فتنازعا فِي جَرَيَانه فَالْأَصْل عَدمه وَالْقَوْل قَول الْمَالِك فِي عَدمه فَإِن قيل فَلَو أودع الْمُودع عِنْد إِنْسَان آخر لإذن الْمَالِك عِنْد سَفَره فَهَل يصدق الْمُودع الثَّانِي فِي دَعْوَى الرَّد قُلْنَا ينظر فَإِن عينه الْمَالِك صدق فِي دَعْوَى الرَّد على الْمَالِك لِأَنَّهُ مُودع من جِهَته وَإِن لم يُعينهُ وَلَكِن قَالَ أودع أَمينا فعينه الْمُودع الأول فَلَا يصدق إِلَّا فِي دَعْوَى الرَّد على الْمُودع الأول فَأَما على الْمَالِك فَلَا الثَّانِي إِذا ادّعى رجلَانِ وَدِيعَة عِنْد إِنْسَان فَقَالَ هُوَ لأحدكما وَقد نسيت عينه فَإِن اعترفا لَهُ بِعَدَمِ الْعلم فَلَا خُصُومَة لَهما مَعَه وَفِي الْوَدِيعَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تنقل إِلَى يَد أَمِين وَتوقف إِلَى أَن تفصل الْخُصُومَة بطريقها لِأَن هَذَا الْأمين انْعَزل بمطالبتها بِالرَّدِّ وَالثَّانِي أَنه يتْرك فِي يَده فَإِنَّهُ أَمِين حَاضر فَلَا معنى لاستئناف أَمِين آخر

ثمَّ هَذَا المَال يَجْعَل كَأَنَّهُ فِي يدهما وَقد تنازعاه أَو يَجْعَل كَمَال فِي يَد ثَالِث تداعاه أجنبيان فِيهِ وَجْهَان قَالَ القَاضِي حُسَيْن يَجْعَل الشئ فِي يدهما لِأَن الْحق لَا يعدوهما بِاتِّفَاق الْجَمِيع وَقَالَ الْمحَامِلِي لَا يَجْعَل فِي يدهما فَإِنَّهُ لم يثبت لأَحَدهمَا يَد أما إِذا ادّعَيَا الْعلم على الْمُودع فيكفيه أَن يحلف لَهما يَمِينا وَاحِدَة على النَّفْي وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يحلف لكل وَاحِد مِنْهُمَا يَمِينا فَإِذا حلفناه فَإِن حلف عَاد الْأَمر كَمَا كَانَ فِي الصُّورَة الأولى فَإِن نكل حلفا يَمِين الرَّد فَإِذا حلفا ضمن الْمُودع الْقيمَة وَجعلت الْقيمَة أَيْضا فِي يدهما فَيحصل كل وَاحِد مِنْهُمَا على نصف الْوَدِيعَة وَنصف الْقيمَة فَإِن سلم الْعين لأَحَدهمَا دون الآخر بِبَيِّنَة أَو يَمِين مَرْدُودَة رد من سلم الْعين لَهُ نصف الْقيمَة الَّتِى فِي يَده إِلَى الْمُودع إِذْ وصل إِلَيْهِ الْمُبدل

وَأما الآخر فَلَا يرد النّصْف الذى فِي يَده لِأَنَّهُ اسْتحقَّهَا بِيَمِين مَرْدُودَة من جِهَة الْمُودع وَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ مبدله هَذَا كُله تَفْرِيع من الْأَصْحَاب على أَن الْمُودع لَا يضمن بِالنِّسْيَانِ وَقد ذكرنَا وَجها فِي تَضْمِينه فعلى هَذَا يضمن بِمُجَرَّد النسْيَان وَلَا يحْتَاج إِلَى النّكُول وَالْيَمِين وَالله أعلم

= كتاب قسم الْفَيْء والغنائم = وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْفَيْء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ كل مَال لكَافِر فَاء إِلَى الْمُسلمين من غير إيجَاف خيل وَلَا ركاب كَمَا إِذا انجلوا عَنهُ خوفًا من الْمُسلمين من غير قتال أَو بذلوه للكف عَن قِتَالهمْ وَهُوَ مخمس كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله وَكَذَلِكَ مَا أَخذ بِغَيْر تخويف كالجزية وَالْخَرَاج عَن أراضيهم وَالْعشر من تِجَارَتهمْ وَمَال الْمُرْتَد وَمَال من مَاتَ مِنْهُم وَلَا وَارِث لَهُ فَالصَّحِيح أَن هَذَا أَيْضا يُخَمّس لعُمُوم قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله}

الطّرف الأول فِي الْخمس وَهُوَ مقسوم بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة أسْهم إِذْ كَانَ الْفَيْء كُله لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السهْم الأول لله وَلِرَسُولِهِ فَهُوَ مَصْرُوف إِلَى مصَالح الْمُسلمين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنَاول من الأَرْض وبرة من بعير فَقَالَ والذى نَفسِي بِيَدِهِ مَا لي مِمَّا أَفَاء الله إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم وَأَرَادَ بِهِ مَا بعد الْوَفَاة وَالرَّدّ على الْجُمْلَة بِالصرْفِ إِلَى الْمصَالح الْعَامَّة كسد الثغور وَعمارَة القناطر وأرزاق الْقُضَاة وَغَيرهَا وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يصرف سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الإِمَام فَإِنَّهُ خَلِيفَته السهْم الثَّانِي لِذَوي الْقُرْبَى وهم المدلون بِقرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبني هَاشم وَبني الْمطلب دون غرهم من

بني عبد شمس وَبني نَوْفَل لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم على هَؤُلَاءِ وَمنع أُولَئِكَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْخمس يقسم بِثَلَاثَة أسْهم فَأَما سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسم ذَوي الْقُرْبَى فقد سقطا بوفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بعض الْعلمَاء يقسم بِسِتَّة أسْهم وَسَهْم الله تَعَالَى يتَمَيَّز عَن سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصْرف إِلَى زِينَة الْكَعْبَة ومصالحها وَهُوَ بَاطِل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم وَلَو صَحَّ ذَلِك لَكَانَ نصِيبه سدسا وَإِذا ثَبت أَنه لِذَوي الْقُرْبَى فيشترك فِي اسْتِحْقَاقه أغنياؤهم وفقراؤهم لِأَن الْعَبَّاس كَانَ يَأْخُذ مِنْهُ وَكَانَ من أغنيائهم ويشترك فِيهِ الصَّغِير وَالْكَبِير وَالنِّسَاء وَالرِّجَال والحاضر فِي ذَلِك الإقليم وَالْغَائِب تعلقا بِعُمُوم الْقَرَابَة ويفضل

الذّكر على الْأُنْثَى لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ بِالْقَرَابَةِ فَيُشبه الْمِيرَاث هَذَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الْمُزنِيّ يسوى كَالْوَصِيَّةِ للأقارب وَهُوَ الْقيَاس فرع قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْلَاد الْبَنَات لَا يسْتَحقُّونَ فَإِنَّهُ لَا نسب من جِهَة الْأُمَّهَات وَهَذَا مُسْتَحقّ بِالنّسَبِ وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن من يُدْلِي بجهتين يفضل على من يُدْلِي بِجِهَة وَاحِدَة كَمَا يقدم الْأَخ من الْأَب وَالأُم على الْأَخ للْأَب وَهَذَا يدل على أَن الإدلاء بِالْأُمِّ لَهُ أثر فِي الِاسْتِحْقَاق عِنْد الِاجْتِمَاع فَلَا يبعد عَن الْقيَاس أَن يُؤثر عِنْد الِانْفِرَاد مَعَ شُمُول اسْم الْقَرَابَة السهْم الثَّالِث لِلْيَتَامَى وَهُوَ كل طِفْل لم يبلغ الْحلم وَلَا كافل لَهُ من أَوْلَاد المرتزقة وَغَيرهم وَقَالَ الْقفال يخْتَص بأولاد المرتزقة وَهُوَ بعيد نعم هَل يشْتَرط كَونه فَقِيرا فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يشْتَرط فِي ذَوي الْقُرْبَى لِأَنَّهُ زِيَادَة شَرط على الْوَصْف الْمَذْكُور وَالثَّانِي نعم لِأَن لفظ الْيَتِيم يُنبئ عَن الْحَاجة إِلَى التعهد والغني الذى يتعهد غَيره من مَاله بِالزَّكَاةِ وَالنَّفقَة يبعد فهمه عَن الْآيَة

السهْم الرَّابِع سهم الْمَسَاكِين وَيجوز صرفه إِلَى الْفَقِير فَإِنَّهُ أَشد حَاجَة مِنْهُ السهْم الْخَامِس لأبناء السَّبِيل وَسَيَأْتِي بَيَان الصِّنْفَيْنِ فِي تَفْرِيق الصَّدقَات فَإِن قيل فَهَل يجب التَّسْوِيَة بَينهم قُلْنَا أما الأسهم الْخمس فَلَا بُد وَأَن تتساوى فِي الأَصْل وَأما سهم ذَوي الْقُرْبَى فَيقسم على السوية إِلَّا بِسَبَب الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَأما الْمُسْتَحق باليتم والمسكنة وَالسّفر فيتفاوت بتفاوت الْحَاجة

الطّرف الثَّانِي فِي الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة وَقد كَانَ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْخمس وَبعده فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه مَرْدُود إِلَى الْمصَالح كالخمس من الْخمس الْمُضَاف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالثَّانِي أَنه يقسم على الْجِهَات كَمَا يقسم الْخمس فعلى هَذَا يقسم جملَة الْفَيْء بِخَمْسَة أَقسَام وَعَلِيهِ يدل ظَاهر قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَظْهر أَنه للمرتزقة المقاتلين كأربعة أَخْمَاس الْغَنِيمَة فَإِنَّهَا للحاضرين فِي الْقِتَال إِذْ كَانَ يَأْخُذهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْكفَّار كَانُوا يحذرون مِنْهُ والآن يحذرون من جند الْإِسْلَام وَذهب بعض الشِّيعَة إِلَى أَنه موروث مِنْهُ لأقاربه وَهُوَ بَاطِل لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة

وَإِذا ثَبت أَنه للمقاتلين فليراع الإِمَام فِي الْقِسْمَة سَبْعَة أُمُور الأول أَن يضع ديوانا يحصي فِيهِ المرتزقة بِأَسْمَائِهِمْ وَينصب لكل عشرَة مِنْهُم عريفا يجمعهُمْ فِي وَقت الْعَطاء ليَكُون أسهل عَلَيْهِ الثَّانِي أَن يُسَوِّي وَلَا يفضل أحدا بسبق فِي الْإِسْلَام وَلَا سنّ نسب بل يُعْطي كل وَاحِد على قدر حَاجته فيزيد بِزِيَادَة الْحَاجة وَلَا يُعْطِيهِ مَا يقصر عَن كِفَايَته وكفاية زَوجته وَأَوْلَاده لأَنهم كفوا الْمُسلمين أَمر الْجِهَاد فليكفوا أَمر النَّفَقَة فَلَو كَانَ لوَاحِد أَربع زَوْجَات أنْفق على الْكل ويبفق على عَبده وفرسه فَإِن لم يكن لَهُ عبد وَفرس وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ اشْتَرَاهُ لَهُ وَلَو كَانَ لَهُ عبيد للْخدمَة لَا ينْفق على أَكثر من وَاحِد لِأَنَّهُ لَا حصر لَهُم بِخِلَاف الزَّوْجَات وَيُعْطِي الْوَلَد الصَّغِير كَمَا يُعْطي الْكَبِير وَكلما كبر فزادت حَاجته زَاد فِي جرايته وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يفضل الْبَعْض على الْبَعْض وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يُسَوِّي بَينهم فَرَأى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الِاقْتِدَاء بِالصديقِ رضوَان الله عَلَيْهِ تَشْبِيها بِالْغَنِيمَةِ فيسوي فِيهَا بَين الشجاع والضعيف الثَّالِث أَن يقدم فِي الْإِعْطَاء الأولى بالتقديم

فَيقدم قُريْشًا وَيقدم من جُمْلَتهمْ بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب فيسوي بَينهم لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شَبكَ بَين أَصَابِعه فِي تمثيلهم تَنْبِيها على التَّسْوِيَة نعم إِن كَانَ فيهم مسن قدم الأسن ثمَّ يُعْطي بعدهمْ بني عبد شمس وَبني نَوْفَل وَبني عبد منَاف وَيقدم بني عبد شمس لِأَن عبد شمس أَخُوهَا هَاشم من أَبِيه وَأمه وَنَوْفَل أَخُوهُ من أَبِيه لَا من أمه ثمَّ يعْطى بَنو عبد الْعُزَّى وَبَنُو عبد الدَّار وَيقدم بَنو عبد الْعُزَّى على بني عبد الدَّار لِأَن فيهم أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ يعْطى الْأَقْرَب حَتَّى تَنْقَضِي قُرَيْش ثمَّ يقدم الْأَنْصَار على سَائِر الْعَرَب وَيُعْطى بعد ذَلِك الْعَجم وَإِذا تَسَاوَت الرتب قدم بِالسِّنِّ أَو بِالسَّبقِ إِلَى الْإِسْلَام وَلم يقدم بِسَبَب سوى مَا ذَكرْنَاهُ

الرَّابِع لَا يثبت ابْتِدَاء فِي الدِّيوَان اسْم صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا عبد وَلَا ضَعِيف إِذْ لَا كِفَايَة فيهم بل يثبت اسْم الأقوياء الْبَالِغين المستعدين للغزو إِذا أمروا فَإِن طَرَأَ الضعْف وَالْجُنُون فَإِن طَرَأَ الضعْف وَالْجُنُون فَإِن كَانَ يُرْجَى زَوَاله فَلَا يسْقط الِاسْم وَإِن كَانَ لَا يُرْجَى فَيسْقط اسْمه وَإِذا مَاتَ فَمَا كَانَ يُعْطي زَوجته وَأَوْلَاده فِي حَيَاته هَل يبْقى عَلَيْهِ بعد مَوته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْقط إِذا كَانَ ذَلِك بطرِيق التّبعِيَّة والآن فقد مَاتَ الْمَتْبُوع وَلَيْسَ فِي أنفسهم قُوَّة الْجِهَاد وَالثَّانِي أَنه يستصحب إِذْ الْمُجَاهِد إِذا علم أَن ذُريَّته مضيعون بعد وَفَاته اشْتغل بِالْكَسْبِ فِي أنفسهم قُوَّة الْجِهَاد فعلى هَذَا يُعْطي للزَّوْجَة إِلَى أَن تتَزَوَّج فَإِذا استغنت بزوجها سقط حَقّهَا وَيبقى حق الصّبيان إِلَى الْبلُوغ فَإِن بلغُوا عاجزين بجنون أَو ضعف أَو أنوثة اسْتمرّ مَا كَانَ وَكَأَنَّهُم لم يبلغُوا وَإِن صلحوا لِلْقِتَالِ خيروا فَإِن اخْتَارُوا الْجِهَاد استقلو باثبات الِاسْم وَإِن أَعرضُوا التحقوا بالمكتسبين انْقَطع حَقهم الْخَامِس يَنْبَغِي أَن تفرق أَرْزَاقهم فِي أول كل سنة وَلَا يُكَرر الْقِسْمَة فِي كل أُسْبُوع وَشهر فَإِن الْحَاجة فِي المَال تَتَكَرَّر بِتَكَرُّر السّنة إِلَّا أَن تَقْتَضِي الْمصلحَة ذَلِك فَلهُ اتباعها

فَلَو مَاتَ وَاحِد بعد أَن جمع المَال وَمَضَت السّنة كَانَ نصِيبه لوَرثَته والحول فَلَا حق لورته وَإِن كَانَ بعد الْجمع وَإِن مَاتَ قبل الْجمع وَقبل انْقِضَاء السّنة فَقَوْلَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حُصُول المَال وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن النُّصْرَة لم تكمل بِالسنةِ وَهِي لَا تجزأ السَّادِس إِن كَانَ من جملَة الْفَيْء أراض فخمسها لأهل الْخمس وَأَرْبَعَة أخماسها يكون وَقفا هَكَذَا قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ هُوَ تَفْرِيع مِنْهُ على أَنه للْمصَالح والمصلحة فِي الْوَقْف لتبقى الْغلَّة على الْمُسلمين فِي الدَّوَام وعَلى القَوْل الآخر يقسم على المرتزقة كالمنقول

وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا للمرتزقة فنجعلها وَقفا لتَكون رزقا مُؤَبَّدًا عَلَيْهِم بِخِلَاف الْغَنِيمَة إِذْ لَا مدْخل للِاجْتِهَاد فِيهَا فَلذَلِك لَا يفضل أحد على غَيره لحَاجَة ومصلحة فَإِن قُلْنَا بِالْوَقْفِ فَمنهمْ من قَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْوَقْف الشَّرْعِيّ الَّذِي يحرم بِهِ البيع وَالْقِسْمَة وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ التَّوَقُّف عَن قسْمَة الرَّقَبَة وَقِسْمَة الْغلَّة دون الْوَقْف الشَّرْعِيّ السَّابِع إِذا فضل شَيْء من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة عَن قدر حَاجتهم فَيرد عَلَيْهِم ويوزع وَإِن زَاد على كفايتهم إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه للْمصَالح وَأَنه يصرف إِلَيْهِم لِأَنَّهُ أهم الْمصَالح فَحِينَئِذٍ إِن ظَهرت مصلحَة أهم مِنْهُ لم ترد الزِّيَادَة عَلَيْهِم وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي قسم الْغَنَائِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْغنيمَة كل مَال تَأْخُذهُ الفئة الْمُقَاتلَة على سَبِيل الْقَهْر وَالْغَلَبَة من الْكفَّار فخمسها يقسم بِخَمْسَة أَقسَام كخمس الْفَيْء وَأَرْبَعَة أخماسها للغانمين فيتطرق إِلَيْهَا النَّفْل والرضخ وَالسَّلب ثمَّ الْقِسْمَة بعده

النّظر الأول فِي النَّفْل وَهُوَ زِيَادَة مَال يَشْتَرِطه أَمِير الْجَيْش لمن يتعاطى فعلا مخاطرا يُفْضِي إِلَى الظفر بالعدو كتقدمه طَلِيعَة أَو تهجمه على قلعة أَو دلَالَته على طَرِيق بلد وَالنَّظَر فِي قدره وَمحله أما مَحَله فَيجوز أَن يكون من بَيت مَال الْمُسلمين لِأَنَّهُ من الْمصَالح فَإِن شَرط مِنْهُ فَلْيَكُن قدر المَال مَعْلُوما لِأَنَّهُ جعَالَة وَيجوز أَن يكون مِمَّا يتَوَقَّع أَخذه من مَال الْمُشْركين من خمس الْخمس وَعند ذَلِك لَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما فقد شَرط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثُّلُث فِي الرّجْعَة وَالرّبع فِي البدأة وَحكى القَاضِي عَن الْقَدِيم قولا أَنه لَا يخْتَص بِخمْس الْخمس والمصالح بل يُعْطون الثُّلُث وَالرّبع مِمَّا أخذُوا من أصل المَال لَا من خمس الْخمس وَالْبَاقِي يكون غنيمَة مُشْتَركَة وعَلى هَذَا فَهَل يُخَمّس مَا اختصوا بِهِ فِيهِ قَولَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الرضخ

فرع لَو قَالَ الْأَمِير من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ وَأَرَادَ أَن يَجْعَل كل مَا أَخذه نفلا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ قَائِل بذلك كَانَ ذَلِك مذهبا وَقد قَالَ بِهِ أَبُو حينفة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الْأَصْحَاب هُوَ ترديد قَول فعلى قَول يجوز لما روى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ يَوْم بدر من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ وَالأَصَح أَنه لَا يجوز والْحَدِيث غير صَحِيح وَقد قيل إِن غَنَائِم بدر كَانَت لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَاصَّة يفعل فِيهَا مَا يَشَاء

أما قدره فباجتهاد الإِمَام وَليكن على قدر خطره فِي الْعَمَل وَلذَلِك زَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرّجْعَة لِأَن خطر التَّخَلُّف عَن الْعَسْكَر فِي آخر الْقِتَال أعظم من خطر التَّقَدُّم قبل الْقِتَال وَالْأَظْهَر أَن ذَلِك كَانَ ثلث خمس الْخمس وَربع خمس الْخمس وَقيل مَعْنَاهُ إِن يُزَاد لكل وَاحِد مثل ثلث حِصَّته أَو مثل ربعه

النّظر الثَّانِي فِي الرضخ وَهُوَ قدر من المَال تَقْدِيره إِلَى رَأْي الإِمَام بِشَرْط أَن لَا يزِيد على سهم رجل من الْغَانِمين بل ينقص كَمَا ينقص التَّعْزِير من الْحَد ومصرفه العبيد وَالصبيان المراهقون وَالنِّسَاء وَالْكفَّار الَّذين حَضَرُوا الْوَاقِعَة فَلَيْسَ لَهُم رُتْبَة الْكَمَال حَتَّى يدخلُوا فِي الْقِسْمَة وَفِي الْمحل الَّذِي يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه من أصل الْغَنِيمَة تَقْدِيمًا على الْكل كَأُجْرَة النَّقْل وَالْحمل وَالثَّانِي أَنه من خمس الْخمس كالنقل على الرَّأْي الْأَصَح وَالثَّالِث وَهُوَ الأقيس أَنه من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ سهم من الْغَنِيمَة اسْتِحْقَاقه بِشُهُود الْوَقْعَة لكنه دون سَائِر السِّهَام فرع الْكَافِر إِذا حضر بِغَيْر إِذن الإِمَام أَو حضر بِأُجْرَة قدرهَا الإِمَام فَلَا شَيْء لَهُ من الرضخ وللأمام أَن يسْتَأْجر أهل الذِّمَّة بِشَيْء من المَال فَأَما العَبْد إِذا حضر اسْتحق الرضخ مَأْذُونا كَانَ من جِهَة السَّيِّد أَو الإِمَام أَو لم يكن قَاتل أَو لم يُقَاتل وَكَذَا النِّسَاء وَالصبيان وَاعْتِبَار الْإِذْن فِي حق الْكَافِر لِأَنَّهُ مُتَّهم

النّظر الثَّالِث فِي السَّلب وَهُوَ الْقَاتِل نَادَى الإِمَام أَو لم يناد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه ثمَّ النّظر فِي أَرْبَعَة أَرْكَان الرُّكْن الأول فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق وَهُوَ ركُوب الْغرَر فِي قهر كَافِر مقبل على الْقِتَال بِمَا يَكْفِي بِالْكُلِّيَّةِ شَره فالحد مُقَيّد بِثَلَاث شَرَائِط الأول ركُوب الْغرَر فَلَو رمى من حصن أَو من وَرَاء الصَّفّ وَقتل لم يسْتَحق لِأَن السَّلب حث على الهجوم على الْخطر وَالثَّانِي أَنه إِن قهر الْكَافِر بالإثخان وَإِن لم يقْتله

اسْتحق وَإِن قَتله غَيره لم يسْتَحق قتل ابْن مَسْعُود أَبَا جهل فَلم يُعْط سلبه إِذْ كَانَ أثخنه غَيره وَلَو اشْترك رجلَانِ فِي الْقَتْل اشْتَركَا فِي السَّلب وَقطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ جَمِيعًا إثخان وَقطع الْيَدَيْنِ دون الرجلَيْن أَو الرجلَيْن دون الْيَدَيْنِ فِيهِ قَولَانِ لِأَنَّهُ يعدو بِرجلِهِ عِنْد فقد الْيَد فَيجمع الْعَسْكَر وَيُقَاتل بِيَدِهِ رَاكِبًا عِنْد فقد الرجل أما إِذا أسر كَافِرًا وَسلمهُ إِلَى الإِمَام فَقَوْلَانِ الْأَصَح أَنه يسْتَحق سلبه لِأَنَّهُ قهر تَامّ بِمَا يَكْفِي شَره وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يقتل وَلَا مهد سَبِيل الْقَتْل بالجراحة

وعَلى الصَّحِيح لَو فاداه الإِمَام أَو استرقه فَفِي رقبته وَمَال الْفِدَاء قَولَانِ فِي أَنه هَل يكون من جملَة السَّلب الشَّرْط الثَّالِث كَون الْقَتِيل مُقبلا على الْقِتَال فَلَو قتل مُنْهَزِمًا أَو نَائِما أَو مَشْغُولًا بِالْأَكْلِ لم يسْتَحق الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمُسْتَحق وَهُوَ كل من يسْتَحق السهْم الْكَامِل من الْغَانِمين ومستحق الرضخ هَل يسْتَحق السَّلب إِذا قتل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَالثَّانِي لَا لأَنهم كَمَا استثنوا عَن عُمُوم آيَة الْغَنِيمَة يستثنون عَن عُمُوم الحَدِيث أما الذِّمِّيّ إِذا قتل فَلَا يسْتَحق السَّلب قطع بِهِ القَاضِي وَذكر وَجْهَيْن فِيمَن قتل امْرَأَة كَافِرَة أَو مراهقا كَافِرًا فِي أَنه هَل يسْتَحق سلبه

ومنشأ التَّرَدُّد تعلق التَّحْرِيم بِالْقَتْلِ الرُّكْن الثَّالِث فِي حد السَّلب وَهُوَ كل مَا تثبت يَد الْقَتِيل عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ عدَّة الْقِتَال وزينة الْمقَاتل كثيابه وسلاحه وفرسه وَمَا خَلفه فِي خيمته من كرَاع وَسلَاح لَا يسْتَحقّهُ الْقَاتِل وَالصَّحِيح أَنه يسْتَحق مَا مَعَه من الْخَاتم والسوار والمنطقة وَمَا مَعَه من الدَّنَانِير الَّتِي استصحبها للنَّفَقَة فَقَوْلَانِ مشهوران أقيسهما أَنه يسْتَحق لِأَن جملَة مَا مَعَه مطمع الْمقَاتل وَالثَّانِي لَا يسْتَحق كالحقيبة المشدودة على فرسه وفيهَا أقمشة ودنانير فَإِنَّهُ لَا يملك اتّفق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب

وَقَالَ القَاضِي لَا بُد من أجراء الْخلاف فِيهِ وَالْقِيَاس مَا قَالَه وَأما الدَّابَّة الَّتِي مَعَه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقَاتِلًا عَلَيْهَا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ قد يعجز الْوَاحِد فَيُقَاتل على الثَّانِي فَهُوَ كَمَا لَو كَانَ يُقَاتل رَاجِلا وَهُوَ قَابض للجام فرسه فَإِنَّهُ يسْتَحق سهم الْفرس الرُّكْن الرَّابِع فِي حكم السَّلب وَحكمه أَنه يفرز من رَأس المَال الْغَنِيمَة لصَاحبه ثمَّ تقسم الْغَنِيمَة بعده وَلَا ينْحَصر فِي خمس الْخمس بِخِلَاف الرضخ وَالنَّفْل على رَأْي وَهل يخرج الْخمس من السَّلب ذكر الفوراني قَوْلَيْنِ وَالْقِيَاس أَنه يخرج وَلَكِن نقل عَن خَالِد بن الْوَلِيد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بالسلب للْقَاتِل وَلم يُخَمّس فاتباع الحَدِيث أولى

النّظر الرَّابِع فِي قسْمَة الْغَنِيمَة وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا ميز الإِمَام الْخمس وَالسَّلب والرضخ وَالنَّفْل على التَّفْضِيل الَّذِي تقدم قسم الْبَاقِي على الْغَانِمين بِالسَّوِيَّةِ وَقسم الْعقار كَمَا يقسم الْمَنْقُول وَيُعْطِي الْفَارِس ثَلَاثَة أسْهم والراجل سَهْما وَاحِدًا وَلَا يُؤَخر الْقِسْمَة إِلَى دَار السَّلَام هَكَذَا فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز الْقِسْمَة فِي دَار الْحَرْب وَلَا يعْطى الْفَارِس إِلَّا سَهْمَيْنِ وَيتَخَيَّر الإِمَام فِي الْعقار بَين الرَّد على الْكفَّار أَو الْوُقُوف على الْمُسلمين أَو الْقِسْمَة على الْغَانِمين وَالْكل مَرْدُود عَلَيْهِ بالأحاديث الثَّانِيَة مُسْتَحقّ الْغَنِيمَة من شهد الْوَقْعَة مَعَ تَجْرِيد الْقَصْد لنصرة الْمُسلمين فَلَو لم يحضر فِي الِابْتِدَاء وَلحق بعد حِيَازَة الْغَنِيمَة وانقضاء الْحَرْب لم

يشْتَرك فِي الِاسْتِحْقَاق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يشْتَرك فِي الِاسْتِحْقَاق إِذا لحق فِي دَار الْحَرْب وَإِن لحق قبل انْقِضَاء الْحَرْب شَارك فِي الِاسْتِحْقَاق لشهود الْوَقْعَة وَحُصُول الْغناء وَإِن كَانَ بعد انْقِضَاء الْحَرْب وَقبل حِيَازَة الْغَنِيمَة فَقَوْلَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى سَبَب الْحِيَازَة وَهُوَ الْقِتَال وَفِي الثَّانِي إِلَى نفس الْحِيَازَة أما الثَّانِي إِذا حضر فِي الِابْتِدَاء ثمَّ مَاتَ فَإِن كَانَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال انْتقل سَهْمه إِلَى ورثته لِأَنَّهُ ملك بِتمَام الْقِتَال وَإِن كَانَ قبل الشُّرُوع فِي الْقِتَال فَلَا حق لوَرثَته وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء الْقِتَال نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَا حق لوَرثَته وَلَكِن نَص فِي موت الْفرس فِي أثْنَاء الْقِتَال أَنه يسْتَحق سَهْمه فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج إِذْ لَا فرق بَين الْفرس والفارس فَفِي قَول يسْتَحق بشهوده بعض الْوَقْعَة

وَفِي قَول لَا يسْتَحق نظرا إِلَى آخر الْأَمر فَإِنَّهُ مَحل الْخطر وَمِنْهُم من قرر النصين وَقَالَ إِذا مَاتَ الْفرس فالمتبوع قَائِم بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ الْفَارِس وَمهما مرض مَرضا لَا يرجي زَوَاله قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كالموت وَذكر الفوراني قَوْلَيْنِ وَوجه القَوْل الآخر الْمصلحَة فِي حَاجَة الْمَرِيض إِلَى المعالجة وَنَفَقَة الإياب بِخِلَاف الْمَيِّت وَإِن كَانَ الْمَرَض مِمَّا يُرْجَى زَوَاله فَلَا يمْتَنع الِاسْتِحْقَاق لَا فِي ابْتِدَاء الْقِتَال وَلَا فِي دَوَامه أما إِذا هرب عَن الْقِتَال سقط سَهْمه إِلَى إِذا هرب متحيزا إِلَى فِئَة أُخْرَى أَو متحرفا لقِتَال وَمهما ادّعى ذَلِك فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَأما المخذل للجيش والمضعف لقُلُوبِهِمْ يَنْبَغِي أَن يخرج من الصَّفّ فَإِن حضر لم يسْتَحق لَا السَّلب وَلَا الْغَنِيمَة وَلَا الرضخ فَإِنَّهُ أَسْوَأ حَالا من المنهزم الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا وَجه الإِمَام سَرِيَّة من جملَة الْجَيْش فَغنِمت شَيْئا شَارك فِي اسْتِحْقَاقهَا جَيش الإِمَام إِذا كَانُوا بِالْقربِ مُتَرَصِّدِينَ لنصرتهم

وحد الْقرب مَا يتَصَوَّر فِيهِ الْإِمْدَاد عِنْد الْحَاجة وَقَالَ الْقفال الْقرب بالاجتماع فِي دَار الْحَرْب وَإِن تباعدوا وَهُوَ بعيد وَلَو بعث سريتين فَمَا أَخذ كل وَاحِد مِنْهَا مقسوم على جَمِيع الْجَيْش وعَلى السريتين عِنْد التقارب وَذكر القَاضِي وَجها أَن إِحْدَى السريتين لَا تشارك الْأُخْرَى وَلَكِن الْجَيْش يشاركهما جَمِيعًا الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة الَّذين حَضَرُوا لَا لقصد الْجِهَاد كالأجير والتاجر والأسير

فَفِي الْأَجِير على سياسة الدَّوَابّ وَغَيره ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ لم يخرج الْقَصْد للنصرة وَالثَّانِي يسْتَحق لِأَنَّهُ قَاتل فَجمع بَين القصدين فَإِن لم يُقَاتل فَلَا يسْتَحق قطعا وَالثَّالِث أَن قَصده مَرْدُود فَيُخَير بَين إِسْقَاط الْأُجْرَة وَبَين طلبَهَا فَإِن أعرض عَن الْأُجْرَة اسْتحق السهْم وَإِلَّا فَلَا وَمن أَي وَقت تسْقط أجرته إِذا أعرض فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا من وَقت دُخُول دَار الْحَرْب وَالثَّانِي من وَقت ابْتِدَاء الْقِتَال إِذْ هُوَ السَّبَب الْخَاص فِي الْملك هَذَا فِي أجِير اُسْتُؤْجِرَ لَا لأجل الْجِهَاد فَإِن اُسْتُؤْجِرَ للْجِهَاد وَهُوَ مُسلم فَالْإِجَارَة فَاسِدَة إِذْ يجب عَلَيْهِ الصَّبْر عِنْد الْوُقُوف فِي الصَّفّ وَإِذا سَقَطت أجرته فَهَل يسْتَحق السهْم وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه أعرض

عَنهُ طَمَعا فِي الْأُجْرَة وَإِن كَانَ كَافِرًا واستأجره الإِمَام صحت الْإِجَارَة وَإِن اسْتَأْجرهُ أحاد الرعايا فَلَا وَأما التَّاجِر إِذا قَاتل فَقَوْلَانِ كَمَا فِي الْأَجِير إِذْ القَوْل الثَّالِث بِإِسْقَاط مَال الْإِجَارَة غير مُمكن أما الْأَسير إِذا كَانَ من هَذَا الْجَيْش وَعَاد اسْتحق قَاتل أَو لم يُقَاتل لِأَنَّهُ فِي مقاساة أَمر الْكفَّار وَإِن كَانَ من جَيش آخر وَأسر من قبل فَإِن الْتحق بالصف وَقَاتل اسْتحق وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَإِن كَانَ كَافِرًا وَأسلم والتحق بجند الْإِسْلَام اسْتحق السهْم قَاتل أَو لم يُقَاتل لِأَنَّهُ قصد إعزاز الْإِسْلَام والأسير دونه فَإِن قَصده الْخَلَاص والأجير دون الْأَسير لِأَن قَصده الإفلات وقهر الْكفَّار بِخِلَاف قصد الْأَجِير الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَا يُعْطي سهم الْفرس إِلَّا لراكب الْخَيل دون رَاكب الْفِيل والناقة وَالْبَغْلَة لِأَن الْكر والفر من خاصية الْخَيل

ثمَّ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَتِيق وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ عربيان والبرذون وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ أعجميان والمقرف وَهُوَ الَّذِي أمه عَرَبِيَّة وَأَبوهُ غير عَرَبِيّ والهجين وَهُوَ عكس ذَلِك ثمَّ لَا يدْخل الإِمَام فِي الصَّفّ من الْخَيل إِلَّا شَدِيدا أما الْفرس الضَّعِيف والأعجف قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم قد قيل يُسهم لَهُ وَقيل لَا يُسهم لَهُ فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْجَيْش ويعرض عَن الْأَحْوَال وَينظر فِي الثَّانِي إِلَى تعذر الْقِتَال عَلَيْهِ وَلَا شكّ أَنه إِذا أمكن الْقِتَال عَلَيْهِ اسْتحق سَهْمه فروع الأول لَو أحضر فرسين لم يسْتَحق إِلَّا لفرس وَاحِد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَو أعْطى للثَّانِي أعْطى للثَّالِث أَي لَا ضبط بعده الثَّانِي أَن الْقِتَال إِذا كَانَ على خَنْدَق أَو على حصن وَاسْتغْنى عَن الْفرس فللفارس سَهْمه لِأَنَّهُ رُبمَا يحْتَاج إِلَيْهِ

الثَّالِث لَو كَانَ الْفرس مستعارا أَو مُسْتَأْجرًا فسهمه لراكبه وَإِن كَانَ مَغْصُوبًا فَقَوْلَانِ على أَن سَهْمه للْمَالِك أَو للْغَاصِب يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي أَن مَا ربحه التَّاجِر على المَال الْمَغْصُوب بِالتِّجَارَة للْغَاصِب أم لَا

= كتاب قسم الصَّدقَات = وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمُسْتَحقّين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي بَيَان الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة فِي كتاب الله تَعَالَى الصِّنْف الأول الْفَقِير وَهُوَ الَّذِي لَا يملك شَيْئا أصلا وَلَا يقدر على الْكسْب وَالظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط الزمانة وَلَا التعفف عَن السُّؤَال وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ قديم فِي اشتراطهما فروع أَحدهَا أَن الْفَقِير الْقَادِر على الْكسْب إِذا لم يقدر إِلَّا بِآلَة جَازَ أَن يعْطى الْآلَة من سهم الْفُقَرَاء حَتَّى لَو لم يعرف إِلَّا التِّجَارَة وافتقر إِلَى ألف دِرْهَم يَجعله رَأس المَال يجوز أَن يُعْطي فَكَذَلِك من يقدر أَن يكْتَسب كسبا لَا يَلِيق بمروءته يجوز أَن يعْطى

وَكَذَا المتفقه إِذا كَانَ يتشوش عَلَيْهِ التفقه إِن اشْتغل بِالْكَسْبِ يعْطى سهم الْفُقَرَاء والمتصرف الَّذِي يمنعهُ الْكسْب عَن استغراق الْوَقْت بالعبادات لَا يعْطى سهم الْفُقَرَاء لِأَن الْكسْب أولى مِنْهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْكسْب فَرِيضَة بعد الْفَرِيضَة وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ كسب فِي شُبْهَة خير من مَسْأَلَة النَّاس الثَّانِي المكفي بِنَفَقَة أَبِيه فِيهِ وَجْهَان أَحدهَا لَا يعْطى سهم الْفُقَرَاء لاستغنائه بِهِ وَالثَّانِي يعْطى لِأَنَّهُ اسْتحق النَّفَقَة لفقره فتزال بِالصَّدَقَةِ حَاجته إِلَى الْأَب لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة عَن نَفسه وعَلى هَذَا لَا يجوز للْأَب أَن يصرف إِلَيْهِ زَكَاته لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة عَن نَفسه وَله أَن يصرف إِلَيْهِ سهم الغارمين لِأَن قَضَاء دينه غير وَاجِب عَلَيْهِ الثَّالِث الفقيرة الَّتِى لَهَا زوج غَنِي

وَفِي صرف سهم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين إِلَيْهَا وَجْهَان قريبان على المكفي بِالْأَبِ وَأول بِالْمَنْعِ لِأَن استحقاها النَّفَقَة لَيْسَ بِالْحَاجةِ بل عوضا عَن الْحَبْس فَكَانَ كَمَا لَو استغنت بِاسْتِحْقَاق الْمهْر فَإِن جوزهما فَلَا فرق بَين الزَّوْج وَالْأَجْنَبِيّ إِذْ لَا تنْدَفع النَّفَقَة عَن الزَّوْج بِزَوَال فقرها الصِّنْف الثَّانِي الْمَسَاكِين وَهُوَ كل من ملك مَا يَقع من كِفَايَته موفقا وَلَكِن لَا يَفِي بكفايته وَيدخل فِيهِ كل من لَهُ كسب وَلَكِن لَا يَفِي دخله بخرجه والقادر على كسب يَفِي بخرجه لم يُعْط وَقَالَ مَالك من ملك نِصَابا لم يُعْط بِحَال وَإِن لم يملك أعطي وَإِن كَانَ كسوبا وَالْفَقِير عندنَا أَشد حَالا من الْمِسْكِين خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ قَالَ الْمِسْكِين من لَا شَيْء لَهُ وَقد قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ من الْفقر وَيَقُول اللَّهُمَّ أحيني مِسْكينا

وأمتني مِسْكينا فتدل الْآيَة على أَن الْمِسْكِين لَهُ شَيْء وَالْخَبَر دلّ على أَن الْفَقِير أَشد حَالا الصِّنْف الثَّالِث الْعَامِلُونَ على الزَّكَاة وهم السعاة والحساب وَالْكتاب والقسامون والحاشر والعريف وَأما القَاضِي وَالْإِمَام فَلَا ورزقهم فِي خمس الْخمس المرصد للْمصَالح الْعَامَّة لِأَن عَمَلهم عَام وَرُوِيَ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أرصد لنَفسِهِ نَاقَة من الْفَيْء يفْطر على لَبنهَا فأبطأت لَيْلَة فِي المرعى فَحلبَ لَهُ من نعم الصَّدَقَة فأعجبه ذَلِك فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل لَهُ إِنَّه من نعم الصَّدَقَة فَأدْخل أُصْبُعه فِي حلقه واستقاءه وَغرم قِيمَته من الْمصَالح فرعان أَحدهمَا فِي أُجْرَة الكيال وَجْهَان أَحدهمَا أَنه من سهم العاملين إِذْ بِهِ يتم الْعَمَل وإيجابه على الْمَالِك

إِيجَاب زِيَادَة على الْعشْر وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق وَقَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة على الْمَالِك لِأَنَّهُ للإيفاء وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ الثَّانِي إِن فضل الثّمن عَن أُجْرَة مثل الْعَامِل صرف إِلَى بَقِيَّة الْأَصْنَاف وَلَا يُزَاد على أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ عوض الْعَمَل وَإِن نقص عَن أُجْرَة عَمَلهم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يتمم من بَيت المَال وَلَو قيل يتمم من بَقِيَّة الْأَصْنَاف فَلَا بَأْس فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ يتَخَيَّر الإِمَام وَينظر إِلَى سَعَة الصَّدقَات وسعة بَيت المَال وَيتبع فِيهِ الْمصلحَة الصِّنْف الرَّابِع الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَمن ينْطَلق عَلَيْهِم هَذَا الِاسْم ثَلَاثَة أَقسَام الأول كَافِر يتألف قلبه لارتقاب إِسْلَامه وَإِمَّا لاتقاء شَره وَإِمَّا لِأَنَّهُ رجل مُطَاع يسلم بِإِسْلَامِهِ جمَاعَة مِنْهُم فَهَذَا لَا يعْطى أصلا أما من الصَّدقَات فَلِأَنَّهُ لَا صَدَقَة لكَافِر وَأما من الْمصَالح فلَانا لَا تُعْطِي على الْإِسْلَام شَيْئا فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر هَكَذَا قَالَ عمر

رَضِي الله عَنهُ وَقد أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفْوَان بن أُميَّة لهَذَا التَّأْلِيف وَلَكِن أعْطى من خمس الْخمس فَكَانَ خَاص ملكه الْقسم الثَّانِي مُسلم لَهُ شرف وَله نظراء فِي الْكفْر يتَوَقَّع بإعطائه رَغْبَة نظرائه فِي الْإِسْلَام أعْطى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ عدي بن حَاتِم الطَّائِي ثَلَاثِينَ بَعِيرًا ويلتحق بِهِ من غير صَادِق فِي الْإِسْلَام فيخشى عَلَيْهِ التَّغَيُّر فَيعْطى تقريرا على الْإِسْلَام أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُيَيْنَة بن حصن والأقرع بن حَابِس كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة من الْإِبِل وَفِي الْإِعْطَاء بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ لهَذَا الْقسم قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الْإِسْلَام غَنِي عَن التَّأْلِيف بعد أَن أعزه الله تَعَالَى بالظهور وَالثَّانِي نعم تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى هَذَا قَولَانِ

أَحدهمَا يعْطى من الْمصَالح لِأَن هَذِه مصلحَة الْإِسْلَام وَالثَّانِي من الزكوات إِذا ثَبت سهم الْمُؤَلّفَة وَهَؤُلَاء أقرب قوم إِلَى مُوجب اللَّفْظ إِذْ تَنْزِيله على الْكفَّار غير مُمكن الْقسم الثَّالِث قوم لَا يَأْخُذُونَ شَيْئا من الْفَيْء وهم بِالْقربِ من الْكفَّار ونيتهم غير صَادِقَة فِي الْجِهَاد وتألف قلبهم بِإِعْطَاء شَيْء للْجِهَاد أَهْون من بعث سَرِيَّة إِلَى تِلْكَ الْجِهَة ويلتحق بهؤلاء قوم لَا تصدق نيتهم فِي أَخذ الزَّكَاة مِمَّن يقربون مِنْهُم وتألفهم لطلب الزكوات من الْأَغْنِيَاء بِأَنْفسِهِم حَتَّى يَسْتَعِين سعاة الإِمَام عَن التَّوَجُّه إِلَيْهِم أيسر من بعث سَرِيَّة السَّعَادَة فَهَؤُلَاءِ يُعْطون بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ قولا وَاحِدًا وَلَكِن فِي مَحل الْعَطاء أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه من الْمصَالح إِذْ الْمصلحَة عَامَّة وَالثَّانِي من الصَّدقَات وَهُوَ سهم الْمُؤَلّفَة وَالثَّالِث من سهم سَبِيل الله فَإِنَّهُ تألف على الْجِهَاد والغزو وَالرَّابِع إِن رأى الإِمَام أَن يجمع بَين سهم الْمُؤَلّفَة وَسَهْم سَبِيل الله تَعَالَى فعل لِاجْتِمَاع الْمَعْنيين الصِّنْف الْخَامِس الرّقاب وَيصرف من الصَّدقَات إِلَى المكاتبين الَّذين عجزوا عَن أَدَاء النُّجُوم

وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يَشْتَرِي بِهِ عبيدا ويعتقون فروع أَرْبَعَة الأول لَيْسَ للسَّيِّد صرف زَكَاته إِلَى مكَاتب نَفسه لِأَنَّهُ عَبده مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم الثَّانِي يعْطى الْمكَاتب قدر دينه بعد حُلُول النَّجْم وَهل يعْطى قبله فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْوُجُوب وَفِي الآخر إِلَى عدم الْمُطَالبَة الثَّالِث إِذا سلم إِلَيْهِ فَأعْتقهُ السَّيِّد مُتَبَرعا أَو أَبرَأَهُ عَن النُّجُوم أَو تبرع غَيره بإعطائه وَبِالْجُمْلَةِ اسْتغنى عَمَّا أَخذه فَإِن كَانَ ذَلِك قد تلف فِي يَده قبل الْعتْق وَلَو بإتلافه فَلَا غرم عَلَيْهِ وَإِن كَانَ بَاقِيا فِي يَده فَالظَّاهِر أَنه يسْتَردّ مِنْهُ لانْتِفَاء الْحَاجة وَقيل فِيهِ قَولَانِ وَإِن كَانَ قد سلم إِلَى السَّيِّد ثمَّ عَجزه السَّيِّد بِبَقِيَّة النُّجُوم وَالْعين قَائِمَة فِي يَد السَّيِّد فَالظَّاهِر أَنه يسْتَردّ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ الرَّابِع الأولى أَن يدْفع إِلَى السَّيِّد لإذن الْمكَاتب فَلَو سلم بِغَيْر إِذْنه لم يجز وَلَو سلم إِلَى الْمكَاتب بغي إِذن السَّيِّد جَازَ لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الِاسْتِحْقَاق الصِّنْف السَّادِس الغارمون والديون ثَلَاثَة

الأول دين لزمَه بِسَبَب نَفسه فَيقْضى من الصَّدقَات بِثَلَاث شَرَائِط أَن يكون الدّين حَالا وَالسَّبَب الَّذِي فِيهِ الاستقراض مُبَاحا وَأَن يكون هُوَ مُعسرا فَإِن كَانَ مُوسِرًا فَلَا يعْطى وَإِن كَانَ مُؤَجّلا وَله صَنِيعَة وقف يدْخل مِنْهَا قدر الدّين فَلَا يعْطى وَإِن لم يكن فَوَجْهَانِ كَالْمكَاتبِ إِن كَانَ السَّبَب مَعْصِيّة كَثمن الْخمر أَو السَّرف فِي الْإِنْفَاق فَإِن كَانَ مصرا لَا يعْطى وَإِن كَانَ تَائِبًا فَوَجْهَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَال وَفِي الثَّانِي إِلَى أول الدّين الثَّانِي مَا لزمَه بِسَبَب حمالَة تبرع بهَا تطفية لثائرة فتْنَة بَين شَخْصَيْنِ فِي قَتِيل أَو فِي أَمر تعظم الْفِتْنَة فِيهِ فَإِن كَانَ مُعسرا يقْضى دينه وَكَذَا إِن كَانَ يسَاره بالضباع وَالْعرُوض وَإِن كَانَ غَنِيا بِالنَّقْدِ فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا يقْضى كالغني بالعقار لِأَن سَبَب قَضَائِهِ كَونه مصروفا إِلَى مصلحَة وَالثَّانِي لَا لِأَن فِي تَكْلِيف بيع الْعقار هتكا لمروءته الدّين الثَّالِث دين لزمَه بطرِيق الضَّمَان عَن شخص فَإِن كَانَا معسرين أُغني الضَّامِن والمضمون عَنهُ قضي من سهم الغارمين وَإِن كَانَا موسرين أَو كَانَ الْمَضْمُون عَنهُ مُوسِرًا فَلَا يقْضى لِأَنَّهُ فَائِدَته ترجع إِلَى الْمُوسر وَإِن كَانَ الضَّامِن مُوسِرًا والمضمون عَنهُ مُعسرا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يقْضى كَمَا فِي الْحمالَة لِأَن الضَّمَان أَيْضا من المروءات وَالثَّانِي لَا إِذْ صرفه إِلَى الْمَضْمُون عَنهُ الْمُعسر مُمكن وَفِيه إِسْقَاط للضَّمَان أما إِذا كَانَ الْمَضْمُون عَنهُ مُوسِرًا وَلَكِن امْتنع الرُّجُوع بِسَبَب فمطالبته الْمُوسر بِقَضَاء الدّين حَتَّى يبرأ الضَّامِن مُمكن بِخِلَاف مَسْأَلَة الحملة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا يقْضى دين غَنِي قطّ وَهُوَ مُخَالف لقَوْل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة غاز فِي سَبِيل الله

أَو عَامل أَو غَارِم أَو رجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه أَو رجل لَهُ جَار مِسْكين فَتصدق عَلَيْهِ فأهداها إِلَيْهِ الصِّنْف السَّابِع المجاهدون فِي سَبِيل الله وهم المطوعة من الْغُزَاة الَّذين لَا يَأْخُذُونَ من الْفَيْء وَلَا اسْم لَهُم فِي الدِّيوَان يُعْطون هَذَا السهْم للصرف إِلَى السِّلَاح وَالْفرس وَالنَّفقَة إِعَانَة على الْغَزْو وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء فَأَما من لَهُ اسْم فِي الدِّيوَان فَلَا يعْطى من الصَّدَقَة لِأَن حَقهم فِي الْفَيْء إِلَّا إِذا قَاتلُوا مانعي الزَّكَاة وَكَانَ قِتَالهمْ كالعمل على تَحْصِيل الزَّكَاة فَلَا يبعد أَن يُعْطوا سهم العاملين الصِّنْف الثَّامِن ابْن السَّبِيل وَهُوَ الَّذِي شخص من بَلَده أَو اجتاز بِهِ يصرف إِلَيْهِ سهم وَإِن كَانَ مُعسرا وَإِن كَانَ لَهُ بِبَلَد آخر مَال أعطي قدر بلغته إِلَيْهِ وَهَذَا بِشَرْط أَن يكون السّفر طَاعَة فَإِن كَانَ مَعْصِيّة فَلَا وَإِن كَانَ مُبَاحا فَيعْطى وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه يشْتَرط كَونه طَاعَة

فرع إِذا منعنَا نقل الصَّدَقَة فالشاخص من بلد من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد قولا وَاحِدًا وَكَذَا المجتاز بِهِ على الْأَظْهر وَفِي المجتاز وَجه أَنه لَيْسَ من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد وَقَالَ أَبُو حنيفَة المجتاز هُوَ من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد دون الشاخص

الْفَصْل الثَّانِي فِي مَوَانِع الصّرْف مَعَ الاتصاف بِهَذِهِ الصِّفَات وَهِي سِتَّة الأول الْكفْر فَلَا تصرف زَكَاة إِلَى كَافِر وَإِن وجد الْفقر والمسكنة الثَّانِي أَن يكون مُسْتَحقّا للنَّفَقَة على من يخرج الزَّكَاة كالابن مَعَ الْأَب الثَّالِث أَن يكون المَال غَائِبا عَن بلد الْآخِذ فَيمْتَنع على رَأْي من جِهَة نقل الصَّدَقَة الرَّابِع أَن يكون الْآخِذ من المرتزقة ثَابت الِاسْم فِي الدِّيوَان فَلَا تصرف إِلَيْهِم الصَّدقَات كَمَا لَا يصرف خمس الْخمس إِلَى أهل الصَّدقَات لِأَن لكل حزب مَالا مَخْصُوصًا بهم بِنَصّ الْكتاب فَإِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء للمرتزقة واتسع مَال الصَّدقَات ذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يصرف إِلَيْهِم لتحَقّق صفة الِاسْتِحْقَاق مَعَ عجزهم عَن مَالهم

وَالثَّانِي لَا لِأَن مَالهم هُوَ الْفَيْء بِنَصّ الْكتاب فعلى هَذَا إِن خفت الضَّرُورَة وَلم يسْتَغْن الإِمَام عَن المرتزقة وَجب على أَغْنِيَاء الْمُسلمين إعانتهم من رُءُوس أَمْوَالهم فَإِن قُلْنَا يُعْطون من الصَّدقَات فَإِنَّمَا يُعْطون من سهم سَبِيل الله تَعَالَى الْخَامِس أَن يكون من بني هَاشم وَبني الْمطلب فقد حرم عَلَيْهِم أوساخ أَمْوَال النَّاس بِمَا أعْطوا من خمس الْخمس فَأَما سهم العاملين هَل يجوز أَن يصرف إِلَيْهِم إِذا عمِلُوا وَجْهَان وَكَذَا فِي المرتزقة إِذا عمِلُوا بِنَاء على أَنه أُجْرَة أَو صَدَقَة وَهُوَ مركب من الشَّيْئَيْنِ إِذْ لَا تصرف إِلَى كَافِر قطعا وَلَا يسْتَعْمل الْكَافِر وَلَا يُزَاد على أجر الْمثل فِي حق الْمُسلم فَهَذَا يدل على اجْتِمَاع الْمَعْنيين وَهل يصرف إِلَى مولى ذَوي القربي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم إِذْ لَا نسب لَهُ

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنه سُئِلَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ إِنَّا أهل بَيت لَا تحل لنا الصَّدَقَة وَإِنَّمَا مولى الْقَوْم مِنْهُم السَّادِس أَن يكون قد أَخذ سهم الصَّدقَات بِجِهَة واتصف بِجِهَة أُخْرَى كالفقير الْغَارِم إِذا أَخذ سهم الْفُقَرَاء وطالب سهم الغارمين فَفِيهِ طرق ثَلَاثَة أَحدهَا أَنه لَا يجمع بل يُقَال لَهُ اختر أَيهمَا شِئْت لِأَن عدد الْأَصْنَاف مَقْصُود وعَلى هَذَا سهم العاملين يجوز أَن يجمع إِلَى غَيره إِذا غلبنا مشابه الْأُجْرَة الثَّانِي أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اتِّحَاد الشَّخْص وَفِي الآخر إِلَى تعدد الصّفة الثَّالِث أَنه إِن تجانس السببان مثل أَن يسْتَحق الْكل لِحَاجَتِهِ كالفقر وَغرم لزمَه لغَرَض نَفسه فَلَا يجمع وَكَذَا الْغَازِي الْغَارِم لإِصْلَاح ذَات الْبَين فَإِن كل وَاحِد لحَاجَة الْمُسلمين لَا لِحَاجَتِهِ وَإِن اخْتلف السَّبَب بِأَن اسْتحق أَحدهمَا لِحَاجَتِهِ وَالْآخر لحَاجَة غَيره فَيجمع

الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يعرف بِهِ وجود الصِّفَات وَهِي منقسمة إِلَى خُفْيَة وجلية أما الْخفية كالفقر والمسكنة فَلَا يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لتعذرها إِلَّا إِذا ادّعى الْمِسْكِين عيالا فَيُطَالب لإظهاره لإمكانه وَهل يحلف الْفَقِير إِذا اتهمَ فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يحلف فاستحباب أم إِيجَاب فَوَجْهَانِ أما مَا يظْهر فَإِن كَانَ يَأْخُذ لغَرَض مُرَتّب كالغازي وَابْن السَّبِيل فَيعْطى بِغَيْر يَمِين ثمَّ إِن لم يغز وَلم يُسَافر اسْتردَّ وَمن يَأْخُذ لغَرَض ناجز كَالْمكَاتبِ والغارم فَيُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لإمكانها وَإِقْرَاره مَعَ حُضُور مُسْتَحقّ الدّين كالبينة وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لتهمة المواطأة وَإِن استفاض كَونه مديونا أَو مكَاتبا وَحصل غَلَبَة الظَّن فَلَا بَأْس بترك الِاسْتِقْصَاء فِي الْبَيِّنَة أما الْمُؤلف قلبه إِن قَالَ أَنا شرِيف مُطَاع طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لإمكانها وَإِن قَالَ نيتي فِي الْإِسْلَام ضَعِيفَة صدق لِأَن كَلَامه برهَان كَلَامه

الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الصّرْف إِلَى الْمُسْتَحقّين وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي الْقدر المصروف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم وَفِيه مسَائِل الأولى اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف الثَّمَانِية وَاجِب إِن كَانُوا موجودين وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز صرفه إِلَى صنف وَاحِد أما آحَاد كل صنف فَلَا يجب استيعابهم إِذْ لَا حصر لَهُم ثمَّ يقْتَصر على أقل الدراجات وَهُوَ ثَلَاثَة لِأَنَّهُ أقل الْجَمِيع فَإِن أمكن الِاسْتِيعَاب لانحصارهم فَهُوَ أولى وَيحْتَمل أَن يُقَال يجب الِاسْتِيعَاب عِنْد الْإِمْكَان الثَّانِيَة يجب التَّسْوِيَة بَين سِهَام الْأَصْنَاف الثَّمَانِية فَلِكُل صنف ثمن الصَّدَقَة فَإِن عدم صنف وزع الْكل على الْبَاقِي فَلِكُل سبع وعَلى هَذَا الْحساب وَإِنَّمَا هُوَ على الْمَالِك فَأَما السَّاعِي فَيجوز لَهُ أَن يصرف صَدَقَة وَاحِد إِلَى شخص وَاحِد لِأَنَّهُ إِذا وصل

إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ وصل إِلَى الْمُسْتَحقّين فالنظر إِلَى الإِمَام فِي التَّعْيِين فَجَمِيع الزكوات فِي يَده كَزَكَاة رجل وَاحِد فِي يَد نَفسه أما آحَاد الصِّنْف فَلَا يجب التَّسْوِيَة بَينهم بل المتبع مقادير الْحَاجة فَإِن تَسَاوَت أَحْوَالهم فالتسوية أولى وَقيل بِالْوُجُوب فَإِن صرف إِلَى اثْنَيْنِ غرم للثَّالِث أقل مَا يتمول على أَقيس الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ ذَلِك الْقدر لَو سلمه إِلَيْهِ ابْتِدَاء وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يغرم الثُّلُث الثَّالِثَة يعْطى الْغَارِم وَالْمكَاتب قدر دينهما وَلَا يُزَاد وَيُعْطى الْفَقِير والمسكين مَا بلغ بِهِ أدنى الْغنى وَلَا يزِيد وَهُوَ كِفَايَة سنة وَيُعْطى الْمُسَافِر مَا يبلغهُ إِلَى الْمَقْصد أَو إِلَى مَوضِع مَاله وَيُعْطى الْغَازِي الْفرس وَالسِّلَاح وَإِن شَاءَ أَعَارَهُ أَو اسْتَأْجر لَهُ أَو اشْترى بِهَذَا السهْم أفراسا وأرصدها لسبيل الله وفقا عَلَيْهِم ويعطيهم من النَّفَقَة مَا زَاد بِسَبَب السّفر وَهل يُعْطي أصل النَّفَقَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة بَيِّنَة وَإِن لم يُسَافر فَلَا يعْطى مَا يزِيدهُ بِسَفَرِهِ وَالثَّانِي أَنه يُعْطي الْكل فَإِنَّهُ متجرد للغزو

الْفَصْل الثَّانِي فِي نقل الصَّدقَات إِلَى بَلْدَة أُخْرَى وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا الْجَوَاز لعُمُوم الْآيَة وَالثَّانِي الْمَنْع لمَذْهَب معَاذ وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أنبئهم أَن عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم وَترد فِي فقرائهم فَيدل على الْحصْر فِي الْبَلَد وَلِأَن أعين الْمَسَاكِين ممدودة إِلَى المَال وَفِي النَّقْل إِضْرَار وَالثَّالِث أَنه لَا يجوز النَّقْل وَلَكِن تَبرأ ذمَّته كَمَا لَا يجوز التَّأْخِير فِي الزَّكَاة وَلَكِن تَبرأ ذمَّته وَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا الْخلاف فِي مَال الْوَصِيَّة وَالْكَفَّارَات وَالنُّذُور وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَا تمتد إِلَيْهِ الْأَعْين فَإِنَّهَا غير متكررة

فَأَما صَدَقَة الْفطر فَحكمهَا حكم الزَّكَاة فِي منع النَّقْل وَوُجُوب الِاسْتِيعَاب وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي يجوز صرفهَا إِلَى صنف وَاحِد لقلته فَإِن منعنَا النَّقْل فَفِيهِ مسَائِل الأولى تعْتَبر بَلْدَة المَال وَيفرق بهَا لَا بَلْدَة الْمَالِك وَفِي صَدَقَة الْفطر وَجْهَان وَالْأَظْهَر رِعَايَة بَلْدَة الْمَالِك لِأَن ذَلِك صَدَقَة الرُّءُوس وَهَذِه صَدَقَة الْأَمْوَال ثمَّ لَو كَانَ المَال فِي الْحول فِي بلدتين فالنظر إِلَى وَقت الْوُجُوب والبلدي هُوَ الْحَاضِر فِي الْبَلَد وَقت أَخذ الصَّدَقَة وَإِن كَانَ غَرِيبا الثَّانِيَة لَو امْتَدَّ طول الْبَلدة فرسخا محكمها وَاحِد نعم الصّرْف إِلَى الْجِيرَان أولى كَمَا أَنه إِلَى الْأَقَارِب أولى والقريب الذى لَيْسَ بجار أولى من الْجَار الْأَجْنَبِيّ أما الْقرْيَة فَلَا تنقل مِنْهَا الصَّدَقَة إِلَى قَرْيَة أُخْرَى بِخِلَاف المحلتين فَأَما أهل الْخيام فَإِن كَانُوا مجتازين لَا مقَام لَهُم فصدقتهم لمن يَدُور مَعَهم من الْأَصْنَاف فَإِن لم يكن مَعَهم فلأقرب بَلْدَة إِلَيْهِم وَقت تَمام الْحول وَإِن كَانُوا ساكنين مُجْتَمعين على التقارب فَيحل النَّقْل إِلَى مادون مَسَافَة الْقصر وفوقها إِذْ لَا فاصل سواهُ

وَإِن كَانَ كل حلَّة بعيدَة عَن الأخري فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا كالقرى الثَّانِي أَنَّهَا كالخيام المتواصلة فيضبط بمسافة الْقصر الثَّالِثَة إِن عدم بعض الْأَصْنَاف فِي بلد فَإِن عدم الْعَامِل فقد سقط سَهْمه للاستغناء عَنهُ وَإِن عدم غَيره وَوجد فِي مَكَان آخر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا ينْقل لِأَن اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف أهم من ترك النَّقْل وَالثَّانِي هُوَ اخْتِيَار القَاضِي أَنه يرد البَاقِينَ لِأَن من عدا أهل الْبَلَد كَالْمَعْدُومِ فِي حَقه فعلى هَذَا إِن رددنا عَلَيْهِم ففضل عَن حَاجتهم فالفاضل لَا بُد من نَقله لِأَنَّهُ فقد مُسْتَحقّه فَهُوَ كَمَا إِذا عدم كل الْأَصْنَاف إِذْ يتَعَيَّن النَّقْل الرَّابِعَة للْمَالِك إِيصَال الصَّدَقَة بِنَفسِهِ سَوَاء كَانَ المَال ظَاهرا كالنعم والزروع أَو بَاطِنا كالنقد وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن زَكَاة الْأَمْوَال الظَّاهِرَة يجب صرفهَا إِلَى الْأَمَام

فَفِي الْأَفْضَل خلاف إِن كَانَ الإِمَام عادلا فَإِن كَانَ جَائِزا فَالْأَصَحّ أَن مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ أولى وَلَا خلاف فِي أَن يَد الإِمَام لَو طلب وَجَبت الطَّاعَة لِأَنَّهُ فِي مَحل الِاجْتِهَاد وَهل لَهُ الْمُطَالبَة بِمَال النذور وَالْكَفَّارَة فِيهِ وَجْهَان الْخَامِسَة إِن نصب الإِمَام ساعيا فَلْيَكُن مُسلما مُكَلّفا حرا عدلا فَقِيها بِأَبْوَاب الزَّكَاة غير هاشمي وَلَا من المرتزقة إِلَّا على أحد الْوَجْهَيْنِ وليعلم السَّاعِي فِي السّنة شهرا يَأْخُذ فِيهِ صَدَقَة الْأَمْوَال فيسم الصَّدقَات فَيكْتب على نعم الصَّدَقَة لله وعَلى نعم الْفَيْء صغَار وَفَائِدَته تَمْيِيز أحد الْمَالَيْنِ عَن الآخر ثمَّ مَوضِع وسم الْغنم آذانها لِكَثْرَة الشّعْر على غَيره وللبقر وَالْإِبِل أفخاذها وَليكن ميسم الْغنم ألطف من ميسم الْبَقر وَالْإِبِل

الْفَصْل الثَّالِث فِي صَدَقَة التَّطَوُّع وَفِيه مسَائِل الأولى لَا تحرم صَدَقَة التَّطَوُّع على الْهَاشِمِي والمطلبي وَهل كَانَ يحرم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ خلاف مأخذه أَن امْتِنَاعه عَن الْقبُول كَانَ ترفعا أَو تورعا الثَّانِيَة صَدَقَة السِّرّ أفضل قَالَ الله تَعَالَى {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} الْآيَة وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلَة الرَّحِم تزيد من الْعُمر وَصدقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب وصنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء الثَّالِثَة صرفهَا إِلَى الْأَقَارِب أولى لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِزَيْنَب

امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود زَوجك وولدك أَحَق من تَصَدَّقت عَلَيْهِ الرَّابِعَة الْإِكْثَار مِنْهَا فِي شهر رَمَضَان مُسْتَحبّ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس بِالْخَيرِ وَكَانَ أَجود مَا يكون فِي شهر رَمَضَان الْخَامِسَة من احْتَاجَ إِلَى المَال لِعِيَالِهِ فَلَا يسْتَحبّ لَهُ الصَّدَقَة لِأَن نَفَقَة الْعِيَال كَالدّين قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يقوته فَإِن فضل عَنْهُم فَإِن كَانَ يَثِق بِالصبرِ على الإضاقة فَيُسْتَحَب لَهُ التَّصَدُّق بِالْجَمِيعِ بعد فَرَاغه من قوت يَوْمه لما رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتصدق فَوَافَقَ ذَلِك مَالا عِنْدِي فَقلت الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنصْف مَالِي فَقَالَ لي مَاذَا أبقيت لأهْلك

قلت مثله فجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بِجَمِيعِ مَاله فَقَالَ لَهُ مَاذَا أبقيت لأهْلك فَقَالَ الله وَرَسُوله فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَيْنكُمَا مَا بَين كلمتيكما فَقلت لَا أسابقك إِلَى شئ أبدا فَأَما من لَا يصبر على الْإِضَافَة كره لَهُ التَّصَدُّق بِجَمِيعِ المَال قَالَ جَابر بَينا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَهُ رجل بِمثل الْبَيْضَة من الذَّهَب أَصَابَهَا من بعض الْمَعْدن فَقَالَ يَا رَسُول الله خُذْهَا صَدَقَة فوَاللَّه مَا أَصبَحت أملك مَالا غَيرهَا فَأَعْرض عَنهُ حَتَّى جَاءَ من جوانبه وَأعَاد عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هَاتِهَا مغضبا وَرمى رميته لَو أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ أَو عقرته ثمَّ قَالَ يَأْتِي أحدكُم بِمَالِه كُله وَيتَصَدَّق بِهِ ثمَّ يجلس بعد ذَلِك يَتَكَفَّف وُجُوه النَّاس إِنَّمَا الصَّدَقَة عَن ظهر غنى وَالله أَعم بِالصَّوَابِ وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
كتاب النِّكَاح

اعْلَم أَن النّظر فِي أَحْكَام النِّكَاح تحصره خَمْسَة أَقسَام الأول فِي الْمُقدمَات وَالثَّانِي فِي مصححات العقد من الْأَركان والشرائط وَالثَّالِث فِي مَوَانِع العقد من النّسَب والمصاهرة وَالْكفْر وَالرّق وَغَيره وَالرَّابِع فِي مُوجبَات الْخِيَار فِيهِ وَالْخَامِس فِي لواحق النِّكَاح وتوابعه

الْقسم الأول فِي الْمُقدمَات وَهِي خَمْسَة الأولى فِي بَيَان خَصَائِص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله اخْتِصَاص بواجبات ومحرمات ومباحات ومخففات لم تشاركه أمته فِيهَا أما الْوَاجِبَات فكالضحى والأضحى وَالْوتر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب عَليّ ثَلَاث لم تكْتب عَلَيْكُم الضُّحَى والأضحى وَالْوتر

وكالتهجد قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} أَي زِيَادَة لَك على درجاتك وَقَالَ تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} فَظَاهره للْإِيجَاب

وَقيل إِنَّه اسْتِحْبَاب لاستمالة الْقُلُوب وترددوا فِي وجوب السِّوَاك عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتصَّ فِي أَمر النِّكَاح بِوُجُوب التَّخْيِير لنسائه بَين التسريح والإمساك وَلَعَلَّ سره فِيهِ أَن الْجمع بَين عدد مِنْهُنَّ يوغر صدورهن بالغيرة الَّتِي هِيَ أعظم الآلام وَهُوَ إِيذَاء يكَاد ينفر الْقلب ويوهن الِاعْتِقَاد وَكَذَلِكَ إلزامهن الصَّبْر على الضّر والفقر يؤذيهن وَمهما ألقِي زِمَام الْأَمر إلَيْهِنَّ خرج عَن أَن يكون بصدد التأذي والإيذاء فنزه عَن ذَلِك منصبه الْعلي وَقيل لَهُ {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك} وَنزل ذَلِك عَلَيْهِ حِين ضَاقَ صَدره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من كَثْرَة خصامهن واقتراحهن زِينَة الدُّنْيَا حَتَّى آلى عَنْهُن وَمكث فِي غرفته شهرا فابتدأ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَخْيِير عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَ إِنِّي ملق إِلَيْك أمرا فَلَا تبادريني بِالْجَوَابِ حَتَّى تؤامري أَبَوَيْك وتلا الْآيَة فَقَالَت أفيك

أؤامر أَبَوي اخْتَرْت الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة ثمَّ قَالَت لَا تخبر زوجاتك باختياري إياك وأرادت أَن يخْتَار سَائِر أَزوَاجه الْفِرَاق فَطَافَ على نِسَائِهِ وَكَانَ يخبرهن بِاخْتِيَار عَائِشَة إِيَّاه فاخترن الله وَرَسُوله بأجمعهن وَالصَّحِيح أَن وَاحِدَة لَو اخْتَارَتْ الْفِرَاق لما بَانَتْ بِنَفس الِاخْتِيَار لقَوْله تَعَالَى {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} وَأَن الْجَواب لم يجب عَلَيْهِنَّ على الْفَوْر بِدَلِيل قَوْله حَتَّى تؤامري أَبَوَيْك

وَهل كَانَ يحرم طَلَاق من اختارته مِنْهُنَّ فِيهِ خلاف وَدَلِيل التَّحْرِيم قَوْله تَعَالَى {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} وَمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه حرم عَلَيْهِ الزِّيَادَة عَلَيْهِنَّ ثمَّ نسخ ذَلِك وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله دَامَ التَّحْرِيم وَلم ينْسَخ وَأما الْمُحرمَات فقد حرم عَلَيْهِ الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة صِيَانة لَهُ ولمنصبه عَن

أوساخ الْأَمْوَال الَّتِي تُعْطى على سَبِيل الترحم وتنبئ عَن ذل الْآخِذ وأبدل بالفيء الْمَأْخُوذ على سَبِيل الْقَهْر وَالْغَلَبَة المنبيء عَن عز الْآخِذ وذل الْمَأْخُوذ عَنهُ وشاركه فِي هَذَا الْفَيْء ذَوُو الْقُرْبَى وَقيل إِنَّهُم لم يشاركوه فِي تَحْرِيم الصَّدَقَة بل فِي الزَّكَاة فَقَط

وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْكُل الثوم وَقَالَ لَا آكل مُتكئا فَقيل إِنَّه حرم عَلَيْهِ ذَلِك وَقيل كَانَ ذَلِك مِنْهُ تنزها وترفعا ونكح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة فعلمتها نساؤه أَن تَقول عِنْد لِقَائِه أعوذ بِاللَّه

مِنْك وقلن هَذِه كلمة تعجبه فَقَالَت ذَلِك لما دخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهَا فَقَالَ لقد استعذت بمعاذ فالحقي بأهلك ففهم مِنْهُ أَنه حرم عَلَيْهِ نِكَاح امْرَأَة تكره صحبته وجدير أَن يكون ذَلِك محرما عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نوع من الْإِيذَاء وَيشْهد لذَلِك إِيجَاب التَّخْيِير وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل كَانَ يحرم عَلَيْهِ نِكَاح الْكِتَابِيَّة الْحرَّة وَنِكَاح الْأمة وَأَنه لَو جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة هَل كَانَ ينْعَقد وَلَده على الرّقّ وَنحن لَا نرى الْخَوْض فِي تَصْحِيح أَدِلَّة ذَلِك وتزييفها لِأَنَّهَا أُمُور تخمينية إِذْ لَا قَاطع

فِيهَا وتخمين الظَّن فِيمَا لَا حَاجَة فِيهِ إِلَى الْعَمَل فِي الْحَال تَضْييع زمَان واقتحام خطر وَأما الْمُبَاحَات والتخفيفات فقد أُبِيح لَهُ الْوِصَال فِي الصَّوْم وَصفِيَّة

الْمغنم والاستبداد بِخمْس الْخمس

وَدخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام وَحرم مِيرَاثه فَقَالَ إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَفِي النِّكَاح أُبِيح لَهُ الزِّيَادَة على أَربع وَفِي الزِّيَادَة على التسع خلاف وَكَذَلِكَ فِي انحصار الطَّلَاق فِي الثَّلَاث خلاف وَكَانَ ينْعَقد نِكَاحه بِلَفْظ الهيه وَقَالُوا إِذا وَقع بَصَره على امْرَأَة فَوَقَعت مِنْهُ موقعا وَجب على الزَّوْج تطليقها لقصة زيد وَلَعَلَّ السِّرّ

فِيهِ من جَانب الزَّوْج امتحان إيمَانه بتكليفه النُّزُول عَن أَهله وَمن جَانِبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتلاؤه ببلية البشرية وَمنعه من خَائِنَة الْأَعْين وَمن إِضْمَار مَا يُخَالف الْإِظْهَار وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى النَّاس وَالله أَحَق أَن تخشاه} وَلَا شَيْء أدعى إِلَى غض الْبَصَر وَحفظه عَن لمحاته الاتفاقية من هَذَا التَّكْلِيف

وَهَذَا مِمَّا يُورِدهُ الْفُقَهَاء فِي صنف التَّخْفِيف وَعِنْدِي أَن ذَلِك فِي حَقه غَايَة التَّشْدِيد إِذْ لَو كلف بذلك آحَاد النَّاس لما فتحُوا أَعينهم فِي الشوارع والطرقات خوفًا من ذَلِك وَلذَلِك قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لَو كَانَ رَسُول الله يخفي آيَة لأخفى هَذِه الْآيَة وَاخْتلفُوا فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِغَيْر ولي وشهود وَفِي حَالَة الْإِحْرَام وَهل كَانَ يجب عَلَيْهِ الْقسم أَو كَانَ يقسم تَبَرعا وتكرما فِيهِ خلاف وَلَا خلاف فِي تَحْرِيم نِسَائِهِ بعد وَفَاته على غَيره فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَلَا نقُول بناتهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ وَلَا إخوانهن أخوال الْمُؤمنِينَ بل يقْتَصر على مَا ورد من الأمومة ويقتصر التَّحْرِيم عَلَيْهِنَّ

وَفِي تَحْرِيم مطلقاته على غَيره ثَلَاثَة أوجه أعدلها أَنَّهَا إِن كَانَت مَدْخُولا بهَا حرم لما رُوِيَ أَن ألأشعث بن قيس نكح المستعيذة فِي زمَان عمر رَضِي الله عَنهُ فهم عمر رَضِي الله عَنهُ برجم الْأَشْعَث فَذكر لَهُ أَنَّهَا لم تكن مَدْخُولا بهَا فَكف عَنهُ وَلَا شكّ فِي أَن المخيرات لَو اخْتَارَتْ وَاحِدَة مِنْهُنَّ الْفِرَاق لحل لَهَا النِّكَاح إِذْ بذلك يتم التَّمَكُّن من زِينَة الدُّنْيَا وَقد مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تسعه عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم حَبِيبَة وَأم سَلمَة ومَيْمُونَة وَصفِيَّة والجويرة وَسَوْدَة وَزَيْنَب وَهِي امْرَأَة زيد رَضِي الله عَنْهُن

وَأعْتق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَفِيه خاصية لَهُ بالِاتِّفَاقِ مِنْهُم من قَالَ خاصيته أَن قيمتهَا كَانَت مَجْهُولَة وَالصَّدَاق الْمَجْهُول لَا يجوز لغيره وَقيل إِنَّه وَجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِالنِّكَاحِ بعد الْإِعْتَاق وَلَا يجب على غَيرهَا إِذا أعتقت بِشَرْط النِّكَاح الْإِجَابَة

الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي التَّرْغِيب فِي النِّكَاح وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} وَقَالَ تناكحوا تكثروا فَأَنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى بِالسقطِ وَقَالَ معاشر الشبَّان عَلَيْكُم بِالْبَاءَةِ فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ فَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِن الصَّوْم لَهُ وَجَاء وَقَالَ عَلَيْهِ

السَّلَام من تزوج فقد أحرز ثُلثي دينه أَلا فليتق الله فِي الثُّلُث الْبَاقِي وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لرجل أتزوجت فَقَالَ لَا فَقَالَ لن يمْنَع من النِّكَاح إِلَّا عجز أَو فجور

وَلما حضرت معَاذًا الْوَفَاة قَالَ زوجوني كي لَا ألْقى الله عزبا وَهَذِه الْأَحَادِيث رُبمَا توهم أَن النِّكَاح أفضل من التخلي لعبادة الله تَعَالَى كَمَا ظَنّه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَكِن الصَّحِيح أَن من لَا تتوق نَفسه إِلَى الوقاع فالتخلي لِلْعِبَادَةِ أولى بِهِ وَلذَلِك تَفْصِيل وغور استقصيناه فِي كتاب آدَاب النِّكَاح من

ربع الْعَادَات من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين فليطلب مِنْهُ وَقد ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النِّكَاح إِلَى أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا طلب الحسيبة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ فَلَا تضعوها فِي غير الْأَكفاء وَقَالَ إيَّاكُمْ وخضراء الدمن وَهِي الْمَرْأَة الْحَسْنَاء فِي المنبت السوء كَذَلِك فسره عَلَيْهِ السَّلَام

الثَّانِي النّدب إِلَى الْبكر فَإِنَّهَا أَحْرَى بالمؤالفة وَقَالَ لجَابِر هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك وَكَانَ تزوج ثَيِّبًا الثَّالِث النّدب إِلَى الْوَلُود قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انكحوا الْوَدُود الْوَلُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم وَقَالَ لحصير فِي نَاحيَة الْبَيْت خير من امْرَأَة لَا تَلد الرَّابِع النّدب إِلَى الاجنبية قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تنْكِحُوا الْقَرَابَة الْقَرِيبَة فَإِن الْوَلَد يخلق ضاويا أَي نحيفا وَلَعَلَّ ذَلِك لنُقْصَان الشَّهْوَة بِسَبَب الْقَرَابَة الْخَامِس النّدب إِلَى الصَّالِحَة قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك

الْمُقدمَة الثَّالِثَة فِي النّظر إِلَيْهَا بعد الرَّغْبَة فِي نِكَاحهَا وَذَلِكَ مُسْتَحبّ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَرَادَ نِكَاح امْرَأَة فَلْينْظر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَينهمَا وَيَنْبَغِي أَن يقْتَصر على النّظر إِلَى الْوَجْه وَذَلِكَ بعد الْعَزْم على النِّكَاح إِن ارتضاها وَلَا يشْتَرط استئذانها فِي هَذَا النّظر بل يَكْفِي فِيهِ إِذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلافًا

لمَالِك وَقد رخص فِي هَذَا النّظر للْحَاجة وَإِلَّا فَالْأَصْل تَحْرِيم النّظر إِلَى الأجنبيات وَقد جرت الْعَادة هَا هُنَا بِذكر مَا يحل النّظر إِلَيْهِ وَالْكَلَام فِيهِ فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع الأول نظر الرجل إِلَى الرجل وَهُوَ مُبَاح إِلَّا إِلَى الْعَوْرَة وَذَلِكَ مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَيحرم اللَّمْس كَمَا يحرم النّظر وَلَا يحرم نظر الْإِنْسَان إِلَى فرج نَفسه وَلَكِن يكره من غير حَاجَة فرعان أَحدهمَا أَنه يحرم النّظر إِلَى المرد بالشهوة وَيحل بِغَيْر شهوه عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة

وَعند خوف الْفِتْنَة وَجْهَان أَحدهمَا التَّحْرِيم لأَنهم فِي معنى الْمَرْأَة وَالثَّانِي الْحل لما رُوِيَ أَن قوما وفدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيهِمْ غُلَام حسن فأجلسه وَرَاءه وَقَالَ أَلا أَخَاف على نَفسِي مَا أصَاب أخي دَاوُد وَلم يَأْمُرهُ بالاحتجاب عَن النَّاس بِخِلَاف النِّسَاء وَلم يزل الصّبيان بَين النَّاس مكشوفين فَالْوَجْه الْإِبَاحَة إِلَّا فِي حق من أحس فِي نَفسه بالفتنة فَعِنْدَ ذَلِك يحرم عَلَيْهِ بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِعَادَة النّظر الثَّانِي أَن يكره للرجلين الِاضْطِجَاع فِي ثوب وَاحِد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُفْضِي الرجل إِلَى الرجل فِي ثوب وَاحِد وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي ثوب وَاحِد الْموضع الثَّانِي نظر الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة وَهُوَ مُبَاح إِلَّا فِيمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَقيل إِنَّه كالنظر إِلَى الْمَحَارِم وَسَيَأْتِي وَالصَّحِيح أَن الذِّمِّيَّة كالمسلمة وَقيل إِنَّه لَا يحل للمسلمة التكشف

للذمية الْموضع الثَّالِث نظر الرجل إِلَى الْمَرْأَة فَإِن كَانَت مَنْكُوحَة أَو مَمْلُوكَة حل النّظر إِلَى جَمِيع بدنهَا وَفِي النّظر إِلَى فرجهَا فِيهِ تردد وَحمل الْأَصْحَاب النَّهْي على أَنه أَرَادَ بِهِ كَرَاهِيَة والكراهية فِي بَاطِن الْفرج أَشد

وَإِن كَانَت محرما نظر إِلَى مَا يَبْدُو فِي حَالَة المهنة كالوجه والأطراف وَلَا ينظر إِلَى الْعَوْرَة وَفِيمَا بَين ذَلِك وَجْهَان وَقيل إِن الثدي قد يلْتَحق بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ قد يَبْدُو كثيرا فَأمره أخف وَإِن كَانَت أَجْنَبِيَّة حرم النّظر إِلَيْهَا مُطلقًا وَمِنْهُم من جوز النّظر إِلَى الْوَجْه حَيْثُ تؤمن الْفِتْنَة وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى التَّسْوِيَة بَين النِّسَاء والمرد وَهُوَ بعيد لِأَن الشَّهْوَة وَخَوف الْفِتْنَة أَمر بَاطِن فالضبط بالأنوثة الَّتِي هِيَ من الْأَسْبَاب الظَّاهِرَة أقرب إِلَى الْمصلحَة وَكَذَلِكَ لَا يجوز للمخنث

والعنين وَالشَّيْخ الْهم النّظر حسما للباب ونظرا إِلَى الفحولة الظَّاهِرَة دون الشَّهْوَة الْبَاطِنَة نعم يجوز للممسوح عِنْد الْأَكْثَرين لِأَن الْجب سَبَب ظَاهر فِي قطع غائلة الفحولة وَعَلِيهِ يحمل

قَوْله تَعَالَى {غير أولي الإربة من الرِّجَال} وَكَذَلِكَ الطفولة سَبَب ظَاهر فَلَا يجب الاحتجاب عَنْهُم نعم تستر الْعَوْرَة عَن الَّذِي ظهر فِيهِ دَاعِيَة الْحِكَايَة فَإِذا قَارب الْبلُوغ وَظهر مبادئ الشَّهْوَة وَجب الاحتجاب وَقَالَ الْقفال ثَبت الْحل فَلَا يرْتَفع إِلَّا بِسَبَب ظَاهر وَهُوَ الْبلُوغ وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذِه الْقَاعِدَة إِلَّا نظر الْغُلَام إِلَى سيدته فَإِنَّهُ مُبَاح لقَوْله تَعَالَى {أَو مَا ملكت أيمانهن}

وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ الْحَاجة وَقد قيل بِتَحْرِيم ذَلِك لما فِيهِ من الْخطر وَلَكِن ذَلِك يحوج إِلَى تعسف فِي تَأْوِيل الْآيَة وَمن المستثنيات النّظر إِلَى الْإِمَاء حَتَّى رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لجارية مُتَقَنعَة أتتشبهين بالحرائر يَا لكعاء وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ أَن الرقيقة تحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد فِي الْمُهِمَّات وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا كَالْحرَّةِ لَا ينظر إِلَيْهَا إِلَّا لحَاجَة الشِّرَاء وَهُوَ الْقيَاس فرعان أَحدهمَا مَا أبين من الْمَرْأَة يجوز النّظر إِلَيْهِ إِن لم يتَمَيَّز بصورته عَمَّا للرِّجَال كالقلامة وَمَا ينتف من الشّعْر والجلدة المتكشطة وَإِن تميز كالعضو المبان والعقيصة فَلَا يحل النّظر إِلَيْهِ

الثَّانِي الصبية لَا يحل النّظر إِلَى فرجهَا وَفِي النّظر إِلَى وَجههَا وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهَا خرجت عَن مَظَنَّة الشَّهْوَة بِسَبَب ظَاهر وَالثَّانِي التَّحْرِيم نظرا إِلَى جنس الْأُنُوثَة وعَلى الْجُمْلَة أمرهَا أَهْون من أَمر الْعَجُوز فَإِنَّهَا مَحل للْوَطْء والشهوات لَا تنضبط الْموضع الرَّابِع نظر الْمَرْأَة إِلَى الرجل أما نظرها إِلَى زَوجهَا فكنظره إِلَيْهَا ونظرها إِلَى الْأَجَانِب فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه كنظر الرجل إِلَيْهَا

وَالثَّانِي أَنه كنظره إِلَى الْمَحَارِم وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنَّهَا تنظر إِلَى مَا وَرَاء الْعَوْرَة وتحترز عِنْد خوف الْفِتْنَة كَمَا يحْتَرز الرجل من النّظر إِلَى الْأَمْرَد إِذْ لَو اسْتَوَى النظران لأمر الرِّجَال أَيْضا بالتنقب كَمَا أَمر النِّسَاء هَذَا كُله فِي النّظر بِغَيْر حَاجَة فَإِن مست الْحَاجة لتحمل شَهَادَة أَو رَغْبَة نِكَاح جَازَ النّظر إِلَى الْوَجْه وَلَا يحل النّظر إِلَى الْعَوْرَة إِلَّا لحَاجَة مُؤَكدَة كمعالجة مرض شَدِيد يخَاف عَلَيْهِ فَوت الْعُضْو أَو طول الضنى ولتكن الْحَاجة فِي السوأتين آكِد وَهُوَ أَن تكون بِحَيْثُ لَا يعد التكشف لأَجله هتكا للمروءة وَتعذر فِيهِ فِي الْعَادة فَإِن ستر الْعَوْرَة من المروءات الْوَاجِبَة

وَلم يجوز الْإِصْطَخْرِي النّظر إِلَى الْفرج لتحمل شَهَادَة الزِّنَا وَخَالف فِيهِ الْأَصْحَاب وَمَا ذكره غير بعيد لِأَن ستر الْعَوْرَة وَستر الْفَوَاحِش كِلَاهُمَا مقصودان فَيخْتَص تحمل الشَّهَادَة بِمَا إِذا وَقع الْبَصَر عَلَيْهِ وفَاقا

الْمُقدمَة الرَّابِعَة فِي الْخطْبَة وآدابها وَيَنْبَغِي أَن يقدم النّظر عَلَيْهَا إِذْ فِي الرَّد بعد الْخطْبَة إيحاش وَالتَّصْرِيح بِخطْبَة الْمُعْتَدَّة حرَام والتعريض جَائِز فِي عدَّة الْوَفَاة وَحرَام فِي عدَّة الرَّجْعِيَّة وَفِي عدَّة البائنة وَجْهَان وَسبب التَّحْرِيم أَنَّهَا مستوحشة بِالطَّلَاق فَرُبمَا كذبت فِي انْقِضَاء الْعدة مسارعة إِلَى مُكَافَأَة الزَّوْج والتعريض هُوَ أَن يَقُول رب رَاغِب فِيك وَإِذا حللت فآذنيني كَمَا قَالَ رَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تجوز الْخطْبَة على خطْبَة الْغَيْر بعد الْإِجَابَة وَتجوز قبل الْإِجَابَة وَهل يكون السُّكُوت كالإجابة فِيهِ قَولَانِ وَقد رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة بنت قيس إِذا حللت فآذنيني فَلَمَّا حلت قَالَ انكحي أُسَامَة فَقَالَت خطبني أَبُو جهم وَمُعَاوِيَة قَالَ أما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ وَأما أَبُو جهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَن عاتقة أَي يداوم الضَّرْب وَقيل يدوام السّفر وَذَلِكَ يدل على جَوَاز ذكر الْغَائِب بِمَا يكرههُ إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة لغيره وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام

اذْكروا الْفَاسِق بِمَا فِيهِ كي يحذرهُ النَّاس

الْمُقدمَة الْخَامِسَة فِي الْخطْبَة وَيسْتَحب ذَلِك عِنْد الْخطْبَة وَعند إنْشَاء العقد وَسَوَاء يخْطب العاقدان أَو غَيرهمَا فَهُوَ حسن وَإِن قَالَ الْوَلِيّ الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله زَوجتك فُلَانُهُ فَقَالَ الزَّوْج الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله قبلت صَحَّ النِّكَاح وَكَانَ أحسن وتخلل هَذِه الْكَلِمَة الْيَسِيرَة وَهِي مُتَعَلقَة بغرض العقد لَا يقطع الْجَواب عَن الْخطاب وَفِيه وَجه

بعيد أَنه يقطع هَذَا هُوَ الْكَلَام فِي قسم الْمُقدمَات جرينا فِيهِ على تَرْتِيب الْوُجُود إِذْ الْبِدَايَة بالرغبة ثمَّ بِالنّظرِ ثمَّ بِالْخطْبَةِ ثمَّ بِالْخطْبَةِ فنشرع فِي شرح العقد

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي الْأَركان والشرائط وَهِي أَرْبَعَة الصِّيغَة وَالْمحل وَالشَّاهِد وَالْوَلِيّ الأول الصِّيغَة وَهِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول الدالان على جزم الرِّضَا دلَالَة صَرِيحَة قَاطِعَة وَفِيه مسَائِل سِتَّة الأولى أَن الصَّرِيح هُوَ كلمة الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج فَلَا يقوم لفظ آخر مقامهما لِأَن النِّكَاح يشْتَمل على أَحْكَام غَرِيبَة لَا يُحِيط بجميعها لفظ من حَيْثُ اللُّغَة فَيتَعَيَّن اللَّفْظ الْمُحِيط بهَا شرعا وَلذَلِك لَا نزيد أَيْضا فِي صرائح الطَّلَاق على مَا ورد فِي الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة وَالْبيع وَالتَّمْلِيك وكل مَا يُفِيد معنى التَّمْلِيك

فرع الصَّحِيح أَن ترجمتها بِالْفَارِسِيَّةِ وَسَائِر اللُّغَات يقوم مقَامهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا وَقيل يقوم مقَامهَا عِنْد الْعَجز فَقَط وَقيل لَا يجوز ذَلِك أَيْضا وعَلى الْعَاجِز أَن يَسْتَنِيب الْقَادِر الثَّانِيَة لَا ينْعَقد النِّكَاح بالكنايات مَعَ النِّيَّة لِأَنَّهَا تتَعَلَّق بتفهيم الشَّاهِد وَلَا مطلع لَهُ على النِّيَّة وَيصِح بهَا الْإِبْرَاء وَالْفَسْخ وَالطَّلَاق وَمَا يسْتَقلّ بِهِ الْإِنْسَان وَأما البيع وَمَا ليفتقر إِلَى الْقبُول فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الْقَائِل هَل يكون كالشاهد حَتَّى لَا يَكْفِي تفهيمه بِقَرِينَة الْحَال فرع إِذا قَالَ زوجتكها فَيَنْبَغِي أَن يَقُول الزَّوْج قبلت نِكَاحهَا أَو قبلت هَذَا النِّكَاح فَلَو اقْتصر على قَوْله قبلت فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن قَوْله قبلت لَيْسَ صَرِيحًا لنَفسِهِ مَا لم يَنْضَم فِيهِ الْإِيجَاب السَّابِق

الثَّالِثَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن النِّكَاح ينْعَقد بالاستيجاب والإيجاب وَهُوَ قَوْله زوجنيها وَقَول الْوَلِيّ وزجتكها وَنَصّ فِي البيع على قَوْلَيْنِ وَقطع الْأَصْحَاب بِأَن ذَلِك يَكْفِي فِي الْخلْع وَالْعِتْق على المَال وَالصُّلْح عَن دم الْعمد لِأَن الْعِوَض غير مَقْصُود فِيهَا وَإِنَّمَا لَا ينْعَقد البيع على قَول لِأَنَّهُ قد يَقُول بِعني على سَبِيل استبانة الرَّغْبَة من غير بت الرِّضَا فِي الْحَال لِأَنَّهُ قد يَقع بِعته بِخِلَاف النِّكَاح وَمن الْأَصْحَاب من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي النِّكَاح وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْخلْع وَالصُّلْح وَغير هَذَا وَهُوَ غَرِيب لكنه منقاس جدا الرَّابِعَة النِّكَاح لَا يقبل حَقِيقَة التَّعْلِيق مثل أَن يَقُول إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد زَوجتك وَلَا يحْتَمل أَيْضا لَفظه مثل أَن يَقُول إِن كَانَ قد ولد لي بنت فقد زوجتكها

ثمَّ بَان أَنه كَانَ قد ولدت فَلَا يَصح النِّكَاح بِصِيغَة التَّعْلِيق وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن انْقَضتْ عدتهَا فقد زَوجتك وَكَانَ قد انْقَضتْ وَفِيه وَجه أَنه يَصح مَأْخُوذ من الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ إِن كَانَ أبي مَاتَ فقد بِعْت مِنْك مَاله الْخَامِسَة نِكَاح الشّغَار بَاطِل للنَّهْي الْوَارِد فِيهِ وَصورته الْكَامِلَة أَن يَقُول زَوجتك ابتني على أَن نزوجني ابْنَتك أَو أختك على أَن يكون بضع كل وَاحِد مِنْهُمَا صدَاق الْأُخْرَى وَمهما انْعَقَد لَك نِكَاح ابْنَتي انْعَقَد لي نِكَاح ابْنَتك وَهَذَا يشْتَمل على ثَلَاثَة أُمُور تَعْلِيق وَشرط عقد واشتراك فِي الْبضْع بجعله صَدَاقا وَقد قَالَ الْقفال إِنَّمَا يبطل العقد بِالتَّعْلِيقِ وَهُوَ المُرَاد بالشغار مأخوذا من قَوْلهم شغر الْكَلْب بِرجلِهِ أَي

لَا ترفع رجل ابْنَتي مَا لم أرفع رجل ابْنَتك وَكَانَ ذَلِك من عَادَة الْعَرَب لأنفتها من التَّزْوِيج فَقَالَ لَو اقْتصر على شَرط التَّزْوِيج فِي العقد وعَلى إصداق الْبضْع صَحَّ العقد لِأَن النِّكَاح لَا يفْسد بالشرائط الْفَاسِدَة وجماهير الْأَصْحَاب عللوا بالاشتراك فِي الْبضْع بجعله صَدَاقا وَقَالُوا يشبه ذَلِك مَا لَو نكحت الْحرَّة عبدا على أَن تكون رقبته صَدَاقا لَهَا فَإِن ذَلِك يُبطلهُ وَمِنْهُم من قَالَ لَو قَالَ زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك وَاقْتصر عَلَيْهِ بَطل أَيْضا لما فِيهِ من الْخُلُو عَن الْمهْر وَأخذ الشّغَار من قَوْلهم شغر الْبَلَد إِذا خلا من الْوَالِي وَمَا ذكره الْقفال أَقيس وَمَا ذكره الجماهير إِلَى الْخَبَر أقرب وَأما الْإِبْطَال بِمُجَرَّد اشْتِرَاط العقد والخلو عَن الْمهْر فبعيد السَّادِسَة تأقيت النِّكَاح بَاطِل وَهُوَ أَن يَقُول زَوجتك شهرا وَذَلِكَ هُوَ نِكَاح

الْمُتْعَة سمي بهَا لِأَن مَقْصُوده مُجَرّد التَّمَتُّع

الرُّكْن الثَّانِي الْمحل وَهِي الْمَنْكُوحَة وَشَرطهَا أَن تكون خلية من الْمَوَانِع وَهِي قريب من عشْرين أَلا تكون مَنْكُوحَة الْغَيْر أَو فِي عدَّة الْغَيْر أَو مرتدة أَو مَجُوسِيَّة أَو زنديقة لَا تنْسب إِلَى مِلَّة أَو كِتَابِيَّة دَانَتْ بدينهم بعد التبديل أَو بعد المبعث وَلَيْسَت مَعَ ذَلِك من بني إِسْرَائِيل أَو تكون رقيقَة والناكح حر وَاجِد طول حرَّة أَو غير خَائِف من الْعَنَت أَو مَمْلُوكَة للناكح بَعْضهَا أَو كلهَا أَو كَانَت من الْمَحَارِم إِمَّا من نسب أَو رضَاع أَو مصاهرة أَو تكون خَامِسَة بِأَن يكون تَحْتَهُ أَربع أَو يكون تَحت الزَّوْج أُخْتهَا أَو عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا فَيكون بِالنِّكَاحِ جَامعا بَينهمَا أَو يكون الناكح قد طَلقهَا ثَلَاثًا وَلم يَطَأهَا بعده زوج أخر أَو يكون الناكح قد لَاعن عَنْهَا أَو تكون مُحرمَة بِحَجّ أَو عمْرَة أَو تكون ثَيِّبًا صَغِيرَة أَو يتيمة أَو

كَانَت من أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي هَذَا الزَّمَان فَهَذِهِ مجامع الْمَوَانِع وَسَيَأْتِي شرحها فِي الْقسم الثَّالِث من الْكتاب

الرُّكْن الثَّالِث الشُّهُود وَهُوَ شَرط وَلَكِن تساهلنا بتسميته ركنا وَلَا ينْعَقد النِّكَاح إِلَّا بِحُضُور عَدْلَيْنِ وَلَا ينْعَقد بِحُضُور رجل وَامْرَأَتَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالَ دَاوُد لَا حَاجَة إِلَى الشَّهَادَة وَقَالَ مَالك يَكْفِي الإعلان وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا

بولِي وشاهدي عدل فَنَقُول لَا بُد من حُضُور من هُوَ أهل للشَّهَادَة فَلَا يَكْفِي حُضُور الصَّبِي وَالذِّمِّيّ وَالرَّقِيق والأصم وَالْفَاسِق وَفِي حُضُور الْأَعْمَى خلاف

لِأَنَّهُ أهل لبَعض الشَّهَادَات وَلَو حضر ابْن الزَّوْجَيْنِ أَو أَبُو الزَّوْجَيْنِ فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا الِانْعِقَاد لِأَنَّهُ أهل على الْجُمْلَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا فِي هَذَا النِّكَاح وَالثَّالِث أَنه إِن حضر ابْن الزَّوْج وَابْن الزَّوْجَة لم يكتف لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الْإِثْبَات وَإِن حضر ابْنَانِ لأَحَدهمَا جَازَ لِأَنَّهُ يُمكن الْإِثْبَات على والدها وَالرَّابِع أَنَّهُمَا إِن كَانَا ابنيها صَحَّ وَإِن كَانَا ابْني الزَّوْج لم يَصح لِأَن الْحَاجة إِلَى الْإِثْبَات عَلَيْهَا عِنْد الْجُحُود لَا على الزَّوْج فَيقبل عَلَيْهَا قَول ابنيها وتجري هَذِه الزوجه فِي عدوي الزَّوْجَيْنِ وَلَو حضر من حَاله فِي الْفسق مَسْتُور على الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا صَحَّ العقد على الْأَصَح وَذكر الْمحَامِلِي فِيهِ خلافًا ويعضده أَن مَسْتُور الْحُرِّيَّة لَا يَكْفِي حُضُوره على الْأَظْهر

لَكِن الْحُرِّيَّة مكشوفة فِي الْغَالِب وَالْفِسْق خَفِي وَفِي الْمَنْع من المستور حرج وتضييق فَإِن صححنا فَبَان بَينه عادلة فسقهما حَالَة العقد فَفِي تبين بطلَان العقد قَولَانِ كالقولين فِي نقض الْقَضَاء الْمَبْنِيّ على قَوْلهمَا وَلَا الْتِفَات إِلَى قَوْلهمَا كُنَّا فاسقين وَلَو قَالَ الزَّوْج كنت أعرف فسقه حَالَة العقد وَأنْكرت الْمَرْأَة قَالَ الصيدلاني ينزل منزلَة الطَّلَاق حَتَّى يتشطر الْمهْر قبل الدُّخُول وَبعده يجب جَمِيع الْمهْر وتعود إِلَيْهِ بطلقتين إِن نَكَحَهَا وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْحر إِذا نكح أمة ثمَّ قَالَ كنت واجدا طول الْحرَّة بَانَتْ مِنْهُ بِطَلْقَة أما تشطير الْمهْر فمعقول لِأَنَّهُ فِرَاق حصل بجهته لَا بزعم الْمَرْأَة وَأما جعله طَلَاقا وَلم يجر عقد فَلَيْسَ يتَبَيَّن لي وَجهه إِلَّا أَن يَجْعَل طَلَاقا فِي حق الْمَرْأَة الْمُنكرَة خَاصَّة أَو يَجْعَل فِي حق الزَّوْج طَلَاقا فِي الظَّاهِر لجَرَيَان الشَّهَادَة على ظَاهر النِّكَاح لَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى

فرع تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي أَن الْمُعْلن بِالْفِسْقِ إِذا تَابَ فِي مجْلِس العقد هَل يلْتَحق بالمستور وَكَانَ عَادَته اسْتِتَابَة الْحَاضِرين وَوَجهه أَنه يُمكن أَن يكون صَادِقا فِي تَوْبَته وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يشْتَرط الْإِشْهَاد على رِضَاء الْمَرْأَة

الرُّكْن الرَّابِع العاقدان وَهُوَ الزَّوْج وَالْوَلِيّ لِأَن الْمَرْأَة مسلوبة الْعبارَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي عقد النِّكَاح فَلَا تصح عبارتها بالنيابة وَلَا بِالْوكَالَةِ وَلَا بالاستقلال لَا فِي التَّزْوِيج وَلَا فِي الْقبُول وَيصِح إِقْرَارهَا بِالنِّكَاحِ على الْجَدِيد لِأَن شَرط الْوَلِيّ إِنَّمَا ورد فِي الْإِنْشَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي إِلَّا أَنَّهَا لَو أقرَّت وكذبها الْوَلِيّ قَالَ الْقفال لَا تقبل لِأَنَّهَا أقرَّت على الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ وَمِنْهُم من قَالَ تقبل لِأَنَّهَا مقرة على نَفسهَا بِالرّقِّ ثمَّ إِن اعْتبرنَا تَصْدِيق الْوَلِيّ فَكَانَ غَائِبا سلمناها فِي الْحَال إِلَى الزَّوْج بإقرارها للضَّرُورَة

إِذْ يعسر مُلَازمَة الْوَلِيّ حضرا وسفرا لَكِن لَو رَجَعَ وَكذب فَالظَّاهِر أَنه يُحَال بَينهمَا لزوَال الضَّرُورَة وَصِيغَة الْإِقْرَار أَن تَقول زَوجنِي الْوَلِيّ مِنْهُ فَلَو أقرَّت بالزوجيه وَلم تضف إِلَى الْوَلِيّ فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن دَعْوَى النِّكَاح مُطلقًا من غير التَّقْيِيد بِالشّرطِ هَل تسمع فَأَما إِقْرَار الْوَلِيّ الْمُجبر فنافذ إِن أقرّ فِي حَالَة الْقُدْرَة على الْإِجْبَار وَأما أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فقد قضى بِأَنَّهَا تزوج نَفسهَا

لَكِن الْوَلِيّ يفْسخ العقد إِن وضعت نَفسهَا تَحت غير كفؤ وَقَالَ مَالك تزوج الدنية نَفسهَا دون الشَّرِيفَة

وَعِنْدنَا أَن الْوَطْء فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي يُوجب الْمهْر للشُّبْهَة وَلَا يُوجب الْحَد وَقَالَ الصَّيْرَفِي يجب الْحَد وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب ينْقض قَضَاء الْحَنَفِيّ بِصِحَّة نِكَاح بِلَا ولي لمُخَالفَته الحَدِيث الظَّاهِر وتفاصيل أَحْكَام الْولَايَة يَسْتَوْفِيه بَابَانِ بَاب فِي الْوَلِيّ بَاب فِي الْمولي عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْأَوْلِيَاء وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي أَسبَاب الْولَايَة وَهِي أَرْبَعَة الْأُبُوَّة والجدودة فِي مَعْنَاهَا والعصوبة بِالنّسَبِ وَالْوَلَاء والسلطنة أما الْأَب وَالْجد أَب الْأَب فَلَهُمَا منصب الْإِجْبَار فِي حَالَة الْبكارَة وَلَو بعد الْبلُوغ وَفِي الْبَنِينَ فِي الصغر دون الْكبر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ الْبكر الْبَالِغَة لَا تجبر على النِّكَاح وَالثَّيِّب الصَّغِيرَة يجوز أجبارها عِنْده

وَنظر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى الثيابة والبكارة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَالْبكْر تستأمر فِي نَفسهَا وإذنها صماتها وَمعنى إجبارها أَن الْأَب لَو زَوجهَا من كفؤ وَهِي ساخطة نفذ وَلَو التمست التَّزْوِيج من الْوَلِيّ وَجَبت الْإِجَابَة وَإِن كَانَت مجبرة كَالصَّبِيِّ الَّذِي يلْتَمس الطَّعَام وَلَو عينت كُفؤًا وَعين الْوَلِيّ كُفؤًا فَمنهمْ من قَالَ يجب رِعَايَة حَقّهَا فِي الْأَعْيَان

وَإِنَّمَا حَظّ الْوَلِيّ فِي الْكَفَاءَة فَقَط وَمِنْهُم من قَالَ تعْيين الْوَلِيّ أولى وَمهما ثَابت وَلَو بِالزِّنَا لم تجبر وَلَو انفتق جلد الْعذرَة بوثبة أَو طفرة فَالْأَظْهر أَنَّهَا بكر لِأَن واطئها مبتكر وَلم ير أَبُو حنيفَة للزِّنَا أثرا فِي إِزَالَة حكم الْبكارَة

فَأَما الْعَصَبَات من جِهَة النّسَب كالإخوة والأعمام وَأَوْلَادهمْ فَلَيْسَ لَهُم الْإِجْبَار بِحَال وَإِنَّمَا لَهُم تَزْوِيج الْبكر وَالثَّيِّب بعد الْبلُوغ برضاهها وَهل لَهُم الِاكْتِفَاء بصمت الْبكر وَجْهَان أَحدهمَا نعم لظَاهِر الحَدِيث وَالثَّانِي لَا لِأَن السُّكُوت مردد وَمعنى الحَدِيث حث الْمُجبر على مراجعتها من غير تَكْلِيف نطق وَأما الْوَلِيّ الْمُعْتق فولايته كولاية الْعَصَبَات وَأما السُّلْطَان فولي فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع عِنْد عدم الْوَلِيّ وغيبته وعضله وَإِذا أَرَادَ الْوَلِيّ أَن يُزَوّج من نَفسه وَلَيْسَ للسُّلْطَان ولَايَة الْإِجْبَار خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَيْسَ للْوَصِيّ ولَايَة التَّزْوِيج وَإِن فوض إِلَيْهِ الْمُوصي إِذْ لَيْسَ لَهُ قرَابَة تَدعُوهُ إِلَى الشَّفَقَة وَالنَّظَر وَلَا حَظّ لَهُ فِي الْكَفَاءَة

الْفَصْل الثَّانِي فِي تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء من الْقَرَابَة وَالْوَلَاء والسلطنه وجهة الْقَرَابَة مُقَدّمَة على الْوَلَاء وَالْوَلَاء مقدم على السلطنة والازدحام يفْرض فِي النّسَب وَالْوَلَاء أما النّسَب فالأب ثمَّ الْجد وَلَهُمَا ولَايَة الْإِجْبَار ثمَّ تَرْتِيب بَاقِي الْعَصَبَات كترتيبهم فِي الْمِيرَاث إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَن الابْن عصبَة فِي الْمِيرَاث وَلَا يُزَوّج بِحكم النُّبُوَّة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم إِن كَانَ قَاضِيا أَو عصبَة أَو ابْن عَم أَو معتقا زوج بِهَذِهِ الْأَسْبَاب فالبنوة لَا تمنع وَلَا تفِيد الثَّانِيَة الْجد فِي الْمِيرَاث يقاسم الْإِخْوَة وَهَاهُنَا يقدم الْجد لِأَنَّهُ على عَمُود النّسَب

وشفقته أكمل الثَّالِثَة أَن الْأَخ من الْأَب وَالأُم مقدم على الْأَخ من الْأَب فِي الْمِيرَاث وَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَفِي الْولَايَة قَولَانِ لِأَن جِهَة الأمومة لَا مدْخل لَهَا فِي الْولَايَة فَيجوز أَن لَا توجب تَرْجِيحا وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ التَّقْدِيم فِي التَّزْوِيج أَيْضا وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الْعم من الْأَب وَالأُم وَالْعم من الْأَب وابنيهما وَلَا يجْرِي فِي ابْني عَم أَحدهمَا أَخ لأم لِأَن أخوة الْأُم هَاهُنَا لَا تفِيد عصوبة فِي الْمِيرَاث وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهَا ابْنا ابْن عَم أَحدهمَا ابْنهَا أَو ابْنا مُعتق أَحدهمَا مِنْهَا فَلَا تَرْجِيح وَنَصّ ابْن الْحداد على أَن ابْنهَا من الْمُعْتق مقدم على سَائِر الْبَنِينَ وَهُوَ بعيد أما تَرْتِيب الْوَلَاء فالمتعق أولى فَإِن لم يكن فعصباته فَإِن لم يَكُونُوا فمعتق الْمُعْتق ثمَّ عصباته وترتيب عصبات الْمُعْتق كترتيب عصبات النّسَب إِلَّا فِي مسَائِل إِحْدَاهَا إِذا اجْتمع جد الْمُعْتق وَأَخُوهُ من الْأَب فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْأَخ أولى لِأَنَّهُ يُدْلِي ببنوة الْأَب وَهِي أقوى من الْأُبُوَّة فِي الْعُصُوبَة وَالثَّانِي يتساويان لِأَن أَحدهمَا أَب الْأَب وَالْآخر ابْن الْأَب وَلَيْسَ الْجد هَاهُنَا أصل الزَّوْجَة حَتَّى يقدم الثَّانِيَة ابْن الْمُعْتق مقدم على أَبِيه لِأَنَّهُ الْعصبَة دون الْأَب هُنَا لقُوَّة الْبُنُوَّة الثَّالِثَة الْجد وَابْن الْأَخ إِن قُلْنَا إِن الْجد مَعَ الْإِخْوَة يتساويان فهاهنا الْجد يقدم وَإِن

قُلْنَا يقدم الْأَخ على الْجد فهاهنا يتساويان وَقيل الْجد مقدم لقُرْبه وَقيل ابْن الْأَخ لقُوَّة الْبُنُوَّة الرَّابِعَة أَخ الْمُعْتق من الْأَب وَالأُم وَأَخُوهُ من الْأَب قيل لَا تَرْجِيح إِذْ الْوَلَاء يجْرِي بمحض الْعُصُوبَة وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فرعان أَحدهمَا الْمَرْأَة إِذا أعتقت فلهَا الْوَلَاء وَلَكِن يُزَوّج العتيقة من يُزَوّج السيدة بِرِضا العتيقة وَلَا يحْتَاج إِلَى رضَا الْمُعتقَة لِأَنَّهَا لَا تلِي العقد على نَفسهَا وَلَا غَيرهَا وَلَيْسَ لَهَا الْإِجْبَار وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من رِضَاهَا فَإِن عضلت يُزَوّجهَا وَليهَا بِرِضا السُّلْطَان وَيكون السُّلْطَان نَائِبا عَنْهَا فِي الرِّضَا الْوَاجِب عَلَيْهَا وَإِن كَانَ للمعتقة أَب وَابْن فيزوجها فِي حَيَاتهَا الْأَب فَإِن مَاتَت يُزَوّج الابْن لِأَنَّهُ الْعصبَة الْآن وَقيل باستصحاب ولَايَة الْأَب وَهُوَ بعيد وَقيل يُزَوّجهَا ابْنهَا فِي حَال حَيَاتهَا كَمَا يُزَوّجهَا بعد مماتها وَهُوَ بعيد الثَّانِي جَارِيَة أعتق نصفهَا يُزَوّجهَا الْمَالِك وعصبتها إِن قُلْنَا إِن مثل هَذِه الْجَارِيَة تورث وَإِن قُلْنَا لَا تورث فيزوجها الْمَالِك والقضاي وَقد قيل يُزَوّجهَا الْمُعْتق وَالْمَالِك وَقيل لَا تزوج لعسر الْأَمر وَهُوَ بعيد والأحوط التَّزْوِيج بِاتِّفَاق الْجَمِيع

الْفَصْل الثَّالِث فِي سوالب الْولَايَة وَهِي سَبْعَة الأول الرّقّ فَلَا ولَايَة للرقيق على نَفسه فَكيف على غَيره نعم تصح عِبَارَته فِي شقي عقد النِّكَاح بِالْوكَالَةِ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ سَيّده إِذْ لَا ضَرَر على سَيّده فِيهِ وَمِنْهُم من منع عِبَارَته فِي شقّ التَّزْوِيج وَزعم أَن نَائِب الْوَلِيّ يَنْبَغِي أَن يكون بِصفة الْوُلَاة بِخِلَاف نَائِب الزَّوْج الثَّانِي كل مَا يقْدَح فِي النّظر كَالصَّبِيِّ وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء والعتة والسفه الْمُوجب للحجر وَالْمَرَض المؤلم الملهي عَن النّظر لِشِدَّتِهِ فَجَمِيع ذَلِك يسلب الْولَايَة وينقلها إِلَى الْأَبْعَد إِلَّا فِي الْإِغْمَاء وَالْجُنُون المتقطع ففيهما ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنَّهَا تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان لِأَن زَوَالهَا منتظر كالغيبة وَالثَّانِي أَنَّهَا تنْتَقل إِلَى الْأَبْعَد لِأَن الْغَيْبَة لَا تخل بِالنّظرِ وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء يخلان بِالنّظرِ وَالثَّالِث أَن الْإِغْمَاء ينْتَقل إِلَى القَاضِي وَالْجُنُون إِلَى الْأَبْعَد

ثمَّ الْمغمى عَلَيْهِ ينْتَظر مِقْدَار مُدَّة سفر الْعَدْوى أَو سفر الْقصر كَمَا فِي مُدَّة الْغَائِب وَعِنْدِي أَن تَقْدِير الِانْتِظَار هَاهُنَا بِثَلَاثَة أَيَّام أولى الثَّالِث الْعَمى وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يَلِي الْأَعْمَى لاختلال نظره وَالثَّانِي يَلِي لِأَن مَقَاصِد النِّكَاح لَا ترتبط بالبصر الرَّابِع الْفسق وَظَاهر نُصُوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَدِيما وجديدا أَنه يَلِي وَقَالَ لَا يَلِي السَّفِيه قَالَ الْقفال أَرَادَ بِهِ الَّذِي لَا ينظر لنَفسِهِ وَيدل على ولَايَة الْفَاسِق النَّاظر لدنياه ترك الْأَوَّلين النكير على سلاطين الظلمَة والفساق فِي التَّزْوِيج وَلِأَنَّهُ نَاظر لنَفسِهِ فَكَذَلِك لوَلَده فَإِنَّهُ من أهم أُمُوره الْخَاصَّة بِهِ وَلِأَن عود الْفسق بعد الْبلُوغ لَا يُعِيد الْحجر وفَاقا وَإِن كَانَ عود السَّفه يُعِيدهُ على وَجه مَعَ أَن اتِّصَال الْفسق بِالْبُلُوغِ يمْنَع

ارْتِفَاع الْحجر لِأَنَّهُ ثَبت بِيَقِين فَلَا يرْتَفع بِالشَّكِّ فِي الرشد واتصال الْفسق يُوجب الشَّك فَإِذا ارْتَفع بِيَقِين لم يعد أَيْضا بِالشَّكِّ بِسَبَب الْفسق وَالْمَشْهُور تَخْرِيج ولَايَة الْفَاسِق على قَوْلَيْنِ وَقيل شَارِب الْخمر لَا يَلِي خَاصَّة وَقيل ولَايَة الْإِجْبَار تسْقط بِالْفِسْقِ دون غَيره وَقيل عَكسه فَهَذِهِ خَمْسَة طرق

وَلَا خلاف فِي أَن المستور يَلِي لترك الْأَوَّلين النكير وتوكيل الْفَاسِق فِي العقد كتوكيل العَبْد وَفِيه خلاف على قَوْلنَا لَا يَلِي الْفَاسِق فَأَما السَّكْرَان المختل الْعقل فَلَا يَصح تَزْوِيجه قولا وَاحِدًا وَلَا وَجه لبِنَاء ذَلِك على أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الصاحي أم لَا فَإِن هَذَا يتَعَلَّق بِالنّظرِ للْغَيْر الْخَامِس اخْتِلَاف الدّين يسلب النّظر فيسلب الْولَايَة الْخَاصَّة حَتَّى لَا يُزَوّج الْمُسلم ابْنَته الْكَافِرَة وَأما الْكَافِر فيزوج ابْنَته الْكَافِرَة من مُسلم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَولي الْكَافِرَة كَافِر لِأَنَّهُ ينظر لوَلَده بِخِلَاف الْفَاسِق الْمُسلم على رَأْي وَقَالَ الْحَلِيمِيّ لَا يُزَوّج الْكَافِر إِذا قُلْنَا لَا يُزَوّج الْفَاسِق وَهَذَا خلاف النَّص وَلَا يقبل الْمُسلم نِكَاح الْكَافِرَة من قَاضِي الْكفَّار لِأَنَّهُ لَا وَقع لقضائهم وَفِي كَلَام صَاحب التَّقْرِيب إِشَارَة إِلَى خِلَافه السَّادِس غيبَة الْوَلِيّ وَهِي لَا تسلب الْولَايَة عندنَا لِأَن النّظر قَائِم وَلَكِن يَنُوب السُّلْطَان عَنهُ لتعذر الْأَمر لغيبته وَلذَلِك لَا يَنْعَزِل الْوَكِيل بطرآن الْغَيْبَة على الْمُوكل

وينعزل بطرآن الْجُنُون ثمَّ السُّلْطَان يُزَوّج إِن كَانَ السّفر فَوق مَسَافَة الْقصر وَلَا يُزَوّج إِن كَانَ دون مَسَافَة الْعَدْوى وَهُوَ الَّذِي يرجع عَنهُ المبكر إِلَيْهِ قبل اللَّيْل وَفِيمَا بَينهمَا وَجْهَان يجريان فِي قبُول شَهَادَة الْفَرْع عِنْد غيبَة الأَصْل وَفِي الاستعداء عِنْد القَاضِي ثمَّ إِذا طلبت من السُّلْطَان التَّزْوِيج قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يُزَوّجهَا مَا لم يشْهد عَدْلَانِ أَنه لَيْسَ لَهُ ولي حَاضر وَلَيْسَت فِي زوجية وَلَا عدَّة فَمنهمْ من قَالَ ذَلِك وَاجِب احْتِيَاطًا للنِّكَاح خَاصَّة وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ اسْتِحْبَاب لِأَن اعْتِمَاد الْعُقُود على قَول أَرْبَابهَا وَكَذَلِكَ يحلفها القَاضِي على أَن وَليهَا لم يُزَوّجهَا فِي الْغَيْبَة إِن رأى ذَلِك وَمثل هَذِه الْيَمين الَّتِي لَا تتَعَلَّق بِدَعْوَى اسْتِحْبَاب أَو إِيجَاب فِيهِ خلاف السَّابِع الْإِحْرَام وَالْمحرم مسلوب الْعبارَة فِي عقد النِّكَاح بِالْوكَالَةِ والنيابة والاستقلال فِي شقي الْقبُول والإيجاب وَهل يمْنَع الرّجْعَة فِيهِ وَجْهَان وَهل ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة الْمحرم فِيهِ خلاف للتردد فِي الرِّوَايَة إِذْ ورد فِي بَعْضهَا لَا ينْكح الْمحرم وَلَا يشْهد

وَهل تَنْقَطِع هَذِه التحريمات بالتحلل الأول فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه لَا تَنْقَطِع لبَقَاء اسْم الْإِحْرَام ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن الْولَايَة تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان أَو إِلَى الْأَبْعَد ومأخذه أَنه كالغيبة أَو منَاف للولاية فَإِن قُلْنَا إِنَّه منَاف فَلَو أحرم الْمُوكل انْعَزل وَكيله وَإِن قُلْنَا لَا فَلَا يَنْعَزِل وَلَكِن قَالَ الصيدلاني يصبر الْوَكِيل إِلَى تحلل الْمُوكل إِذْ يبعد أَن يتعاطى عَنهُ فعلا فِي وَقت يعجز عَنهُ هُوَ فِي نَفسه

الْفَصْل الرَّابِع فِي تولي طرفِي العقد أعلم أَن الْأَب يتَوَلَّى طرفِي البيع فِي مَال وَلَده وَكَذَا الْجد لقُوَّة الْولَايَة ولكثرة الْحَاجة فِي البيع وعسر مُرَاجعَة السُّلْطَان وَهل يتَوَلَّى الْجد طرفِي النِّكَاح فِي حفدته فِيهِ وَجْهَان مبنيان على أَن الْعلَّة فِي البيع قُوَّة الْولَايَة وَحدهَا أم مَعَ كَثْرَة الْحَاجة إِلَى البيع فَإِن النِّكَاح نَادِر فَإِن قُلْنَا يتَوَلَّى فَهَل يَكْفِيهِ النُّطْق بِأحد الشقين فِيهِ وَفِي البيع ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَكْفِي لِأَن رِضَاهُ بِأحد الطَّرفَيْنِ رضَا بِالْآخرِ فَلَا معنى لجوابه نَفسه وَالثَّانِي لَا لِأَن معنى التَّحْصِيل غير معنى الْإِزَالَة فَلَا بُد من لفظين

وَالثَّالِث أَنه لَا يَكْفِي فِي النِّكَاح للتعبد فِي صيغته بِخِلَاف البيع وَإِن قُلْنَا لَا يتَوَلَّى فيفوض إِلَى السُّلْطَان أحد الطَّرفَيْنِ وَقيل إِنَّه يُوكل لِأَن الْجِهَة قَوِيَّة وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْغَيْر لنظم التخاطب وللتعبد فَأَما الْجِهَة الَّتِي لَا تفِيد الْإِجْبَار فَلَا تفِيد تولي الطَّرفَيْنِ للْعقد فَلَا يُزَوّج ابْن الْعم من نَفسه بل يُزَوجهُ من فِي دَرَجَته أَو السُّلْطَان وَلَا يَكْفِيهِ التَّوْكِيل فَإِن وَكيله بمثابته وَكَذَا الْمُعْتق وَالْقَاضِي وَالْحَاكِم الْمَنْصُوب عَن جِهَة القَاضِي يُزَوّج مِنْهُ لِأَن حكمه نَافِذ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ من جِهَة السُّلْطَان لَا كَالْوَكِيلِ وَمِنْهُم من اسْتثْنى الإِمَام الْأَعْظَم وَقَالَ لَهُ تولي الطَّرفَيْنِ لقُوَّة الْإِمَامَة وَالصَّحِيح أَن الْوَكِيل من الْجَانِبَيْنِ فِي النِّكَاح لَا يتَوَلَّى طرفِي العقد وَكَذَا فِي البيع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز للْوَلِيّ وَالْوَكِيل تولي طرفِي النِّكَاح دون البيع

الْفَصْل الْخَامِس فِي تَوْكِيل الْوَلِيّ وإذنه أما الْوَلِيّ الْمُجبر فَلهُ التَّوْكِيل قطعا وَهل عَلَيْهِ تعْيين الزَّوْج قَولَانِ احدهما لَا لَكِن على الْوَكِيل طلب الكفؤ فَإِن الْإِذْن يتَقَيَّد بالغبطة وَالثَّانِي يَلِي لِأَن النّظر فِي أَعْيَان الْأَكفاء دَقِيق وَالنِّكَاح مخطر فَيَنْبَغِي أَن يَتَوَلَّاهُ الْوَلِيّ أما الْمَرْأَة إِن أَذِنت للْوَلِيّ الَّذِي لَا يجْبر وَلم تعين فَفِيهِ قَولَانِ مرتبات وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْوَلِيّ ذُو خطّ فَينْظر بِخِلَاف الويكل وَإِن صرحت بِإِسْقَاط الْكَفَاءَة تخير الْوَلِيّ وَهل يجب التعين مَعَ ذَلِك فِيهِ طَرِيقَانِ وَإِن قَالَت زَوجنِي مِمَّن شِئْت فَالصَّحِيح أَنه لَا يُزَوّج إِلَّا من كفؤ وَمَعْنَاهُ مِمَّن شِئْت من الْأَكفاء وَلَيْسَ لغير الْمُجبر التَّوْكِيل إِن منعت من ذَلِك وَإِن رضيت جَازَ وَإِن أطلقت الْإِذْن فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ على الْجُمْلَة ذُو ولَايَة وحظ

فرع لَو عينت زوجا ورضيت بِالتَّوْكِيلِ فعين الْوَلِيّ فِي التَّوْكِيل ذَلِك جَازَ وَإِن اطلق فاتفق أَن زوج الْوَكِيل من الْمعِين فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان وَوجه الْفساد صِيغَة التَّوْكِيل كَمَا لَو قَالَ الْوَلِيّ بِعْ مَال الطِّفْل بِالْغبنِ فَبَاعَ بالفبطة فَإِنَّهُ لَا يَصح ويتصل هَذَا النّظر فِي كَيْفيَّة تعَاطِي الْوَكِيل وَليقل الْوَلِيّ للْوَكِيل فِي الْقبُول زوجت فُلَانَة من فلَان وَلَا يقل مِنْك وَيَقُول الْوَكِيل قبلت لفُلَان فَلَو اقْتصر على قَوْله قبلت فَفِيهِ وَجْهَان لتردده بَينه وَبَين الْمُوكل وَلَو قَالَ قبلت لنَفْسي لم يَصح لَهُ وَلَا للْمُوكل لِأَنَّهُ مُخَالف للخطاب وَلَو قَالَ زوجت مِنْك فَقَالَ قبلت وَنوى مُوكله لم يَقع للْمُوكل وَفِي البيع يَقع مثله للْمُوكل لِأَن مَعْقُود البيع قَابل للنَّقْل بِخِلَاف مَعْقُود النِّكَاح

الْفَصْل السَّادِس فِيمَا يجب على الْوَلِيّ فَنَقُول أما غير الْمُجبر فَتجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة إِذا طلبت إِن لم يكن فِي دَرَجَته غَيره فَإِن كَانَ فَهُوَ كشاهد لَا يتَعَيَّن وَفِيه خلاف فَإِن تعين وعضل وأحوجها إِلَى السُّلْطَان عصى لما فِيهِ من الْإِضْرَار وخرق الْمُرُوءَة وَالنَّهْي عَن العضل وَأما الْمُجبر فَيجب عَلَيْهِ تَزْوِيج الْمَجْنُونَة إِذا تاقت وَلَا يجب التَّزْوِيج من الابْن الصَّغِير لِأَنَّهُ لَا يلْزمه الْمهْر والنفقه وَلَا يجب تَزْوِيج الْبِنْت إِلَّا إِذا ظَهرت الْغِبْطَة فَيحْتَمل الْإِيجَاب كَمَا إِذا طلب مَال الطِّفْل بِزِيَادَة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ البيع وَيحْتَمل تَجْوِيز التَّأْخِير إِلَى بُلُوغهَا وَأما مَال الطِّفْل فَلَا يجب على الْوَلِيّ أَن يكد نَفسه بِالتِّجَارَة والاستنماء وَلَكِن يجب

صونه عَن الضّيَاع وَقدر من الاستمناء الْمُعْتَاد الَّذِي يصونه عَن أَن تَأْكُله النَّفَقَة وَلَو طلب مَاله بِزِيَادَة وَجب البيع وَلَو بيع شَيْء بِأَقَلّ فَلهُ أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ فَإِن لم يرد فليشتر لطفله وَإِن قبل نِكَاح ابْنه لم يلْزمه الصَدَاق فِي الْجَدِيد لِأَنَّهُ لم يضمن وَفِي الْقَدِيم يصير بِالْعقدِ ضَامِنا وَهل يرجع بِهِ بعد الْبلُوغ فِيهِ احْتِمَال على الْقَدِيم وَإِن تبرم بِحِفْظ مَال الطِّفْل فَلهُ أَن يسْتَأْجر من مَال الطِّفْل من يعْمل لَهُ أَو يُطَالب السُّلْطَان بِأُجْرَة يقدرها لَهُ من مَال الطِّفْل إِن لم يجد متبراعا وَإِن وجد مُتَبَرعا فَالظَّاهِر أَنه لَا يُعْطي الْأُجْرَة بِخِلَاف الْأُم فَإِن إرضاعها بِالْأُجْرَةِ أولى من إِرْضَاع متبرعة أَجْنَبِيَّة لما فِيهِ من التَّفَاوُت الظَّاهِر

الْفَصْل السَّابِع فِي الْكَفَاءَة وخصالها وَاعْلَم أَن الْكَفَاءَة حق الْمَرْأَة والأولياء فَلَو رَضوا بِغَيْر كفؤ جَازَ خلافًا للشيعة فَإِنَّهُم حرمُوا العلويات على غَيرهم وَكَيف يحرمن وَلم تحرم بَنَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عُثْمَان وَعلي وَأبي الْعَاصِ وَأَيْنَ كفؤ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَالم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

كَيفَ كَانَ عَليّ كفؤ فَاطِمَة وَأَبوهُ كَافِر وأبوها سيد الْبشر وَلَو كَانَ يَكْفِي النّسَب فِي الْكَفَاءَة فَالنَّاس كلهم إولاد آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَلم تفاوتوا وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة بنت قيس وَهِي قرشيه أَن تنْكح أُسَامَة وَهُوَ مولى وَالصَّحِيح أَن الَّتِي لَا ولي لَهَا يُزَوّجهَا السُّلْطَان من غير كفؤ بِرِضَاهَا إِذْ لَا حَظّ للْمُسلمين فِي الْكَفَاءَة وَذكر الصيدلاني خِلَافه ثمَّ الْكَفَاءَة ترجع إِلَى مَنَاقِب

وَالْمُعْتَبر مِنْهَا خمس التنقي من الْعُيُوب المثتبة للخيار وَالْحريَّة وَالنّسب وَالصَّلَاح فِي الدّين والتنقي من الْحَرْف الدنية وَالْجمال لَا يعْتَبر لِأَنَّهُ يرجع إِلَى ميل النَّفس واليسار يعْتَبر فِي أَضْعَف الْوَجْهَيْنِ وَلَعَلَّ ذَلِك قدر الْبَلَاغ دون التَّسَاوِي فِي الْمَقَادِير وَلَا مبالاة بالانتساب إِلَى الظلمَة بل إِلَى أرومة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى الْعلمَاء لأَنهم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَإِلَى الصلحاء الْمَشْهُورين

الَّذين لَا ينسى أَمرهم بعد الْمَوْت فَإِنَّهُ الْمُوجب للتفاوت وَأما صَلَاح الزَّوْج فَيَكْفِي فِيهِ التنقي من الْفسق وَلَا تعْتَبر الْمُسَاوَاة فِي دَرَجَة الصّلاح والاشتهار والحرف الدنية هِيَ الَّتِي تدل على سُقُوط النَّفس وأكثرها يرجع إِلَى مُلَابسَة القاذورات وَالرُّجُوع فِي تَفْصِيل جَمِيع ذَلِك إِلَى الْعَادَات

وَتَمام هَذَا النّظر بِثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَن هَذِه الْخِصَال تعْتَبر فِي تَزْوِيج الْبِنْت لَا فِي الابْن إِذْ لَا عَار على الرِّجَال فِي غشيان خسيسة نعم لَا تزوج مِنْهُ مَعِيبَة بالعيوب المثبتة للخيار وَلَا يتَصَوَّر تَزْوِيج الرقيقة مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يخَاف الْعَنَت وَفِي اعْتِبَار الْكَفَاءَة بجانبه أَيْضا وَجه بعيد الثَّانِيَة هَذِه الْخِصَال هَل تجبر بالفضائل ينظر فَإِن كَانَ الْفَائِت نسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يوازيها الانتساب إِلَى غَيره من الْعلمَاء والصلحاء وَهل يوازيه الصّلاح الظَّاهِر الْمَشْهُور فِي الْخطاب الْأَصَح أَنه لَا يوازيه وَقيل تجبر بِهِ وَاعْتمد فِيهِ هم عمر رَضِي الله عَنهُ بتزويج ابْنَته سلمَان الْفَارِسِي وبأمثال ذَلِك

وَأما الْعُيُوب فَلَا يجبرها غَيرهَا وَأما الْيَسَار فَيجْبر بِغَيْرِهِ والحرفة لَا تعَارض النّسَب وَرُبمَا يُعَارضهُ الصّلاح والمحكم فِي جَمِيع ذَلِك الْعَادَات وَنفي الْعَار الثَّالِثَة إِذا زَوجهَا من غير كفؤ بَطل العقد على الصَّحِيح وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي تَزْوِيج السليمة من الْمَعِيب قَوْلَيْنِ وَهُوَ أجْرى فِي سَائِر الْخِصَال ثمَّ قَالُوا إِن قُلْنَا ينْعَقد العقد فَهَل يثبت للْوَلِيّ الْفَسْخ قَولَانِ وأجروا ذَلِك وَإِن كَانَ عَالما بِهِ لِأَن الْحق للطفل فَلَا يسْقط بِعِلْمِهِ وَإِن بلغت فَهَل يثبت لَهَا الْخِيَار فَفِيهِ تردد وكل ذَلِك بعيد وَوَجهه أَن فِي النِّكَاح مصَالح خُفْيَة وَالْأَب مؤتمن غير مُتَّهم فَرُبمَا يتعاطى تَحْصِيل مصلحَة خُفْيَة قد تتقاضى ترك الْكَفَاءَة إِلَّا أَنه إِذا روعي ذَلِك فَلَا يتَّجه إِثْبَات الْخِيَار

الْفَصْل الثَّامِن فِي اجْتِمَاع الْأَوْلِيَاء فِي دَرَجَة وَاحِدَة وَإِذا اجْتَمعُوا فَكل وَاحِد يسْتَقلّ لَكِن الأحب تَقْدِيم الأسن وَالْأَفْضَل فَإِن تزاحموا فَالْعقد إِلَى من تعين الْمَرْأَة فَإِن أَذِنت للْكُلّ أَقرع بَينهم فَإِن عقد من لم تخرج لَهُ الْقرعَة مبادرا انْعَقَد وَإِن زوج أحدهم من غير كفؤ بِرِضَاهَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ النِّكَاح مفسوخ فَقيل إِن مَعْنَاهُ أَن للآخرين فسخ العقد اعتراضا وَقيل مَعْنَاهُ أَنه لَا ينْعَقد لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى لُحُوق الْعَار بالولي قبل أَن يتدارك وَقيل الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ فرع إِذا أَذِنت لوليين وَلم تعين الزَّوْج وجوزنا ذَلِك فعقد كل وَاحِد مِنْهُمَا مَعَ شخص فَإِن اتَّحد الْوَقْت تدافعا وَإِن لم يعلم السَّبق وَأمكن التوافق تدافعا أَيْضا إِذْ لَيْسَ نستيقن صِحَة نِكَاح أَحدهمَا فَإِن سبق أَحدهمَا وَتعين وَلَكِن نسيناه وَتعذر بَيَانه فَالنِّكَاح بَينهمَا مَوْقُوف وَلَا نبالي بتضررها طول الْعُمر كَمَا لَو غَابَ زَوجهَا وَلم تعرف حَيَاته وكما لَو انْقَطع دم الشَّابَّة بِمَرَض فَإِن عَلَيْهَا انْتِظَار سنّ اليائس من الضرار فِيهِ وَإِن علم السَّبق وَلَكِن لم يتَعَيَّن السَّابِق مِنْهُمَا أصلا وَحصل الْيَأْس من الْبَيَان فَقَوْلَانِ مبنيان على الْقَوْلَيْنِ فِي جمعتين عقدتا فِي بَلْدَة وَاحِدَة على هَذَا الْوَجْه وَهَاهُنَا أولى بِالْفَسْخِ لِأَن الصَّلَاة لَا تحْتَمل الْفَسْخ فَفِي قَول يتَوَقَّف كَمَا لَو تعين ثمَّ نسي وَفِي قَول يفْسخ لدوام الضرار وإطباق الْإِشْكَال من أول الْأَمر إِلَى آخِره وَيشكل على هَذَا إِذا تعين ثمَّ نسي وَقد قيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ لكنه غَرِيب

التَّفْرِيع حَيْثُ رَأينَا الْفَسْخ فقد حكى الصيدلاني عَن الْقفال أَنه يَنْفَسِخ وَلَا حَاجَة إِلَى إنْشَاء الْفَسْخ وَالأَصَح أَنه يحْتَاج إِلَى إنْشَاء الْفَسْخ ثمَّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يتَعَيَّن بِتَعْيِين القَاضِي لِأَنَّهُ مَحل التباس وَالثَّانِي لَهَا الْإِنْشَاء لتضررها كَمَا فِي الْجب والعنة فَإِن الزَّوْج يقدر على الطَّلَاق وَالثَّالِث أَن للزوجين أَيْضا الْفَسْخ وَإِن تَأَخّر الْفَسْخ فنفقتها تقسم على الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهَا محبوسة بسببهما وَلَا مهر عَلَيْهِمَا إِذْ النَّفَقَة قد تجب بعلة الْحَبْس دون الْمهْر وَفِي النَّفَقَة وَجه منقدح أَنه تجب لِأَنَّهُ لَيْسَ الْحَبْس بتقصير مِنْهُمَا وَلَا النِّكَاح مستيقن فِي حق وَاحِد مِنْهُمَا هَذَا كُله عِنْد الِاعْتِرَاف بالإشكال فَإِن ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه السَّابِق قَالَ الصيدلاني لَيْسَ لأحد الزَّوْجَيْنِ أَن يَدعِي على الآخر إِذْ لَيْسَ فِي يَده شَيْء وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأَن يكون مُدعيًا أولى من أَن يكون مدعى عَلَيْهِ وَإِن ادّعى على الْوَلِيّ وَهُوَ غير مجبر لم يجز وَإِن كَانَ مجبرا فَوَجْهَانِ لااختصاص لَهما بِمحل التَّنَازُع أَحدهمَا أَنه لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ أصلا إِذْ لَا حَظّ لَهُ فِي الْملك وَإِنَّمَا هُوَ عَاقد كَالْوَكِيلِ وَالثَّانِي يتَوَجَّه لِأَن إِقْرَاره يقبل بِخِلَاف الْوَكِيل وَالَّذِي لَا يجْبر

قَالَ الإِمَام إِذا لم يُمكن دَعْوَى الْعلم على الْمَرْأَة فَلَا يبعد أَن يَدعِي أَحدهمَا على صَاحبه وَتجْعَل الْمَرْأَة كَمَال فِي يَد ثَالِث تداعاه رجلَانِ ثمَّ ذكر القَاضِي فِي الْبِدَايَة بالتحليف أَنه يقرع بَينهمَا أما إِن ادّعى عَلَيْهِمَا الْعلم بِالسَّبقِ فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن تقر لوَاحِد وفرعنا على الصَّحِيح فِي صِحَة إِقْرَارهَا ثبتَتْ زوجيته فِي الْحَال لَكِن هَل للثَّانِي أَن يحلفها فِيهِ قَولَانِ مبنيان على أَن من أقرّ بِشَيْء لزيد ثمَّ أقرّ بِهِ لعَمْرو هَل يغرم للثَّانِي بالحيلولة فَإِن قُلْنَا يغرم فهاهنا أَيْضا يتَوَقَّع إِقْرَارهَا فيحلفها حَتَّى تقر فتغرم أَو تنكل فيستفيد الثَّانِي بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة تغريمها وَإِن قُلْنَا لَا تغرم فَلَا يحلفها إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ فِي نكولها وَلَا فِي إِقْرَارهَا وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يحلفها حَتَّى يَسْتَفِيد بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة إِن نكلت ثُبُوت الزَّوْجِيَّة لَهُ وَكَأن إِقْرَارهَا الأول لم يثبت زوجية الأول إِلَّا بِشَرْط الْحلف للثَّانِي فَأَما مَعَ النّكُول فَلَا وَهَذَا بعيد إِذْ نكولها كَيفَ يرد إِقْرَارهَا ويزاحمه الْحَالة الثَّانِيَة أَن تنكر الْعلم بِالسَّبقِ وتحلف على نفي الْعلم فَيبقى التداعي بَين الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ جَائِز وَإِن منعناه فِي الِابْتِدَاء قبل تَوْجِيه الدَّعْوَى عَلَيْهَا فَإِن الدَّعْوَى الْآن وجد مُتَعَلقا ثمَّ لم يفد قطع الْخُصُومَة وَقيل إِنَّه لَا يسمع تداعيهما كَمَا فِي الِابْتِدَاء ويكفيها يَمِين وَاحِدَة على نفي الْعلم إِن حضر الزَّوْجَانِ مَعًا وَإِن بَادر أَحدهمَا فَهَل للثَّانِي تحليفها مرّة أُخْرَى فِيهِ وَجْهَان يجريان فِي كل شَرِيكَيْنِ يدعيان شَيْئا وَاحِدًا

الْحَالة الثَّالِثَة أَن تنكر وتنكل حلف الْمُدَّعِي على السَّبق وَلَا يتَعَرَّض لعلمهما فَإِن ذَلِك شَرط فِي الدَّعْوَى لترتبط بهَا الدَّعْوَى هَذَا كُله إِذا ادعِي عَلَيْهَا الْعلم فَإِن أطلق دَعْوَى الزوجيه فَفِي سَماع الدَّعْوَى الْمُطلقَة خلاف وَالله تَعَالَى أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْمولي عَلَيْهِ وَفِيه فُصُول ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول فِي الْمولي عَلَيْهِ بالجنون وَفِيه مسَائِل ثَلَاثَة الأولى الْبكر الْمَجْنُونَة لَا شكّ فِي أَن الْأَب يُزَوّجهَا لَكِن الثّيّب إِن كَانَت كَبِيرَة يُزَوّجهَا بِمُجَرَّد الْمصلحَة من غير حَاجَة على الْأَصَح وَقيل لَا يُزَوّجهَا لِأَن الْأَب فِي حق الثّيّب كالأخ وَهُوَ لَا يُزَوّجهَا وَأما الثّيّب الصَّغِيرَة الْمَجْنُونَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يُزَوّجهَا كالعاقلة وَبِخِلَاف الْبَالِغَة فَإِنَّهَا فِي مَظَنَّة الشَّهْوَة على الْجُمْلَة وَإِن لم يشْتَرط ظُهُور حَاجَة الشَّهْوَة فِي حق الْأَب وَالصَّحِيح أَنَّهَا إِذا بلغت عَاقِلَة ثمَّ عَاد الْجُنُون عَاد ولَايَة الْبضْع وَإِن كَانَ فِي عود ولَايَة المَال خلاف لِأَن تَفْوِيض الْبضْع إِلَى السُّلْطَان مَعَ حَيَاة الْأَب قَبِيح الثَّانِيَة للْأَب التَّزْوِيج من الابْن الْكَبِير الْمَجْنُون وَفِي الصَّغِير وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه تكْثر عَلَيْهِ الْمُؤَن وَخرج بالجنون عَن مَظَنَّة الاستصلاح وَبِالْجُمْلَةِ تَزْوِيج الْبِنْت

الصَّغِيرَة أولى من التَّزْوِيج من الابْن ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي التَّزْوِيج من الْمَجْنُون على وَاحِدَة وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه يُزَوّج من الصَّغِير الْعَاقِل أَربع لِأَنَّهُ فِي مَظَنَّة الاستصلاح وَفِيه وَجه أَنه لَا يزِيد على وَاحِدَة أَيْضا الثَّالِثَة إِذا لم يكن للمجنونة أَب وَلَا جد يُزَوّجهَا السُّلْطَان أَو الْعَصَبَات فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْعَصَبَات لأَنهم على الْجُمْلَة ذُو حَظّ وشفقتهم أكمل نعم السُّلْطَان يَنُوب عَنْهَا فِي الرِّضَا وَالثَّانِي أَن السُّلْطَان يُزَوّجهَا كَمَا أَنه يَلِي مَالهَا نعم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُرَاجع أهل الرَّأْي من أقاربها ويشاورهم وَاخْتلفُوا فِي أَن ذَلِك إِيجَاب أَو اسْتِحْبَاب فَإِن جَعَلْنَاهُ إِيجَابا رَجَعَ الْأَمر إِلَى أَنه لَا بُد من رضَا الْوَلِيّ وَالسُّلْطَان وَيرجع الْخلاف إِلَى تعْيين من يتعاطى العقد ثمَّ هَل يشْتَرط فِي تزويجهم حكم الْأَطِبَّاء بِظُهُور حَاجَتهَا إِلَى الْوَطْء وَجْهَان أَحدهمَا لَا يشْتَرط بل يجوز بالاستصلاح كَمَا يجوز للْأَب وَالثَّانِي نعم إِذْ لَيْسَ لهَؤُلَاء رُتْبَة الْإِجْبَار فَلَا يقدمُونَ عَلَيْهِ إِلَّا عَن ضَرُورَة

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمولي عَلَيْهِ بالسفه فَإِذا بلغ الصَّبِي سَفِيها لم يجْبرهُ الْوَلِيّ على النِّكَاح لِأَنَّهُ بَالغ وَلَا يسْتَقلّ هُوَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ سَفِيه لَكِن ينْكح بِإِذن الْوَلِيّ وَعبارَته صَحِيحَة ويستقل بِالطَّلَاق لِأَنَّهُ لَا ينْدَرج تَحت الْحجر وَمهما التمس النِّكَاح بعلة الْحَاجة وَجب الْإِسْعَاف لِأَنَّهُ أعرف بحاجته فَإِن التمس بعلة الْمصلحَة فَفِي وجوب إسعافه تردد وَلِأَنَّهُ بَين الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَهُوَ أولى بالاستصلاح من الْمَجْنُون وَإِذا وَجب الْإِجَابَة فَامْتنعَ الْوَلِيّ فَليُرَاجع السُّلْطَان فَإِن لم يجد السُّلْطَان فَفِي صِحَة استقلاله تردد بِخِلَاف مَا إِذا اسْتَقل بشرَاء الطَّعَام فِي مثل هَذِه الصُّورَة لِأَن الطَّعَام فِي مَحل الضَّرُورَة دون الوقاع وَلذَلِك يجب على الْأَب الْإِنْفَاق على الابْن دون الإعفاف وَمهما اسْتَقل دون مُرَاجعَة الْوَلِيّ لم ينْعَقد النِّكَاح فَإِن وطئ فَفِي الْمهْر ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يجب كَمَا إِذا اشْترى وأتلف فَإِن البَائِع هُوَ الَّذِي قصر وسلط وَالثَّانِي يجب إِذْ تعرية الْوَطْء عَن الْمهْر غير مُمكن تعبدا

وَالثَّالِث يَكْتَفِي بِأَقَلّ مَا يتمول لحق التَّعَبُّد وَحقّ السَّفِيه وَأما السَّفه فِي جَانبهَا فَلَا يظْهر لَهُ أثر فرع يَنْبَغِي للْوَلِيّ أَن يعين الْمهْر وَالْمَرْأَة جَمِيعًا إِذا أذن فَإِن عين الْمَرْأَة دون الْمهْر جَازَ وَتعين مهر الْمثل إِنَّه زَاد سَقَطت الزِّيَادَة وَصَحَّ العقد وَإِن عين الْمهْر وَزَاد ثمَّ يثبت وَصَحَّ العقد بِخِلَاف الْوَكِيل إِذا زَاد لِأَنَّهُ عَاقد لنَفسِهِ ومقصود الْإِذْن رفع الْحجر ثمَّ الْغِبْطَة تعين مِقْدَار الْمهْر أما إِذا عين امْرَأَة فنكح غَيرهَا لم يَصح لِأَنَّهُ حاد عَن الأَصْل والمصلحة تَتَفَاوَت بِهِ كَمَا أَن الزِّيَادَة أَيْضا لَا تصح وَإِن صَحَّ العقد دونهَا أما إِذا أذن مُطلقًا وَلم يعين الْمَرْأَة فَفِي صِحَة هَذَا الْإِذْن وَجْهَان لمُخَالفَته للْمصْلحَة غَالِبا فَإِن قُلْنَا يَصح فَلهُ أَن ينْكح من شَاءَ بِمهْر الْمثل بِشَرْط أَن لَا ينْكح شريفة يسْتَغْرق مهرهَا جَمِيع مَاله فَإِن ذَلِك يُخَالف الْغِبْطَة وَالْإِذْن الْمُطلق ينزل على الْغِبْطَة أما الْمَرْأَة فالشفة فِي حَقّهَا لَا يُؤثر فِي تَغْيِير أَمر الْولَايَة

الْفَصْل الثَّالِث فِي الْمولي عَلَيْهِ بِالرّقِّ وَللسَّيِّد إِجْبَار الْأمة على النِّكَاح وَهل لَهُ إِجْبَار العَبْد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا نعم كالأمة وَالثَّانِي لَا لِأَن مستمتعه غير مَمْلُوك لَهُ وَلَا هُوَ أهل للنَّظَر لَهُ وَالثَّالِث أَنه يجْبر نظرا إِلَيْهِ دون الْكَبِير وَهل للْعَبد إِجْبَار السَّيِّد على التَّزْوِيج مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن مَنعه يورطه فِي الْفُجُور وَالرّق لَا آخر لَهُ وَلَا بُد من التحصن وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك يشوش مَقَاصِد الرّقّ وَلَعَلَّ الْأَصَح أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يجْبر الاخر بل لَا بُد من تراضيهما وَهَذَا خلاف جَار فِي أَنه هَل يجب تَزْوِيج الْأمة إِذا طلبت وَهُوَ أبعد لِأَن لَهَا مطمعا فِي الِاسْتِمْتَاع بالسيد ثمَّ تَزْوِيج الْمَالِك رقيقَة حَيْثُ قُلْنَا بِهِ طَريقَة الْولَايَة أَو الْملك فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه الْملك إِذْ لَا قرَابَة لَهُ حَتَّى ينظر لَهُ وَإِن نظر فَينْظر لمصَالح ملكه وَقد لَا تكون مصلحَة ملكه مصلحَة للرقيق فِي نَفسه وَالثَّانِي أَنه بطرِيق الْولَايَة لِأَن مستمتع العَبْد لَا يملكهُ ومستمتع الْأمة وَإِن ملكه فَلَيْسَ الْمَنْقُول إِلَى الزَّوْج ملكه وَلذَلِك يملك الزَّوْج مَا لَا يملكهُ من طَلَاق وظهار وَلَا يقدر الزَّوْج على نقل الْبضْع من نَفسه وَلَا هُوَ واطئ بِملك الْيَمين وَلذَلِك لَا يجوز لَهُ تَزْوِيجهَا من معيب بالعيوب الْخَمْسَة فَإِن فعل فلهَا الْخِيَار وَلَا خِيَار للسَّيِّد إِذا جهل ذَلِك لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من دفع ضرار الِاسْتِمْتَاع وَلَو بَاعهَا من معيب فَلَيْسَ لَهَا الْخِيَار فَإِن قُلْنَا إِنَّه بِالْولَايَةِ فَلَا يُزَوّج الْفَاسِق أمته وَعَبده إِن قُلْنَا لَا يَلِي الْفَاسِق وَلَا يُزَوّج الْمُسلم رَقِيقه الْكَافِر أمة كَانَت أَو عبدا وَلَا الْكَافِر يجْبر رَقِيقه الْمُسلم لَكِن يرضى فَيسْقط حَقه وينكح العَبْد انفسه فروع ثَلَاثَة الأول الْوَلِيّ هَل يُزَوّج رَقِيق طِفْله فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَنَّهُ من مصَالح المَال وَالثَّانِي لَا لِأَن مصلحَة المَال لَا تَقْتَضِي النِّكَاح وَالثَّالِث أَنه يُزَوّج الْأمة لحظ الْمُؤْنَة دون العَبْد الثَّانِي أمة الْمَرْأَة يُزَوّجهَا وَليهَا بِرِضَاهَا وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يُزَوّجهَا السُّلْطَان بِرِضَاهَا إِذْ وَليهَا لَيْسَ مَالِكهَا وَلَا وَلَاء لَهَا وَهَذَا لَهُ وَجه على قَوْلنَا إِن تَزْوِيج الرَّقِيق

بِالْملكِ لَا بِالْولَايَةِ ثمَّ لَا يجْبر الْوَلِيّ أمة الْبكر الْبَالِغَة وَإِن أجبرها فَلَا يَكْتَفِي بسكوتها فِي أمتها وَإِن اكْتفي بذلك فِي نَفسهَا الثَّالِث قَالَ ابْن الْحداد الْمُعتقَة فِي الْمَرَض لَا يُزَوّجهَا قريبها لِأَنَّهُ رُبمَا ينقص المَال وَيَمُوت الْمَرِيض وتعود رقيقَة فَمن الْأَصْحَاب من خَالفه وَقَالَ يَنْبَنِي التَّصَرُّف على الْحَال كَمَا لَو وهب الْمَرِيض جَازَ للمتهب وَطْؤُهَا مَعَ هَذَا الِاحْتِمَال لَكِن قِيَاس ابْن الْحداد يَقْتَضِي الْمَنْع فِي هَذَا أَيْضا وَيحسن هَذَا الِاحْتِيَاط للبضع إِذا كَانَ الْمَرَض مخطرا أَولا مَال لَهُ سواهُ إِذْ يظْهر هَذَا الِاحْتِمَال

الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الْمَوَانِع للنِّكَاح فِي الناكح والمنكوحة وَهِي أَرْبَعَة أَجنَاس الأول مَا يُوجب الْمَحْرَمِيَّة وَالثَّانِي مَا يتَعَلَّق بِعَدَد وَلَا يُوجب حُرْمَة مُؤَبّدَة وَالثَّالِث الرّقّ وَالْملك وَالرَّابِع الْكفْر

الْجِنْس الأول الْمَحْرَمِيَّة وَذَلِكَ يحصل بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة الْمَانِع الأول النّسَب وَيحرم جَمِيع الْأَقَارِب إِلَّا أَوْلَاد الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات وأصناف الْمُحرمَات سَبْعَة ذكرهن الله تَعَالَى فِي قَوْله {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} الْآيَة أما الْأُم فَهِيَ كل أُنْثَى انْتَهَيْت إِلَيْهَا بِالْولادَةِ بِوَاسِطَة أَو غير وَاسِطَة كَانَت الْوَاسِطَة ذكرا أَو أُنْثَى واندرجت تَحْتَهُ الْجدَّات وَأما الْبِنْت فَهِيَ كل أُنْثَى تَنْتَهِي إِلَيْك بِالْولادَةِ بِوَاسِطَة وَغير وَاسِطَة كَمَا سبق واندرج فِيهِ الأحفاد

وَأما الْأُخْت فَهِيَ كل أُنْثَى وَلَدهَا أَبوك وأمك أَو أَحدهمَا وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت كبناتك مِنْك والعمة كل امْرَأَة وَلَدهَا أجدادك أَو جداتك من قبل الْأَب وَلَا يحرم أَوْلَادهَا وَالْخَالَة كل امْرَأَة وَلَدهَا أجدادك أَو جداتك من قبل الْأُم والفظ الْجَامِع أَنه يحرم على الرجل أُصُوله وفصوله وفصول أول أُصُوله وَأول فصل من كل أصل بعده أصل

فرع إِذا ولدت من الزِّنَا لم يحل لَهَا نِكَاح وَلَدهَا والمخلوقة من مَاء الزِّنَا لَا يحرم نِكَاحهَا على الزَّانِي لِأَنَّهَا تنفصل عَن الْأُم وَهِي إِنْسَان وَبَعض مِنْهَا وتنفصل عَن الْفَحْل وَهُوَ نُطْفَة فعلة تَحْرِيمه النّسَب الشَّرْعِيّ وَقد انْتَفَى وَلَو كَانَ بَعْضًا حَقِيقِيًّا مِنْهُ لما انْعَقَد ولد الْحر رَقِيقا فِي مَنْكُوحَة رقيقَة كَمَا لَا تَلد الْحرَّة رَقِيقا من زوج رَقِيق أما المنفية بِاللّعانِ فَهَل تحرم على النَّافِي فِيهِ وَجْهَان وَجه التَّحْرِيم أَنَّهَا عرضة اللحوق بِسَبَب الْفراش إِن كذب نَفسه

الْمَانِع الثَّانِي الرَّضَاع قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب فَتحرم مِنْهُ الْأُم وَالْبِنْت وَالْأَخ وَالْأُخْت وبناتهما والعمة وَالْخَالَة وأمك كل امْرَأَة أَرْضَعتك أَو أرضعت من أَرْضَعتك أَو أرضعت من يرجع نسبك إِلَيْهِ من جِهَة أَبِيك أَو أمك وَكَذَلِكَ كل امْرَأَة يرجع نسب الْمُرضعَة إِلَيْهَا وكل امْرَأَة يرجع نَسَبهَا إِلَى هَذِه الْمُرضعَة من قبل أَبِيهَا أَو أمهَا فَهِيَ أختك وَكَذَلِكَ كل

امْرَأَة أرضعتها أمك بلبان أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأَب وَالأُم وَإِن أرضعتها أمك بلبان غير أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأُم وَإِن أرضعتها أجنيبة بلبان أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأَب وَكَذَلِكَ قِيَاس العمات وَسَيَأْتِي فِي كتاب الرَّضَاع شَرحه فرع لَو اخْتلطت أُخْته من الرَّضَاع بِأَهْل بلد أَو قَرْيَة لَا ينحصرون فِي الْعَادة فَلهُ أَن ينْكح من شَاءَ كَمَا لَو غصب شَاة فِي بَلْدَة فَلَا يحرم عَلَيْهِ اللَّحْم

وَلَو اخْتلطت بِعشر أَو عشْرين أَو عدد مَحْصُور على الْجُمْلَة فَيلْزمهُ اجْتِنَاب الْكل لِأَن يَقِين التَّحْرِيم عَارض يقيت الْحل فِي عدد وَقيل يجوز الهجوم وَهُوَ بعيد الْمَانِع الثَّالِث الْمُصَاهَرَة والمحرمات بالمصاهرة أَربع أم الزَّوْجَة وجداتها من الرَّضَاع وَالنّسب وبنتها وحفدتها من الرَّضَاع وَالنّسب وَزَوْجَة الابْن والحفدة وَزَوْجَة الْأَب وَالْجد وَيحرم الْجَمِيع بِمُجَرَّد النِّكَاح إِلَّا بنت الزَّوْجَة فَلَا تحرم إِلَّا بِالدُّخُولِ قَالَ الله تَعَالَى {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن} وَالْوَطْء الْحَلَال بِملك الْيَمين وَالْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يحرم الْأَرْبَع كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاح

بِخِلَاف الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يحرم خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ الشُّبْهَة كالحقيقة فِي جلب الْمُحرمَات كالعدة وَالْمهْر وَالنّسب وَسُقُوط الْحَد لَكِن يرجع فِي وجوب الْمهْر إِلَى الِاشْتِبَاه عَلَيْهَا فَقَط وَينظر فِي ثُبُوت النّسَب وَالْعدة إِلَى الِاشْتِبَاه عَلَيْهِ وَقيل فِي الْمُصَاهَرَة إِنَّه تَكْفِي الشُّبْهَة من أحد الْجَانِبَيْنِ وَقيل لَا بُد من الِاشْتِبَاه على الرجل لِأَنَّهُ قرينَة النّسَب فِي كتاب الله تَعَالَى وَقيل لَا بُد فِيهِ من الِاشْتِبَاه عَلَيْهِمَا جَمِيعًا

وَالصَّحِيح أَن مُجَرّد الْمُلَامسَة لَا يقوم مقَام الْوَطْء فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة كَانَت بِالشُّبْهَةِ أَو فِي النِّكَاح وَفِيه قَول آخر أَنه يلْتَحق بِهِ وَقيل يطرد ذَلِك القَوْل فِي النّظر بِالشُّبْهَةِ أَيْضا

الْجِنْس الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بتعبد عددي وَلَا تتأبد بِهِ الْحُرْمَة وَهِي ثَلَاث الْمَانِع الأول نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت قَالَ الله تَعَالَى {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف} فَقيل أَرَادَ مَا سلف قبل التَّحْرِيم فَلَا يرد وَقيل مَا سلف فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ ألحق بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيع الْمَحَارِم فَقَالَ لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا وَالضَّابِط أَن كل شَخْصَيْنِ بَينهمَا قرَابَة أَو رضَاع لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حرم النِّكَاح بَينهمَا فَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا

واحترزنا بِالْقَرَابَةِ وَالرّضَاع عَن الْجمع بَين الْمَرْأَة وَأم زَوجهَا أَو ابْنة زَوجهَا فَإِن ذَلِك جَائِز وَإِن كَانَ النِّكَاح يحرم بَينهمَا لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا ثمَّ ألحق الْفُقَهَاء ملك الْيَمين بِالنِّكَاحِ حَتَّى قَالُوا لَو اشْترى أمة وَوَطئهَا حرمت عَلَيْهِ أُخْتهَا وخالتها وعمتها فَإِن ملك الْجَمِيع فَمَا لم يحرم الْمَوْطُوءَة على نَفسه بِبيع أَو عتق أَو تَزْوِيج أَو كِتَابَة فَلَا يحل لَهُ وَطْء الْبَاقِيَات وَلَا تقوم الْعَوَارِض الْمُحرمَة مقَام البيع كالحيض وَالْعدة بِالشُّبْهَةِ وَالرِّدَّة وَالْإِحْرَام وَفِي الرَّهْن وَالْبيع بِشَرْط الْخِيَار خلاف وَتحل الْأُخْت بِالطَّلَاق الْبَائِن وَلَا تحل بِالطَّلَاق الرَّجْعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تحل أَيْضا بالبائن وَكَذَا الْخلاف فِي نِكَاح الْخَامِسَة فرع لَو وطئ أمة ثمَّ نكح أُخْتهَا الْحرَّة صَحَّ النِّكَاح وَحرمت الْأمة وَلَيْسَ كَمَا لَو

نَكَحَهَا ثمَّ نكح عَلَيْهَا أُخْتهَا فَإِن الطَّارِئ لَا يَصح لِأَن ملك الْيَمين ضَعِيف فِي مَقْصُود الْوَطْء فَلَا يدْفع النِّكَاح الْمَقْصُود بل يدْفع بِهِ حلّه وَلَو اشْترى الرجل منكوحته صَحَّ الشِّرَاء وانفسخ النِّكَاح لِأَن ملك الْيَمين أقوى فِي نَفسه

الْمَانِع الثَّانِي الزِّيَادَة على الْأَرْبَع مُمْتَنع على الْحر وَالثَّالِثَة فِي حق العَبْد كالخامسة فِي حق الْحر فَلَا يزِيد العَبْد على اثْنَتَيْنِ وَقَالَ مَالك ينْكح العَبْد أَرْبَعَة فرع لَو نكح خمْسا فِي عقد فَالْعقد بَاطِل فِيهِنَّ وَلَو كَانَ فِيهِنَّ أختَان بَطل فيهمَا وَفِي الْبَاقِيَات قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَكَذَا لَو جمع بَين مُعْتَدَّة وخلية من الْعدة فَفِي الخلية الْقَوْلَانِ

الْمَانِع الثَّالِث اسْتِيفَاء عدد الطَّلَاق فَلَا تحل الْمُطلقَة ثَلَاثًا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ويطأ فِي نِكَاح صَحِيح ثمَّ يطلقهَا وتنقضي عدتهَا وَلَا يحصل بِالْوَطْءِ فِي ملك الْيَمين وَالْمذهب أَنه لَا يحصل بِالْوَطْءِ فِي نِكَاح فَاسد وَيحصل بِوَطْء الصَّبِي ونزولها على الزَّوْج وَهُوَ نَائِم وبالاستدخال خَال من غير انتشار وَفِيه وَجه بعيد وَيحصل بِمُجَرَّد تغييب الْحَشَفَة أَو مِقْدَار الْحَشَفَة من مَقْطُوع الْحَشَفَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من تغييب الْجَمِيع إِذا زَالَت الْحَشَفَة وَمن لطائف الْحِيَل للفرار من الغيظ أَن يَشْتَرِي عبدا صَغِيرا ويزوجها مِنْهُ ثمَّ يستدخل زبيبة الصَّغِير وَلَو مَعَ حَائِل من ثوب ثمَّ يَبِيع العَبْد مِنْهَا حَتَّى يَنْفَسِخ النِّكَاح فَيحصل التَّحْلِيل إِلَّا إِذا قُلْنَا لَا يجوز إِجْبَار الصَّغِير فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ

قُلْنَا قيل أَرَادَ بِهِ طَالب الْحل من نِكَاح الْمُتْعَة وَهُوَ الْمُؤَقت رسما وَسمي محللا وَإِن لم يحلل لَهُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدهُ وَيطْلب الْحل مِنْهُ وَأما طَالب الْحل من طَرِيقه فَلَا يسْتَوْجب اللَّعْن وَقيل إِنَّمَا لعن مَعَ حُصُول التَّحْلِيل لِأَن التمَاس ذَلِك هتك للمروءة والملتمس هُوَ الْمُحَلّل لَهُ وإعارة النَّفس فِي الْوَطْء لعرض الْغَيْر أَيْضا رذيلة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَطَؤُهَا ليعرضها لوطء الْغَيْر وَهُوَ قلَّة حمية وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِك هُوَ التيس الْمُسْتَعَار

وَإِنَّمَا يكون ذَلِك مستعارا إِذا سبق مِنْهُ التمَاس من الْمُطلق وَمن عرض الْوَطْء الْغَيْر من هِيَ منكوحته أَو من كَانَت منكوحته أَو سَتَكُون منكوحته فَهُوَ مزموم جدا فَلَا يبعد أَن يلعن وَلَا يَقْتَضِي هَذَا اللَّعْن بطلَان العقد لِأَنَّهُ سَمَّاهُ مَعَ ذَلِك محللا إِلَّا أَنه إِذا شَرط الطَّلَاق فِي نفس العقد فَإِنَّهُ يفْسد على وَجه كالتأقيت وَلَا يفْسد على وَجه لِأَنَّهُ شَرط فَاسد كَمَا لَو شَرط أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَلَا يُسَافر بهَا وكسائر الشَّرَائِط الْمفْسدَة للمهر وَأما التَّأْقِيت فَإِنَّهُ وضع للْعقد قاصرا على مُدَّة وَلَا يُمكن الِاقْتِصَار وَلَا التسرية أما إِذا قَالَ بِشَرْط أَن لَا تحل لَك فَيَنْبَغِي أَن يفْسد لِأَنَّهُ يَجْعَل اللَّفْظ متناقضا وَلَو قَالَ بِشَرْط أَن لَا تطأها فَفِيهِ وَجْهَان

وَهَذِه الشُّرُوط إِذا لم تقارن العقد لَا تضر وَفِيه وَجه بعيد أَن الْمُقدم كالمقارن أخذا من مهر السِّرّ وَالْعَلَانِيَة كَمَا سَيَأْتِي وعَلى هَذَا لَا يَصح التَّحْلِيل بالالتماس إِلَّا إِذا زوج مُطلقًا ثمَّ التمس الطَّلَاق بعد العقد

الْجِنْس الثَّالِث من الْمَوَانِع الرّقّ وَالْملك أما الرّقّ فمانع على الْجُمْلَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْأَحْوَال فَلَا يجوز للْحرّ الْمُسلم أَن ينْكح الْأمة إِلَّا بِخَمْسَة شَرَائِط ثَلَاثَة فِيهِ وَهُوَ فقد الْحرَّة تَحْتَهُ وفقد طول الْحرَّة وَخَوف الْعَنَت وَاثْنَانِ فِي الْأمة وَهِي أَن تكون مسلمة ومملوكة لمُسلم الشَّرْط الأول أَلا يكون تَحْتَهُ حرَّة فَإِن كَانَت تَحْتَهُ رتقاء أَو هرمة أَو غَائِبَة أَو كِتَابِيَّة لم يجز أَيْضا نِكَاح الْأمة بل يجب عَلَيْهِ طَلاقهَا بِخِلَاف مَا إِذا وجد مَالا وَلكنه

غَائِب فَإِنَّهُ كالفاقد للطول الشَّرْط الثَّانِي فقد طول الْحرَّة فَمن لَيْسَ تَحْتَهُ حرَّة وَلكنه قَادر عَلَيْهَا لم يجز لَهُ نِكَاح الْأمة لقَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات} الْآيَة وَيجوز للْمُفلس نِكَاح الْأمة وَإِن وجد حرَّة ترْضى بِمهْر مُؤَجل جَازَ لِأَن الْأَجَل سيحل وَهُوَ مُعسر وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهُ مَال غَائِب وَهُوَ يخَاف الْعَنَت فِي الْحَال قبل الْقُدْرَة على المَال وَكَذَلِكَ إِذا رضيت الْحرَّة بِدُونِ مهر الْمثل وَملك ذَلِك الْقدر لِأَنَّهُ لَا يلْزمه تحمل الْمِنَّة وَفِيه وَجه آخر اخْتَارَهُ الصيدلاني أَنه لَا يجوز لَهُ نِكَاح الْأمة لِأَن الْمِنَّة بِالْمهْرِ مستحقر فِي النِّكَاح بِخِلَاف الْمِنَّة فِي بيع المَاء وَالثَّوْب السَّاتِر للعورة فِي الصَّلَاة وَلَو وجد مَالا وَلم يجد حرَّة ينْكِحهَا جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة وَلَو لم يجد إِلَّا حرَّة تغاليه فِي الْمهْر مغالاة يعد احْتِمَال ذَلِك سَرفًا بِالْإِضَافَة إِلَى مَقَاصِد النِّكَاح فَلهُ نِكَاح الْأمة وَإِن كَانَ ذَلِك قدرا قَرِيبا لم يرخص بِسَبَبِهِ وَكَذَلِكَ الْوَلِيّ إِذا نقص من مهر الْمثل قدرا يحْتَمل ذَلِك لأغراض النِّكَاح فَلَا يَنْبَغِي أَن يثبت الْإِعْرَاض للْمَرْأَة بل إِذا أفرط فِي النُّقْصَان فَإِن مَقَاصِد النِّكَاح تغطي على هَذِه المحقرات وَكَذَلِكَ لَو لم يجد إِلَّا حرَّة غَائِبَة غيبَة قريبَة يحْتَمل مثلهَا فِي مَقَاصِد النِّكَاح لم ينْكح الْأمة وَإِن كَانَت بَعيدا نكح الْأمة وَلَو لم يجد إِلَّا حرَّة كِتَابِيَّة جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة على أحسن الْوَجْهَيْنِ لِأَن الحذر

من مُخَالطَة المشركات مُهِمّ وَيشْهد لَهُ ظَاهر قَوْله {الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات} الشَّرْط الثَّالِث خوف الْعَنَت وَإِنَّمَا يتم ذَلِك بِغَلَبَة الشَّهْوَة وَضعف عِصَام التَّقْوَى وَلَا يشْتَرط فِي الْخَوْف غَلَبَة وُقُوع الزِّنَا بل توقع وُقُوعه كَمَا أَن الطَّرِيق الْمخوف هُوَ الَّذِي يتَوَقَّع فِيهِ الْهَلَاك وَإِن لم يغلب والأمن هُوَ أَن لَا يتَوَقَّع وَإِن كَانَ ذَلِك مُمكنا على الندور وَمن ضعفت شَهْوَته وَقَوي تقواه فَهُوَ آمن وَمن غلب عَلَيْهِ شَهْوَته وَلكنه راسخ التَّقْوَى فَإِن كَانَ يُفْضِي بِهِ الصَّبْر إِلَى مرض فَلْيَنْكِح الْأمة وَإِلَّا فالصبر أحسن من إرقاق الْوَلَد وَلَا يبعد أَن يترخص وَلَا يُكَلف الْمَشَقَّة فِي مصابرة الشَّهْوَة وَمن قدر على التَّسَرِّي فَالظَّاهِر أَنه لَا ينْكح الْأمة لِأَنَّهُ لَا يخَاف الْعَنَت وَفِيه وَجه أَنه ينْكح لِأَن ملك الْيَمين لَا يقْصد بِهِ التحصن الشَّرْط الرَّابِع فِي الْأمة وَهِي أَن تكون مسلمة فَلَا يحل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ للْمُسلمِ نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة بِحَال لقَوْله تَعَالَى {من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} وَكَأن الأَصْل فِي المشركات وَالْإِمَاء التَّحْرِيم وَهَذَا مُسْتَثْنى مَعَ التَّقْيِيد الشَّرْط الْخَامِس أَن تكون مَمْلُوكَة لمُسلم حَتَّى لَا يرق ولد الْمُسلم لكَافِر وَفِي هَذَا الشَّرْط خلاف وَلَعَلَّ الظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ إِن رق لكَافِر فَيُبَاع عَلَيْهِ فِي الْحَال

واختتام الشَّرَائِط بأمرين أَحدهمَا أَن العَبْد لَا تعْتَبر فِيهِ الشَّرَائِط كلهَا إِلَّا الشَّرْط الرَّابِع وَالْخَامِس بل الْأمة فِي حَقه كَالْحرَّةِ حَتَّى يجوز لَهُ الْجمع بَين الأمتين وَلَا يجوز للْحرّ الْجمع بَين أمتين بِحَال وَهَذَا لِأَن الْمَحْذُور من نِكَاح الْإِمَاء إرقاق الْوَلَد وَالْعَبْد رَقِيق لَيْسَ عَلَيْهِ النّظر لوَلَده الْمَوْجُود فَلَا يُؤمر بِالنّظرِ لوَلَده الْمَفْقُود وَالْمكَاتب وَمن نصفه رَقِيق فِي هَذَا كَالْعَبْدِ كَمَا أَن من نصفهَا رَقِيق كالأمة حَتَّى تفْتَقر إِلَى الشَّرَائِط فِي نِكَاح الْحر إِيَّاهَا نعم يحْتَمل تردد فِي أَن من قدر على مثلثها هَل يجوز لَهُ نِكَاح أمة كَامِلَة الرّقّ لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد أَهْون من إرقاق جَمِيعه وَأما الْحر الْكِتَابِيّ فَهُوَ كَالْمُسلمِ فِي شَرَائِط النِّكَاح إِلَّا فِي نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة إِذْ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْكَافِر يُزَوّج أمته وَذَلِكَ يدل على أَن تَزْوِيجهَا مُمكن وَيتَّجه ذَلِك من حَيْثُ إِن الْكفْر لَيْسَ نقصا فِي حق الْكَافِر وَلَكِن هَذَا ينْقضه نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن العَبْد الْمُسلم لَا ينْكح الْأمة الْكِتَابِيَّة وَالرّق لَيْسَ نقصا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ لما اعتورها نُقْصَان فِي حَقه فَمن الْأَصْحَاب من جعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ وَيرجع الْخلاف إِلَى أَن الْأمة الْكِتَابِيَّة هَل هِيَ مُحرمَة فِي عينهَا كالوثنيات أَو هِيَ مُحرمَة لِاجْتِمَاع النقصين الْأَمر الثَّانِي أَن شَرط فقد الْحرَّة وطولها وَخَوف الْعَنَت يعْتَبر فِي ابْتِدَاء النِّكَاح دون دَوَامه فَلَو نكح حره على أمة يجوز وَقَالَ الْمُزنِيّ يَنْقَطِع نِكَاحهَا بوجدان طول الْحرَّة وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا فضلا عَن وجودهَا وَلم يطرد ذَلِك فِي زَوَال خوف الْعَنَت

وَأما إِسْلَام الْمَالِك إِن شرطناه فَلَا شكّ فِي أَنه لَا يعْتَبر فِي الدَّوَام فرع لَو جمع بَين حرَّة وَأمة فِي عقد وَاحِد بَطل نِكَاح الْأمة وَفِي نِكَاح الْحرَّة قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة الْأَصَح وَهُوَ نَص الْقَدِيم صِحَة نِكَاح الْحرَّة لِأَن النِّكَاح لَا يفْسد بِفساد الْمهْر فَكيف يفْسد بِفساد الْقَرِينَة المباينة لَهُ وَلَو جمع بَينهمَا من يحل لَهُ نِكَاح الْأمة مَعَ الْقُدْرَة على الْحرَّة وَهِي أَن تكون هَذِه الْحرَّة رضيت بِدُونِ مهر الْمثل وَقُلْنَا لَا يلْزمه تقلد الْمِنَّة فَلَا يَصح هَاهُنَا نِكَاح الْأمة لِأَن الْأمة لَا تضام الْحرَّة فَلَا يَصح إِلَّا إِذا سبق نِكَاحهَا وَهَا هُنَا لم يسْبق وَأما نِكَاح الْحرَّة فطريقان أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ والاخر الْقطع بِالْفَسَادِ كَمَا لَو جمع بَين أُخْتَيْنِ فَإِنَّهُ الْآن قَادر عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا بعيد لِأَن إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَيست أولى بِالدفع وَهَاهُنَا الْأمة أولى بِالدفع

الْمَانِع الثَّانِي الْملك وَهُوَ وَرَاء الرّقّ فَإِن من يحل لَهُ نِكَاح الْأمة لَا يحل لَهُ أَن ينْكح أمة نَفسه وَإِن قُلْنَا إِن الْقُدْرَة على التَّسَرِّي لَا تمنع نِكَاح الْأمة بل لَو اشْترى زَوجته أَو ورثهَا انْفَسَخ النِّكَاح وَكَذَلِكَ لَا تنْكح الْحرَّة عبد نَفسهَا وَلَو اشترت زَوجهَا العَبْد أَو ورثته انْفَسَخ النِّكَاح

الْجِنْس الرَّابِع من الْمَوَانِع الْكفْر وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي أَصْنَاف الْكفَّار وَهِي ثَلَاثَة الصِّنْف الأول أهل الْكتاب وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وكفرهم أخف فَتحل مناكحتهم وذبائحهم وحكمهم فِي حُقُوق النِّكَاح كالمسلمات إِلَّا فِي الْمِيرَاث إِذْ لَا إِرْث مَعَ اخْتِلَاف الدّين وَلَا كَرَاهِيَة فِي نِكَاحهنَّ فَإِن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك وَقَالَ مَالك يكره نِكَاحهنَّ نعم الحربية الْكِتَابِيَّة يكره نِكَاحهَا فَإِن صُحْبَة الْكفَّار فِي دِيَارهمْ توجب الافتتان وَرُبمَا تسبى الحربية وَهِي حَامِل بِولد مُسلم والكراهية تثبت بِأَقَلّ من هَذَا

الصِّنْف الثَّانِي عَبدة الْأَوْثَان والمعطلة والدهرية وَمن لَا يقر بالجزية فَلَا يحل نكاحهم وذبائحهم وَتدْخل فيهم الْمُرْتَدَّة الصِّنْف الثَّالِث الْمَجُوس ويسلك بهم مَسْلَك أهل الْكتاب فِي التَّقْرِير بالجزية دون المناكحة والذبيحة وَحكي فِي مناكحتهم قَول بعيد للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَلَا وَجه لَهُ وَقيل كَانَ لَهُم كتاب فَأُسْرِيَ بِهِ ثمَّ حق الْكِتَابِيَّة فِي الْقسم وَالنَّفقَة وَسَائِر الْحُقُوق كالمسلمة وللمسلم منعهَا من الْخُرُوج إِلَى الْكَنَائِس كَمَا لَهُ منع الْمسلمَة من الْمَسَاجِد وَله أَن أَن يلْزمهَا الْغسْل من الْحيض حَتَّى تحل لَهُ وَهل يلْزمهَا الْغسْل من الْجَنَابَة لأجل العيافة فِيهِ قَولَانِ وَكَذَلِكَ فِي إِلْزَام الاستحداد الَّذِي يكسر

الشَّهْوَة تَركه وَكَذَلِكَ فِي الْمَنْع من تنَاول الْخِنْزِير والمستقذرات وَأكل الثوم وكل ذَلِك فِي الْمسلمَة أَيْضا

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَقسَام أهل الْكتاب فَنَقُول من آمن أول آبَائِهِ قبل التحريف أَو بعده وَلَكِن علم المحرف وَلم يُؤمن بِهِ وَكَانَت من نسب بني إِسْرَائِيل فقد اجْتمع لَهما الشرفان فَيصح نِكَاحهَا قطعا وَإِن لم تكن من بني إِسْرَائِيل فَفِي جَوَاز نِكَاحهَا قَولَانِ وَإِن كَانَ أول آبائها آمن بعد التحريف فَفِي جَوَاز نِكَاحهَا أَيْضا قَولَانِ وَإِن شككنا فِي ذَلِك فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ وَلَا خلاف فِي أَن من آمن أول آبَائِهِ بعد المبعث أَو شككنا فِي ذَلِك لم تحل مناكحته وَإِذا آمن أول آبَاء الْيَهُودِيَّة بعد نزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَهَل يكون كَمَا بعد المبعث فِيهِ وَجْهَان والأقيس أَلا يعْتَبر نسب بني إِسْرَائِيل وَلَا يقدم إِيمَان الْآبَاء على التحريف

وَأما الصابئون والسامرة وهم من طوائف الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبينهمْ خلاف فِي الِاعْتِقَاد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي مَوضِع على جَوَاز مناكحتهم وَنَصّ فِي مَوضِع على خِلَافه وَاتفقَ جَمَاهِير الْأَصْحَاب على أَن الْمَسْأَلَة لَيست على قَوْلَيْنِ وَلَكِن ظن

الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مرّة أَنهم يخالفون الْقَوْم فِيمَا يُوجب التَّكْفِير فتلتحق بالزنادقة وَظن مرّة أَنهم يخالفون فِيمَا يُوجب الْبِدْعَة وَنِكَاح المبتدعة صَحِيح وَأطلق الشَّيْخ أَبُو عَليّ طرد الْقَوْلَيْنِ

الْفَصْل الثَّالِث فِي تَبْدِيل الدّين وَله صور إِحْدَاهَا أَن يتنصر يَهُودِيّ أَو يتهود نَصْرَانِيّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يُقرر عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا دينان متساويان الْآن وَالثَّانِي أَنه لَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ وَلَو عَاد إِلَى تنصره لم يكفه لِأَنَّهُ أبطل تِلْكَ الْعِصْمَة فَلَا يستحدثه بعد المبعث عصمَة وَالثَّالِث أَنه لَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ أَو بِالْعودِ إِلَى التنصر فَإِن أصر وَقُلْنَا لَا يقر عَلَيْهِ فيلتحق بمأمنه أَو يقتل قتل الْمُرْتَد فِيهِ قَولَانِ الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يتنصر وَثني فَلَا يقر عَلَيْهِ أصلا لِأَنَّهُ لم يكن مَعْصُوما وَيُرِيد استحداث عصمَة بدين بَاطِل وَإِن توثن النَّصْرَانِي فَلَا يقر أصلا وَلَكِن فِي قَول لَا يقنع إِلَّا بِالْإِسْلَامِ وَفِي قَول يقنع بِالْإِسْلَامِ أَو بِالْعودِ إِلَى التنصر وَفِي قَول يقنع وَإِن عَاد إِلَى التهود الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يرْتَد مُسلم وَالْعِيَاذ بِاللَّه فالأديان فِي حَقه سَوَاء وَلَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالسَّيْفِ أَو الْإِسْلَام وَيمْتَنع نِكَاح الْمُرْتَد والمرتدة وَإِن طَرَأَ على دوَام النِّكَاح تنجزت الفرقه قبل الْمَسِيس وَإِن جرى بعد الْمَسِيس توقف على انْقِضَاء الْعدة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِن عَاد إِلَى

الْإِسْلَام اسْتمرّ العقد وَإِلَّا تبين بطلَان النِّكَاح بِنَفس الرِّدَّة وَكَذَلِكَ لَو ارتدا مَعًا فَهُوَ كَمَا لَو ارْتَدَّ أَحدهمَا وَكَذَلِكَ لَو أسلم أحد الزَّوْجَيْنِ المجوسيين أَو الوثنيين أَو أسلمت الْكِتَابِيَّة تَحت كَافِر تنجزت الْفرْقَة قبل الْمَسِيس وَتوقف على الْعدة بعد الْمَسِيس وَلَو أسلما مَعًا اسْتمرّ النِّكَاح فرع متولد من يَهُودِيّ ومجوسي فَفِي حل مناكحته قَولَانِ أَحدهمَا التَّحْرِيم تَغْلِيبًا لجَانب الْحُرْمَة وَالثَّانِي النّظر إِلَى جَانب الْأَب اعْتِبَارا للنسب ثمَّ قَالَ الْقفال هَذَا فِي الصَّغِير فَإِن بلغ وتمجس فَلهُ ذَلِك وَهُوَ مَجُوسِيّ وَيحْتَمل أَن يُقَال إِذا كَانَ أَبوهُ يَهُودِيّا لم يُمكن من التمجس بعد الْبلُوغ وَجعل كاليهودي يمجس

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا بَاب نِكَاح المشركات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا أَوَان ذكره لانشعاب مسَائِله عَن الْمَوَانِع السَّابِقَة وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي حكم أنكحة الْكفَّار فِي الصِّحَّة وَالْفساد وَكَانَ مُقْتَضى قِيَاس الشَّرْع وَعُمُوم خطابه أَن لَا يُخَالف نِكَاح الْكَافِر نِكَاح الْمُسلم ويرعى فِيهِ جَمِيع الشَّرَائِط حَتَّى لَا يحْتَاج إِلَى إِفْرَاد نِكَاحهنَّ بِنَظَر لَكِن رُوِيَ أَن فَيْرُوز الديلمي أسلم على أُخْتَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اختر إِحْدَاهمَا وَفَارق الْأُخْرَى وَأسلم غيلَان على عشر نسْوَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن فَحمل أَبُو

حنيفَة قَوْله اختر على الِاسْتِئْنَاف ووفى برعاية تَمام الشُّرُوط وَقضى بِأَن من أسلم على أُخْتَيْنِ تعيّنت السَّابِقَة واندفعت الثَّانِيَة وَإِن نَكَحَهَا فِي عقدَة اندفعتا جَمِيعًا كَمَا لَو أرضعت امْرَأَة صغيرتين نكحهما وَاحِد فَإِنَّهُمَا يندفعان إِلَّا أَن التَّأْوِيل الَّذِي ذكره بَاطِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك وَلِأَنَّهُ لم يعلمهُمْ شَرَائِط النِّكَاح وَلم ينْقل إنْشَاء العقد وَترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استفصال نِكَاح الْأُخْتَيْنِ مَعَ أَن الْغَالِب أَن تسبق إِحْدَاهمَا ففهم مِنْهُم أَنهم إِذا أَسْلمُوا لم يؤاخذوا بشرائط الْإِسْلَام وَلَكِن وَلَكِن إِن كَانَ الْمُفْسد مُقَارنًا دفعناه وَلذَلِك أمرناه بِاخْتِيَار إِحْدَاهمَا إِذْ الْجمع مُفسد مُقَارن فَتحصل من هَذَا أَنه لَو نكح بِغَيْر ولي وشهود أَو فِي عدَّة وَأسلم بعد انْقِضَاء الْعدة قَرَّرْنَاهُ على النِّكَاح وَأما إِن كَانَ الْمُفْسد مُقَارنًا لحَال الْإِسْلَام لم يُقرر كَمَا لَو أسلم على محرم

نَكَحَهَا من أم أَو بنت أَو غَيرهمَا أَو نَكَحَهَا مُعْتَدَّة وأسلما أَو أَحدهمَا قبل انْقِضَاء الْعدة وَكَذَلِكَ لَو نكح مؤقتا واعتقدوا صِحَّته مؤقتا وأسلما قبل انْقِضَاء الْوَقْت لَا يُقرر عَلَيْهِ لِأَن التَّأْبِيد على خلاف اعْتِقَادهم وَتَقْرِيره مؤقتا فَاسد فِي الْإِسْلَام وَإِن اعتقدوه مأبدا قرروا عَلَيْهِ وَلَو اغتصب كَافِر امْرَأَة واعتقدوه نِكَاحا قَالَ الْقفال لَا نقررهم عَلَيْهِ إِذْ لَا أقل من عقد وَقَالَ الصيدلاني يقرورن إِذْ اقامة الْفِعْل مقَام العقد لَيْسَ فِيهِ الا إخلال بِشُرُوط وَهُوَ مُتَّجه وَلَو نكحوا نِكَاحا واعتقدوه فَاسِدا وَهُوَ صَحِيح عندنَا قررناهم على الصَّحِيح وَإِن كَانَ فَاسِدا عندنَا لم نقررهم لِأَن الرُّخْصَة بالتقرير إِنَّمَا ورد فِيمَا اعتقدوه نِكَاحا أما الْمُفْسد الطَّارِئ بعد العقد كالعدة بِالشُّبْهَةِ فَلَا يدْفع النِّكَاح وَإِن اقْترن بِالْإِسْلَامِ لِأَن طارئها لَا يقْدَح فِي نِكَاح الْمُسلم فَكيف يقْدَح فِي نِكَاح الْكَافِر وَلَو نكح أمة ثمَّ حرَّة وَأسلم عَلَيْهِمَا انْدفع نِكَاح الْأمة لِأَن إِذا لم نَنْظُر إِلَى التَّقَدُّم والتأخر فِي العقد على أُخْتَيْنِ فَكَذَا لَا نَنْظُر فِي العقد على حرَّة وَأمة وَيجْعَل ذَلِك كمفسد لنكاح الْأمة قَارن العقد وَالْإِسْلَام واليسار الطَّارِئ بعد نِكَاح الامة إِذا دَامَ إِلَى إسلامهما يدْفع نِكَاح الْأمة وَهَذَا يُخَالف مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْعدة الطارئة وَالْفرق غامض وَوَجهه أَن فقد قدرَة الطول أحد شرطي نِكَاح الْأمة فَكَانَ بطرآن الْحرَّة أشبه وَلِأَن إرقاق الْوَلَد مُفسد نِكَاح الْقَادِر وَهُوَ مُقَارن لِلْإِسْلَامِ دَائِما فَيُشبه الْمَحْرَمِيَّة

الْمُقَارنَة وَأما الْعدة الطارئة فينتظر زَوَالهَا على قرب وَكَذَلِكَ لَو أسلم أحد الزَّوْجَيْنِ وَأحرم فَأسلم الثَّانِي لم ينْدَفع النِّكَاح كَمَا فِي الْعدة الطارئة وَبِخِلَاف وجود الْحرَّة وَحكي عَن الْقفال أَنه ألحق الْعدة وَالْإِحْرَام بِالْحرَّةِ وَقضى باندفاع النِّكَاح وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بِنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أسلم أَحدهمَا بعد الْمَسِيس وارتد ثمَّ أسلم الثَّانِي انْدفع نِكَاحهَا وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن الرِّدَّة تضَاد النِّكَاح وَلذَلِك نتبين بعد انْقِضَاء الْعدة من وَقت الرِّدَّة إِذا أصر وَالْعدة وَالْإِحْرَام لَا يضادهما وَلذَلِك لَا تصح رَجْعَة الْمُرْتَدَّة وَتَصِح رَجْعَة الْمُحرمَة والمعتدة عَن الشبة على الصَّحِيح ثمَّ قطع الصيدلاني والجماهير بِأَن الْمُفْسد إِن قَارن إِسْلَام أَحدهمَا كفى إِلَّا فِي الْيَسَار فَإِنَّهُ لم يلْتَفت إِلَى وجوده إِلَّا حَالَة اجْتِمَاعهمَا فِي الْإِسْلَام وَلَو نكح مُعْتَدَّة فَأسلم أَحدهمَا قبل تَمام الْعدة وَالْآخر بعد تَمام الْعدة لم يُقرر وَكَذَلِكَ لَو أسلم على حرَّة وَأمة فاسلمت الْحرَّة وَمَاتَتْ ثمَّ أسلمت الْأمة اندفعت الْأمة بِوُجُود الْحرَّة عِنْد إِسْلَام الزَّوْج وَلَو أسلم مُوسِرًا على أمة ثمَّ أعْسر فَأسْلمت قرر عَلَيْهَا وَغَايَة الْفرق أَن تَأْثِير الْيَسَار فِي دفع الْأمة أَضْعَف لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من ظَاهر الْخطاب الْوَارِد مَعَ الْمُؤمنِينَ فَلَا يظْهر أَثَره فِي حق الْكَافِر إِلَّا عِنْد الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام بِخِلَاف الْعدة والحرة ولضعف هَذَا الْفرق طرد أَبُو يحيى الْبَلْخِي الْقيَاس وَقضى بِأَنَّهُ إِذا أسلم مُوسِرًا وتخلف ثمَّ أسلمت بعد

إِعْسَاره لم يُقرر عَلَيْهَا وَزَاد فَقَالَ لَو أسلم مُعسرا ثمَّ أيسر فَأسْلمت قرر لِأَنَّهُ إِذا اعْتبر تِلْكَ الْحَالة فَمَا بعد ذَلِك طَارِئ لَا يُؤثر وَقد ثار الْخلاف بَين الْأَصْحَاب فِي أصلين أَحدهمَا أَن التَّقْرِير عِنْد الْإِسْلَام فِي حكم ابْتِدَاء نِكَاح أَو فِي حكم الإدامة فَقَالُوا فِيهِ قَولَانِ مستنبطان من كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ غير سديد إِذْ كَيفَ يَجْعَل فِي حكم الِابْتِدَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا تَمنعهُ عدَّة الشُّبْهَة وَالْإِحْرَام وَكَيف يَجْعَل إدامة واليسار الْمُقَارن وَإِن كَانَ طارئا بعد النِّكَاح يَدْفَعهُ بل الصَّحِيح أَنه مردد بَينهمَا لَا يتمحض فِيهِ أحد الْحكمَيْنِ وَكَأَنَّهُ بالرجعة أشبه فَإِنَّهُ أَيْضا كالمردد الثَّانِي أَن أنكحه الْكفَّار يحكم بِصِحَّتِهَا أَو فَسَادهَا أَو يتَوَقَّف إِلَى الْإِسْلَام ذكرُوا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا فَاسِدَة لِأَنَّهَا تخَالف الشَّرْع وَلَكنَّا نصححها بعد الْإِسْلَام رخصَة وَالثَّانِي أَنَّهَا صَحِيحَة بِدَلِيل التَّقْرِير فَإِن القَوْل بِالْفَسَادِ مَعَ التَّقْرِير محَال وَلِأَنَّهُ يحصل التَّحْلِيل بِوَطْء الذِّمِّيّ ويرجم الذِّمِّيّ لكَونه مُحصنا وَإِذا ترافعوا إِلَيْنَا قضينا بِالْمهْرِ والنفقه من غير بحث عَن شروطهم وَالثَّالِث أَنا نتوقف فَإِن أَسْلمُوا بَان الصِّحَّة فِيمَا يُقرر عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَام حَتَّى لَو نكح أُخْتَيْنِ فَاخْتَارَ فِي الْإِسْلَام إِحْدَاهمَا بَان صِحَة نِكَاحهَا وَفَسَاد نِكَاح الْأُخْرَى وميل ابْن

الْحداد إِلَى التَّوَقُّف وَهَذَا أقرب أما الْإِفْسَاد مَعَ إِيقَاع طلاقهم وَمَعَ التَّحْلِيل والإحصان والتقرير بعد الْإِسْلَام فَلَا وَجه لَهُ التَّفْرِيع إِن قضينا بِالْفَسَادِ من الأَصْل أَو التَّوَقُّف فَلَا مهر للَّتِي انْدفع نِكَاحهَا بِالْإِسْلَامِ إِذْ بَان الْفساد من الأَصْل وَلذَلِك إِذا طلق الْكَافِر زَوجته ثَلَاثًا ثمَّ أسلم لم يفْتَقر إِلَى الْمُحَلّل إِن قضينا بِفساد نِكَاحه وَإِن صححنا افْتقر إِلَيْهِ وَقَالَ ابْن الْحداد لَو نكح أُخْتَيْنِ وطلق كل وَاحِدَة ثَلَاثًا ثمَّ أَسْلمُوا خيرناه فَإِن اخْتَار وَاحِدَة تعيّنت للنِّكَاح وَنفذ الطَّلَاق الثَّلَاث فِيهَا وافتقر فِيهَا إِلَى مُحَلل وللأخرى نصف الْمهْر إِذا جرى الْإِسْلَام قبل الْمَسِيس قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِن حكمنَا بِصِحَّة أنكحتهم فَلَا حَاجَة إِلَى الِاخْتِيَار بل نفذ الطَّلَاق فيهمَا جَمِيعًا ويفتقر إِلَى مُحَلل فيهمَا وَإِن حكمنَا بِالْفَسَادِ لم ينفذ الطَّلَاق ويختار وَاحِدَة وَلَا مهر للثَّانِيَة وَإِن توقفنا فَهُوَ كَمَا قَالَه ابْن الْحداد إِلَّا فِي الْمهْر لِأَن على قَول التَّوَقُّف نتبين فَسَاد نِكَاح المندفعة بِالْإِسْلَامِ فَلَا مهر لَهَا لِأَنَّهَا اندفعت بِاخْتِيَار الثَّانِيَة وَالثَّانيَِة لما تعيّنت للنِّكَاح نفذ الطَّلَاق الثَّلَاث فِيهَا وافتقر إِلَى الْمُحَلّل فَإِن قيل فَمَا حكم صداقهن الْفَاسِد بعد الْإِسْلَام قُلْنَا إِذا أصدقهَا خمرًا أَو خنزيرا وقبضت ثمَّ أسلما فَلَا مهر لَهَا وَإِن كَانَ الْإِسْلَام قبل الْمَسِيس وَإِن أسلما قبل الْقَبْض وَبعد الْمَسِيس فلهَا مهر الْمثل وَلَا سَبِيل إِلَى قبض الْخمر

وَكَذَلِكَ فِي تقابضهم ثمن الْخمر وَقيمتهَا عِنْد الْإِتْلَاف لم نتعرض لما سبق اسْتِيفَاؤهُ وَلَا ننشئ فِي الْإِسْلَام حكما لأجل اعْتِقَادهم فَلَو قبض الْبَعْض دون الْبَعْض رَجَعَ إِلَى بعض مهر الْمثل فَلَو أصدقهَا ثَلَاثَة من الْكلاب وخنزيرين ورزق خمر فقبضت الْكلاب فَالصَّحِيح أَنه يقوم الْجَمِيع فَإِن كَانَ مَا قَبضته قدر الثُّلُث رَجَعَ إِلَى ثُلثي الْمهْر وَمِنْهُم من قَالَ لَا قيمَة لهَذِهِ الْأَشْيَاء فيوزع على الْعدَد وَترجع إِلَى نصف الْمهْر وَمِنْهُم من قَالَ يوزع على الْأَجْنَاس وَصورته أَن الْكلاب كلهَا تجْعَل كَلْبا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ الزقاق وَكَذَلِكَ الْخَنَازِير وَلَو نحكت بِغَيْر مهر واعتقدوا أَن لَا مهر للمفوضة فَلَا مهر لَهَا بعد الْإِسْلَام وَإِن أسلم قبل الْمَسِيس فَلَا مهر لأَنا لَا نتعرض لما سبق وَقد سبق اسْتِحْقَاق وَطْء بِلَا مهر هَذَا كُله إِذا أَسْلمُوا فَإِن ترافعوا إِلَيْنَا فِي أنكحتهم أَو فِي غَيرهَا قبل الْإِسْلَام فَيجوز لحاكمنا أَن يحكم بَينهم بِالْحَقِّ ويستتبعهم وَهل يجب عَلَيْهِ الحكم إِن كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ مُسلما وَجب وَإِن لم يكن فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يجب لقَوْله تَعَالَى {فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم}

وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يجب إِذا التزمنا الذب عَنْهُم وَدفع الظُّلم من جملَة الذب وَالْآيَة لم تنزل فِي أهل الذِّمَّة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَا مختلفي الْملَّة وَجب الحكم قطعا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَأما المعاهدون فَلَا يلْزمنَا الحكم بَينهم وَإِن كَانُوا مختلفي الْملَّة لأَنا شرطنا الْكَفّ عَنْهُم وَلم نلتزم لَهُم شَيْئا إِذْ لم يلتزموا لنا شَيْئا ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا الْإِجَابَة فمهما استعدى أحد الْخَصْمَيْنِ فَحَضَرَ الآخر وَلم يرض بحكمنا لم نحكم لأَنا إِنَّمَا نحكم عَلَيْهِم إِذا رَضوا بحكمنا فَإِن أَبَوا فَلَا نكلفهم مُوجبَات شرعنا

ثمَّ مهما طلبُوا تَقْدِير النَّفَقَة وَاسْتِيفَاء الْمهْر فِي انكحتهم حكمنَا بهَا وَإِن عقدوها بِغَيْر ولي وَلَا شُهُود وَهَذَا يُقَوي قَول التَّصْحِيح لَكِن لَو كَانَ الْمُفْسد قَائِما لم نحكم كَمَا لَو طلبت نَفَقَة فِي نِكَاح الْمَحَارِم وَلَو طلبت الْمَجُوسِيَّة النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كالمحرم فَإِنَّهَا مُحرمَة فِي عينهَا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَا بُد للمجوس من الْأَنْكِحَة وَهَذَا يُشِير إِلَى أَنَّهَا مُحرمَة على الْمُسلم خَاصَّة وَلَو طلبت نَفَقَة أُخْتَيْنِ فِي نِكَاح وَاجِد فَيَنْبَغِي أَن لَا نحكم لِأَن الْمَانِع قَائِم مُقَارن وَهُوَ مُخَالفَة ظَاهِرَة للشَّرْع بل الْقدر المسامح بِهِ أَن لَا يبْحَث عَمَّا سبق من شُرُوط أنكحتهم وَإِذا لم نحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَهَل يفرق بَينهم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تركا للتعرض وَالثَّانِي نعم لأَنهم أظهرُوا ذَلِك عندنَا فَصَارَ كَمَا لَو أظهرُوا خمورهم أرقناها

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَن يسلم الْكَافِر على عدد من النسْوَة لَا يُمكن الْجمع بَينهُنَّ كَمَا لَو أسلم على أُخْتَيْنِ أَو على خمس نسْوَة أَو على امْرَأَة وابنتها أَو على حرَّة وَأمة أَو على إِمَاء كَثِيرَة فَهَذِهِ خمس صور الأولى أَن يسلم على أُخْتَيْنِ فيختار إِحْدَاهمَا وتندفع الْأُخْرَى سَوَاء نَكَحَهَا فِي عقد وَاحِد أَو فِي عقدين فَإِن أسلمت مَعَه وَاحِدَة وَتَخَلَّفت الْأُخْرَى انْدفع نِكَاح المتخلفة إِلَّا إِذا كَانَ بعد الْمَسِيس فَإِنَّهُ ينْتَظر إسْلَامهَا قبل مُضِيّ الْعدة فَإِن أسلمت اخْتَار إِحْدَاهمَا وَإِن أصرت اندفعت المصرة وَهَذَا فِيهِ إِذا كَانَت المتخلفة وثنية أَو مَجُوسِيَّة فَإِن كَانَت كِتَابِيَّة فَلَا ينْدَفع نِكَاحهَا بالإصرار بل يجْرِي الِاخْتِيَار وَإِن أصررن على الْكفْر الثَّانِيَة إِذا أسلم على خمس نسْوَة فَصَاعِدا اخْتَار أَرْبعا واندفعت الْأُخْرَى سَوَاء نكحهن فِي عقد وَاحِد أَو فِي عُقُود وَحكم انْتِظَار إِسْلَام المتخلفة مِنْهُنَّ كانتظار الْأُخْت الثَّالِثَة أَن يسلم على امْرَأَة وابنتها فَإِن كَانَ قد دخل بهما فهما محرمان ومحرمتان فَلَا تَقْرِير عَلَيْهِمَا إِذْ وَطْء كل وَاحِدَة بِالشُّبْهَةِ يحرم الثَّانِيَة بالمصاهرة فَإِن

لم يدْخل بهما فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا كالأختين وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَن الْأُم تنْدَفع وَيبقى نِكَاح الْبِنْت لِأَن مُجَرّد نِكَاح الْبِنْت يدْفع نِكَاح الْأُم وَمُجَرَّد نِكَاح الْأُم لَا يَدْفَعهَا وَأما الْأخْتَان فَلَا تَرْجِيح لإحداهما على الْأُخْرَى وَيَنْبَنِي هَذَا الْخلاف على قَوْلَيْنِ فِي صِحَة أنكحتهم وفسادها وَقَول التَّخْيِير يستمد من قَول الْإِفْسَاد فَإِنَّهُ إِذا انْتَفَت الصِّحَّة لم يعْهَد نِكَاح الْبِنْت صَحِيحا قبل الْإِسْلَام حَتَّى يدْفع نِكَاح الْأُم لَكِن الْخلاف مُحْتَمل دون هَذَا الْبناء بل هُوَ مُحْتَمل فِيمَا لَو نكح الْمُسلم امْرَأَة وَأمّهَا فِي عقد وَاحِد إِذْ يحْتَمل أَن ينْعَقد على الْبِنْت بِهَذَا التَّرْجِيح كَمَا لَو جمع بَين حرَّة مُسَامَحَة بِالْمهْرِ وَأمة وَقد ذكرنَا خلافًا فِي أَنه هَل ينْعَقد نِكَاح الْحرَّة لترجيح جَانبهَا بِأَن نِكَاحهَا يدْفع نِكَاح الْأمة وَنِكَاح الْأمة لَا يَدْفَعهَا ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد وَإِن قُلْنَا بالتخيير فللمفارقة نصف الْمهْر لِأَنَّهَا بَانَتْ بِاخْتِيَارِهِ قَالَ الْقفال هَذَا بِالْعَكْسِ أولى فَإِن التَّخْيِير بِنَاء على القَوْل بِفساد أنكحتهم قبل الْإِسْلَام فَتبين بإختيارها أَن نِكَاح الْأُخْرَى لم ينْعَقد فَلَا مهر لَهَا

وَإِن عينا الْبِنْت فالأم قد اندفعت بِالْإِسْلَامِ فلهَا الْمهْر وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّهَا اندفعت بالمحرمية وَلَا مهر للْمحرمِ إِنَّمَا الْمهْر على قَول صِحَة أنكحتهم للزائدات على الْعدَد الشَّرْعِيّ وَمن لَا يَتَّصِف بِصفة تنَافِي النِّكَاح كالأخت وَالْخَامِسَة

أما إِذا وطئ إِحْدَاهمَا نظر فَإِن وطئ الْبِنْت حرمت الْأُم فَصَارَت مُحرمَة وتعينت الْبِنْت عِنْد الْإِسْلَام وَإِن وطئ الْأُم صَارَت الْبِنْت محرحه واندفعت وَهل يبْقى نِكَاح الْأُم إِذا أسلمتا إِن قُلْنَا يَصح نِكَاح الْكفَّار فَهِيَ أَيْضا صَارَت محرما بِنِكَاح الْبِنْت فَلَا يبْقى وَإِلَّا دَامَ نِكَاحهَا الرَّابِعَة أَن يسلم الْحر على إِمَاء فَإِن كَانَ عَاجِزا عِنْد الالتقاء فِي الْإِسْلَام اخْتَار وَاحِدَة وَلَو أسلم على ثَلَاث إِمَاء فَأسْلمت مَعَه وَاحِدَة وَهُوَ مُعسر ثمَّ أسلمت الثَّانِيَة وَهُوَ مُوسر ثمَّ أسلمت الثَّالِثَة وَهُوَ مُعسر وكل ذَلِك قبل انْقِضَاء عدتهن اخْتَار وَاحِدَة من الأولى وَالثَّالِثَة واندفعت الثَّانِيَة وَهَذَا بِنَاء على الْمَذْهَب الصَّحِيح فِي أَن اقتران الْيَسَار بِإِسْلَام إِحْدَاهمَا لَا يدْفع بِخِلَاف الْعدة الْمُقَارنَة للنِّكَاح وَهَذَا على مُخَالفَة الْبَلْخِي الْخَامِسَة أَن يسلم على حرَّة وإماء فَإِن أسلمن مَعَه انْدفع نِكَاح الْإِمَاء وتعينت الْحرَّة وَإِن أسلمن مَعَه وَتَخَلَّفت الْحرَّة وأصرت أَو مَاتَت قبل الْعدة اخْتَار وَاحِدَة من الْإِمَاء إِن كَانَ عَاجِزا عِنْد الْإِسْلَام وَلَا يعْتَبر عَجزه عِنْد الاختيارلأنه كالبيان لما قَرَّرَهُ الْإِسْلَام فالنظر إِلَى حَالَة الْإِسْلَام وَإِن أسلمت قبل انْقِضَاء عدتهَا انْدفع نِكَاح الْإِمَاء لِأَنَّهُ أسلم وَتَحْته حرَّة

اسْتَقر نِكَاحهَا وَلَا تَجْتَمِع الْأمة مَعَ حرَّة فِي النِّكَاح وَإِن كَانَت كَافِرَة وَلَو أسلم مَعَ الْحر وَبقيت أَو مَاتَت وَتَخَلَّفت الْإِمَاء انْدفع نِكَاحهنَّ وَلَا ينتظرن لِأَنَّهُ اسْتَقر نِكَاح الْحرَّة بإسلامها فَلَا معنى للانتظار وكل من ينْتَظر إِسْلَامه فَمَاتَ وَلم يسلم قبل الْقَضَاء الْعدة فَهُوَ كَمَا لَو أصر وَكَذَلِكَ لَو أسلم على وَاحِدَة وَمَات قبل إِسْلَام الْبَاقِيَات فالميراث للمسلمة وَلَا شيئ للباقيات لِأَن التَّخَلُّف إِلَى مَوته كالتخلف إِلَى انْقِضَاء الْعدة إِذْ لَا انْتِظَار بعد الْمَوْت وانتهاء النِّكَاح فرع مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْحرَّة إِذا تقدّمت مَعَ الزَّوْج فِي الْإِسْلَام انْدفع نِكَاح الْإِمَاء وَلَا ينتظرن وَذَلِكَ فِيهِ إِذا بَقينَ على الرّقّ فَإِن عتقن ثمَّ أسلمن قبل الْعدة التحقن بالحرائر الأصليات حَتَّى لَو لم يكن تَحْتَهُ حرَّة فَأسلم على إِمَاء وتخلفن ثمَّ عتقن وأسلمن اخْتَار أَرْبعا مِنْهُنَّ وَلَو أسلم على إِمَاء وَتَخَلَّفت وَاحِدَة وعتقت وَأسْلمت قبل انْقِضَاء الْعدة تعيّنت للنِّكَاح وَالْمَقْصُود أَن طرآن الْحُرِّيَّة قبل الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام يلْحقهَا بالحرائر الأصليات وَلَو أسلم على أمتين وَتَخَلَّفت أمتان فعتقت وَاحِدَة من الْمُتَقَدِّمين ثمَّ أسلمت المتخلفتان رقيقتين انْدفع نِكَاحهمَا إِذْ تَحت زَوجهمَا عتيقة أما الْمُتَقَدّمَة الرقيقة فَلَا تنْدَفع لِأَن عتق الْأُخْرَى كَانَ بعد اجْتِمَاعهم فى الْإِسْلَام فَلَا يُؤثر فِي دَفعهَا بل يخْتَار إِحْدَى الْمُتَقَدِّمين

الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم العبيد وَالْإِمَاء وطرآن الْعتْق عَلَيْهِم وَله طرفان الأول فِي العبيد وَمهما أسلم العَبْد على إِمَاء أَو حرائر أَو إِمَاء وحرائر اخْتَار اثْنَتَيْنِ لِأَن الْحرَّة فِي حَقه كالأمة نعم إِذا أسلم مَعَ حرَّة فَهَل لَهَا الْخِيَار لرقه الْقيَاس أَنه لَا يثبت لِأَنَّهَا رضيت برقه أَولا وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ ثُبُوت الْخِيَار كَمَا إِذا عتقت تَحت عبد وَكَأن حكم حريتها إِنَّمَا يثبت بِالْإِسْلَامِ فَيكون كالحرية الطارئة وَالْمَقْصُود بَيَان طرآن الْعتْق عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يؤثران إِن كَانَ بعد الْإِسْلَام وَإِن كَانَ بَين الْإِسْلَام مين يُؤثر حَتَّى لَو أسلمن وتخلف وَعتق ثمَّ أسلم فيختار من الْحَرَائِر أَرْبعا وَيرجع فِي الْإِمَاء إِلَى وَاحِدَة وَإِن أسلم وَأسْلمت مَعَه حرتان ثمَّ عتق فَأسْلمت الْبَاقِيَات من الْحَرَائِر فَلَا يزِيد على اثْنَتَيْنِ لِأَنَّهُ صَادف كَمَال عدد العَبْد قبل الْحُرِّيَّة وَلَو أسلم مَعَ وَاحِدَة وَعتق وَأسْلمت الْبَاقِيَات اخْتَار أَرْبعا لطرآن الْعتْق قبل كَمَال عدد العبيد وشبهوا هَذَا بمسألتيتن

إِحْدَاهمَا العَبْد لَو استوفى طَلْقَتَيْنِ من زَوجته ثمَّ عتق لم ينْكِحهَا وَلَو استوفى طَلْقَة ثمَّ عتق نَكَحَهَا وَملك عَلَيْهِ طَلْقَتَيْنِ الثَّانِيَة الْأمة لَو عتقت فِي يَوْم قسمهَا استوفت مُدَّة الْحَرَائِر وَلَو عتقت مُتَّصِلا بآخر مدَّتهَا اقتصرت فرع لَو أسلم على أَربع إِمَاء فَأسْلمت مَعَه ثِنْتَانِ فَعتق ثمَّ أسلمت الأخريان جَازَ لَهُ اخْتِيَار ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ تمّ لَهُ عدد العبيد قبل الْعتْق فَلَا يجب عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى وَاحِدَة وَلكنه هَل تتَعَيَّن الأوليان أم لَا قَالَ الإِمَام لَا تتَعَيَّن بل هُوَ كَمَا أسلم حر على أَربع إِمَاء فأسلمن على التوالي وطرآن الْحُرِّيَّة لَا يزِيد على الْحُرِّيَّة الْأَصْلِيَّة وَقَالَ الفوراني لَا يجوز لَهُ اخْتِيَار الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ اجْتمع بِهن فِي الْإِسْلَام وَهُوَ حر فَكيف يجمع بَينهمَا ويختار الْأَوليين وَهل يخْتَار وَاحِدَة من الْأَوليين وَوَاحِدَة من الْأُخْرَيَيْنِ فِيهِ وَجْهَان وتوجيه الْجَوَاز أَن الْحُرِّيَّة تَمنعهُ من الْجمع بَين الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا تَمنعهُ من أصل الْعدَد فيختار وَاحِدَة مِنْهُمَا وَوَاحِدَة

من الْأَوليين وَقد قَالَ القَاضِي حُسَيْن لَو أسلم على اثْنَتَيْنِ فَأسْلمت مَعَه وَاحِدَة ثمَّ عتق فَأسْلمت الثَّانِيَة لَا يخْتَار إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ عتق قبل كَمَال الْعدَد وَلَكِن قَالَ تتَعَيَّن الأولى وَهَذَا لَا وَجه لَهُ أصلا الطّرف الثَّانِي فِي عتقهن وتأثيره فِي إلحاقها بالحرائر مهما تقدم على الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام ويطهر أَثَره فِي إِثْبَات الْخِيَار لَهَا إِذا كَانَت تَحت عبد وَيكون خِيَار الْعتْق على الْفَوْر لَكِنَّهَا لَو أسلمت وعتقت فلهَا أَلا تبادر الْفَسْخ فَإِن الزَّوْج رُبمَا يصر فتستغني عَن هَذَا الْفَسْخ وَكَذَلِكَ الرَّجْعِيَّة إِذا عتقت لَهَا التَّأْخِير إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة فَإِن هَذَا عذر فِي التَّأْخِير وَلَو فسخت قبل إِسْلَام الزَّوْج نفذ وَلَا فَائِدَة لَهُ إِن أصر الزَّوْج وَفَائِدَته إِن أسلم الزَّوْج تظهر فِي قُصُور مُدَّة الْعدة إِذْ لَو أخرت وَأسلم الزَّوْج وفسخت طَال عَلَيْهَا الِانْتِظَار وَلَا نقُول فَسخهَا مَوْقُوف على إِصْرَار الزَّوْج فَلَا ينفذ فَإِن الْفَسْخ جنس وَاحِد فَلَا يمْتَنع بِإِمْكَان فسخ آخر بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ تَحْتَهُ حرَّة وإماء فأسلمن وَتَخَلَّفت الْحرَّة وَاخْتَارَ وَاحِدَة من الْإِمَاء ثمَّ مَاتَت

المتخلفة أَو أصرت فَإِن صِحَة الِاخْتِيَار تنبني على وقف الْعُقُود لِأَنَّهَا لَو أسملت لبطل اخْتِيَاره لاندفاع نِكَاح الْإِمَاء وَهُوَ أولى بِالصِّحَّةِ من الْعُقُود لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَاء عقد نعم لَو أسلمت امْرَأَة وتخلف الزَّوْج ونكح أُخْتهَا ثمَّ أسلم وَأسْلمت يُخَيّر بَينهمَا لِأَنَّهُ جرى فِي حَالَة الشّرك وَلَو أسلم أَولا ونكح أُخْت المتخلفة وَأسْلمت المتخلفة بَطل النِّكَاح الَّذِي جرى فِي الْإِسْلَام لِأَنَّهَا طارئة بعد الْإِسْلَام فَلَو أصرت المتخلفة انبنى صِحَة نِكَاح الْأُخْرَى على الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه وَلم يدر أَنه ميت فَإِذا هُوَ ميت فَأَما إِذا أسلمت وعتقت وأجازت قبل إِسْلَام الزَّوْج بطلت الْإِجَازَة وَبَقِي حَقّهَا فِي الْفَسْخ إِذْ لَيْسَ لَهَا الْمقَام تَحت كَافِر فَلَا حكم لإجازتها فِي الْحَال وَلَو عتقت الرَّجْعِيَّة وفسخت نفذ وَإِن أجازت فَوَجْهَانِ وَالْفرق أَن إجازتها تفِيد الزَّوْج سُلْطَان الرّجْعَة وَهُوَ من مَقَاصِد النِّكَاح وَلَا يُمكن أَن يُقَال إجازتها تَحت الْكَافِر تفيده سُلْطَان الْإِسْلَام فَإِن ذَلِك لَا يُسْتَفَاد من الْغَيْر

الْفَصْل الرَّابِع فِي الِاخْتِيَار وَحكمه وَالْكَلَام فِي طرفين أَحدهمَا فِي وجوب الِاخْتِيَار فَإِذا أسلم على ثَمَانِيَة مثلا فَعَلَيهِ تعْيين أَرْبَعَة فَإِن امْتنع فَعَلَيهِ الْإِنْفَاق على الْجَمِيع فِي مُدَّة الْحَبْس وللقاضي أَن يحْبسهُ ليعين فَإِن أصر عزره وَكَذَا كل قَادر على أَدَاء حق إِذا أصر وَلم ينجع فِيهِ الْحَبْس فَيَنْبَغِي أَن يُعَزّر ويمهل الزَّوْج ثَلَاثَة أَيَّام للنَّظَر والتأمل وَلَا يخْتَار القَاضِي عَنهُ إِذا أصر وَإِن قُلْنَا فِي قَول إِن القَاضِي يُطلق زَوْجَة المؤلي لِأَن هَذَا أَمر مَنُوط بِالرُّؤْيَةِ وَلَا يقبل النِّيَابَة وَلَو مَاتَ قبل التعين فعلى كل وَاحِدَة الِاعْتِدَاد بأقصى الْأَجَليْنِ للِاحْتِيَاط

وَيُوقف لَهُنَّ من الْمِيرَاث الرّبع أَو الثّمن كَامِلا إِلَى أَن يصطلحن وَإِن كَانَ فِيهِنَّ طفلة لم يرض وَليهَا إِلَّا بِربع الْمَوْقُوف وَلَو جَاءَت أَربع مِنْهُنَّ لم نسلم إلَيْهِنَّ شَيْئا فلعلهن المفارقات وَإِن جَاءَت خَمْسَة سلمنَا إلَيْهِنَّ ربع الْمَوْقُوف لِأَنَّهُ المستيقن وَلَا نزيد فِي التَّسْلِيم على المستيقن وَحكي عَن ابْن سُرَيج أَنه قَالَ يوزع على جَمِيعهنَّ بِالسَّوِيَّةِ إِذْ التَّوَقُّف عِنْد انْتِظَار الْبَيَان أَو عِنْد اخْتِصَاص الْبَعْض بفرقة اشتبهت علينا كَمَا إِذا قَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فعمره طَالِق وَإِن لم يكن فزينب طَالِق فَإِن الْمُطلقَة فِي علم الله وَاحِدَة واشتبهت علينا وَهَاهُنَا هن متماثلات قطعا وَهَذَا مُتَّجه جدا فرع لَو أسلم على ثَمَان كتابيات وَأسْلمت أَربع فيختار من شَاءَ من الكتابيات أَو

المسلمات فَلَو مَاتَ قبل الْبَيَان لَا نقف لَهُنَّ شَيْئا من الْمِيرَاث إِذْ كَانَ يحْتَمل أَن يخْتَار الكتابيات فَلَا يرثن وَلَا يَرث الْجَمِيع فَلم يحصل حق الزَّوْجِيَّة بِتَعْيِين وَلَو نكح مسلمة وكتابية وَقَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِق وَمَات قبل الْبَيَان لَا نقف أَيْضا شَيْئا للشَّكّ فِي أصل الْحق الطّرف الثَّانِي فِي أَلْفَاظ الِاخْتِيَار وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ اخْتَرْت هَذِه الْأَرْبَعَة للزوجية تعيّنت الْبَاقِيَات للْفَسْخ وَلَو قَالَ اخْتَرْت هَذِه للْفَسْخ أَو هَذِه للْفَسْخ دون لفظ الِاخْتِيَار نفذ وَلَو كن ثَمَانِيَة فَطلق أَرْبعا مِنْهُنَّ فَهُوَ تعْيين للنِّكَاح وَنفذ الطَّلَاق واندفعت الأخريات بِالْفَسْخِ وَلَيْسَ لفظ الْإِيلَاء وَالظِّهَار كَلَفْظِ الطَّلَاق فَإِن ذَلِك مِمَّا يُخَاطب بِهِ الأجنبيات والأزواج جَمِيعًا وَلَو قَالَ فسخت نِكَاح هَذِه الْأَرْبَعَة وَفسّر التَّعْيِين بالفراق نفذ وَلَو فسر بِالطَّلَاق قبل ومطلقه يحمل على التَّعْيِين للفراق الثَّانِيَة لَو قَالَ من دخل الدَّار فقد اخترتها للنِّكَاح لم يَصح لِأَن الِاخْتِيَار لَا يقبل التَّعْلِيق وَلَو قَالَ هِيَ طَالِق نفذ الطَّلَاق وَحصل الِاخْتِيَار ضمنا وَلَو قَالَ فَهِيَ مفسوخة النِّكَاح وَأَرَادَ الْفِرَاق لم ينفذ وَإِن فسر بِالطَّلَاق نفذ الطَّلَاق وَحصل التَّعْيِين ضمنا

الثَّالِثَة لَو وطئ وَاحِدَة هَل يكون تعيينا للنِّكَاح فِيهِ خلاف كَمَا لَو قَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِق ثمَّ وطئ إِحْدَاهمَا الرَّابِعَة إِذا أسلمت أَربع وَتَخَلَّفت أَربع فَاخْتَارَ المسلمات نفذ واندفعت المتخلفات وَإِن فسخ نِكَاح المسلمات والمتخلفات وثنيات لم ينفذ لِأَن من ضَرُورَته تَقْرِير نِكَاح الوثنيات وَرُبمَا أصررن فيتعذر ذَلِك وَفَائِدَته أَنَّهُنَّ إِذا أسلمن اسْتَأْنف اخْتِيَار من شَاءَ مِنْهُنَّ وَفِيه وَجه أَنه يبْنى على الْوَقْف فَإِن أصررن تبين بطلَان فَسخه وَإِن أسلمن نفذ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَو بَاعَ خمرًا فَإِنَّهُ لَا يصير مَوْقُوفا على أَن يصير خلا لِأَن الْخمر لَا يقبل العقد وَمهما أسلمت الوثنيات كَانَ العقد مُسْتَندا إِلَى مَا سبق وَإِن اخْتَار المتخلفات للْفَسْخ نفذ قطعا لِأَن التَّقْرِير يلائم المسلمات وَإِن اخْتَار المتخلفات للنِّكَاح لم ينفذ إِلَّا على وَجه الْوَقْف وَهُوَ بعيد نعم لَو طلقهن ثمَّ أسلمن فَهَل نتبين نُفُوذ الطَّلَاق فِيهِ خلاف ظَاهر لِأَن الطَّلَاق يقبل التَّعْلِيق فَلَا يبعد فِيهِ الْوَقْف أَيْضا الْخَامِسَة لَو قَالَ حصرت المختارات فِي سِتّ صَحَّ وَتعين الْبَاقِيَات للْفَسْخ إِلَى أَن يتمم الِاخْتِيَار السَّادِسَة لَو أسلمت الثَّمَانِية على ترادف وَكَانَ يُخَاطب كل مسلمة بِالْفَسْخِ تعين للفراق الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة فَإِن المسلمات السابقات يُمكن فِيهِنَّ التَّقْرِير وعَلى الْوَجْه الْبعيد يتَعَيَّن للفراق الْأَرْبَعَة الأولى بطرِيق الْوَقْف

الْفَصْل الْخَامِس فِي النَّفَقَة وَالْمهْر فَنَقُول إِن أسلم الزَّوْج أَولا وَتَخَلَّفت وأصرت فَلَا نَفَقَة لَهَا فِي مُدَّة الْعدة لِأَنَّهَا بَائِنَة وَقد أساءت بالتخلف وَلَو أسلمت قبل انْقِضَاء الْعدة فالجديد أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ النَّفَقَة لمُدَّة التَّخَلُّف لِأَنَّهَا نَاشِزَة بالتخلف وَفِي الْقَدِيم تسْتَحقّ لِأَنَّهَا مَا أحدثت شَيْئا إِنَّمَا الزَّوْج أحدث تَبْدِيل الدّين وَهَذَا ضَعِيف إِذْ لَو ابْتَدَأَ الرجل سفرا فتخلفت تسْقط نَفَقَتهَا إِذْ يجب عَلَيْهَا الْمُوَافقَة فَكَذَلِك فِي الْإِسْلَام لَكِن هَذِه مُؤَاخذَة بِحكم الْإِسْلَام فَيجوز أَن لَا تؤاخذ بِهِ هَاهُنَا فإمَّا إِذا سبقت الْمَرْأَة ثمَّ أسلم قبل انْقِضَاء الْعدة فَالْمَذْهَب أَنَّهَا تسْتَحقّ النَّفَقَة لِأَنَّهَا أَحْسَنت بِالْإِسْلَامِ وَفِيه وَجه بعيد أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَنَّهَا أحدثت شَيْئا مَانِعا من الِاسْتِمْتَاع وَلَو أصر الزَّوْج فَوَجْهَانِ وَالْقِيَاس أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَنَّهَا بَائِنَة قَالَ القَاضِي مَأْخَذ التَّرَدُّد أَنَّهَا هَل هِيَ كالرجعية إِذْ الزَّوْج قَادر على تَقْرِير النِّكَاح

عَلَيْهَا وَهَذَا بعيد لأَنا نتبين بينونتها وَكَذَلِكَ لَو طَلقهَا وأصر لم ينفذ بِخِلَاف الرَّجْعِيَّة ثمَّ إِن صَحَّ هَذَا الْقيَاس فَلَو سبق الرجل وَتَخَلَّفت الْمَرْأَة فَلم يبْق للزَّوْج عَلَيْهَا قدرَة فَيَنْبَغِي أَن تلْحق بالبائنة قطعا فرعان فِي الِاخْتِلَاف أَحدهمَا إِذا قضينا بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ النَّفَقَة فِي مُدَّة التَّخَلُّف فَلَو تنَازعا فَقَالَ تخلفت عني عشْرين يَوْمًا وَقَالَت بل عشرَة فَالْقَوْل قَوْله إِذْ ثَبت النُّشُوز فعلَيْهَا إِثْبَات الزَّوَال وَلَو تنَازعا فِي السَّبق فَقَالَ سبقت وَسقط حَقك مُدَّة التَّخَلُّف وَقَالَت بل سبقت أَنا فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن النَّفَقَة ثَابِتَة فَعَلَيهِ إِثْبَات الْمسْقط إِلَّا إِذا اتفقَا على أَن إِسْلَامه كَانَ أول الِاثْنَيْنِ فَقَالَ الرجل أسلمت بعدِي وَقَالَت بل قبلك فَالْقَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل استمرارها على الْكفْر الثَّانِي لَو قَالَت أسلمت أَنْت أَولا قبل الْمَسِيس ولي نصف الْمهْر وَقَالَ بل أسلمت أَنْت أَولا وَلَا مهر لَك فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل ثُبُوت الْمهْر وَلَو تنَازعا فِي بَقَاء النِّكَاح فَقَالَ أسلمنَا مَعًا وَالنِّكَاح بَاقٍ وَقَالَت بل على التَّعَاقُب فَالْأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَلَكِن التوافق فِي الْإِسْلَام نَادِر فيبنى على أَن الْمُدعى من الظَّاهِر مَعَه وَهِي الْمَرْأَة هَاهُنَا أَو من لَا يخلى وسكوته وَهُوَ الرجل

وَفِيه قَولَانِ

الْقسم الرَّابِع من الْكتاب فِي مُوجبَات الْخِيَار وَأَسْبَاب الْخِيَار أَرْبَعَة الْعَيْب والغرور وَالْعِتْق والعنة

السَّبَب الأول الْعُيُوب وَالنَّظَر فِي الْمُوجب والموجب النّظر الأول فِي الْمُوجب والعيوب الْمُتَّفق على ثُبُوت الْخِيَار بهَا خَمْسَة اثْنَان يخْتَص بهما الزَّوْج وَهُوَ الْجب والعنة وَاثْنَانِ تخْتَص بهما الْمَرْأَة وَهُوَ الرتق والقرن وَثَلَاثَة مُشْتَركَة بَينهمَا وَهُوَ البرص المستحكم الَّذِي لَا يقبل الْإِصْلَاح دون أَوَائِل الوضح والجذام المستحكم الَّذِي سود الْعُضْو وَأخذ فِي التقطيع وَالْجُنُون وَلَا يعْتَبر فِي الْجُنُون أَنه لَا يقبل العلاج

والجب الْمُثبت للخيار هُوَ الاستئصال بِحَيْثُ يكون الْبَاقِي أقل من الْحَشَفَة فَلَا يثبت الْخِيَار بِقطع الْبَعْض وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن البخر والصنان والعذيوط الَّذِي لَا يقبل العلاج هَل يرد بِالْعَيْبِ الْمَشْهُور أَنه لَا يدر وَلَا يُزَاد على الْخمس وَعَن زَاهِر السَّرخسِيّ أَنه أثبت بِهَذِهِ الثَّلَاث وَزَاد القَاضِي حُسَيْن على هَذَا وَقَالَ لَا تَوْقِيف وَلَا حصر والمتبع كل عيب يكسر شَهْوَة التواق فيتعذر الِاسْتِمْتَاع بِهِ إِذْ لَو اعْتبر امْتنَاع الِاسْتِمْتَاع لاقتصر على الرتق

والقرن وَقَالَ قد تَجْتَمِع عُيُوب آحادها لَا يثبت وَلَكِن مجموعها ينفر فَيثبت الْخِيَار بِهِ وَلَعَلَّ ذَلِك يجْرِي فِي كل مَا يُؤثر فِي التنفير تَأْثِير الجذام والبرص الثَّانِي لَو كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ خُنْثَى فَفِي ثُبُوت الْخِيَار أَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ عيب ضفر فَاحش وَالثَّانِي لَا إِذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة ثقبة فِي الرجل وَزِيَادَة سلْعَة فِي الْمَرْأَة وَالثَّالِث أَنه إِن انْكَشَفَ الْحَال بعلامة محسوسة تورث الْيَقِين فَلَا يرد وَإِن كَانَ بعلامة منظنونة يرد لما فِيهِ من الْخطر وَالرَّابِع أَنه لَا يرد مَا يثبت بعلامة أَيْضا بل مَا لم يثبت إِلَّا بِالْإِقْرَارِ الثَّالِث أَن الْعَيْب الْمُثبت للخيار إِنَّمَا يثبت من الْجَانِبَيْنِ لَو كَانَ مُقَارنًا للْعقد فَلَو طَرَأَ قبل الْمَسِيس ثَبت الْخِيَار لَهَا فَإِن كَانَ بعده فَوَجْهَانِ إِلَّا فِي الْعنَّة فَإِنَّهَا إِن طرأت بعد الْوَطْء لم يثبت الْخِيَار لِأَن الْيَأْس لَا يحصل

وَهل يثبت الْخِيَار لَهُ إِذا طَرَأَ الْعَيْب عَلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يثبت إِذْ لَا يفارقها إِلَّا فِي التَّمَكُّن من الطَّلَاق وَهُوَ جَار فِي الْمُقَارن أَيْضا ثمَّ اسْتَويَا وَالثَّانِي لَا يثبت لِأَن العقد سلم أَولا وَهُوَ قَادر على الطَّلَاق وَالْمَرْأَة مضطرة لأجل التحصن وَأما أَوْلِيَاء الْمَرْأَة فَلَا يثبت لَهُم الْخِيَار بالعيوب الطارئة وَهل يثبت بالمقارن ينظر إِن كَانَ فِيهِ عَار ثَبت كالجنون فَإِن الْعَار فِيهِ لَا يتقاصر عَن عَار الحرفة الدنية وَالْفِسْق وَإِن لم يكن عَار فَلَا يثبت كالجب والعنة وَهل يثبت بالبرص والجذام فِيهِ وَجْهَان وَمِنْهُم من أثبت فِي الْجَمِيع وَقَالَ فِي الْجَمِيع عَار عَلَيْهِم

النّظر الثَّانِي فِي حكم الْخِيَار وَهُوَ على الْفَوْر ثمَّ إِن فسخت قبل الْمَسِيس سقط الْمهْر وَكَذَلِكَ إِن فسخ الزَّوْج بعيبها بِخِلَاف مَا إِذا ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يتشطر الْمهْر لِأَن الْفَسْخ وَإِن كَانَ من جِهَته فسببه عيب من جِهَتهَا فيحال عَلَيْهَا وَإِن فسخت بعد الْمَسِيس فعلَيْهَا الْعدة وَالنَّظَر فِي الْمهْر وَالرُّجُوع بِهِ وَالنَّفقَة فِي الْعدة أما الْمهْر فساقط وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَن مُقْتَضى الْفَسْخ ترَاد الْعِوَضَيْنِ لَكِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الرِّدَّة بعد الْمَسِيس أَن الْمُسَمّى يَتَقَرَّر لِأَن الْفَسْخ بِهِ لَا يسْتَند إِلَى أصل العقد فَلَا يدْفع الْمهْر الْمُسَمّى عِنْد العقد وَنَصّ فِيمَا إِذا كَانَ الْعَيْب مُقَارنًا أَنه يسْقط الْمُسَمّى فَقيل قَولَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ مُقْتَضى والتخريج أَحدهمَا أَنه يسْقط الْمُسَمّى فيهمَا لِأَنَّهُ مُقْتَضى الْفَسْخ وَالثَّانِي يَتَقَرَّر لِأَنَّهُ إِذا لم يكن بُد من مهر الْمثل فالمسمى أولى فَإِن فرعنا على النَّص وأسقطنا الْمُسَمّى وَكَانَ الْعَيْب طارئا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا السُّقُوط كالمقارن وَالثَّانِي التَّقْرِير لِأَن الْخلَل لم يسْتَند إِلَى أول العقد وَالثَّالِث أَنه يسْقط إِلَّا إِذْ طَرَأَ بعد الْمَسِيس لِأَن الْوَطْء إِذا جرى على السَّلامَة فَيَنْبَغِي أَن يُقرر

الْمهْر أما الرُّجُوع بِالْمهْرِ على الْوَلِيّ فَغير ثَابت قطعا إِن كَانَ الْعَيْب طارئا وَإِن كَانَ مُقَارنًا فَقَوْلَانِ أقيسهما أَنه لَا رُجُوع إِذْ هُوَ كوكيل عَاقد سكت عَن ذكر الْعَيْب إِذْ لَيْسَ يَقع العقد لَهُ وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه يرجع لِأَنَّهُ كالغار ثمَّ اخْتلفُوا هَل يشْتَرط أَن يكون الْوَلِيّ محرما حَتَّى يكون خَبِيرا بالتواطؤ فَلَا يعْذر فِي الْإخْفَاء وَهل يشْتَرط علمه حَالَة العقد لثُبُوت تَقْصِيره فَمنهمْ من شَرط ذَلِك وَمِنْهُم من رَآهُ مقصرا بِكُل حَال

فَإِذا جَعَلْنَاهُ مغرورا وَكَانَت هِيَ الْغَارة ففائدته سُقُوط الْمهْر إِذْ كَيفَ يغرم لَهَا ثمَّ يرجع عَلَيْهَا وَلَكِن قيل لَا بُد وَأَن يسلم إِلَيْهَا أقل مَا يتمول تعبدا وَقيل إِن ذَلِك الْقدر هِيَ الْغَارة بِهِ فَيسْقط إِذْ لَا معنى للتسليم إِلَيْهَا ثمَّ الِاسْتِرْدَاد مِنْهَا أما النَّفَقَة وَالسُّكْنَى فَلَا تثبت لَهَا إِن كَانَت حَائِلا وَسُقُوط السُّكْنَى كسقوط الْمهْر وَإِن كَانَت حَامِلا فلهَا النَّفَقَة على قَوْلنَا النَّفَقَة للْحَمْل فَإِن لَوَازِم النِّكَاح سَاقِطَة عِنْد الْفَسْخ

السَّبَب الثَّانِي للخيار الفرور وَفِيه نظران الأول فِي حكم الْغرُور وَصورته فَنَقُول إِذا قَالَ الْعَاقِد زَوجتك هَذِه الْمسلمَة فَإِذا هِيَ كِتَابِيَّة أَو هَذِه القرشية فَإِذا هِيَ نبطية أَو هَذِه الْحرَّة فَإِذا هِيَ أمة أَو مَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا يقْصد فِي النِّكَاح ففى انْعِقَاد العقد قَولَانِ كقولين فِيمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الرمك فَإِذا هِيَ نعجة الْأَصَح هَا هُنَا الصِّحَّة لِأَن هَذَا تفَاوت فِي الصّفة بعد تعْيين الْمَقْصُود وَذَلِكَ تفَاوت فِي الْجِنْس فَإِن قُلْنَا يَصح فَهَل يثبت خِيَار الْخلف كَمَا فِي البيع فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْقيَاس على البيع

وَالثَّانِي الْفرق لافتراقهما فِي خِيَار الرُّؤْيَة وَالشّرط وَغَيره وَكَذَلِكَ إِذا غرت الْمَرْأَة بنسبه أَو حُرِّيَّته جرى الْخلاف فِي انْعِقَاد العقد ثمَّ فِي ثُبُوت خِيَار الْخلف لَكِن إِن قُلْنَا لَا يثبت خِيَار الْخلف فلهَا الْخِيَار بِسَبَب فَوَات النّسَب إِذا لم يكن الزَّوْج كفؤها وَكَذَلِكَ للأولياء الْخِيَار إِن رضيت بِمن هُوَ دونهَا وَكَأن للشّرط مدخلًا أَيْضا فِي التَّأْثِير لِأَنَّهُ لَو زَوجهَا الْوَلِيّ بِرِضَاهَا من مَجْهُول فَإِذا هُوَ غير كفؤ فَلَا خِيَار لِأَن هَذَا لَيْسَ بِعَيْب وَإِنَّمَا هُوَ فَوَات منقبة وَلم يجر شَرط وَالْوَلِيّ هُوَ المقصر إِذْ لم يقدم الْبَحْث فَكَأَنَّهُ إِذا جرى شَرط أثر فِي نفي التَّقْصِير من جِهَة الْوَلِيّ والتحق عدم الْكَفَاءَة بِالْعَيْبِ فِي إِثْبَات الْخِيَار لَهَا وللولي وَلَو نكح مَجْهُولَة ظَنّهَا مسلمة فَإِذا هِيَ كِتَابِيَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ الْخِيَار وَلَو ظَنّهَا حرَّة فَإِذا هِيَ رقيقَة قَالَ لَا خِيَار لَهُ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج

مأخذهما أَن الْكفْر وَالرّق هَل يلْتَحق بالعيوب الْخمس وَمِنْهُم من فرق وَقَالَ الْكفْر منفر فَهُوَ عيب وَإِن لم يجر شَرط وَالرّق غير منفر فَهَذَا تَقْرِير النصين وَمِنْهُم من قرر النَّص وَلَكِن قَالَ مأخذه أَن الْكِتَابِيَّة تتَمَيَّز عَن الْمسلمَة إِذْ وَليهَا كَافِر فَلَا تشتبه إِلَّا بتلبيس فمأخذه الْغرُور وَكَأَنَّهُ حصل الْغرُور بِمُجَرَّد الْفِعْل من غير قَول وَأَنا أَقُول إِن أمكن أَن يَجْعَل هَذَا تغريرا مثبتا للخيار فَلَو نَكَحَهَا وَظن بَكَارَتهَا فَإِذا هِيَ ثيب ثمَّ يبعد إِثْبَات الْخِيَار لِأَن النفرة هَا هُنَا أعظم وَكَثِيرًا مَا يَقع هَذَا فِي الفتاوي أما إِذا شَرط بَكَارَتهَا فِي العقد فَيجْرِي قولا الإنعقاد وقولا خِيَار الْخلف وكل تغرير سَابق على العقد فَلَا يُؤثر فِي صِحَة العقد ويؤثر فِي إِثْبَات الرُّجُوع بِالْمهْرِ لِأَن قَول الرُّجُوع بِالْمهْرِ على الْغَار قوي هَا هُنَا بِخِلَاف مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ فِي الرُّجُوع بِسَبَب عدم ذكر الْعُيُوب النّظر الثَّانِي فِي حكم الْوَلَد إِذا جرى التَّغْرِير بِالرّقِّ وَله أَحْكَام الأول أَنه إِذا غر بحريّة أمة فأحبلها انْعَقَد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة لظَنّه الْحُرِّيَّة سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا أَو عبدا لِأَن العَبْد يُسَاوِي الْحر فِي الظَّن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد ولد العَبْد رَقِيقا دون الْحر

الثَّانِي يجب أَنه قيمَة الْوَلَد على الزَّوْج لسَيِّد الْأمة لِأَن الرّقّ فِي الْأُم يُوجب رق الْوَلَد واندفاعه بظنه فَهُوَ المتسبب فِي عتقه وَإِنَّمَا تجب قِيمَته إِذا انْفَصل حَيا بِاعْتِبَار يَوْم الإنفصال وَلَو انْفَصل مَيتا لَا بِجِنَايَة جَان فَلَا شيأ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن اعْتِبَار قِيمَته قبل الإنفصال وَهُوَ فِي الْحَال لَا قيمَة لَهُ الثَّالِث أَنه إِذا غرم رَجَعَ بِهِ على الْغَار قولا وَاحِدًا قضى بِالرُّجُوعِ بِقِيمَة الْوَلَد عمر رَضِي الله عَنهُ وَوَافَقَهُ الْعلمَاء وَأما الْمهْر فَفِي الرُّجُوع بِهِ قَولَانِ لِأَن الْبضْع فَاتَ بِالْمُبَاشرَةِ فَلَا يبعد أَن يقدم على سَبَب الْغرُور وَأما رق الْوَلَد ففات بظنه وَهُوَ سَبَب منشأه قَول الْغَار فَكَانَ السَّبَب الأول أولى بِالِاعْتِبَارِ الرَّابِع أَنه لَا يرجع مَا لم يغرم كالضامن لَا يرجع على الْمَضْمُون عَنهُ مَا لم يغرم وَكَذَلِكَ الدِّيَة المضروبة على الْعَاقِلَة بِشَهَادَة الشُّهُود إِذا رجعُوا يغرمونها ثمَّ يرجعُونَ على الشُّهُود

الْخَامِس فِي مَحل الْغرم ومتعلقه وَهُوَ الذِّمَّة إِن كَانَ الزَّوْج حرا وَإِن كَانَ عبدا فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ لِأَنَّهُ من لَوَازِم النِّكَاح كَالنَّفَقَةِ وَالْمهْر وَالثَّانِي بِرَقَبَتِهِ لِأَن النِّكَاح لَا يَقْتَضِي قيمَة الْوَلَد وَهُوَ نتيجة اتلافه وَالثَّالِث يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ جانيا وَلَا وُجُوبه مقتضي النِّكَاح بل هُوَ مُقْتَضى ظَنّه فَسَار كَمَا لَو لزم بضمانه وعَلى هَذَا يرجع على الْغَار بعد الْعتْق لِأَنَّهُ يغرم بعد الْعتْق وعَلى الْقَوْلَيْنِ الآخرين يرجع السَّيِّد مهما غرم من كَسبه أَو رقبته وَأما الْمهْر فَيتَعَلَّق بِكَسْبِهِ مهما جرى الْفَسْخ بِخِيَار الْغرُور إِن أَوجَبْنَا الْمُسَمّى وَإِن رَجعْنَا إِلَى مهر الْمثل فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِيمَا إِذا أذن لَهُ فِي النِّكَاح فنكح نِكَاحا فَاسِدا ووطأ فَتعلق مهر الْمثل هَا هُنَا بِكَسْبِهِ أظهر لِأَنَّهُ وَجب بِحكم نِكَاح صَحِيح السَّادِس فِي المرجوع عَلَيْهِ وَهُوَ وَكيل السَّيِّد إِذا زوجه لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الْغرُور من السَّيِّد لِأَنَّهُ لَو قَالَ زَوجتك هَذِه الْحرَّة عتقت

أما إِذا كَانَت الْغَارة هِيَ الْأمة نَفسهَا تعلق الْعهْدَة بذمتها لَا بِكَسْرِهَا ورقبتها لِأَنَّهَا لَيست مأذونه وَلَا جانية بل تلطفت بِلَفْظ فيلزمها الْعهْدَة فَإِن كَانَت مُكَاتبَة فَارَقت الْأمة فِي شييئى أَحدهمَا أَنه لَا مهر لَهَا لِأَنَّهَا مُسْتَحقَّة الْمهْر فَكيف يغرم لَهَا وَيرجع عَلَيْهَا نعم تُعْطى قدر مَا يتمول على وَجه كَمَا سبق وَالثَّانِي أَنا إِذا قُلْنَا وَلَده الْمُكَاتبَة قن فَتجب قِيمَته كَمَا فِي الْأمة وَإِن قُلْنَا مكَاتب فَهِيَ مُسْتَحقَّة الْقيمَة فَلَا يغرم لَهَا إِذْ عَلَيْهَا الرُّجُوع فَإِنَّهَا الْغَارة وَإِن كَانَ الْغرُور من الْأمة وَمن وَكيل السَّيِّد جَمِيعًا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يرجع على أَيهمَا شَاءَ إِذْ كل وَاحِد بَاشر سَببا كَامِلا من الْغرُور لَو انْفَرد بِهِ

وَالثَّانِي أَنه يرجع على كل وَاحِد بِالنِّصْفِ لاشْتِرَاكهمَا فِي السَّبَب فرع إِذا انْفَصل الْوَلَد مَيتا بِجِنَايَة جَان فعلى الجانى غرَّة عبد أَو أمة تصرف إِلَى أَب الْجَنِين وجدته بطرِيق الْإِرْث وَلَا يُمكن للجنين وَارِث مَعَ الْأَب سوى الْجدّة أم الْأُم وَمَا الَّذِي يغرم للسَّيِّد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أَنه يغرم للسَّيِّد عشر قيمَة الْأُم فَإِن هَذَا الْقدر هُوَ الَّذِي فَاتَ عَلَيْهِ بظنه وَالثَّانِي أَنه يغرم أقل الْأَمريْنِ من قيمَة الْغرَّة الَّتِي سلمت لَهُ أَو عشر قيمَة الْأُم فَإِنَّهُ إِن كَانَ قيمَة الْغرَّة أقل فَكيف يضمن زِيَادَة وَالْولد الْمَيِّت لَا ضَمَان لَهُ وَإِنَّمَا لزم الضَّمَان لسَبَب حُصُول هَذَا الْقدر بِسَبَب الْجِنَايَة وَلَو زَادَت الْغرَّة فَالزِّيَادَة للمغرور فَإِنَّهُ زَاد بِسَبَب حريَّة الْوَلَد التَّفْرِيع إِن أَوجَبْنَا الْعشْر فَهُوَ وَاجِب من غير تَفْصِيل وَإِن أَوجَبْنَا الْأَقَل فَينْظر إِلَى قدر مَا سلم لَهُ فَإِن كَانَ مَعَه جدة لم يحْسب عَلَيْهِ إِلَّا خَمْسَة أَسْدَاس الْغرَّة وَلَا يغرم أَيْضا مَا لم يسلم إِلَيْهِ وَهَذَا إِن كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيّا ووراءه أَحْوَال وَهُوَ أَن يكون الْجَانِي هُوَ السَّيِّد أَو الْمَغْرُور أَو عبد الْمَغْرُور فَإِن كَانَ هُوَ السَّيِّد غرم عَاقِلَته لوَرَثَة الْجَنِين الْغرَّة وَغرم الْمَغْرُور لَهُ الْعشْر أَو أقل الْأَمريْنِ على مَا سبق وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يغرم الْمَغْرُور شَيْئا إِذْ كَانَ سَبَب غرمه أَنه فَاتَ بظنه والآن قد فَاتَ بِجِنَايَة السَّيِّد وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال لما غرم الْعَاقِلَة انمحى أثر جِنَايَته وَقد انْفَصل مَضْمُونا

فَلَا يهدر فِي حَقه وَإِن كَانَ الْجَانِي هُوَ الْمَغْرُور وَجب الدِّيَة على عَاقِلَته لبَقيَّة الْوَرَثَة دونه فَإِنَّهُ حجب نَفسه عَن الْإِرْث بِجِنَايَتِهِ وَوَجَب عَلَيْهِ الْغرم للسَّيِّد إِن أَوجَبْنَا الْعشْر وَإِن لاحظنا الْغرَّة فَكيف نلزمه شَيْئا وَلَا نسلم لَهُ الْغرَّة قَالَ الْأَصْحَاب الْوَجْه أَن يُقَال قدر الْعشْر من الْغرَّة للسَّيِّد وَالْبَاقِي للْوَرَثَة فَإِن تفريمه من غير تَسْلِيم شيئ إِلَيْهِ على الْمَذْهَب الَّذِي يُلَاحظ الْغرَّة بعيد وَعِنْدِي أَن ذَلِك غير بعيد لِأَن مَا صرف عَن نَفسه بجانيته كَأَنَّهُ استوفاها وَهُوَ كَمَا لَو أَخذ الْغرَّة وأتلفها وَإِن كَانَ الْجَانِي عبد الْمَغْرُور تعلق حِصَّة بَقِيَّة الْوَرَثَة بِرَقَبَتِهِ وَأما حِصَّته فَلَا يُمكن أَن تتَعَلَّق بِرَقَبَة عَبده فَكَأَنَّهُ استوفاها وَلَا يَجْعَل ذَلِك كالساقط بحرمانه عَن الْمِيرَاث لِأَن حَقه كَالثَّابِتِ هَا هُنَا تَقْديرا

السَّبَب الثَّالِث للخيار الْعتْق وَفِيه مسَائِل الأولى أَنَّهَا إِن عتقت تَحت حر فَلَا خِيَار لَهَا وَإِن عتقت تَحت عبد فلهَا الْخِيَار لما رُوِيَ أَن بَرِيرَة عتقت تَحت عبد فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا يثبت لَهَا الْخِيَار إِذا عتق

جَمِيعهَا فَلَو عتق بَعْضهَا لم تتخير وَلَو عتقت بكمالها تَحت من نصفه حر وَنصفه رَقِيق تخيرت لحُصُول الضرار وَلَا خِيَار بِسَبَب طرآن الِاسْتِيلَاد وَالْكِتَابَة قبل حُصُول الْعتْق الثَّانِيَة لَو عتقت ثمَّ عتق الزَّوْج قبل علمهَا فَفِي ثُبُوت الْخِيَار وَجْهَان كالوجهين فِيمَا إِذا علم بِالْعَيْبِ بعد زَوَاله الثَّالِثَة إِذا طَلقهَا الزَّوْج قبل الْفَسْخ طَلَاقا رَجْعِيًا فلهَا الْفَسْخ فَإِن فسخت فَهَل تسْتَأْنف عدَّة أُخْرَى فِيهِ خلاف وَإِن أجازت لم تصح إجازتها لِأَنَّهَا لَا تفِيد حلا وَهِي صائرة إِلَى الْبَيْنُونَة وَلَا يخرج على وقف الْعُقُود بل هُوَ كَمَا لَو بَاعَ خمرًا فَصَارَ خلا وَفِيه وَجه بعيد أَنه يخرج على الْوَقْف وَإِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا فَلَا معنى لإجارتها وَلَا لفسخها وَنقل الْمُزنِيّ أَنه ينفذ فَسخهَا ونتبين بطلَان الطَّلَاق وَكَأن حَقّهَا كَانَ قَوِيا فِي الْفَسْخ فَلَيْسَ للزَّوْج إِبْطَاله بِالطَّلَاق الرَّابِعَة إِذا عتق الزَّوْج وَتَحْته أمة فَلَا خِيَار لَهُ لِأَن الْخَبَر ورد فِيهَا وَلَيْسَت الْمَرْأَة كَالرّجلِ فِي هَذَا الْمَعْنى وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يثبت الْخِيَار لَهُ قِيَاسا لأَنا ألحقنا رق

الزَّوْج بالعيوب حَتَّى يثبت لَهَا الْخِيَار وَقد ثَبت اسْتِوَاء الزَّوْجَيْنِ فِي الْعُيُوب الْخَامِسَة أَن هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر أم لَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه على الْفَوْر كَخِيَار الْعَيْب فِي البيع وَالثَّانِي على التَّرَاخِي حَتَّى لَا يسْقط إِلَّا بِإِسْقَاط أَو تَمْكِين من الْوَطْء مَعَ جَرَيَان الْوَطْء لِأَن البيع لَا يقْصد مِنْهُ إِلَّا الْمَالِيَّة وَيدْرك على الْفَوْر فَوَاته بِالْعَيْبِ ومقاصد النِّكَاح كَثِيرَة تفْتَقر إِلَى التروي ثمَّ لَا يُمكن إدامته مَعَ جَرَيَان الْوَطْء وعَلى التَّأْبِيد فَيسْقط بالإسقاط أَو الْوَطْء وَالثَّالِث أَنه يتمادى ثَلَاثَة أَيَّام وَيَكْفِي ذَلِك مهلة للتروي وَالظَّاهِر أَن خِيَار الْعَيْب فِي النِّكَاح على الْفَوْر وَقد حكى وَجه فِي طرد الْأَقْوَال فِيهِ وَهُوَ غَرِيب ومنقاس إِذْ الْفرق عسير وغايته أَن الْأمة لم تطلع من حَال أَمر الزَّوْج على أَمر جَدِيد حَتَّى تدْرك على الْفَوْر مصْلحَته فيفتقر إِلَى التروي بِخِلَاف مَا إِذا اطلع على عيب لم يعرفهُ التَّفْرِيع لَو وَطئهَا العَبْد فادعت الْجَهْل نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ فَمنهمْ من قَالَ يقبل وَمِنْهُم من قَالَ لَا يقبل فَمنهمْ من قَالَ أَرَادَ مَا إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِعتْقِهَا أما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِثُبُوت الْخِيَار فَيقبل وَمِنْهُم من قَالَ إراد إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِثُبُوت الْخِيَار شرعا لِأَنَّهَا لَا تعذر على قَول

كَمَا لَو ادّعى المُشْتَرِي الْجَهْل بِخِيَار الْعَيْب وَتعذر على قَول لِأَن ذَلِك شَائِع وَهَذَا قد يخفى أما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِعتْقِهَا فَيقبل لِأَنَّهُ لَا تَقْصِير مِنْهَا أصلا وَأما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِأَن الْخِيَار على الْفَوْر فَلَا تعذر وَلَو ادَّعَت الْجَهْل بِخِيَار البرص والعيوب فَيَنْبَغِي أَن يخرج على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي مَظَنَّة الالتباس السَّادِسَة إِذا عتقت قبل الْمَسِيس وفسخت سقط كَمَال الْمهْر لِأَن الْفَسْخ حصل بِسَبَبِهَا وَلنْ يسْتَند إِلَى عيب فِي الزَّوْج وَإِن فسخت بعد الْمَسِيس قطعُوا بِأَن المسمي لَا يسْقط وَلم يطردوا القَوْل الْمخْرج هَا هُنَا وَوَجهه أَن الْمهْر هَا هُنَا للسَّيِّد وَقد اسْتَقر بِالْوَطْءِ فَلَا يظْهر أثر فَسخهَا فِي اسْتِرْدَاد الْمهْر مِنْهُ وَقد أحسن إِلَيْهَا إِذْ أعْتقهَا

السَّبَب الرَّابِع الْعنَّة وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أُمُور الأول السَّبَب وَهُوَ امْتنَاع الوقاع وَحُصُول الْيَأْس مِنْهُ يجب أَو عنة وَمعنى الْعنَّة سُقُوط الْقُوَّة الناشرة للآلة وَلَو حصل ذَلِك بِمَرَض مزمن يَدُوم ثَبت الْخِيَار أَيْضا إِذْ الْعنَّة مرض فِي عُضْو مَخْصُوص وَهَذَا فِي جَمِيع الْبدن والخصي هَل يلْتَحق بالمجبوب فِيهِ قَولَانِ وَلَعَلَّ مأخذه أَنه يفوت بِهِ الْوَلَد دون الْمُبَاشرَة والعنة الطارئة بعد الْوَطْء لَا تُؤثر قولا وَاحِدًا وَلَو عَن عَن امْرَأَة دون أُخْرَى ثَبت الْخِيَار وَلَو عَن المأتى وَقدر على غير المأتى ثَبت الْخِيَار وَلَو امْتنع مَعَ الْقُدْرَة فَلَا يثبت الْخِيَار وَلَكِن هَل يثبت للْمَرْأَة الْمُطَالبَة بوطأة وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يثبت لِأَن داعيته كَافِيَة فِي الاستحثاث

وَالثَّانِي تثبت الْمُطَالبَة لعلتين إِحْدَاهمَا حُصُول أصل التحصن وَالثَّانيَِة تَقْرِير الْمهْر وَإِنَّمَا لَا تثبت الْمُطَالبَة بِكُل حَال لِأَنَّهُ قد يفتر عَن الْوَفَاء بمطالبتها لَو سلطت عَلَيْهِ وَالْمَرْأَة لَا تعجز عَن التَّمْكِين فَإِن عللنا بتقرير الْمهْر لم تثبت الْمُطَالبَة بعد الْإِبْرَاء وَثَبت لسَيِّد الْأمة الْمُطَالبَة دون الْأمة لِأَن الْمهْر لَهُ وَمهما غيب مِقْدَار الْحَشَفَة سَقَطت الْمُطَالبَة فَإِنَّهُ وَطْء كَامِل فِي التَّحْلِيل والإحصان وَالْعدة وَالْغسْل وَالْحَد وَغَيرهَا النّظر الثَّانِي فِي الْمدَّة عنته إِمَّا بِإِقْرَارِهِ أَو يَمِينهَا بعد نُكُوله ضربت الْمدَّة سنة حَتَّى تَتَكَرَّر عَلَيْهِ الْفُصُول الْأَرْبَعَة فَرُبمَا يتَغَيَّر الطَّبْع فَلَو قَالَ مارست نَفسِي وَأَنا عنين فَلَا تضربوا لي الْمدَّة فَلَا نبالي بقوله بل لَا بُد من الْمدَّة وَلَا يتَصَوَّر أَن تثبت الْعنَّة بِشَهَادَة لِأَنَّهُ لَا مطلع عَلَيْهَا نعم القَوْل قَوْله إِذا أنكر الْعنَّة فَإِن نكل حَلَفت لِأَنَّهَا بقرائن الْأَحْوَال بعد طول الممارسة تعلم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا تحلف لِأَنَّهَا لَا تعلم كَمَا لَا يشْهد الشَّاهِد وَهُوَ بعيد بل إِذا تنَازعا فِي نِيَّة الطَّلَاق فنكل قضى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ برد الْيَمين عَلَيْهَا مَعَ أَن النِّيَّة غيب فَهَذَا أولى وَإِذا حلف الرجل على أَنه لَيْسَ بعنين تَرَكْنَاهُ وَلم نطالبه بِإِقَامَة الْبُرْهَان بالإقدام على

الْوَطْء إِلَّا إِذا قُلْنَا لَهَا الْمُطَالبَة بوطأة وَاحِدَة فَذَلِك يثبت أَيْضا فِي حق غير الْعنين والعنة بعد الْوَطْء لَا توجب الْخِيَار لِأَنَّهُ إِذا قدر مرّة فَرُبمَا تعود الْقُدْرَة ثمَّ إِذا أقرّ أَو حَلَفت لم تضرب الْمدَّة إِلَّا بالتماسها فَإِن سكتت لم تضرب وتستوي مُدَّة الْحر وَالْعَبْد لِأَن هَذَا أَمر يتَعَلَّق بالطبع فَإِن مَضَت الْمدَّة وَلم يجر وَطْء بالِاتِّفَاقِ رفعت الْأَمر إِلَى القَاضِي فَإِن لَهُ نظرا فِي دَعْوَاهُ الْإِصَابَة فَإِذا قضى عَلَيْهِ بالعنة فسخت كَمَا فِي الْجب وَسَائِر الْعُيُوب وَفِيه وَجه أَن القَاضِي هُوَ الَّذِي يتعاطى الْفَسْخ لِأَن ظُهُور ذَلِك فِي مَحل الِاجْتِهَاد وَلَا خلاف فِي أَن القَاضِي لَا يُطلق عَلَيْهِ كَمَا يفعل فِي المؤلي على قَول لِأَن الْإِيلَاء كَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فَجعل مُوجبا للطَّلَاق وَأما هَذَا ففسخ كَخِيَار الْعُيُوب فرع إِنَّمَا تحسب الْمدَّة إِذا لم تَعْتَزِل عَنهُ فَإِن اعتزلت لم تحسب وَلَو انْعَزل الزَّوْج قصدا

حسب لِأَنَّهُ لَا يعجز عَن المدافعة بذلك وَلَو سَافر فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه يحْسب النّظر الثَّالِث فِي اسْتِيفَاء الْخِيَار وَهَذَا الْفَسْخ فِي الْأَحْكَام كالفسخ بِالْعَيْبِ فِي أَنه على الْفَوْر وَأَنه إِن رضيت فَلَا اعْتِرَاض للْوَلِيّ وَلَو رضيت فَلَا عود إِلَى الطّلب بِخِلَاف رِضَاهَا بِالزَّوْجِ المؤلي فَإِن الْقُدْرَة حَاصِلَة والتوقع ثمَّ دَائِم وَأما هَا هُنَا فَحصل الْيَأْس وَإِن فسخت فِي أثْنَاء الْمدَّة لم ينفذ وَإِن رضيت فَهَل ينفذ حَتَّى يسْقط حَقّهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يثبت الْفَسْخ وَالرِّضَا فِي مُقَابلَته فَلَا يثبت قبله وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تَدعِي الْمعرفَة بالعنة وَلَو رضيت بعد الْمدَّة فَطلقهَا زَوجهَا ثمَّ رَاجعهَا وَكَانَت الْعدة وَجَبت باستدخال مائَة لم يثبت لَهَا الْمُطَالبَة ثَانِيًا وَإِن أَبَانهَا ثمَّ جدد نِكَاحهَا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يعود لِأَنَّهَا رضيت مرّة الثَّانِي نعم لِأَنَّهَا رُبمَا توقعت عود قوته وَلذَلِك لَو وَطئهَا فِي النِّكَاح الأول وَعَن عَنْهَا فِي النِّكَاح الثَّانِي ثَبت لَهَا الْمُطَالبَة وَلَو عَن عَنْهَا فِي ذَلِك النِّكَاح بعد الْوَطْء لم تطالب النّظر الرَّابِع فِي النزاع فِي الْإِصَابَة وَمهما تنَازعا فَالْقَوْل قَول من يُنكر الْإِصَابَة إِلَّا فِي

ثَلَاثَة مَوَاضِع أَحدهَا إِذا تنَازعا فِي مُدَّة الْعنَّة وَالْإِيلَاء فَالْقَوْل قَوْله وَإِن كَانَ الأَصْل عدم الْإِصَابَة لِأَنَّهُ يعسر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة فَإِن أَقَامَت البية على بَكَارَتهَا رَجعْنَا إِلَى تصديقها وحلفناها لاحْتِمَال رُجُوع الْبكارَة الثَّانِي إِذا قَالَت طلقتني بعد الْمَسِيس ولي كَمَال الْمهْر فَأنْكر فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا إِذا أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون الْعلُوق فِي النِّكَاح فَإنَّا نثبت النّسَب بِالِاحْتِمَالِ ونقوي بِهِ جَانب الْمَرْأَة فَنَجْعَل القَوْل قَوْلهَا فَإِن لَاعن عَن الْوَلَد اسْتَقر الظَّاهِر فِي جَانِبه فنرجع إِلَى الْقيَاس وتصديقه بِيَمِينِهِ الثَّالِث إِذا تنَازعا فِي الْوَطْء مَعَ التوافق على جَرَيَان الْخلْوَة قَالَ بعض الْأَصْحَاب الْخلْوَة تصدق من يَدعِي الْوَطْء وَالأَصَح أَن ذَلِك لَا يُؤثر فِي تَغْيِير قانون التَّصْدِيق

الْقسم الْخَامِس من الْكتاب فِي فُصُول مُتَفَرِّقَة شذت عَن هَذِه الضوابط وَهِي سِتَّة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَا يستباح من الِاسْتِمْتَاع بِالنِّكَاحِ فَنَقُول يحل للرجل جَمِيع فنون الِاسْتِمْتَاع وَلَا يسْتَثْنى عَنهُ إِلَّا كَرَاهَة فِي النّظر إِلَى الْفرج وَتَحْرِيم مُؤَكد فِي الْإِتْيَان فِي الدبر وَنهي عَن الْعَزْل على وَجه وَالصَّحِيح أَن الْعَزْل جَائِز مُطلقًا وَمِنْهُم من منع مُطلقًا وَقَالَ هُوَ الوأد الْأَصْغَر وَمِنْهُم من أَبَاحَ فِي الْمَنْكُوحَة الرقيقة دون الْحرَّة خوفًا من إرقاق الْوَلَد وَمِنْهُم من جوز برضى الْمَرْأَة كَأَنَّهُ يحذر من تضررها وكل ذَلِك ضَعِيف بل الْقيَاس أَن الإمتناع عَن إرْسَال المَاء فِي الرَّحِم كالإمتناع عَن أصل الْإِنْزَال وَتَحْقِيق هَذِه الْمَسْأَلَة ذَكرنَاهَا على الإستقصاء فِي كتاب النِّكَاح من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين فِي ربع الْعَادَات فليطلب مِنْهُ

وَلَا خلاف فِي جَوَاز الْعَزْل من السّريَّة والمملوكة حفظا للْملك وَاخْتلفُوا فِي أَن الْمُسْتَوْلدَة كالسرية أَو كالمنكوحة وَأما الْإِتْيَان فِي الدبر فمحرم فِي الْمَمْلُوك والمملوكة والمنكوحة وَمَا يحْكى عَن بعض الْأَئِمَّة من تجويزه فِي الْمَنْكُوحَة فَهُوَ اختراع بل النَّص عَن فِي النَّهْي عَن اتيان النِّسَاء فِي الْمَحِيض

وتعليله بِأَنَّهُ أذا مُنَبّه على تَحْرِيمه بطرِيق الأولى فَإِن الْأَذَى فِي ذَلِك الْموضع دَائِم ثمَّ اتّفق الْأَصْحَاب على أَنه فِي معنى الْوَطْء فِي إِفْسَاد الْعِبَادَات وَوُجُوب الْغسْل من الْجَانِبَيْنِ وَوُجُوب الْكَفَّارَة وَوُجُوب مهر الْمثل فِي النِّكَاح الْفَاسِد وبالشبهة وَوُجُوب الْعدة وَحُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ التَّحْلِيل والإحصان إحتياطا للتحليل ولسقوط الْحَد وترددوا فِي أَرْبَعَة أُمُور

أَحدهَا النّسَب وَالظَّاهِر أَنه يثبت أَن المَاء قد يسْبق وَيتَّجه هَذَا عِنْد من يثبت النّسَب فِي السّريَّة بِمُجَرَّد الْوَطْء مَعَ الْعَزْل الثَّانِي تَقْرِير الْمُسَمّى فِي النِّكَاح وَالظَّاهِر أَنه يتَعَلَّق بِهِ وَإِنَّمَا ذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ ترددا مَعَ قطعهم بِوُجُوب مهر الْمثل فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَالثَّالِث الرَّجْم وَالْجَلد ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا بِهِ الْحَد لم نوجبه فِي الْمَمْلُوكَة والمنكوحة بل ذَلِك كإتيانهما فِي الْحيض ونوجب فِي الْمَمْلُوك لِأَن الْملك هَاهُنَا لَا ينتهض شُبْهَة بِخِلَاف وَطْء الْأُخْت الْمَمْلُوكَة فَإِن الصَّحِيح ثمَّ سُقُوط الْحَد لقِيَام الْمُبِيح الرَّابِع فِي الاستنطاق فِي النِّكَاح وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تستنطق وَفِيه وَجه أَنَّهَا كالثيب

الْفَصْل الثَّانِي فِي وَطْء الْأَب جَارِيَة الابْن وَهُوَ حرَام وَلَكِن لَهُ فِي مَال ابْنه شُبْهَة الإعفاف وبمثل هَذِه الشُّبْهَة يسْقط عَنهُ حد السّرقَة فتؤثر هَذِه الشُّبْهَة أَيْضا فِي دَرْء الْحَد عَنهُ وَوُجُوب الْمهْر عَلَيْهِ وَفِي تَحْرِيم الْجَارِيَة على الابْن أبدا بِحكم الْمُصَاهَرَة وَفِي ثُبُوت النّسَب وانعقاد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة وَهل تصير مُسْتَوْلدَة لَهُ إِذا أحبلها فِيهِ قَولَانِ الْمَنْصُوص وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَنَّهَا تصير مُسْتَوْلدَة إِذْ لَا وَجه للْحكم بحريّة الْوَلَد إِلَّا نقل الْملك إِلَيْهِ رِعَايَة لحُرْمَة الْأُبُوَّة وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ لَا سَبَب لنقل الْملك إِلَيْهِ وَلَيْسَ من ضَرُورَة حريَّة الْوَلَد نقل الْملك إِلَيْهِ فَإِن الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يُوجب حريَّة الْوَلَد وَلَا يُوجب أُميَّة الْوَلَد وَكَذَلِكَ الْمَغْرُور بحريّة الْجَارِيَة يخلق الْوَلَد حرا وَلَا تحصل أُميَّة الْوَلَد لِلْجَارِيَةِ وَلَا ينْقل الْملك إِلَيْهِ وَحكي عَن صَاحب التَّقْرِيب قَول ثَالِث فِي الْفرق بَين الْمُعسر والموسر كَمَا فِي

سرَايَة الْعتْق فَإِن قُلْنَا لَا تحصل فَلَا يجوز بيع الْجَارِيَة وَهِي حَامِل بِولد حر وَهل تجب قيمَة الْجَارِيَة على الْأَب لهَذِهِ الْحَيْلُولَة إِلَى وَقت الْولادَة فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب لِأَن يَده مستمرة وانتفاعه دَائِم وَإِنَّمَا هَذَا تَأْخِير بيع أما قيمَة الْوَلَد فَتجب على هَذَا القَوْل بِاعْتِبَار يَوْم والانفصال إِن انْفَصل حَيا وَإِن قُلْنَا يثبت الِاسْتِيلَاد فَفِي وجوب قيمَة الْوَلَد وَجْهَان ينبنيان على أَن الْملك يقدر انْتِقَاله بعد الْعلُوق أَو مَعَ الْعلُوق مِنْهُم من قَالَ بعد الْعلُوق فَتجب الْقيمَة لِأَن الْمَعْلُول يَتَرَتَّب على الْعلَّة وَالصَّحِيح ان لَا قيمَة وَالْملك ينْتَقل مَعَ الْعلُوق والمعلول مَعَ الْعلَّة وَإِن كَانَ بَينهمَا تَرْتِيب فَهُوَ عَقْلِي لَا زماني وَإِذا قارنه فقد صَادف الْعلُوق ملك الْأَب فَلَا تجب الْقيمَة وَقد قيل يَقع قبل الْعلُوق وَهُوَ ضَعِيف يضاهي قَول أبي حنيفَة إِنَّه يَقع قبل الْوَطْء حَتَّى يسْقط الْمهْر أَيْضا وَتَقْدِيم الْمَعْلُول على الْعلَّة من غير

ضَرُورَة مُمْتَنع فِي الْأَحْكَام ومستحيل على الْإِطْلَاق فِي العقليات هَذَا كُله إِذا لم تكن الْجَارِيَة مَوْطُوءَة الابْن فَإِن كَانَت مَوْطُوءَة الابْن فقد حرمت على الْأَب على التَّأْبِيد وَإِن أثبتنا الِاسْتِيلَاد لم يبح للْأَب غشيانها لِأَن التَّحْرِيم المؤبد لَا يرْتَفع بالطورئ

الْفَصْل الثَّالِث فِي إعفاف الْأَب وَفِي وُجُوبه قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْمَذْهَب الْمَشْهُور أَنه يجب لِأَن تعريضه للزِّنَا مَعَ الْقُدْرَة على تحصينه عَن الْحَد فِي الدِّينَا وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة لَا يَلِيق بِحرْمَة الْأُبُوَّة وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة والمزني وَهُوَ الْقيَاس أَنه لَا يجب كَمَا لَا يجب إعفاف الابْن وكما لَا يجب إعفاف المحتاجين من بَيت المَال فَإِن قُلْنَا يجب فَإِنَّمَا يجب إعفاف الْأَب الْمُحْتَاج إِلَى النِّكَاح الفاقد للمهر فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول الْأَب وَيدخل تَحْتَهُ الْجد وَإِن علا من جِهَة الْأَب وَمن جِهَة الْأُم وَهُوَ كل من يسْتَحق النَّفَقَة وَلَو اجْتمع اثْنَان مِنْهُم فِي دَرَجَة وَاقْتضى الْحَال توزيع النَّفَقَة إِذا لم يقدر الابْن إِلَّا على نَفَقَة أَحدهمَا كَمَا سَنذكرُهُ فِي كتاب النَّفَقَات إِن شَاءَ الله تَعَالَى فهاهنا لَا يُمكن التَّوْزِيع فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يقرع بَينهمَا وَالثَّانِي أَن القَاضِي يجْتَهد وَيقدم من يرى فِي مخايله أَنه أحْوج إِلَى النِّكَاح وَأما قَوْلنَا مُحْتَاج إِلَى النِّكَاح فأردنا بِهِ صدق الشَّهْوَة فَإِذا ادعِي الشَّهْوَة وَجب قبُوله من غير تَحْلِيف فَإِن ذَلِك لَا يَلِيق بالاحترام نعم هُوَ بَينه وَبَين الله تَعَالَى لَا يحل لَهُ اقتراح ذَلِك إِلَّا إِذا صدقت بشهوته بِحَيْثُ يعسر عَلَيْهِ مصابرتها وَيحْتَمل أَن يعْتَبر مَعَ ذَلِك خوف الْعَنَت كَمَا فِي نِكَاح الْأمة وَأما قَوْلنَا الفاقد للمهر فأردنا بِهِ أَنه لَو وجد مَالا هُوَ بلغَة نَفَقَته أَيَّامًا لكنه لَا يَفِي بِالْمهْرِ فَيجب إعفافه لِأَنَّهُ مستغن عَن النَّفَقَة دون الإعفاف وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق النَّفَقَة وَهُوَ ضَعِيف وَأما قَوْلنَا يجب الإعفاف فنعني بِهِ مَا تحصل بِهِ عفته عَن الزِّنَا وَيحصل ذَلِك بِأَن يُزَوّج مِنْهُ امْرَأَة مسلمة أَو كِتَابِيَّة أَو يملكهُ جَارِيَة أَو يسلم إِلَى صدَاق امْرَأَة أَو ثمن جَارِيَة ثمَّ يلْزم مُؤنَة الزَّوْجَة فِي دوَام النِّكَاح وَلَيْسَ للْأَب أَن يعين امْرَأَة رفيعة الْمهْر وَمهما تعين مِقْدَار الْمهْر فتعيين الزَّوْجَة إِلَى الْأَب لَا إِلَى الابْن وَلَا يَكْفِيهِ أَن يُزَوجهُ عجوزا شوهاء أَو مَعِيبَة بِبَعْض الْعُيُوب فَإِن ذَلِك لَا يعف وَيكون

ذَلِك كطعام فَاسد لَا ينساغ فَإِنَّهُ لَا يقبل فِي النَّفَقَة وَلَا يلْزمه تَسْلِيم الصَدَاق إِلَى الْأَب بل لَهُ أَن لَا يَسُوق الصَدَاق إِلَّا بعد العقد فرعان أَحدهمَا أَنه تكفيه زَوْجَة وَاحِدَة فَلَو مَاتَت لزمَه الْأُخْرَى وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يلْزمه لِأَن النِّكَاح وَظِيفَة الْعُمر فَيَكْفِي مرّة وَاحِدَة وَمهما فسخ نِكَاحهَا بِبَعْض الْعُيُوب أَو انْفَسَخ لَا بِاخْتِيَارِهِ فَيجب التَّجْدِيد كَمَا فِي الْمَوْت أما إِذا طَلقهَا فَفِي التَّجْدِيد ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب لِأَن تَكْلِيفه إمْسَاك زَوْجَة وَاحِدَة فِيهِ عسر وَالثَّانِي لَا يجب إِذْ هُوَ الَّذِي قطع النِّكَاح بِنَفسِهِ وَالثَّالِث أَنه إِن طلق بِعُذْر ظَاهر من رِيبَة أَو غَيرهَا كَانَ كالرد بِالْعَيْبِ فَيجب التَّجْدِيد وَإِلَّا فَلَا أما إِذا كَانَ مطلاقا بِحَيْثُ ينْسب فِي الْعرف إِلَيْهِ فَلَا يجب التَّجْدِيد الثَّانِي لَو ملك الابْن جَارِيَة فَإِذا أَرَادَ أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ فَهَذَا يبتنى على أصلين

أَحدهمَا أَن الْأَب هَل يعد مُوسِرًا بِمَال وَلَده حَتَّى يمْتَنع عَلَيْهِ نِكَاح الْأمة وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا لَا يعد مُوسِرًا فيبتني على أَن وَطْء جَارِيَة الابْن هَل يُوجب الِاسْتِيلَاد فَإِن قُلْنَا يُوجب لم يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى انْفِسَاخ النِّكَاح بِحُصُول الْوَلَد الَّذِي هُوَ مَقْصُود العقد أما إِذا كَانَ الْأَب عبدا ونكح جَارِيَة ابْنه جَازَ لِأَن الِاسْتِيلَاد فِي حَقه غير مُمكن لَا يتَصَوَّر لَهُ الْملك فَكيف ينْتَقل الْملك إِلَيْهِ وَلَو نكح الْحر أمة أَجْنَبِي فملكها ابْنه لم يَنْفَسِخ النِّكَاح لِأَن هَذِه الشُّرُوط والتوهمات إِنَّمَا تعْتَبر فِي ابْتِدَاء العقد لَا فِي دَوَامه نعم إِذا حصل ولد فِي ملك الابْن

انْفَسَخ النِّكَاح إِذْ ذَلِك وانعقد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا ينْعَقد على الْحُرِّيَّة فَإِن وَطْء فِي ملك النِّكَاح لَا يَقْتَضِي حريَّة الْوَلَد فَلَا يحصل الِاسْتِيلَاد وَهُوَ بعيد وَلَو أمكن هَذَا لحكمنا بِصِحَّة النِّكَاح ابْتِدَاء كَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة وَلَا خلاف بَين الْأَصْحَاب أَنه لَو نكح جَارِيَة مكَاتبه لم يَصح لتوقع الِاسْتِيلَاد وانقلاب الْملك إِلَيْهِ كَمَا فِي جَارِيَة الابْن لَكِن لَو طَرَأَ ملك الْمكَاتب على زَوْجَة سَيّده فَفِي الِانْفِسَاخ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كطرآن ملك الابْن وَالثَّانِي يَنْفَسِخ لِأَن الْمكَاتب وَمَاله كالملك للسَّيِّد فَلَا يفرق فِي ذَلِك بَين الطَّارِئ والمقارن كَمَا فِي ملك الزَّوْج زَوجته

الْفَصْل الرَّابِع فِي تَزْوِيج الْإِمَاء وَحكمه فِي الِاسْتِخْدَام وَالنَّفقَة وَالْمهْر أما الِاسْتِخْدَام فَلَا يبطل بِالتَّزْوِيجِ وَإِنَّمَا يحرم الِاسْتِمْتَاع لِأَن تَعْطِيل مَنْفَعَتهَا على السَّيِّد ينفره من الرَّغْبَة فِي التَّزْوِيج بِخِلَاف الْحرَّة فَإِنَّهُ صَاحِبَة الْحَظ فيرغب مَعَ تَعْطِيل الْمَنَافِع ثمَّ السَّيِّد يستخدمها نَهَارا ويسلمها إِلَى الزَّوْج لَيْلًا فَلَو عكس لم يجز لِأَن اللَّيْل هُوَ وَقت الِاسْتِمْتَاع وَلذَلِك يعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْقسم نعم هَل للسَّيِّد أَن يَقُول أبوئها بَيْتا فِي دَاري ليلقاها زَوجهَا وَلَا أسلمها إِلَيْهِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يُنَاقض تَمام التَّمْكِين وَالثَّانِي لَهُ ذَلِك لِأَن الْيَد حَقه وَلَا ضَرُورَة إِلَى إِبْطَاله كَيفَ وَلَا خلاف أَن لَهُ أَن يُسَافر بهَا وعَلى الزَّوْج إِن أَرَادَ صحبتهَا أَن يصحبها ولينفرد بهَا لَيْلًا فَإِذا جَازَ ذَلِك فَهَذَا أولى فَإِن قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَن يبوئها بَيْتا فَلَو كَانَت محترفة فَقَالَ سلموها نَهَارا إِلَيّ

لتحترف فِي بَيْتِي وأستأنس بمشاهدتها قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يجب إسعافه جمعا بَين الْجَانِبَيْنِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يجب تَسْلِيمهَا فِي مُدَّة الْعَمَل فَإِن ذَلِك نقص فِي حق السَّيِّد أما النَّفَقَة فَتجب على الزَّوْج بكمالها إِن تسلم إِلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِن لم تسلم إِلَيْهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن لَهَا النَّفَقَة على السَّيِّد لِأَن النَّفَقَة إِنَّمَا تجب بِكَمَال التَّمْكِين على الزَّوْج وَلم يجر وَالثَّانِي أَنه يجب كَمَال النَّفَقَة على الزَّوْج لِأَنَّهُ يسلم لَهُ كَمَال التَّمْكِين الْمُسْتَحق بِالنِّكَاحِ وَالثَّالِث أَنه يتشطر لتشطر الزَّمَان أما إِذا نشزت الْحرَّة نَهَارا وسلمت لَيْلًا فعلى وَجه تسْقط جَمِيع النَّفَقَة وعَلى وَجه يسْقط الشّطْر لِأَنَّهُ لم تسلم كَمَال الْمُسْتَحق بِالنِّكَاحِ وَلَا خلاف فِي أَنه لَو سَافر السَّيِّد بهَا سَقَطت النَّفَقَة وَلم يلْزم الزَّوْج مصاحبتها والإنفاق عَلَيْهَا

وَأما الْمهْر فَإِنَّمَا يجب للسَّيِّد وَلَا يسْقط بإسقاطها وَالنَّظَر فِي السُّقُوط بِالْقَتْلِ وَالْبيع أما الْقَتْل فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن السَّيِّد لَو قَتلهَا قبل الْمَسِيس فَلَا مهر لَهُ مَعَ أَنه لَا خلاف فِي أَن الْحرَّة لَو مَاتَت أَو قَتلهَا أَجْنَبِي قبل الْمَسِيس اسْتَقر الْمهْر لِأَن ذَلِك نِهَايَة النِّكَاح وَلذَلِك يتَعَلَّق بِهِ الْإِرْث فَمنهمْ من خرج قولا فِي الْأمة من الْحرَّة وَمِنْهُم من قرر النَّص وَعلل بعلتين إِحْدَاهمَا أَن السَّيِّد زوج بِحكم ملك الْيَمين فَيسْقط حَقه بإتلافه قبل الْقَبْض كَمَا فِي البيع وَالثَّانيَِة أَن الْعَاقِد هُوَ الَّذِي فَوت الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَيمْتَنع مِنْهُ الْمُطَالبَة وَيَنْبَنِي على العلتين قتل الْحرَّة نَفسهَا لِأَنَّهَا عاقدة وَلَيْسَت مَمْلُوكَة وَفِيه وَجْهَان وَكَذَلِكَ قتل الْأَجْنَبِيّ الْأمة يخرج على العلتين

فَأَما موت الْأمة فَلَا يخرج على العلتين وَلَا خلاف أَنه يُقرر المَاء أما إِذا بَاعَ الْأمة لم يَنْفَسِخ النِّكَاح خلافًا لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَيسلم الْمهْر للْبَائِع لِأَنَّهُ وَجب بِالْعقدِ إِلَّا فِي صُورَة التَّفْوِيض على قَوْلنَا يجب الْمهْر بالمسيس غير مُسْتَند إِلَى العقد فَعِنْدَ ذَلِك إِذا جرى الْمَسِيس فِي ملك المُشْتَرِي كَانَ لَهُ الْمهْر نعم لَو بَاعَ قبل تَسْلِيم الْمُسَمّى لم يكن لَهُ منع الْأمة وحبسها لسوق الصَدَاق إِلَيْهِ إِذْ لم يبْق لَهُ تصرف فِي الْأمة وَلم يكن أَيْضا للْمُشْتَرِي الْحَبْس لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الْمهْر فيستفيد الزَّوْج بِالْبيعِ سُقُوط حق الْمَنْع وَمهما أعتق الْجَارِيَة كَانَ حكم الْمهْر مَا ذَكرْنَاهُ لَكِن الْمُعتقَة تقوم مقَام المُشْتَرِي فرعان أَحدهمَا لَو زوج أمته من عَبده فَلَا يسْتَحق السَّيِّد الْمهْر إِذْ لَا يسْتَحق السَّيِّد على عَبده دينا وَالرّق الْمُقَارن للْعقد دفع الْمهْر بعد جَرَيَان مُوجبه وَلَو يكن هَذَا تعرية للْعقد عَن الْمهْر بل جرى الْمُوجب واقترن بِهِ الدَّافِع فَانْدفع والاندفاع فِي معنى الِانْقِطَاع لَا فِي معنى الِامْتِنَاع الثَّانِي إِذا قَالَ لأمته أَعتَقتك على أَن تنكحيني فَلَا ينفذ الْعتْق إِلَّا بقبولها لِأَنَّهُ علق بعوض مَقْصُود ثمَّ إِذا قبلت عتقت وَفَسَد الْعِوَض وَلَو يلْزمهَا الْوَفَاء بِالنِّكَاحِ وَالرُّجُوع عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا للسَّيِّد كَمَا لَو أعْتقهَا على خمر ثمَّ لَو نَكَحَهَا بعد ذَلِك بِالْقيمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَهِي مَجْهُولَة فَفِي صِحَة الصَدَاق وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يَصح

وَالثَّانِي أَنه يَصح إِذْ الِاسْتِيفَاء غير مَقْصُود بِخِلَاف مَا لَو أتلفت الْحرَّة على إِنْسَان شَيْئا ولزمتها قيمَة مَجْهُولَة فنكحها بِتِلْكَ الْقيمَة فَالصَّحِيح فَسَاد الصَدَاق هَاهُنَا وَيتَّجه طرد الْقَوْلَيْنِ لعسر الْفرق وَلَو قَالَت السيدة لِعَبْدِهَا أَعتَقتك على أَن تنكحني فَالصَّحِيح أَنه ينفذ من غير قبُول وَكَأَنَّهَا قَالَت أَعتَقتك على أَن أُعْطِيك بعده شَيْئا وَمِنْهُم من قَالَ يفْتَقر إِلَى الْقبُول لِأَنَّهُ مَقْصُود فِي الْعَادة وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا خلاف أَنه لَو قَالَ طَلقتك على أَن لَا تَحْتَجِبِي مني وَقع الطَّلَاق من غير قبُول ثمَّ قَالَ صَاحب التَّقْرِيب من أعتق أمة لينكحها وَلم يَأْمَن مخالفتها فسبيله أَن يَقُول إِن يسر الله بَيْننَا نِكَاحا صَحِيحا فَأَنت حرَّة قبله ثمَّ ينْكِحهَا فيبين وُقُوع الْعتْق قبله وَيصِح النِّكَاح وَمِنْهُم من خَالف فِي هَذَا وَبنى على مَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت وَهَذَا الْبناء ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَن موت الْأَب مَعَ تَقْرِير العقد وَهَاهُنَا نتيقن مصادفة صِحَة النِّكَاح لِلْعِتْقِ وَيُمكن أَن يُقَال جعل الْعتْق مَعْلُول الصِّحَّة إِذْ

علق بهَا وَالصِّحَّة مَعْلُول الْعتْق فَتكون الصِّحَّة عِلّة نَفسهَا بِوَاسِطَة الْعتْق فَإِنَّهَا عِلّة الْعتْق الَّذِي هُوَ علتها وَلَا يكون الشيئ عِلّة نَفسه وَلَا مَعْلُول معلوله وَلَيْسَ هَذَا كدور الطَّلَاق فَإِن الْمُعَلق يكون مَعْلُول الْمُنجز والمنجز ر يكون مَعْلُول الْمُعَلق أصلا لِأَن

الْمُنجز لَا يَسْتَدْعِي وُقُوع طَلَاق قبله وَصِحَّة النِّكَاح تستدعي وُقُوع عتق قبله وَفِي الْمَسْأَلَة زِيَادَة غور لَا يحْتَمل هَذَا الْموضع كشفه

الْفَصْل الْخَامِس فِي تَزْوِيج العبيد وَالنَّظَر فِيهِ فِي الْمهْر وَالنَّفقَة وهما لازمان متعلقان بأكساب العَبْد مهما نكح بِالْإِذْنِ وَإِن كَانَ فِي يَده مَال التِّجَارَة تعلق بالأرباح وَهل يتَعَلَّق بِرَأْس المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَسبه فَصَارَ كرقبته وَسَائِر أَمْوَال السَّيِّد وَالثَّانِي أَنه يتَعَلَّق لِأَن الأطماع تمتد إِلَى مَا فِي يَده وَالْقَوْل الْجَدِيد أَن السَّيِّد لَا يصير ضَامِنا للمهر بِمُجَرَّد الْإِذْن فِي العقد إِذْ الْإِذْن لَا يَقْتَضِي إِلَّا تَمْكِينه من أَدَاء لَوَازِم النِّكَاح فَيجب عَلَيْهِ ترك الِاسْتِخْدَام وَتمكن العَبْد حَتَّى يكْسب مِقْدَار الْمهْر أَولا ثمَّ يكْسب للنَّفَقَة وَالْقَوْل الْقَدِيم فِي العَبْد الَّذِي لَيْسَ بكسوب أوجه وَهُوَ مستمد من قَوْلنَا إِن عُهْدَة عُقُود الْمَأْذُون ترجع إِلَى السَّيِّد وَإِن لم يُصَرح بِالضَّمَانِ نعم اخْتلفُوا على الْجَدِيد فِي أَنه هَل يمْتَنع على السَّيِّد المسافرة بِهِ واستخدامه فَقَالَ المراوزة لَهُ ذَلِك ثمَّ عَلَيْهِ لَوَازِم

النِّكَاح وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا بل تعلّقت اللوازم بِكَسْبِهِ فَلَيْسَ لَهُ استيفاءه ثمَّ مهما استخدم يَوْمًا وَاحِدًا مثلا محقا أَو مُبْطلًا فَفِيمَا يلْزمه قلولان أَحدهمَا أقل الْأَمريْنِ من أُجْرَة الْمثل أَو لَوَازِم النِّكَاح وَالثَّانِي أَنه يلْزمه جَمِيع لَوَازِم النِّكَاح لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ يكْتَسب بالِاتِّفَاقِ فِي هَذَا الْيَوْم مَا يَفِي بِالْجَمِيعِ ثمَّ على هَذَا القَوْل ترددوا فِي أَنه هَل يجب كَمَال النَّفَقَة إِلَى آخر الْعُمر أم يقْتَصر على الْمهْر وَنَفَقَة مُدَّة الِاسْتِخْدَام لِأَن الْعُمر مَجْهُول الآخر وَلَا خلاف فِي أَنه لَو استخدمه أَجْنَبِي لم يلْزمه إِلَّا أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ لَيْسَ عاقدا حَتَّى يُخَاطب بلوازم العقد وَالسَّيِّد كالعاقد فرع إِذا نكح العَبْد حرَّة فاشترته انْفَسَخ النِّكَاح وَكَذَلِكَ إِذا اتهبت وَلَكِن يُضَاف الْفَسْخ إِلَى قبُولهَا أَو إِلَى ايجاب السَّيِّد حَتَّى يظْهر أَثَره فِي التشطير قبل الْمَسِيس إِن أضيف إِلَى

السَّيِّد وَإِسْقَاط الْجَمِيع إِن أضيف إِلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ مأخذهما طلب التَّرْجِيح بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي السَّبَبِيَّة مَعَ أَن السَّبَب وَاحِد وَهُوَ مركب فيهمَا جَمِيعًا وَيُمكن أَن يُقَال أصل الْفَسْخ إِسْقَاط جَمِيع الْمهْر إِلَّا إِذا كَانَ السَّبَب من جَانب من يسْتَحق عَلَيْهِ الْمهْر خَاصَّة وَهَذَا لَيْسَ من جَانِبه خَاصَّة فَسقط الْجَمِيع وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه فعلى هَذَا لَو اشترته بِالصَّدَاقِ الَّذِي ملكته عَن السَّيِّد بِصَرِيح ضَمَانه فَإِن كَانَ قبل الْمَسِيس قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح الشِّرَاء إِذْ لَو صَحَّ لسقط الْمهْر ولعري الشِّرَاء عَن الْعِوَض فَيُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه فَيبْطل من أَصله إِذْ يعود الْمهْر إِلَى السَّيِّد بِحكم الْفَسْخ لَا بِحكم البيع وَهَذَا من قبيل الدّور الْحكمِي وَإِن فرعنا على قَول التشطير بَطل الدّور فِي النّصْف وَيخرج فِي الْبَاقِي على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن رَأينَا تَفْرِيق الصَّفْقَة أَو اشترته بعد الْمَسِيس حَيْثُ يَتَقَرَّر الْمُسَمّى كُله فيبتنى على أَن من اسْتحق دينا على عبد ثمَّ اشْتَرَاهُ هَل يسْقط دينه بِالْملكِ الطَّارِئ كَمَا يسْقط بالمقارن وَفِيه وَجْهَان فَإِن قُلْنَا إِنَّه يسْقط فَيُؤَدِّي بَرَاءَته إِلَى بَرَاءَة الْكَفِيل وَهُوَ السَّيِّد فَيُؤَدِّي إِلَى خلو الشِّرَاء عَن الْعِوَض وَيعود إِلَى الدّور الْحكمِي

وَإِن قُلْنَا لَا يسْقط بَقِي السَّيِّد ضَامِنا فَيصح الشِّرَاء وينفسخ النِّكَاح ولنذكر هَا هُنَا مسَائِل خمْسا فِي الدّور الْحكمِي إِحْدَاهَا أَنه لَو أعتق أمته فِي مَرضه وَتَزَوجهَا وَكَانَت ثلث مَاله وَمَات وَلَو يزدْ مَاله لم يكن لَهَا طلب الْمهْر لِأَن ذَلِك يلْحق دينا بِالتَّرِكَةِ وَيُوجب در الْعتْق وَالنِّكَاح وَالْمهْر من أَصله فَطلب الْمهْر يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال أصل الْمهْر الثَّانِيَة الْمَرِيض إِذا زوج أمته عبدا ثمَّ قبض صَدَاقهَا وأتلفه ثمَّ أعْتقهَا فَلَا خِيَار لَهَا إِذْ لَو فسخت لارتد الْمهْر وَلما خرجت من الثُّلُث فَيبْطل الْعتْق وَيبْطل الْخِيَار الثَّالِثَة لَو مَاتَ وَخلف أَخا وعبدين فأعتقهما الْأَخ ثمَّ شَهدا على أَن للْمَيت ابْنا من زَوجته فُلَانَة ثبتَتْ الزَّوْجِيَّة وَالنّسب وَلَا يثبت الْمِيرَاث للْوَلَد بقولهمَا إِذْ لَو ثَبت لحجب الْأَخ وَبَطل إِعْتَاقه وشهادتهما وَإِن شَهدا بِأَن لَهُ بِنْتا لم يثبت الْإِرْث لَهَا لِأَن فِي توريثها رد عتق الْأَخ فِي الْبَعْض وإرقاق بعض الْعَبْدَيْنِ وَذَلِكَ يبطل الشَّهَادَة هَذَا إِذا كَانَ مُعسرا فَإِن كَانَ مُوسِرًا يثبت الْإِرْث إِذْ لَيْسَ من ضَرُورَة الْإِرْث إرقاق العَبْد بل ينفذ فِي نصيب الْأَخ ويسري إِلَى الْبَاقِي الرَّابِعَة لَو أوصى لَهُ بِابْنِهِ فَمَاتَ وَخلف أَخا فَلهُ الْقبُول فَإِذا قبل عتق الابْن وَلم يَرث لِأَنَّهُ ورث لحجب الْأَخ وأبطل قبُوله فَإِنَّهُ قبل لكَونه وَارِثا

الْخَامِسَة لَو اشْترى الْمَرِيض ابْنه أَو أَبَاهُ عتق من ثلثه ثمَّ لَا يَرث أَنه لَو ورث لصار التَّسَبُّب إِلَى عتقه بِالشِّرَاءِ وَصِيَّة لَهُ فَيبْطل الْعتْق وَلَا يَرث وَهَا هُنَا دقيقة فِي طَرِيق قطع الدّور فَإِنَّهُ تَارَة يقطع من أَوله كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي إبِْطَال شِرَاء الزَّوْجَة زَوجهَا وَتارَة من وَسطه كَمَا ذكرنَا فِي إِثْبَات النّسَب وَنفي الْمِيرَاث وَإِنَّمَا ذكرنَا ذَلِك لأجل تَأَكد بعض الْأَسْبَاب وَبعدهَا عَن قبُول الدّفع كالنسب وَضعف بَعْضهَا وقبولها للدَّفْع كَالْبيع وسر ذَلِك قد حققناه فِي كتاب غَايَة الْغَوْر فِي دراية الدّور فليطلب مِنْهُ

الْفَصْل السَّادِس فِي التَّنَازُع فِي النِّكَاح وَالدَّعْوَى إِمَّا أَن تكون مِنْهُ أَو مِنْهَا فَأَما دَعْوَاهُ فصحيحه لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْحق وَعَلَيْهَا تتَوَجَّه الدَّعْوَى بِنَاء على الصَّحِيح فِي قبُول إِقْرَارهَا أما الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت فَإِن ادَّعَت الْمهْر صحت الدَّعْوَى وَإِن ادَّعَت الزَّوْجِيَّة وَلم تتعرض للوازم الدَّعْوَى فَالظَّاهِر قبُول دَعْوَاهَا فَإِن الزَّوْجِيَّة وَإِن كَانَ حَقًا عَلَيْهَا وَلكنهَا منَاط حُقُوق لَهَا وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لفساد صِيغَة الدَّعْوَى إِذْ تَدعِي أَنَّهَا رقيقَة لغَيْرهَا وَهُوَ ضَعِيف بِدَلِيل أَنه تفِيد دَعْوَاهَا إِذا سكت الزَّوْج إِذْ لَو أقرّ بعد ذَلِك أَو ادّعى الزَّوْجِيَّة قبل لِأَنَّهُ مَا ثَبت التَّحْرِيم فَلَو أنكر وَجَعَلنَا إِنْكَاره طَلَاقا على أحد المذهبين

سقط دَعْوَاهَا وَإِن لم نجعله طَلَاقا كَانَ إِنْكَاره كسكوته فروع خَمْسَة الأول إِذا ادّعى زيد زوجية امْرَأَة وَادعت الْمَرْأَة أَنَّهَا زَوْجَة عَمْرو وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة قَالَ ابْن الْحداد بَيِّنَة زيد أولى لِأَنَّهَا استندت إِلَى صِيغَة صَحِيحَة فِي الدَّعْوَى بِخِلَاف دَعْوَى الْمَرْأَة فَاسْتحْسن مِنْهُ بعض الْأَصْحَاب وَخَالفهُ بَعضهم وَقَالَ كَيفَ تسلم لزيد وَقد كَذبته الْبَيِّنَة الْأُخْرَى الْمُقَابلَة لَهَا وَالْمَسْأَلَة الْمَفْرُوضَة فِيمَا إِذا كَانَ عَمْرو ساكتا فَإِنَّهُ لَو أنكر رُبمَا جعل إِنْكَاره طَلَاقا الثَّانِي إِذا زوج إِحْدَى ابْنَتَيْهِ وَمَات وَوَقع النزاع فِي عين الزَّوْجَة فللمسألة حالتان إِحْدَاهمَا أَن يعين الزَّوْج إِحْدَاهمَا وكل وَاحِدَة تَدعِي أَن الْمُزَوجَة صاحبتها فالتي عينهَا الزَّوْج توجه الدَّعْوَى عَلَيْهَا فتجري على منهاج الْخُصُومَات وَالثَّانيَِة لَا خُصُومَة مَعهَا الثَّانِيَة أَن تزْعم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَنَّهَا الْمُزَوجَة فالتي عينهَا الزَّوْج مَنْكُوحَة بِاتِّفَاق الزَّوْجَيْنِ وَبقيت الْأُخْرَى تَدعِي الزَّوْجِيَّة وَقد سبق حكم دَعْوَاهَا وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب لَيْسَ من شَرط الْمَسْأَلَة تَقْدِير موت الْأَب كَمَا فَرْضه ابْن الْحداد فَإِن

الْأَب وَإِن كَانَ حَيا فإقرار الْمَرْأَة يقبل على الصَّحِيح وَهَذَا مُتَّجه إِذا كَانَتَا ثيبين إِذْ لَا يقبل إِقْرَار الْأَب فَهُوَ كالميت وَأما إِذا كَانَتَا بكرين فإقرار الْأَب مَقْبُول عَلَيْهَا ويجر قبُول إِقْرَارهَا مَعَ قبُول إِقْرَاره عسرا لِأَنَّهُ رُبمَا يخْتَلف فَكيف يحكم بهَا فَيمكن أَن يُقَال يرْعَى السَّابِق من الإقرارين أَو يسْقط إِقْرَارهَا إِلَّا إِذا يكذبها الْوَلِيّ وَهُوَ الْأَوْجه الثَّالِث إِذا ادَّعَت زوجية ومهرا وَشهد الشُّهُود وَقضى بِالْمهْرِ فَرجع الشُّهُود فَفِي تغريمهم قَولَانِ مبنيان على شُهُود المَال إِذا رجعُوا أَنهم هَل يغرمون بالحيلولة وَهَا هُنَا أولى بِأَن لَا يغرم لِأَن الشُّهُود أثبتوا الْبضْع لَهُ فِي مُقَابلَة الْمهْر وَهُوَ الَّذِي فَوت بإنكاره التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يغرمون فَإِنَّمَا يغرمون مَا أَخذ من الزَّوْج وَإِن قُلْنَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون فَإِن زَاد الْمَأْخُوذ على قدر مهر فِي مُقَابلَته حَقًا التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يغرمون فَإِنَّمَا يغرمون مَا أَخذ من الزَّوْج وَإِن قُلْنَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون مَا هُوَ قدر مهر الْمثل فَإِن زَاد الْمَأْخُوذ على قدر مهر الْمثل غرموا الزَّائِد لأَنهم لم يثبتوا فِي مُقَابلَته حَقًا الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَلَو شهد الشُّهُود على النِّكَاح وَآخَرُونَ على الْإِصَابَة وَآخَرُونَ على

الطَّلَاق قَالَ ابْن الْحداد الْغرم على شُهُود الطَّلَاق لأَنهم المفوتون وَأما شُهُود النِّكَاح فَإِنَّهُم أثبتوا حَقًا وَالْآخرُونَ أثبتوا استمتاعا وَاتفقَ الْأَصْحَاب على تغليطه لِأَن شُهُود الطَّلَاق وافقوه إِذْ نفوا زوجية هُوَ مُنكر لَهَا بل الْغرم موزع على شُهُود النِّكَاح وشهود الْإِصَابَة إِن شهد شُهُود الْإِصَابَة على الْإِصَابَة فِي نِكَاح وَإِن شهدُوا على أصابة مُطلقَة فَذَلِك لَا يُؤثر لِأَنَّهُ يظْهر كَونه فِي نِكَاح حَتَّى يتَعَلَّق بهَا الحكم الرَّابِع إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة محرمية أَو رضَاعًا بعد العقد وَكَانَت مجبرة تسمع دَعْوَاهَا وَقَالَ ابْن الْحداد القَوْل قَوْلهَا لِأَن هَذَا من الْأُمُور الْخفية فَرُبمَا انْفَرَدت بِهِ وَقَالَ ابْن سُرَيج القَوْل قَوْله وَهُوَ الْأَصَح لِأَن النِّكَاح مَعْلُوم وَالْأَصْل عدم الْمَحْرَمِيَّة وَفتح هَذَا الْبَاب للنِّسَاء طَرِيق عَظِيم فِي الْخَلَاص للفاسقات من ربقة النِّكَاح أما إِذا كَانَت تزوجت بِرِضَاهَا فَظَاهر الْمَذْهَب أَنه لَا يقبل دَعْوَاهَا لِأَنَّهُ يُنَاقض رِضَاهَا إِلَّا إِذا أظهرت عذرا من نِسْيَان أَو غلط فَيحْتَمل أَن يقبل دَعْوَاهَا وَيحلف الزَّوْج كَمَا إِذا ادّعى الرَّاهِن قبل الرَّهْن وَزعم أَنه اعْتمد على كتاب وَكيله أَنه لم يَبِيع ثمَّ بَان أَنه مزور فَإِنَّهُ تقبل دَعْوَاهُ فِي وَجه الْخَامِس إِذا زوج أمته ثمَّ قَالَ زوجتها وَكنت مَجْنُونا أَو مَحْجُورا عَليّ وَأنكر الزَّوْج فَإِن لم يعْهَد لَهُ جُنُون بِيَقِين فَالْقَوْل قَول الزَّوْج وَإِن ادّعى الصبى أَو أمرا معهودا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل بَقَاء تِلْكَ الْحَالة

وَالثَّانِي أَن القَوْل قَول الزَّوْج فَإِنَّهُ اعْترف بِالْعقدِ فَيحمل على الصِّحَّة فَعَلَيهِ بَيِّنَة الْإِبْطَال وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أحرم الْوَلِيّ بعد التَّوْكِيل بِالنِّكَاحِ ثمَّ ادّعى أَن الْوَكِيل زوج بعد الانعزال بِالْإِحْرَامِ أَن القَوْل قَول الزَّوْج لِأَن العقد معترف بِهِ فَيحمل على الصِّحَّة وَلَكِن هَذَا يُفَارق مَسْأَلَة الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ أقرّ بسبق التَّوْكِيل على الْإِحْرَام وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

= كتاب الصَدَاق = وَفِيه خَمْسَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي حكم الصَدَاق الصَّحِيح فِي الضَّمَان وَالتَّسْلِيم والتقرير - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحكم الأول فِي الضَّمَان فَنَقُول كل عين مَمْلُوكَة يَصح بيعهَا أَو مَنْفَعَة مُتَقَومَة تصح الْإِجَارَة عَلَيْهَا فَيصح تَسْمِيَتهَا فِي الصَدَاق حَتَّى تَعْلِيم الْقُرْآن فَلَا يتَعَيَّن للصداق مِقْدَار وَلَا جنس وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أقل الصَدَاق نِصَاب السّرقَة وَقَالَ لَا يصدقها مَنْفَعَة

حر لَكِن يصدقها مَنْفَعَة العَبْد وَيسْتَحب ترك المغالاة فِي الصَدَاق لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير النِّسَاء أرخصهن مهورا وأحسنهن وُجُوهًا

ثمَّ مهما صَحَّ الإصداق فالصداق فِي يَد الزَّوْج مَضْمُون ضَمَان العقد أَو ضَمَان الْيَد فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران

أَحدهمَا أَنه مَضْمُون ضَمَان العقد لِأَنَّهُ عوض فِي مُعَاوضَة كاليبع فعلى هَذَا لَو تلف قبل الْقَبْض انْفَسَخ الصَدَاق وقدرنا انْتِقَال الْملك إِلَى الزَّوْج قبل التّلف حَتَّى لَو كَانَ الصَدَاق عبدا وَمَات كَانَ مئونة التَّجْهِيز على الزَّوْج وَترجع الْمَرْأَة إِلَى مهر الْمثل وَهُوَ عوض الْبضْع إِذْ كَانَ قِيَاس الْفَسْخ رُجُوع الْبضْع إِلَيْهَا لَكِن الصَدَاق لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح فَتعذر رد الْبضْع وَفسخ النِّكَاح بِهِ يضاهي مَا لَو تلف الْعِوَض فِي البيع والمعوض جَارِيَة تعذر ردهَا باستيلاد متملكها فَإِنَّهُ يرجع إِلَى قيمَة الْجَارِيَة وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه مَضْمُون ضَمَان الْيَد كَمَا فِي المستام والمستعار حَتَّى يخرج على وَجْهَيْن فِي أَنه يضمن بأقصى الْقيمَة من يَوْم الإصداق إِلَى التّلف أَو يضمن بِقِيمَة يَوْم الإصداق ومنشأ الْقَوْلَيْنِ التَّرَدُّد فِي أَن الْغَالِب على الصَدَاق مشابه الْعِوَض أَو مشابه النحلة وَيدل على كَونه نحلة قَوْله تَعَالَى {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} وَأَنه لَا يفْسد النِّكَاح بفساده وَلَا يَنْفَسِخ برده اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهُ تحفة عجلت إِلَيْهَا لتهيئ بهَا أَسبَابهَا وَيدل على كَونه عوضا أَنه تقَابل بِهِ الْمَرْأَة فِي العقد كَمَا فِي البيع وَأَنه يَتَقَرَّر بِتَسْلِيم المعوض وَيرجع عِنْد فَسَاده إِلَى بدله وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَكَأَنَّهُ عوض إِذا ثَبت وَلَكِن إثْبَاته ودوامه لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح وَيتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ النّظر فِي التَّصَرُّف فِي الصَدَاق قبل الْقَبْض وَحكم الزَّوَائِد

وَحكم التعييب والتلف وَبَيَانه بِخمْس مسَائِل الأولى بيع الصَدَاق قبل الْقَبْض مُمْتَنع عَن قَول ضَمَان العقد جَائِز على ضَمَان الْيَد وَكَذَلِكَ الإستبدال عَنهُ إِذا كَانَ دينا يجْرِي مجْرى الإستبدال عَن الثّمن على قَول ضَمَان العقد لَا مجْرى الْمُسلم فِيهِ الثَّانِيَة مَنَافِع الصَدَاق إِذا فَاتَ لم يضمنهُ الزَّوْج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه مَضْمُون ضَمَان الْمَغْصُوب نعم لَو استخدم الزَّوْج فاستوفى الْمَنْفَعَة ضمن على قَول ضَمَان الْيَد وعَلى قَول ضَمَان العقد ينزل منزلَة البَائِع إِذا انْتفع وَفِي ضَمَانه وَجْهَان ينبنيان على أَن جِنَايَة البَائِع كجناية الْأَجْنَبِيّ أَو كآفة سَمَاوِيَّة

وَأما الزَّوَائِد كَالْوَلَدِ وَالثِّمَار لَا تدخل فِي ضَمَان الزَّوْج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا الحقناه بِضَمَان الْمَغْصُوب الثَّالِثَة إِذا تعيب الصَدَاق قبل الْقَبْض فلهَا خِيَار فسخ الصَدَاق على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا على وَجه حُكيَ عَن أبي حَفْص بن الْوَكِيل أَنه لَا خِيَار لَهَا على ضَمَان قَول الْغَصْب واتفاق الْجُمْهُور على إِثْبَات الْفَسْخ يُؤَيّد قَول ضَمَان العقد لَكِن الْقَائِل الآخر يَقُول هُوَ وَإِن كَانَ مَضْمُونا ضَمَان الْيَد فقد الْتزم تَسْلِيمه فِي عقد ثمَّ إِن فسخت فعلى ضَمَان قَول العقد رجعت إِلَى مهر الْمثل وَإِن أجازت لم تطالب بِالْأَرْشِ وعَلى الثَّانِي ترجع إِلَى قيمَة الصَدَاق وَإِن أجازت طالبت بِالْأَرْشِ

أما إِذا اطعلت على عيب قديم فلهَا الْخِيَار وَلَكِن على قَول ضَمَان الْيَد هَل تطالب بِالْأَرْشِ إِن أجازت فِيهِ تردد الْأَصْحَاب وتبعد الْمُطَالبَة بِأَرْش مَا لم يدْخل تَحت يَده بِحكم ضَمَان الْيَد وَلَكِن لَهُ وَجه من حَيْثُ إِن الْأَصْحَاب اتَّفقُوا على طرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا أصدقهَا عبدا فَخرج مَغْصُوبًا أَو حرا وَقَالُوا على قَول ضَمَان الْيَد ترجع إِلَى قيمَة العَبْد وتقدر قيمَة الْحر وَزَادُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا لَو أصدقهَا خمرًا أَو خنزيرا قَدرنَا الْخمر عصيرا وَالْخِنْزِير شَاة ورجعنا إِلَى قيمتهمَا على هَذَا القَوْل ثمَّ قَالَ الصيدلاني هَذَا إِذا قَالَ أصدقتك هَذَا العَبْد فَإِذا هُوَ حر أَو هَذَا الْعصير فَإِذا هُوَ خمر أَو قَالَ أصدقتك هَذَا وَلم يسم فَإِن قَالَ أصدقتك هَذَا الْحر أَو هَذَا الْخمر وَالْخِنْزِير فَسدتْ التَّسْمِيَة قطعا وَكَانَ الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل قولا وَاحِدًا وَهَذَا يُنَبه على مَأْخَذ آخر سوى ضَمَان الْيَد وَهُوَ أَن تعْيين الصَدَاق لَهُ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهمَا التَّعْيِين وَالْأُخْرَى التَّقْدِير بِقدر مَالِيَّته وَكَأن التَّسْمِيَة إِن فَسدتْ فِي حق التَّعْيِين فَلَا تفْسد فِي حق تَقْدِير تعْيين الْمَالِيَّة فكأنهما رَضِيا بِهَذِهِ الْعين وَبِهَذَا الْقدر وَالشَّرْع قد منع من عين الْحر وَالْغَصْب وَالْخمر فَبَقيَ

الْمعِين معيارا للقدر فترجع إِلَيْهِ فَكَذَلِك فِي الْعَيْب الْقَدِيم يُمكن أَن يُقَال معيار الْمِقْدَار مظن حَالَة العقد وَهُوَ سليم فَيجب إكماله الرَّابِعَة إِذا تعيب الصَدَاق بجنايتها فَذَلِك كقبضها وَإِن تعيب بِجِنَايَة أَجْنَبِي فلهَا الْخِيَار وَلكنهَا على قَول ضَمَان العقد إِن فسخت طالبة الزَّوْج بِمهْر الْمثل وَلم تطالب الْأَجْنَبِيّ بِالْأَرْشِ وَإِن أجازت طالبت الْأَجْنَبِيّ بِالْأَرْشِ إِذْ جنى على ملكهَا وعَلى قَول ضَمَان الْيَد إِن فسخت طالبت الزَّوْج بِقِيمَة الصَدَاق سالما وَإِن أجازت تخيرت بَين مُطَالبَة الزَّوْج وَالْأَجْنَبِيّ والقرار على الْأَجْنَبِيّ الْخَامِسَة إِذا تلف بعض الصَدَاق ارْتبط النّظر على قَول ضَمَان العقد بتفريق الصَّفْقَة وَإِن تلف كُله لم يخف تَفْرِيع ضَمَان العقد لَكِن على قَول ضَمَان الْيَد لَا فسخ لَهَا بِخِلَاف مَا إِذا تعين فَإِنَّهَا تستفيد بِالْفَسْخِ الْخَلَاص بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوع بِالْقيمَةِ وَأما هَا هُنَا إِن أجازت أَو فسخت فرجوعها إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق فَأَي معنى لفسخ لَا فَائِدَة لَهُ وَقد تضرر بِهِ إِذْ تسْقط مُطَالبَته عَن الْأَجْنَبِيّ وَإِذ قُلْنَا إِنَّه يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب وَكَانَ قِيمَته يَوْم التّلف أَكثر فَإِن أجازت أخذت قِيمَته يَوْم التّلف وَإِن فسخت رجعت إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق فينقص حَقّهَا وتتضرر بِالْفَسْخِ وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يُسَاوِي أَضْعَاف الثّمن فَإِن لَهُ الرَّد لِأَن لَهُ فَائِدَة فِي الْخُرُوج من الْعهْدَة

الحكم الثَّانِي فِي التَّسْلِيم وَمهما تنَازعا فِي الْبِدَايَة بِالتَّسْلِيمِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال كَمَا فِي البيع أحداها أَنَّهُمَا يجبران مَعًا من غير تَقْدِيم أَحدهمَا وَطَرِيقه أَن يُكَلف الزَّوْج تَسْلِيم الصَدَاق على عدل وتكلف الْمَرْأَة التَّمْكِين فَإِذا وَطئهَا أخذت الصَدَاق وَالثَّانِي أَنَّهُمَا لَا يجبران بل من أَرَادَ اسْتِيفَاء مَاله بَادر إِلَى تَسْلِيم مَا عَلَيْهِ حَتَّى يجْبر صَاحبه على التَّسْلِيم وَالثَّالِث أَن الْبِدَايَة بِالزَّوْجِ لِأَن اسْتِرْدَاد الصَدَاق مُمكن دون الْبضْع وَهَذَا بِشَرْط أَن تكون مهيأة للاستمتاع فَإِن كَانَت صَغِيرَة فَفِي الْمهْر قَولَانِ كَمَا فِي النَّفَقَة وَإِن كَانَت محبوسة أَو مَمْنُوعَة بِعُذْر آخر لم يجب تَسْلِيم الصَدَاق إِلَيْهَا وَالْقَوْل الرَّابِع وَهُوَ أَن الْبِدَايَة بِالْمَرْأَةِ وَإِن كَانَت فِي رُتْبَة البَائِع فَإِن ذَلِك لَا يجْرِي هَا هُنَا أصلا لِأَن الْبضْع يفوت بِالتَّسْلِيمِ بِخِلَاف الْمَبِيع ثمَّ إِن الْبِدَايَة لَا تخلوا إِمَّا أَن تكون مِنْهَا أَو مِنْهُ فَإِن كَانَ مِنْهَا التَّمْكِين ثَبت لَهَا طلب الصَدَاق على الْأَقْوَال كلهَا وطِئت أَو لم تُوطأ إِذْ بذلت مَا فِي وسعهَا فَإِن رجعت إِلَى

الِامْتِنَاع لم يكن لَهَا طلب الصَدَاق لِأَن شَرط اسْتِمْرَار الطّلب على قَوْلنَا الِابْتِدَاء بِالزَّوْجِ اسْتِمْرَار التَّمْكِين وَإِن وَطئهَا اسْتَقر الطّلب فَإِن لم يسلم لَهَا الصَدَاق لم يكن لَهَا الْعود إِلَى الْمَنْع إِذْ سقط حق حَبسهَا بِالْوَطْءِ وَلَا يسْقط حق حَبسهَا بتمكين عَار عَن الْوَطْء وَهل يسْقط بِوَطْء أكرهت عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه سُقُوطه أَن الْعِوَض قد تقرر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَهَا الِامْتِنَاع بعد الْوَطْء مهما منع الصَدَاق

أما إِذا بَادر الزَّوْج إِلَى تَسْلِيم الصَدَاق فامتنعت فَهَل لَهُ الِاسْتِرْدَاد إِن قُلْنَا إِنَّه يجْبر الزَّوْج على الْبِدَايَة فيسترد لِأَن ذَلِك بِشَرْط تَسْلِيم المعوض وَإِن قُلْنَا لَا يجْبر فقد تبرع وأبطل حق الْحَبْس فَلَا يسْتَردّ وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَت معذورة عِنْد التَّسْلِيم ثمَّ زَالَ الْعذر وامتنعت فَلهُ الِاسْتِرْدَاد لِأَنَّهُ سلم على رَجَاء التَّمْكِين عِنْد زَوَال الْعذر وَالْأَظْهَر أَنه لَا يسْتَردّ كَيْفَمَا كَانَ ثمَّ مهما سلم الصَدَاق فَلَيْسَ لَهُ أَن يرهقها بل يُمْهِلهَا ريثما تستعد بالتنظف والاستحداد وَقيل إِنَّه يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا خلاف فِي أَن الْإِمْهَال لأجل تهيئة الجهاز لَا يجب نعم لَو كَانَت صَغِيرَة لَا تطِيق الوقاع لم يجب تَسْلِيمهَا وَكَذَا إِن كَانَت مَرِيضَة فَلَو كَانَت حَائِضًا وَجب التسلم إِذْ يسْتَمْتع بهَا فَوق الْإِزَار وَيَكْفِي الدّين وازعا عَن الْوَطْء فَإِن قَالَ أَنا أمتنع عَن وَطْء الصبية والمريضة لم يوثق بقوله فِيهِ وَذَلِكَ إِضْرَار بهما وَلَا ضَرَر على الْحَائِض نعم لَو علمت من عَادَته أَنه يتغشاها فِي الْحيض فلهَا الِامْتِنَاع من المضاجعة

الحكم الثَّالِث التَّقْرِير وَلَا يَتَقَرَّر كَمَال الْمهْر إِلَّا بِالْوَطْءِ أَو موت أحد الزَّوْجَيْنِ فَأَما الْخلْوَة فَلَا تقرر على الْجَدِيد من الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَن الْخلْوَة لَا تقرر وَجها وَاحِدًا وَحمل نَص الْقَدِيم على أَن الْخلْوَة تُؤثر فِي جعل القَوْل قَوْلهَا إِذا تنَازعا فِي الْوَطْء لأجل التَّقْرِير ثمَّ قَالَ المفرعون على الْقَدِيم يتَعَلَّق بالخلوة أَيْضا الْعدة وَالرَّجْعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تثبت الرّجْعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْخلْوَة بالنفساء وَالْحَائِض والصائمة صَوْم الْفَرْض لَا تقرر الْمهْر وَوَافَقَهُ الْمُحَقِّقُونَ على الْقَدِيم

وَقَالَ الْخلْوَة بالرتقاء والقرناء تقرر الْمهْر وَخَالفهُ الْمُحَقِّقُونَ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام الصَدَاق الْفَاسِد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَاعِدَة الْبَاب أَن النِّكَاح لَا يفْسد بِفساد الصَدَاق لِأَن الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن النِّكَاح الْخَالِي عَن ذكر الصَدَاق ينْعَقد مُوجبا للصداق تعبدا فَلَا يُؤثر ذكر الصَدَاق إِلَّا فِي التَّعْيِين وَالتَّقْدِير فَيفْسد التَّعْيِين وَالتَّقْدِير وَيبقى وجوب مهر الْمثل أَو يبْقى التَّقْدِير وَيسْقط التَّعْيِين حَتَّى يرجع إِلَى قيمَة الصَدَاق إِذا كَانَ حرا أَو مَغْصُوبًا وَقَالَ مَالك رَحْمَة الله عَلَيْهِ يفْسد النِّكَاح بِفساد الصَدَاق وَقيل هُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا تَفْرِيع عَلَيْهِ ثمَّ لفساد الصَدَاق أَسبَاب ومدارك الأول أَن لَا يكون قَابلا للتَّمْلِيك كَالْخمرِ وَالْمَغْصُوب وَالْحر وَحكمه بِالرُّجُوعِ إِلَى

الْقيمَة على قَول وَإِلَى مهر الْمثل على قَول الثَّانِي الشُّرُوط وَالْأَصْل أَن النِّكَاح لَا يفْسد بِكُل شَرط يُوَافق مَقْصُوده كَقَوْلِه بِشَرْط أَن أنْفق عَلَيْك أَو أجامعك وَيفْسد بِكُل شَرط يخل بمقصود الْبضْع كَقَوْلِه نكحت بِشَرْط أَن أطلق أَو لَا أجامع وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يفْسد بِهِ وَأما الَّذِي لَا يخل بِالْمَقْصُودِ وَلَكِن يتَعَلَّق بِهِ غَرَض مَقْصُود ويؤثر فِيهِ كَشَرط أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَأَن يُمكنهَا من الْخُرُوج مَتى شَاءَت أَو لَا يجمع بَينهَا وَبَين ضراتها فِي مسكن أَو لَا يقسم لَهَا فَهَذِهِ أغراض مَقْصُودَة وكل غَرَض مَقْصُود فَهُوَ عوض مُضَاف إِلَى الصَدَاق أَو مُقَابل لَهُ فيؤثر فِي إِفْسَاد الصَدَاق لَا فِي إِفْسَاد النِّكَاح وَكَذَلِكَ الشُّرُوط الْفَاسِدَة الْخَاصَّة بِالصَّدَاقِ تفْسد الصَدَاق دون النِّكَاح وَلَو شَرط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فِي الصَدَاق فحاصل الْمَنْقُول فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يَصح الشَّرْط وَيثبت الْخِيَار لِأَن الصَدَاق فِي حكم عقد مُسْتَقل وَلذَلِك لَا يَنْفَسِخ النِّكَاح بفسخه فيفرد بِالْخِيَارِ كَالْبيع

وَالثَّانِي أَنه يفْسد وَيفْسد النِّكَاح لِأَن إِثْبَات الْخِيَار فِي أحد الْعِوَضَيْنِ يتداعى إِلَى الثَّانِي وَهُوَ ضَعِيف يلْزم فِي سَائِر شُرُوطه وَالثَّالِث أَنه يفْسد بِهِ الصَدَاق دون النِّكَاح لِأَن إِثْبَات الْخِيَار فِي الصَدَاق بعيد وَإِذا لم يَصح أفسد الصَدَاق فرع نقل الْمُزنِيّ لفظين متقاربين وحكمين مُخْتَلفين فَقَالَ لَو عقد النِّكَاح بِأَلف على أَن لأَبِيهَا ألفا فالمهر فَاسد لِأَن الْألف الثَّانِي لَيْسَ بِمهْر وَقد اشْتَرَطَهُ وَلَو نكح امْرَأَة بِأَلف على أَن تُعْطِي أَبَاهَا ألفا كَانَ جَائِزا وَلها مَنعه وَأَخذهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا هبة لم تقبض أَو وكَالَة وَكَأن الْمُزنِيّ جعل هَذَا كَأَنَّهُ

عقد بِأَلفَيْنِ على أَن توصل إِلَى أَبِيهَا من مَالهَا ألفا فالتزم عملا لَا يلْزمه فيلغوه لَكِن اللَّفْظ يكَاد ينبو عَنهُ فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ الْمهْر فَاسد هَاهُنَا أَيْضا لِأَنَّهُ عقد بِأَلف بِلَا فرق بَين الْإِضَافَة وَبَين الْإِعْطَاء وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج إِذْ الْإِضَافَة إِلَى أَبِيهَا أَيْضا مشْعر بِأَنَّهُ يسلم لَهُ من جِهَتهَا الْفَا فَهُوَ كالإعطاء وَالصَّحِيح الْفرق وَتَقْرِير النصين الْمدْرك الثَّالِث الْفساد بتفريق الصَّفْقَة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يصدقها عبدا على أَن ترد ألفا فقد جعل العَبْد مَبِيعًا وصداقها فَجمع

بَين صفقتين مختلفتين فَيخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن أفسدنا كَانَ تَأْثِيره فِي إِفْسَاد الصَدَاق وَذكر الفوراني الْقَوْلَيْنِ فِي صِحَة النِّكَاح وَرُبمَا يعتضد ذَلِك بطرد الْأَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو جمع بَين أَجْنَبِيَّة ومحرم فِي صَفْقَة وَاحِدَة إِذْ أفسدوا نِكَاح الْأَجْنَبِيَّة على قَول لكنه ضَعِيف لِأَن الْفساد تطرق هَاهُنَا إِلَى بعض صِيغَة التَّزْوِيج والصيغة لَا تتبعض وَهُنَاكَ تطرق الْفساد إِلَى لفظ الصَدَاق وَإِن فرعنا على صِحَة الصَدَاق فَلَو تلف العَبْد قبل الْقَبْض استردت الْألف وَرجعت إِلَى مهر الْمثل على قَول وعَلى قَول ترجع إِلَى قيمَة الْبَاقِي بِاعْتِبَار توزيع العَبْد على الْألف وَمهر الْمثل وَلَو قبضت العَبْد فَوجدت بِهِ عَيْبا وأرادت أَن تفرد الْقدر الْمَبِيع أَو الصَدَاق بِالرَّدِّ فَفِيهِ قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَوجه جَوَازه أَن جِهَة الصَدَاق تبَاين جِهَة البيع فَلم يكن كَمَا لَو اشْترى عبدا ورد بعضه بِالْعَيْبِ فَإِن ذَلِك مُمْتَنع لما فِيهِ من الْإِضْرَار بالتوزيع الثَّانِيَة لَو جمع بَين نسْوَة فِي عقد وَاحِد على صدَاق وَاحِد فَالنِّكَاح صَحِيح وَفِي صِحَة الصَدَاق قَولَانِ نَص عَلَيْهِمَا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَكَذَلِكَ فِي الْخلْع

وَنَصّ على أَنه لَو اشْترى عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ لكل وَاحِد عبد بِثمن وَاحِد فَالْبيع بَاطِل لجَهَالَة الثّمن وَنَصّ على أَنه لَو كَاتب عبيده على عوض وَاحِد فالكتابة صَحِيحَة فَمن الْأَصْحَاب من قرر النُّصُوص وَقَالَ البيع بَاطِل لجَهَالَة الثّمن فِي حق كل وَاحِد وَالْكِتَابَة صَحِيحَة تشوفا إِلَى الْعتْق إِذْ احْتمل فِيهِ مُقَابلَة الْملك بِالْملكِ فَهَذَا أولى وَالصَّدَاق وَالْخلْع دائر بَين الرتبتين فَفِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيع وَهُوَ الْقيَاس وَوجه قَول الْفساد الْجَهْل بِحَق كل وَاحِد وَوجه الصِّحَّة معرفَة الْجُمْلَة وتيسير الْوُصُول إِلَى التَّفْصِيل بالتوزيع لكنه لَا خلاف أَنه لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيع من الْألف إِذا قسم على قِيمَته وعَلى قيمَة ذَلِك العَبْد الآخر لم يجز ذَلِك فَأَي فرق بَين أَن يدْخل العَبْد الآخر فِي العقد أَو لَا يدْخل والصفقة تعدّدت بِتَعَدُّد البَائِع فالتصحيح بعيد فِي الْجَمِيع التَّفْرِيع إِن قضينا بِالصِّحَّةِ وزع الصَدَاق على مُهُور أمثالهن وَفِيه وَجه بعيد أَنه يوزع على عدد الرُّءُوس وَإِن فرعنا على الْفساد يرجع كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى مهر الْمثل على قَول وَإِلَى قيمَة الصَدَاق كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيع على قَول لِأَن هَذَا مَجْهُول أمكن مَعْرفَته بِخِلَاف مَا لَو أصدقهَا مَجْهُولا لَا يُمكن مَعْرفَته فَإِنَّهُ يرجع إِلَى مهر الْمثل قولا وَاحِدًا الْمدْرك الرَّابِع أَن يكون الصَدَاق بِحَيْثُ لَو قدر ثُبُوته لارتفع النِّكَاح كَمَا إِذا قبل نِكَاح عَبده وَجعل

رقبته صَدَاقا فَلَو ملكت رقبته لانفسخ النِّكَاح فَيفْسد الصَدَاق وَيفْسد النِّكَاح أَيْضا لِأَنَّهُ قرن النِّكَاح بِمَا يضاده لَو ثَبت بِخِلَاف مَا لَو أصدق خمرًا فضاهى هَذَا شَرط الطَّلَاق وَالْفَسْخ وَكَانَ يحْتَمل تَصْحِيح النِّكَاح وَلَكِن لَا صائر إِلَيْهِ الْمدْرك الْخَامِس أَن يتَضَمَّن إِثْبَات الصَدَاق رفع الصَدَاق كَمَا لَو زوج من إبنه امْرَأَة وَأصْدقهَا أم ابْنه فَإِنَّهُ لَا بُد من تَقْدِير دُخُول الْأُم فِي ملك الابْن حَتَّى ينْتَقل إِلَى الزَّوْجَة صَدَاقا وَلَو دخل فِي ملكه لعتق عَلَيْهِ وَلما صَار صَدَاقا فَفِي إثْبَاته نَفْيه ففسد بطرِيق الدّور وَلَكِن يَصح النِّكَاح الْمدْرك السَّادِس أَن يضمن إِضْرَارًا بالطفل كَمَا لَو قبل لِابْنِهِ الصَّغِير نِكَاحا بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل أَو زوج ابْنَته بَاقِل من مهر الْمثل فَيفْسد الصَدَاق وَفِي صِحَة النِّكَاح قَولَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة كَسَائِر أَسبَاب الْفساد وَالثَّانِي الْفساد لِأَنَّهَا إِذا لم ترض إِلَّا بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل فَكيف ترد إِلَى مهر الْمثل وَكَيف يَصح العقد دون رِضَاهَا وَكَذَلِكَ إِذا لم يرض زوج ابْنَته إِلَّا بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَكيف يلْزمه مهر الْمثل هَذَا إِذا زوج من ابْنه بِمَال الابْن فَإِن زوج وأصدق من مَاله بِزِيَادَة على مهر الْمثل صَحَّ وَلَا نقُول هَذَا يدْخل فِي ملك الطِّفْل وَيصير تَبَرعا من

مَاله لِأَنَّهُ لَا مصلحَة للطفل فِي إِفْسَاد هَذَا الصَدَاق إِذْ يفوت عَلَيْهِ الْكل فَإِذا كَانَ يحصل ذَلِك ضمنا فَلَا نبالي بِالزِّيَادَةِ واختتام الْبَاب بمسالة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَإِذا تواطأ أَوْلِيَاء الزَّوْجَيْنِ على ذكر أَلفَيْنِ فِي العقد ظَاهرا وعَلى الِاكْتِفَاء بِأَلف بَاطِنا فقد نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ فِي أَن الْوَاجِب مهر السِّرّ أَو مهر الْعَلَانِيَة وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ أَن الْوَاجِب مهر الْعَلَانِيَة لِأَن مَا جرى قبله وعد مَحْض وَمَا ذكره صَحِيح إِذْ لم يجز إِلَّا الْوَعْد فَأَما إِذا تواطئوا على إِرَادَة الْألف بِعِبَارَة الْأَلفَيْنِ فَيحْتَمل قَوْلَيْنِ مأخذهما أَن الِاصْطِلَاح الْخَاص هَل يُؤثر فِي الِاصْطِلَاح الْعَام وَبِغَيْرِهِ أم لَا وَفِيه نظر الْمدْرك السَّابِع مُخَالفَة الْآمِر وَذَلِكَ أَن يَقُول للْوَكِيل زَوجنِي بِأَلف فزوج بِخَمْسِمِائَة لَا يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يملك الْوَكِيل إِلَّا مَا أذن لَهُ فِيهِ وَلم يُؤذن لَهُ فِي هَذَا العقد بِخَمْسِمِائَة فَأَما إِذا قَالَت للْوَكِيل زَوجنِي مُطلقًا بِزَوْج بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَالصَّحِيح فَسَاد النِّكَاح أَيْضا لِأَن الْمُطلق فِي الْعرف يَقْتَضِي مهر الْمثل وَلَو زَوجهَا من غير الْمهْر فَفِي الصِّحَّة قَولَانِ أَحدهمَا لَا يَصح لِأَن الْمُطلق ينزل على النِّكَاح بِالْمهْرِ وَالثَّانِي الصِّحَّة لِأَنَّهُ طابق فعله إِذْنهَا

أما إِذا زوج الْوَكِيل أَيْضا مُطلقًا وَلم يتَعَرَّض للمهر فَيحْتَمل التَّصْحِيح وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَنَّهُ طابق فعله إِذْنهَا وَيحْتَمل الْإِفْسَاد إِذا كَانَ مَفْهُوم قَوْلهَا فِي الْعرف ذكر الْمهْر وَأما إِذا ذكر خمرًا أَو خنزيرا ظَهرت الْمُخَالفَة فَيظْهر الْإِفْسَاد وَأما إِذا أَذِنت للْوَلِيّ فَالصَّحِيح أَن الْوَلِيّ فِي هَذَا الْمَعْنى كَالْوَكِيلِ لِأَنَّهُ غير مجبر وَقيل إِن الْإِذْن يلْحقهُ بالمجبر ثمَّ فِي تَزْوِيج الْمُجبر بِأَقَلّ من مهر الْمثل قَولَانِ وَإِنَّمَا ذكرُوا الْقَوْلَيْنِ أَيْضا فِي الْوَكِيل حَيْثُ فوضت إِلَيْهِ مُطلقًا أما إِذا قدرت الْمهْر وَخَالف فَقطعُوا بِفساد النِّكَاح وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ أَيْضا فِي الْوَكِيل إِذا فوض إِلَيْهِ مُطلقًا فرع لَو قَالَت زَوجنِي بِمَا شَاءَ الْخَاطِب فَقَالَ زَوجتك بِمَا شِئْت فالمهر مَجْهُول وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل إِلَّا إِذا عرف المزوج مَا شَاءَ الْخَاطِب وَقَالَ القَاضِي وَإِن عرف فالصداق فَاسد فَإِنَّهُ لم يتَلَفَّظ بِهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي إخلاء النِّكَاح عَن الْمهْر وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِيمَا تستحقه المفوضة ونعني بالتفويض تخلية النِّكَاح عَن الْمهْر بِأَمْر من إِلَيْهِ الْأَمر كَمَا إِذا قَالَت الْبَالِغَة للْوَلِيّ زَوجنِي بِغَيْر مهر فَزَوجهَا وَنفى الْمهْر أَو سكت عَن ذكره وكما لَو زوج السَّيِّد أمته وَنفي الْمهْر أَو سكت عَنهُ وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي صبية وَلَا مَجْنُونَة وَلَا سَفِيهَة إِذْ لَيْسَ لأحد إِسْقَاط مهورهن نعم إِذا قَالَت السفيهة للْوَلِيّ زَوجنِي بِغَيْر مهر تسلط الْوَلِيّ على التَّزْوِيج بِإِذْنِهَا لَكِن عَلَيْهِ تَزْوِيجهَا بِمهْر الْمثل وَلَا يعْتَبر قَوْلهَا فِي إِسْقَاط الْمهْر ثمَّ فِيمَا تستحقه المفوضة طَرِيقَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ شَيْئا وتستحق بِالْوَطْءِ مهر الْمثل وَهل تسْتَحقّ

بِالْمَوْتِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَوْت مُقَرر كَالْوَطْءِ وَلِأَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَن المفوضة وَقد مَاتَ زَوجهَا فاجتهد شهرا ثمَّ قَالَ إِن أصبت فَمن الله وَإِن أَخْطَأت فمني وَمن الشَّيْطَان أرى لَهَا مهر نسائها وَالْمِيرَاث فَقَامَ معقل بن سِنَان وَقَالَ أشهد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي تَزْوِيج بروع بنت واشق الأشجعية بِمثل قضائك هَذَا فسر بِهِ سُرُورًا عَظِيما

وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن تَشْبِيه الْمَوْت بِالطَّلَاق أولى وَلَا خلاف أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ الشّطْر عِنْد الطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَأما حَدِيث معقل بن سِنَان فَلم يقبله عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَقَالَ كَيفَ نقبل فِي ديننَا قَول أَعْرَابِي بوال على عَقِبَيْهِ هَذِه طَريقَة الْعِرَاقِيّين أما المراوزة ذكرُوا قَوْلَيْنِ فِي أَنَّهَا هَل تسْتَحقّ بِالْعقدِ وَوجه الِاسْتِحْقَاق أَنَّهَا إِذا اسْتحقَّت عِنْد الْمَوْت وَالْمَوْت لَا يُوجب بل يُقرر فقد دلّ على أَنه وَجب بِالْعقدِ فَكَذَلِك الْوَطْء وَإِن كَانَ مُوجبا فَإِنَّمَا يُوجب إِذا لم يكن مُسْتَحقّا أَعنِي الْوَطْء وَالْوَطْء هَاهُنَا مُسْتَحقّ بِالْعقدِ فَلَا يُوجب شَيْئا وَهَذَا بِخِلَاف الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَلذَلِك لَا يجب على السَّيِّد بِوَطْء أمته شَيْء فوجوبه بِالْوَطْءِ يدل على وُجُوبه بِالْعقدِ وَاتفقَ الْأَصْحَاب على أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس لِأَن الْقيَاس سُقُوط الْكل

بِالطَّلَاق وَلَكِن قَالَ الله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} فخصص بالمفروض وَلَو أصدقهَا خمرًا ورجعنا إِلَى مهر الْمثل تشطر ذَلِك فِي الطَّلَاق لِأَنَّهُ مَفْرُوض صَحِيح فِي إثيات الأَصْل دون التَّعْيِين وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَن مهر الْمثل فِي صُورَة التَّفْوِيض أَيْضا يتشطر كذكر الْخمر وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا تسْتَحقّ بِالْوَطْءِ أَيْضا إِلَّا القَاضِي حُسَيْن فَأَنَّهُ ذكر وَجها انها لَا تسْتَحقّ مخرجا من قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُرْتَهن إِذا وَطْء الْجَارِيَة الْمَرْهُونَة بِإِذن الرَّاهِن على ظن أَنه مُبَاح إِن الْمهْر لَا يجب مَعَ ثُبُوت النّسَب وَالْعدة وَسُقُوط الْمهْر لَا مَأْخَذ لَهُ إِلَّا إِسْقَاط من لَهُ الْحق فرع إِذا قُلْنَا تسْتَحقّ الْمهْر بِالْوَطْءِ فَيجب بِاعْتِبَار حَالهَا يَوْم الْوَطْء أَو يَوْم العقد فِيهِ وَجْهَان وَوجه اعْتِبَار يَوْم يُومِئ إِلَى أَن الْأَمر كَانَ مَوْقُوفا فكأنا نقُول العقد الْخَالِي عَن الْوَطْء لَا يُوجب الْمهْر والمفضي إِلَى الْوَطْء يُوجب وَلَكِن لَا يتَبَيَّن إِلَّا

بِالآخِرَة فَتحصل بِالْعقدِ ثَلَاثَة أَقْوَال يجب لَا يجب هُوَ مَوْقُوف إِلَى أَن يَخْلُو عَن الْمَسِيس أَو يُفْضِي إِلَيْهِ

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْفَرْض وَمَعْنَاهُ وَحكمه اعْلَم أَن المفوضة إِذا قُلْنَا إِنَّهَا تسْتَحقّ الْمهْر إِمَّا بِالْعقدِ أَو بالمسيس فَمَعْنَاه أَنَّهَا تسْتَحقّ إِمَّا مهر الْمثل أَو مَا تراضى بِهِ الزَّوْجَانِ وَمَا يتراضيان بِهِ فَهُوَ أولى فَإِن عجزنا عَن ذَلِك رَجعْنَا إِلَى مهر الْمثل لِأَن إِيجَاب الْمهْر مَعَ التَّصْرِيح بنفيه تعبد والتعبد فِي أصل الْمهْر لَا فِي مبلغه لَكِن طلب مَا لَا يتَعَيَّن مبلغه غير مُمكن فَلذَلِك يجب على الرجل تعْيين الْمبلغ بِالْفَرْضِ ويحوز للْمَرْأَة أَن تمنع نَفسهَا فِي طلب الْفَرْض على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فَأَما إِن قُلْنَا إِنَّهَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ فلهَا غَرَض فِي الْفَرْض وَهُوَ تَقْرِير الشّطْر عِنْد الطَّلَاق وَإِن قُلْنَا لَا يجب فتستحق عِنْد الْمَسِيس فلهَا أَن لَا تسلم نَفسهَا إِلَّا على ثَبت نعم لَيْسَ لَهَا حبس نَفسهَا لتسليم الْمَفْرُوض فِي صُورَة التَّفْوِيض لِأَنَّهَا أبطلت حَقّهَا إِذْ رضيت بِغَيْر مهر وَإِنَّمَا لَهَا الْفَرْض لنفي الْجَهَالَة عَمَّا أثْبته الشَّرْع أَو تثبته وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجها أَن لَهَا حبس نَفسهَا لتسليم الْمَفْرُوض كَمَا لَهَا طلب الْفَرْض وَهُوَ مُتَّجه ثمَّ لَا خلاف فِي أَن لَهما فرض غير جنس الصَدَاق وَمَا يزِيد على مهر الْمثل وَمَا ينقص إِذا لم يكن من جنس مهر الْمثل وَالصَّحِيح أَنه يجوز فرض الزِّيَادَة على مهر الْمثل وَإِن كَانَ من جنسه وَيجوز فرض الْمُؤَجل وَلَا يشْتَرط علمهما بِمهْر الْمثل عِنْد الْفَرْض

وَمن أَصْحَابنَا من ذكر فِي هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث وَجْهَيْن فَكَأَنَّهُ يَجْعَل مهر الْمثل أصلا وَالْفَرْض بَيَانا لَهُ وتقديرا فَيَقُول لَا يُمكن إِثْبَات الْأَجَل ابْتِدَاء وَلَا الْتِزَام زِيَادَة على مهر الْمثل فَإِنَّهُ لَا أصل لَهُ كَمَا أَنه لَا تجوز الْمُصَالحَة فِي دم الْعمد على مَا تبين من الْإِبِل إِذا قُلْنَا الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَكَأن مثل ذَلِك التَّرَدُّد جَار هَاهُنَا وَهُوَ أَن الْوَاجِب مهر الْمثل أَو الْمَفْرُوض أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه أَو مهر الْمثل هُوَ الأَصْل وَالْفَرْض بِنَاء عَلَيْهِ وتابع لَهُ وَالأَصَح أَن الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَلذَلِك جَازَ تعْيين مَا تزيد قِيمَته من غير جنس الْمهْر لَا على منهاج الِاسْتِبْدَال إِذْ لَا يفْتَقر إِلَى إِيجَاب وَقبُول فروع أَرْبَعَة الأول لَو أبرأت قبل الْفَرْض عَن الْمهْر صَحَّ على قَوْلنَا يجب بِالْعقدِ إِن كَانَ مهر الْمثل مَعْلُوما وَإِن كَانَ مَجْهُولا لم يَصح فِي الزِّيَادَة على المستيقن وَفِي الْقدر المستيقن قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن قُلْنَا لَا يجب إِلَّا بِالْوَطْءِ فَهُوَ كالإبراء عَمَّا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه وَفِيه قَولَانِ وَلَا يكون إبراؤه مضادا للتعبد فَإِنَّهُ فِي حكم الِاسْتِيفَاء أما إِذا قَالَت أسقطت حَقي عَن طلب الْفَرْض فَهَذَا يَلْغُو لِأَن أصل الْحق بَاقٍ وَالْفَرْض تَابع لَهُ فَصَارَ ذَلِك كرضى الَّتِي آلى عَنْهَا زَوجهَا فَإِن ذَلِك لَا يسْقط حَقّهَا الثَّانِي لَو فرض لَهَا خمرًا أَو خنزيرا لَغَا وَلم يتشطر بِسَبَبِهِ مهر الْمثل لِأَن الْمُؤثر فرض صَحِيح أَو مقرون بِحَال العقد فَمَا لَا يُفِيد تعيينا بعد العقد لم يُؤثر فِي تغير العقد الثَّالِث لَو امْتنع من الْفَرْض مَعَ طلبَهَا فللقاضي أَن يفْرض وَلَكِن عَلَيْهِ أَن لَا يزِيد على مهر الْمثل كَيْلا يتَضَرَّر الزَّوْج وَكَأَنَّهُ نَائِب عَنهُ نِيَابَة قهرية

الرَّابِع لَو فرض الْأَجْنَبِيّ مُتَبَرعا فَفِي صِحَّته وَجْهَان أَحدهمَا يجوز وَعَلِيهِ الْمَفْرُوض كَمَا لَهُ التَّبَرُّع بأَدَاء الصَدَاق عَنهُ دون إِذْنه وَالثَّانِي لَا يجوز لِأَن هَذَا إِظْهَار لمراد الطّلب الَّذِي يَقْتَضِيهِ العقد فَلَا يَلِيق إِلَّا بالعاقدين

الْفَصْل الثَّالِث فِي تعرف مهر الْمثل وَالْحَاجة تمس إِلَى معرفَة ذَلِك فِي المفوضة إِذْ لم يتَّفق فرض وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَفِي أَخذ المهور بِالشُّفْعَة وَفِي توزيع عِنْد جمع نسْوَة فِي عقد وَاحِد وَفِي مَوَاضِع وَالْأَصْل الْعَظِيم فِي مهر الْمثل النّسَب وَينظر إِلَى مهر الْأَخَوَات للْأَب والعمات للْأَب وَلَا ينظر إِلَى الْبَنَات والأمهات إِذْ يخْتَلف ذَلِك بِنسَب الْآبَاء وَيعْتَبر مَعَ ذَلِك الْكَمَال والعفة وسلامة الْخلق وَسَائِر الْخِصَال إِذا كَانَت الرَّغْبَة تزيد بذلك وتنقص فَإِن لم تكون نسيبة فمجرد النّظر إِلَى هَذِه الْخِصَال فَإِن هَذَا يجْرِي مجْرى معرفَة الْقيم فَينْظر إِلَى الرغبات فروع الأول لَو سمحت وَاحِدَة من الْعَشِيرَة لم يلْزم الْبَاقِيَات ذَلِك إِلَّا إِذا شاع التسامح فِيهِنَّ فَيدل ذَلِك على قلَّة الرغبات الثَّانِي لَو كن ينكحن بِأَلف مُؤَجل فَلَا يُمكن التَّأْجِيل فِي قيم الْمُتْلفَات فَالْوَجْه أَن ينقص من الْألف مَا يَقْتَضِيهِ الْعُدُول إِلَى النَّقْض الثَّالِث لَو كن يسامحن من يواصلهن من الْعَشِيرَة فَيلْزم ذَلِك فِي الْعَشِيرَة لَا فِي غَيرهم وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله لَا يلْزم ذَلِك لِأَن الْقيم لَا تخْتَلف بالأشخاص الرَّابِع الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يُوجب الْمهْر بِاعْتِبَار يَوْم الْوَطْء وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاح الْفَاسِد لِأَن

العقد بَاطِل فَلَا معنى لاعتباره نعم إِن وَطئهَا فِي العقد الْوَاحِد مرَارًا لَا يلْزم إِلَّا مهر وَاحِد لِأَن الشُّبْهَة شَامِلَة وَكَذَلِكَ لَو ظَنّهَا مَنْكُوحَة وَوَطئهَا مرَارًا وَمهما تعدّدت الشُّبْهَة تعدد الْمهْر وَلَو أكره الْغَاصِب الْجَارِيَة على الْوَطْء وَوَطئهَا مرَارًا لزمَه بِكُل وَطْء مهر إِذْ لَا شُبْهَة حَتَّى يعْتَبر شمولها وَالْأَب إِذا وطئ جَارِيَة الابْن مرَارًا وَلم تحبل فَهَل يُقَال شُبْهَة الاعفاف شَامِلَة فيكتفى بِمهْر وَاحِد فَفِيهِ وَجْهَان ثمَّ إِذا اكتفينا بِمهْر وَاحِد فَلَو كَانَت هزيلة فِي حَال وسمينة فِي حَال اعْتبرنَا حَال زِيَادَة الْمهْر واكتفينا بِهِ وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي حكم تشطر الصَدَاق بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَفِيه خَمْسَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي مَحَله وَحكمه فَنَقُول ارْتِفَاع النِّكَاح قبل الْمَسِيس لَا بِسَبَب من جِهَتهَا يُوجب تشطر الصَدَاق الثَّابِت بِتَسْمِيَة مقرونة بِالْعقدِ صَحِيح أَو فَاسد أَو يفْرض بعد العقد فِي صُورَة التَّفْوِيض وَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّلَاق وَالْفَسْخ والانفساخ إِلَّا إِذا كَانَ الْفَسْخ مِنْهَا أَو بِعَيْب فِيهَا أَو بِسَبَب من جِهَتهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يتشطر إِلَّا مُسَمّى صَحِيح فِي نفس العقد فَأَما الْمَفْرُوض بعد العقد الْوَاجِب فِي العقد بِتَسْمِيَة فَاسِدَة فَلَا يتشطر ثمَّ الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن معنى التشطير رُجُوع النّصْف إِلَى الزَّوْج بِمُجَرَّد الطَّلَاق من غير اخْتِيَار وَفِيه وَجه مَشْهُور أَن مَعْنَاهُ ثُبُوت خِيَار الرُّجُوع فِي الشّطْر بِالطَّلَاق مضاهيا لخيار الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يفْتَقر إِلَى قَضَاء القَاضِي وَهُوَ ضَعِيف جدا وَيتَفَرَّع على وَجه الْخِيَار أَن الزِّيَادَة حَادِثَة بعد الطَّلَاق وَقبل الاختبار تسلم للزَّوْجَة وَأَنه لَو طَلقهَا على أَن لَهَا كَمَال الْمهْر يكون ذَلِك كإسقاط الْخِيَار وَيسلم لَهَا كَمَال الْمهْر وعَلى الْوَجْه الآخر وَلَا يُؤثر الشَّرْط فِي إِسْقَاط الشّطْر وَيحْتَمل ترددا فِي تصرف

الْمَرْأَة بَين الطَّلَاق وَالِاخْتِيَار وَفِي أَنه لَو أسقط الزَّوْج خِيَاره هَل يسْقط لتردد هَذَا الْخِيَار بَين خِيَار الْوَاهِب وَبَين خِيَار البيع وتشبيبه بِخِيَار الْوَاهِب أولى فرع لَو تلف الصَدَاق قبل الطَّلَاق يرجع الزَّوْج بِنصْف الْقيمَة وَلَو تلف بعد الإقلاب إِلَى الزَّوْج بِآفَة سَمَاوِيَّة قَالَ المراوزة لَا ضَمَان عَلَيْهَا وَهُوَ كَمَا لَو تلف الْمَوْهُوب فِي يَد الْمُتَّهب بعد رُجُوع الْوَاهِب وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ مَضْمُون عَلَيْهَا لِأَنَّهُ عوض عَن الْبضْع الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهَا بِالطَّلَاق فَصَارَ كَالْمَبِيعِ إِذا تلف بعد الْفَسْخ والمراوزة يَقُولُونَ إِن الطَّلَاق كالإعتاق وَهُوَ تصرف مَعْنَاهُ تَقْرِير النِّكَاح وَقطع مُوجبه فَلَيْسَ يعود الشّطْر لعود الْبضْع بِخِلَاف البيع ومساق الطَّرِيقَيْنِ يَقْتَضِي أَن يكون الصَدَاق مَضْمُونا فِي يَدهَا لَو تلف بعد الْفَسْخ بِالْعَيْبِ وكل فسخ يسْتَند إِلَى أصل العقد والانفساخ بردته بِالطَّلَاق أشبه إِذْ لَو كَانَ رُجُوع الْمهْر بطرِيق ترَاد الْعِوَضَيْنِ لرجع جَمِيع الصَدَاق إِلَيْهِ لَا شطره وَلَو انْفَسَخ بردتها أَو بِسَبَب آخر لَا يسْتَند إِلَى العقد وَلَا يتشطر وَهُوَ فِي مَحل الِاحْتِمَال والتردد وَالله تَعَالَى أعلم

الْفَصْل الثَّانِي فِي تغييرات الصَدَاق الَّتِي توجب رد الْحق إِلَى الْقيمَة أَو الْخِيَار والتغير إِمَّا أَن يكون بِنُقْصَان مَحْض أَو بِزِيَادَة مَحْضَة أَو نُقْصَان من وَجه وَزِيَادَة من وَجه أما النُّقْصَان الْمَحْض فكالتعيب الْحَاصِل فِي يَدهَا قبل الطَّلَاق فَلذَلِك يُوجب الْخِيَار بعد الطَّلَاق فَللزَّوْج أَن يُطَالب بِنصْف قيمَة السَّلِيم فَإِن رَجَعَ إِلَى عين الصَدَاق فَعَلَيهِ أَن يقنع بالمعيب بِخِلَاف مَا لَو اشْترى عبدا بِثَوْب فَرد الثَّوْب بِالْعَيْبِ وَالثَّوْب معيب فَإِنَّهُ يُطَالب بِالْأَرْشِ وَيَأْخُذ الثَّوْب وَهَذَا الْفرق يُمكن على طَرِيق المراوزة حَيْثُ لم يجْعَلُوا الصَدَاق مَضْمُونا فِي يَدهَا وَلَكِن مَعَ ذَلِك يشكل فَإِنَّهُ لَو تلف قبل الطَّلَاق ضمنة الْقيمَة فَمن هَذَا خرج بعض الْأَصْحَاب وَجها أَنه يُطَالب بِأَرْش الْعَيْب وَيَأْخُذ الْعين إِن شَاءَ هَذَا إِذا تعيب فِي يَدهَا فَإِن تعيب فِي يَد الزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يقنع بالمعيب لِأَنَّهُ تلف من ضَمَانه إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة أَجْنَبِي وَأخذت الْأَرْش فَإِن لَهُ أَن يسْتَردّ نصف الْأَرْش لِأَنَّهُ خلف عَن الْفَائِت وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن لَا يرجع بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ كزيادة مُنْفَصِلَة فِي حق الْمَرْأَة والفوات كَانَ من ضَمَان الزَّوْج فَلَا يعْتَبر فِي حَقه لإِقَامَة الْأَرْش مقَامه أما الزِّيَادَة الْمَحْضَة فالمنفصلة مِنْهَا كَالْوَلَدِ وَاللَّبن وَالثَّمَر فتسلم لَهَا وَلَا حق للزَّوْج فِيهَا والمتصلة تبطل حق الرُّجُوع بِالْعينِ إِلَّا بِرِضَاهَا فَإِن منعت غرمت قيمَة النّصْف قبل ظُهُور

الزِّيَادَة وَإِن سمحت أجبر الزَّوْج على الْقبُول وَلم يكن لَهُ الِامْتِنَاع حظرا من الْمِنَّة لِأَنَّهُ فِي حكم البَائِع والمشكل أَن الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة لَا تمنع الرُّجُوع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يكون فِي فسخ النِّكَاح بِالْعَيْبِ وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ أَن الْفَسْخ يرفع العقد من أَصله بِالْإِضَافَة إِلَى حِينه فَلَا يبْقى حق فِي الزِّيَادَة وَأما هَاهُنَا فَالزِّيَادَة حصلت على ملكهَا وَالطَّلَاق سَبَب مُسْتَأْنف لَا استناد لَهُ إِلَى العقد فإبطال حَقّهَا من الزِّيَادَة غير مُمكن وَعند هَذَا يَنْبَغِي أَن تلْحق ردته بِالطَّلَاق وَفِي الِانْفِسَاخ بردتها تردد الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّهُ غير مُسْتَند إِلَى سَبَب فِي العقد أما إِذا زَاد من وَجه وَنقص من وَجه فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا الْخِيَار فَإِن أَبى الزَّوْج قبُول الْعين فَلهُ نصف الْقيمَة وَإِن أَبَت الْمَرْأَة التَّسْلِيم كَانَ على الزَّوْج قبُول نصف الْقيمَة ومثاله أَن يكون الصَدَاق عبدا صَغِيرا فَكبر وترعرع فَالزِّيَادَة لقُوته وَكبره وَالنُّقْصَان لزوَال طراوته وَكَذَا النّخل إِذا أرقلت وبسقت لَكِن قل ثَمَرهَا فَهِيَ زِيَادَة فِي الجرم ونقصان فِي الْفَائِدَة ولسنا نشترط فِي هَذِه الزِّيَادَة مَا يزِيد فِي الْقيمَة بل مَا يرتبط بِهِ غَرَض صَحِيح فَإِن العَبْد الْكَبِير وَإِن لم تزد قِيمَته فَإِنَّهُ يصلح لأغراض لَا يصلح لَهُ الصَّغِير ولتعلم أَن الثِّمَار فِي الْأَشْجَار زِيَادَة مَحْضَة وَالْحمل فِي الْجَارِيَة زِيَادَة من وَجه ونقصان من وَجه وَفِي الْبَهَائِم زِيَادَة من وَجه وَهل فِيهَا نُقْصَان ترددوا فِيهِ وَالظَّاهِر أَنه إِن كَانَ مَأْكُولا كَانَ نُقْصَانا لِأَنَّهُ يظْهر أَثَره فِي اللَّحْم لَا سِيمَا إِذا تكَرر وَالزَّرْع فِي الأَرْض نُقْصَان مَحْض إِذْ يبْقى الزَّرْع لَهَا وَتَكون الأَرْض نَاقِصَة الْقُوَّة والحراثة فِي الْمزَارِع زِيَادَة

مَحْضَة وَفِي مَوَاضِع الْبناء نُقْصَان مَحْض وَالْغَرْس فِي معنى الزَّرْع هَذِه قَاعِدَة الْفَصْل ويتهذب مَقْصُوده برسم مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى لَو أصدقهَا نخيلا فأثمرت فِي يَدهَا وَطَلقهَا قبل الْجذاذ فيعسر فِي هَذِه الصُّورَة التشطير إِذْ تبقى الثِّمَار خَالِصَة لَهَا وَتصير الْأَشْجَار مُشْتَركَة وَإِن ترك السَّقْي تضرر الثَّمر وَالشَّجر لامتصاص الثَّمَرَة رُطُوبَة الشَّجَرَة وَإِن سقى انْتفع الثَّمر وَالشَّجر وَلَيْسَ الْكل مُشْتَركا حَتَّى يشتركا فِي السَّقْي فَلَا يُمكن فصل هَذِه الْوَاقِعَة إِلَّا بمسامحة أحد الْجَانِبَيْنِ أَو مُوَافقَة فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ أَن يَأْخُذ نصف الْأَشْجَار ويكلفها قطع الثِّمَار فِي الْحَال لم يلْزمهَا لِأَنَّهَا تسْتَحقّ إبْقَاء الثَّمَرَة إِلَى الْجذاذ وَكَذَلِكَ لَو كلفها هبة شطر الثِّمَار مِنْهُ ليَكُون الْكل مُشْتَركا وَكَذَلِكَ لَا يُمكنهُ أَن يكلفها السَّقْي إِذْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَن تَنْفَع نصِيبه من الشّجر وَلَا ترك السَّقْي إِذْ يضر ثَمَرَتهَا وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا أَن تكلفه تَأْخِير الْملك إِلَى أَوَان الْجذاذ وَلَا أَن يسْقِي وَلَا أَن يتْرك السَّقْي لما ذَكرْنَاهُ أما الْمُسَامحَة فلهَا صور إِحْدَاهَا أَن يَقُول الزَّوْج أرجع إِلَى نصف الشّجر وَلَا أَسْقِي وَإِلَيْك الْخيرَة إِن شِئْت فاسقي وَإِن شِئْت فاتركي السَّقْي فَلَا تلزمها الْإِجَابَة لِأَنَّهَا تتضرر بترك السَّقْي وَتَنْفَع شَجَره بالسقي وَكَذَلِكَ مسامحتها على هَذَا الْوَجْه لَا تَقْتَضِي لُزُوم الْإِجَابَة الثَّانِيَة أَن يَقُول الزَّوْج آخذ نصف الشّجر وأسقي بنفسي أَو قَالَت الْمَرْأَة ارْجع إِلَى النّصْف وَأَنا الْتزم السَّقْي فَفِي وجوب الْإِسْعَاف وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ انْدفع الْعسر بالمسامحة والالتزام وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ وعد لَا يلْزم الْوَفَاء بِهِ وَلِأَن الْمَرْأَة رُبمَا خَافت على ثمارها بِدُخُولِهِ الْبُسْتَان أَو خَافَ على الشّجر بِدُخُولِهَا فَإِن قُلْنَا يُجَاب فَلَو رَجَعَ وَترك السَّقْي نتبين أَن الْملك لم يَنْقَلِب إِلَيْهِ فِي النّصْف لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفا على الْوَفَاء بالوعد وَإِن قُلْنَا لَا يُجَاب فتسلم الْقيمَة ثمَّ إِن وفى بالوعد فَفِي رد الْقيمَة وَالرُّجُوع إِلَى الْعين تردد وَالظَّاهِر أَنه لَا يرد إِذْ يبعد منع الحكم بعد إثْبَاته الثَّالِثَة أَن تبادر إِلَى قطع ثمارها وَذَلِكَ يقطع الْعسر فَإِن وهبت نصف الثِّمَار مِنْهُ حَتَّى يصير الْكل مُشْتَركا فَفِي وجوب الْإِجَابَة وَجْهَان وَجه الْمَنْع مَا فِيهِ الْمِنَّة وَوجه الْإِيجَاب الضَّرُورَة وَهَذِه الضَّرُورَة لَا تجْرِي فِي الأَرْض المزروعة إِذْ الأَرْض لَا تنْتَفع بالسقي فَإِذا رَجَعَ فِي نصف الأَرْض كَانَ عَلَيْهَا السَّقْي لخاص زَرعهَا وَيجْرِي هَذَا الْعسر فِيمَا لَو أصدقهَا جَارِيَة فَولدت فَطلقهَا وَالْولد رَضِيع لِأَنَّهُ لَو رَجَعَ إِلَى نصف الْجَارِيَة تضرر الْوَلَد بِقطع الرَّضَاع فَإِن قَالَ رضيت بِأَن تبقى مُرْضِعَة إِلَى الْفِطَام فَهَذَا وَجه الْمُسَامحَة فَفِي وجوب الْإِجَابَة وَجْهَان وَأما الْمُوَافقَة فلهَا صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يلْتَزم أَحدهمَا السَّقْي بِرِضا صَاحبه فَهَذَا تواعد مِنْهُمَا فَإِن وفيا فَذَاك وَإِلَّا تبين أَن الْملك لم يحصل فِي الشّطْر

الثَّانِيَة أَن يتراضيا على أَن يَأْخُذ الزَّوْج نصف النّخل وَلَا يلْتَزم وَاحِد مِنْهُمَا سقيا بل يتْرك السَّقْي أَو يسْقِي من شَاءَ مُتَبَرعا فَلَو نَدم أَحدهمَا وَقَالَ أُرِيد السَّقْي لم يُمكن مِنْهُ بِخِلَاف مَا إِذا الْتزم السَّقْي ثمَّ نَدم لِأَن هَذَا إِسْقَاط حق والتزام ضرار فَيلْزم وَأما الْتِزَام السَّقْي فوعد لَا يلْزم قبل التَّسْلِيم الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا أصدقهَا جَارِيَة حَامِلا فَولدت ثمَّ طَلقهَا فَيرجع إِلَى نصف الْوَلَد إِن قُلْنَا إِنَّه يُقَابل بقسط من الثّمن وَقيل لَا يرجح لِأَن أَكثر الْقيمَة حصل بالانفصال فِي ملكهَا وَهَذِه الزِّيَادَة حصلت فِي يَدهَا وَهِي لَهَا وَلَا يُمكن تَمْيِيز قيمَة الْجَنِين عَن الْمُنْفَصِل إِذْ لَا قيمَة للجنين وَإِن قُلْنَا لَا يُقَابله قسط من الثّمن فنسلم الْوَلَد لَهَا الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو أصدقهَا حليا وكسرته وأعادته صَنْعَة أُخْرَى فَهُوَ زِيَادَة من وَجه ونقصان من وَجه فلهَا الْخِيَار فَإِن أعادت تِلْكَ الصَّنْعَة بِعَينهَا فَهَل لَهَا الِامْتِنَاع من تَسْلِيم النّصْف فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا إِذا كَانَت سَمِينَة فهزلت ثمَّ عَادَتْ سَمِينَة وَالثَّانِي لَهَا الْمَنْع وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد لِأَنَّهَا زِيَادَة حدثت باختيارها التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يرجع بِنصْف الْقيمَة فَالصَّحِيح أَنه يرجع بِنصْف الْقيمَة مَعَ الصَّنْعَة

وَقيل إِنَّه يرجع إِلَى مثل نصف تبر من الْحلِيّ وزنا بِوَزْن ثمَّ تغرم الْمَرْأَة نصف أُجْرَة الصَّنْعَة من نقد الْبَلَد الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة لَو أصدق الذِّمِّيّ زَوجته خمرًا فقبضت ثمَّ أسلما فَانْقَلَبَ خلا فَطلقهَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول ابْن حداد أَنه يرجع بِنصْف الْخلّ وَالثَّانِي أَنه لَا يرجع لِأَن هَذَا مَالِيَّة جَدِيدَة ومالية الْخمر قبلهَا لَا تعْتَبر فِي الْإِسْلَام فَكيف يرجع فِيهَا وَهُوَ لَا يرجع فِي زِيَادَة مُنْفَصِلَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يرجع فَلَو أتلفت الْخلّ ثمَّ طَلقهَا قَالَ الخضري يرجع بِمثل بِنصْف الْخلّ لِأَنَّهُ من ذَوَات الْأَمْثَال وَقَالَ ابْن الْحداد لايرجع بشيئ لِأَنَّهُ فِي التّلف ينظر إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق أَو الْقَبْض وَلم يكن خلا ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يجب مثله وَلَا هُوَ مَوْجُود فِي الْحَال حَتَّى يرد عينه وَلَو أصدقهَا جلد ميتَة فدبغته فَمنع الرُّجُوع هَاهُنَا أولى إِذْ حصلت الْمَالِيَّة باختيارها فَإِن قُلْنَا يرجع فَقَوْل ابْن الْحداد فِي أَنه لَا يرجع عِنْد التّلف هَاهُنَا أظهر لِأَنَّهُ لَا مثل لَهُ فتتعين قِيمَته يَوْم الْقَبْض وَلَا قيمَة لَهُ إِذْ ذَاك الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَو أصدقهَا دينا ثمَّ سلم فَطلق فَلَيْسَ لَهَا مَنعه من عين مَا سلم وَإِن لم

يكن مُتَعَيّنا فِي العقد لِأَنَّهُ أقرب إِلَى حَقه لَا محَالة وَقيل إِن لَهَا الْإِبْدَال فَإِن العقد لم يرد عَلَيْهِ بِعَيْنِه الْمَسْأَلَة السَّادِسَة لَو أصدقهَا تَعْلِيم الْقُرْآن فَلم يتَّفق حَتَّى طَلقهَا فقد عسر التَّعْلِيم وَبَقِي فِي ذمَّته الشّطْر وتعسر تعْيين شطر الْقُرْآن إِذْ سوره تخْتَلف فِي الْعسر واليسر وَكَذَلِكَ خياطَة نصف الثَّوْب تعسر إِذا أصدقهَا الْخياطَة فلهَا نصف مهر الْمثل على قَول ضَمَان العقد وعَلى القَوْل الثَّانِي نصف أُجْرَة الْخياطَة أَو التَّعْلِيم قاعدتان يَنْعَطِف حكمهمَا على الْمسَائِل الأولى أَنا حَيْثُ أثبتنا الْخِيَار من الْجَانِبَيْنِ فَلَا نحكم بِالْملكِ قبل الاختبار وَإِن فرعنا على الْأَصَح فِي أَن الصَدَاق يتشطر بِنَفس الطَّلَاق وَلَكِن نَنْتَظِر مَا يجْرِي من اخْتِيَار أَو توَافق وَلَا يكون هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر بل هُوَ كَخِيَار الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَإِذا ثَبت لَهَا الْخِيَار لم يسْقط بِالتَّأْخِيرِ بل للزَّوْج الْمُطَالبَة بِحقِّهِ إِمَّا الْقيمَة وَإِمَّا الْعين فَإِن أَبَت حبس القَاضِي عين الصَدَاق عَنْهُمَا وَامْتنع تصرفها كَمَا فِي الرَّهْن وَإِذا ثَبت الْخِيَار لَهَا فِي صُورَة الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة وأصرت على الْمَنْع بَاعَ القَاضِي من نصف الصَدَاق مَا بَقِي بِنصْف الْقيمَة دون تَقْدِير الزِّيَادَة فَإِن كَانَ لَا يَشْتَرِي النّصْف بِأَكْثَرَ من نصف الْقيمَة فَلَا فَائِدَة فِي البيع فَالصَّحِيح أَنه يسلم إِلَيْهِ وَلَكِن لَا يملكهُ مَا لم يقْض لَهُ القَاضِي بِهِ لِأَنَّهُ يدْرك بِالِاجْتِهَادِ وَفِي نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على هَذَا غلط من غلط حَيْثُ اعْتبر الْقَضَاء فِي أصل التشطير

وَالثَّانيَِة إِذا مست الْحَاجة إِلَى الْقيمَة فَأَي قيمَة تعْتَبر ينظر إِن تلف فِي يَدهَا بعد الطَّلَاق وَقُلْنَا إِنَّه مَضْمُون عَلَيْهَا فَيعْتَبر يَوْم التّلف أما إِذا تلف من قبل أَو امْتنع الرَّد إِلَيْهِ لعيب أَو زِيَادَة فَالْوَاجِب عَلَيْهَا أقل قيمَة من يَوْم الإصداق إِلَى الْإِقْبَاض لِأَنَّهُ إِن نقص قبل الْإِقْبَاض فَهُوَ من ضَمَان الزَّوْج فَلَا يحْسب عَلَيْهَا وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يُقَال إِن كَانَ الْمَانِع هُوَ الزِّيَادَة وَالْعين قَائِمَة تعْتَبر حَالَة التَّقْوِيم لَكِن قدرت الزِّيَادَة كالمفوت للرُّجُوع

الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّصَرُّفَات الْمَانِعَة من الرُّجُوع وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا إِذا زَالَ ملكهَا بِجِهَة لَازِمَة من بيع أَو هبة أَو عتق امْتنع الرُّجُوع وتقرر الْقيمَة وَإِن تعلق بِهِ حق لَازم من غير زَوَال ملك كرهن أَو إِجَارَة فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخ وَله طلب الْقيمَة فِي الْحَال فَإِن قَالَ أنْتَظر الفكاك للرُّجُوع فلهَا إِجْبَاره على قبُول الْقيمَة خيفة من غرر الضَّمَان إِن قُلْنَا إِن الصَدَاق بعد الطَّلَاق مَضْمُون فِي يَدهَا وَإِن قُلْنَا لَا ضَمَان أَو أبرأها من الضَّمَان حَيْثُ نصحح الْإِبْرَاء عَن ضَمَان مَا لم يجب فَهَل تلزمها الْإِجَابَة فِيهِ وَجْهَان ومنشؤهما أَن هَذَا وعد وَرُبمَا يَبْدُو لَهُ الْمُطَالبَة بِالْقيمَةِ وتخلو يَدهَا فِي ذَلِك الْوَقْت عَن النَّقْد وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمهَا الْإِجَابَة فَلَو لم تتفق الْمُطَالبَة حَتَّى انْفَكَّ فَهَل لَهُ الْآن التَّعَلُّق بِالْعينِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا مَانع وَالثَّانِي لَا إِذْ الْمَانِع نقل حَقه إِلَى الْقيمَة فَلَا ينْقض بعده الثَّانِيَة لَو أصدقهَا عبدا فدبرته ثمَّ طَلقهَا نقل الْمُزنِيّ أَنه تتَعَيَّن الْقيمَة فَاخْتلف

الْأَصْحَاب على ثَلَاث طرق مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ غلط لِأَن التَّدْبِير لَا يمْنَع إِزَالَة الْملك اخْتِيَارا فَكيف يمْنَع الرُّجُوع قهرا وَمِنْهُم من قرر النَّص وَقَالَ التَّدْبِير قربَة مَقْصُودَة فَلَا يتقاعد عَن زِيَادَة مُتَّصِلَة مَقْصُودَة لَا تُؤثر فِي زِيَادَة الْقيمَة فَإِنَّهَا تمنع الرُّجُوع قهرا وَمِنْهُم من قَالَ الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ ينبنيان على أَن التَّدْبِير وَصِيَّة أَو تَعْلِيق فَإِن قُلْنَا تَعْلِيق فَيمْتَنع الرُّجُوع لِأَن إبِْطَال التَّعْلِيق بالتصريح بِهِ مُمْتَنع وَهَذَا الْبناء ضَعِيف فَإِن التَّعْلِيق لَا يمْنَع البيع فَكيف يمْنَع التشطير ثمَّ اخْتلف المقررون للنَّص فِي أَن صَرِيح تَعْلِيق الْعتْق هَل يكون كالتدبير وَأَن الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ للْعَبد هَل تكون كالتدبير وَأَن التَّدْبِير هَل يمْنَع الرُّجُوع فِي الهبه وَرُجُوع البَائِع فِي الْعِوَض المتسرد عَن رد المعوض بِالْعَيْبِ وَالْأَظْهَر أَنه لَا يمْنَع الثَّالِثَة إِذا أصدقهَا صيدا وَالزَّوْج محرم عِنْد الطَّلَاق فَإِن قُلْنَا إِنَّه يحْتَاج إِلَى الِاخْتِيَار فَهُوَ كَشِرَاء الْمحرم للصَّيْد وَفِيه خلاف وَإِن قُلْنَا يَنْقَلِب إِلَيْهِ فهاهنا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَنْقَلِب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ ملك قهري فَهُوَ كَالْإِرْثِ

وَالثَّانِي أَنه كالشراء لِأَن الطَّلَاق إِلَى اخْتِيَاره فَإِن قُلْنَا لَا يَنْقَلِب فَيرجع إِلَى نصف الْقيمَة وَإِن كَانَ الْمَانِع من جِهَته وَإِن قُلْنَا يَنْقَلِب فَكيف يجب إرْسَال نصف الصَّيْد أَو كَيفَ يمسك وَنصفه لمحرم وَفِيه خلاف يبْنى على أَن الْمُقدم عِنْد التزاحم حق الله تَعَالَى أَو حق الْآدَمِيّ أم يتساويان فَإِن قدمنَا حق الله وَجب على الزَّوْج الْإِرْسَال وَغرم قيمَة نصِيبهَا وَإِن قُلْنَا حق الْآدَمِيّ بَقِي ملكا للْمحرمِ للضَّرُورَة وَإِن قُلْنَا يتساويان فإليهما الْخيرَة فَإِن أرْسلهُ الرجل بِرِضَاهَا غرم لَهَا وَإِلَّا بَقِي مُشْتَركا الرَّابِعَة إِذا زَالَ ملكهَا بِغَيْب أَو هبة لَازِمَة ثمَّ عَاد فَهَل يمْتَنع الرُّجُوع فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يزل أَو كَالَّذي لم يعد وَإِن كَانَ الطَّارِئ هُوَ الرَّهْن وَالْإِجَارَة فَإِذا زَالَ لم يمْتَنع الرُّجُوع وترددوا فِي الْكِتَابَة وَالتَّدْبِير وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا بعد الِانْقِطَاع لَا يمنعان الرُّجُوع عِنْد الطَّلَاق

الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا لَو وهبت الصَدَاق من زَوجهَا ثمَّ طَلقهَا ونقدم عَلَيْهِ مقدمتين إِحْدَاهمَا أَن الله تَعَالَى قَالَ {فَنصف مَا فرضتم إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} أما عفوهن فمعلوم أَنه يُوجب سُقُوط حقهن عَن النّصْف الْبَاقِي إِذا كَانَ الصَدَاق فِي الذِّمَّة أما الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح فقد اخْتلفُوا فِيهِ فمذهب ابْن عَبَّاس وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم أَن المُرَاد بِهِ الْوَلِيّ دون الزَّوْج لِأَنَّهُ ذكر الْأزْوَاج

بِصِيغَة المخاطبة فَقَالَ {فَنصف مَا فرضتم} وَهَذَا بِصِيغَة المغايبة وَلِأَنَّهُ عطف على عفوها فليحمل على من يُوجب عَفوه سَلامَة الصَدَاق لَهُ وَمذهب عَليّ وَابْن جريج وَابْن الْمسيب رَضِي الله عَنْهُم أَن المُرَاد بِهِ الزَّوْج وَهُوَ الْجَدِيد لِأَنَّهُ ذكر عفوها الْمُوجب لخلوص الْجَمِيع لَهُ ثمَّ ذكر عَفوه الْمُوجب لخلوص الْجَمِيع لَهَا وَهَذَا يُؤَيّد قَول الْحَاجة إِلَى الِاخْتِيَار وَلِأَنَّهُ قَالَ {أقرب للتقوى}

وعفو الْوَلِيّ لَا يُوصف بذلك التَّفْرِيع إِن منعنَا عَفْو الْوَلِيّ وَهُوَ الْقيَاس فَلَا كَلَام وَإِن أثبتنا عَفوه فَهُوَ مُقَيّد بِخمْس شَرَائِط أَن يكون الْوَلِيّ مجبرا كَالْأَبِ وَالْجد وَأَن لَا تكون مالكة أَمر نَفسهَا وَأَن يكون قبل الْمَسِيس فَأَما مَا بعده تَعْطِيل لحقها وَأَن يكون بعد الطَّلَاق لَا قبله فَإِن كَانَ مَعَه بِأَن اختلعها بِالْمهْرِ فَفِيهِ تردد وَالْأَظْهَر أَنه كالمتأخر وَأَن يكون الصَدَاق دينا إِذْ لفظ الْعَفو إِنَّمَا يسْتَعْمل فِيهِ لَا فِي الْعين وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْعين فِي معنى الدّين فِي حكم الْقيَاس والمصلحة لِأَنَّهُ جوز رخصَة لتخليصها إِذا مست الْحَاجة إِلَيْهِ ثمَّ اخْتلف الْأَصْحَاب فِي ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه هَل يعْفُو مهر الصَّغِيرَة الْمَجْنُونَة فَقيل نعم للْعُمُوم وَقيل لَا لِأَن الْغَرَض تَخْلِيصهَا لتنكح غَيره وَهَذِه لَا يرغب فِيهَا

الثَّانِيَة الْبكر الْبَالِغ قيل يعْفُو عَن مهرهَا للْعُمُوم وَقيل لَا لِأَنَّهَا مالكة أَمر نَفسهَا وعَلى هَذَا يَنْبَنِي أَن الْوَلِيّ هَل يسْتَقلّ بِقَبض صَدَاقهَا وَكَأن من جوز ذَلِك سحب ولَايَته على عوض الْبضْع لتَعَلُّقه بالبضع الثَّالِثَة الْبكر الصَّغِيرَة إِذا زوجت وثابت فِي صلب النِّكَاح بِوَطْء شُبْهَة فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ الْعَفو لِأَن عقدَة النِّكَاح لَيست بِيَدِهِ الْآن الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي أَلْفَاظ الْعَفو إِذا كَانَ الصَدَاق دينا يسْقط بِلَفْظ الْعَفو وَالْإِبْرَاء وَلَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول على الصَّحِيح وَلَو قَالَت وهبت فَهَل يفْتَقر إِلَى الْقبُول فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَ عينا لم يسْقط بِلَفْظ الْإِبْرَاء وَإِن قبل وَفِي لفظ الْعَفو تردد وَالْأَشْهر أَنه كَلَفْظِ الْإِبْرَاء وَقَالَ القَاضِي يَكْفِي ذَلِك فِي الصَدَاق خَاصَّة لعُمُوم الْآيَة رَجعْنَا إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول فِي رُجُوع الصَدَاق إِلَى الزَّوْج قبل الطَّلَاق خمس صور إِحْدَاهَا أَن يكون بمعاوضة فَإِذا طلق رَجَعَ إِلَى الْقيمَة سَوَاء كَانَ مُحَابَاة أَو بِثمن الْمثل الثَّانِيَة أَن يرجع بِهِبَة وَهل يمْنَع الرُّجُوع بِالْقيمَةِ عَلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ الثَّالِثَة أَن يكون دينا وَرجع بِالْإِبْرَاءِ فطريقان

مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يرجع بِالْقيمَةِ وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ الرَّابِعَة أَن يكون بِهِبَة الدّين وَفِيه قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالرُّجُوعِ الْخَامِسَة أَن يكون بِهِبَة الدّين الْمَقْبُوض وَفِيه قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يرجع تَوْجِيه أصل الْقَوْلَيْنِ من قَالَ لَا يرجع جعل هبة الصَدَاق كتعجيل رده إِلَيْهِ قبل الطَّلَاق وَمن قَالَ يرجع أنكر أَن تكون الْهِبَة تعجيلا إِذْ لَو صرح بالتعجيل لم يَصح بل الْهِبَة سَبَب مُسْتَأْنف لَا يُغير حكم الطَّلَاق وترتيب الْإِبْرَاء على الْهِبَة سَببه أَن الْإِبْرَاء يضاهي الْإِسْقَاط من وَجه وَلَكِن لَا يشْتَرط فِيهِ الْقبُول فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الفسوخ وكل جِهَة تَقْتَضِي الرُّجُوع إِلَى عوض حَتَّى لَو بَاعَ عبدا بِجَارِيَة فوهب مِنْهُ العَبْد ثمَّ أَرَادَ رد الْجَارِيَة بِالْعَيْبِ لم يجز لَهُ طلب قيمَة العَبْد على هَذَا القَوْل وَيمْتَنع بِسَبَبِهِ رد الْجَارِيَة عِنْد بَعضهم لعروه عَن الْفَائِدَة فرعان أَحدهمَا لَو وهبت من الزَّوْج نصف الصَدَاق ثمَّ طَلقهَا فَإِن قُلْنَا الْهِبَة لَا تمنع الرُّجُوع فَلهُ الرُّجُوع بِالنِّصْفِ وَفِي كيفيته ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه يرجع إِلَى النّصْف الْبَاقِي ليخلص لَهُ الْكل وانحصر هبتها فِي نصِيبهَا وَهُوَ المستيقن وَهَذَا يعرف بقول الْحصْر وَالثَّانِي أَنه يرجع إِلَى نصف الْبَاقِي وَربع قيمَة الْجُمْلَة إِذْ لَا بُد من الإشاعة فَإِن الْحصْر تحكم وَالثَّالِث أَن الإشاعة حق وَلَكِن تُؤدِّي إِلَى تبعيض حق الزَّوْج فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ طلب قيمَة النّصْف وَإِن شَاءَ رَجَعَ إِلَى نصف الْبَاقِي وَربع قيمَة الْجُمْلَة وتجري الْأَقْوَال فِيمَا لَو أصدقهَا أَرْبَعِينَ من الْغنم فأخرجت وَاحِدَة لِلزَّكَاةِ ثمَّ طَلقهَا فَفِي قَول يرجع إِلَى عشْرين من الْبَاقِي وتنحصر زَكَاتهَا فِي نصِيبهَا وَفِي قَول يرجع إِلَى نصف الْبَاقِي وَبَقِيَّة الْقيمَة وَفِي قَول يتَخَيَّر بَين ذَلِك وَبَين قيمَة الْعشْرين وَكَذَلِكَ تجْرِي فِيمَا لَو وهبت النّصْف من الْأَجْنَبِيّ أما إِذا فرعنا على أَن الْهِبَة تمنع الرُّجُوع فَإِن قُلْنَا بالحصر فَمنهمْ من حصر الْهِبَة فِي جَانبهَا وَأثبت للزَّوْج الرُّجُوع بِالنِّصْفِ الْبَاقِي ليخلص لَهُ الْكل وَمِنْهُم من حصر الْهِبَة فِي جَانِبه وَجعل الْمَوْهُوب كَأَنَّهُ الْمُعَجل فَلَا يبْقى لَهُ حق فِي التشطير فَكَأَنَّهُ عجل مَا يسْتَحق من النّصْف بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَإِذ قُلْنَا بالإشاعة رَجَعَ إِلَى النّصْف الْبَاقِي وَهُوَ ربع الْجُمْلَة وَلَا يجْرِي قَول الْخِيَار لأَنا

على هَذَا القَوْل نعني على قَول منع الرُّجُوع جعلناها مُعجلَة للربع فيضاف الرّبع الْبَاقِي إِلَيْهِ الْفَرْع الثَّانِي إِذا اخْتلعت الْمَرْأَة قبل الْمَسِيس بِعَين الصَدَاق فَيَنْبَغِي أَن تَقول اخْتلعت بِالنِّصْفِ الَّذِي يبْقى لي فَإِن قَالَت اخْتلعت بِالنِّصْفِ مُطلقًا فعلى قَول الْحصْر ينْحَصر فِي نصفهَا وَيصير كَمَا لَو صرحت بِمَا يبْقى لَهَا وعَلى قَول الشُّيُوع يفْسد نصف الْعِوَض وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن جَوَّزنَا تَفْرِيق الصَّفْقَة سلم للزَّوْج من الصَدَاق ثَلَاثَة أَرْبَاعه نصف بِحكم التشطير وَربع بِحكم الْخلْع وَيرجع إِلَى قيمَة الرّبع الْبَاقِي أَو إِلَى نصف مهر الْمثل لِأَن ربع الصَدَاق هُوَ نصف عوض الْخلْع وَفِيه الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَان فِي فَسَاد الصَدَاق

الْفَصْل الْخَامِس فِي الْمُتْعَة وَقد قَالَ الله تَعَالَى {ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} فَهِيَ وَاجِبَة عندنَا وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالَ مَالك إِنَّهَا مُسْتَحبَّة

وَالنَّظَر فِي مَحل وُجُوبهَا وقدرها أما الْمحل فالنظر فِي المطلقات وأنواع الْفِرَاق أما المطلقات فثلاثه ثَلَاثَة أَقسَام إِحْدَاهَا الْمُطلقَة المفوضة وَهِي تسْتَحقّ الْمُتْعَة مهما طلقت قبل الْفَرْض والمسيس إِذْ لَيْسَ لَهَا نصف مهر وفيهَا ورد الْقُرْآن الثَّانِيَة مُطلقَة اسْتحقَّت شطر الْمهْر قبل الْمَسِيس فَلَا تسْتَحقّ الْمُتْعَة لِأَنَّهُمَا كالمتعاقبين فِي نَص الْقُرْآن الثَّالِثَة وَهِي الَّتِي اسْتَقر مهرهَا بالمسيس فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا تسْتَحقّ إِذْ سلم لَهَا جَمِيع الْمهْر وَالثَّانِي تسْتَحقّ لِأَن جَمِيع الْمهْر فِي مُقَابلَة الْبضْع فَكَأَنَّهَا لم تسْتَحقّ للإبتذال شَيْئا وَأما أَنْوَاع الْفِرَاق فَفِي معنى الطَّلَاق فِرَاق العان لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِمُجَرَّد لِعَانه وَكَذَا ردته وكل فِرَاق مشطر للمهر فَيُوجب الْمُتْعَة إِذا لم يشطر وَأما مَا يسْتَند إِلَيْهَا كفسخها بِعَيْبِهِ أَو فَسخه بعيبها فَلَا يُوجب الْمُتْعَة

وَنقل الْمُزنِيّ فِي فَسخهَا بجبه أَنه يثبت الْمُتْعَة وَاتَّفَقُوا على تغليطه وَأما الْخلْع فقد ترددوا فِيهِ من حَيْثُ إِنَّه مشطر وَلكنه يتَعَلَّق بِرِضَاهَا وجانبها وَأما مَا لَا يتَعَلَّق بالجانبين كالانفساخ برضاع محرم فَيُوجب الْمُتْعَة لِأَنَّهَا تأذت بالفراق وَإِن لم يؤذها الزَّوْج وَكَأن الْمُتْعَة جبر لأَذى الْفِرَاق إِذا لم يجْبر بِالْمهْرِ وَأما الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَا مُتْعَة لَهَا لِأَنَّهَا متفجعة لَا مستوحشة النّظر الثَّانِي فِي قدرهَا وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَن أقل مَا يتمول بِهِ يَعْنِي فَلَا تَقْدِير فِيهِ وَالثَّانِي أَنه يجْتَهد فِيهِ القَاضِي فَمَا يرَاهُ لائقا بِالْحَال يقدره وَقيل ينظر القَاضِي الى حَاله فِي الْيَسَار والإعسار وَقيل بل إِلَى حَالهَا ومنصبها وَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَيْهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يفْرض القَاضِي لَهَا مقنعتا أَو خَاتمًا أَو ثوبا وَالْأَصْل أَنه لَا ضَابِط فِيهِ إِلَّا الِاجْتِهَاد كَمَا فِي التعزيزان فَإِنَّهَا على قدر الْجِنَايَات وعَلى

قدر أَخْلَاق الجناة فِي الغرامة والسلامة ثمَّ لَا يُزَاد فِي الْمُتْعَة على نصف الْمهْر كَمَا لَا يُزَاد التَّعْزِير على الْحَد ثمَّ إِن لم يكن فِي النِّكَاح مهر فمرد الْمُتْعَة إِلَى نصف مهر الْمثل فلتنقص عَنهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي النزاع فِي الصَدَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه مسَائِل خمس الأولى إِذا تنَازعا فِي مِقْدَار الصَدَاق أَو جنسه أوصفته كَمَا وصفانه فِي البيع تحَالفا وَإِن كَانَ بعد الْمَوْت جرى التَّحَالُف مَعَ الْوَارِث لَكِن الْوَارِث النَّافِي يحلف على نفي الْعلم والمثبت يحلف على الْبَتّ وَكَذَلِكَ يجْرِي التَّحَالُف بعد ارْتِفَاع النِّكَاح لِأَن الصَدَاق مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَفَائِدَة التَّحَالُف فِيهِ انْفِسَاخ الصَدَاق وَالرُّجُوع على مهر الْمثل إِلَى الْأَقْوَال كلهَا لِأَن منشأ التَّحَالُف الْجَهْل بِمِقْدَار الصَدَاق فَلَا يُمكن الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة وَقَالَ ابْن خيران إِذا كَانَ مَا تدعيه الْمَرْأَة أقل من مهر الْمثل فَلَا ترجع إِلَى مهر الْمثل بل يكفيها مَا تدعيه وَهُوَ بعيد لِأَن رُجُوعهَا إِلَى الْمهْر بِجِهَة الْفَسْخ يُخَالف جِهَة الدعْوَة وَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة التَّسْمِيَة وَأنكر الزَّوْج أصل التَّسْمِيَة تحَالفا وَإِنَّمَا يُفِيد ذَلِك إِذا ادَّعَت زِيَادَة على مهر الْمثل وَفِيه وَجه أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل عدم التَّسْمِيَة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن حَاصِل النزاع يرجع إِلَى أَن الثَّابِت مهر الْمثل أَو أَكثر الثَّانِيَة لَو اعْترف الزَّوْج بِالنِّكَاحِ وَأنكر أصل الْمهْر أَو سكت عَنهُ قَالَ القَاضِي لَهَا مهر الْمثل وَلَكِن نحلفها لِأَن الظَّاهِر مَعهَا وَزَاد فَقَالَ لَو قَالَ هَذَا الصَّبِي ابْني من فُلَانَة فلهَا مهر الْمثل إِن حَلَفت لِأَن الظَّاهِر أَن الْوَلَد يكون من وَطْء مُحْتَرم فَإِن استدخال المَاء بعيد وَمَا ذكره فِيهِ نظر لِأَن هَذَا يدل على أصل الْمهْر فَأَما مِقْدَاره فَلَا يدل عَلَيْهِ فَإِن إِنْكَاره أصل الْمهْر أبلغ من إِنْكَاره بعض الْمهْر وَذَلِكَ يُوجب التَّحَالُف نعم مَا ذكره يستمد من مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ لَو تنَازعا وَكَانَ مَا تدعيه الْمَرْأَة مِقْدَار مهر الْمثل فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَا تحالف وَنحن لَا نَنْظُر إِلَى ذَلِك

الثَّالِثَة لَو تنَازع الزَّوْج وَولي الصبية فِي مِقْدَار الْمهْر هَل يَتَحَالَفَانِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه تَحْلِيف الْوَلِيّ أَنه مَقْبُول الْإِقْرَار فِيهِ فَلَا يبعد أَن يحلف وَحَيْثُ لَا يقبل إِقْرَاره فَلَا يحلف وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي الْوَصِيّ والقيم وَالْوَكِيل فِيمَا يتَعَلَّق بإنشائهم أما إِذا ادّعى الْوَلِيّ على إِنْسَان أَنه أتلف مَال طِفْل فنكل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَالظَّاهِر أَنه لَا ترد الْيَمين على الْوَلِيّ لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بإنشائه وَلَكِن لَا يقْضى بِنُكُولِهِ عَلَيْهِ ويتوقف إِلَى بُلُوغ الصَّبِي حَتَّى يحلف وَعَن هَذَا قَالَ بَعضهم لَا تعرض الْيَمين عَلَيْهِ بل يتَوَقَّف فِي أصل الْخُصُومَة لِأَنَّهُ لَا يعجز عَن النّكُول وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ترد الْيَمين على الْوَلِيّ هَاهُنَا أَيْضا فَلَو نكل هَل يقْضى على الطِّفْل بِنُكُولِهِ أم لَهُ أَن يحلف بعد الْبلُوغ فِيهِ وَجْهَان الرَّابِعَة لَو ادَّعَت أَلفَيْنِ فِي عقدين أَحدهمَا يَوْم الْخَمِيس وَالْآخر يَوْم الْجُمُعَة وأقامت الْبَيِّنَة استقحت وَحمل على تخَلّل الطَّلَاق فَإِن ادّعى الرجل أَن الطَّلَاق قبل الْمَسِيس ليسقط النّصْف وَمَا أَقَامَت بَيِّنَة على الْمَسِيس قُلْنَا لَهُ النِّكَاح مُثبت للْكُلّ وَعَلَيْك بَيَان الْمسْقط

الْخَامِسَة لَو كَانَ فِي ملك الرجل أَبوهَا وَأمّهَا فَأَصْدقهَا أَحدهمَا على التَّعْيِين لَكِن تنَازعا فَقَالَت الْمَرْأَة أصدقتني الْأُم وَقَالَ الزَّوْج أصدقتك الْأَب تحَالفا وَفِيه وَجه أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ لِأَن الصَدَاق عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَلم يتَّفقَا على صدَاق وَاحِد فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ بعتني الْجَارِيَة بِدِينَار فَقَالَ بل بِعْتُك العَبْد بدرهم فَإِنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الصَدَاق لَهُ حكم الأعواض ثمَّ لَو تحَالفا رجعت إِلَى مهر الْمثل ورقت الْأُم وَعتق الْأَب على الزَّوْج بِإِقْرَارِهِ وَلَا يرجع إِلَيْهَا بِقِيمَتِه لِأَنَّهَا مُنكرَة وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوف إِذْ لَا مدعي لَهُ وَلَو حلف الزَّوْج ونكلت الْمَرْأَة رقت الْأُم وَحكم بِأَن الصَدَاق هُوَ الْأَب وَعتق وَلَا وَلَاء لَهَا لإنكارها أما إِذا قَالَ الزَّوْج أصدقتك الْأَب وَنصف الْأُم وَقَالَت بل أصدقتهما جَمِيعًا فَإِذا تحَالفا رجعت إِلَى مهر الْمثل وَعتق الْأَب لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا قِيمَته وَعتق نصف الْأُم وَالْبَاقِي يعْتق بِالسّرَايَةِ إِن كَانَت موسرة وَقد تمّ كتاب الصَدَاق ونردفه بِبَاب فِي الْوَلِيمَة والنثر على تَرْتِيب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَفِيه فُصُول ثَلَاثَة

الْوَلِيمَة والنثر الْفَصْل الأول فِي وُجُوبهَا وَوُجُوب الْإِجَابَة فَنَقُول الْوَلِيمَة عبارَة فِي اللُّغَة عَن مأدبة سَببهَا سرُور من ختان أَو قدوم أَو إملاك لَكنا نُرِيد بِهِ مأدبة الْعرس فَإِن الْأَمر فِيهِ مُؤَكد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتْرك الْوَلِيمَة فِي حضر وَلَا سفر وَأَوْلَمَ على صَفِيَّة بسويق وتمر فِي السّفر وَقَالَ لعبد الرَّحْمَن

ابْن عَوْف أولم وَلَو بِشَاة وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي سَائِر الدَّعْوَات من تَركهَا لم يبن لي أَنه عَاص كَمَا تبين لي فِي وَلِيمَة الْعرس فَاخْتلف الْأَصْحَاب فَمنهمْ من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا تجب وَحمل الْأَمر على الِاسْتِحْبَاب وَحمل كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على ترك الْإِجَابَة إِلَى الْوَلِيمَة وَمِنْهُم من قطع بِأَن الْإِجَابَة أَيْضا لَا تجب وَحمل قَوْله عَلَيْهِ

الصَّلَاة وَالسَّلَام من لم يجب الدَّاعِي فقد عصى أَبَا الْقَاسِم على أَنه عصى فِي سيرته والاقتداء بمحاسن أخلاقه إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أهدي إِلَيّ ذِرَاع لقبلت وَلَو دعيت إِلَى قراع لَأَجَبْت ثمَّ إِن قُلْنَا تجب الْإِجَابَة فَيسْقط الْوُجُوب بأعذار الأول أَن يكون فِي الدعْوَة شيئ من الْمُنْكَرَات فَإِن كَانَ يهاب ويرتفع ذَلِك بِحُضُورِهِ فليحضر وَإِلَّا فليمتنع فَإِن حضر وَرَأى ذَلِك وَلم يقدر على التَّغْيِير فَليخْرجْ إِذْ الْإِقَامَة فِي مُشَاهدَة الْمُنْكَرَات حرَام

الثَّانِي أَن يكون فِي الْبَيْت الْمَدْعُو إِلَيْهِ صُورَة مصورة للحيوانان أَو على الستور والسقوف فَإِن ذَلِك حرَام وَلَا بَأْس بصور الْأَشْجَار وَأما صُورَة الْحَيَوَانَات فَلَا يُعْفَى عَنْهَا إِلَّا على الْفرش وَمَا تَحت الْأَقْدَام لَا المنصوبة على صور الْأَصْنَام والوسادة الْكَبِيرَة فِي الصَّدْر فِي حكم الْمَنْصُوب وَقد رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي دَاره ستْرَة عَلَيْهَا صور فَكَانَ يدنو مِنْهَا وينصرف فعل ذَلِك مرَارًا ثمَّ قَالَ حطيها واتخذي مِنْهَا نمارق وَلَا يجوز لبس الثِّيَاب وَعَلَيْهَا صور الْحَيَوَان لَا للرِّجَال وَلَا للنِّسَاء وَأما نسج تِلْكَ الثِّيَاب فجوزه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لِأَنَّهُ ينْتَفع بِهِ فِي الْفرش إِلَّا أَن الظَّاهِر تَحْرِيم ذَلِك لعُمُوم الحَدِيث حَيْثُ قَالَ يحْشر المصورون يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال لَهُم انفخوا الرّوح فِيمَا خلقْتُمْ وَمَا هم بنافخين وَلَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب نعم لَا يبعد أَن يُقَال مَا اتخذوه يجوز أَن

يوطء بالأقدام وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ صُورَة وَالظَّاهِر أَن الدُّخُول مَكْرُوه وَمِنْهُم من حرم ذَلِك الثَّالِث لَو أحضر أكواما من الأراذل والسفلة وَكَانَت مجالستهم تزري بمنصبه ومروءته فَالظَّاهِر أَنه لَا تجب الْإِجَابَة الرَّابِع أَن الصَّوْم لَيْسَ بِعُذْر بل يحضر فَإِن صَامَ عَن فرض أمسك وَإِن كَانَ عَن نفل أفطر إِلَّا إِذا علم أَنه لَا يعز على الدَّاعِي إِمْسَاكه فَعِنْدَ ذَلِك يمسك أَيْضا وَحَيْثُ تجب الْإِجَابَة فَإِنَّمَا تجب إِذا قَصده الدَّاعِي فَإِن قَالَ لغلامه ادْع من شِئْت فَلَا تجب على من دَعَاهُ الْغُلَام الْإِجَابَة وَلَو دَعَا جمَاعَة وَلم يقْصد الْآحَاد سقط الْوُجُوب بِحُضُور جمَاعَة كرد السَّلَام

الْفَصْل الثَّانِي فِي الضِّيَافَة وَفِيه مسَائِل الأولى أَنه لَا يعين طَعَاما فِي الضِّيَافَة بل الْخيرَة إِلَى المضيف لَكِن فِي الْوَلِيمَة يَنْبَغِي أَن ب 180 يتَّخذ يتأخذ مَا يَلِيق بمنصبه وحاله الثَّانِيَة أَنه لَا يفْتَقر إِلَى تَصْرِيح بِالْإِبَاحَةِ بعد إِحْضَار الطَّعَام وَقيل لَا بُد من لفظ كَقَوْلِه كلوا أَو الصَّلَاة الثَّالِثَة الضَّيْف يَأْكُل ملك الْغَيْر بطرِيق الْإِبَاحَة وَله الرُّجُوع وَقيل إِنَّه يملك لَكِن اخْتلفُوا فِي وقته مِنْهُم من قَالَ عِنْد رفع اللُّقْمَة وَقيل عِنْد الْوَضع فِي الْفَم وَقيل عِنْد المضغ وَقيل عِنْد الازدراد نتبين أَنه يملك مَعَ الازدراد وَقيل لَا يملك أصلا وَإِنَّمَا هَذِه الترددات فِي وَقت امْتنَاع الرُّجُوع عَن الْإِبَاحَة وَالْقِيَاس أَنه لَا يملك وَلَا يمْتَنع الرُّجُوع إِلَّا بالفوات الرَّابِعَة زلت الصُّوفِيَّة حرَام إِلَّا إِذا علم يَقِينا بِقَرِينَة الْحَال رضَا الْمَالِك فَإِن تردد فِيهِ فَالظَّاهِر التَّحْرِيم

الْفَصْل الثَّالِث فِي نثر السكر والجوز وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَن النثر والالتقاط كِلَاهُمَا مباحان لما روى جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم حضر إملاكا فَقَالَ أَيْن أطباقكم فَأتي بأطباق عَلَيْهَا جوز ولوز وتمر فَنثرَتْ قَالَ جَابر فقبضنا أَيْدِينَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا لكم لَا تأخذون فَقَالُوا لِأَنَّك نَهَيْتنَا عَن النهبى فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَن نَهْبي العساكر خُذُوا على اسْم الله تَعَالَى فجاذبنا وجاذبناه قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

ترك ذَلِك أحب إِلَيّ وَإِنَّمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرخصة وبيانها فَلَا نقُول إِنَّه مَكْرُوه وَلَكِن رُبمَا يُؤثر الناثر بعض النَّاس دون بعض فَتَركه أولى الثَّانِيَة مَا وَقع فِي الأَرْض فالحاضرون فِيهِ سَوَاء ويملكه من يبتدره وَمن تثبت يَده على شَيْء مِنْهُ فَلَا يسلب بل هُوَ كالصيد الثَّالِثَة لَو وَقع فِي حجر إِنْسَان وَقد بَسطه لذَلِك ملكه فَإِن سقط مِنْهُ فَهَل لغيره أَخذه فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهُ ذَلِك وقرار أمره مَوْقُوف على استقراره فِي يَده أما إِذا لم يبسطه لذَلِك فلغيره أَخذه كَمَا إِذا عشش الطَّائِر فِي دَاره ثمَّ طَار أما إِذا وَقع الصَّيْد فِي الشبكة ثمَّ أفلت فَالظَّاهِر أَن ملكه لَا يَزُول وَفِي وَجه أَنه فِي الْعرف لَا يعد مُسْتَقرًّا

= كتاب الْقسم والنشوز = وَفِيه مُقَدّمَة وَسِتَّة فُصُول

أما الْمُقدمَة فَهِيَ أَن الْحق فِي النِّكَاح مُشْتَرك بَين الزَّوْجَيْنِ وَإِن كَانَ بَينهمَا تفَاوت قَالَ الله تَعَالَى {ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إِذْ لَهُنَّ النَّفَقَة والكسوه وَالْمهْر وَالْقسم كَمَا لَهُم عَلَيْهِنَّ الاستعداد للاستمتاع والتمكين وَالطَّاعَة وَلُزُوم قَعْر الْبَيْت حَتَّى يمْنَعهَا عَن زِيَارَة الْوَالِدين وتشييع جنائزهما وعيادتهما وَإِن كَانَ الأولى أَن يرخص فِي ذَلِك كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى الوحشة وَقَطِيعَة الرَّحِم وَلَكِن لَيْسَ للمنفردة فِي النِّكَاح مُطَالبَة الزَّوْج بالمبيت عِنْدهَا وَلَا بالوقاع اكْتِفَاء بدواعي الطَّبْع وَالْأولَى بِالزَّوْجِ أَن لَا يخليهن عَن الإيناس والوقاع تحصينا لَهُنَّ عَن الْفُجُور وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد وَأَن يبيت عِنْدهَا فِي كل أَربع لَيَال لَيْلَة

وَاحِدَة لِأَنَّهُ أقْصَى مَا يُمكن فِي حَقه أَربع نسَاء وَذَلِكَ غير سديد بل لَو كَانَ لَهُ أَربع نسْوَة فَأَعْرض عَن جَمِيعهنَّ لم يكن لَهُنَّ مُطَالبَته نعم إِذا بَات عِنْد وَاحِدَة لزمَه مثله فِي حق الْبَاقِيَات

وَلَا قسم بَين المستولدات وَالْإِمَاء وَلَا بَينهُنَّ وَبَين المنكوحات بل لَهُ أَن يفعل فِيهِنَّ مَا شَاءَ وَإِن كَانَ الأولى الْإِنْصَاف بَينهُنَّ وَترك الْإِيذَاء لَكِن وجوب الْقسم من خاصية النِّكَاح هَذِه هِيَ الْمُقدمَة

أما الْفَصْل الأول فِيمَن يسْتَحق الْقسم وَيسْتَحق عَلَيْهِ فَنَقُول الْمَرِيضَة والرتقاء وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمحرمة وَالَّتِي آلى عَنْهَا زَوجهَا أَو ظَاهرا وَجَمِيع أَصْنَاف النِّسَاء مِمَّن بِهن عذر شَرْعِي أَو طبعي يثبت لَهُنَّ اسْتِحْقَاق الْقسم لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تمنع الْوَطْء ومقصود الْقسم السكن والأنس والحذر من التَّخْصِيص المؤذي أما النَّاشِزَة فَلَا تسْتَحقّ حَتَّى لَو كَانَ يدعوهن إِلَى منزله فامتنعت وَاحِدَة فِي نوبتها سقط حَقّهَا إِذْ يجب عَلَيْهِنَّ الْإِجَابَة إِلَّا إِذا كَانَ يساكن وَاحِدَة ويدعوا الْأُخْرَى فامتنعت فَيحْتَمل أَلا تجْعَل نَاشِزَة حَتَّى يجب عَلَيْهِ أَن يأتيهن أَو يدعوا جَمِيعهنَّ إِذْ مساكنة وَاحِدَة تَخْصِيص موحش وَيحْتَمل أَن يترخص فِي هَذَا الْقدر من التَّخْصِيص أما المسافرة بِغَيْر إِذْنه فناشزة وَإِن سَافَرت فِي غَرَضه بِإِذْنِهِ فحقها قَائِم وتستحق الْقَضَاء وَإِن كَانَ فِي غرضها فَقَوْلَانِ والجديد الصَّحِيح أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ الْقَضَاء لِأَنَّهَا مَشْغُولَة بغرض نَفسهَا أما من يسْتَحق عَلَيْهِ فَهُوَ كل زوج حَتَّى الْمَجْنُون قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْوَلِيّ أَن يطوف بِهِ على وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يجب على الْوَلِيّ ذَلِك إِذْ الْعَاقِل لَو امْتنع عَن الْكل جَازَ ذَلِك وَكَذَا الْمَجْنُون وَلَكِن الْعَاقِل يَكْتَفِي بدعايته الباعثة وَالْمَجْنُون

بِخِلَافِهِ فَلَا يبعد أَن يجب على الْوَلِيّ ذَلِك فَإِن قُلْنَا يجب فَعَلَيهِ مُرَاعَاة البيتوتة وَإِن قُلْنَا لَا يجب على الْوَلِيّ ذَلِك فَلَو حمله إِلَى وَاحِدَة لَيْلَة يلْزمه مثل ذَلِك لغيره وَيحْتَمل أَن يُقَال التَّخْصِيص إِنَّمَا يثقل من الزَّوْج وَهَذَا من الْوَلِيّ فَلَا يعظم ضَرَره وَأما السَّفِيه فَلَا شكّ فِي وجوب الْقسم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُكَلّف فرع لَو كَانَ يجن ويفيق وَأمكن الضَّبْط فَلَا يجوز تَخْصِيص وَاحِدَة بالإفاقة وَإِن لم يُمكن فأفاق فِي نوبَة وَاحِدَة فَفِي كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا يدل على أَنه يقْضِي لِلْأُخْرَى يَوْم الْجُنُون لنُقْصَان حَقّهَا

الْفَصْل الثَّانِي فِي مَكَان الْقسم وزمانه وعدده أما الْمَكَان فَلَا يَنْبَغِي أَن يجمع بَين الضرتين فِي مسكن وَاحِد إِلَّا أَن تنفصل الْمرَافِق فَإِن ذَلِك ظَاهر فِي الْإِضْرَار وَلَو كن فِي بُيُوتهنَّ وَكَانَ يَسْتَدْعِي كل وَاحِدَة إِلَى منزله جَازَ وعليهن الْإِجَابَة وَأما الزَّمَان فعماده اللَّيْل لِأَن الله تَعَالَى جعل اللَّيْل سكنا إِلَّا فِي حق الأتوني والحارس فَالْأَصْل فِي حَقّهمَا النَّهَار وَأما فِي حق الْعَامَّة فالنهار تَابع وَتظهر التّبعِيَّة فِي أَمريْن أَحدهمَا أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يدْخل فِي نوبَة وَاحِدَة على ضَرَّتهَا إِلَّا لضَرُورَة كَمَرَض مخوف أَو مرض يُمكن أَن يكون مخوف فيستبين حَقِيقَة الْحَال ليعود فارغ الْقلب وَقيل إِذا لم يتَحَقَّق أَنه مخوف لم يجز الْخُرُوج فَإِن خرج إِلَيْهَا بِغَيْر عذر عصى وَيَقْضِي لَهَا من نوبَة ضَرَّتهَا إِن بلغ مكثه ثلث اللَّيْل هَكَذَا قدره القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَهُوَ قريب من التحكم بل وَجه أَن لَا يقدر بل يجب عَلَيْهِ قَضَاء مثله كَيْفَمَا كَانَ لَكِن ظَاهر الْمَنْقُول أَنه إِذا لم يكن مكث فَيقْتَصر على التعصية وَلَا يجب الْقَضَاء وَأما بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مُلَازمَة النِّسَاء إِذْ يشْتَغل بِالْكَسْبِ بل إِذا أَرَادَ أَن يعود إِلَى لوضوء أَو طَعَام فَيرجع إِلَى بَيت صَاحِبَة النّوبَة فَإِن دخل على ضَرَّتهَا بِالنَّهَارِ فَفِيهِ ثَلَاث طرق

أَحدهَا أَنه كالليل وَالثَّانِي أَنه أَن ذَلِك لَا حجر فِيهِ لِأَن النَّهَار تبع وَهُوَ وَقت الانتشار وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِحْقَاق مُلَازمَة حَتَّى يفوت بِسَبَب الدُّخُول على الضرة وَالثَّالِث أَن ذَلِك يجوز لغَرَض مُهِمّ وَإِن لم يكن بِمَرَض مخوف وَلَا يجوز بِاللَّيْلِ إِلَّا بِمَرَض مخوف فَإِن تعود الانتشار فِي نوبَة وَاحِدَة وملازمة الْأُخْرَى فَيظْهر الْمَنْع فِي ذَلِك الْأَمر الثَّانِي لَو جَامعهَا فِي نوبَة ضَرَّتهَا عصى بالاضرار وَلَكِن إِن جرى بِاللَّيْلِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يقْضِي مثل تِلْكَ الْمدَّة إِن طَالَتْ وَلَا يُكَلف الوطاء الثَّانِي أَنه أفسد تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَو عَاد إِلَيْهَا لَا يعْتد بِهِ لِأَن الْمَقْصُود قد فَاتَ فَيَقْضِي تَمام اللَّيْل وَإِن عَاد إِلَيْهَا وَالثَّالِث أَنه يلْزمه قَضَاء الوقاع فِي نوبَة الْمَوْطُوءَة فَقَط وَإِن جرى بِالنَّهَارِ احْتمل الِاقْتِصَار على التعصية وَيحْتَمل أَن يَجْعَل ذَلِك كالليل فَأَما الْمِقْدَار فأقله لَيْلَة وَإِن أَرَادَ أَن ينصف لم يجز لِأَنَّهُ يتنغص الْعَيْش إِذا بتر اللَّيْل وَأما الْأَكْثَر فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأكرمه مُجَاوزَة الثَّلَاث أَي يجوز

أَن يبيت ثَلَاث لَيَال عِنْد وَاحِدَة وَثَلَاث عِنْد أُخْرَى وَمِنْهُم من قَالَ لَا يُجَاوز الثَّلَاث إِذْ لَا مرد بعده وَمِنْهُم من قَالَ يجوز إِلَى السَّبع فَإِنَّهُ مُدَّة مُلَازمَة الْبكر أَولا وَمِنْهُم من قَالَ لَا تَقْدِير وَالِاخْتِيَار إِلَى الزَّوْج وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّسْوِيَة فَقَط فرع إِذا قرر الْقسم على مِقْدَار فالبداية يَنْبَغِي أَن تكون بِالْقُرْعَةِ وَقيل هُوَ إِلَى خيرة الزَّوْج لِأَنَّهُ مَا لم يبت عِنْد وَاحِدَة لَا يلْزمه لِلْأُخْرَى حق

الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّفَاضُل وَله سببان الأول الْحُرِّيَّة وللحرة ليلتان وللأمة لَيْلَة لما روى الْحسن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للْحرَّة ثلثا الْقسم وللأمة الثُّلُث وَقَالَ مَالك يُسَوِّي بَينهمَا وَهُوَ ضَعِيف للْخَبَر وَلِأَن حق الْأمة فِيهِ نُقْصَان وَقد يتَضَرَّر برق وَلَدهَا فَلهُ الحذر من ذَلِك فرع لَو طَرَأَ الْعتْق عَلَيْهَا نظر فَإِن كَانَ قد بَدَأَ بِالْحرَّةِ فلهَا ليلتان وللأمة لَيْلَة فَإِذا عتقت فِي هَذِه الْأَيَّام الثَّلَاثَة إِمَّا فِي نوبَة الْحرَّة أَو فِي نوبتها التحقت بِالْحرَّةِ الْأَصْلِيَّة حَتَّى تسْتَحقّ استكمال يَوْمَيْنِ فَإِن عتقت بعد تَمام يَوْمهَا اقتصرت على يَوْمهَا وَوَجَب التَّسْوِيَة بعد ذَلِك وَإِن بَدَأَ بهَا فعتقت قبل انْقِضَاء يَوْمهَا صَارَت كَالْحرَّةِ الْأَصْلِيَّة وَإِن عتقت بعد انْقِضَاء يَوْمهَا فقد تمّ اسْتِحْقَاق الْحرَّة ليومين فَوَجَبَ تَوْفِيَة الْيَوْمَيْنِ ثمَّ بعد ذَلِك يسوى بَينهمَا

السَّبَب الثَّانِي فِي تجدّد النِّكَاح فَإِن نكح ثَيِّبًا فَلهُ أَن يبيت عِنْدهَا ثَلَاثًا وَلَا يقْضِي للباقيات بل يُسَوِّي بعد ذَلِك ويبيت عِنْد الْبكر سبعا ثمَّ يُسَوِّي بعد ذَلِك فَإِن طلبت الثّيّب زِيَادَة على الثَّلَاث فأجابها بَطل حَقّهَا من الثَّلَاث وَوَجَب قَضَاء الْجَمِيع للباقيات لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة وَبَات عِنْدهَا ثَلَاثًا فَلَمَّا انْقَضتْ تعلّقت بِهِ فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بك على أهلك هوان وَإِن شِئْت سبعت عنْدك وسبعت عِنْدهن وَإِن شِئْت ثلثث عنْدك وَدرت عَلَيْهِنَّ وَشبه الْأَصْحَاب هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا لَو اسْتحق الْقصاص من الْمرْفق فَقطع من الْكُوع سقط حَقه من أرش الساعد وَلَا خلاف فِي أَنه لَو أَقَامَ بِاخْتِيَارِهِ دون التماسها لم يبطل حَقّهَا وَبَالغ الْأَصْحَاب فِي الِاقْتِصَار على الْخَبَر وَقَالُوا لَا يبطل حَقّهَا إِلَّا فِي صُورَة وُرُود الْخَبَر حَتَّى لَا يبطل حق الْبكر من السَّبع أصلا وَإِن استزادت وَلَا حق الثّيّب إِن قَامَ عِنْدهَا خمْسا بالتماسها حَتَّى يُقيم السَّبع وَلَيْسَ يبعد عِنْدِي أَن يكون ذَلِك مُعَللا بحسم بَاب التحكم والاقتراح عَلَيْهَا فيطرد ذَلِك فِي جَمِيع الصُّور لَكِن هَذَا مَا وجدته مَنْقُولًا فِي الْمَذْهَب فرع لَو كَانَت الجديدة أمة فلهَا مثل حق الْحرَّة فِي الثَّلَاث أَو السَّبع لِأَن هَذَا يُرَاد

لحُصُول الألفة والأنس وَذَلِكَ يتَعَلَّق بالطبع كمدة الْعنَّة ليستوي بَينهمَا وَفِيه وَجه أَنه ينصف ثمَّ سَبِيل التنصيف هَاهُنَا تنصيف اللَّيْلَة وَلَا نبالي بذلك بِخِلَاف الْأَقْرَاء فِي الْعدة فَإِنَّهُ لَا يقبل التنصيف

الْفَصْل الرَّابِع فِي الظُّلم وَوُجُوب الْقَضَاء وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى لَو كَانَ تَحْتَهُ ثَلَاث نسْوَة فَبَاتَ عِنْد اثْنَتَيْنِ عشْرين لَيْلَة بِالسَّوِيَّةِ فقد اسْتحقَّت الثَّالِثَة عشر لَيَال فيقضيها على الْوَلَاء وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يفرق فيبيت عِنْدهَا لَيْلَتَيْنِ وَعند كل وَاحِدَة لَيْلَة لِأَن هَذَا حق مُجْتَمع فِي ذمَّته فليقضه من غير تَأْخِير وَمن ضَرُورَته الْوَلَاء فَلَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فنكح جَدِيدَة فلهَا الثَّلَاث أَو السَّبع ويشتغل بِالْقضَاءِ بعد ذَلِك وَلَكِن لَو أَقَامَ عِنْد المظلومة عشر لَيَال لَصَارَتْ الجديدة مظلومة فسبيله أَن يبيت عِنْد المظلمومة ثَلَاث لَيَال وَعند الجديدة لَيْلَة وَهَكَذَا حَتَّى تَنْقَضِي ثَلَاث نوب وَقد وفاها تسع لَيَال وَاعْترض إِشْكَال وَهُوَ أَنه لَو بَات الْعَاشِرَة للْقَضَاء ثمَّ اسْتَأْنف الْقسم لم تعد النّوبَة إِلَى الجديدة إِلَّا فِي خمس لَيَال وَذَلِكَ ظلم عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا الْقدر من الظُّلم يَنْبَغِي أَن يحْتَمل للضَّرُورَة وَقَالَ غَيره سَبِيل الْعدْل إِذا بَات عِنْدهَا الْعَاشِرَة أَن يبيت عِنْد الجديدة بعده ثلث ليله ثمَّ يخرج إِلَى صديق أَو مَسْجِد بَقِيَّة اللَّيْل حَتَّى ينْدَفع الظُّلم إِذْ

يثبت بِهَذِهِ اللَّيْلَة للجديدة مثل مَا يثبت للأوليين وَحِصَّة كل وَاحِدَة من الْأَوليين من هَذِه اللَّيْلَة الثُّلُث وَلها أَيْضا ثلث اللَّيْل فيوفيها فِي لَيْلَة أُخْرَى ويستقيم الْحساب من لَيْلَة وَثلث الثَّانِيَة إِذا بَات عِنْد وَاحِدَة نصف لَيْلَة فَأخْرجهُ السُّلْطَان أَو خرج قصدا يلْزمه أَن يبيت عِنْد ضَرَّتهَا نصف لَيْلَة ثمَّ يخرج فِي مثل ذَلِك الْوَقْت إِلَى صديق وَيحْتَمل التنصيف فِي الْقَضَاء ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَأْنف الْحساب الثَّالِثَة إِذا وهبت وَاحِدَة نوبتها صحت الْهِبَة وَلها الرُّجُوع مَتى شَاءَت فِي الْمُسْتَقْبل فَلَو بَات لَيْلَة بعد الرُّجُوع وَقبل بُلُوغ الْخَبَر لم يلْزمه الْقَضَاء كَمَا لَو أَبَاحَ تنَاول ثمار بُسْتَان ثمَّ رَجَعَ فَمَا تنَاول قبل بُلُوغ الْخَبَر فَلَا ضَمَان فِيهِ وَمِنْهُم من قَالَ مَسْأَلَة الْقسم تخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي عزل الْوَكِيل ثمَّ لهبتها ثَلَاث صِيغ الأولى أَن تهب نوبتها من وَاحِدَة فَلَيْسَ للزَّوْج أَن يَقُول أسقطت حَقك فَأَنا أصرف اللَّيْل إِلَى من شِئْت بل هُوَ هبة بِشَرْط فَيجب الِاتِّبَاع وَكَذَلِكَ فعلت سَوْدَة ووهبت نوبتها من عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا

فَلَو أَبَت الْمَوْهُوب مِنْهَا فَللزَّوْج أَن يقهرها على ذَلِك إِذْ لَيْسَ هَذِه هبة مِنْهَا حَتَّى تفْتَقر إِلَى الْقبُول بل هِيَ هبة من الزَّوْج وَلذَلِك يجوز للزَّوْج أَن يمْتَنع ويبيت عِنْد الواهبة قهرا ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَت نوبَة الْمَوْهُوب مِنْهَا مُتَّصِلَة بنوبة الواهبة بَات عِنْدهَا لَيْلَتَيْنِ وَإِن لم يكن فَهَل لَهُ أَن يوصلها عِنْدهَا بَين لَيْلَتَيْنِ عِنْدهَا فِيهِ وَجْهَان الصِّيغَة الثَّانِيَة أَن تَقول وهبت مِنْك مُطلقًا فقد صَارَت كالمعدومة فيسوي بَين الْبَاقِيَات الصِّيغَة الثَّالِثَة أَن تَقول وهبت مِنْك فخصص من شِئْت مِنْهُنَّ فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ لَهُ التَّخْصِيص فَإِن هَذَا يُورث الغيظ بِخِلَاف مَا إِذا وهبت من وَاحِدَة فرع إِذا ظلمها بِعشر لَيَال مثلا وَجب الْقَضَاء فَإِن طَلقهَا تعذر الْقَضَاء وَبقيت الْمظْلمَة إِلَى الْقيمَة فَإِن رَاجعهَا وَجب الْقَضَاء فَإِن أَبَانهَا ثمَّ جدد النِّكَاح وَوَجَب الْقَضَاء أَيْضا وَقيل يثنى على عود الْحِنْث وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الْمظْلمَة بَاقِيَة فَلَا بُد من التقضي وَإِنَّمَا يُمكن الْقَضَاء إِذا عَادَتْ وَعِنْده تِلْكَ النسْوَة الَّتِي ظلمها بِهن فَإِن نكح جديدات فَلَا يُمكن الْقَضَاء إِلَّا بظُلْم الجديدات فقد تعذر الْقَضَاء

الْفَصْل الْخَامِس فِي المسافرة بِهن فَنَقُول من أنشأ سفرا فِي حَاجَة على قصد الِانْصِرَاف عِنْد نجاز حَاجته فَعَلَيهِ أَن يقرع بَينهُنَّ فَإِذا استصحب وَاحِدَة بِالْقُرْعَةِ لم يلْزمه قَضَاء أَيَّام السّفر للمخلفات لما رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعَن أَبِيهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ واستصحب وَاحِدَة ثمَّ ظهر أَنه كَانَ إِذا عَاد يَدُور على النّوبَة فَصَارَ سُقُوط الْقَضَاء من جملَة رخص السّفر على خلاف الْقيَاس وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب الْقَضَاء وَهَذِه الرُّخْصَة وَردت مقرونه بأَرْبعَة أَوْصَاف مُؤثرَة فَلَا يجوز حذفهَا الأول أَن عَلَيْهِ السَّلَام أَقرع فَمن استصحب وَاحِدَة بِغَيْر قرعَة لزمَه الْقَضَاء وَعصى بالتخصيص وَهَذَا كَمَا أَنه لَو أَقَامَ عِنْد وَاحِدَة لتمريضها قضى للباقيات إِن سلمت وَإِن مَاتَت فقد فَاتَ الْقَضَاء لِأَنَّهُ لم يبْقى لَهَا نوبَة حَتَّى يقْضِي مِنْهَا نعم لَا يعْصى إِن كَانَ

الْمَرَض مخوفا وَلَا ممرض سواهُ فَإِن كَانَ مخوفا وَلها ممرض سواهُ أَو لَا ممرض وَلَكِن لَيْسَ بمخوف فَفِي جَوَاز الْإِقَامَة عِنْدهَا بِهَذَا الْعذر وَجْهَان الثَّانِي أَن لَا يعزم على النقلَة فَيحرم أَن يعزم على النقلَة ويخلف نِسَاءَهُ لِأَنَّهُ لَا يُطَالب بالتحصين اكْتِفَاء بداعية الطَّبْع وَإِذا انْتقل انْقَطع ذَلِك فَإِن استصحب وَاحِدَة وَلَو بِالْقُرْعَةِ عصى وَلزِمَ الْقَضَاء للباقات وَعَلِيهِ الرُّجُوع وَهل يلْزمه الْقَضَاء لأيام الرُّجُوع وهومشتغل بامتثال الْأَمر فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر وُجُوبه الثَّالِث أَن يكون السّفر طَويلا ليَكُون تعبها ومشقة السّفر فِي مُقَابلَة مَا فازت بِهِ من الصُّحْبَة فَأَما السّفر الْقصير فَهُوَ بالتفرج أشبه فَلَا يسْقط الْقَضَاء فَلَا يكون فِي معنى مورد الْخَبَر وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يحْتَمل أَن يلْحق هَذَا بالرخص الَّذِي يفِيدهُ السّفر الْقصير الرَّابِع أَن لَا ينْتَظر فِي مقْصده لإنجاز حَاجته فَإِن عزم الْإِقَامَة بهَا مُدَّة لزمَه قَضَاء تِلْكَ الْأَيَّام لِأَن تَعب السّفر قد انْقَطع فِيهِ متودعة فَكيف تفوز بالصحبة وَإِن لم يعزم على الْإِقَامَة لَكِن أَقَامَ يَوْمًا وَاحِدًا مثلا فَهَذَا الْقدر تَابع للسَّفر فَلَا قَضَاء فِيهِ وَإِن كُنَّا نرى أَنه لَا يترخص بِالْفطرِ وَغَيره وَإِن طَالَتْ إِقَامَته من غير عزم وَلَكِن فِي انْتِظَار نجاز الْحَاجة فَفِي

ترخصه خلاف فَإِن قُلْنَا يترخص فَلَا قَضَاء وَإِن قُلْنَا لَا يترخص فَيلْزمهُ الْقَضَاء فروع ثَلَاثَة الأول لَو لزمَه قَضَاء أَيَّام الْإِقَامَة بالعزم فَإِذا توجه للرُّجُوع فَفِي لُزُوم قَضَاء أَيَّام الرُّجُوع وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَن عزم الْإِقَامَة يُؤثر فِي أَيَّام الْإِقَامَة وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ إِنَّمَا سقط قَضَاء أَيَّام الرُّجُوع رخصَة بِشَرْط أَن لَا يكون لَهُ عزم إِقَامَة فَإِذا عزم فقد أفسد الرُّخْصَة فنرجع إِلَى الْقيَاس وَقد قيل إِنَّه كَمَا نقض الْعَزْم سقط عَنهُ الْقَضَاء وَإِن لم ينْهض للرُّجُوع وَهُوَ وَجه ثَالِث ضَعِيف أما إِذا كَانَ عزم على الْإِقَامَة ثمَّ أنشأ سفرا آخر مستدبرا وَطنه فَإِن لم يكن عزم عَلَيْهِ فِي أول السّفر لزمَه الْقَضَاء لِأَنَّهُ سفر بِغَيْر قرعَة وَإِن كَانَ عزم عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان على أَيَّام الرُّجُوع وَهَاهُنَا أولى بِوُجُوب الْقَضَاء لِأَنَّهُ فِيهِ غير مُتَوَجّه إِلَى الِامْتِثَال بِالرُّجُوعِ الثَّانِي لَو استصحب اثْنَتَيْنِ بِالْقُرْعَةِ فَعَلَيهِ التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي السّفر فَلَو ظلم إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى قضى لَهَا من نوبتها إِمَّا فِي السّفر وَإِمَّا فِي الْحَضَر وَلَو أَرَادَ أَن يخلف إِحْدَاهمَا فِي بعض الْمنَازل بِالْقُرْعَةِ جَازَ لَهُ ذَلِك وَلَو نكح فِي الطَّرِيق جَدِيدَة خصصها بِثَلَاث أَو سبع ثمَّ عدل بَينهَا وَبَين المستصحبات وَلَو خرج وَحده ثمَّ نكح فِي الطَّرِيق لم يلْزمه الْقَضَاء للباقيات لِأَنَّهُ تجدّد حَقّهَا حَيْثُ لم يكن عَلَيْهِ التَّسْوِيَة وَلَا يظْهر الْميل بإيثارها الثَّالِث لَو كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فنكح جديدتين فَخرجت الْقرعَة على إحدهما فسافر بهَا اندرج حق الجديدة المسافرة فِي صُحْبَة السّفر إِذا انْقَضتْ أَيَّامهَا فِي السّفر فَإِذا عَاد إِلَى الوطن فَهَل يبْقى حق الجديدة المخلفة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن أَيَّامهَا قد انْقَضتْ

وَالثَّانِي نعم لِأَن ذَلِك لإِزَالَة التوحش والتوحش قَائِم وَالَّتِي فِي السّفر قد أنست بِصُحْبَة السّفر وَهَذَا فِيهِ إِذا زفت إِلَيْهِ الجديدتان ثمَّ سَافر أما إِذا لم تزف إِلَيْهِ فَحق المخلة قَائِم قطعا

الْفَصْل السَّادِس فِي الشقاق بَين الزَّوْجَيْنِ وَله ثَلَاثَة أَحْوَال الأول أَن يكون التَّعَدِّي مِنْهَا بالنشوز وَمعنى نشورها أَن لَا تمكن الزَّوْج وتعصي عَلَيْهِ فِي الِامْتِنَاع عصيانا خَارِجا عَن حد الدَّلال بِأَن كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمكن الزَّوْج حملهَا على الطَّاعَة إِلَّا بتعب فَإِن كَانَت تؤذيه بالشتم وبذاءة اللِّسَان وَغير ذَلِك فَلَيْسَتْ نَاشِزَة لَكِنَّهَا تسْتَحقّ التَّأْدِيب وَهل لَهُ أَن يؤدبها أم يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فِيهِ تردد ثمَّ حكم النُّشُوز سُقُوط النَّفَقَة وتسلط الزَّوْج على ضربهَا لَكِن قَالَ الله تَعَالَى {فعظوهن واهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن} فَمنهمْ من حمل على الْجمع وَمِنْهُم من حمل على التَّرْتِيب وَالصَّحِيح أَنه إِن غلب على ظَنّه أَنَّهَا تنجر بالوعظ ومهاجرة المضطجه لم يجز الضَّرْب وَإِن علم أَن ذَلِك لَا يزجرها جَازَ الضَّرْب وَالْأولَى ترك الضَّرْب بِخِلَاف الْوَلِيّ فَإِن الأولى بِهِ أَن لَا يتْرك الضَّرْب فَإِن مَقْصُوده إصْلَاح الصَّبِي لأجل الصَّبِي وَهَذَا يصلح زَوجته لنَفسِهِ وَلذَلِك كَانَ ضرب الزَّوْج مُقَيّدا بِشَرْط سَلامَة

الْعَاقِبَة فَلَو أفْضى إِلَى فَسَاد عُضْو أَو روح فَعَلَيهِ الضَّمَان وَله أَن يضْربهَا وَإِن أمكنت من الْجِمَاع إِذا منعته غير ذَلِك من الاستمتاعات وَهل تسْقط نَفَقَتهَا مَعَ الوقاع فِيهِ تردد وَأقرب مِثَال فِيهِ تَسْلِيم السَّيِّد الْأمة لَيْلًا واستخدامها نَهَارا وَذكرنَا فِيهِ خلافًا الْحَالة الثَّانِيَة أَن يكون التَّعَدِّي مِنْهُ بِالضَّرْبِ وَسُوء الْخلق فَلَا سَبِيل إِلَّا الْحَيْلُولَة حَتَّى يعود إِلَى حسن المعاشرة وَإِنَّمَا يعول فِيهِ على قَوْلهَا أَو على قَرَائِن أَحْوَال وشهادات تدل عَلَيْهِ كَمَا يستبرأ حَال الْفَاسِق إِذا أظهر التَّوْبَة فَأَما مُجَرّد قَوْله فَلَا يعول عَلَيْهِ الْحَالة الثَّالِثَة أَن يشكل الْأَمر فَلَا يدْرِي من الْمُتَعَدِّي فَقَالَ قَالَ تَعَالَى {فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا إِن يريدا إصلاحا يوفق الله بَينهمَا}

ومقصود الْحكمَيْنِ أَن يصلحا بَينهمَا إِن أنمكن أَو يفرقا وَهل هما وكيلان من جِهَة الزَّوْجَيْنِ فَيُوقف تصرفهما على إذنهما أم هما متوليان من جِهَة القَاضِي حَتَّى ينفذ تفريقهما بِالطَّلَاق على الزَّوْج وبإلزام المَال على الْمَرْأَة عِنْد استصوابها الْخلْع فِيهِ قَولَانِ الأول وَهُوَ الْقيَاس أَنَّهُمَا وكيلان إِذْ يَتَعَدَّ دُخُول الطَّلَاق تَحت الْولَايَة وَالثَّانِي أَنَّهُمَا متوليان لما رُوِيَ أَن عليا كرم الله وَجهه بعث حكمين بَين زَوْجَيْنِ فَقَالَ أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا عَلَيْكُمَا إِن رَأَيْتُمَا أَن تفَرقا وَإِن رَأَيْتُمَا أَن تجمعَا أَن تجمعَا فَقَالَ الزَّوْج أما الطَّلَاق فَلَا فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ كذبت وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا تسميتهما حكمين فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مسخرا لَا ينفذ حكمه فَكيف يُسمى حكما فعلى هَذ القَوْل إِن توافقا لم يجز لَهما التَّفْرِيق وَإِن غَابَ أَحدهمَا أَو سكت فَفِي جَوَاز التَّفْرِيق وَجْهَان مِنْهُم من شَرط لنفوذ حكمهمَا قيام الْخُصُومَة فِي الْحَال ثمَّ لَا بُد على هَذَا القَوْل فِي الْحكمَيْنِ من الْعَدَالَة وَالْهِدَايَة إِلَى الْمصَالح وَلَا يشْتَرط

منصب الِاجْتِهَاد وَكَذَلِكَ فِي كل أَمر معِين جرى يفوضه الْقُضَاة إِلَى الْآحَاد وَلَا يشْتَرط أَن يَكُونَا من أهلهما بل ذَلِك أولى إِذا وجدا فَإِنَّهُمَا أعرف ببواطن أحوالهما وَالله أعلم وَأحكم

= كتاب الْخلْع = وَفِيه أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي حَقِيقَة الْخلْع وَمَعْنَاهُ وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول فِي أَثَره فِي النِّكَاح وَأَلْفَاظه أما أَثَره فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه طَلَاق محوج إِلَى التَّحْلِيل إِذا تكَرر ثَلَاثًا وَهُوَ مَذْهَب عمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَمذهب أبي حنيفَة والمزني رحمهمَا الله وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيم والمنصور فِي الْخلاف أَنه فسخ

وَحَقِيقَة الْخلاف رَاجع إِلَى أَن النِّكَاح هَل يقبل الْفَسْخ تَرَاضيا فعلى قَول يقبل قِيَاسا على البيع ثمَّ أَلْفَاظه ثَلَاثَة الْخلْع وَالْفَسْخ والمفاداة أما لفظ الْخلف فصريح فِي الْفَسْخ على هَذَا القَوْل وَلَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة لِأَن شاع فِي لِسَان حَملَة الشَّرِيعَة لإِرَادَة الْفَسْخ وتكرر فَصَارَ كَلَفْظِ الْفِرَاق والسراح الَّذِي تكَرر فِي الْقُرْآن وَأما الَّذِي شاع فِي لِسَان الْعَامَّة كَقَوْلِه حَلَال الله عَليّ حرَام فَهَل يصير صَرِيحًا فِي الطَّلَاق فِيهِ خلاف ظَاهر وَأما لفظ الْفَسْخ فَالظَّاهِر أَنه صَرِيح فِي مَقْصُود الْفَسْخ لَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة وَفِيه وَجه بعيد أَنه يحْتَاج إِلَى النِّيَّة بِخِلَاف لفظ الْخلْع فَإِن ذَلِك تداولته أَلْسِنَة حَملَة الشَّرِيعَة وَلَفظ الْفَسْخ فِي النِّكَاح غير مُسْتَعْمل إِلَّا إِذا جرى عيب أَو سَبَب أما لفظ المفاداة فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَنه ورد بِهِ الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وَلَكِن لم يتَكَرَّر وَكَذَا الْخلاف فِي لفظ الْإِمْسَاك فِي الرّجْعَة وَلَفظ الفك فِي الْعتْق فَإِذا الصَّرِيح قطعا لفظ

متكرر فِي الْقُرْآن أَو متكرر على لِسَان حَملَة الشَّرِيعَة أما مَا تكَرر على لِسَان الْعَامَّة أَو ورد بِهِ الْقُرْآن وَلم يتَكَرَّر فَفِيهِ خلاف ثمَّ إِذا جعلنَا الْخلْع صَرِيحًا فِي الْفَسْخ على هَذَا القَوْل فَلَو نوى بِهِ الطَّلَاق لم يَنْقَلِب طَلَاقا على الْأَظْهر لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِي مَوْضِعه صَرِيحًا فَلَا تُؤثر فِيهِ النِّيَّة كَمَا لَو نوى الطَّلَاق بِلَفْظ الظِّهَار فَإِنَّهُ لَا يصير طَلَاقا وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ إِنَّهَا عَليّ حرَام وَنوى بِهِ الطَّلَاق فَإِنَّهُ يَقع بِهِ الطَّلَاق وَإِن كَانَ مُطلق هَذَا القَوْل صَرِيحًا فِي الْتِزَام الْكَفَّارَة لكنه لَا اخْتِصَاص لَهُ بِالنِّكَاحِ إِذْ يجْرِي فِي الْأمة الْمَمْلُوكَة وَلَفظ الْخلْع يخْتَص بِالنِّكَاحِ أما إِذا قدر الزَّوْج على فسخ النِّكَاح بعيبها مثلا فَقَالَ فسخت وَنوى بِهِ الطَّلَاق فَيحْتَمل أَن لَا ينْصَرف إِلَى الطَّلَاق لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِيمَا هُوَ صَرِيح فِيهِ وَقَالَ القَاضِي يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ لَا اخْتِصَاص للفظ الْفَسْخ بِالنِّكَاحِ فَيحْتَمل أَن

يصرف إِلَى الطَّلَاق أما إِذا فرعنا على الصَّحِيح وَهُوَ أَن النِّكَاح لَا يقبل الْفَسْخ فَلفظ الْفَسْخ كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَفِي لفظ المفاداة وَجْهَان كَمَا سبق على قَول الْفَسْخ وَفِي لفظ الْخلْع قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كِنَايَة أَيْضا لِأَن صرائح الطَّلَاق ثَلَاثَة وَهِي الَّتِي تَكَرَّرت فِي الْقُرْآن الْفِرَاق والسراح وَالطَّلَاق وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاء أَنه صَرِيح لِأَنَّهُ تكَرر فِي لِسَان حَملَة الشَّرْع لإِرَادَة الْفِرَاق فالتحق بالمتكرر فِي الْقُرْآن وَمِنْهُم من قَالَ مأخذه أَن ذكر المَال هَل ينتهض قرينَة فِي إِلْحَاق الْكِنَايَة بِالصَّرِيحِ حَتَّى لَو خلا عَن ذكر المَال كَانَ كِنَايَة قطعا وَهَذَا المأخذ ضَعِيف إِذْ قرينَة الْغَضَب وَالسُّؤَال وَغَيره لَا تغير الْكِنَايَات عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَكَذَلِك قرينَة المَال أما إِذا جرى الْخلْع من غير ذكر المَال فمطلقه هَل ينزل على اقْتِضَاء المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وَالثَّانِي لَا لِأَن لم يتَلَفَّظ بِهِ وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو قارض رجلا على أَن يتجر وَلم يشْتَرط الرِّبْح أَنه هَل

يسْتَحق أجر الْمثل وَاخْتَارَ القَاضِي أَنه يَقْتَضِي المَال تَشْبِيها لِلْخلعِ بِالنِّكَاحِ وتعليله بِالْعرْفِ أولى من التَّشْبِيه بِالنِّكَاحِ الْمَخْصُوص بالتعبد فَإِن قُلْنَا يثبت المَال وَهُوَ الصَّحِيح فالثابت هُوَ مهر الْمثل إِن جَعَلْنَاهُ فسخا أَو صَرِيحًا فِي الطَّلَاق وَإِن جلناه كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَنوى فَهُوَ كَالصَّرِيحِ وَإِن لم ينْو لَغَا وَلم يُؤثر أما إِذا قُلْنَا لَا يثبت المَال فَإِن جَعَلْنَاهُ فسخا لَغَا إِذْ لَا فسخ إِلَّا على عوض وَإِن جَعَلْنَاهُ طَلَاقا صَرِيحًا أَو جرت النِّيَّة فَهُوَ طَلَاق رَجْعِيّ إِذْ لَا مَال وَلَكِن يتَصَدَّى أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن الرَّجْعِيّ لَا يفْتَقر إِلَى قبُولهَا فَهَذَا هَل يفْتَقر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا أَنه لَا مَال وَالثَّانِي نعم لِأَن اللَّفْظ يَسْتَدْعِي الْقبُول وَلَا يبعد ذَلِك فَإِنَّهُ لَو خَالع السفيهة لَا ينفذ إِلَّا بقبولها ثمَّ يكون الطَّلَاق رَجْعِيًا إِذْ لَا يَصح التزامها المَال وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي قَوْله خالعت فَلَو قَالَ خلعت فيبعد انْتِظَار الْقبُول وَكَذَا لَو قَالَ خالعت وَلم يضمر التمَاس جَوَابه فَيكون كَقَوْلِه قاطعت وَفَارَقت الْأَمر الثَّانِي أَنه إِن أضمر الرجل المَال فيبعد إِيقَاع طَلَاق من غير مَال فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا أثر لنِيَّة المَال فَهُوَ كَمَا إِذا لم ينْو

وَالثَّانِي أَنه يُؤثر حَتَّى لَا يَقع من غير ثُبُوت المَال وَإِنَّمَا يثبت المَال إِذا نويا جَمِيعًا المَال فَإِن لم تنو الْمَرْأَة فَلَا يَقع الطَّلَاق أصلا وَهَذَا بَيَان هَذِه الاختلافات وَالْأولَى فِي الْفَتَاوَى أَن نجْعَل الْخلْع طَلَاقا ونجعله صَرِيحًا فِيهِ ونجعل الْخَالِي عَن الْعِوَض مقتضيا للعوض بِحكم الْعرف ونجعله صَرِيحًا أَيْضا ونطرح بَقِيَّة الِاحْتِمَالَات وَإِن كَانَ لَهَا بعض الاتجاه أما جعل الْخلْع فسخا فبعيد فِي الْمَذْهَب وَالْقِيَاس إِذْ لَا خلاف أَن الزوح لَا يسْتَقلّ بِالْفَسْخِ وَلَو قبل النِّكَاح الْفَسْخ لَكَانَ لَا يمْنَع بِسَبَبِهَا كَمَا لَا يمْنَع الطَّلَاق وَفِيه إبِْطَال حَقّهَا وَلِأَنَّهُ لَا خلاف أَن الْخلْع قبل الْمَسِيس مشطر وَأَنه يجوز إِيرَاده على عوض جَدِيد وكل ذَلِك يُنَاقض معنى الْفَسْخ

الْفَصْل الثَّانِي فِي معنى نِسْبَة الْخلْع إِلَى الْمُعَامَلَات فَنَقُول إِن جَعَلْنَاهُ فسخا فَهُوَ مُعَاوضَة مَحْضَة شَبيهَة بِالنِّكَاحِ وَإِن جَعَلْنَاهُ طَلَاقا أَو جرى الطَّلَاق على مَال فَهُوَ من جَانب الزَّوْج تَعْلِيق فِيهِ مشابه الْمُعَاوَضَات وَمن جَانبهَا مُعَاوضَة مَحْضَة فِيهَا فِيهَا مشابه الْجعَالَة وَلَا نعني بذلك أَن الحكم الْوَاحِد يتركب من أصلين فَإِن ذَلِك متناقض بل تجْرِي بعض الْأَحْكَام على قَاعِدَة التَّعْلِيق وَبَعضه على قانون الْمُعَاوضَة وَشرح ذَلِك من جَانِبه يَسْتَدْعِي تَفْصِيل الصَّبْغ وَله صِيغ الأولى صِيغَة الْمُعَاوضَة وَهُوَ أَن يَقُول طَلقتك على ألف أَو أَنْت طَالِق على ألف فتتمحض فِي هَذِه الصِّيغَة قَضِيَّة الْمُعَاوَضَات وَيظْهر ذَلِك فِي أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا أَنه لَو رَجَعَ قبل قبُولهَا لم يَقع الطَّلَاق كَمَا فِي البيع وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من قبُولهَا بِاللَّفْظِ وَالثَّالِث أَنه لَا بُد من الْقبُول فِي الْمجْلس على الِاتِّصَال وَالرَّابِع أَنه لَو قَالَ طَلقتك ثَلَاثًا على ألف فَقَالَت قبلت وَاحِدَة على ثلث الْألف لم يَقع كَمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد بِأَلف فَقَالَ قبلت ثلثه بِثلث الْألف فَإِنَّهُ لَا يَصح وَلَو قبلت وَاحِدَة على كَمَال الْألف فَالْأَصَحّ

أَنه يَقع لِأَنَّهَا وَافَقت فِي الْعِوَض وَلَيْسَ إِلَيْهَا عدد الطَّلَاق بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلف فَقبل أَحدهمَا بِالْألف فَإِن الْأَصَح فِيهِ أَنه لَا يَصح لِأَن الْملك مَقْصُود للْمُشْتَرِي وَالطَّلَاق لَا يدْخل فِي ملكهَا ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهَا لم تقبل إِلَّا وَاحِدَة وَقَالَ الْقفال يَقع الثَّلَاث لِأَن قبُولهَا يعْتَبر للعوض فَقَط ثمَّ الصَّحِيح أَنه يسْتَحق الْمُسَمّى وَعَن ابْن سُرَيج أَنه يسْتَحق مهر الْمثل الصِّيغَة الثَّانِيَة أَن يُصَرح بِالتَّعْلِيقِ فَيَقُول مَتى مَا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَهَذَا تَعْلِيق مَحْض من جَانِبه فَلَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول لفظا وَلَا إِلَى الْإِعْطَاء فِي الْمجْلس وَلَا لَهُ الرُّجُوع قبل الْإِعْطَاء الثَّالِثَة أَن يَقُول إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَلَا يَصح رُجُوعه وَلَا يفْتَقر إِلَى قبُولهَا لفظا وَلَكِن يخْتَص الْإِعْطَاء بِالْمَجْلِسِ لِأَن قَوْله مَتى مَا صَرِيح فِي تَجْوِيز التَّأْخِير وَهَذَا مُتَرَدّد وقرينه الْعِوَض تشعر باستعجاله فِي الْمجْلس فَيخْتَص بِهِ وَلَا تطلق بالإعطاء بعد ذَلِك أما جَانب الْمَرْأَة فاختلاعها مُعَاوضَة نازعة إِلَى الْجعَالَة لِأَن الطَّلَاق لَيْسَ إِلَيْهَا حَتَّى يتَطَرَّق إِلَى جَانبهَا مشابة التَّعْلِيق وَإِنَّمَا إِلَيْهَا بذل المَال فِي مُقَابلَة مَا يسْتَقلّ الزَّوْج بِهِ إِن شَاءَ وَفَائِدَة هَذَا أَن لَهَا الرُّجُوع فِي جَمِيع الصُّور قبل الْجَواب حَتَّى لَو أَتَت أَيْضا بِصِيغَة التَّعْلِيق وَقَالَت إِن طلقتني فلك ألف ثمَّ رجعت قبل الْقبُول جَازَ وَيخْتَص الْجَواب أَيْضا بِالْمَجْلِسِ فَلَو طَلقهَا بعد ذَلِك لم يلْزمهَا الْعِوَض حَتَّى لَو قَالَت مَتى مَا طلقتني فلك ألف فَطلقهَا بعد مُدَّة حمل ذَلِك على الِاسْتِقْلَال لَا على الْجَواب لِأَنَّهُ قَادر على الِابْتِدَاء وَإِنَّمَا ينْصَرف إِلَى الْجَواب بِقَرِينَة التخاطب الْمُعْتَاد فِي الْمجْلس

وَإِنَّمَا نزوعها إِلَى الْجعَالَة يظْهر من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه احْتمل صِيغَة التَّعْلِيق مِنْهَا بِأَن تَقول إِن طلقتني فلك ألف كَمَا تَقول إِن رددت عَبدِي الْآبِق لِأَنَّهَا التمست مَا يسْتَقلّ الزَّوْج بِهِ وَيحْتَمل التَّعْلِيق بالأغرار الثَّانِي أَنَّهَا لَو قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا على ألف فَقَالَ طَلقتك وَاحِدَة اسْتحق الثُّلُث كَمَا إِذا قَالَ إِن رددت عَبِيدِي الثَّلَاث فلك ألف فَرد وَاحِدًا اسْتحق الثُّلُث وَكَذَلِكَ لَو قَالَتَا طلقنا على ألف فَطلق وَاحِدَة اسْتحق نصفهَا عَلَيْهَا وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ الرجل طَلقتك ثَلَاثًا بِأَلف فَقَالَت قبلت وَاحِدَة على ثلث الْألف لم يَقع الطَّلَاق لِأَن مَا أَتَى بِهِ صِيغَة الْمُعَاوضَة فالتحقت بالمعاوضة وَمَا أَتَت بِهِ صِيغَة ضاهت الْجعَالَة فالتحق بهَا وَلَو قَالَ الزَّوْج ابْتِدَاء خالعتكما على ألف وَقبلت وَاحِدَة مِنْهُمَا لم يَصح بِلَا خلاف لِأَن الْجَواب لم يُوَافق الْخطاب بِخِلَاف مَا إِذا قَالَتَا طلقتنا فَأجَاب إِحْدَاهمَا نفذ لِأَن ذَلِك مَأْخُوذ من الْجعَالَة وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ عبدا من رجلَيْنِ فَأجَاب أَحدهمَا وَقبل النّصْف لم يَصح على الْمَذْهَب وَإِن شغب أَصْحَاب الْخلاف بِمَنْع فِيهِ

وَلَو قَالَ خالعتك وضرتك فَقبلت صَحَّ لِأَنَّهَا العاقدة وَحدهَا وَإِنَّمَا المتعدد الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَقَط وَلَو تخَلّل بَين إِيجَاب الْخلْع وقبوله كَلَام يسير لم يضر وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَتَا طلقنا وارتدتا فأجابها ثمَّ عادتا إِلَى الْإِسْلَام صَحَّ الْخلْع وَإِن تخَلّل كلمة الرِّدَّة إِلَّا أَن هَذَا كَلَام من الْمُخَاطب بعد تَمام خطابه وَإِنَّمَا النّظر فِي كَلَام الْقَابِل بعد الْإِيجَاب وَقبل الْقبُول وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَرْكَان الْخلْع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي خَمْسَة الصِّيغَة والعاقدان والعوضان وَإِذا تطرق الْخلَل إِلَى وَاحِدَة مِنْهَا فسد الْخلْع وَمعنى فَسَاده أَن يمْتَنع وُقُوع الطَّلَاق وَلَفظ الْبطلَان بِهَذَا أَحَق أَو يَنْقَلِب الطَّلَاق رَجْعِيًا أَو تنفذ البونه وَيفْسد الْعِوَض وَلَفظ الْفساد بِهَذَا أَحَق وتفصله بشرح الْأَركان الرُّكْن الأول الْمُوجب وَشَرطه أَن يكون مُسْتقِلّا بِالطَّلَاق فَخلع الصَّبِي بَاطِل وخلع العَبْد صَحِيح والعوض يدْخل فِي ملك سَيّده قهرا فَهَذَا كالاكتساب وخلع الْمَحْجُور بالفلس والسفة صَحِيح لِأَن طَلَاقه ينفذ من غير مَال فَهُوَ مَعَ المَال أولى وَلَا حجر عَلَيْهِم فِي مِقْدَار الْعِوَض وَإِن نقص عَن مهر الْمثل إِذْ ينفذ طلاقهم مجَّانا إِلَّا أَن المختلعة من السَّفِيه لَا تَبرأ عَن الْعِوَض إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْوَلِيّ فَإِن سلمت إِلَى السَّفِيه لم تَبرأ

الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد وَشَرطه أَن يكون أَهلا لالتزام المَال غير مَحْجُور عَلَيْهِ وَأَسْبَاب الْحجر خَمْسَة الأول الرّقّ فَإِذا اخْتلعت الْأمة بِإِذن سَيِّدهَا بِعَين مَاله صَحَّ وَاسْتحق الزَّوْج عين المَال وَإِن اخْتلعت بدين هَل يكون السَّيِّد ضَامِنا بِالْإِذْنِ فِيهِ خلاف كَمَا فِي نِكَاح العَبْد وَإِن اسْتَقَلت بالاختلاع فسد الْخلْع ونفذت الْبَيْنُونَة وَتعلق مهر الْمثل بذمتها تطالب بِهِ إِذا أعتقت وَفِيه وَجه أَنه تطالب بِالْمُسَمّى إِذا عتقت وَيصِح الْمُسَمّى وَهُوَ ملتفت إِلَى الْوَجْه الْمَذْكُور فِي صِحَة شِرَاء العَبْد وضمانه وتعلقه بِذِمَّتِهِ السَّبَب الثَّانِي حجر الْمُكَاتبَة والتزامها المَال فِي الْخلْع تبرع فَإِن اسْتَقَلت فَهِيَ كالأمة وَإِن اخْتلعت بِإِذن السَّيِّد يبْنى على أَن تبرعها هَل ينفذ بِإِذن السَّيِّد وَإِنَّمَا جعل تَبَرعا لِأَنَّهُ لم يحصل فِي مُقَابلَته مَال السَّبَب الثَّالِث الْحجر بالسفة وَإِذا اخْتلعت السفيهة وَلَو بِإِذن الْوَلِيّ لم يثبت المَال للحجر وَامْتنع الْخلْع وَنفذ طَلَاقا رَجْعِيًا إِذا قبلت لِأَن لَفظهَا صَحِيح فِي الْقبُول وَلَا بُد من الْقبُول لاقْتِضَاء الصِّيغَة ذَلِك السَّبَب الرَّابِع الْحجر بِالصَّبِيِّ فَلَا يَصح اختلاع الصبية لفساد لَفظهَا فِي

الْقبُول بِخِلَاف السفيهة وَمِنْهُم من قَالَ يَقع الطَّلَاق هَا هُنَا أَيْضا رَجْعِيًا وَيكون كَمَا لَو قَالَ للصبية أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت لِأَن قبُول قَول السفيهة أَيْضا سَاقِط فِي الِالْتِزَام السَّبَب الْخَامِس الْحجر بِالْمرضِ وَيجوز اختلاع الْمَرِيضَة بِمهْر الْمثل وَلَا يحْتَسب من الثُّلُث إِذْ غايتها أَنَّهَا صرفت المَال إِلَى أغراضها فِي حَيَاتهَا وَلها ذَلِك بِخِلَاف السفيهة وَالْمُكَاتبَة وَهُوَ كَمَا لَو نكح الْمَرِيض أَبْكَارًا بمهور أمثالهن وَهُوَ مستغن عَنْهُن جَازَ ذَلِك وَأما الزِّيَادَة على مهر الْمثل فيحسب من الثُّلُث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ أصل الْمهْر يحْسب من الثُّلُث

الرُّكْن الثَّالِث المعوض وَهُوَ الْبضْع وَشَرطه أَن يكون مَمْلُوكا للزَّوْج فَلَا يجوز للزَّوْج مخالعة المختلعة وَإِن كَانَت بعد فِي الْعدة إِذْ لَا ملك وَوَافَقَ على هَذَا أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَإِن خَالَفنَا فِي لُحُوق الطَّلَاق إِيَّاهَا وَأما الْمُرْتَدَّة بعد الْمَسِيس إِذا خَالعهَا صَحَّ إِن عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام قبل انْقِضَاء الْعدة وَإِن أصرت تبين الْفساد وَله الْتِفَات إِلَى وقف الْعُقُود وَأما الرَّجْعِيَّة فَفِي مخالعتها قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَصح لِأَن الْملك قَائِم

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لأجل والطلقة الثَّانِيَة لَا تفِيد فِي حَقّهَا أمرا جَدِيدا فَينفذ طَلَاقا رَجْعِيًا كَمَا فِي السفيهة وَفِيه وَجه آخر أَنه يَصح مخالعتها بالثالثة دون الثَّانِيَة إِذْ الثَّانِيَة لَا تفيدها شَيْئا جَدِيدا وَهُوَ بعيد

الرُّكْن الرَّابِع الْعِوَض وَشَرطه أَن يكون متمولا مَعْلُوما وَبِالْجُمْلَةِ يشْتَرط فِيهِ شَرَائِط الْمَبِيع وَالثمن فَإِن خَالع على مَجْهُول فسد الْعِوَض ونفذت الْبَيْنُونَة وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل وَإِن خَالع على خمر أَو خِنْزِير أَو مَغْصُوب أَو حر أَو شَيْء مِمَّا يقْصد وَهُوَ غير مَعْلُوم فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى الْقيمَة أَو مهر الْمثل فِيهِ قَولَانِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الصَدَاق وَلَو خَالع على دم وَقع طَلَاق رَجْعِيًا لِأَن ذَلِك لَا يقْصد بِحَال وَالْميتَة كَالْخمرِ لَا كَالدَّمِ فَإِنَّهَا قد تقصد لطعمة الْجَوَارِح وَالتَّفْصِيل فِي هَذَا كالتفصيل فِي الصَدَاق فرع إِذا قَالَ خالعتك على مَا فِي كفك صَحَّ الْخلْع إِن صححنا بيع الْغَائِب وَنزل على مَا فِي كفها وَإِن لم نصحح فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل وَلَا يرجع إِلَى قِيمَته أصلا لِأَن مَأْخَذ الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة الرِّضَا بالمالية وَالرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يتَصَوَّر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن لم يكن فِي كفها شيئ نزل على ثَلَاثَة دَرَاهِم وَلَعَلَّه يَقُول مَعْنَاهُ مَا فِي كفها الْمَقْبُوض من عُقُود الْحساب وَلَيْسَ

فِيهِ إِلَّا ثَلَاثَة إِذْ لَا معنى لقبض الْإِبْهَام والسبابة فِي الْحساب ثمَّ يرى تَنْزِيله من الْأَعْدَاد على النَّقْد أولى وَمن النُّقُود على الْأَدْنَى وَهُوَ الدَّرَاهِم وَالْوَجْه تنفيذه رَجْعِيًا فَإِن مَا ذكره وَإِن تكلفنا لَهُ خيالا فَهُوَ تعسف ظَاهر وَمِمَّا يتَعَلَّق بِالْعِوَضِ مُوَافقَة الْوَكِيل ومخالفته وَالنَّظَر فِي وَكيله ووكيلها أما وَكيله فَإِن قَالَ لَهُ خَالع بِمِائَة فخالع بهَا أَو بِمَا فَوْقهَا صَحَّ وَإِن نقص لم ينفذ الطَّلَاق لمُخَالفَته وَإِن قَالَ خَالع مُطلقًا نفذ خلعه بِمهْر الْمثل فَمَا فَوْقه فَإِن نقص فالنص فِي الْإِمْلَاء أَنه لَا يبطل لِأَنَّهُ أذن مُطلقًا فَيتَنَاوَل ذَلِك بِعُمُومِهِ وَإِنَّمَا ينزل فِي البيع على ثمن الْمثل للْعُرْف الْجَارِي فِي مَقْصُود الْأَمْوَال إِذْ لَا مَقْصُود فِيهَا سوى الْمَالِيَّة وَفِيه قَول مخرج أَنه يبطل كَمَا لَو عين الْمِقْدَار وَله اتجاه وَفِي مَسْأَلَة تعْيين الْمِقْدَار قَول مخرج من هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه لَا يبطل وَإِن نقص وَهُوَ ضَعِيف فَإِن فرعنا على النَّص وَهُوَ أَنه لَا يبطل فَمَا الَّذِي يحصل فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا ذكه الشَّيْخ أَبُو عَليّ أَن للزَّوْج الْخِيَار وَلَكِن فِي تخيره قَولَانِ أَحدهمَا أَن مَعْنَاهُ أَنه إِن رَضِي بذلك نفذ وَقد قنع بِالْمُسَمّى وَإِلَّا امْتنع الطَّلَاق وَلَا يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ هَذَا من وقف الْعُقُود بل مأخذه أَن لَفظه عَام وَله أَن يَقُول اردت بِهِ مهر الْمثل وعلامة ذَلِك أَن لَا يرضى بِالْمُسَمّى فَإِن رَضِي بِالْمُسَمّى

فَكَأَنَّهُ أَرَادَ ذَلِك بِالْعُمُومِ وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه إِن شَاءَ قنع بِالْمُسَمّى وَإِلَّا صَار الطَّلَاق رَجْعِيًا وَامْتنع الْعِوَض أصلا إِذْ رد الطَّلَاق لخيرته بعيد وتكليفها مهر الْمثل وَمَا رضيت إِلَّا بِالْمُسَمّى بعيد الطَّرِيقَة الثَّانِيَة نقل الْقَوْلَيْنِ على وَجه آخر أَحدهمَا أَنه لَا خِيَار لَهُ إِلَّا بَين الْمُسَمّى وَمهر الْمثل فَأَما الطَّلَاق فَلَا خِيَار فِيهِ وَالثَّانِي أَنه لَا خِيَار لَهُ أصلا بل فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل وَهَذِه الطَّرِيقَة أَقيس وَيحصل من هَذِه الاختلافات خَمْسَة أَقْوَال إِذا جمعت أما وكيلها بالاختلاع بِمِائَة إِن وَافق أَو نقص صَحَّ وَإِن زَاد فالنص وُقُوع الْبَيْنُونَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا ينفذ وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ خَالف وَلم يَجْعَل اخْتِيَاره تخريجا مَعَ اتجاهه ثمَّ فِيمَا يلْزمهَا على النَّص قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يفْسد الْمُسَمّى وَاللَّازِم مهر الْمثل وَالثَّانِي أَنه يلْزمهَا مَا سمت وَزِيَادَة الْوَكِيل أَيْضا تلزمها إِلَّا مَا جَاوز من زِيَادَة مهر الْمثل فَإِنَّهَا لَا تلْزم هَذَا إِذا أضَاف الْوَكِيل الاختلاع إِلَى مَالهَا فَإِن أضَاف إِلَى نَفسه نفذ وَلزِمَ

الْوَكِيل تَمام مَا سمى وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء لِأَن اختلاع الْأَجْنَبِيّ بِنَفسِهِ صَحِيح وَإِن أطلق الْوَكِيل وَلم يضف إِلَيْهَا وَلَا إِلَى نَفسه فالبينونة حَاصِلَة على النَّص وَفِيمَا يلْزمه قَولَانِ أَحدهمَا أَن عَلَيْهَا مَا سمت وَالزِّيَادَة على الْوَكِيل كَأَنَّهُ قد افتداها بِمَا سمت وَزِيَادَة من عِنْد نَفسه وَالثَّانِي أَن الزِّيَادَة عَلَيْهَا أَيْضا مَا لم يُجَاوز مهر الْمثل فَمَا جَاوز مهر الْمثل فَهُوَ على الْوَكِيل وَقِيَاس مَذْهَب الْمُزنِيّ صِحَة الْخلْع من الْأَجْنَبِيّ وانصرافه عَنْهَا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِمِائَة إِذا زَاد فَإِنَّهُ يَقع عَنهُ إِذا لم يُصَرح بالأضافة إِلَى الْمُوكل فَأَما إِذا أضَاف الْوَكِيل المَال إِلَيْهَا وَضمن قَالَ الصيدلاني هُوَ كَمَا لَو أطلق الْوَكِيل وَهَذَا ضَعِيف بل الْإِضَافَة إِذا فَسدتْ فَالضَّمَان الْمُرَتّب عَلَيْهِ لَا يَصح وَلَا يُؤثر فِيهِ هَذَا كُله إِذا عينت مائَة فَإِن أَذِنت مُطلقًا قطع الْأَصْحَاب بِأَن ذَلِك كالمقدر بِمهْر الْمثل والمصرح بِهِ هَذَا كُله فِي الْمُخَالفَة بالمقدار فَلَو خَالف فِي الْجِنْس بِأَن قَالَت اختلعني بِالدَّرَاهِمِ فاختلع بِالدَّنَانِيرِ قَالَ القَاضِي انْصَرف الْخلْع عَنْهَا لِأَنَّهُ مُخَالف بِخِلَاف مَا إِذا زَاد فَإِنَّهُ أَتَى بِمَا أمرت وَزِيَادَة وَهَذَا يُؤَكد اخْتِيَار الْمُزنِيّ لِأَن الْفساد هَاهُنَا أَيْضا فِي الْعِوَض

الرُّكْن الْخَامِس الصِّيغَة وَفِيه مسَائِل إحدها أَنه لَو قَالَ طَلقتك بِدِينَار على أَن لي الرّجْعَة فَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الَّذِي نَقله الْمُزنِيّ أَن الْعِوَض يسْقط وَينفذ الطَّلَاق رَجْعِيًا إِذْ لَا جمع بَين الْعِوَض وَالرَّجْعَة والعوض هُوَ الْمُحْتَاج إِلَى إثْبَاته دون الرّجْعَة فيندفع بِذكر الرّجْعَة وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وَقد نَقله الرّبيع وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ أَن الْعِوَض يفْسد لاقتران الشَّرْط بِهِ وتنفذ بينونة على مهر الْمثل لِأَن دفع الرّجْعَة أَهْون من دفع الْبَيْنُونَة الثَّانِيَة الْمَرْأَة تتوكل فِي الاختلاع وَهل تتوكل فِي الْخلْع فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنَّهَا لَا تقدر على الِاسْتِقْلَال بِالْخلْعِ وَيجْرِي الْخلاف فِي توكلها بالتطليق مَعَ أَنه لَا خلاف أَنه لَو قَالَ لَهَا زَوجهَا طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت طلقت ينفذ وَلَكِن هُوَ تمْلِيك أَو تَوْكِيل فِيهِ خلاف الثَّالِثَة الْوَكِيل بِالْخلْعِ هَل يتَوَلَّى طرفِي الْخلْع فِيهِ وَجْهَان وَمن جوز ذَلِك

على خلاف البيع وَالنِّكَاح علل ذَلِك بِأَن الْخلْع يَكْفِي فِيهِ اللَّفْظ من أحد الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهُ لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فأعطت حصلت الْبَيْنُونَة الرَّابِعَة لَو خَالعهَا على أَن ترْضع وَلَده حَوْلَيْنِ صَحَّ الِاسْتِئْجَار وَالْخلْع وَلَو أضَاف إِلَيْهِ الْحَضَانَة جَازَ وَلَو أضَاف إِلَيْهِ نَفَقَة عشر سِنِين مثلا وقدرها ووصفها بِحَيْثُ يجوز فِيهِ السّلم انبنى على تَجْوِيز الْجمع بَين صفقتين مختلفتين فَإِن أفسدنا فالرجوع إِلَى مهر الْمثل أَو إِلَى بدل هَذِه الْأَشْيَاء فعلى قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع هَاهُنَا بِأَن الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل إِذْ لَو جَوَّزنَا الرُّجُوع إِلَى أبدال مُخْتَلفَة لصححنا العقد على أبدال مُخْتَلفَة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن لم نصحح الْجمع بَين صفقتين مختلفتين جَوَّزنَا هَاهُنَا لِأَن النَّفَقَة هَاهُنَا تَابع للحضانة غير مَقْصُود التَّفْرِيع إِن صححنا وعاش الْوَلَد واستوفاه فَإِن كَانَ زهيدا فَالزِّيَادَة للزَّوْج وَإِن كَانَ رغيبا فَالزِّيَادَة على الزَّوْج وَلَو مَاتَ فِي وسط الْمدَّة فَلَا يخفى حكم تَفْرِيق الصَّفْقَة بِسَبَب الِانْفِسَاخ فِي الْبَعْض وَوجه التَّفْرِيع عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي مُوجب لفظ الزَّوْج فِي إِلْزَام الْعِوَض وتسليمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي الْأَلْفَاظ الملزمة وَحكمهَا وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الأولى أَن الملزم الصَّرِيح قَوْله أَنْت طَالِق على ألف أَو طَلقتك على ألف فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ولي عَلَيْك ألف وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَنَّهُ صِيغَة إِخْبَار لَا صِيغَة إِلْزَام وَقَوله أَنْت طَالِق مُسْتَقل فَينفذ وَيَلْغُو قَوْله ولي عَلَيْك ألف كَمَا لَو قَالَ وَعَلَيْك حجَّة وَلَو قَالَ أردْت مَا يُريدهُ أَنه قصد ذَلِك فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ ينزل عَلَيْهِ وَتلْزم الْألف وَمِنْهُم من قَالَ لَا أثر للتوافق إِذْ اللَّفْظ غير صَالح لَهُ أما إِذا قَالَ أَنْت طَالِق على أَن لي عَلَيْك ألفا فَظَاهر هَذَا أَنه شَرط وَالطَّلَاق

لَا يقبل الشَّرْط فَيلْغُو وَلكنه لَو قَالَ أردْت الْإِلْزَام فَهَذَا أدل على الْإِلْزَام من الصِّيغَة الأولى وَلَكِن قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يقبل وَفِي كَلَام

غَيره مَا يدل على الْقبُول وَإِن قَالَ عنيت أَنْت طَالِق إِن ضمنت لي ألفا قبل وَذَلِكَ لَو صرح بِهِ لاقتضى ضمانا فِي الْمجْلس كالتعليق بالإعطاء إِلَّا أَن يَقُول أَنْت طَالِق مَتى ضمنت لي ألفا فَإِن ذَلِك لَا يخْتَص بِالْمَجْلِسِ وَلَو قَالَ أَمرك بِيَدِك فطلقي نَفسك إِن ضمنت لي ألفا فَإِن جعلنَا التَّفْوِيض تَمْلِيكًا اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا لم يخْتَص ثمَّ سَبِيلهَا أَن تَقول ضمنت الْألف وَطلقت أَو طلقت وضمنت الْألف فَيَقَع الطَّلَاق وَالضَّمان مَعًا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة ذكرنَا أَن الْجَواب يخْتَص بِالْمَجْلِسِ فِيمَا يَسْتَدْعِي الْجَواب وَلَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي أَو أدّيت إِلَيّ ألفا أَو أقبضتنى لم يستدع الْجَواب بِاللَّفْظِ واختص بِالْمَجْلِسِ لقَرِينَة الْعِوَض وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يخْتَص كالتعليقات كلهَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ لِأَن

التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ يشبه استدعاء جَوَاب وَقبُول وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق على ألف إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت وَقبلت اخْتصَّ بِالْمَجْلِسِ وَصَحَّ وَيَكْفِي قَوْلهَا شِئْت أَو قبلت إِ ذ أَحدهمَا يُؤَدِّي الْمَعْنيين جَمِيعًا وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيلْزم عَلَيْهِ تَجْوِيز الرُّجُوع قبل الْقبُول لِأَنَّهُ يغلب فِيهِ مشابه الْمُعَاوضَة وَلَو قَالَت الْمَرْأَة طَلقنِي على ألف فَقَالَ أَنْت طَالِق على ألف شِئْت لم يكن جَوَابا بل كَانَ كلَاما مستأنفا يَسْتَدْعِي مِنْهَا جَوَابا مستأنفا

الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم الْإِعْطَاء فَنَقُول إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فالإعطاء هُوَ أَن تضع بَين يَدَيْهِ وَلَيْسَ يشْتَرط قَبضه بِالْيَدِ إِلَّا إِذا قَالَ إِن أقبضتني فَلَا بُد من قَبضه عِنْد ذَلِك ثمَّ إِذا وضعت بَين يَدَيْهِ وَقع الطَّلَاق وَدخل فِي ملك الزَّوْج وَلم يجز لَهَا الرُّجُوع وَفِي دُخُوله فِي ملك الرجل من غير لفظ مِنْهَا إِشْكَال يُؤَيّد تَجْوِيز المعاطاة لِأَنَّهَا لم تملك وَلَا سبق مِنْهَا الْتِزَام لقبُول إِذْ لَا يشْتَرط الْقبُول لَكِن الْمَذْهَب مَا ذَكرْنَاهُ وَسَببه أَن التَّعْلِيق يَقْتَضِي وُقُوع الطَّلَاق عِنْد الْإِعْطَاء ثمَّ لَا يُمكن إِيقَاعه مجَّانا مَعَ قصد الْعِوَض فَيدْخل فِي ملكه لضَرُورَة وُقُوع الطَّلَاق وَعَن هَذَا الْإِشْكَال حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَن الطَّلَاق يَقع وَيرد الْمُعْطِي عَلَيْهَا ويلزمها مهر الْمثل وَهَذَا منقاس وَلكنه غَرِيب وَهَذَا الْوَجْه يجْرِي فِي قَوْله إِن ضمنت لي الْفَا فَأَنت طَالِق لِأَنَّهُ إِذا قَالَت ضمنت وَقع الطَّلَاق بِحكم التَّعْلِيق وَلذَلِك يتَصَوَّر تَأَخره عَن الْمجْلس ولزومه بِمُجَرَّد قَوْلهَا ضمنت مُشكل لدُخُوله فِي ملكه بِمُجَرَّد الْإِعْطَاء أما إِذا قَالَ إِن أقبضتني ألفا فَأَنت طَالِق طلقت بالإقباض طَلَاقا رَجْعِيًا وَلم يملكهُ الزَّوْج لِأَن بالإعطاء ينبنيء عَن الْملك دون الْإِقْبَاض وَمِنْهُم من ألحق الْإِقْبَاض فِي اقْتِضَاء الْملك وَمن حكم التَّعْلِيق أَيْضا أَنه لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فأعطت أَلفَيْنِ طلقت وَملك الزَّوْج ألفا لِأَن الْأَلفَيْنِ مُشْتَمل على الْألف فقد وجدت الصّفة بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ خالعتك بِأَلف فَقَالَت قبلت بِأَلفَيْنِ لم يَصح لِأَنَّهُ جَوَاب لم يُوَافق الْخطاب وَالله أعلم

الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّعْلِيق بِالنَّقْدِ وَفِيه مسَائِل الأولى إِن قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألف دِرْهَم فَأَنت طَالِق وَفِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة كلهَا نقرة خَالِصَة لَكِن الْغَالِب فِي الْمُعَامَلَة وَاحِد فَأَتَت بالغالب طلقت وَملك الزَّوْج وَلَو أَتَت بِغَيْر الْغَالِب طلقت وَلم يملك الزَّوْج بل يجب إِبْدَاله بالغالب وَإِنَّمَا طلقت لعُمُوم لفظ التَّعْلِيق وَالْعرْف إِنَّمَا يُؤثر فِي الْمُعَامَلَات أما التَّعْلِيق فَلَا يَقع غَالِبا حتما يُؤثر الْعرف فِي تعْيين الْعُمُوم وَكَذَلِكَ لَا يُؤثر فِي الْإِقْرَار حَتَّى لَو قَالَ عَليّ ألف فَلهُ أَن يسلم كل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم لِأَن الْمُوجب السَّبَب هُوَ الْمخبر عَنهُ وَذَلِكَ مَجْهُول فَكيف يحكم الْعرف فِيهِ نعم لَو قَالَ أَنْت طَالِق على ألف نزل على الْغَالِب لِأَن هَذِه مُعَاملَة فتفارق التَّعْلِيق وَالْإِقْرَار وَبَقِي الْإِشْكَال فِي أَنه وَجب إِبْدَاله فِي الْغَالِب وَسَببه أَن ملك من حكم الْمُعَامَلَة فَينزل على الْغَالِب وَعند هَذَا صَار وَجه الشَّيْخ أبي عَليّ فِي الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل أوجه لِأَنَّهُ إِن لم يكن الْمُعْطى هُوَ المُرَاد فَلم طلقت وَإِن كَانَ هُوَ المُرَاد فَلم يجب الْإِبْدَال فَإِن جَازَ الْإِبْدَال فالرجوع إِلَى مهر الْمثل أولى وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو كَانَ الْألف الْغَالِب معيبا فَإِذا جَاءَت بِهِ طلقت

وَرجع الزَّوْج عَلَيْهَا بالسليم وَهَذَا يزِيد فِي الْإِشْكَال الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا كَانَ فِي الْبَلَد دَرَاهِم نَاقِصَة فِي الْوَزْن عَلَيْهَا التَّعَامُل بِالْعدَدِ وَهِي نقرة خَالِصَة فلفط الْإِقْرَار وَالتَّعْلِيق لَا ينزل عَلَيْهَا بل على الوازنة الْكَامِلَة لِأَن الْعرف لَا يُؤثر فِيهَا نعم مُطلق البيع هَل ينزل عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لعرف الْمُعَامَلَة وَالثَّانِي لَا لِأَن اللَّفْظ صَرِيح فِي الموازنة التَّامَّة وَالْفرق لَا يُغير الصَّرِيح إِنَّمَا يخصص الْعُمُوم عِنْد شُمُول اللَّفْظ نعم لَو فسر الْإِقْرَار بالناقصة هَل يقبل فِيهَا وَجْهَان وَكَذَا فِي تَفْسِير الْمُعَلق بالمعتاد فِيهِ وَجْهَان وَإِنَّمَا يجْرِي الْخلاف فِي التَّعْلِيق فِي العددية الزَّائِدَة أما النَّاقِصَة فَيقبل التَّفْسِير فِي الْمُعَلق بهَا لِأَنَّهُ توسيع لباب الطَّلَاق الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا كَانَ الْغَالِب دَرَاهِم مغشوشة فَلَا ينزل عَلَيْهَا إِقْرَار وَتَعْلِيق لَكِن تصح الْمُعَامَلَة عَلَيْهَا إِن كَانَ قدر النقرة مَعْلُوما وَإِن كَانَ مَجْهُولا فَفِي صِحَة الْمُعَامَلَة على أعيانها وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه يقبل تَفْسِير الْمقر بهَا إِذا غلبت فِي الْمُعَامَلَة

الْفَصْل الرَّابِع فِي التَّعْلِيق بِإِعْطَاء ثوب أَو عبد وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي عبدا من صفته كَيْت وَكَيْت وَوَصفه إِلَى حد يجوز السّلم فِيهِ فَإِذا أَتَت بِمثلِهِ طلقت وَدخل فِي ملكه أما إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي عبدا وَاقْتصر فمهما أَتَت بِعَبْد سليم أَو معيب كَيْفَمَا كَانَ طلقت وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَنَّهُ مَجْهُول فَلَا يُمكن الرُّجُوع إِلَى قِيمَته وَإِن أَتَت بِعَبْد مَغْصُوب فَفِي وُقُوع الطَّلَاق وَجْهَان أَحدهمَا يَقع لحُصُول الِاسْم وَلِأَن الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل فَلَا معنى لاشْتِرَاط الْملك وَالثَّانِي لَا يَقع لِأَن لفظ الْإِعْطَاء يُنبئ عَمَّا تقدر الْمَرْأَة على إِعْطَائِهِ التَّفْرِيع إِن شرطنا الْملك فَلَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي خمرًا فَهَل تكون الْخمر الْمَغْصُوبَة المحترمة كَالَّتِي لم تغصب فِيهِ تردد من حَيْثُ إِن الْملك غير مُتَصَوّر فِيهَا لَكِن الِاخْتِصَاص الْمُمكن فِيهِ لَا يبعد أَن يعْتَبر الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا عين عبدا فَقَالَ إِن أَعْطَيْتنِي هَذَا العَبْد وَقع الطَّلَاق بإعطائه وَملكه فَإِن كَانَ معيبا طلقت بِحكم التَّعْلِيق وَلَكِن يرد عَلَيْهَا

وَرجع إِلَى قيمَة السَّلِيم أَو إِلَى مهر الْمثل على اخْتِلَاف قَوْلَيْنِ وَإِن خرج مُسْتَحقّا قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة نتبين أَن الطَّلَاق غير وَاقع لِأَنَّهُ غير قَابل للإعطاء وَقَالَ القَاضِي طلقت وَالرُّجُوع إِلَى الْبَدَل لِأَنَّهَا أَعْطَتْ مَا عينه الزَّوْج فَلَو صرح وَقَالَ إِن أعطتني هَذَا العَبْد الْمَغْصُوب فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِوُقُوع الطَّلَاق لتصريحه ثمَّ إِذا صححنا رَجَعَ إِلَى مهر الْمثل وَفِيه وَجه أَنه يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَنَّهُ قنع بِغَيْر شَيْء وَقيل يطرد هَذَا فِيمَا لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي خمرًا وَهُوَ بعيد فِي الْمَذْهَب أما إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي هَذَا الْحر فَالظَّاهِر أَن الطَّلَاق يَقع بأعطائه رَجْعِيًا لِأَن الصِّيغَة فَاسِدَة لَا تصلح لطلب الْعِوَض وَقيل إِن ذَلِك كالمغصوب وَالْخمر الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو قَالَ إِن أعطتني هَذَا الثَّوْب وَهُوَ مَرْوِيّ فَسلمت فَإِذا هُوَ هروي لم تطلق لعدم الشَّرْط أما إِذا قَالَ إِن أعطتني هَذَا الثَّوْب الْمَرْوِيّ فَإِذا هُوَ هروي فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ

مُتَرَدّد بَين صِيغَة الشَّرْط والإخبار على وَجه خطأ فَإِن لم نجعله شرطا وَقع الطَّلَاق بِتَسْلِيمِهِ وَلَو قَالَ خالعتك على هَذَا الثَّوْب على أَنه هروي فَإِذا هُوَ مَرْوِيّ وَقعت الْبَيْنُونَة سَوَاء وجد الْوَصْف أَو لم يُوجد وَلَكِن إِن أخلف الْوَصْف ثَبت خِيَار الْخلف فِي الْعِوَض وَفَائِدَته الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل أَو بدله

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي سُؤال الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي ألفاظها فِي الالتماس وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَت مَتى طلقتني فلك ألف اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ بِخِلَاف قَول الزَّوْج مَتى مَا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَإِنَّهَا تطلق وَإِن أَعْطَتْ فِي غير الْمجْلس لِأَن الْغَالِب على جَانِبه التعلقق وعَلى جَانبهَا الْمُعَاوضَة فَلذَلِك افْتَرقَا الثَّانِيَة لَو قَالَت إِن طلقتني فَأَنت بَرِيء من الصَدَاق فَقَالَ طلقت نفذ رَجْعِيًا وَلم يبرأ عَن الصَدَاق لِأَن تَعْلِيق الْإِبْرَاء لَا يَصح وَطَلَاق الزَّوْج طَمَعا فِي الْبَرَاءَة من غير لفظ صَحِيح مِنْهَا فِي الِالْتِزَام لَا يُوجب شَيْئا عَلَيْهَا الثَّالِثَة إِذا قَالَت طَلقنِي وَلَك عَليّ ألف فَطلقهَا لَزِمَهَا الْألف وَهَذِه الصِّيغَة مِنْهَا تصلح للالتزام بِخِلَاف مَا لَو قَالَ طَلقتك ولي عَلَيْك ألف فَإِن ذَلِك لَا يصلح لإلزامها فَيحمل على الْإِخْبَار وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يلْزمهَا يالحال بذلك وَسوى فِيهِ بَين الزَّوْجَيْنِ

لِأَصْحَابِنَا وَجه مُوَافق مذْهبه وَلَا يطرد ذَلِك الْوَجْه فِي الْجعَالَة بل هَذِه الصِّيغَة ملزمة فِي الْجعَالَة وَلَو قَالَ بِعني وَلَك عَليّ ألف فقد قيل إِن ذَلِك كالخلع والجعالة وَقيل إِن ذَلِك لَا يحْتَمل فِي البيع الرَّابِعَة لَو قَالَت طَلقنِي على ألف فَقَالَ طَلقتك وَلم يذكر المَال فَإِن قَالَ لم أقصد الْجَواب قبل وَفَائِدَته ثُبُوت الرّجْعَة بِخِلَاف مَا إِذا قيل لَهُ أطلقت زَوجتك فَقَالَ نعم ثمَّ قَالَ لم أقصد الْجَواب لم يقبل لِأَن قَوْله نعم لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فَيتَعَيَّن للجواب وَكَذَلِكَ مُجَرّد قَوْله اشْتريت

دون ذكر المَال يتَعَيَّن للجواب مهما قيل لَهُ بِعْت مِنْك الْخَامِسَة إِذا صدر مِنْهَا كِنَايَة كقولها أبني وَقَوله أبنتك فَإِن نويا نفذ وَإِن لم ينويا لَغَا وَإِن نَوَت دونه لم ينفذ لِأَن اعْتِمَاد الْبَيْنُونَة على جَانِبه وَإِن نوى دونهَا نظر فَإِن جرى ذكر المَال من الْجَانِبَيْنِ لم ينفذ لِأَنَّهُ لَا يَصح التزامها من غير نِيَّة الْفِرَاق وَإِن لم يجر من الْجَانِبَيْنِ نفذ الطَّلَاق رَجْعِيًا وَإِن جرى ذكر الْعِوَض فِي جَوَابه لافي التماسها لم يَقع الطَّلَاق وَإِن جرى فِي التماسها لَا فِي جَوَابه بِأَن قَالَت أبني بِأَلف فَقَالَ فَلم يَصح أبنتك لم يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيا بِالْبَيِّنَةِ نته بعوض وَلم يُوجد مِنْهَا نِيَّة الفواق التزامها فَصَارَ كَمَا إِذا ذكر المَال من الْجَانِبَيْنِ وَفِيه وَجه بعيد أَن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا وَيجْعَل قَوْله أبنتك كالمستقبل دون الالتماس فَأَما إِذا جرى من أَحدهمَا صَرِيح وَمن الآخر كِنَايَة فالكناية مَعَ النِّيَّة كصريح وَدون النِّيَّة كَالْمَعْدُومِ وَلَا خلاففي أَنه لَو قَالَت أبني فَقَالَ أبنتك ونويا الطَّلَاق وَلم يذكر الْعِوَض أَن هَذَا لَا يَقْتَضِي الْعِوَض بِخِلَاف لفظ الْخلْع فَإِن لفظ الْخلْع يُنبئ عَن الْعِوَض بِخِلَاف لفظ الْبَيْنُونَة

الْفَصْل الثَّانِي فِي التماسها طَلَاقا مُقَيّدا بِعَدَد وَفِيه أَربع مسَائِل إِحْدَاهَا أَن تَقول طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة اسْتحق ثلث الْألف كَمَا ذَكرْنَاهُ على قِيَاس الْجعَالَة بِخِلَاف جَانِبه فَإِن لم يبْق لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا طَلْقَة فَقَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلق طَلْقَة وَاحِدَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اسْتحق جَمِيع الْألف لِأَن مرادها الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَقد حصلت بكمالها وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يسْتَحق ثلث الْألف اتبَاعا لِلْحسابِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِن علمت أَنه لم يبْق إِلَّا وَاحِدَة اسْتحق الْجَمِيع وَإِن لم تعلم اسْتحق الثُّلُث وَلَا تَفْرِيع بعد هَذَا على مذْهبه أما إِذا بقيت لَهُ طَلْقَتَانِ فَطلق وَاحِدَة اسْتحق الثُّلُث عِنْد الشَّافِعِي رَضِي

الله عَنهُ والمزني جَمِيعًا لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَيْضا يتبع الْحساب إِلَّا إِذا حصلت الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَإِن طَلقهَا اثْنَتَيْنِ اسْتحق الْجَمِيع عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والثلثين عِنْد الْمُزنِيّ فَلَو قَالَت طَلقنِي عشرا بِأَلف اسْتحق بالواحدة الْعشْر وبالثنتين الْخمس بالِاتِّفَاقِ وَأما بِالثلَاثِ اسْتحق الْجَمِيع عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقِيَاس الْمُزنِيّ إِنَّه يسْتَحق ثَلَاثَة أعشار المَال وَقيل تخريجا على قِيَاسه إِنَّه إِنَّمَا يوزع على الْعدَد الشَّرْعِيّ ويوافق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي اسْتِحْقَاق الجيمع بِالثلَاثِ فِي هَذِه الصُّورَة الثَّانِيَة إِذْ قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَقَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة بِأَلف وثنتين مجَّانا قَالَ جمَاعَة من أَئِمَّة الْمَذْهَب تقع الْوَاحِدَة بِثلث الأف وَالزِّيَادَة لَا تلزمها والثنتان بعْدهَا لَا تقعان لِأَنَّهَا صَارَت بَائِنَة بِالْأولَى وَهَذَا لَا وَجه لَهُ بل يَنْبَغِي أَن لَا تقع الأولى لِأَنَّهُ مَا رَضِي بوقوعها إِلَّا بِأَلف وَهِي مَا التزمت على وَاحِدَة إِلَّا لثلاث نعم تقع الطلقتان مجَّانا وهما رجعيتان أما إِذا عكس فَقَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة مجَّانا واثنتين بِثُلثي الاف وَقعت وَاحِدَة رَجْعِيَّة وَتخرج الثنتان على مخالعه الرَّجْعِيَّة إِن جَوَّزنَا نفذنا أَيْضا بِثُلثي الأف وَإِن منعنَا وَقعت طَلْقَتَانِ أَيْضا إِذا قبلت لِأَن الرَّجْعِيَّة يلْحقهَا الطَّلَاق وَبِالْجُمْلَةِ إِذا خَالع الرَّجْعِيَّة على قَوْلنَا لَا تصح مخالعتها كَانَ كمخالعة السفيهة حَتَّى يَقع طَلَاق بِلَا عوض

الثَّالِثَة إِذْ قَالَت طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف فَقَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ طلقت ثَلَاثًا وَاسْتحق الْألف لِأَنَّهُ أجابها وَزَاد وَإِلَيْهِ سَار أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهَا لم تلتمس الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَسلم أَنَّهَا لَو قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلق وَاحِدَة إِنَّه اسْتحق ثلث الأف وَإِن خَالف أما إِذا عَاد الزَّوْج ذكر المَال فَقَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بِأَلف فَأكْثر الْأَصْحَاب على أَنه لَا فرق بَين أَن يُعِيد أَو لَا يُعِيد وَحكى الفوراني وَجها عَن الْقفال إِنَّه إِذا أعَاد فقد قَابل كل طَلْقَة بِثلث الْألف فَلَا يلْزمهَا إِلَّا ثلث الْألف وَوَقع الثَّلَاث أما إِذا لم يعد ذكر المَال أمكن أَن يُقَال التمست وَاحِدَة فأجابها إِلَى بينونة أغْلظ مِنْهُ فَيرجع إِلَى زِيَادَة صفة أما هَاهُنَا فَيظْهر التَّوْزِيع وَلَكِن يلْزم على قِيَاس الْقفال أَن لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ قَابل طَلْقَتَيْنِ بِثُلثي الْألف وَهِي مَا قبلت وَقد قيل بِهَذَا أَيْضا وَيلْزم أَلا تقع الأولى أَيْضا لِأَنَّهَا التمست بِأَلف فَأجَاب بِثلث الْألف

فَهُوَ كَقَوْلِه بِعني بِأَلف فَقَالَ بِعْت بِخَمْسِمِائَة فَإِنَّهُ لَا يكون جَوَابا وَقد قيل بِهَذَا أَيْضا وَقد قيل فِي البيع أَيْضا إِنَّه يَصح وَيَقُول أَيْضا إِذا قَالَت طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف فَقَالَ طلقت وَاحِدَة بِخَمْسِمِائَة إِنَّه يسْتَحق تَمام الْألف لِأَن تَقْدِير الْعِوَض إِلَيْهَا لَا إِلَيْهِ وعَلى الْجُمْلَة مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي صُورَة إِعَادَة المَال أوجه الرَّابِعَة إِذْ قَالَت طَلقنِي نصف طَلْقَة بِأَلف أَو طلق نصفي أَو يَدي بِأَلف فأجابها نفذ الطَّلَاق وَفَسَد الْعِوَض لفساد صِيغَة الْمُقَابلَة فَيرجع إِلَى مهر الْمثل وَفِيه وَجه منقاس أَنه يثبت الْمُسَمّى لِأَنَّهُ خصص الْعِوَض بِمَا لَا يخْتَص بِهِ وَلَكِن كمله الشَّرْع فَلَا يبعد أَن ينزل منزلَة الْمُقَابلَة بالكامل

الْفَصْل الثَّالِث فِي استدعائها طَلَاقا مُعَلّقا بِزَمَان وَفِيه صور الأولى أَن تَقول طَلقنِي غَدا وَلَك ألف فَإِن طلق بعد غَد نفذ رَجْعِيًا وَلَا مَال لَهُ لِأَنَّهُ خَالف وَإِن طلق فِي الْغَد وَقعت الْبَيْنُونَة وَفَسَد الْعِوَض لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل التَّعْلِيق فَيرجع إِلَى مهر الْمثل وَلَو طلق فِي الْحَال أَو قبل الْغَد فقد أجَاب وَزَاد إِذْ عجل فَيثبت مهر الْمثل وَفِي كل حَال لَا يسْتَحق المَال قبل الطَّلَاق الثَّانِيَة أَن تَقول خُذ مني ألف وَأَنت مُخَيّر فِي تطليقي من الْيَوْم إِلَى شهر فلك الْألف مَتى لم تُؤخر عَن الشَّهْر فمهما طَلقهَا فِي الشَّهْر على قصد الْإِجَابَة اسْتحق مهر الْمثل كالصورة الأولى وَهَذَا بِخِلَاف قَوْلهَا مَتى مَا طلقتني فلك ألف فَإِن مَتى مَا وَإِن كَانَ ظَاهرا فِي التَّأْخِير فَلَا يسْتَحق الْعِوَض إِلَّا بِطَلَاق فِي الْمجْلس لِأَن قرينَة الْعِوَض قَابل عُمُوم اللَّفْظ فخصصه بِالْمَجْلِسِ أما هَاهُنَا فَرفعت الِاحْتِمَال بالتصريح والتخيير فِي الشَّهْر وَمن الْأَصْحَاب من نقل الْجَواب من كل مَسْأَلَة إِلَى أُخْتهَا وَسوى بَينهمَا الثَّالِثَة إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق غَدا على ألف فَقَالَت قبلت فَإِذا جَاءَ الْغَد وَقع الطَّلَاق بَائِنا وَفِيمَا يلْزمهَا وَجْهَان إحدهما مهر الْمثل لِأَن الْمُعَاوضَة لَا تقبل التَّعْلِيق وَهَذَا تَعْلِيق مُعَاوضَة وَالثَّانِي أَنه يَصح وَيجب الْمُسَمّى لِأَن مُقَابلَة الْمُعَلق بِالْمَالِ كمقابلة الْمُنجز والمعاوضة إِنَّمَا صحت بِوُجُود شقي الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الْحَال من غير تَعْلِيق فَإِذا

صَحَّ قَوْله إِذا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق من غير قبُول مِنْهَا فبأن يَصح هَذَا التَّعْلِيق مَعَ قبُولهَا فِي الْحَال أولى وَفِيه وَجه ضَعِيف أَن الطَّلَاق لَا يَقع أصلا لِأَنَّهُ علق بِالْعِوَضِ وَلَا سَبِيل إِلَى إِثْبَات الْعِوَض بِالتَّعْلِيقِ وَلَا إِلَى إِيقَاع الطَّلَاق وَقد علقه بِالْعِوَضِ ثمَّ إِذا أوقعنا الطَّلَاق عِنْد مَجِيء الْغَد وَجب الْعِوَض بعد نُفُوذ الطَّلَاق وَلَا يجب بِمُجَرَّد قبُولهَا فِي الْحَال وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوع بعد الْقبُول لِأَنَّهُ قد تمّ شقا العقد بِالْقبُولِ

الْفَصْل الرَّابِع فِي سُؤال الْأَجْنَبِيّ واختلاعه وَاعْلَم أَن اختلاع الْأَجْنَبِيّ كاختلاع الْمَرْأَة فِي جَمِيع صِيغ الِالْتِزَام وَأَحْكَامه لِأَن الطَّلَاق مِمَّا يسْتَقلّ بِهِ الزَّوْج وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى قبُولهَا لالتزام المَال وللأجنبي أَن يلْتَزم المَال على سَبِيل الافتداء وَلَكِن الْأَجْنَبِيّ إِن كَانَ وَكيلا من جِهَتهَا فَلهُ أَن يعْقد لَهَا ولنفسه وَينظر إِلَى لَفظه وَنِيَّته ومطلقه يَقع من جِهَة الْوكَالَة وَلَكِن إِن لم يُصَرح بالفسادة تعلّقت بِهِ الْعهْدَة وطولب بِالْعِوَضِ كَالْوَكِيلِ فِي الشِّرَاء وَإِن قَالَ الْأَجْنَبِيّ اخْتلعت بوكالتها ثمَّ بِأَن أَنه لم يكن وَكيلا تبين أَن الطَّلَاق لم يَقع لِأَن الْخطاب كَأَنَّهُ مَعهَا وَلم يجر قبُولهَا وَلَا قبُول نائبها فرع أَبوهَا إِذا كَانَ هُوَ المختلع فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِن كَانَت طفلة فاختلعها بِمَال نَفسه فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِن اختلعها بمالها فَلهُ أَحْوَال الأولى أَن يكون اخْتلعت على سَبِيل الْولَايَة بمالها أَو بِهَذَا العَبْد من مَالهَا لم يَقع الطَّلَاق بل هُوَ كَالْوَكِيلِ الْكَاذِب الثَّانِيَة أَن يكون اخْتلعت على سَبِيل الِاسْتِقْلَال لَكِن بِهَذَا العَبْد من مَالهَا فَهُوَ كالاختلاع بِالْمَالِ الْمَغْصُوب وَقد سبق الثَّالِثَة أَن يكون اخْتلعت بِهَذَا العَبْد الَّذِي هُوَ من مَالهَا وَلم يتَعَرَّض لما يزِيد على هَذَا من نِيَابَة أَو اسْتِقْلَال وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا كاختلاع السفيهة وَكَأَنَّهُ أهل للقبول

ومحجور عَلَيْهِ فِي مَالهَا كالسفيهة مَحْجُور عَلَيْهَا فِي مَال نَفسهَا وَهَذَا فِي غموض المختلع بالمغصوب لَو أضَاف المَال إِلَى الْمَالِك وَقع الطَّلَاق بَائِنا وَقيل الْفساد فِي الْعِوَض فَخرج القَاضِي وَجها هَاهُنَا إِنَّه كالمغصوب وَخرج فِي الْمَغْصُوب هَاهُنَا وَجها إِن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا الرَّابِع أَن يكون اخْتلعت بِهَذَا العَبْد وَلم يذكر إِنَّه من مَالهَا فَإِن الزَّوْج جَاهِلا بِهِ فَهُوَ كَمَا لَو خرج الْعِوَض مُسْتَحقّا وَإِن كَانَ عَالما فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن يصير الْمَعْلُوم كالمذكور لفظا فَيَقَع الطَّلَاق على الْمَشْهُور رَجْعِيًا وَالثَّانِي أَن يكون كَمَا لَو كَانَ جَاهِلا نظرا إِلَى مُجَرّد اللَّفْظ الْخَامِسَة أَن يختلعها بِالْبَرَاءَةِ عَن الصَدَاق فَإِن جَوَّزنَا لَهُ الْعَفو عَن صدقهَا فِي الاختلاع صَحَّ الْخلْع كَمَا لَو اخْتلعت بِنَفسِهَا وَإِن منعنَا بذلك وَهُوَ الصَّحِيح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا وَهُوَ ظَاهر النَّص أَن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا كالسفيهة وَالثَّانِي أَنه كَالْوَكِيلِ الْكَاذِب حَتَّى لَا يَقع الطَّلَاق لِأَن إِضَافَته إِلَى الصَدَاق وَهُوَ أَب يشْعر بِأَنَّهُ كالنائب أما إِضَافَته إِلَى العَبْد فَهُوَ الْمَغْصُوب أشبه

وَالثَّالِث أَن يَقع الطَّلَاق بَائِنا وَيجب مهر الْمثل كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوب السَّادِسَة أَن يَقُول خلعها وَإِن ضَامِن براءتك فَالْقِيَاس أَنه يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن ضَمَان عين الْبَرَاءَة محَال فيلفوا الْحَال وَيصِح الْقبُول وَإِن قَالَ طَلقهَا وَإِن طولبت بِالصَّدَاقِ فَأَنا ضَامِن براءتك فَتحصل الْبَيْنُونَة وَيجب مهر الْمثل لفساد صِيغَة الِالْتِزَام وَضَابِط النّظر فِي هَذِه الْمسَائِل أَن الْخلْع إِنَّمَا يخْتل إِمَّا بِسَبَب فِي نفس الْقبُول فَيُوجب نفي أقبل الطَّلَاق أَو لخلل فِي نفس الِالْتِزَام فَيُوجب نفي الْبَيْنُونَة لَا نفي الطَّلَاق أَو لخلل فِي الْمُلْتَزم إِلَّا فِي الِالْتِزَام كَالْخمرِ الْمَقْصُود فَيُوجب نفي الْمُسَمّى لَا نفي الْبَيْنُونَة وَيكون التَّرَدُّد فِي أصل الطَّلَاق للتردد فِي صِحَة الْقبُول والتردد فِي الْبَيْنُونَة للتردد فِي صِحَة أصل الِالْتِزَام والتردد فِي الْمُسَمّى للتردد فِي صِحَة الْمُلْتَزم وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي النزاع فِي الْخلْع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ أَنْوَاع الأول أَن يَقع فِي أصل عوض أَو جنسه أَو قدره فَإِن وَقع فِي الأَصْل فَالْقَوْل قَوْلهَا إِن أنْكرت الْعِوَض وَإِن خلفت وَقعت الْبَيْنُونَة مُؤَاخذَة للرجل بقوله إِنِّي خالعت على عوض وَإِن تنَازعا فِي الْجِنْس فَقَالَ خالعتك بِدَرَاهِم وَقَالَت بل بفلوس تحَالفا وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل كَمَا فِي الصَدَاق وَكَذَلِكَ فِي الْمِقْدَار وَإِن توافقا على جَرَيَان الْخلْع بِأَلف دِرْهَم وَلَكِن قَالَ الزَّوْج أردنَا بِهِ الدَّرَاهِم وَقَالَت بل أردنَا الْفُلُوس فَهَذَا يَسْتَدْعِي مُقَدّمَة وَهِي أَنه لَو كَانَت النُّقُود مُخْتَلفَة وَلَا غَالب فِيهَا فَقَالَ بِعْت بِأَلف دِرْهَم وَقَالَ اشْتريت بِأَلف دِرْهَم وَلم يتعرضا للْجِنْس وَلَكِن توافقا على إِرَادَة نوع وَاحِد لم يَصح البيع وَلم يحْتَمل هَذِه الْجَهَالَة فِيهِ وَالْمَشْهُور الظَّاهِر فِي الْخلْع أَنه يحْتَمل ذَلِك ويكفل فِيهِ النِّيَّة أَو الْعلم بِالْعِوَضِ وَإِن كَانَ شرطا لثُبُوت الْمُسَمّى وَلَكِن يحْتَمل فِيهِ مَا لم يحْتَمل فِي البيع وَلذَلِك حصل الْملك بِمُجَرَّد الْإِعْطَاء من غير لفظ وَهَذَا لَيْسَ يَخْلُو عَن أشكال ثمَّ لَا خلاف إِنَّه لَو قَالَ خالعتك على ألف وَقبلت وتوافقا على إِرَادَة نوع وَاحِد لم يحْتَمل هَذَا لِأَن اللَّفْظ صَرِيح فِي الِاحْتِمَال والترديد بَين الْأَنْوَاع وَإِنَّمَا الْمَذْكُور مُجَرّد الْعدَد وَهُوَ عرضي لَا يُنبئ عَن مَاهِيَّة جنسية وَلَا نوعية بِخِلَاف مَا إِذا ذكر الدَّرَاهِم فَإِنَّهُ لم يبْق إِلَّا التَّفْصِيل بِالصِّفَاتِ فَلَا يبعد تَخْصِيص عُمُومه

بِالنِّيَّةِ وَفِي كَلَام القَاضِي دلَالَة على أَن عُمُوم الْألف كعموم الدَّرَاهِم مَعَ أَنه قطع بِأَنَّهُ لَو قَالَ ألف شَيْء لم تُؤثر النِّيَّة لِأَن لفظ الشَّيْء آكِد فِي حَقِيقَة الِاحْتِمَال وَالنِّيَّة لَا تغيره وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد النِّيَّة فِي الدَّرَاهِم أَيْضا إِنَّمَا تُؤثر إِذا توافقا قبل العقد على مَا يقْصد أَن بِهِ فَإِن لم يسْبق التواطؤ فَلَا يُؤثر توَافق النِّيَّة وَكَأَنَّهُ يلْتَفت على معنى مَسْأَلَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَلَا يخفى أَن يعْتَبر هَذَا بِالنِّيَّةِ أقرب من إِرَادَة الْألف بالألفين فَإِن ذَلِك تَغْيِير صَرِيح فنعود إِلَى النزاع وَله صور الأولى أَن يَقُول الزَّوْج أردنَا الدَّرَاهِم جَمِيعًا وَقَالَت بل أردنَا الْفُلُوس جَمِيعًا فَهَذَا نزاع فِي الْجِنْس فيتحالفان وَفِيه وَجه بعيد أَن التَّحَالُف لَا يجْرِي لِأَنَّهُ نزاع فِي النِّيَّة وَإِنَّمَا اخْتِلَاف فِي الْجِنْس يتَوَلَّد منع تبعا وَهُوَ ضَعِيف الثَّانِي أَن يتوافقا على جَانب جَانب الزَّوْج وإرادته الدَّرَاهِم قَالَت الْمَرْأَة أردْت الْفُلُوس فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِذا حَلَفت انْتَفَى عَنْهَا الْعِوَض وَوَقعت الْبَيْنُونَة مُؤَاخذَة لَهُ بقوله الثَّالِثَة أَن يتوافقا على جَانبهَا وإرادتها الْفُلُوس وإرادته وَلَكِن قَالَ الزَّوْج أردْت الدَّرَاهِم فَلَا فرق لاخْتِلَاف الْجَواب فَحكم هَذَا إِن الْبَيْنُونَة وَاقعَة لأننا نَنْتَظِر إِلَى الملفوظ وَقد قَالَ خالعتك على ألف فَقَالَت قبلت فَلَا مطلع على النِّيَّة وَيلْزم من هَذَا أَنَّهُمَا لَو توافقا أَيْضا على اخْتِلَاف الْقَصْد وَقعت الْبَيْنُونَة لظَاهِر اللَّفْظ وَلَو تصور إطلاع كل وَاحِد مِنْهُمَا على بَاطِن صَاحبه حَتَّى تتَحَقَّق الْمُخَالفَة فِي

النِّيَّة فَيَنْبَغِي أَن لَا يَقع الطَّلَاق بَاطِنا ثمَّ قَالَ القَاضِي للزَّوْج مهر الْمثل لِأَن الْبَيْنُونَة وَقعت ظَاهرا ولغا أثر النِّيَّة فَبَقيَ اللَّفْظ مَجْهُولا وَكَأن النِّيَّة عِنْده إِنَّمَا تُؤثر إِذا توافقا فِي واتفقا عَلَيْهِ فَإذْ لم يتَّفقَا لغت النِّيَّة وَنظر إِلَى مُجَرّد اللَّفْظ وَهُوَ بعيد لِأَن مُوجب قَول الزَّوْج لِأَن لَا بينونة وَلَا عوض فَالْحكم عَلَيْهِ بالبنيونة لَهُ وَجه أما الحكم لَهُ بِالْعِوَضِ وَهُوَ لَا يَدعِيهِ فبعيد الرَّابِعَة توفقا على أَنه أَرَادَ الدَّرَاهِم فَقَالَت أردْت الدَّرَاهِم أَيْضا وحصلت الْفرْقَة وَقَالَ بل أردْت الْفُلُوس وَقَالَ وَلَا فرقة فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي نِيَّتهَا فَإِذا حَلَفت حصلت الْفرْقَة وَعند القَاضِي لَهُ مهر الْمثل وَإِن كَانَ هُوَ مُنْكرا للفرقة وَهُوَ بعيد الْخَامِسَة أَن يَقُول أردْت الدَّرَاهِم وَمَا ادّعى عَلَيْهَا شَيْء وَقَالَت أردْت الْفُلُوس وَمَا ادَّعَت عَلَيْهِ شَيْء فالفرقة أَيْضا حَاصِلَة وَقَالَ القَاضِي يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدعِي عَلَيْهَا مَالا معينا فَكيف يحلف

النَّوْع الثَّانِي الِاخْتِلَاف فِي الْعِوَض فَإِذا قَالَت سَأَلتك ثَلَاث طلقات بِأَلف فأجبتني فَقَالَ بل طَلْقَة بِأَلف فأجبتك فقد اتفقَا على الْألف وتنازعا فِي مُقَدرا المعوض فيتحالفان وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل فَأَما عدد الطَّلَاق فَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا قَوْله فَلَا نزيد على وَاحِدَة فَإِن قيل فَإِذا كَانَ القَوْل قَوْله فِي عدد الطَّلَاق وَالْألف مُتَّفق عَلَيْهِ فَأَي معنى للتحالف وَلَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا إِبْدَال الْألف الْمُتَّفق عَلَيْهِ بِمهْر الْمثل قُلْنَا مُقْتَضى التَّحَالُف إبِْطَال الْعِوَضَيْنِ لَكِن الطَّلَاق لَا يقبل الْإِبْطَال فجرينا على قِيَاس التَّحَالُف فِي تطرق الْفَسْخ إِلَى مَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ خَاصَّة

النَّوْع الثَّالِث النزاع فِي الْمُسْتَحق عَلَيْهِ فَإِذا ادّعى عَلَيْهَا الاختلاع فَقَالَت إِنَّمَا اختلعني أَجْنَبِي فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي انكار الاختلاع وَلَا رُجُوع لَهُ على الْأَجْنَبِيّ لاعْتِرَافه بِأَنَّهُ لم يختلع أما إِذا قَالَت أضفت الاختلاع إِلَى أَجْنَبِي وَكنت سفيرة لَهُ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لاتِّفَاقهمَا على أصل الِالْتِزَام واختلافهما فِي صفة الْإِضَافَة وَالثَّانِي أَن القَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهَا أنْكرت أصل الِالْتِزَام

= كتاب الطَّلَاق = وَالنَّظَر فِي شطرين أَحدهمَا فِي عُمُوم أَحْكَامه وَالثَّانِي فِي التعليقات خَاصَّة أما الشّطْر الأول فَفِيهِ سِتَّة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي معنى السّنة والبدعة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي مواقع السّنة والبدعة وَقد اتّفق الْعلمَاء على انقسام الطَّلَاق إِلَى سني وبدعي فالبدعي هُوَ الطَّلَاق الْمحرم إِيقَاعه وَإِن كَانَ نَافِذا والسني مَا لَا تَحْرِيم فِيهِ والبدعي هُوَ الطَّلَاق الْوَاقِع بعد الْمَسِيس فِي الْحيض دون سؤالها وَالْوَاقِع فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وَلم يتَبَيَّن حملهَا فهذان أصلان أما الأول وَهُوَ الْحيض فَيحرم فِي الطَّلَاق بعد الْمَسِيس وَلَا بِدعَة فِي طَلَاق غير الممسوسة أصلا وَأما الممسوسة فَيحرم طَلاقهَا فِي الْحيض بِغَيْر سؤالها لما رُوِيَ أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا طلق امْرَأَة فِي الْحيض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر رَضِي الله عَنهُ مره فَلْيُرَاجِعهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر ثمَّ إِن شَاءَ طَلقهَا وَإِن شَاءَ أمْسكهَا فَتلك الْعدة

الَّتِي أَمر الله تَعَالَى أَن تطلق لَهَا النِّسَاء وَأَرَادَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} أَي لقبل عدتهن حَتَّى يشرعن عقيب الطَّلَاق فِي الْعدة المحسوبة فَإِن بقيت الْحيض لَا تحسب فتطول الْعدة ثمَّ أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوْجَة ثَابت بالافتداء وَلم يستفصل أَهِي حَائِض أم لَا فَدلَّ على أَن الْخلْع مُسْتَثْنى وَلَا تَحْرِيم فِيهِ فَمنهمْ من فهم ذَلِك لكَونهَا راضية فَكَأَنَّهُ جوز تَطْوِيل الْعدة بِرِضَاهَا وَقَالَ لَا حُرْمَة فِي الطَّلَاق بسؤالها وَإِن لم يكن بِمَال وَيحرم اختلاع الْأَجْنَبِيّ لعدم رِضَاهَا وَمِنْهُم من جعل ذَلِك من خاصبة الِابْتِدَاء لِأَنَّهُ لَا يبْذل إِلَّا لضَرُورَة فجوز اختلاع الْأَجْنَبِيّ وَحرم الطَّلَاق وَإِن كَانَ بسؤالها وَيشْهد بذلك جَوَاز الطَّلَاق للمؤلي إِذا طُولِبَ بِهِ لِأَن ذَلِك

وَاجِب بِنَوْع ضَرُورَة فاتفقوا على جَوَاز الْخلْع وَطَلَاق المؤلي وترددوا فِي اختلاع الْأَجْنَبِيّ وَالطَّلَاق بِرِضَاهَا وَأما قَوْله إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَلَا بِدعَة فِيهِ وَإِن جرى فِي الْحيض لَكِن ينظر إِن اتّفق الدُّخُول فِي الْحيض نفذ الطَّلَاق بدعيا وَفَائِدَته أَنه يُؤمر بالرجعة على سَبِيل الِاسْتِحْبَاب وَإِذا رَجَعَ فَهَل يجوز أَن يطلقهَا فِي الطُّهْر الأول بعده فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم إِذْ لَا معنى للْمَنْع فِي الطُّهْر وَقد ورد فِي بعض الرِّوَايَات مرّة فَلْيُرَاجِعهَا حَتَّى تطهر وَالثَّانِي أَنه يصبر على الطُّهْر الثَّانِي لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى أَن تكون الرّجْعَة لأجل الطَّلَاق وَذَلِكَ لَا يَلِيق بمحاسن الشَّرْع وَيشْهد لذالك حَدِيث ابْن عمر وعَلى هَذَا ترددوا فِي أَنه هَل يسْتَحبّ أَن يُجَامِعهَا حَتَّى يظْهر مَقْصُود الرّجْعَة أما إِذا طَلقهَا طَلَاقا غير بدعي ثمَّ رَاجعهَا فَلهُ أَن يطلقهَا فِي الْحَال إِذْ لَا بِدعَة حَتَّى تستدرك وَأما الْجمع بَين الثَّلَاث فَلَا بِدعَة فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم الأولى أَن

يفرق كَيْلا يلْحقهُ نَدم فرع إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ آخر جُزْء من الْحيض فَهَذَا طَلَاق يُصَادف الْحيض وَلَكِن يستعقب الْعدة فَمنهمْ من نظر إِلَى الْمَعْنى وَقَالَ هُوَ سني وَمِنْهُم من نظر إِلَى المظنة وَهُوَ الْحيض فَقَالَ هُوَ بدعي وَكَذَا الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ آخر جُزْء من الطُّهْر وَلَعَلَّ النّظر إِلَى المظنة أولى الأَصْل الثَّانِي فِي بِدعَة الطَّلَاق فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وَهُوَ بِدعَة إِلَّا إِن يكون عَالما بِكَوْنِهَا حَامِلا فَيحل الطَّلَاق لِأَن الْمَحْذُور لُحُوق النَّدَم بِسَبَب الْجَهْل بِالْوَلَدِ واستدخالها مَاء الزَّوْج فِي معنى الْوَطْء لِأَنَّهُ يتَوَقَّع مِنْهُ الْوَلَد والإتيان فِي غير المأتى فِيهِ تردد فَإِنَّهُ وَإِن لم يتَوَقَّع مِنْهُ الْوَلَد فالعدة تجب بِهِ وترددوا فِيمَا لَو وَطئهَا فِي الْحيض ثمَّ طهرت أَنه هَل يحرم طَلاقهَا لِأَن بَقِيَّة الْحيض قد تدل على عدم الْوَلَد دلَالَة دون دلَالَة ابْتِدَاء الْحيض وَالظَّاهِر أَنه لَا بِدعَة فِي خلاعها أَيْضا كَمَا فِي حَالَة الْحيض وَمِنْهُم من قَالَ السَّبَب

هَاهُنَا حذار الْوَلَد ورضاها لَا يُؤثر والمحذور ثمَّ طول الْعدة فَلَا يبعد أَن يُؤثر رِضَاهَا فِي حَقّهَا وَقد خرج من هَذَا أَن خمْسا من النسْوَة لَا بِدعَة فِي طلاقهن وَلَا سنة غير الممسوسة وَالْحَامِل بِيَقِين والآيسة وَالصَّغِيرَة إِذْ لاحيض لَهما وَلَا ولد والمختلعة

الْفَصْل الثَّانِي فِي إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى السّنة والبدعة تنجيزا وتعليقا وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ للحائض أَنْت طَالِق للبدعة وَقع فِي الْحَال وَإِذا قَالَ للسّنة من يَقع حَتَّى تطهر وَكَذَا إِن قَالَ للَّتِي طهرت قبل الْجِمَاع أَنْت طَالِق للسّنة وَقع الطَّلَاق فِي الْحَال وَإِن قَالَ للبدعة لم تطلق حَتَّى تجامع أَو تحيض وَالْمَقْصُود أَن اللَّام للتأقيت فِيمَا يشبه الْأَوْقَات كالسنة والبدعة فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرمضان فَإِن تأقيت برمضان وَأما لَا يشبه الْأَوْقَات فَاللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرضي فلَان فَإِنَّهُ يَقع فِي الْحَال رَضِي فلَان أَو سخط وَقَوله أَنْت طَالِق لدُخُول الدَّار فَهُوَ تَعْلِيق يَقع فِي الْحَال بِخِلَاف قَوْله لقدوم زيد فَإِنَّهُ تأقيت بالقدوم لِأَن الْقدوم مِمَّا ينْتَظر كالحيض وَالطُّهْر وَإِنَّمَا صَرِيح لفظ التَّعْلِيق إِن وَإِذا وَأما اللَّام فَهُوَ للتَّعْلِيل ظَاهرا إِلَّا فِيمَا يشبه الْأَوْقَات وَحَيْثُ حملنَا على التَّعْلِيل فَلَو قَالَ أردْت التَّأْقِيت فيدين فِي الْبَاطِن وَهل يقبل ظَاهرا فِي وَجْهَان وَهَذَا فِيمَا إِذا خَاطب متعرضة للسّنة والبدعة فَإِن خَاطب صَغِيرَة أَو آيسة أَو غير مَدْخُول بهَا فَهُوَ للتَّعْلِيل حَتَّى يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال سَوَاء قَالَ أَنْت طَالِق للسّنة أَو للبدعة وَفِيه وَجه إِنَّه لَو قَالَ للسّنة وَقع فِي الْحَال فَإِن مَعْنَاهُ طَلَاق لَا تَحْرِيم فِيهِ وَلَو قَالَ للبدعة لم يَقع حَتَّى تحيض الصَّغِيرَة وَحَتَّى يدْخل بِغَيْر الْمَدْخُول بهَا

أما إِذا قَالَ لمتعرضة للحالتين إِذا قدم زيد فَأَنت طَالِق للسّنة فَإِن قدم وَهِي حَائِض لم يَقع حَتَّى تطهر وَإِن قَالَ للبدعة وَقدم وَهِي فِي طهر لم يُجَامع فِيهِ لم تطلق حَتَّى تحيض أَو يُجَامع وَإِن علق بِمُجَرَّد الْقدوم فَقدم وَهِي حَائِض نفذ طَلَاقا بدعيا وَإِن لم تكن فِي حَالَة التَّعْلِيق من أهل السّنة والبدعة نظر إِلَى حَالَة الْوُقُوع لَا إِلَى التَّعْلِيق فرع لَو قَالَ فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ أَنْت طَالِق للبدعة فَإِذا جَامع وَقع الطَّلَاق كَمَا غَابَتْ الْحَشَفَة وَهل يلْزمه بدوام الْوَطْء إِن لم ينْزع فِي الْحَال مهر آخر من حَيْثُ يجب الْمهْر بابتداء وَطْء الرَّجْعِيَّة فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن دوَام الْوَطْء هَل هُوَ كابتدائه وَالْأَظْهَر أَنه لَا يجب لِأَن مهر النِّكَاح تنَاول أول هَذَا الْوَطْء فَلَا يبعض حكمه وَإِن تغير الْحل فِي أَثْنَائِهِ الثَّانِيَة إِن قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بَعضهنَّ للسّنة وبعضهن للبدعة فَإِن قَالَ أردْت إِيقَاع طَلْقَة وَنصف فِي الْحَال قبل وكملت طَلْقَتَانِ وَإِن قَالَ أردْت وُقُوع ثِنْتَيْنِ فِي الْحَال قبل وَلَو قَالَ أردْت إِيقَاع ثَلَاثَة أَنْصَاف فِي الْحَال وَقع الثَّلَاث فِي الْحَال وَإِن قَالَ لم يكن لي نِيَّة حمل على التشطير وَوَقع فِي الْحَال طَلْقَة وَنصف وَلَكِن تكمل طَلْقَتَانِ وَهُوَ كَمَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار بَعْضهَا لزيد وَبَعضهَا لعَمْرو حمل مطلقه على التشطير لِأَن الْأَكْثَر لَا يُسمى بَعْضًا فِي الظَّاهِر فَلَو قَالَ أردْت وَاحِدَة فِي الْحَال وثنتين فِي الْمُسْتَقْبل فَالظَّاهِر أَنه يقبل وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لِأَن تَسْمِيَة الثِّنْتَيْنِ من الثَّلَاث بَعْضًا بعيد وَقَالَ الْمُزنِيّ قِيَاس قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَا يَقع فِي الْحَال لَا طَلْقَة إِذا لم ينْو

شَيْئا لِأَن الْبَعْض مُجمل فَيَنْبَغِي أَن ينزل على الْأَقَل إِذْ يحْتَمل الْوَاحِد وَيحْتَمل وَاحِدًا وَنصفا وليجعل هَذَا تخريجا مِنْهُ على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الثَّالِثَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق أحسن الطَّلَاق أَو أفضله أَو أجمله أَو غير ذَلِك من صِفَات الْمَدْح فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق للسّنة فَلَو كَانَت فِي حَال الْبِدْعَة لم يَقع فِي الْحَال وَإِن كَانَت فِي حَال سنة وَقع فِي الْحَال وَلَو كَانَت فِي حَال بِدعَة فَقَالَ أردْت بِأَحْسَن الطَّلَاق أعجله وَقع فِي الْحَال لِأَنَّهُ إِظْهَار احْتِمَال فِي جَانب الْوُقُوع وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أقبح الطَّلَاق وأسمجه فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق للبدعة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة حَسَنَة قبيحة أَو بدعية سنية وَقع فِيهِ الْحَال سَوَاء كَانَت متعرضة للحالتين أَو لم تكن لِأَنَّهُ وصف متناقض فَيلْغُو وَيبقى قَوْله أَنْت طَالِق وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع إِنَّه يَقع فِي الْحَال وَلَا نبالي بهذيانه الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل قرء طَلْقَة فلهَا أَحْوَال خمس إِحْدَاهَا أَن لَا تكون مَدْخُولا بهَا فَإِن كَانَت فِي الْحيض لم يَقع شَيْء لِأَن الْقُرْء عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ طهر محتوش بحيضتين فَإِذا طهرت أَو كَانَت فِي الطُّهْر وَقعت وَاحِدَة وَبَانَتْ وَلَا تلحقها الْأُخْرَى فَإِن طهرت طهرين ثمَّ جدد نِكَاحهَا فقد انحل الْيَمين فَلَا يعود وُقُوع الطَّلَاق وَإِن رَأينَا عود الْحِنْث لِأَنَّهُ مُعَلّق على الإقراء وَقد انْقَضتْ وَإِن جدد نِكَاحهَا قبل الِانْقِضَاء ابتنى على عود العنث

الثَّانِيَة أَن تكون صَغِيرَة فَهَل تقع فِي الْحَال وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الِانْتِقَال من الطُّهْر إِلَى الْحيض هَل هُوَ قرء أَو الْقُرْء طهر محتوش بحيضتين الثَّالِثَة أَن تكون آيسة فَهَل تقع فِي الْحَال وَاحِدَة فِيهِ أَيْضا وَجْهَان كَمَا فِي الصَّغِيرَة الرَّابِعَة أَن تكون مَدْخُولا بهَا من ذَوَات الإقراء وَهِي حَائِل فَيَقَع فِي طهرهَا طَلْقَة وتشرع فِي الْعدة وتلحقها الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فِي الطهرين الآخرين وَهل يسْتَأْنف الْعدة أَو تبني على عدتهَا فِيهِ خلاف الْخَامِسَة أَن تكون حَامِلا فَإِن كَانَت لَا ترى الدَّم أَو قُلْنَا دم الْحَامِل دم فَاسد وَقع فِي الْحَال وَاحِدَة وَتبين بِالْولادَةِ وَإِن كَانَت ترى الدَّم وقضينا بِأَنَّهُ حيض وَقعت وَاحِدَة وَهل يتَكَرَّر الطُّهْر فِي مُدَّة الْحمل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ طهر بَين حيضتين وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقُرْء مَا يدل على الْبَرَاءَة وَهَذَا لَا دلَالَة لَهُ أصلا الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة ثمَّ قَالَ أردْت التَّفْرِيق على الإقراء لم يقبل ظَاهرا لِأَنَّهُ لَا سنة فِي تَفْرِيق الطَّلَاق عندنَا وَاللَّفْظ لَا يُنبئ عَنهُ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَلم يقل للسّنة ثمَّ فسرنا بِالتَّفْرِيقِ فَهَل يدين بَاطِنا فِيهِ وَجْهَان كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ إِن دخلت الدَّار ومأخذه أَن مُجَرّد النِّيَّة لَا تُؤثر فَإِن لَو طلق بِالنِّيَّةِ لم يَقع خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَإِن ذكر لفظا وَنوى مَعَه أمرا وَلَو صرح بِهِ لَا نتظم

مَعَ الْمَذْكُور فَهَل يُؤثر فِي الْبَاطِن فِيهِ وَجْهَان كَقَوْلِه أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ نَوَيْت إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَو نَوَيْت إِن دخلت الدَّار والأقيس إِنَّه لَا يُؤثر لِأَنَّهُ لَيْسَ يحْتَملهُ اللَّفْظ وَلَا ذكر مَا يدل عَلَيْهِ فَهُوَ مُجَرّد نِيَّة وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق وَنوى طَلَاقا عَن وفَاق فَإِنَّهُ يدين فَإِن اللَّفْظ كالمجمل من حَيْثُ اللُّغَة لَوْلَا تَخْصِيص الشَّرْع وَلَا كَقَوْلِه نسَائِي طَوَالِق وعزل بَعضهنَّ بِالنِّيَّةِ فَإِن يدين لِأَنَّهُ تَخْصِيص عُمُوم وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ خلاف وَمَا يقاضي إِلَى أَنه يقبل وَلَو عاتبت زَوجهَا بِنِكَاح جَدِيدَة فَقَالَ فِي جوابها كل امْرَأَة لي فَهِيَ طَالِق فَإِن لم يعزلها بنيته طلقت وَإِن عزلها بنيته فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَقع لِأَن الْقَرِينَة دلّت على نِيَّته وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يقبل ظَاهرا وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا يقبل لِأَنَّهُ قَوْله كل امْرَأَة صَرِيح فِي الِاسْتِغْرَاق وميل القَاضِي إِلَى قبُول ذَلِك ظَاهرا وَكَذَلِكَ فِي

قَوْله نسَائِي طَوَالِق وَإِن لم تكن قرينَة لِأَنَّهُ تَخْصِيص عُمُوم وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ وَهُوَ يحل عَنْهَا وثاقا أَنْت طَالِق فَقَالَ أردْت عَن الوثاق فِيهِ خلاف وميل القَاضِي إِلَى أَنه يقبل ظَاهرا وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ شهرا وكلمته بعده لم يَقع الطَّلَاق بَاطِنا لِأَن اللَّفْظ كالعام فِي الْأَزْمَان كلهَا وَلَا خلاف فِي أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت عَن الْوِفَاق لم يقبل ظَاهرا وَلَكِن يدين وَكَأن الْمُوجب للقبول ظَاهرا أما قُصُور فِي دلَالَة اللَّفْظ مثل أَن تكون دلَالَته بِالْعُمُومِ أَو قرينَة ظَاهِرَة كَمَا لَو كَانَ يحل الوثاق كَانَ يحل عَنْهَا الوثاق أَو كَانَت تنازعه فِي نِكَاح جَدِيدَة كَمَا ذَكرْنَاهُ وَأما الْمُوجب للقبول بَاطِنا فَكل احْتِمَال قرب أَو بعد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان أَرْكَان الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا بُد للطَّلَاق من أهل وَمحل وَلَفظ وَقصد إِلَى اللَّفْظ وَولَايَة على الْمحل فَهَذِهِ خَمْسَة أَرْكَان الرُّكْن الأول الْأَهْل وَهُوَ الْمُطلق وَشَرطه أَن يكون مُكَلّفا فَلَا يَقع طَلَاق الصَّبِي وَالْمَجْنُون الرُّكْن الثَّانِي اللَّفْظ وَمَا يسد مسده وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي بَيَان الصَّرِيح وَالْكِنَايَة وصرائح الْأَلْفَاظ ثَلَاثَة الطَّلَاق والفراق والسراح أما الطَّلَاق فلشيوعه وتكرره فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَأما الْفِرَاق والسراح فلتكررهما فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا صَرِيح إِلَّا الطَّلَاق وَقيل هُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَلَا بَأْس بِهِ

فَإِن قَوْله تَعَالَى {أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} لم يرد مورد بَيَان اللَّفْظ وَفِي هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل الأولى إِن كل مَا يشتق من لفظ الطَّلَاق كَقَوْلِه أَنْت مُطلقَة وطلقتك فَكل ذَلِك صَرِيح وَفِي قَوْله أَنْت الطَّلَاق وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه كِنَايَة لِأَنَّهُ لَيْسَ بمستعمل على هَذَا الْوَجْه وَأما قَوْله أطلقتك فَهُوَ كِنَايَة لِأَنَّهُ ظَاهر فِي رفع الْحَبْس وَحل الوثاق الثَّانِيَة الْفِعْل من السراح والفراق كَقَوْل سرحتك وفارقتك صَرِيح أما الِاسْم كَقَوْلِه أَنْت مُفَارقَة ومسرحة فَفِيهِ خلاف ومأخذه أَن الْوَارِد فِي الْقُرْآن الْعَظِيم مِنْهُ صِيغَة الْفِعْل فَقَط الثَّالِثَة معنى هَذِه الْأَلْفَاظ سَائِر اللُّغَات فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنَّهَا لَيست صَرِيحًا وَإِلَيْهِ ذهب الْإِصْطَخْرِي تَغْلِيبًا لِمَعْنى التَّعَبُّد وَالثَّانِي هُوَ الْأَصَح أَنه صَرِيح لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ثمَّ معنى قَوْله أَنْت طَالِق توهشته أَي

وَمعنى قَوْله طَلقتك دشت بازداشتم ترا وَمعنى قَوْله فارقتك ازتو جدا كردم وَمعنى قَوْله سرحتك تراكسيل كردم وَالثَّالِث قَالَ القَاضِي كل ذَلِك غير صَرِيح إِلَّا قَوْله توهشته أَي لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل فِي الْعَادة إِلَّا فِي الطَّلَاق وَأما سَائِر الْأَلْفَاظ فشائع الِاسْتِعْمَال فِي غير الطَّلَاق الرَّابِعَة إِذا شاع لفظ فِي الْعرف للطَّلَاق كَقَوْلِه حَلَال الله عَليّ حرَام فَهَل يصير صَرِيحًا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَقْصُود تعين جِهَة التفاهم وَقد حصل وَالثَّانِي لَا بل مأخذه الْقُرْآن الْعَظِيم فَقَط

وَقَالَ الْقفال إِن صدر ذَلِك من فَقِيه يعرف الْكِنَايَة وَلم ينْو لم يَقع طَلَاقه وَإِن صدر من عَامي يُقَال لَهُ مَا الَّذِي يسْبق إِلَى فهمه إِذا سَمِعت هَذِه الْكَلِمَة من غَيْرك فَإِن كَانَ يفهم الطَّلَاق جعل مِنْهُ طَلَاقا وَهَذَا إِن عَنى بِهِ الْقفال الِاسْتِدْلَال على نِيَّته وَأَنه إِذْ كَانَ يفهم ذَلِك فَلَا يَخْلُو ضَمِيره عَن مَعْنَاهُ وَإِن لم يشْعر بِهِ فَلهُ وَجه وَإِن عَنى وُقُوع الطَّلَاق مَعَ خلو قلبه عَن النِّيَّة بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَلَا وَجه لَهُ إِذْ لم يَجْعَل صَرِيحًا هَذَا حكم الصرائح أما الْكِنَايَات فَهِيَ كل لَفْظَة مُحْتَملَة إِمَّا جلية كَقَوْلِه أَنْت خلية وبرية وبتة وبتلة وَإِمَّا خُفْيَة وَهِي الَّتِي لَا تنتظم إِلَّا بِتَقْدِير اسْتِعَارَة وأضمار كَقَوْلِه اعْتدي واستبرئي رَحمَه فَإِن مَعْنَاهُ طَلقتك فاعتدي وَكَذَا قَوْله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك وَلَا أنده سربك

واعزبي واغربي واذهبي وأخفى مِنْهَا كَقَوْلِه تجرعي أَي كأس الْفِرَاق وذوقي وتزودي وترددوا فِي قَوْله اشربي أَي كأس الْفِرَاق وَألْحق بِهِ بَعضهم كلي وَهُوَ أبعد وترددوا فِي قَوْله أَغْنَاك الله أخذا من قَوْله تَعَالَى {وَإِن يَتَفَرَّقَا يغن الله كلا من سعته} وحد الْكِنَايَة مَا يحْتَمل الطَّلَاق وَلَو على بعد لَا الَّذِي لَا يحْتَمل كَقَوْلِه اقعدي واغزلي وَغَيره وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ لزوجته أَنْت حرَّة وَنوى الطَّلَاق وَقع وكنايات الطَّلَاق وَالْعتاق متداخلة متناسبة فِي الْأَكْثَر نعم لَو قَالَ لعَبْدِهِ اعْتد واستبرئ رَحِمك وَنوى الْعتْق لم ينفذ لِأَن ذَلِك غير مُتَصَوّر فِي حَقه وَلَو قَالَ ذَلِك لأمته فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو قَالَ ذَلِك لزوجته قبل الدُّخُول فَفِيهِ وَجْهَان أَيْضا لِأَنَّهَا لَيست بصدد الْعدة كالأمة الثَّانِيَة لفظ الظِّهَار لَيْسَ كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَلَا الطَّلَاق فِي الظِّهَار مَعَ الِاحْتِمَال لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وجد نفاذا فِي مَوْضُوعه الصَّرِيح فَلَا يعدل إِلَى غير مَوْضُوعه بِالنِّيَّةِ وَلَا يُمكن تنفيذهما جَمِيعًا لِأَن اللَّفْظ لم يوضع لَهما وضع الْعُمُوم فصرف إِلَى مَا هُوَ صَرِيح فِيهِ الثَّالِثَة إِذا قَالَ لزوجته أَنْت عَليّ حرَام فَإِن نوى الظِّهَار كَانَ ظِهَارًا وَإِن نوى التَّحْرِيم

كَانَ يَمِينا وَتلْزَمهُ كَفَّارَة وَإِن نوى الطَّلَاق نفذ وَإِن أطلق فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أظهرها أَنه صَرِيح فِي إِيجَاب الْكَفَّارَة وَالثَّانِي أَنه يَلْغُو لِأَنَّهُ مُحْتَمل لوجوه وَالثَّالِث أَنه فِي الْأمة صَرِيح فِي الْكَفَّارَة لِأَن الْآيَة إِنَّمَا وَردت فِيهِ وَفِي الْمَنْكُوحَة كِنَايَة قاعدتان إِحْدَاهمَا إِن الْقَرِينَة عندنَا لَا تجْعَل الْكِنَايَة صَرِيحًا وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله جعل الْكِنَايَة فِي الْغَضَب وَعند التخاصم وسؤال الْفِرَاق صَرِيحًا وَهُوَ ضَعِيف لِأَن اللَّفْظ مُحْتَمل وعدول الرجل عَن لفظ الطَّلَاق مشْعر بإضمار غير الطَّلَاق فَكيف يَنْقَلِب صَرِيحًا الثَّانِيَة إِن النِّيَّة يَنْبَغِي أَن تقرن بِلَفْظ الْكِنَايَة فَلَو تقدّمت أَو تَأَخَّرت لم تُؤثر وَإِن نوى مَعَ ابْتِدَاء اللَّفْظ وَلَكِن انْقَطَعت قبل تَمام اللَّفْظ فَالظَّاهِر أَنه يَقع وَإِن خلا عَن النِّيَّة أول اللَّفْظ وَنوى فِي أَثْنَائِهِ فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْأَفْعَال اعْلَم أَن اللَّفْظ إِنَّمَا يُرَاد للتفهيم وَقد يحصل التفهيم بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَة فلنذكرهما أما الْإِشَارَة فَهِيَ مُعْتَبرَة من الْأَخْرَس وتنقسم إِلَى صَرِيح وكناية فالصريح مَا يتَّفق الكفة على فهمهه وَالْكِنَايَة مَا يفْطن لَهُ بعض النَّاس وَإِذا أَتَى بِالصَّرِيحِ لم يقبل بعد ذَلِك تأوليه كَمَا فِي النُّطْق وَالصَّحِيح أَنه إِن أَشَارَ بِالطَّلَاق فِي الصَّلَاة نفذ الطَّلَاق وَلم تبطل صلَاته وَأما كِتَابَة الْأَخْرَس فَهُوَ طَلَاق لِأَنَّهَا أظهر من الْإِشَارَة وَمَعَ ذَلِك فَلَا نكلف الْأَخْرَس الْقَادِر على الْكِتَابَة بِأَن يكْتب الطَّلَاق بل نقنع بِالْإِشَارَةِ وَأما الْقَادِر فإشارته وَإِن بَالغ فِيهَا لَا نَجْعَلهَا صَرِيحًا لِأَن عدوله إِلَيْهَا مَعَ الْقُدْرَة موهم نعم هَل تجْعَل كِنَايَة قَالَ الْقفال هُوَ فعل مترتب على الْكِتَابَة وَالْإِشَارَة أولى بِالِاحْتِيَاطِ لِأَن الْكِتَابَة مُعْتَادَة وَالْإِشَارَة من النَّاطِق غير مُعْتَادَة أما الْكِتَابَة فَلَيْسَ بِصَرِيح وَإِن كتب اللَّفْظ الصَّرِيح فَهَل هُوَ كِنَايَة اضْطَرَبَتْ فِيهِ النُّصُوص وحاصلة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه كِنَايَة لِأَن الْكِتَابَة مُعْتَادَة وَالْمَقْصُود التفهيم

وَالثَّانِي أَنه لَغْو لِأَن الصِّيَغ اللفظية هِيَ الْمَوْضُوعَة للعقود فِي حق الْقَادِر وَالثَّالِث أَنَّهَا تعْتَبر من الْغَائِب دون الْحَاضِر لأجل الْعَادة وَفِي شرح التَّلْخِيص وَجه أَن كتبه صَرِيح الطَّلَاق صَرِيح من غير نِيَّة وَهُوَ بعيد أما إِذا كتب قَوْله كل زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق وَقَرَأَ وَنوى عِنْد الْقِرَاءَة وَقع وَإِن قَرَأَ وَلم ينْو وَقَالَ قصدت الْقِرَاءَة فَهَل يقبل ظَاهرا فِيهِ تردد كَمَا لَو حل الوثاق عَن زَوجته وَقَالَ عِنْد ذَلِك أَنْت طَالِق فَإِن فرعنا على اعْتِبَار الْكِتَابَة فيتصدى النّظر فِي أُمُور ثَلَاثَة الأول فِي التَّصَرُّفَات فَتعْتَبر فِي كل مَا يسْتَقلّ بِهِ الْمُتَصَرف كَالْعِتْقِ وَالْعَفو وَالْإِبْرَاء أما مَا يفْتَقر إِلَى الْقبُول فَفِيهِ قَولَانِ وَفِي النِّكَاح قَولَانِ مرتبان وَأولى بألا ينْعَقد لما فِيهِ من التَّعَبُّد وَلِأَنَّهُ كِنَايَة وَالشَّاهِد لَا يطلع على النِّيَّة وَلَكِن من جوز ذَلِك رُبمَا احتمله لأجل الْحَاجة ثمَّ إِن كتب زوجت بِنْتي من فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ وشهدا هما بأعيانهما على قبُول الزَّوْج صَحَّ وَإِن شهد آخرَانِ فَوَجْهَانِ ثمَّ إِذا كتب بِعْت دَاري مِنْك فَبَلغهُ الْكتاب فَيَنْبَغِي أَن يَقُول على الْفَوْر اشْتريت أَو يكْتب على الْفَوْر لِأَن الِاتِّصَال بَين الْجَواب وَالْخطاب

شَرط وَهُوَ الِاتِّصَال اللَّائِق بِالْكِتَابَةِ وَإِن تخَلّل بَينهمَا شهور الثَّانِي فِي أَلْفَاظ الْكَاتِب وَهُوَ ثَلَاث إِحْدَاهمَا أَن يكْتب أما بعد فَأَنت طَالِق وَنوى فَيحكم بِوُقُوعِهِ فِي الْحَال الثَّانِيَة أَن يكْتب إِذا بلغك كتابي هَذَا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع إِلَّا بِالْبُلُوغِ الثَّالِثَة أَن يَقُول إِذا قَرَأت كتابي هَذَا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع مَا لم تقْرَأ فَإِن كَانَت أُميَّة فَإِذا قرئَ عَلَيْهَا طلقت وَقيل لَا تطلق لِأَنَّهَا مَا قَرَأت وَكَأَنَّهُ علق على قرَاءَتهَا وَهُوَ محَال فَلَا يَقع وَهَذَا بعيد نعم لَو كَانَت قارئة فَقَرَأَ عَلَيْهَا غَيرهَا فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تطلق وَقيل إِنَّهَا تطلق كَمَا إِذا قَالَ إِذا رَأَيْت الْهلَال فَأَنت طَالِق فَإِنَّهَا تطلق بِرُؤْيَة غَيرهَا وَهُوَ بعيد لِأَن الرُّؤْيَة قد يُرَاد بهَا الْعلم دون الْقِرَاءَة الثَّالِث فِي الْمَكْتُوب عَلَيْهِ وكل مَا يثبت عَلَيْهِ الْخط من ثوب وَحجر وَعظم فَهُوَ كالبياض أما لَو كتب على المَاء أَو على الْهَوَاء لم يكن ذَلِك كِتَابَة بل هِيَ إِشَارَة من قَادر وَقد ذَكرْنَاهُ وَلَو كتب على الْبيَاض وَلَكِن علق الطَّلَاق على الْبلُوغ فَبلغ وَقد امحت الْكِتَابَة لم يَقع لِأَنَّهُ بلغ الكاغد دون الْكتاب وَإِن لم ينمح إِلَّا السطر الَّذِي فِيهِ الطَّلَاق أَو سقط

ذَلِك الْقدر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يَقع لِأَن الْكتاب عبارَة عَن جَمِيع الْأَجْزَاء وَالثَّانِي أَنه يَقع لِأَن الْكتاب قد بلغ وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ إِن بلغك كتابي هَذَا لم يَقع لِأَنَّهُ يتَنَاوَل جَمِيع الْأَجْزَاء وَإِن قَالَ إِن بلغك الْكتاب وَقع أما إِذا امحى الْجَمِيع إِلَّا سطر الطَّلَاق فَالْخِلَاف مُرَتّب وَأولى بالوقوع وَإِن لم ينجح إِلَّا التَّسْمِيَة والصدر وَبقيت الْمَقَاصِد كلهَا فمرتب وَأولى بالوقوع وَإِن لم يسْقط إِلَّا الْحَوَاشِي فَأولى بالوقوع وَمِنْهُم من قطع فِي هَذِه الصُّورَة بالوقوع لِأَن الْحَاشِيَة غير مَقْصُودَة وَمن منع علل بِأَن الْحَاشِيَة من الْكتاب وَلذَلِك لَا يجوز للمحدث مَسّه فِي الْمُصحف فرع إِذا قَالَ إِن بلغك نصف كتابي فَبلغ الْجَمِيع فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يَقع لِأَن فِي الْكل نصفا وَالثَّانِي لَا لِأَن مَفْهُومه التَّخْصِيص بِالنِّصْفِ

الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّفْوِيض إِلَى الزَّوْجَة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الأول أَلْفَاظه فَإِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت طلقت نفذ وَلَو قَالَ أبيني نَفسك فَقَالَت أبنت ونويا وَقع وَإِن لم ينْو أَحدهمَا لم يَقع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تعْتَبر نيتهما بل تَكْفِي نِيَّة الرجل وَقَوْلها يبْنى على قَوْله وَلَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت أبنت ونوت فَالظَّاهِر الْوُقُوع وَفِيه وَجه أَنه لَا يَقع لمُخَالفَة اللَّفْظ وَقيل إِن ذَلِك يجْرِي أَيْضا فِي تَوْكِيل الْأَجْنَبِيّ وَلَو قَالَ اخْتَارِي فَقَالَت اخْتَرْت نَفسِي وَقعت طَلْقَة رَجْعِيَّة وَلَو قَالَت اخْتَرْت زَوجي لم يَقع شَيْء وَهُوَ مَذْهَب عمر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ عَليّ وَزيد رَضِي الله عَنْهُمَا إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فطلقة بَائِنَة وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فرجعية وَاشْتَدَّ إِنْكَار عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت خيرني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخترته أَتَرَى أَن ذَلِك طَلَاق رَجْعِيّ

فرع إِذا كَانَ التَّفْوِيض بِالْكِنَايَةِ وَأنكر الزَّوْج النِّيَّة فَالْقَوْل قَوْله وَكَذَلِكَ إِذا إِذا أنْكرت نِيَّتهَا فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَو قَالَت نَوَيْت أَنا وَأنكر الزَّوْج فَالْقَوْل قَوْلهَا وَفِيه وَجه بعيد أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَهُوَ ضَعِيف الطّرف الثَّانِي فِي حَقِيقَة التَّفْوِيض وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تمْلِيك وَكَأَنَّهُ ملكهَا نَفسهَا وَالثَّانِي أَنه تَوْكِيل كتوكيل الْأَجْنَبِيّ ويبتنى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَو طلقت نَفسهَا فِي مجْلِس آخر لَا على الِاتِّصَال لم يجز إِن جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا لِأَن اتِّصَال الْقبُول لَا بُد مِنْهُ وقبولها هُوَ قَوْلهَا طلقت وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا جَازَ وَقَالَ القَاضِي وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا يحْتَمل أَن يشْتَرط ذَلِك فِي الْمجْلس لِأَن هَذِه الصِّيغَة تتاقضى جَوَابا ناجزا كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَإِنَّهُ يخْتَص بمشيئتها فِي الْمجْلس وأجرى ذَلِك فِي قَوْله وَكلتك وفوض إِلَيْك طَلَاقك بِالْوكَالَةِ وَعبر الْمُحَقِّقُونَ عَن هَذَا بِأَنا إِن جعلنَا مُطلق التَّفْوِيض تَمْلِيكًا فَهَل للزَّوْج سَبِيل إِلَى توكيلها أَن ينزل توكيلها أَيْضا على التَّمْلِيك فِيهِ تردد فرع لَو رَجَعَ عَن التَّفْوِيض قبل قبُولهَا جَازَ على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ ابْن خيران لَا يجوز على قَول التَّمْلِيك وَكَأَنَّهُ يضمن التَّعْلِيق وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَيْسَ بأبلغ من قَوْله أَنْت طَالِق على ألف وَله الرُّجُوع قبل قبُولهَا الطّرف الثَّالِث فِي حكم الْعدَد فَإِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك وَنوى الثَّلَاث فَإِن طلقت ونوت الثَّلَاث نفذ وَإِن لم تنو لم يَقع الثَّلَاث بل وَقعت وَاحِدَة وَفِيه وَجه أَنه يَقع لِأَن

الْبناء فِي الْعدَد أقرب من الْبناء فِي أصل النِّيَّة وَهَذَا يُقَوي مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله نعم لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك ثَلَاثًا فَقَالَت طلقت وَلم تذكر الْعدَد وَلم تنو فَيظْهر الْبناء هَاهُنَا لِأَنَّهُ صرح بِهِ لَا سِيمَا إِن جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا فَإِن مُجَرّد قَول الْقَائِل قبلت يَكْفِي وَإِن يعد تَمام الْكَلَام لِأَنَّهُ كالبناء على الْإِيجَاب وَأما كَلَام الْوَكِيل فَلَا يبْنى على كَلَام الْمُوكل نعم إِن اشترطنا الْقبُول فِي الْمجْلس على قَول التَّوْكِيل فَلَا يبعد أَيْضا أَن يحْتَمل الْبناء فرع لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك ثَلَاثًا فَطلقت وَاحِدَة طلقت بالِاتِّفَاقِ وَاحِدَة وَلَو قَالَ طَلِّقِي وَاحِدَة فَطلقت ثَلَاثًا وَقعت عندنَا وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَقع هَاهُنَا شَيْء أصلا وَالْفرق مُشكل عَلَيْهِ بَين الصُّورَتَيْنِ

الرُّكْن الثَّالِث الْقَصْد إِلَى لفظ الطَّلَاق وَمَعْنَاهُ ويتوهم اختلال الْقَصْد بِخَمْسَة أَسبَاب سبق اللِّسَان والهزل وَالْجهل وَالْإِكْرَاه واختلال الْعقل السَّبَب الأول سبق اللِّسَان فَإِذا بدرت مِنْهُ كلمة الطَّلَاق فِي محاورته أَو فِي النّوم لم يَقع طَلَاقه وَلَكِن يعسر قبُول دَعْوَاهُ إِذا لم يكن قرينَة نعم يدين بَاطِنا وَإِن شهِدت قرينه قبل ظَاهرا مثل إِن كَانَ اسْم امْرَأَته طَارق فَقَالَ يَا طَالِق وَزعم أَنه التف بِلِسَانِهِ الْكَلَام من غير قصد قبل قطعا لَا كَشَهَادَة حل الوثاق فَإِن فِيهِ خلافًا لِأَن كلمة الطَّلَاق مستنكر فِي غير النِّكَاح وَإِن كَانَ اسْم امْرَأَته طَالِق وَاسم عَبده حر فَقَالَ يَا طَالِق وَيَا حر وَقصد النداء لم يَقع وَإِن قصد الْإِيقَاع وَقع وَإِن أطلق من غير قصد فعلى أَيهمَا يحمل فِيهِ وَجْهَان وَقد ظهر أَن قصد حُرُوف الطَّلَاق لايكفي بل لابد من قصد لفظ الطَّلَاق لِمَعْنى الطَّلَاق

السَّبَب الثَّانِي الْهزْل فَإِذا قَالَت الْمَرْأَة فِي ملاعبتها طَلقنِي ثَلَاثًا فَقَالَ نعم أَنْت طَالِق ثَلَاثًا كاللاعب المستهزىء وَقع الطَّلَاق لوُجُود فصد لفظ الطَّلَاق وَلم يعْدم إِلَّا الْقَصْد إِلَى الحكم وَلَا يشْتَرط بِدَلِيل أَنه لَو طلق بِشَرْط الْخِيَار لنَفسِهِ نفذ وَإِن كَانَ ذَلِك يعْدم الرِّضَا بالحكم وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد الطَّلَاق وَالنِّكَاح وَالْعتاق وَلم يحكم الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بانعقاد نِكَاح الهازل وَهُوَ خلاف ظَاهر الْخَبَر أما

البيع وَسَائِر التَّصَرُّفَات فتردد بعض الْأَصْحَاب فِي انْعِقَادهَا من الهازل السَّبَب الثَّالِث الْجَهْل وَهُوَ أَن يُخَاطب امْرَأَة بِالطَّلَاق وَهُوَ يظنّ أَنَّهَا زَوْجَة غَيره فَإِذا هِيَ زَوجته وَقد رَآهَا فِي ظلمَة أَو فِي جِلْبَاب أَو كَانَ أَبوهُ زَوجهَا مِنْهُ فِي صغره وَهُوَ لَا يدْرِي فَالْمَشْهُور أَنه يَقع طَلاقهَا وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا لم يعرف الزَّوْجِيَّة لم يقْصد إِلَى قطعهَا وَقد ذكرنَا فِي كتاب الْغَصْب وَجها فِي نَظِيره من الْعتْق أَنه لَا يَقع وَهُوَ منقدح وَبَيَانه أَنه الأعجمي إِذا لقن كلمة الطَّلَاق وَهُوَ لَا يفهم لم يَقع طَلَاقه بالِاتِّفَاقِ وَأما بيع الْجَاهِل فَظَاهر صِحَّته وَهُوَ إِذا مَا بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ وعَلى هَذَا قَالُوا نُفُوذ الطَّلَاق أولى والأقيس فِي البيع أَنه أَيْضا لَا ينعكس وَلِأَن الْقَصْد إِلَى الْمَعْنى الْمَجْهُول محَال السَّبَب الرَّابِع الْإِكْرَاه وَطَلَاق الْمُكْره لَا يَقع عندنَا لِأَن قَصده مختل إِذْ الْإِكْرَاه بعث فِيهِ الْقَصْد وَكَأَنَّهُ فعل الْمُكْره وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع ثمَّ نَحن أَيْضا نوقعه مهما زعم الْمُكْره أَنه كَانَ رَاضِيا أَو ظَهرت مِنْهُ مخايل الِاخْتِيَار وَذَلِكَ كمخالفته للمكره بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو تَغْيِير لفظ مِثَال الزِّيَادَة أَن يكرههُ على طَلَاق وَاحِد فَطلق ثَلَاث أَو على طَلَاق زَوْجَة وَاحِدَة فَطلق زَوْجَتَيْنِ

وَالنُّقْصَان أَن يكلفه طَلَاق زَوْجَتَيْنِ فَطلق وَاحِدَة أَو على الثَّلَاث فَطلق طَلْقَة أَو اثْنَتَيْنِ أَو قَالَ قل طَلقتهَا فَقَالَ فارقتها أَو قَالَ طلق إِحْدَى زوجتيك فعين وَاحِدَة وَطَلقهَا فَإِن التَّعْلِيل دَلِيل تبرمه بالمطلقة أما إِذا ترك التورية وَهُوَ فَقِيه قَادر ومعترف بِأَن الْإِكْرَاه لم يدهشه عَن ذكر التورية فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه يَقع وَيجْعَل ذَلِك دَلِيل الِاخْتِيَار وَالنَّظَر بعد هَذَا فِي طرفين أَحدهمَا التَّصَرُّفَات المتأثرة بِالْإِكْرَاهِ وَالْإِكْرَاه يسْقط أثر التَّصَرُّفَات عندنَا قطعا إِلَّا فِي خَمْسَة مَوَاضِع الأول الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يجوز إِكْرَاه الْحَرْبِيّ عَلَيْهِ فَيصح إِسْلَامه وَإِلَّا فَتبْطل فَائِدَة الْإِكْرَاه وَفِي إِسْلَام الذِّمِّيّ الْمُكْره خلاف وَالأَصَح أَنه لَا يَصح الثَّانِي الْإِرْضَاع وَلَا يُخرجهُ الْإِكْرَاه عَن كَونه محرما لِأَنَّهُ مَنُوط بوصول اللَّبن إِلَى الْجوف لَا بِالْقَصْدِ الثَّالِث الْقَتْل على أحد الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ يُوجب الْقصاص على قَول لِأَن الْإِكْرَاه لم يرفع الْإِثْم الرَّابِع الْمُكْره على الزِّنَا على أحد الْقَوْلَيْنِ يحد لِأَن حُصُول الانتشار دلَالَة الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ لَا يحصل بِالْإِكْرَاهِ ومأخذ الْقَوْلَيْنِ تردد فِي تصور الْإِكْرَاه الْخَامِس إِذا علق الطَّلَاق على الدُّخُول فأكره على الدُّخُول فَفِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن الصّفة لَا يشْتَرط فِيهَا الْقَصْد بل يَكْفِي الِاسْم أما البيع فَيبْطل بالإكره وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد وَلَا يلْزم

وَاعْلَم أَن الِاسْتِثْنَاء بالتحقيق يرجع إِلَّا الْإِسْلَام فَقَط وَإِلَى الْقَتْل على قَول أما مَا عداهُ فسببه عدم تصور الْإِكْرَاه أَو عدم اشْتِرَاط الْقَصْد الطّرف الثَّانِي فِي حد الْإِكْرَاه وَفِيه مسلكان للأصحاب متباعدان أَحدهمَا أَن يصير بِحَيْثُ لَا تبقى لَهُ طَاقَة فِي الْمُخَالفَة بل يكون مُضْطَرّا إِلَى اخْتِيَار الْمُوَافقَة شَاءَ أم أَبى كَالَّذي يفر من أَسد ضار فيتخطى النَّار والشوك وَلَا يُبَالِي وَمثل هَذَا لَا يحصل إِلَّا بِسيف مسلول أَو تخويف بالإلقاء فِي النَّار مثلا وَالشّرط أَن يصير كالمدهوش الَّذِي لَا تبقى لَهُ روية واستصواب ثمَّ الجبان قد يدهش وَيسْقط اخْتِيَاره بِمَا لَا يسْقط بِهِ اخْتِيَار الشجاع فَالْمُعْتَبر سُقُوط خيرته فِي هَذِه الطَّرِيقَة أما من يخوف بِالْحَبْسِ المخلد أَو الْجُوع وَمَا لَا يَأْخُذهُ فِي الْحَال مِنْهُ أَمر لَا يطيقه فالطلاق بِهِ وَاقع بِنَاء لِلْأَمْرِ على الحزم والاستصواب وَذَلِكَ عين الِاخْتِيَار وَهَذِه الطَّرِيقَة أضم للنشر المسلك الثَّانِي أَن ذَلِك لَا يعْتَبر بل إِذا خير بَين الطَّلَاق وَبَين أَمر لَا يحْتَملهُ الْعَاقِل لأجل الطَّلَاق فَطلق لم يَقع الطَّلَاق بِهِ كالحبس المخلد والتهديد بِالضَّرْبِ والجوع مِمَّن يعلم أَنه يُحَقّق ذَلِك وَكَذَلِكَ صفع ذَوي الْمُرُوءَة على مَلأ من النَّاس وَكَذَلِكَ التخويف بِإِتْلَاف المَال وَقتل الْوَلَد وَعند هَذَا ينشأ النّظر فِي الْمُكْره بِهِ وَالْمكْره عَلَيْهِ

فَإِذا أكره على الْقَتْل بِإِتْلَاف المَال أَو الْحَبْس فليحتمله وَإِن أكره على الطَّلَاق بذلك فَرُبمَا لَا يحْتَملهُ وَرُبمَا يُقَال يحْتَمل إِتْلَاف المَال فِي الطَّلَاق فَإِن أكره بِإِتْلَاف مَال على إِتْلَاف مَال فيتصدى النّظر فِي القله وَالْكَثْرَة وَضبط ذَلِك عسير وَلَا تَخْلُو طَرِيقه عَن غموض وَيحصل مِنْهُ أَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ الْإِكْرَاه بِالْقَتْلِ أَو الْجرْح الَّذِي يخَاف الْمَوْت مِنْهُ كالقطع وَمَا عدا ذَلِك فَيخرج على الْخلاف السَّبَب الْخَامِس زَوَال الْعقل وَذَلِكَ إِن كَانَ بإغماء أَو جُنُون أَو شرب دَوَاء فَيمْنَع نُفُوذ الطَّلَاق والتصرفات وَإِن كَانَ بمسكر تعدى بشربه وَلم يصب قهرا فِي حلقه فنصوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَدِيما وحديثا وُقُوع الطَّلَاق وَنَصّ فِي الظِّهَار قَدِيما على قَوْلَيْنِ فَقَالَ بعض الْأَصْحَاب فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ ومعظم الْعلمَاء على وُقُوع طَلَاق السَّكْرَان وَمذهب عُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَأبي يُوسُف وَزفر والمزني وَابْن سُرَيج رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أَنه لَا يَقع الطَّلَاق وَفِي سَائِر تَصَرُّفَاته طرق مِنْهُم من

طرد الْقَوْلَيْنِ حَتَّى فِي أَفعاله وَمِنْهُم من قَالَ أَفعاله كأفعال الصاحي وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَقْوَاله وَمِنْهُم من قَالَ مَا عَلَيْهِ ينفذ وَالْقَوْل فِيمَا لَهُ وَأشهر الطّرق طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْكل وَمن شرب البنج مُتَعَدِّيا فَزَالَ عقله مِنْهُم من ألحقهُ بالسكران لعدوانه وَمِنْهُم من ألحقهُ بالمجنون لِأَن ذَلِك لَا يشتهى فَإِن قيل مَا حد السكر قُلْنَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا اخْتَلَط كَلَامه المنظوم وانكشف سره المكتوم وَالْمَقْصُود أَن يصير مثل الْمَجْنُون الَّذِي لَا تنتظم أُمُوره أما مَا دَامَ فِي ابْتِدَاء نشاطه فَهُوَ كالعاقل وَإِن سقط كالمغشي عَلَيْهِ فَهُوَ كالنائم والمغمى عَلَيْهِ وَيبعد طرد الْخلاف بِهِ وَقد قيل بِهِ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن ذَلِك يعْدم من أصل الْقَصْد وَطَلَاق الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ كَطَلَاق الهازل وَالْجَاهِل وَإِنَّمَا لَا يَقع نظرا لَهما والسكران لَا يسْتَوْجب النّظر وَلذَلِك لَا يسْقط عَنهُ انْقِضَاء الْعِبَادَات بِخِلَاف الْمَجْنُون والأقيس مَذْهَب الْمُزنِيّ وَهُوَ إِلْحَاق السَّكْرَان بالمجنون فِي التَّصَرُّفَات

الرُّكْن الرَّابِع لنفوذ الطَّلَاق الْمحل وَهِي الْمَرْأَة وَفِيه فصلان أَحدهمَا أَنه لَو أضَاف إِلَى بَعْضهَا نفذ وكمل وَلَو أضَاف إِلَى عُضْو معِين نفذ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ لَهُ ثَلَاث دَرَجَات إِحْدَاهَا أَن يضيف إِلَى جُزْء مُتَّصِل كَالْيَدِ وَالرَّأْس والكبد وَالظّهْر وَسَائِر الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة وَلَا خلاف فِي وُقُوعه نعم الْأذن الْمُنْفَصِلَة إِذا عَادَتْ ملتحمة أَو الشعرة الساقطة إِذا انغرست فِي مَوضِع آخر فَفِي الْإِضَافَة إِلَيْهِ فِيهِ خلاف الثَّانِيَة أَن يضيف إِلَى فضلات بدنهَا كالبول وَاللَّبن والعرق والدمع والمني فَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع وَفِيه وَجه بعيد أَنه يَقع وَلم يطرد ذَلِك الْوَجْه فِي الْجَنِين لِأَنَّهُ كالمستقل نعم ترددوا فِي الدَّم والشحم أَنه يلْحق بالفضلات أَو بالأجزاء من حَيْثُ إِن الدَّم

كالقوام للروح والشحم يشبه السّمن وَلَو قَالَ سمنك طَالِق نفذ الثَّالِثَة الْإِضَافَة إِلَى الصّفة كَقَوْلِه حسنك أَو لونك أَو بياضك طَالِق وَذَلِكَ لاغ لِأَن الصّفة تَابع لَا تقبل الْإِضَافَة دون الْمَوْصُوف نعم لَو قَالَ روحك أَو حياتك طَالِق قَالُوا إِنَّه يَقع لِأَن الرّوح جَوْهَر وأصل والحياة كَذَلِك وَلَا يحْتَمل نظر الْفُقَهَاء الْخَوْض فِي الْفرق بَين الرّوح والحياة فرع لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فيمينك طَالِق فَقطع يَمِينهَا ثمَّ دخلت فَفِي الطَّلَاق وَجْهَان مبينات على أَن تَنْفِيذ الطَّلَاق الْمُضَاف إِلَى الْجُزْء بطرِيق التسرية مِنْهُ أَو بطرِيق جعل ذكر الْبَعْض عبارَة عَن الْكل وَفِيه خلاف فَإِن قيل بالتسرية فَلم يُصَادف الْيَمين حَتَّى تنفذ فِيهِ فَلَا يَقع وَإِن جعل عبارَة عَن الْكل نفذ أما إِذا قَالَ لمقطوعة الْيَمين يَمِينك طَالِق فَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع على الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ وَإِن جعل عبارَة الْجَمِيع فَحَيْثُ تُوجد وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ لَهَا ذكرك أَو لحيتك طَالِق لم يَقع لِأَن الْمَذْكُور مَفْقُود

الْفَصْل الثَّانِي فِي إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى الزَّوْج فَإِذا قَالَ أَنا مِنْك طَالِق وَنوى الطَّلَاق نفذ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَضِي رَحمَه الله عَنهُ لَا من حَيْثُ إِن الرجل مَحل الطَّلَاق لَكِن من حَيْثُ إِنَّه قيد عَلَيْهَا والحل تَارَة يُضَاف إِلَى الْقَيْد وَتارَة إِلَى الْمُقَيد لِأَنَّهُ فِي حجر بِسَبَبِهَا عَن نِكَاح أُخْتهَا وَأَرْبع سواهَا وَفِي قيد من لَوَازِم النِّكَاح فيصلح ذَلِك للكناية وَمن الْأَصْحَاب من زعم أَن الرجل مَحل الطَّلَاق وَأَنه مقعود عَلَيْهِ كَالزَّوْجَةِ وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لما افْتقر إِلَى النِّيَّة ولحرم عَلَيْهِ أَن ينْكح غَيرهَا نعم إِذا نوى الطَّلَاق فَهَل يشْتَرط مَعَ ذَلِك أَن ينوى الْإِضَافَة إِلَيْهَا اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ القَاضِي لَا يشْتَرط ذَلِك لِأَن الطَّلَاق يرد على العقد فَإِذا نَوَاه لم يفْتَقر إِلَى الْإِضَافَة إِلَيْهَا فرع إِذا قَالَ اعْتد مِنْك واستبرأ رحمي مِنْك فَهَذَا لَيْسَ بكناية لِأَنَّهُ لَيْسَ يَنْتَظِم

إِضَافَته إِلَى الرجل بِخِلَاف سَائِر الْكِنَايَات كَقَوْلِه أبنت نَفسِي مِنْك وَأَنا خلي وبري عَنْك وَكَذَلِكَ لَا يَنْتَظِم أَن يَقُول السَّيِّد أَنا مِنْك حر إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حجر قيد بِسَبَب الرّقّ وَفِيه وَجه أَن ذَلِك أَيْضا كِنَايَة

الرُّكْن الْخَامِس الْولَايَة على الْمحل فَإِذا قَالَ لأجنبية أَنْت طَالِق لم ينقص عدد طَلَاقه لَو نَكَحَهَا بعد ذَلِك وَلَو قَالَ ذَلِك للرجعية نقص الْعدَد لِأَن ولَايَة النِّكَاح بَاقِيه عَلَيْهَا وَلَو قَالَ للمختلعة لم يَقع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقع وينتقص الْعدَد وَاكْتفى بِبَقَاء الْعدة عَلَيْهِ وَولَايَة على الْمحل وَلَو وَقَالَ لأجنبية إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فنكحها فَدخلت الدَّار لم يَقع اتِّفَاقًا لعدم الْولَايَة حَالَة التَّلَفُّظ وَلَو قَالَ إِن نكحتك فَأَنت طَالِق فنكحها لم تطلق لعدم الْولَايَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تطلق لِأَن الْولَايَة ترَاد عِنْد النّفُوذ وَقد وجدت نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أصلين

أَحدهمَا أَنه لَو قَالَ العَبْد لزوجته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَعتق وَدخلت الدَّار هَل تقع الثَّلَاث وَلم يكن يملك الثَّالِث عِنْد التَّعْلِيق فَمنهمْ من قَالَ لَا يَقع لعدم الْملك وَمِنْهُم من قَالَ يَقع لوُجُود النِّكَاح المنتج للطَّلَاق الثَّلَاث عِنْد الْعتْق وَكَأن ملك الأَصْل يقوم مقَام ملك الْفَرْع وَكَذَلِكَ الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ لجاريته إِذا ولدت فولدك حر لِأَنَّهُ ملك الأَصْل المنتج لملك الْوَلَد فَأشبه التَّصَرُّف فِيهِ التَّصَرُّف فِي مَنَافِع الدَّار عِنْد ملك الدَّار الأَصْل الثَّانِي أَن دوَام الْولَايَة بَين التَّعْلِيق وَالصّفة هَل يشْتَرط بَيَانه أَنه لَو قَالَ لَهَا إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ جدد نِكَاحهَا وَدخلت فَفِيهِ قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِعُود الْحِنْث أَحدهمَا أَنه يَقع لوُجُود الْولَايَة عِنْد التَّعْلِيق وَالصّفة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَاقِع فِي هَذَا النِّكَاح طَلَاق يفِيدهُ هَذَا النِّكَاح وَذَلِكَ لم يملكهُ عِنْد التَّعْلِيق

وَلَو علق الثَّلَاث على الدُّخُول ثمَّ نجز الثَّلَاث ثمَّ جدد النِّكَاح فالمنصوص أَنه لَا يعود وَفِي الْقَدِيم قَول ضَعِيف أَنه يعود وَهُوَ مُجَرّد نظر إِلَى وجود الْولَايَة فِي الطَّرفَيْنِ أما إِذا علق طَلْقَة وَاحِدَة ثمَّ قَالَ نجزت تِلْكَ الطَّلقَة الْمُعَلقَة ثمَّ جدد نِكَاحهَا وَدخلت فَمنهمْ من ألحق هَذَا بتنجيز الثَّلَاث وَمِنْهُم من قَالَ الطَّلَاق لَا يتَعَيَّن بتعينه فيلتحق هَذَا بِمحل الْقَوْلَيْنِ هَذَا كُله إِذا لم تُوجد الصّفة حَالَة الْبَيْنُونَة فَلَو وجدت انْحَلَّت الْيَمين فَلَا يعود قولا وَاحِدًا هَذَا تَمام النّظر فِي أَرْكَان الطَّلَاق واختتام الْبَاب بِذكر أصلين فِي ملك الطَّلَاق أَحدهمَا أَن من طلق ثَلَاثًا حرمت عَلَيْهِ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فَلَو طلق وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فنكحت زوجا آخر ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ لم تعد إِلَّا بِبَقِيَّة الطَّلَاق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَطْء الزَّوْج الثَّانِي يهدم الطلقات الْمَاضِيَة فتعود إِلَيْهِ بِثَلَاث ثمَّ التَّحْلِيل إِنَّمَا يحصل بِوَطْء تَامّ فِي نِكَاح صَحِيح غير مختل

أما الْوَطْء فَيدْخل فِيهِ تغييب الْحَشَفَة من الْخصي وتغييب قدر الْحَشَفَة من الْمَجْبُوب بعضه ونزول الْمَرْأَة على الزَّوْج واستدخالها بالأصبع من غير انتشار إِلَّا فِي استدخال ذكر الْعنين فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه مُحَلل وَالصَّحِيح أَن وَطْء الصَّبِي مُحَلل والإيتيان فى غير المأتى غير مُحَلل وَكَذَا تغييب بعض الْحَشَفَة وَأما النِّكَاح فَيخرج مِنْهُ الْوَطْء فِي ملك الْيَمين فَإِنَّهُ لَا يحلل وَكَذَا الْوَطْء فِي النِّكَاح الْفَاسِد على القَوْل الصَّحِيح وَفِيه قَول وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يحصل ثمَّ ذَلِك إِذا ظن أَنَّهَا منكوحته فَإِن ظن أَنَّهَا مملوكته فَلَا يزِيد ظن الْملك على حَقِيقَته وَأما غير المختل فاحترزنا بِهِ عَن الْوَطْء بعد طَلَاق رَجْعِيّ ثبتَتْ الرّجْعَة فِيهِ باستدخال المَاء لَا بِالْوَطْءِ فالنص أَنه لَا يحلل لِأَنَّهُ محرم وَيحْتَمل التَّحْلِيل إِذا لم نوجب الْمهْر بِهِ وَإِن فرعنا على أَنه يحلل فِي النِّكَاح الْفَاسِد فَهُوَ أولى وَلَو وَطئهَا بعد الارتداد فالنص أَنه لَا يحلل وَلَيْسَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِد فَإِنَّهُ عَالم بِالتَّحْرِيمِ أما فِي حَال الْحيض وَالصَّوْم فَمحل لِأَنَّهُ لم يخْتل النِّكَاح وَكَذَا فِي حَال إحرامها خلافًا لمَالِك رَحمَه الله ثمَّ مهما ادَّعَت أَن الْمُحَلّل وَطئهَا كَانَ للزَّوْج تصديقها بِغَيْر بَيِّنَة لِأَن بِنَاء الْعُقُود على قَول

الْعَاقِد وَلَكِن إِن كَانَ غلب على ظَنّه كذبهَا لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا فرع لَو طلق زَوجته الرقيقة ثَلَاثًا ثمَّ اشْتَرَاهَا لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا إِلَى أَن يجْرِي التَّحْلِيل وَفِيه وَجه أَن التَّحْرِيم يخْتَص بِالنِّكَاحِ وَلَا يحرم الْوَطْء بِملك الْيَمين بالطلقات الثَّلَاث الأَصْل الثَّانِي أَن الرّقّ يُؤثر فِي نُقْصَان عدد الطَّلَاق فَيملك الْحر ثَلَاثًا وَيملك العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفه رَحمَه الله ينظر إِلَى جَانب النِّسَاء فَيملك الْحر وَالْعَبْد ثَلَاثًا وَلَكِن على الْحرَّة ويملكان ثِنْتَيْنِ وَلَكِن على الْأمة وَهَذَا يُخَالف قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء يَعْنِي الْعبْرَة فِي الطَّلَاق بِالرِّجَالِ ثمَّ يتَوَلَّد من الْأَصْلَيْنِ فروع ثَلَاثَة الأول لَو طلق الذِّمِّيّ زَوجته الذِّمِّيَّة طَلْقَتَيْنِ ثمَّ الْتحق بدار الْحَرْب فاسترق قَالَ ابْن الْحداد لَهُ أَن ينحكها لِأَنَّهَا لم تحرم بالطلقتين فطرآن الرّقّ بعده لَا يُؤثر وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْكِحهَا لِأَنَّهُ فِي الْحَال رَقِيق فَكيف يطلقهَا طَلْقَة ثَالِثَة لَو نَكَحَهَا

وَلَا خلاف أَنه لَو طلق طَلْقَة ثمَّ طَرَأَ الرّقّ فنكحها فَلَا يملك إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة ويحسب مَا مضى عَلَيْهِ الثَّانِي لَو طلق فِي الرّقّ طَلْقَة ثمَّ عتق فَيملك طَلْقَتَيْنِ فِي الْحُرِّيَّة لِأَنَّهُ لم يسْتَوْف عدد الرّقّ وَلَو طلق فِي الرّقّ طَلْقَتَيْنِ ثمَّ عتق لم يكن لَهُ نِكَاحهَا لِأَنَّهَا حرمت عَلَيْهِ فِي الرّقّ وَفِيه وَجه غَرِيب أَنه ينْكِحهَا الثَّالِث إِذا طلق العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَعتق وَلم يذر السَّابِق هُوَ الطَّلَاق أَو الْعتْق قَالَ ابْن الْحداد يحرم نِكَاحهَا لِأَن الرّقّ مستيقن وَكَذَا الطَّلَاق وَالشَّكّ فِي تَقْدِيم الْعتْق على الطَّلَاق وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَهُوَ بعيد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث حكم طَلَاق الْمَرِيض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعْلَم أَن طَلَاق الْمَرِيض كَطَلَاق الصَّحِيح فِي النّفُوذ وَإِنَّمَا النّظر فِي انْقِطَاع الْمِيرَاث بِهِ لما فِيهِ من الْفِرَار عَن التوريث قصدا وَفِيه قَولَانِ الْجَدِيد وَهُوَ الْقيَاس وَالْمَشْهُور أَنه يَنْقَطِع الْمِيرَاث بِالطَّلَاق الْبَائِن كَمَا فِي حَالَة الصِّحَّة وعَلى هَذَا يَنْقَطِع التَّفْرِيع وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيم أَنه يَجْعَل فَارًّا فيعارض بقيض قَصده ونورث زَوجته وَيدل عَلَيْهِ قصَّة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ فَنَقُول الفار على هَذَا القَوْل من أنشأ تَنْجِيز طَلَاق زَوجته الوارثة بِغَيْر رِضَاهَا فقد أوردنا فِي الضَّابِط خَمْسَة قيود الأول الْإِنْشَاء واحترزنا بِهِ عَن اقرار الْمَرِيض بِطَلَاق أسْندهُ إِلَى حَال الصِّحَّة فَهُوَ غير فار لِأَن الْإِقْرَار حجَّة وَكَذَلِكَ إِذا أسْند إِقْرَار الْعتْق إِلَى الصِّحَّة لم يحْسب من الثُّلُث وَكَذَلِكَ يجوز الْإِقْرَار للْوَارِث وَإِن لم يجز الْإِنْشَاء وَقَالَ القَاضِي لَا يبعد أَن يَجْعَل فَارًّا لِأَنَّهُ مَحْجُور على إنْشَاء الْقطع وَلَيْسَ مَحْجُورا فِي حق الْوَارِث عَن إنْشَاء استقراض

والتزام فَكَانَ لَهُ الْإِقْرَار الْقَيْد الثَّانِي التَّنْجِيز فَلَو علق طَلَاق زَوجته على قدوم زيد فَقدم وَهُوَ مَرِيض فَفِيهِ قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْعبْرَة بِحَالَة التَّعْلِيق أَو بِحَالَة وجود الصّفة وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ فَارًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ يظْهر مِنْهُ قصد الْفِرَار أما إِذا علقه بِمَا لَا بُد من وجوده فِي الْمَرَض كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِذا ترددت الرّوح فِي شِرَاء سَيفي أَو قبل موتى بلحظة فَالصَّحِيح أَن هَذَا فار وَمِنْهُم من طرد الْخلاف نظرا إِلَى حَالَة التَّعْلِيق وَكَذَلِكَ لَو علق بِفعل من أَفعَال نَفسه ثمَّ أَتَى بِهِ فِي الْمَرَض فَالظَّاهِر أَنه فار وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ أما إِذا قَالَ أَنْت طَالِق قبل موتِي بِيَوْم ثمَّ مَاتَ فَجْأَة فقد نفذ الطَّلَاق فِي الصِّحَّة وَيظْهر فِي ذَلِك قصد الْفِرَار فَقِيَاس التُّهْمَة أَن يَجْعَل فَارًّا وَلَكِن يحْتَمل أَن ينظر إِلَى الصِّحَّة ونقطع الْمِيرَاث الْقَيْد الثَّالِث الطَّلَاق فَلَو فسخ نِكَاحهَا بِعَيْب فِي الْمَرَض فَلَا يكون فَارًّا وَلَو قَذفهَا فِي الصِّحَّة ولاعن فِي الْمَرَض فَلَيْسَ بفار لِأَن اللّعان ضَرُورَة لدفع الْحَد وَالنّسب وَإِن أنشأ الْقَذْف وَاللّعان فِي الْمَرَض فَفِيهِ تردد للأصحاب وَالظَّاهِر أَنه غير فار وَلَو ارْتَدَّ الزَّوْج ثمَّ عَاد فَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بفار لِأَنَّهُ لَيْسَ يقْصد بِالرّدَّةِ ذَلِك وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وطردوا ذَلِك فِي الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت فِي الْمَرَض وجعلوها فارة عَن مِيرَاثه وَهَذَا بعيد الْقَيْد الرَّابِع الزَّوْجَة الوارثة فَلَو طلق زَوجته الذِّمِّيَّة فَأسْلمت أَو الرقيقة فعتقت فَلَا يكون فَارًّا لِأَنَّهَا لم تكن وارثة عِنْد الطَّلَاق وَلَا يبعد تخيل خلاف من تبرع الرجل على أَخِيه فِي مَرضه وَهُوَ مَحْجُوب بولده ثمَّ مَاتَ وَلَده لِأَن فِيهِ قَوْلَيْنِ الْقَيْد الْخَامِس قَوْلنَا بِغَيْر رِضَاهَا فَلَو خَالعهَا أَو طَلقهَا بسؤالها أَو علق الطَّلَاق بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا ضَرُورَة لَهَا فِيهِ وَلَا حَاجَة فَفعلت فَلَيْسَ فَارًّا وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَلم يَجْعَل لرضاها أثرا

أما إِذا علق الطَّلَاق بأكلها أَو مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وتتضرر بِتَرْكِهِ فَهُوَ فار قطعا فَإِن قيل فَلَو تَمَادى الْمَرَض بعد الطَّلَاق فَإلَى مَتى يتمادى توريثها قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يتمادى أبدا وَالثَّانِي أَنه إِلَى انْقِضَاء الْعدة وَالثَّالِث إِلَى أَن تنْكح زوجا آخر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي تعديد الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي نِيَّة الْعدَد فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق أَو طَلقتك وَنوى عددا وَقع مَا نوى عندنَا لِأَن الْمصدر مُضْمر فِيهِ وَهُوَ مُحْتَمل للْجِنْس الشَّامِل للعدد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَسلم أَنه لَو قَالَ أَنْت بَائِن وَنوى ثَلَاثًا نفذ وَإِن نوى اثْنَيْنِ لَا ينفذ فروع الأول إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَنوى الثَّلَاث فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا ينفذ لِأَن الْوَاحِدَة تنافى الْعدَد

وَالثَّانِي أَنه يَقع وَكَأَنَّهُ يصيرها وَاحِدَة بِالطَّلَاق الثَّلَاث وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال أَنه إِن بسط النِّيَّة على جَمِيع اللَّفْظ لم يَقع وَإِن نوى الثَّلَاث بقوله أَنْت طَالِق وَذكر الْوَاحِدَة بعده وَقع الثَّلَاث وَلم يُؤثر ذكر الْوَاحِدَة وَهَذَا بِنَاء على الْمَذْهَب الصَّحِيح الذى ادّعى الْفَارِسِي الْإِجْمَاع فِيهِ وَهُوَ أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَلم يكن فِي عزمه أَن يَقُول إِن شَاءَ الله ثمَّ قَالَ مُتَّصِلا بِهِ أَنه لَا يُؤثر وَمن الْأَصْحَاب من خَالف وَقَالَ إِذا اتَّصل الِاسْتِثْنَاء وقصده لم يَقع الطَّلَاق فعلى هَذَا لَا يتَّجه قَول الْقفال الثَّانِي إِذا قَالَ أَنْت وَاحِدَة وَنوى بِهِ توحدها بِالطَّلَاق الثَّلَاث وَقع الثَّلَاث وَإِن لم يخْطر بِبَالِهِ معنى التوحد وَلَكِن نوى الثَّلَاث فَفِيهِ احْتِمَال وَتردد الثَّالِث إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَلَكِن وَقع قَوْله ثَلَاثًا فِي حَال مَوتهَا بِأَن مَاتَت مقترنا بِهِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَقع الثَّلَاث لِأَن الثَّلَاث كالتفسير والمفسر وجد فِي الْحَيَاة وَالثَّانِي أَنه يَقع وَاحِدَة بقوله أَنْت طَالِق وَيَلْغُو الْعدَد وَالثَّالِث أَنه لَا يَقع شيئ لِأَنَّهَا مَاتَت قبل تَمام الْكَلَام

الْفَصْل الثَّانِي فِي تَكْرِير الطَّلَاق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ لمدخول أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق فَإِن قصد التّكْرَار نفذ الثَّلَاث وَإِن قصد التَّأْكِيد لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَإِن نوى بِالثَّانِيَةِ الْإِيقَاع وبالثالثة التَّأْكِيد للثَّانِيَة وَقع ثِنْتَانِ وَإِن نوى بالثالثة تَأْكِيد الأولى لم يقبل وَوَقع الثَّلَاث لِأَن تخَلّل الْفَصْل يمْنَع قصد التَّأْكِيد وَإِن أطلق فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يحمل على التَّأْكِيد لِأَنَّهُ مُعْتَاد فِي لِسَان الْعَرَب فَلَا تقع إِلَّا وَاحِدَة وَالثَّانِي أَنه يَقع الثَّلَاث لِأَنَّهُ تلفظ ثَلَاث مَرَّات وَإِنَّمَا يصرف الطَّلَاق بِقصد صَحِيح عَن جِهَته وَلم يقْصد صرفه إِلَى التَّأْكِيد وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَالِق طَالِق فَلهُ أَن يقْصد التَّأْكِيد وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق لم يُمكن قصد التَّأْكِيد لتخلل الْوَاو الفاصلة إِذْ الْمُؤَكّد يَنْبَغِي أَن يُسَاوِي الْمُؤَكّد وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق وَقصد بالثالثة تَأْكِيد الثَّانِيَة جَازَ وَلَو قصد تَأْكِيد الأولى لم يجز لتخلل الْفَصْل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق بل طَالِق وَقع الثَّلَاث وَامْتنع قصد التَّأْكِيد لتغاير الْأَلْفَاظ وَكَذَلِكَ قَوْله أَنْت طَالِق وَطَالِق فطالق

وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَالِق أَنْت طَالِق فَيجوز أَن تجْعَل الثَّالِثَة تَأْكِيد للثَّانِيَة وَإِن تخَلّل قَوْله أَنْت لِأَن إِعَادَة أدوات الضَّمِير تحْتَمل فِي التَّأْكِيد الثَّانِيَة إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة وطلقة نَص على وُقُوع ثِنْتَيْنِ فِي الْمَدْخُول بهَا وَجَمِيع هَذِه الْمسَائِل فِي الْمَدْخُول بهَا إِذْ لَا يتَصَوَّر تعاقب الطَّلَاق قبل الدُّخُول وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دِرْهَم فدرهم نَص على أَنه يلْزمه دِرْهَم وَاحِد فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل الْفرق أَن التّكْرَار يتَطَرَّق إِلَى الْأَخْبَار وَلذَلِك لَو كرر فِي الْمجْلس لم يتَكَرَّر بِخِلَاف الْإِنْشَاء وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عَليّ دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ لَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَمَانِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة بل طَلْقَتَيْنِ وَقع الثَّلَاث لِأَن الِاسْتِدْرَاك لايتطرك إِلَى ماسبق إنشاؤه ويتطرق إِلَى الْأَخْبَار الثَّالَّةِ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة مَعَ طَلْقَة أَو مَعهَا طَلْقَة أَو تَحت طَلْقَة أَو تحتهَا طَلْقَة أَو فَوق طَلْقَة أَو فَوْقهَا طَلْقَة فَمُقْتَضى الْجَمِيع الْجمع بَين طَلْقَتَيْنِ فَيَقَع فِي الْمَدْخُول بهَا طَلْقَتَانِ وَفِي غير الْمَدْخُول بهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَقع ثِنْتَانِ لِأَن الْجمع مُمكن كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ وَالثَّانِي أَنه تقع وَاحِدَة لِأَن قَوْله طَلْقَة كَلَام تَامّ وَالْبَاقِي لَيْسَ تَفْسِيرا لَهُ بِخِلَاف قَوْله أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فَإِن الثَّلَاث تَفْسِير لطلاق وَلَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فطالق بَانَتْ بِالْأولَى ولغا قَوْله فطالق أَعنِي قبل الدُّخُول وَلَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَطَالِق فَهَل تقع ثِنْتَانِ عِنْد الدُّخُول فِيهِ وَجْهَان

وَوجه أَن الدُّخُول يَجْعَل كالجامع للطلقتين المذكورتين الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة قبل طَلْقَة أَو قبلهَا طَلْقَة أَو بعد طَلْقَة أَو بعْدهَا طَلْقَة ينفذ طَلْقَتَانِ فِي الدُّخُول بهَا وَلَكِن الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله طَلْقَة أَو مَضْمُون قَوْله قبلهَا طَلْقَة فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اللَّفْظ وَاللَّفْظ الأول قَوْله طَلْقَة وَفِي الثَّانِي ينظر إِلَى الْمَعْنى وَقَوله قبلهَا طَلْقَة وَإِن ذكره آخرا فقد قدمه بِالْمَعْنَى وَالْأَصْل اتِّبَاع الْمَعْنى فَيَقَع أَولا مضون قَوْله قبلهَا طَلْقَة وَكِلَاهُمَا يقعان بعد فَرَاغه من تَمام لَفظه فعلى هَذَا إِذا خَاطب بذالك غير الْمَدْخُول بهَا فَإِن قُلْنَا إِن الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله طَلْقَة وَقعت وَاحِدَة وَلم تعقبها الثَّانِيَة وَإِن قُلْنَا الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله قبلهَا طَلْقَة لم يتَصَوَّر أَن تقع تِلْكَ وَحدهَا وَلَا أَن يَقع بعْدهَا طَلْقَة فَيُؤَدِّي إِلَى الدّور فَقِيَاس مَذْهَب ابْن الْحداد أَنه لَا يَقع شيئ وَقِيَاس مَذْهَب أبي زيد أَنه يَلْغُو قَوْله قبلهَا طَلْقَة للبعد وَيبقى مَضْمُون قَوْله أَنْت طَالِق طَلْقَة فتنفذ وَاحِدَة

الْفَصْل الثَّالِث فِي الطَّلَاق بِالْحِسَابِ وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام الأول حِسَاب الضَّرْب فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِد فِي اثْنَتَيْنِ أَو اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَأَرَادَ الْحساب بطرِيق الضَّرْب حمل عَلَيْهِ وَإِن أَرَادَ الْجمع حمل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد يُرَاد بهَا مَعَ وَالِاحْتِمَال الْبعيد مَقْبُول فِي الْإِيقَاع وَإِن لم يقبل فِي نفي الطَّلَاق وَإِن أَرَادَ الظّرْف قبل وَلم يَقع مَا جعله ظرفا وَإِن أطلق فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يحمل على الْحساب لظُهُور ذَلِك فِي اللِّسَان وَالثَّانِي يحمل على الظّرْف لِأَنَّهُ يحتملها والتنزيل على الْأَقَل المستيقن أولى وَحكي قَول ثَالِث أَنه يَقع الثَّلَاث لتلفظه بِهِ وَهُوَ بعيد وَمهما كَانَ جَاهِلا لَا يفهم معنى الْحساب قطع الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّهُ لَا يحمل سِيَاقه على الْحساب فرع الْجَاهِل بِالْحِسَابِ إِذا قَالَ أردْت بذلك مَا يُرِيد الْحساب فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحْتَمل لإرادته

وَالثَّانِي لَا لِأَن إِرَادَة مَا لَا يفهم محَال وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ طلقت زَوْجَتي مِثْلَمَا طلق فلَان زَوجته وَهُوَ لَا يدْرِي ذَلِك وَمهما احْتمل فِي الْإِحْرَام أَن يَقُول أَهلَلْت بأهلال كإهلال فلَان وَهُوَ لَا يدْرِي فَلَا يبعد أَن يحْتَمل فِي الطَّلَاق الْقسم الثَّانِي تجزئة الطَّلَاق وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة أَو ربع طَلْقَة نقذ وكمل لَا بطرِيق السَّرَايَة بل بِأَن يَجْعَل الْبَعْض عبارَة عَن الْكل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثَة أَنْصَاف طَلْقَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا تقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ وَاحِدَة وَالثَّانِي أَنه تقع طَلْقَتَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلْقَة وَنصف وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله خَمْسَة أَربَاع أَو أَرْبَعَة أَثلَاث وَمَا يزِيد أجزاؤه على الواحده الثَّانِيَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق نصفي طَلْقَة فَالصَّحِيح أَنه تقع وَاحِدَة وَلَو قَالَ نصف طَلْقَتَيْنِ فَالصَّحِيح أَنه أَيْضا تقع وَاحِدَة لَا كَمَا لَو كَانَ فِي يَدهَا عَبْدَانِ فَقَالَ لفُلَان نصف الْعَبْدَيْنِ ثمَّ فسر بِأَحَدِهِمَا لم يقبل إِذْ نصف الِاثْنَيْنِ المتناسبين المطلقين وَاحِد أما الْمعِين فَإِنَّهُ لَا يتَّجه فِيهِ ذَلِك وَقد قيل تقع طَلْقَتَانِ وَإِن فسر بِوَاحِدَة يدين وَهل يقبل ظَاهرا قَالُوا فِيهِ وَجْهَان الثَّالِثَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق سدس وَربع وَثلث طَلْقَة فَهِيَ طَلْقَة وَاحِدَة وَلَو كرر الطَّلقَة

فَقَالَ سدس طَلْقَة وَربع طَلْقَة وَثلث طَلْقَة فَمنهمْ من أوقع ثَلَاث وَمِنْهُم من رد جَمِيع ذَلِك إِلَى طَلْقَة وَاحِدَة وَجعل تكراره للتَّأْكِيد الْقسم الثَّالِث فِي اشْتِرَاك نسْوَة فِي الطَّلَاق وَفِيه مسَائِل الأول لَو قَالَ لأَرْبَع نسْوَة أوقعت عليكن طَلْقَة وَاحِدَة طلقت كل وَاحِدَة طَلْقَة إِذْ يخص كل وَاحِدَة ربع طَلْقَة وَلَو قَالَ طَلْقَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَلَا تزيد كل وَاحِدَة على طَلْقَة مَا لم يزاوج الْأَرْبَع فَإِن قَالَ أوقعت عليكن خمس طلقات طلقت كل وَاحِدَة ثِنْتَيْنِ وَلَا تزيد إِلَى ثَمَانِيَة فَإِذا قَالَ تسع طلقات طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا أما إِذا قَالَ أوقعت بينكن طَلْقَة فَهُوَ كَقَوْلِه أوقعت عليكن إِن أطلق وَإِن أظهر تَفْسِيرا يُخَالف ذَلِك فَهَل يقبل فِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا أَنه يقبل كل مَا يبديه من تَخْصِيص وإضمار للاحتمال وَالثَّانِي أَنه لَا يقبل أصلا مَا يُخَالف الِاشْتِرَاك لِأَنَّهُ يصير الْكَلَام كالمستكره

الثَّالِث يقبل بِشَرْط أَن لَا تخرج وَاحِدَة مِنْهُنَّ عَن الطَّلَاق حَتَّى لَو قَالَ أوقعت بينكن ثَلَاث طلقات ثمَّ أَرَادَ تَخْصِيص زَيْنَب بطلقتين ويوزع وَاحِدَة على الْبَاقِيَات صَحَّ وَلَو أَرَادَ إِخْرَاج وَاحِدَة لم يجز الرَّابِع أَنه يقبل التَّخْصِيص والإخراج بِشَرْط أَن لَا يعطل طَلَاقا حَتَّى لَو قَالَ أوقعت بينكن أَربع طلقات ثمَّ خصص زَيْنَب حَتَّى تتعطل الرَّابِعَة لم يجز نعم يقبل فِي اخْتِصَاص ثَلَاث بهَا وَتبقى الرَّابِعَة فتتوزع على البواتي وَتطلق كل وَاحِدَة طَلْقَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ أوقعت عليكن سدس طَلْقَة وَربع طَلْقَة وَثلث طَلْقَة فَإِن قُلْنَا أَن هَذَا فِي الْوَاحِدَة مَحْمُول على ثَلَاث طلقات قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا إِذْ يوزع كل جُزْء على الْجَمِيع وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن ذَلِك كثلاث طلقات وَلَو أوقع بَينهُنَّ ثَلَاثًا لم تطلق كل وَاحِدَة إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة الثَّالِثَة إِذا قَالَ لثلاث نسْوَة أوقعت بينكن طَلْقَة ثمَّ قَالَ للرابعة أَشْرَكتك مَعَهُنَّ فَإِن لم ينْو لم يَقع شَيْء لِأَنَّهُ كِنَايَة وَإِن نوى الطَّلَاق وَلَكِن لم يخْطر بِبَالِهِ كَيْفيَّة الِاشْتِرَاك قَالَ الْقفال تقع عَلَيْهَا طَلْقَتَانِ لِأَن الشّركَة أَن يكون لَهَا نصف مَا لَهُنَّ ولهن ثَلَاث فنصفه وَاحِدَة وَنصف فتكمل طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ تقع وَاحِدَة لِأَن مُطلق الِاشْتِرَاك لَا ينبأ عَن مُسَاوَاة الشَّرِيكَيْنِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي الِاسْتِثْنَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَله شُرُوط ثَلَاثَة أَحدهَا أَنه لَا يسْتَغْرق الْمُسْتَثْنى عَنهُ وَالثَّانِي بِأَن يتَّصل بالمستثنى عَنهُ فَلَو انْفَصل وَلَو بِزَمَان يسير فَلم يَصح وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَصح الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل وَهُوَ بعيد وَالثَّالِث أَن يكون قصد الِاسْتِثْنَاء مَقْرُونا بِأول الْكَلَام فَإِن قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ بدا لَهُ مُتَّصِلا بالفراغ أَن يَقُول إِن شَاءَ الله قَالَ أَبُو بكر الْفَارِسِي هُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَعزا ذَلِك إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَقَالَ شَرطه اتِّصَال اللَّفْظ أما اقتران النِّيَّة فَلَيْسَ بِشَرْط وَكَلَام الْفَارِسِي أصح وَشرح هَذِه الْمسَائِل فِي فصلين

الْفَصْل الأول فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا وَقع الثَّلَاث وَبَطل الِاسْتِثْنَاء ولاستغراقه وتناقضه وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجمع اسْتِثْنَاؤُهُ وَيجْعَل مُسْتَغْرقا فَيبْطل وَوَقع الثَّلَاث وَالثَّانِي أَن الِاسْتِغْرَاق وَقع بقوله وَاحِدَة فيلغى هَذَا الْقدر وَيعْتَبر الْبَاقِي وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة فَإِن جمع الْمُسْتَثْنى عَنهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاء وَإِن فرق بَطل وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَة وَوَاحِدَة ووواحدة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة وَقع الثَّلَاث على الْوَجْهَيْنِ لِأَن من جمع جمع من الْجَانِبَيْنِ وَمن فرق فَكَذَلِك وَهُوَ مُسْتَغْرق بِكُل حَال الثَّانِيَة الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء صَحِيح وَمَعْنَاهُ نقيض الْمُسْتَثْنى عَنهُ فَهُوَ من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات نفي فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَة مَعْنَاهُ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَا تقع إِلَّا وَاحِدَة من الاثنتين تقع فَتَقَع اثْنَتَانِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالقا ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تقع الثَّلَاث لِأَن الأول مُسْتَغْرق فلغا والأخير اسْتثِْنَاء من لاغ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَنه يَقع وَاحِدَة لِأَن الْكَلَام بِآخِرهِ وَقد أخرجه عَن

الِاسْتِغْرَاق بالاستدراك وَالثَّالِث أَن الِاسْتِثْنَاء الأول يَلْغُو وَيصير الْأَخير اسْتثِْنَاء عَن الأول وَهَذَا تحكم فَاسد الثَّالِثَة قَالَ ابْن الْحداد إِذا قَالَ أَنْت طَالِق خمْسا إِلَّا ثَلَاثًا وَقعت ثِنْتَانِ وَكَأَنَّهُ زَاد لَهُ وسع الِاسْتِثْنَاء وَمِنْهُم من قَالَ الْخمس كالثلاث وَالِاسْتِثْنَاء مُسْتَغْرق فَيبْطل وَلَا نظر إِلَى الزِّيَادَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أَربع إِلَّا اثْنَتَيْنِ فعلى مَذْهَب ابْن الْحداد تقع اثْنَتَانِ وعَلى الْوَجْه الآخر تقع وَاحِدَة وَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا نصف طَلْقَة وَقعت ثَلَاث لِأَنَّهُ أبقى النّصْف فيكمل وَفِيه وَجه أَن اسْتثِْنَاء النّصْف كاستثناء الْكل كَمَا أَن إِيقَاع النّصْف كإيقاع الْكل

الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّعْلِيق على بِالْمَشِيئَةِ وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله أَو أَنْت حرَّة إِن شَاءَ الله لم يَقع الطَّلَاق وَالْعِتْق لِأَن مَشِيئَة الله غيب لَا يدرى فَصَارَ الْوَصْف الْمُعَلق بِهِ مَجْهُولا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يَقع الطَّلَاق وَيَقَع الْعتْق وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي إِن شَاءَ الله أَنه يكون مُظَاهرا فَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا فِي الطَّلَاق وَسَائِر الْعُقُود وَمِنْهُم من فرق بِأَن الظِّهَار إِخْبَار وَتَعْلِيق الْإِخْبَار بِالْمَشِيئَةِ لَا يَصح وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة إِن شَاءَ الله تلْزمهُ الْعشْرَة والإنشاء يحْتَمل التَّعْلِيق وَمِنْهُم من سوى بَين الْعُقُود وَالْإِقْرَار وَجوز الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ فِي الْجَمِيع وَعَلِيهِ التَّفْرِيع الثَّانِيَة إِن قَالَ يَا طَالِق إِن شَاءَ الله الظَّاهِر أَنه يَقع لِأَن الِاسْتِثْنَاء عَن الِاسْم لَا يَنْتَظِم إِنَّمَا يَنْتَظِم الْإِنْشَاء وَفِيه نظر لِأَن هَذَا الِاسْم مَعْنَاهُ الْإِنْشَاء فَلذَلِك قَالَ بَعضهم إِنَّه لَا يَقع شَيْء

أما إِذا قَالَ يَا طَالِق أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن شَاءَ الله انْصَرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى الثَّلَاث وَوَقعت وَاحِدَة بقوله يَا طَالِق الثَّالِثَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا يَا طَالِق إِن شَاءَ الله قَالَ الْأَصْحَاب لَا يَقع شَيْء لِأَن قَوْله يَا طَالِق لَا يعْمل الِاسْتِثْنَاء فِيهِ تَفْرِيعا على ظَهره وَيرجع الِاسْتِثْنَاء إِلَى الثَّلَاث وتخلل قَوْله يَا طَالِق لَا يدْفع الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ من جنس الْكَلَام وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق ثَلَاثًا يَا حَفْصَة إِن شَاءَ الله الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن لم يَشَأْ الله أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله فموجب اللَّفْظَيْنِ وَاحِد وَمَعْنَاهُ التَّعْلِيق بِعَدَمِ الْمَشِيئَة وكما لَا تعرف الْمَشِيئَة لَا يعرف عدمهَا فَقِيَاس ذَلِك أَن يَقع الطَّلَاق وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بل هَاهُنَا أولى لِأَنَّهُ علق على محَال إِذْ يَسْتَحِيل أَن يَقع الطَّلَاق بِخِلَاف مَشِيئَة الله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن صعدت السَّمَاء وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يحْتَمل أَن يُقَال يَقع بِخِلَاف التَّعْلِيق بالصعود لِأَن الصعُود مُمكن فِي نَفسه وَالطَّلَاق بِخِلَاف الْمَشِيئَة محَال فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع وَحكى عَن القَاضِي أَنه اخْتَار وُقُوع الطَّلَاق هَاهُنَا وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ إِن قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا إِن اجْتمع السوَاد وَالْبَيَاض لم يَقع لِأَنَّهُ تَعْلِيق بمحال فَكَذَلِك قَوْله إِن خَالف طَلَاقك مَشِيئَة الله فَإِنَّهُ أَيْضا محَال وَنعم يحْتَمل لَهُ مَأْخَذ آخر وَهُوَ أَنه لَو قَالَ إنت طَالِق إِن لم يدْخل زيد الدَّار فَدخل لم يَقع فَإِن مَاتَ زيد قبل الدُّخُول تبين وُقُوعه وَقت الطَّلَاق فَإِن مَاتَ وأشكل الدُّخُول فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يَقع لِأَن الأَصْل عدم الْوُقُوع وَالثَّانِي أَنه يَقع لِأَنَّهُ نجز الطَّلَاق واستثناه وَلم يثبت الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا الْوَجْه أظهر فِي

قَوْله أَنْت طَالِق إِلَّا أَن يدْخل زيد الدَّار فَإِن هَذِه صِيغَة الِاسْتِثْنَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين الصيغتين فعلى هَذَا لَا يبعد أَن يُقَال مَشِيئَة الله مستثنية فَيَقَع الطَّلَاق لذَلِك فَهَذَا وَجهه الْمُتَكَلف وَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع إِذْ لَو وَقع لَكَانَ الله قد شَاءَ وُقُوعه وَهُوَ إِنَّمَا علق الطَّلَاق بِعَدَمِ الْمَشِيئَة إِلَّا أَنه إِذا لم يَقع تبين أَن الله لم يَشَأْ فقد تحقق الْوَصْف الَّذِي علق عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يَقع ثمَّ بالوقوع يَنْتَفِي الْوَصْف فَالشَّرْط وَالْجَزَاء هَاهُنَا متضادان لَا يَجْتَمِعَانِ ومنشأ بَدو النّظر أَن التَّعْلِيق على هَذَا الْوَجْه هَل يَصح وَلَيْسَ كَمَا إِذا علق باجتماع السوَاد وَالْبَيَاض لَان التضاد بَين السوَاد وَالْبَيَاض لابين الِاجْتِمَاع وة الطَّلَاق فَلَا تضَاد بَين الْجَزَاء وَالشّرط ويستمد هَذَا من مَسْأَلَة الدّور فَإِن قَوْله لغير الْمَدْخُول بهَا إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله فِيهِ تضَاد بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فألغاه أَبُو زيد لذَلِك واعتبره ابْن الْحداد وَهَذِه الْمَسْأَلَة تلْتَفت إِلَيْهِ فَإِن قيل إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله مَا معنى التَّرَدُّد فِي مَشِيئَة ومشيئته قديمَة لَا يتَرَدَّد فِيهَا فَإِن أُرِيد تعلقهَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُرَاد تعلقهَا بِلَفْظ الطَّلَاق أَو بحكمة فَإِن أُرِيد بِاللَّفْظِ فقد شَاءَ اللَّفْظ لِأَنَّهُ قد جرى وَإِن أُرِيد الحكم فَالْحكم قديم والإرادة لَا تتَعَلَّق بالقديم لِأَن الحكم كَلَام الله تَعَالَى فَنَقُول مَعْنَاهُ مَشِيئَة حكم الطَّلَاق والمشيئة قديمَة وَلَكِن المُرَاد أَن يحدث لَهَا عِنْد الْحُدُوث تعلق بالإرادة الْقَدِيمَة وَإِن كَانَ لَهَا قبل الْحُدُوث نوع تعلق على وَجه آخر وَذَلِكَ التَّعَلُّق المتجدد مَشْكُوك فِيهِ وَأما قَوْله الحكم قديم فَلَا يُرَاد فَهُوَ كَذَلِك وَلَكِن مصير الْمَرْأَة مُحرمَة وصف حَادث يَسْتَدْعِي تعلقا جَدِيدا للْكَلَام الْقَدِيم بِهِ فللخطاب الْقَدِيم تعلقات متجددة كَمَا للإرادة وَالْأَحْكَام تبنى على التعليقات المتجددة لَا على الأَصْل الْقَدِيم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي الشَّك وَفِي الطَّلَاق وَفِي مَحَله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الشَّك فِي الطَّلَاق فصورته أَن يتَرَدَّد فِي أَنه هَل طلق أم لَا فَالْأَصْل أَن لَا طَلَاق فنأخذ بالاستصحاب كَمَا إِذا تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث لِأَنَّهُ لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِي الطَّلَاق وَالْحَدَث والاستصحاب يَكْفِي وَلَيْسَ ذَلِك كَطَلَاق يخْتَلف فِيهِ الْفُقَهَاء فَإِنَّهُ لَا يَجْعَل مشكوكا بل يجب الِاعْتِمَاد على مَا يَقْتَضِيهِ الِاجْتِهَاد وَكَذَلِكَ إِذا طَار طَائِر فَقَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فامرأتي طَالِق وَشك لم يَقع الطَّلَاق إِلَّا إِذا تبين أَنه غراب فَلَو قَالَ آخر وَإِن لم يكن غرابا فامرأتي طَالِق لم يَقع طَلَاقه أَيْضا لِأَنَّهُ لَو تفرد بِهِ لم يَقع فَتقدم غَيره لَا يُفَسر حكمه أما إِذا كَانَ لَهُ زوجتان فَقَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فعمرة طَالِق وَإِن لم يكن فزينب طَالِق حرمت وَاحِدَة وَعَلِيهِ أَن يجتنبها لِأَنَّهُ اتَّحد الشَّخْص فَيحصل الْيَقِين فِي حَقه فرع لَو جرى ذَلِك فِي عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ فَلِكُل وَاحِد أَن يتَصَرَّف فِي عَبده فَلَو اشْترى أحدهم العَبْد الآخر حَتَّى اجْتمعَا فِي ملكه حجر عَلَيْهِ فِيمَا إِلَى أَن يتَبَيَّن وَفِيه وَجه أَنه يخْتَص الْحجر بالمشتري لِأَن الأول كَانَ يتَصَرَّف فِيهِ فَلَا يَنْقَلِب حكمه بشرَاء الآخر وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَلَو بَاعَ الأول ثمَّ اشْترى الثَّانِي فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهُ التَّصَرُّف فِي الثَّانِي لِأَن تيك وَاقعَة قد انْقَضتْ فَهُوَ كَمَا لَو صلى صَلَاة إِلَى جِهَة ثمَّ تغير اجْتِهَاده إِلَى جِهَة أُخْرَى صلى لجِهَة أُخْرَى وَلم يقْض الأولى وَيحْتَمل خِلَافه لِأَن الِاسْتِصْحَاب ضَعِيف بالاضافة إِلَى

الِاجْتِهَاد وَأما إِذا شكّ فِي مَحل الطَّلَاق كَمَا إِذا طلق وَاحِدَة مِنْهُمَا ثمَّ نسي فَعَلَيهِ التَّوَقُّف إِلَى التَّذَكُّر وَلَو قَالَ لزوجته وأجنبية إِحْدَاكُمَا طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت الْأَجْنَبِيَّة فَهَل يقبل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهَا لَيست محلا لطلاقه وَالثَّانِي نعم وَهُوَ الأضهر لِأَن اللَّفْظ مُبْهَم فعلى هَذَا يُرَاجع حَتَّى يعين وَلَو قَالَ لزوجتين إِحْدَاكُمَا طَالِق طُولِبَ بِالتَّعْيِينِ فَإِن كَانَ قد نوى وَاحِدَة مُعينَة طُولِبَ بالكشف وَالصَّحِيح أَن عدتهَا من وَقت الْإِبْهَام وَإِن لم ينْو طُولِبَ بِتَعْيِين وَاحِدَة للوقوع فَإِذا عين فَيَقَع الطَّلَاق بِالتَّعْيِينِ أَو يتَبَيَّن وُقُوعه بالإبهام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَقع بالإبهام وَالتَّعْيِين أَو يتَبَيَّن وُقُوعه بالإبهام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَقع بالإبهام وَالتَّعْيِين كالبيان لَهُ والتنصيص على مَحَله فتحسب الْعدة من ذَلِك الْوَقْت على الصَّحِيح كَمَا إِذا نوى الثَّانِي أَنه يَقع بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّهُ لَو وَقع قبله لوقع على غير مَحل فَإِنَّهُ بَين الْمحل الْآن وَلَكِن لما أوقع من غير بَيَان مَحل ألزمناه بِبَيَان الْمحل ثمَّ فِي التَّعْيِين نظر فِي حَالَة الْحَيَاة وَبعد الْمَوْت النّظر الأول فِي الْحَيَاة وَفِيه مسَائِل الأولى أَنه يلْزمه التَّعْيِين وَيُطَالب بِهِ وَيجب على الْفَوْر كَمَا لَو أسلم على عشر نسْوَة ويعصى بِالتَّأْخِيرِ وَلَو أبهم طَلْقَة رَجْعِيَّة فَفِي وجوب التَّعْيِين فِي الْحَال وَجْهَان لِأَن التَّحْرِيم قد حصل وَلَكِن النجاح لم يَنْقَطِع

الثَّانِيَة أَنه يلْزمه نقتهما قبل التَّعْيِين وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَكَذَلِكَ إِن نوى وَاحِدَة وَلَكِن لم يبين وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة الْغُرَاب إِلَى أَن يتَبَيَّن لِأَن حجر النِّكَاح مطرد فَلَا بُد من النَّفَقَة الثَّالِثَة إِذا وطئ إِحْدَاهمَا فَإِن قُلْنَا إِن الطَّلَاق يَقع بِالتَّعْيِينِ لم يكن ذَلِك تعينا وَإِن قُلْنَا إِنَّه كالبيان فَلَا يبعد أَن يَجْعَل ذَلِك بَيَانا للمنكوحة وَكَذَلِكَ الْخلاف إِذا وطئ إِحْدَى أمتيه وَقد أبهم الْعتْق بَينهمَا وَحَيْثُ جعلنَا الْوَطْء تعيينا فَلَا مهر لَهَا وَإِن لم نجعله تعيينا فعين الْأُخْرَى للنِّكَاح فَفِي وجوب الْمهْر وَجْهَان يبتنيان على وَقت وُقُوع الطَّلَاق الرَّابِعَة إِذا ماتتا أَو إِحْدَاهمَا لم تسْقط الْمُطَالبَة بِالتَّعْيِينِ لأجل الْمِيرَاث وَهَذَا يُؤَيّد قَوْلنَا إِن الطَّلَاق يَقع بالإبهام وعَلى الْوَجْه الآخر اخْتلفُوا وَمِنْهُم من قَالَ هَاهُنَا للضَّرُورَة يحمل التَّعْيِين على الْبَيَان لَا على الْإِيقَاع وَمِنْهُم من قَالَ نتبين وُقُوع الطَّلَاق على الْمعينَة قبيل مَوتهَا وَهَذَا كَمَا نقُول فِي الْمَبِيع إِذا تلف فإننا نتبين الِانْفِسَاخ قبيل التّلف للضَّرُورَة الْخَامِسَة فِي صِيغ التَّعْيِين وَفِيه صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَقُول نويتهما جَمِيعًا فَلَا يَقع عَلَيْهِمَا لِأَن اللَّفْظ لَا يحْتَملهُ وَلكنه إِقْرَار لَهما بِالطَّلَاق فَلِكُل وَاحِدَة مؤاخذته بذلك وَلَو قَالَ أردْت هَذِه ثمَّ هَذِه قَالَ القَاضِي تطلق الأولى دون الثَّانِيَة لِأَن لَفظه لَا يحْتَمل الْجمع وَقَالَ الإِمَام الْوَجْه أَن يكون إِقْرَارا للثَّانِيَة أَيْضا ويلغى قَوْله ثمَّ كَمَا إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لزيد ثمَّ لعَمْرو فَإِن لعَمْرو مؤاخذته وَلَو قَالَ أردْت هَذِه بعد هَذِه فَعِنْدَ القَاضِي يَقع على الثَّانِيَة لِأَنَّهَا مُقَدّمَة فِي الْمَعْنى وَإِن تَأَخَّرت فِي الذّكر وعَلى مَذْهَب الإِمَام يُؤَاخذ بهما الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يبهم طَلَاقا بَين ثَلَاث نسْوَة ثمَّ يجلس اثْنَتَيْنِ فِي جَانب وَالثَّالِثَة فِي جَانب ثمَّ قَالَ أردْت هَذِه ووقف قَلِيلا ثمَّ قَالَ أَو هَذِه فَنَقُول لم يرفع الْإِبْهَام فَلَو عين الثَّالِثَة تعيّنت الأخيرتان للنِّكَاح وَلَو عين إِحْدَاهمَا شاركتها صاحبتها لِأَنَّهُ جمعهَا

إِلَيْهِ فِي الْإِقْرَار بقوله هَذِه أَو هَذِه وَإِنَّمَا تعين للشَّرِكَة صاحبتها لوقفته بالصيغة فَلَو قَالَ على السرد هَذِه أَو هَذِه وَهَذِه احْتمل أَن تكون الثَّالِثَة شريكة الأولى وشريكة الثَّانِيَة وَيرجع إِلَيْهِ وَيقبل فِي ذَلِك قَوْله هَذَا كُله إِذا كَانَ قد نوى أما إِذا أبهم الطَّلَاق من غير نِيَّة فطالبناه فَقَالَ عينت هَذِه أَو هَذِه فبلغو قَوْله فَلَو قَالَ عينت هَذِه وَهَذِه تعيّنت الأولى ولغا قَوْله فِي الثَّانِيَة لِأَنَّهُ لَيْسَ إِقْرَارا حَتَّى يُؤَاخذ بِهِ هَل هُوَ إنْشَاء وَلَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ إنْشَاء إِذا لم يسْبق لفظ صَالح للْجَمِيع الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي النزاع وَلها ثَلَاث صور إِحْدَاهَا لَو كَانَ قد نوى فادعت وَاحِدَة أَنه أرادها وَأنكر فَالْقَوْل قَوْله فَإِن نكل حَلَفت وتعينت للطَّلَاق بِيَمِينِهَا وتعينت الْأُخْرَى بِإِقْرَار الزَّوْج لَهَا حَيْثُ أنكر الثَّانِيَة وَالصُّورَة الثَّانِيَة أَن يكون قد طلق وَاحِدَة مُعينَة مِنْهُمَا لكنه نسي فَقَالَت وَاحِدَة طلقتنى فَلَا يقبل قَول الزَّوْج نسيت بل عَلَيْهِ أَن يحلف على الْبَتّ أَنه مَا طَلقهَا فَإِن نكل حَلَفت على الْبَتّ وَحكم لَهَا وَلَو قبلنَا يَمِين الرجل عَليّ نفي الْعلم وَالنِّسْيَان للَزِمَ فِي الاستقراض وَسَائِر الدَّعَاوَى الصُّورَة الثَّالِثَة فِي مَسْأَلَة الْغُرَاب إِذا قَالَت وَاحِدَة أَنه إِذا كَانَ غرابا فَأَنا طَالِق فَأنْكر الزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يحلف على الْبَتّ أَنه لم يكن غرابا أَو ينكل حَتَّى تحلف على الْبَتّ أَنه كَانَ غرابا

وَلَو علق دُخُولهَا أَو دُخُول غَيرهَا فتنازعا اكْتفى مِنْهُ بِيَمِين على نفي الْعلم بِالدُّخُولِ هَكَذَا قَالَه إمامي وَلَيْسَ يتَبَيَّن لي فرق بَينهمَا أصلا بل يَنْبَغِي أَن يُقَال عَليّ يَمِين جازمة أم نُكُول فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا

النّظر الثَّانِي فِيمَا بعد الْمَوْت وَفِيه ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا إِذا مَاتَا جَمِيعًا فَعَلَيهِ التَّعْيِين فَإِن كَانَ قد نوى بقبله فَبين للْوَارِث تَحْلِيفه لأجل الْمِيرَاث وَإِن لم يكن قد نوى فعين لم يكن لَهُم التَّحْلِيف لِأَنَّهُ إنْشَاء مَنُوط بِاخْتِيَارِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينحسم التَّعْيِين بِالْمَوْتِ وَللزَّوْج نصف حَقه من مِيرَاث كل وَاحِدَة الثَّانِيَة أَن يَمُوت الزَّوْج أَيْضا فَهَل للْوَارِث التَّعْيِين نظر فَإِن كَانَتَا فِي الْحَيَاة فَيُوقف مِيرَاث كل وَاحِدَة بَينهمَا حَتَّى يصطلحا وَلَيْسَ لوَارث الزَّوْج التَّعْيِين وَإِن مَاتَت إِحْدَاهمَا ثمَّ مَاتَ الزَّوْج ثمَّ مَاتَت الْأُخْرَى فَإِن عين الْوَارِث الأولى للطَّلَاق فَهُوَ مقرّ على نَفسه إِذْ حرم مُوَرِثه عَن الْمِيرَاث فَيقبل وَإِن عين الْأَخِيرَة ليحرمها عَن مِيرَاث مُوَرِثه وليجوز مِيرَاث الأولى فَهَذَا مَحل غَرَضه فَفِي تَعْيِينه ثَلَاثَة أَقْوَال أحدث أَنه يقبل لِأَنَّهُ خَليفَة الْمُورث فِي خِيَار الشُّفْعَة وَغَيره فَكَذَلِك فِي هَذِه وَالثَّانِي أَنه لَا أثر لَهُ لِأَن حُقُوق النِّكَاح لَا تورث وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ إِن الزَّوْج قد نوى هَذِه فَلهُ ذَلِك فَلَعَلَّهُ سَمعه أَو فهمه بِقَرِينَة وَإِن قَالَ لم ينْو وَلكنه أَرَادَ إنْشَاء التَّعْيِين لم يجز لِأَن هَذَا إِلَى الزَّوْج وَكَذَا الْخلاف فِي تعْيين الْوَارِث إِذا أبهم الْعتْق بَين عَبْدَيْنِ وَمَات لِأَن للْوَارِث غَرضا فِيهِ والعراقيون أرْسلُوا ذكر قَوْلَيْنِ فِي أَن الْوَارِث هَل يعين حَيْثُ يعين الزَّوْج لَو كَانَ حَيا وَلم يفرقُوا بَين أَن يكون لَهُ غَرَض أَو لَا غَرَض لَهُ وَهَذَا التَّفْصِيل ذكره الْقفال وَهُوَ أحسن

الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فزوجتي طَالِق وَإِن لم يكن غرابا فَعَبْدي حر فيحجر عَلَيْهِ فيهمَا جَمِيعًا لِأَن الْمَالِك مُتحد وَإِن كَانَ الْجِنْس مُخْتَلفا فَإِن مَاتَ قبل التَّعْيِين فَهَل للْوَارِث التَّعْيِين فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي الْقطع بِأَن لَا يعين لِأَن لللقرعة مدخلًا لِلْعِتْقِ فَهُوَ أولى من التَّعْيِين وَإِن لم يكن لَهَا مدْخل فِي الطَّلَاق وَإِذا وَقع الْإِبْهَام فِي مَحْض الإرقاق فَلَا خلاف فِي أَن الْمُحكم للقرعة فعلى هَذَا لَو أقرعنا فَخرج على الرَّقِيق عتق وتعينت الْمَرْأَة للنِّكَاح وورثت وَإِن خرج على الْمَرْأَة لم تطلق لِأَن الْقرعَة لَا تُؤثر فِي الطَّلَاق وَلَكِن هَل يتَعَيَّن الرَّقِيق للرق فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْقرعَة إِن قصرت عَن حكم الطَّلَاق فتستعمل فِي الرّقّ وَالْعِتْق وَالثَّانِي لَا لِأَن تَعْيِينه للرق فرع تعْيين الْمَرْأَة للطَّلَاق بِالْقُرْعَةِ فَإِذا لم تعْمل الْقرعَة فِي محلهَا كَيفَ تعْمل فِيمَا يثبت ضمنا لَهُ فعل هَذَا يبْقى الْإِبْهَام إِذْ كُنَّا نتوقع بِالْقُرْعَةِ بَيَانا فَلم يحصل

الشّطْر االثاني من الْكتاب فِي التعليقات وَالنَّظَر فِيهِ فِي فُصُول مُطَوَّلَة وَفِي فروع مُتعَدِّدَة موجزة فلنقدم الْفُصُول وَهِي سِتَّة الْفَصْل الأول فِي التَّعْلِيق بالأوقات وَهِي أَرْبَعَة النَّوْع الأول فِي التَّعْلِيق بمجيء وَقت منتظر وَصِيغَة التَّعْلِيق إِن وَفِي مَعْنَاهُ إِذا فَلَا فرق بَين أَن يَقُول إِن طلعت الشَّمْس أَو إِذا طلعت الشَّمْس أَو إِن دخلت الدَّار أَو إِذا دخلت الدَّار فَالْكل تَعْلِيق وَقَالَ مَالك رَحمَه الله إِذا علق بِمَا يستيقن وُقُوعه كطلوع الشَّمْس وَقع فِي الْحَال وَهُوَ ضَعِيف فَنَقُول لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي أول شهر رَمَضَان طلقت كَمَا أهل الْهلَال مَقْرُونا بِأول جُزْء مِنْهُ وَلَا نقُول إِن فِي للظرف فَيَقْضِي وقتا محتوشا بوقتين من شهر رَمَضَان بل لَا يشْعر بالانطباق عَلَيْهِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي شهر رَمَضَان فكمثل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي يَوْم السبت طلقت مَعَ طُلُوع الْفجْر وَلَو قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقع فِي آخر النَّهَار وَآخر الشَّهْر التفاتا إِلَى أَن الْوُجُوب الْمُعَلق

بِوَقْت موسع يسْتَقرّ فِي آخِره وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي آخر شهر رَمَضَان طلقت فِي آخر جُزْء مِنْهُ وَفِيه وَجه آخر أَنَّهَا تطلق فِي أول جُزْء من لَيْلَة السَّادِس عشر لِأَن النّصْف الْأَخير كُله آخر الشَّهْر وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي أول آخر الشَّهْر طلقت فِي أول يَوْم الْأَخير على وَجه وَفِي أول نصف الْأَخير على وَجه وَلَو قَالَ فِي آخر أول هَذَا الشَّهْر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه آخر النّصْف الأول وَالثَّانِي أَنه آخر اللَّيْلَة الأولى وَالثَّالِث أَنه آخر يَوْم الأول وَلَو قَالَ فِي سلخ الشَّهْر فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه آخر جُزْء من الشَّهْر إِذْ بِهِ الانسلاخ وَالثَّانِي أَنه أول الْيَوْم الْأَخير وَالثَّالِث أَنه أول جُزْء من الشَّهْر لِأَنَّهُ مِنْهُ يَأْخُذ فِي الانسلاخ وَهَذَا رَكِيك

وَلَو قَالَ عِنْد انسلاخ الشَّهْر لم يتَّجه إِلَّا فِي آخر جُزْء من الشَّهْر النَّوْع الثَّانِي التَّعْلِيق بِمُضِيِّ الْأَوْقَات فَلَو قَالَ إِذا مضى يَوْم فَأَنت طَالِق وَهُوَ با اللَّيْل فَيَقَع مَعَ الْغُرُوب من الْغَد وَإِن كَانَ بِالنَّهَارِ فَإلَى أَن يعود النَّهَار إِلَى مثل وقته وَلَو قَالَ إِذا مَضَت السّنة فَتطلق مَعَ استهلال الْمحرم وَإِن لم يكن قد بَقِي إِلَّا يَوْم وَلَو قَالَ إِذا مَضَت سنة فَلَا بُد من اثْنَي عشر شهرا من وَقت الْيَمين وَيَكْفِي الْأَشْهر الْعَرَبيَّة لَكِن الشَّهْر الَّذِي هُوَ فِيهِ إِذا كَانَ فِي وَسطه يكمل ثَلَاثِينَ من آخر السّنة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا انْكَسَرَ شهر انْكَسَرَ جَمِيع الشُّهُور لِأَنَّهُ لَا بُد من التوالي النَّوْع الثَّالِث التَّعْلِيق بِالزَّمَانِ الْمَاضِي فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق بالْأَمْس قصدت الْآن إِيقَاع الطَّلَاق بالْأَمْس قُلْنَا هَذَا محَال لِأَن حكم اللَّفْظ لَا يتَقَدَّم على اللَّفْظ وَهل يَقع فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن حكم لَفظه لَو تحقق شَمل الْوَقْت الْحَاضِر فَينفذ فِي الْقدر الْمُمكن وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَن هَذَا لَغْو من الْكَلَام فَلَا يَقع بِهِ شيئ وَلَو قَالَ أوقعت الْآن طَلْقَة ينتشر حكمهَا إِلَى الأمس لِأَنَّهُ محَال وَالثَّانِي هُوَ اخْتِيَار الرّبيع أَنه لَا يَقع لِأَنَّهُ أوقع مَا يَتَّصِف بِهَذِهِ الصّفة وَمَا وَصفه بِهِ فَهُوَ محَال فَلَا يَقع شيئ وَترجع حَقِيقَة الْخلاف إِلَى أَنه إِذا وصف الطَّلَاق بِوَصْف جعل محالا يلغى أصل الطَّلَاق أَو الْوَصْف وَاسْتدلَّ الرّبيع بقوله أَنْت طَالِق إِن أَحييت مَيتا أَو صعدت السَّمَاء فَإِنَّهُ لَا يَقع فَاخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ على ثَلَاثَة أوجه

مِنْهُم من وَافقه وَمِنْهُم من قَالَ يَقع فِي مَسْأَلَة الصعُود والإحياء وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع عَلَيْك وَمِنْهُم من فرق بَين الْإِحْيَاء والصعود وَقَالَ الْإِحْيَاء محَال من الْمَخْلُوق فَهُوَ كَقَوْلِه طَلَاقا لَا يَقع عَلَيْك وَأما الصعُود فممكن فِي نَفسه وَالصَّحِيح أَن هَذِه التعليقات صَحِيحَة وَالْمَقْصُود الإبعاد كَقَوْلِه تَعَالَى {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} وَأما قَوْله طَلَاقا لَا يَقع فَهُوَ متناقض فِي ذَاته وَقَوله طَلَاقا ينعكس حكمه على مَا مضى لَيْسَ بمتناقض لكنه مُخَالف حكم الشَّرْع فينقدح فِيهِ التَّرَدُّد وَلَا بَأْس بِمَا ذكره الرّبيع فِيهِ وَلَو قَالَ إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت طَالِق قبله بِشَهْر صَحَّ فَإِن مَاتَ قبل مُضِيّ الشَّهْر لم يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّقْدِيم على اللَّفْظ وَلَو مَاتَ بعد شهر تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبله بِشَهْر وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قبل قدوم زيد وَقبل دُخُول الدَّار بِشَهْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسْتَند الطَّلَاق فِي الْمَوْت دون الْقدوم وَالدُّخُول وَهُوَ تحكم وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أمس غَدا أَو غَدا أمس وَقع فِي الْحَال لِأَن الْيَوْم هُوَ أمس غَدا وَغدا أمس وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي السّنة الْمَاضِيَة وَلم يبين فَالظَّاهِر الحكم بِالطَّلَاق لِأَن ظَاهره الْإِقْرَار بِوُقُوع الطَّلَاق وَلَو قَالَ أردْت أَو زوجا آخر طَلَّقَك أَو طَلقتك أَنا فِي نِكَاح آخر ثمَّ جددت فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة قبل وَإِلَّا حكم بِالطَّلَاق فِي الْوَقْت وَلَو قَالَ أردْت طَلْقَة رَجْعِيَّة فَيقبل لِأَنَّهُ تَقْرِير للطَّلَاق فِي هَذَا النِّكَاح

النَّوْع الرَّابِع التَّعْلِيق بتكرير الْأَوْقَات وَفِيه مَسْأَلَتَانِ أَحدهمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل سنة طَلْقَة طلقت طَلْقَة وَاحِدَة فِي الْحَال وَوَاحِدَة فِي أول محرم السّنة الثَّانِيَة إِن أَرَادَ السنين الْعَرَبيَّة وَالثَّالِثَة فِي أول محرم السّنة الثَّالِثَة إِن بقيت الْعدة وَإِن لم يرد السّنة الْعَرَبيَّة فَلَا تقع الثَّانِيَة مَا لم تنقض سنة كَامِلَة من الأولى وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ على حسب الِاحْتِمَالَيْنِ فَلَو أَبَانهَا ثمَّ جدد النِّكَاح فِي وسط الثَّانِيَة وَقُلْنَا بِعُود الْحِنْث طلقت كَمَا نَكَحَهَا وَإِن كَانَ أول السّنة قد مَا فَاتَ لِأَن جَمِيع السّنة وَقت وَإِنَّمَا عجلنا فِي أول السّنة عِنْد دوَام النِّكَاح لمصادفة الْوَقْت الثَّانِيَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل يَوْم طَلْقَة طلقت طَلْقَة فِي الْحَال وَوَقعت الثَّانِيَة صَبِيحَة الْيَوْم الثَّانِي فَلَو قَالَ لَو أردْت أَن يَتَخَلَّل بَين كل طلاقين يَوْم كَامِل فيدين بَاطِنا وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا يُخَالف السّنة لِأَن الْيَوْم مُقَدّر مَحْصُور لَا يُوجب الْحساب تداخله كَمَا يُوجب تدَاخل السنين

الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّعْلِيق بالتطليق ونفيه وَفِيه ثَلَاثَة صِيغ الأولى أَن يَقُول إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق فَإِذا قَالَ ذَلِك بعد الدُّخُول فمهما طَلقهَا وَاحِدَة طلقت طَلْقَة أُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ وَلَا يخْتَص ذَلِك بِالْمَجْلِسِ كَقَوْلِه مَتى مَا وَمهما وَإِذا فَكل ذَلِك لَا يَقْتَضِي فَوْرًا إِلَّا إِذا علق على مشيئتها أَو بإعطائها مَالا فَيخْتَص بِالْمَجْلِسِ لاقْتِضَاء الْقَرِينَة لَا للفظ وَأما قبل الدُّخُول فَلَا تقع الطَّلقَة الْمُعَلقَة لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأولَى وَلذَلِك نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو خَالعهَا لم يَقع الطَّلَاق الْمُعَلق لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْخلْعِ فَلَا يلْحقهَا طَلَاق وَقد ظن أَكثر الْأَصْحَاب أَن هَذَا يدل على أَن الْجَزَاء يَتَرَتَّب على الشَّرْط وَيَقَع بعده لِأَنَّهُ لوقع مَعَه لوقع قبل الدُّخُول وَيكون كَمَا لوقال أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ وَيشْهد لهَذَا أَيْضا أَنه لَو قَالَ لغانم مهما أَعتَقتك فسالم حر ثمَّ أعتق غانما فِي الْمَرَض وَالثلث لَا يَفِي بهما لم يعْتق من سَالم شَيْء بِخِلَاف مَا لَو أعتقهما جَمِيعًا فَإِنَّهُ يقرع بَينهمَا وَالصَّحِيح أَن الْجَزَاء مَعَ الشَّرْط لِأَن الشَّرْط جعل عِلّة بِالْوَضْعِ فَهُوَ كالعلة الْحَقِيقِيَّة والمعلول مَعَ الْعلَّة وَإِن كَانَ بَينهمَا تَرْتِيب عَقْلِي فِي السَّبَبِيَّة بل هُوَ كحركة الْخَاتم فَإِنَّهُ مَعَ حَرَكَة الْيَد وَإِن كَانَ معلولا لَهُ وَإِنَّمَا لم يَقع قبل الدُّخُول لِأَن مُقْتَضَاهُ وُقُوع الطَّلَاق مَعَ أول حَال الْبَيْنُونَة وَأول حَال الْبَيْنُونَة يضاد الطَّلَاق كَمَا فِي حَال الْبَيْنُونَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة مَعهَا طَلْقَة لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة على أدق الْوَجْهَيْنِ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ لِأَن الْبَيْنُونَة مَعْلُول مَجْمُوع الطلقتين وَقَوله طَلْقَتَيْنِ كالتفسير لقَوْله طَالِق وَكَذَا لَا يعْتق سَالم لِأَن عتقه مَعْلُول عتق غَانِم وَرُبمَا خرجت الْقرعَة على سَالم فَيعتق دون عتق غَانِم فَيكون الْمَعْلُول قد ثَبت دون الْعلَّة وَذَلِكَ محَال وَهَذَا كَلَام دَقِيق عَقْلِي رُبمَا يقصر نظر الْفَقِيه عَنهُ

النّظر الثَّانِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن التَّعْلِيق هَل يكون تطليقا فَإِذا قَالَ إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت وَقعت طَلْقَة بِيَمِين الدُّخُول وَأُخْرَى بِيَمِين التَّعْلِيق لِأَن التَّعْلِيق مَعَ الصّفة تطليق نعم مُجَرّد التَّعْلِيق لَيْسَ بتطليق وَكَذَلِكَ لَو تقدم التَّعْلِيق وَلم يُوجد بعد يَمِينه إِلَّا مُجَرّد الصّفة لم يكن تطليقا إِلَّا إِذا قَالَ إِذا وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق وَكَأن التَّعْلِيق بِالدُّخُولِ مقدم على هَذَا التَّعْلِيق فَإِنَّهُ إِذا وَقع بِمُجَرَّد الصّفة وَقعت طَلْقَة أُخْرَى لِأَنَّهُ وُقُوع وَلَيْسَ بإيقاع وَعَن الْعِرَاقِيّين وَجه أَن التَّعْلِيق مَعَ الصّفة لَيْسَ أَيْضا بتطليق وَهُوَ بعيد لِأَن سِيمَا فِيمَا إِذا علق بِفعل نَفسه وأتى بِالْفِعْلِ فرعان الأول إِذا قَالَ إِن طَلقتك عمره فحفصة طَالِق ثمَّ قَالَ إِن طَلقتك حَفْصَة فعمرة طَالِق ثمَّ بَدَأَ بحفصة فَطلقهَا طلقت حَفْصَة بالتنجيز طَلْقَة وطلقة عمْرَة بِالتَّعْلِيقِ طَلْقَة وعادت طَلْقَة إِلَى حَفْصَة من طَلَاق عمْرَة لِأَنَّهُ تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة ترَاخى عَن تَعْلِيق طَلَاق حَفْصَة فَكَانَ تطليقا لَهَا وَقد علق طَلَاق حَفْصَة على تَعْلِيقهَا وَلَا بَدَأَ بِعُمْرَة فَطلقهَا فَيرجع الطَّلَاق على حَفْصَة وَلم يرجع طَلَاق إِلَى عمْرَة لِأَن تَعْلِيق طَلَاق حَفْصَة سبق تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة فَكَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة وقوعا مَحْضا لَا إيقاعا نعم لَو أبدل لفظ الْإِيقَاع بالوقوع وَقع على الْمُطلقَة طَلْقَة تنجيزا وطلقة أُخْرَى تَعْلِيقا وَلم يَقع على الْأُخْرَى إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ إِن حل الْيَمين لِأَن حرف إِن وَمهما لَا يَقْتَضِي التقرار بِخِلَاف كلما فينحل بِوُجُود الصّفة مرّة وَاحِدَة الْفَرْع الثَّانِي إِذا قَالَ وَله نسْوَة وَعبيد إِذا طلقت وَاحِدَة فعبد من عَبِيدِي حر وَإِذا طلقت اثْنَتَيْنِ فعبدان حران وَإِذا طلقت ثَلَاثًا فَثَلَاثَة وَإِذا طلقت أَرْبعا فَأَرْبَعَة ثمَّ

طلق أَرْبَعَة نسْوَة عتق عشرَة أعبد لِأَنَّهُ حنث فِي الْإِيمَان الْأَرْبَعَة لِأَن فِي الْأَرْبَعَة أَرْبَعَة وَثَلَاثَة واثنتين وَوَاحِدَة وَذَلِكَ عشرَة وَلَو أبدل إِذا بكلما عتق خَمْسَة عشر فَيعتق بِيَمِين الْوَاحِد أَرْبَعَة لِأَن فِيهَا أَرْبَعَة آحَاد وبيمين الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَة لِأَن فِيهَا اثْنَيْنِ مرَّتَيْنِ وبيمين الثَّلَاثَة ثَلَاثَة وبيمين الْأَرْبَع أَرْبَعَة وَذَلِكَ خَمْسَة عشر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق سِتَّة عشر لِأَنَّهُ حسب الثَّلَاثَة مرّة فَبَقيَ الْوَاحِد فحسبه فِي يَمِين الْوَاحِد مرّة أُخْرَى وَهُوَ خطأ لِأَنَّهُ قد حسب مرّة فِي يَمِين الْآحَاد وَمن الْأَصْحَاب من ذَلِك يعْتق سَبْعَة عشر وَإِنَّمَا زَاد اثْنَيْنِ بِيَمِين الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ زعم أَنه فِي الْأَرْبَعَة اثْنَيْنِ ثَلَاث مَرَّات لِأَنَّهُ حسب الثَّانِي وَالثَّالِث مرّة وَهَذَا خطأ لِأَنَّهُ لَو جَازَ هَذَا لجَاز أَن يصير ثَلَاثَة أَيْضا مرَّتَيْنِ فَإِن الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع ثَلَاثَة أخر سوى الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث وَلَا قَائِل بِهَذَا الصِّيغَة الثَّانِيَة التَّعْلِيق بِنَفْي التَّطْلِيق فَإِذا قَالَ إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق لم تطلق فِي الْحَال وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِن لم أضربك فَإِنَّهُ يتَوَقَّع ذَلِك فِي الِاسْتِقْبَال وَلَا يَقْتَضِي الْفَوْر وَلَو قَالَ إِذا لم أطلقك وَمضى زمَان يسير يسع التَّطْلِيق وَلم يُطلق وَقع الطَّلَاق لِأَن إِذا ظرف زمَان وَمَعْنَاهُ أَي وَقت أطلقك فِيهِ فَأَنت طَالِق وَقَوله مَتى وَمَتى مَا كَقَوْلِه إِذا فِي اقْتِضَاء الْفَوْر وَفِي الْأَصْحَاب من لم يَتَّضِح لَهُ الْفرق فَجعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ وَهَذَا ضَعِيف إِذْ الْفرق ظَاهر نعم لَو قَالَ أردْت بإذا مَا يُريدهُ المريد بقوله إِن يدين وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا يَقع فِي صِيغَة إِن على الْفَوْر فَإِنَّمَا يَقع عِنْد حُصُول الْيَأْس بخلو الْعُمر عَن الضَّرْب والتطليق ولليأس ثَلَاث صور

إِحْدَاهَا موت أحد الزَّوْجَيْنِ فَإِذا مَاتَ قبل الطَّلَاق وَالضَّرْب تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْمَوْت وَكَانَ يحْتَمل أَن نتبين وُقُوعه عِنْد اللَّفْظ وَلَكِن اللَّفْظ مُطلق يحْتَمل الْأَمريْنِ وتنزيله على إخلاء الْعُمر مُحْتَمل وَالْأَصْل نفي الطَّلَاق من غير يَقِين مَا يوقعه وَإِنَّمَا يتَحَقَّق عدم الضَّرْب لانقضاء الْعُمر فَفِيهِ يَقع الصُّورَة الثَّانِيَة طرآن الْجُنُون على الزَّوْج وَذَلِكَ لَا يُوجب الْيَأْس لِأَنَّهُ رُبمَا يفِيق فَإِن اتَّصل بِالْمَوْتِ تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْجُنُون وَإِن كَانَ يُمكن أَن يُوقع قبل الْمَوْت إِذْ بِهِ يتَحَقَّق الْيَأْس وَلَكِن قبل الْجُنُون يثبت الْيَأْس إِلَّا بانتظار الْإِفَاقَة فَإِذا لم تقع الْإِفَاقَة فالجنون كالموت فِي الْيَأْس وَهَذَا فِي الطَّلَاق أما فِي الضَّرْب فَلَا يأس لِأَن ضرب الْمَجْنُون فِي تَحْقِيق الصّفة ونفيها كضرب الْعَاقِل على الصَّحِيح الصُّورَة الثَّالِثَة انْفِسَاخ النِّكَاح وَذَلِكَ لَا يُوجب الْيَأْس لِأَنَّهُ رُبمَا ينْكِحهَا فيطلقها وَلَا يشْتَرط النِّكَاح الأول لتحقيق الصّفة فَإِن نَكَحَهَا وَطَلقهَا فقد تحققت الصّفة وَإِن لم يطلقهَا وَكَانَت فِي نِكَاحه عِنْد الْمَوْت وَقُلْنَا بِعُود الْحِنْث وَقع الطَّلَاق قبيل الْمَوْت وَإِن لم نقل بِعُود الْحِنْث أَو لم تكن فِي نِكَاحه تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْفَسْخ ولتفرض فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ حَتَّى لَا نقع فِي الدّور ونتصور الْجمع بَينه وَبَين الْفَسْخ الصِّيغَة الثَّالِثَة أَن يَقُول أَن طَلقتك فَأَنت طَالِق وَأَن لم أطلقك فَأَنت طَالِق وَقع فِي الْحَال لِأَن أَن للتَّعْلِيل مَعْنَاهُ أَنْت اطلقك لِأَن لم أطلق وَيجوز فِي اللُّغَة الفصيحة حذف اللَّام وَاسْتِعْمَال أَن فَهُوَ إِذا كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرضا فلَان فَإِنَّهُ يَقع فِي الْحَال وَلَو سخط وَهَذَا فِي حق من يعرف اللُّغَة وَمن لَا يعرف اللُّغَة فَلَا فرق فِي حَقه بَين إِن وَأَن

الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّعْلِيق بِالْحملِ والولادة وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ لَهَا إِن كنت حَامِلا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع فِي الْحَال لِأَن الْحمل لَا يعلم بِيَقِين فَلَو أَتَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر تَبينا الْوُقُوع عِنْد الْيَمين وَإِن كَانَ لأكْثر من أَربع سِنِين تَبينا أَنه لم يَقع وَإِن كَانَ بَين المدتين فَإِن كَانَ يَطَؤُهَا فَلَا يَقع وَإِن امْتنع عَنْهَا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يَقع لِأَن النّسَب قد ثَبت فَيدل على وجود الْحمل وَالثَّانِي لَا لِأَن لُحُوق النّسَب يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَال وَلَا يَقع الطَّلَاق بِالِاحْتِمَالِ وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل يحرم الْوَطْء قبل تحقق الْحَال فَقيل أَنه لَا يحرم بِالشَّكِّ كَمَسْأَلَة الْغُرَاب وَقيل إِنَّه يحرم لِأَن استكشافه مُمكن على قرب وعَلى هَذَا يجب الِاسْتِبْرَاء بِالْحيضِ وَيتَفَرَّع عَنهُ ثَلَاثَة فروع أَحدهَا أَنه هَل يَكْتَفِي فِي الْحرَّة بقرء وَاحِد فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا لَا كالعدة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْغَرَض مُجَرّد اسْتِدْلَال وَقد حصل الثَّانِي إِذا استبرئها ثمَّ وَقَالَ مرّة أُخْرَى قبل الْوَطْء إِن كنت حَامِلا فَأَنت طَالِق فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب إِعَادَة الِاسْتِبْرَاء وَقيل إِنَّه يجب لِأَن الْعدة الْمَاضِيَة لَا تُؤثر فَكَذَلِك هَذَا الثَّالِث إِذا خَاطب بذلك صَغِيرَة وَهِي فِي سنّ الْحيض فيستبرئها بِشَهْر أَو أشهر وَإِن خَاطب آيسة فَهَل يَكْفِي سنّ الْيَأْس دلَالَة أَو لَا بُد من الِاسْتِبْرَاء فِيهِ وَجْهَان الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ إِن كنت حَائِلا فَأَنت طَالِق فَهَذِهِ كتلك الْمَسْأَلَة وَلَكِن حَيْثُ يحكم ثمَّ بالوقوع فهاهنا يحكم بِخِلَافِهِ لِأَن الشَّرْط هُوَ عدم الْحمل وَيزِيد هَاهُنَا أَن تَحْرِيم الْوَطْء هَاهُنَا أقرب لِأَن الأَصْل الحيال وَأَيْضًا أثر الِاسْتِبْرَاء ثمَّ فِي نفي الطَّلَاق وَهَاهُنَا فِي الْوُقُوع وَقد قطعُوا بِأَنَّهُ إِذا انْقَضى ثَلَاثَة أَقراء يَقع الطَّلَاق وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا يُفِيد يَقِين الْبَرَاءَة وَالشّرط لَا بُد من استيفائة فَإِنَّهُ لَو علق على الاستيقان لم يَقع بالاستبراء وَالْمُطلق يَقْتَضِي الْحمل على الْيَقِين وَقد مَال إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب إِذا أوقعنا بعد الإقراء فَأَتَت بِولد لدوّنَ سِتَّة أشهر تَبينا أَنه لم يكن الطَّلَاق وَاقعا ونقضنا ذَلِك الحكم قطعا وَإِن كَانَ وَطئهَا وطئا يُمكن الإحالة عَلَيْهِ فَفِيهِ نقض ذَلِك الحكم وَجْهَان الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي صِيغ التَّعْلِيق بِالْحملِ فَإِذا قَالَ فَقَالَ إِن كنت حَامِلا بِذكر فَأَنت طَالِق طَلْقَة وَإِن كُنَّا حَامِلا بأنثى فَأَنت طَالِق طَلْقَتَيْنِ فَأَتَت بذكرين وَقعت طَلْقَة وَاحِدَة وَلم نزد

وَإِن أَتَت بِذكر وَأُنْثَى وَقعت ثَلَاث لِأَنَّهُ حنث بِالْيَمِينِ وَإِن قَالَ إِن كَانَ حملك ذكرا فطلقه وَإِن كَانَ أُنْثَى فطلقتين لم يَقع شَيْء أصلا فَإِن لَفظه يَقْتَضِي حصر الْجِنْس وَلَو أَتَت بذكرين قَالَ القَاضِي تقع طَلْقَة لِأَن التنكير فِي لَفظه لتنكير الْجِنْس وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يَقع شَيْء لِأَنَّهُ لتنكير الْوَاحِد فَلَا يُسمى ذَلِك ذكرا الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ إِن ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَأَتَت بولدين طلقت بِالْأولِ وَانْقَضَت عدتهَا بِالثَّانِي فَإِن قَالَ كلما ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَهَل يَقع الطَّلَاق بِالْوَلَدِ الثَّانِي وَبِه تَنْقَضِي الْعدة الْجَدِيد أَنه لَا يَقع لِأَنَّهُ يصادق أول وَقت الْبَيْنُونَة وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ نَص فِي الْإِمْلَاء أَنه يلْحق الثَّانِيَة وَلَيْسَ لَهُ وَجه وتكلف الْقفال تَوْجِيهه فَقَالَ لَو قَالَ للرجعية أَنْت طَالِق مَعَ انْقِضَاء الْعدة فَيتَّجه قَولَانِ وَزعم أَنه يحْتَمل أَن يَقع مَعَ الِانْقِضَاء لَا فِي الْعدة وَلَا فِي الْبَيْنُونَة وَشبه ذَلِك بِمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق بَين اللَّيْل وَالنَّهَار فَلَا يَقع فِي اللَّيْل وَلَا فِي النَّهَار بل يَقع فِي الْآن الْفَاصِل بَينهمَا وَالطَّلَاق من جملَة مَا يَقع دَفعه فِي الْآن وَلَا يَقع فِي زمَان وَهَذَا لَهُ وَجه فِي التَّحْقِيق إِذْ فرق بَين الْآن وَبَين الزَّمَان الَّذِي يَنْقَسِم وَلَكِن فِي مَسْأَلَة الْولادَة غير منقدح لِأَن مقتدى اللَّفْظ أَن يَقع مَعَ الْولادَة والولادة تقارنها الْبَيْنُونَة والبينونة تضَاد الطَّلَاق فَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الْجَدِيد وَلَو قَالَ إِن ولدت ولدا فَأَنت طَالِق وَاحِدَة وَإِن ولدت ذكرا فاثنتين فَولدت غُلَاما طلقت ثَلَاثًا لوُجُود الصفتين وَلَو قَالَ إِن ولدت أُنْثَى فَوَاحِدَة وَإِن ولدت ذكرا فاثنتين فَولدت خُنْثَى لم يَقع فِي الْحَال إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ المستيقن فرع إِذا قَالَ وَله أَرْبَعَة نسْوَة حوامل كلما ولدت وَاحِدَة فصويحباتها طَوَالِق فولدن على التَّعَاقُب والتقارب طلقن جَمِيعًا أما الرَّابِعَة فَثَلَاث إِذْ ولدت قبلهَا ثَلَاث

نسْوَة وَأما الثَّالِثَة فثنتان إِذْ ولد قبلهَا اثْنَتَانِ وَانْقَضَت عدتهَا بولادتها قبل ولادَة الرَّابِعَة أما الثَّانِيَة فَوَاحِدَة إِذْ طلقت بِوِلَادَة الأولى وَانْقَضَت عدتهَا بولادتها نَفسهَا فَلم يلْحقهَا طَلَاق بعده وَأما الأولى فَثَلَاث طلقات لِأَنَّهَا بقيت فِي الْعدة حَتَّى ولدن جَمِيع صواحباتها بعْدهَا

الْفَصْل الرَّابِع فِي التَّعْلِيق بِالْحيضِ وَفِيه صور إِحْدَاهَا فَلَو قَالَ إِن حِضْت حَيْضَة فَأَنت طَالِق فَلَا تطلق حَتَّى يَنْقَضِي حيض تَامّ وَلَو قَالَ إِن حِضْت فَأَنت طَالِق فَإِذا انْقَضى يَوْم وَلَيْلَة وَقع الطَّلَاق تَبينا فِي أول الْحيض إِذْ بِهِ نتحقق أَنه لَيْسَ بِدَم فَاسد وَفِيه وَجه مَشْهُور ظَاهر إِنَّه يَقع فِي أول الْحيض وَلذَلِك يحرم الْوَطْء فِي أول الْحيض بِنَاء على الظَّاهِر وَلَكِن الْقَائِل الأول قد يتَوَقَّف فِي التَّحْرِيم وَهُوَ بعيد وَالْفرق أظهر إِذْ الطَّلَاق لَا يَقع إِلَّا بِيَقِين وَالتَّحْرِيم يثبت بِالظَّاهِرِ وَلَو قَالَ للحائض إِن حِضْت فَأَنت طَالِق لم تطلق إِلَّا بِحَيْضَة مستأنفة فَإِنَّهُ للإبتداء إِذْ لَا ابْتِدَاء فِي دوَام الْحيض وَمهما قَالَت حِضْت فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا بِخِلَاف مَا إِذا علق على الدُّخُول فَقَالَ دخلت فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى الْبَيِّنَة لِأَن الْحيض يعصر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ من غَيرهَا إِذْ غايت غَيرهَا أَن تشاهد الدَّم وَذَلِكَ لَا يعرف إِذا لم تعرف عَادَتهَا وأدوارها فعله دم فَسَاد وَهُوَ كَقَوْلِه إِن أضمرت بغضي فَأَنت طَالِق فَقَالَت أضمرت فَالْقَوْل قَوْلهَا لعسر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَالظَّاهِر أَنه تصدق فِي الزِّنَا وَفِيه وَجه وَفِي الْولادَة وَجْهَان أما

الْمُودع فَإِذا ادّعى هَلَاكًا فَيصدق كَانَ السَّبَب خفِيا أَو جليا وَلَا يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ ائتمنه فَلَزِمَهُ تَصْدِيقه بِخِلَاف الزَّوْج وَلَو قَالَ إِن حِضْت فضرتك طَالِق فَلَا تصدق فِي حق الضرة إِذْ لَا تصدق إِلَّا بِيَمِين وَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهَا يَمِين لضرتها وَلَو قَالَ إِن حضتما فأنتما طالقتان فَقَالَتَا حضنا فَصدق إِحْدَاهمَا وَكذب الْأُخْرَى طلقت المكذبة دون المصدقة لِأَن المكذبة ثَبت حَيْضهَا بقولِهَا فِي حَقّهَا وَثَبت حيض صاحبتها بِتَصْدِيق الزَّوْج والمصدقة لم يثبت حيض صاحبتها فِي حَقّهَا فَإِن صاحبتها مكذبة وَطَلَاق كل وَاحِدَة مُعَلّق على حيضهما جَمِيعًا فَلَا يَكْفِي حيض وَاحِدَة وَلَو قَالَ لأَرْبَع نسْوَة إِن حضتن فَأَنْتن طَوَالِق ثمَّ صدقهنَّ طلقن وَإِن كذبهن فَلَا وَإِن صدق ثَلَاثًا طلقت المكذبة دون المصدقات وَإِن كذب اثْنَتَيْنِ لم تطلق وَاحِدَة لِأَن حيض الْوَاحِدَة من المكذبتين لم يثبت فِي حق صاحبتها وَلَو قَالَ أيتكن حَاضَت فصواحباتها طَوَالِق ثمَّ قُلْنَ حضنا وصدقهن طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا لِأَن لكل وَاحِدَة ثَلَاث صَوَاحِب وَإِن صدق وَاحِدَة طلقت كل وَاحِدَة من صواحباتها طَلْقَة وَاحِدَة وَإِن صدق اثْنَتَيْنِ طلقت كل وَاحِدَة من المصدقتين طَلْقَة طَلْقَة لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهما إِلَّا صَاحِبَة وَاحِدَة مصدقة

الْفَصْل الْخَامِس فِي التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت فِي الْحَال وَقع وَإِن تَأَخّر عَن الْمجْلس لم يَقع لِأَن الْخطاب يَقْتَضِي جَوَابا فِي الْحَال وَلِأَنَّهُ كالتملك للْمَرْأَة وَيَنْبَنِي على العلتين تردد فِي انه لَو قَالَ لأَجْنَبِيّ زَوْجَتي طَالِق إِن شِئْت أَنه هَل يَقْتَضِي الْفَوْر أَو قَالَ إِن شَاءَت زَوْجَتي فَهِيَ طَالِق إِذْ لَا خطاب وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت وَشاء أَبوك اخْتصَّ مشيئتها بِالْمَجْلِسِ وَهل تخْتَص مَشِيئَة أَبِيهَا للاقتران بمشيئتها فِيهِ خلاف وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت إِن شِئْت فَقَالَ شِئْت لم يَقع لِأَنَّهَا علقت بِالْمَشِيئَةِ والمشيئة لَا تقبل التَّعْلِيق وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا أَن يَشَاء أَبوك وَاحِدَة فشاء أَبوهَا وَاحِدَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يَقع شَيْء وَكَأَنَّهُ اسْتثِْنَاء عَن أصل الطَّلَاق وَالثَّانِي أَنه يَقع وَاحِدَة وَمَعْنَاهُ إِلَّا أَن يَشَاء أَبوك وَاحِدَة فَلَا تطلق ثَلَاثًا بل وَاحِدَة وَهَذَا فِي الْمُطلق أما إِذا أَرَادَ الِاحْتِمَال الَّذِي فِيهِ الْإِيقَاع يَقع وَإِن قَالَ أردْت الِاحْتِمَال الآخر يدين وَهل يقبل ظَاهرا على هَذَا الْوَجْه فِيهِ وَجْهَان وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت وَهِي كارهة بَاطِنا نفذ الطَّلَاق ظَاهرا وَهل

يَقع بَاطِنا قَالَ الْقفال يَقع لِأَن هَذَا تَعْلِيق بِلَفْظ الْمَشِيئَة وَلَو كَانَ بَاطِنا لَكَانَ إِذا علق بِمَشِيئَة زيد لم يصدق زيد فِي حَقّهَا وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب الأبيوردي لَا يَقع كَمَا لَو علقت بِالْحيضِ وكذبت فِي الْإِخْبَار وَإِلَيْهِ مَال القَاضِي وَهَذَا الْخلاف يُشِير إِلَى تردد فِيمَا لَو أَرَادَت بَاطِنا وَلم تنطق ظَاهرا وَلَو قَالَ للصبية إِن شِئْت فَقَالَ شِئْت فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه يُوجد مِنْهَا اللَّفْظ وَلَكِن لَا اعْتِمَاد على إرادتها الْبَاطِنَة وَلَو قَالَ ذَلِك لمجنونة لم يَقع طَلاقهَا بقولِهَا شِئْت قولا وَاحِدًا فَإِنَّهُ وَإِن علق بِاللَّفْظِ فَلَا بُد من إِعْرَاب عَن ضمير صَحِيح والسكران يخرج على أَنه كالصاحي أَو الْمَجْنُون وَلَو رَجَعَ الزَّوْج قبل مشيئتها لم يجز لِأَن ظَاهره تَعْلِيق وَإِن توهمنا فِي ضمنه تَمْلِيكًا

الْفَصْل السَّادِس فِي التَّعْلِيق فِي مسَائِل الدّور فَإِذا قَالَ لزوجته إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا لم يَقع عِنْد ابْن الْحداد لِأَنَّهُ لَو وَقع لوقع الثَّلَاث قبله وَلَو وَقع الثَّلَاث قبله لما وَقع هَذَا وَلَو لم يَقع هَذَا لما وَقع الثَّلَاث قبله لِأَنَّهُ مُعَلّق بِهِ فَيُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه وَقَالَ أَبُو زيد يَقع الْمُنجز وَلَا يَقع الْمُعَلق أصلا لِأَنَّهُ علق تَعْلِيقا محالا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يَقع فِي الْمَدْخُول بهَا الثَّلَاث مهما نجز وَاحِدَة بالتنجيز وَاثْنَتَانِ بِالتَّعْلِيقِ لِأَن التَّعْلِيق إِنَّمَا صَار محالا بقوله قبله فيلغى قَوْله قبله وَيبقى الْبَاقِي فَكَأَنَّهُ قَالَ إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا وَالْمَسْأَلَة ذَات غور وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب غَايَة الْغَوْر فِي دراية الدّور فليطلب مِنْهَا وَمن صور الدّور أَن يَقُول إِن طَلقتك طَلْقَة أملك بهَا الرّجْعَة فَأَنت طَالِق قبلهَا طَلْقَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن وَطئتك وطئا مُبَاحا فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَإِذا وطئ لم يَقع وَأَبُو زيد لَا يقدر على الْمُخَالفَة فِي هَذَا إِذْ الْيَمين الدائرة هِيَ الْبَاطِل عِنْده وَهَاهُنَا لم تُوجد الْيَمين الدائرة وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن أبنتك أَو فسخت نكاحك أَو ظَاهَرت مِنْك أَو رَاجَعتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فعلى تَصْحِيح الدّور تنحسم هَذِه التَّصَرُّفَات بِالْكُلِّيَّةِ

الْقسم الثَّانِي من التعليقات فِي فروع مُتَفَرِّقَة نذكرها أَرْسَالًا وَهِي ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ الأول إِذا قَالَ إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ إِن دخلت فَأَنت طَالِق طلقت فِي الْحَال لِأَن التَّعْلِيق بِالدُّخُولِ حلف فِي الْحَال وَلَو قَالَ إِذا طلعت الشَّمْس لم يكن هَذَا حلفا لِأَن الْحلف مَا يتَصَوَّر فِيهِ منع واستحثاث أما إِذا قَالَ إِن طلعت الشَّمْس أَو إِذا دخلت الدَّار فَهَل يكون هَذَا حلفا فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى صِيغَة التَّأْقِيت وَفِي الْأُخْرَى إِلَى الْمَعْنى وَاتِّبَاع الْمَعْنى أولى الثَّانِي إِذا قَالَ إِن بدأتك بالْكلَام فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَت إِن بدأتك بالْكلَام فَعَبْدي حر ثمَّ كلمها وكلمته لم تطلق وَلم يعْتق العَبْد لِأَن الزَّوْج خرج عَن كَونه مبتدئا بقولِهَا إِن بدأتك فَعَبْدي حر وَهِي خرجت عَن الْبِدَايَة بِكَلَامِهِ الثَّالِث إِذا قَالَ إِن أكلت رمانة وَإِن أكلت نصف رمانة فَأَنت طَالِق فَأكلت رمانة تَامَّة طلقت طَلْقَتَيْنِ لِأَن النّصْف أَيْضا مَوْجُود فِي الْوَاحِدَة وَلَو قَالَ كلما أكلت نصفا فَأَنت طَالِق طلقت ثَلَاثًا لِأَن فِيهَا نِصْفَيْنِ الرَّابِع إِذا قَالَ إِن بشرتني بقدوم زيد فَأَنت طَالِق فَأخْبرهُ أَجْنَبِي ثمَّ أخْبرته لم تطلق لِأَن الْبشَارَة هِيَ الأولى وَإِن قَالَ ان بشرتماني فأنتما طالقتان فبشرتاه على التَّرْتِيب طلقت الأولى وَإِن بشرتاه مَعًا طلقتا وَإِن بشرت كَاذِبَة لم تطلق وَإِن

قَالَ إِن أَخْبَرتنِي بِأَن زيدا قدم فَأخْبرت كَاذِبَة طلقت لِأَن الْكَذِب خبر وَلَو قَالَ إِن أَخْبَرتنِي بقدومه فَهَل تطلق بِالْكَذِبِ فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر التَّسْوِيَة الْخَامِس إِذا قَالَ يَا عمْرَة فَقَالَت حَفْصَة لبيْك فَقَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ حسبت بِأَن المجيبة عمْرَة قَالَ ابْن الْحداد لَا تطلق عمْرَة لِأَنَّهُ لم يُوجد فِي حَقّهَا إِلَّا النداء أما حَفْصَة المخاطبة بِالطَّلَاق فَهَل تطلق ذكرُوا وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يقْصد خطاب حَفْصَة قَالَ الإِمَام لَو قَالَ حَفْصَة تطلق ظَاهرا وَهل تطلق عمْرَة على وَجْهَيْن لَكَانَ أقرب السَّادِس إِذا قَالَ العَبْد لزوجته إِن مَاتَ سَيِّدي فَأَنت طَالِق طَلْقَتَيْنِ فَقَالَ السَّيِّد

للْعَبد إِن مت فإنت حر فَمَاتَ قَالَ ابْن الْحداد تقع طَلْقَتَانِ وَله الرّجْعَة لِأَنَّهُ عتق قبل حُصُول التَّحْرِيم بالطلقتين بل مَعَ الطلقتين وَمِنْهُم من خَالف لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم الْعتْق على الطلقتين بل جرى مَعَه السَّابِع إِذا قَالَ من نكح جَارِيَة أَبِيه إِذا مَاتَ أبي فَأَنت طَالِق فَمَاتَ لم تطلق لِأَن الْملك ينْتَقل إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ وينفسخ النِّكَاح فيقارن الطَّلَاق أول وَقت الِانْفِسَاخ فيندفع وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يَقع لِأَن الْملك يَتَرَتَّب على الْمَوْت والانفساخ على الْملك فيقارن الطَّلَاق وَقت الْملك لِأَنَّهُ أَيْضا مُرَتّب على الْمَوْت وَالْأول أغوص لِأَن وَقت الطَّلَاق وَالْملك وَالْفَسْخ وَاحِد إِذْ الْمُخْتَار أَن من اشْترى قَرِيبه انْدفع ملكه بِالْعِتْقِ لَا أَنه حصل ثمَّ انْقَطع وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق الْمروزِي الثَّامِن إِذا قَالَ أَنْت طَالِق يَوْم يقدم فلَان فَقدم ضحوة طلقت فِي الْحَال على وَجه وَقيل إِنَّه يتَبَيَّن وُقُوع الطَّلَاق أول الْيَوْم وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم الْمِيرَاث لَو قدم وَقت الظّهْر وَمَات الزَّوْج ضحوة وَلَو قدم لَيْلًا لم تطلق وَقيل تطلق وَالْيَوْم كِنَايَة عَن الْوَقْت التَّاسِع لَو قَالَ أَنْت طَالِق أَكثر الطَّلَاق وَقع الثَّلَاث وَلَو قَالَ أعظم الطَّلَاق لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ لَا ينبىء عَن الْعدَد وَلَو قَالَ ملْء الْعَالم وملء الأَرْض لم تقع إِلَّا وَاحِدَة وَلَو قَالَ مثل الْبيُوت الثَّلَاثَة أَو ملْء السَّمَوَات وَقع الثَّلَاث الْعَاشِر لَو قَالَ أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بأصابعه الثَّلَاث وَقع الثَّلَاث وَصلح إِشَارَة لتعريف الْعدَد فَإِنَّهُ كتفسير وَلَو أَشَارَ بالأصبع وَلم يقل هَكَذَا لم تقع إِلَّا وَاحِدَة الْحَادِي عشر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار إِن كلمت زيدا وَلم يدْخل فِيهِ

وَاو الْعَطف فَهَذَا هُوَ تَعْلِيق وَمَعْنَاهُ إِن كلمت زيدا صَار طَلَاقك مُعَلّقا بِالدُّخُولِ

الثَّانِي عشر إِذا قَالَ أربعكن طَوَالِق إِلَّا فُلَانَة قَالَ القَاضِي لَا يَصح هَذَا الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ صرح بالأربع وأوقع عَلَيْهِنَّ وَلَو قَالَ أربعكن إِلَّا فُلَانَة طَوَالِق قَالَ يَصح الِاسْتِثْنَاء والمسالة مُحْتَملَة إِذْ لَيْسَ يلوح الْفرق بَين عدد المطلقات وَبَين عدد الطلقات وَلَا بَين التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَيلْزمهُ أَن يَقُول لَو قَالَ لفُلَان أَرْبَعَة أعبد إِلَّا وَاحِدًا يلْزمه الثَّلَاثَة وَلَا شكّ فِي أَنه لَو قَالَ لفُلَان هَؤُلَاءِ الْأَعْبد الْأَرْبَع إِلَّا هَذَا لم يَصح الِاسْتِثْنَاء لِأَن الاستناء فِي الْمعِين لَا يعْتَاد ويتأيد بذلك كَلَام القَاضِي الثَّالِث عشر إِذا قَالَ من يلْتَمس من غَيره أَن يُطلق زَوجته أطلقت زَوجتك فَقَالَ نعم فَإِن نوى وَقع الطَّلَاق وَإِن لم ينْو فَقَوْلَانِ

أَحدهمَا لَا لِأَن قَوْله نعم لَيْسَ فِيهِ لفظ الطَّلَاق فَكيف يصير صَرِيحًا وَالثَّانِي أَن الْخطاب كالمعاد فِي الْجَواب إِمَّا إِذا كَانَ فِي معرض الاستخبار فَقَوله نعم فِي صَرِيح الْإِقْرَار وَلَو قَالَت الْمَرْأَة طَلَاق ده مرا فَقَالَ دادم قَالَ الْأَصْحَاب لَا يَقع شَيْء لِأَن هَذِه اللَّفْظَة لَا تصلح للإيقاع وَقَالَ القَاضِي يَقع لِأَن الْمُبْتَدَأ يصير معادا فِي الْجَواب وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَلَو قَالَ الدَّلال لمَالِك الْمَتَاع أبعت فَقَالَ نعم لم يصلح هَذَا أَن يكون إِيجَابا وَقَالَ بِعْت لم يصلح أَيْضا أَن يكون خطابا للْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ خطاب مَعَ الدَّلال وَلَو قيل لَهُ أَلَك زَوْجَة فَقَالَ لَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا كِنَايَة فِي الْإِقْرَار وَقَالَ القَاضِي هُوَ صَرِيح فِي الْإِقْرَار ثمَّ إِن كَانَ كَاذِبًا لم تطلق زَوجته فِي الْبَاطِن الرَّابِع عشر لَو قَالَ إِن لم تذكري عدد الجوزات الَّتِي فِي الْبَيْت فَأَنت طَالِق فطريقها أَن تذكر كل عدد يحْتَمل أَن يكون فَلَا يزَال يجرى على لسانها الْوَاحِد بعد الآخر

وَلَو قَالَ إِن لم تعرفيني عدد الجوزات لَا يكفيها ذَلِك فَإِن التَّعْرِيف لَا يحصل بذلك وَقيل إِنَّه يكفيها وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ إِن لم تميزي نوى مَا أكلت عَن نوى مَا أكلت وَقد اخْتلطت النَّوَى فَأَنت طَالِق فسبيلها أَن تبدد النَّوَى بِحَيْثُ لَا يتماس اثْنَتَانِ فَيكون قد حصل التَّمْيِيز هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا يظْهر إِطْلَاق التَّمْيِيز المفرق وَلَكِن إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة اتبعُوا مُجَرّد وضع اللُّغَة وَلَو كَانَ فِي فِيهَا تَمْرَة فَقَالَ أَنْت طَالِق إِن بلعتيها أَو قذفتيها أَو أمسكتيها فطريقها أَن تَأْكُل النّصْف وتقذف النّصْف وَهَذَا بَين وَلَو قَالَ وَهِي على سلم أَنْت طَالِق إِن مكثت أَو صعدت أَو نزلت فطريقها أَن تطفر طفرة أَو تحمل أَو يوضع بجنبها سلم فتنتقل إِلَيْهِ وَلَو قَالَ إِن أكلت هَذِه الرمانة فَأَنت طَالِق فلتأكلها إِلَّا حَبَّة وَلَو حلف على رغيف فلتأكل إِلَّا الفتات وَالضَّابِط فِي هَذَا الْجِنْس أَن نَنْظُر إِلَى الْعرف واللغة جَمِيعًا فَإِن تطابقا فَذَاك وَإِن اخْتلفَا فميل الْأَصْحَاب إِلَى اللَّفْظ وميل الإِمَام رَحمَه الله إِلَى أَن اتِّبَاع الْعرف أولى الْخَامِس عشر إِذا شافهته بِمَا يكره من شتيمة وَسَب فَقَالَ إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق فَإِن قصد الْمُكَافَأَة أَي إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق طلقت فِي الْحَال كَانَت تِلْكَ الصّفة مَوْجُودَة أَو لم تكن فَإِن قصد التَّعْلِيق فَطلب وجود تِلْكَ الصّفة وَعدمهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الْعرف فَإِن أطلق وَقد ظهر فِي الْعرف ذكر ذَلِك للمكافأة احْتمل وَجْهَيْن لِأَن اللَّفْظ بِالْوَضْعِ للتعليق وبالعرف للمكافأة وَلَعَلَّ اتِّبَاع اللَّفْظ أولى فَإِنَّهُ الأَصْل الْمَوْضُوع

وَالْعرْف يخْتَلف ويضطرب وَقد وَقع فِي الْفَتَاوَى أَن امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا يَا جهود روى فَقَالَ إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق فَطلب الْمفْتُون تَحْقِيق هَذِه الصِّيغَة فَقيل إِنَّه يحمل على صفار الْوَجْه وَقيل هُوَ ذلة وخساسة وَقَالَ الإِمَام هَذِه الصّفة لَا تتَصَوَّر فِي الْمُسلم فَلَا يَقع الطَّلَاق وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن الخيال قد يتَصَوَّر وَصفا لَا محَالة حَتَّى يصف بِهِ الْمُسلم فَتَارَة يصدق وَتارَة يكذب وَوَقع أَيْضا أَن قَالَ رجل لزوج ابْنَته فِي مخاصمته كم تحرّك لحيتك فقد رَأَيْت مثل هَذِه اللِّحْيَة كثيرا فَقَالَ إِن رَأَيْت مثل هَذِه اللِّحْيَة كثيرا فابنتك طَالِق وَقد قصد التَّعْلِيق فَقلت لَا شكّ أَن اللِّحْيَة لَيست من ذَوَات الْأَمْثَال إِن نظر إِلَى شكلها ولونها وَعدد شعورها وَذَلِكَ هُوَ الْمثل الْمُحَقق وَلَكِن ذكر اللِّحْيَة فِي مثل هَذَا الْموضع كِنَايَة عَن الرجولية والجاه وَذَلِكَ مِمَّا يكثر أَمْثَاله فالبحري أَن نَمِيل هَاهُنَا إِلَى الْعرف ونوقع الطَّلَاق وَلَيْسَ يبعد أَيْضا الْميل إِلَى مُوجب اللَّفْظ وَنفي الطَّلَاق السَّادِس عشر إِذا قَالَ إِن لم أطلقك الْيَوْم فَأَنت طَالِق الْيَوْم وَلم يطلقهَا حَتَّى انْقَضى الْيَوْم قَالَ ابْن سُرَيج لَا يَقع لِأَنَّهُ عِنْد تحقق الصّفة فَاتَ وَقت الطَّلَاق وَهَذَا يرد على قَوْله إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق فَإنَّا نتبين عِنْد مَوته وُقُوع الطَّلَاق فِي آخر الْعُمر والعمر فِي هَذَا الْمَعْنى كَالْيَوْمِ إِذْ فِيهِ يتَحَقَّق الطَّلَاق وَالصّفة جَمِيعًا وَلَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِع عشر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق بِمَكَّة وَأَرَادَ التَّعْلِيق بِدُخُولِهَا جَازَ وَإِن أطلق حمل على التَّعْلِيق على وَجه وَحكم بالتنجيز على وَجه إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَدَاة التَّعْلِيق الثَّامِن عشر لَو قَالَ إِن خَالَفت أَمْرِي فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ لَا تكلمي زيدا فكلمت

قَالُوا لَا يَقع لِأَنَّهَا خَالَفت النهى دون الْأَمر لَو قَالَ إِن خَالَفت نهيي ثمَّ قَالَ قومِي فَقَعَدت قَالُوا وَقع لِأَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن أضداده فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تقعدي فَقَعَدت وَهَذَا فَاسد إِذْ لَيْسَ الْأَمر بالشَّيْء نهيا عَن ضدده فِيمَا نختاره وَإِن كَانَ فاليمين لَا يبْنى عَلَيْهِ بل على اللُّغَة أَو الْعرف نعم فِي الْمَسْأَلَة الأولى نظر من حَيْثُ الْعرف التَّاسِع عشر إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ نجزت تِلْكَ الطَّلقَة الْمُعَلقَة ثمَّ دخلت الدَّار فَفِي الْوُقُوع وَجْهَان حَاصله يرجع إِلَى أَن الْمُعَلقَة هَل يُمكن تَعْجِيلهَا بِعَينهَا الْعشْرُونَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِلَى حِين أَو زمَان فَإِذا مضى لَحْظَة طلقت فَإِن اللحظة حِين وزمان وَلَو قَالَ إِذا مضى حقب فَأَنت طَالِق أَو عصر قَالَ الْأَصْحَاب يَقع بِمُضِيِّ لَحْظَة وَهَذَا بعيد وَتوقف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَحل التَّوَقُّف وَلَكِن إِيقَاعه بلحظة لَا وَجه لَهُ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق الْيَوْم إِذا جَاءَ الْغَد قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يَقع غَدا لتصرم الْيَوْم وَلَا الْيَوْم لعدم مَجِيء الْغَد قَالَ الإِمَام يحْتَمل أَن يُقَال إِذا جَاءَ الْغَد تبين وُقُوع الطَّلَاق كَمَا إِذا قَالَ إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت طَالِق قبله الْحَادِي وَالْعشْرُونَ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ إِن قدم فلَان فَأَنت طَالِق فَقدم بِهِ مَيتا لم تطلق وَهَذَا يلْتَفت على أَن الصّفة إِذا حصلت بِالْإِكْرَاهِ أَو مَعَ النسْيَان فَهَل يحصل الْحِنْث فِيهِ قَولَانِ وَاخْتَارَ الْقفال أَن الْيَمين بِاللَّه يُؤثر فِيهِ النسْيَان وَالْإِكْرَاه دون الطَّلَاق لِأَن ذَلِك تَعْلِيق بهتك حُرْمَة وَهَذَا يتَعَلَّق بِوُجُود الصُّورَة وَلَا خلاف فِي أَنه لَو قصد منعهَا عَن الْمُخَالفَة وعلق على فعلهَا فنسيت لَا تطلق وَإِن أكرهت فَيحْتَمل الْخلاف لِأَنَّهَا مختارة وَأما مَسْأَلَة الْقدوم على كل حَال فَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله

عَنهُ لِأَن الْمَوْت يُنَافِي الْقدوم وَلَو قَالَ إِن رَأَيْت فلَانا فَأَنت طَالِق فرأته مَيتا وَقع الطَّلَاق وَلَو رَأَتْهُ فِي مَاء يَحْكِي لَونه وَقع وَإِن رَأَتْهُ فِي الْمرْآة فَفِيهِ احْتِمَال وَلَو قَالَ ذَلِك لامْرَأَته العمياء فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تطلق بمجالسته وَلَو قَالَ إِن مَسسْته طلقت بمسه حَيا وَمَيتًا وَلَا تطلق بالمس على حَائِل وَلَا بِمَسّ الشّعْر وَالظفر وَإِذا علق بِالضَّرْبِ لم يَحْنَث بضربه مَيتا وَلَا يَحْنَث بِضَرْب الْحَيّ بأنملته حَيْثُ لَا إيلام فِيهِ أصلا وَلَو قَالَ إِن قذفت فلَانا حنث بقذفه مَيتا وَلَو قَالَ إِن قذفت فِي الْمَسْجِد مَعْنَاهُ كَون الْقَاذِف فِي الْمَسْجِد وَلَو قَالَ إِن قتلت فِي الْمَسْجِد فَمَعْنَاه كَون الْمَقْتُول فِي الْمَسْجِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ إِذا قَالَ إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق فكلمته وَلَكِن لم يسمع لعَارض لغط وَذُهُول قَالَ الْأَصْحَاب طلقت وَلَو كَانَ المكلم أَصمّ فَلم يسمع فَفِيهِ وَجْهَان وَلَا خلاف انه لَو كَلمته بهمس بِحَيْثُ لَا يسمع لَا يكون كلَاما نعم لَو كَانَ وَجههَا إِلَى الْمُتَكَلّم وَعلم أَنَّهَا تكَلمه وَكَانَ بِحَيْثُ لَو فرضت الإصاحة لسمعها فَيَنْبَغِي أَن يَقع الطَّلَاق وَلَو كَلمته على مَسَافَة بعيدَة لَا يحصل الِاسْتِمَاع بِمثلِهِ لم يَحْنَث فَلَو حمل الرّيح الصَّوْت فَالظَّاهِر أَنه لَا يَحْنَث وَلَو كَلمته فِي جنونها فَذَلِك كالنسيان وَالْإِكْرَاه الثَّالِث وَالْعشْرُونَ إِذا قَالَ إِذا رَأَيْت الْهلَال فَأَنت طَالِق طلقت بِرُؤْيَة غَيرهَا وَلَو فسر بالعيان فَهَل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان قَالَ الْقفال هَذَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة إِذْ الرُّؤْيَة يُرَاد بِهِ الْعلم أما فِي الفارسية فَلَا وَفِيه نظر إِذْ يُقَال بِالْفَارِسِيَّةِ رَأينَا الْهلَال ببلدة كَذَا وَلَا يُرَاد بِهِ العيان ولنقتصر على هَذِه الْفُرُوع فَإِن هَذَا الْجِنْس لَا يتناهى إِنَّمَا ذكرنَا هَذَا الْقدر ليحصل التَّنْبِيه بِحسن التَّصَرُّف فِي تَحْقِيق الصِّفَات وَالله أعلم

كتاب الرّجْعَة وَفِيه بَابَانِ

= كتاب الرّجْعَة = - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الرّجْعَة وأحكامها وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الْأَركان وَهِي ثَلَاثَة المرتجع وَالْمَرْأَة والصيغة الأول المرتجع وَلَا يشْتَرط فِيهِ إِلَّا أَهْلِيَّة الاستحلال وَالْعقد كَمَا فِي أَهْلِيَّة النِّكَاح وَقد سبق الرُّكْن الثَّانِي الصِّيغَة فَنَقُول كل منطلق زَوجته طَلَاقا مستعقبا للعدة وَلم يكن بعوض وَلم يسْتَوْف عدد الطَّلَاق ثبتَتْ لَهُ الرّجْعَة بِنَصّ قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن} وبنص قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مره فَلْيُرَاجِعهَا فِي حَدِيث ابْن عمر وبإجماع الْأمة

وصريح صِيغَة الرّجْعَة بالِاتِّفَاقِ ثَلَاثَة قَوْله رجعت وراجعت وارتجعت وترددوا فِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ أَحدهَا قَوْله رددت أخذا من قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} فَمنهمْ من قَالَ هُوَ صَرِيح لوُرُود الْقُرْآن بِهِ وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر ثمَّ إِذا جَعَلْنَاهُ صَرِيحًا فَالظَّاهِر أَنه لَا بُد من صلَة وَهُوَ أَن يَقُول رَددتهَا إِلَيّ أَو إِلَى النِّكَاح لِأَنَّهُ من غير صلَة يشْعر بِالرَّدِّ المضاد للقبول وَأما قَوْله راجعت وارتجعت فَلَا يحْتَاج إِلَى الصِّلَة وَكَذَلِكَ قَوْله رجعت لِأَنَّهُ يسْتَعْمل لَازِما ومتعديا الثَّانِي لفظ الْإِمْسَاك وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه صَرِيح لقَوْله تَعَالَى {فأمسكوهن} وَالثَّانِي أَنه كِنَايَة لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر وَالثَّالِث أَنه لَيْسَ بكناية أَيْضا لِأَنَّهُ يشْعر بالاستصحاب لَا بالاستدراك

الثَّالِث لفظ التَّزْوِيج والإنكاح وَفِيه ثَلَاثَة أوجه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يرد الْقُرْآن بِهِ فِي الرّجْعَة وَهُوَ مَأْخَذ الصَّرِيح فَهُوَ كِنَايَة وَالثَّالِث أَنه لَيْسَ بكناية أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يشْعر بِهِ فَإِن قيل وَهل تَنْحَصِر صرائح الرّجْعَة بالتعبد كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاح أم لَا تَنْحَصِر حَتَّى تحصل بِمَا يدل على الْمَقْصُود كَقَوْلِه رفعت التَّحْرِيم الْعَارِض بِالطَّلَاق وأعدت الْحل الْكَامِل وَمَا يجْرِي مجْرَاه قُلْنَا حكم الْعِرَاقِيُّونَ بالانحصار وَزَعَمُوا أَن الْخلاف فِي لفظ الْإِمْسَاك وَالرَّدّ كالخلاف فِي لفظ المفاداة فِي الطَّلَاق وَالْخلاف فِي لفظ

التَّزْوِيج من حَيْثُ الأولى وَإِلَّا فَإِذا كَانَ الطَّلَاق لَا يَقع بقوله قطعت النِّكَاح ورفعته واستأصلته من غير نِيَّة الطَّلَاق فَلَا تحصل الرّجْعَة أَيْضا بقوله رفعت التَّحْرِيم بل أولى لِأَن الرّجْعَة اجتلاب حل فَهُوَ بالتعبد أَحْرَى وميل الشَّيْخ أبي عَليّ إِلَى أَنه لَا تَنْحَصِر صرائحه بِخِلَاف الطَّلَاق وَوجه أَن الرّجْعَة حكم ينبىء عَنهُ لفظ من حَيْثُ اللِّسَان فَيقوم مقَامه مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَأما النِّكَاح وَالطَّلَاق فأحكامهما غَرِيبَة لَيْسَ فِي اللُّغَة مَا يدل عَلَيْهِمَا لِأَن للشَّرْع فِيهِ مَوْضُوعَات غَرِيبَة فَلَا تُؤْخَذ صرائحهما إِلَّا من الشَّرْع فَإِن قيل هَل تتطرق الْكِنَايَة إِلَى الرّجْعَة قُلْنَا الصَّحِيح الْجَدِيد أَن الْإِشْهَاد لَا يشْتَرط فِي الرّجْعَة وَأَن الزَّوْج يسْتَقلّ بِهِ فتتطرق إِلَيْهِ الْكِنَايَة بِخِلَاف النِّكَاح وَإِن قُلْنَا يشْتَرط الْإِشْهَاد فالشاهد لَا يطلع على النِّيَّة فَيحْتَمل أَن يُقَال لَا بُد من الصَّرِيح وَيحْتَمل خِلَافه أَيْضا لِأَن الْقَرِينَة قد تفهم فرع فَإِن قَالَ مهما طَلقتك فقد رَاجَعتك فَطلقهَا لم تحصل الرّجْعَة وَلَو قَالَ مهما رَاجَعتك فقد طَلقتك فَرَاجعهَا حصل الطَّلَاق لِأَن الرّجْعَة فِي حكم الْخِيَار فَلَا تقبل التَّعْلِيق وَإِن كَانَ يسْتَقلّ بِهِ وَاعْلَم أَن الْفِعْل لَا يقوم مقَام اللَّفْظ فِي الرّجْعَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تحصل الرّجْعَة بِالْوَطْءِ وباللمس وبالنظر إِلَى الْفرج بالشهوة وَقَالَ

مَالك رَحمَه الله إِن قصد بِالْوَطْءِ الرّجْعَة حصل وَإِلَّا فَلَا الرُّكْن الثَّالِث الْمحل وَهِي الْمَرْأَة وَشَرطهَا أَمْرَانِ أَن تكون مُعْتَدَّة وَأَن تكون محلا للاستحلال الشَّرْط الأول أَن لَا تحرم بردتها فَإِذا ارْتَدَّت فَرَاجعهَا ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا بُد من اسْتِئْنَاف الرّجْعَة لِأَن الْمَقْصُود الْحل وَالْمحل غير قَابل وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله نتبين بعودها صِحَة الرّجْعَة إِذْ نتبين بِهِ بَقَاء النِّكَاح وَيشْهد لمذهبه أَن الظَّاهِر أَن إحرامها وإحرامه لَا يمْنَع الرّجْعَة بِخِلَاف ابْتِدَاء النِّكَاح إِلَّا أَن نقُول الْإِحْرَام عَارض منتظر الزَّوَال كَالصَّوْمِ وَالْحيض بِخِلَاف الرِّدَّة الشَّرْط الثَّانِي بَقَاء الْعدة وَمهما انْقَضتْ الْعدة قبل الرّجْعَة انْقَطَعت وَإِذا رَأينَا الْخلْوَة

مُوجبَة للعدة على الْمَذْهَب الضَّعِيف ثبتَتْ الرّجْعَة فِي عدتهَا وَفِيه وَجه ضَعِيف أَنه لَا تثبت نعم إِذا أثبتنا الْعدة بالإتيان فِي غير المأتى فَفِي الرّجْعَة وَجْهَان لِأَن إِيجَاب الْعدة بِهِ نوع تَغْلِيظ ثمَّ انْقِضَاء الْعدة يخْتَلف باخْتلَاف أَنْوَاع الْعدة وَهِي ثَلَاثَة الأول الْحمل وتنقضي الْعدة بِوَضْع الْوَلَد حَيا وَمَيتًا وناقصا وكاملا إِن كَانَت الصُّورَة والتخطيط قد ظهر عَلَيْهِ فَإِن كَانَ قِطْعَة لحم فَفِي انْقِضَاء الْعدة بِهِ قَولَانِ وَالْقَوْل قَول الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت الْوَضع على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يلْزمهَا الْبَيِّنَة لِأَن القوابل يشهدن الْولادَة وَرُبمَا صدقهَا فِي إجهاض السقط النَّاقِص إِذْ القوابل لَا يشهدن ثمَّ نَحن إِذا صدقناها فَإِنَّمَا نصدق فِي مَظَنَّة الْإِمْكَان وَإِن كَانَ الْوَلَد الْكَامِل بعد سِتَّة أشهر من وَقت إِمْكَان الْوَطْء وَإِمْكَان الصُّورَة بعد مائتة وَعشْرين يَوْمًا وَإِمْكَان قِطْعَة لحم بعد ثَمَانِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ لما رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ بَدَأَ خلق أحدكُم فِي بطن أمه أَرْبَعُونَ يَوْمًا نُطْفَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا علقَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا مُضْغَة ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ ملك فينفخ فِيهِ الرّوح وَيكْتب أَجله ورزقه وَيكْتب أشقي هُوَ أم سعيد

النَّوْع الثَّانِي الْعدة بِالْأَشْهرِ وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر فِيهِ نزاع فَإِن فرض النزاع فَيرجع إِلَى وَقت الطَّلَاق وَيكون القَوْل فِيهِ قَول الرجل النَّوْع الثَّالِث الْحيض فَإِن طَلقهَا فِي الطُّهْر فَأَقل مُدَّة تصدق فِيهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وساعتان لأَنا نقدر كَأَن لم يبْق من الطُّهْر إِلَّا سَاعَة فَيحصل قرء بِتِلْكَ السَّاعَة وَإِن قُلْنَا مُجَرّد الإنتقال قرء فَلَا تعْتَبر هَذِه السَّاعَة ونقدر اقتران الطَّلَاق بآخر جُزْء من الطُّهْر وَأما ثَلَاثُونَ يَوْمًا فلطهرين آخَرين لِأَن أقل مُدَّة الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا ويومان وَلَيْلَتَانِ بحيضتين والساعة الثَّانِيَة للشروع فِي الْحيض حَتَّى نتبين تَمام الْقُرْء لَا من نفس الْعدة وَإِن طَلقهَا فِي الْحيض لم تحسب بَقِيَّة الْحيض فلنقدر أَنه وَقع فِي آخر جُزْء فَأَقل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ ثَلَاثَة أطهار وَهِي خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وحيضتان وَهِي فِي يَوْمَيْنِ وليلتين وَلَا بُد من ساعتين كَمَا سبق وَجُمْلَته سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا ولحظتان وَإِن طَلقهَا وَهِي صبية لم تَحض بعد وَادعت الْحيض فَأَقل مدَّتهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ولحظتان إِلَّا إِذا قُلْنَا إِن الْقُرْء هُوَ طهر محتوحش بدمين فَتكون أقل مدَّتهَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا ولحظتين إِذْ لَا بُد من ثَلَاث حيض وَثَلَاثَة أطهار هَذَا كُله فِي المضطربة الْعَادة أَو المستقيمة على الْأَقَل فَإِن كَانَت لَهَا عَادَة مُسْتَقِيمَة على

غير الْأَقَل فَهَل تصدق فِيمَا ينقص من عَادَتهَا فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه يقبل لِأَن تغير الْعَادة مُمكن وَهِي مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا فرع إِذا وَطئهَا قبل الرّجْعَة لَزِمَهَا اسْتِئْنَاف عدَّة وتندرج بَقِيَّة الْعدة تَحْتَهُ فَإِن كَانَ قد بَقِي قرء وَاحِد فَلهُ الرّجْعَة إِلَى تَمام ذَلِك الْقُرْء وَإِن أحبلها بِالْوَطْءِ فَفِي اندراج بَقِيَّة الْعدة تَحت عدَّة الْحمل خلاف فَإِذا ادرجنا امتدت الرّجْعَة إِلَى وضع الْحمل وَإِن لم تندرج شرعت فِي عدَّة الْحمل إِذْ لم يقبل ذَلِك تَأْخِيرا فَإِذا وضعت الْحمل شرعت فِي عدَّة الرّجْعَة بِبَقِيَّة الْأَقْرَاء وَتثبت فِيهِ الرّجْعَة وَهل تثبت فِي مُدَّة الْحمل فِيهِ وَجْهَان

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْكَام الرَّجْعِيَّة وَهِي مترددة بَين الْمَنْكُوحَة والبائنة لِأَن الطَّلَاق أوجب خللا فِي الْملك وَلم يُوجب زَوَاله فلاختلاله قُلْنَا إِنَّه يحرم وَطْؤُهَا وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يلزما الْمهْر بِالْوَطْءِ رَاجعهَا أَو لم يُرَاجِعهَا وَنَصّ فِي الْمُرْتَدَّة إِذا وَطئهَا ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام أَنه لَا مهر فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَالْفرق مُشكل وغايته أَن الرّجْعَة فِي حكم ابْتِدَاء أَو اسْتِدْرَاك وعودها إِلَى الْإِسْلَام يُعِيد الْحل السَّابِق وَلَيْسَ فِي حكم الِابْتِدَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا يجب الْحَد وَإِن وَجب الْمهْر لِأَن الْملك بِالْكُلِّيَّةِ لم يزل وشبب بعض الْأَصْحَاب بِخِلَاف فِي وعَلى الْجُمْلَة يحرم الْوَطْء وَقطع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِوُجُوب الْمهْر يدل على اختلال أصل الْملك إِن لم يدل على زَوَاله وَيدل على بَقَاء أصل الْملك صِحَة الطَّلَاق وَصِحَّة الْخلْع وَالظِّهَار وَالْإِيلَاء وَاللّعان وجريان الْمِيرَاث وَلُزُوم النَّفَقَة وَفِي الْخلْع قَول قديم أَنه لَا يَصح وَلَو قَالَ زوجاتي طَوَالِق اندرجت الرَّجْعِيَّة تَحْتَهُ وَطلقت على الْأَصَح لِأَنَّهَا زوجه فِي خمس آي من كتاب الله تَعَالَى هَذَا لفظ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَأَرَادَ بِهِ آياة الْإِيلَاء وَالظِّهَار وَغَيرهمَا

وَلَا خلاف فِي لَو أَنه اشْترى زَوجته الرَّجْعِيَّة لزمَه الِاسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا كَانَت مُحرمَة وَإِن استبرئها فِي صلب النِّكَاح فَلَا اسْتِبْرَاء على الْأَظْهر وَقيل إِنَّه يجب لتبدل جِهَة الْحل وَقد قَالَ بعض الْأَصْحَاب تردد قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْخلْع يدل على اخْتِلَاف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن الْملك زائل أم لَا وَقَول بعض الْأَصْحَاب إِنَّه إِن رَاجع بعد الْوَطْء فَلَا مهر وَإِن لم يُرَاجع يجب الْمهْر يدل على أَن الْملك مَوْقُوف فَتحصل فِي زَوَال الْملك ثَلَاثَة أَقْوَال

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي النزاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَله صور خمس الأولى أَن يتَّفقَا على انْقِضَاء الْعدة يَوْم الْجُمُعَة لَكِن الزَّوْج قَالَ راجعت يَوْم الْخَمِيس وَقَالَت بل يَوْم السبت فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ الَّذِي ذكره المراوزة من عِنْد آخِرهم وَهُوَ الْقيَاس أَن القَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على الطَّلَاق وانقضاء الْعدة فَالْأَصْل انْقِطَاع النِّكَاح وَالزَّوْج يُرِيد دَفعه بِدَعْوَى الرّجْعَة فَعَلَيهِ الْإِثْبَات وَالْوَجْه الثَّانِي ذكره الْعِرَاقِيُّونَ أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَالرَّجْعَة إِلَى الزَّوْج وَلَيْسَ لَهَا قَول إِلَّا فِي انْقِضَاء صُورَة الْأَقْرَاء وَالزَّوْج يُنكر بَقَاء الْعدة بعد يَوْم الْخَمِيس إِذْ الرّجْعَة تقطع الْعدة ويحققه أَن الزَّوْج لَو ادّعى الْوَطْء فِي مُدَّة الْعنَّة يصدق مَعَ أَن الأَصْل عَدمه لتقرير النِّكَاح فَهَذَا أولى وَالثَّالِث ذكره صَاحب التَّقْرِيب أَن الْمُصدق هُوَ السَّابِق إِلَى الدَّعْوَى فَإِذا سبقت بِدَعْوَى الإنقضاء الِانْقِضَاء فقد حكم الشَّرْع بقولِهَا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يرْتَفع بِدَعْوَاهُ من غير بَيِّنَة وَكَذَلِكَ إِذا سبق الزَّوْج فعلى هَذَا إِن تساوقا رَجَعَ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ زَالَ الْمُرَجح لَهُ الصُّورَة الثَّانِيَة أَلا يَقع التَّعَرُّض لوقت الْعدة وَالرَّجْعَة وَلَكِن اتفقَا على جَرَيَان الْأَمريْنِ وَاخْتلفَا فِي التَّقَدُّم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه الْمُصدق لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح

وَالثَّانِي أَنَّهَا المصدقة لِأَنَّهَا مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا عاجزة عَن الْإِشْهَاد وَالزَّوْج على قَادر على الْإِشْهَاد على الرّجْعَة الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يَقع الْوِفَاق على أَن الرّجْعَة جرت يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِن قَالَت كَانَت الْعدة قد انْقَضتْ يَوْم الْخَمِيس وَقَالَ الزَّوْج بل يَوْم السبت فَهَذَا كصورة الأولى فترجع الْوُجُوه الثَّلَاثَة الصُّورَة الرَّابِعَة أَن يَقع الْوِفَاق من وَقت انْقِضَاء الْعدة ويدعى الزَّوْج رَجْعَة قبلهَا وَأنْكرت أصل الرّجْعَة قَالَ صَاحب التَّقْرِيب هِيَ المصدقة بِلَا خلاف وَالْأَظْهَر جَرَيَان الْأَوْجه إِذْ لم تفارق هَذِه الصُّورَة مَا قبلهَا إِلَّا أَنَّهَا أنْكرت لفظ الرّجْعَة وَهُنَاكَ إِنَّمَا أقرَّت بِلَفْظ الرّجْعَة لَا بِحَقِيقَة الرّجْعَة الصُّورَة الْخَامِسَة النزاع مَعَ قيام الْعدة فَإِذا قَالَ رَاجَعتك أمس فأنكرت فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ قَادر على الْإِنْشَاء فَيقبل قَوْله كَقَوْل الْوَكِيل قبل الْعَزْل وَقيل الأَصْل عدم الرّجْعَة فَالْقَوْل قَوْلهَا فَإِن أَرَادَ الْإِنْشَاء فلينشأ وَالصَّحِيح أَن إخْبَاره لَا يَجْعَل إنْشَاء وَحكي عَن الْقفال إِنَّه إنْشَاء وَهُوَ بعيد لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن من أقرّ بِالطَّلَاق كَاذِبًا لم يكن إِن شَاءَ فرع إِذا أنْكرت الرّجْعَة ثمَّ أقرَّت قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لم تمنع عَنهُ فَهُوَ كمن أقرّ بِحَق بعد الْجُحُود وَهَذَا فِيهِ إِشْكَال لِأَنَّهَا أقرَّت بِالتَّحْرِيمِ على نَفسهَا ثمَّ رجعت وَلَو أقرَّت بِتَحْرِيم رضَاع أَو نسب لم تمكن من الرُّجُوع وَلَكِن الْفرق أَن الرّجْعَة تصح دونهَا

فلعلها أنْكرت إِذْ لم تعرف وَلَا تقر بِالرّضَاعِ وَالنّسب وَهُوَ إِثْبَات إِلَّا على بَصِيرَة نعم من قَالَ مَا أتلف فلَان مَالِي ثمَّ رَجَعَ إِلَى الدَّعْوَى لم يُمكن لِأَنَّهُ أقرّ على نَفسه وَهَاهُنَا جحدت حق الزَّوْج فَإِذا توافقا لم يبطل حق الزَّوْج وَلَو قَالَت مَا رضيت فِي النِّكَاح ثمَّ رجعت فَهَذَا مُحْتَمل لِأَنَّهَا تحقق رضَا نَفسهَا وَلذَلِك تحلف على الْبَتّ وَلكنهَا جحدت حق الزَّوْج فَالْأَظْهر أَنه يغلب جَانب الزَّوْج وَتمكن الْمَرْأَة من الرُّجُوع

= كتاب الْإِيلَاء = وَفِيه بَابَانِ أَحدهمَا فِي أَرْكَانه وَالثَّانِي فِي أَحْكَامه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصورته أَن يَقُول لزوجته وَالله لَا أجامعك وَلَقَد كَانَ هَذَا طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ غير الشَّرْع حكمه وَقضى بِأَن الزَّوْج بعد مُضِيّ أَرْبَعَة أشهر يجْبر على الْوَطْء أَو الطَّلَاق وَالْإِيلَاء فِي اللُّغَة مُشْتَقّ من الألية وَهِي الْحلف وَلَكِن عرف الشَّرْع خصصه بِالْيَمِينِ الْمَعْقُود على الإمتناع من وَطْء الْمَنْكُوحَة وأركانه أَرْبَعَة الْحَالِف والمحلوف بِهِ والمحلوف عَلَيْهِ والمدة الْمَحْلُوف فِيهَا الرُّكْن الأول الْحَالِف وَهُوَ كل زوج يتَصَوَّر مِنْهُ الْجِمَاع فقولنا زوج يَشْمَل أَصْنَاف الْأزْوَاج من الْمُسلم وَالْكَافِر وَالْحر وَالْعَبْد وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَإِن خَالف فِي ظِهَار الذِّمِّيّ فقد وَافق فِي صِحَة إِيلَاء الذِّمِّيّ ثمَّ إِذا رفع الذِّمِّيّ إِلَيْنَا حكمنَا عَلَيْهِ بِحكم الْإِسْلَام حَتَّى فِي إِيجَاب الْكَفَّارَة وَيخرج عَن الضَّابِط قَول الرجل لأجنبية وَالله لَا أجامعك أبدا فَإِنَّهُ إِذا نَكَحَهَا لم يكن

مؤليا وَإِن كَانَ الضرار حَاصِلا وَلَكِن الْإِيلَاء كَانَ طَلَاقا وتصرفا فِي النِّكَاح فَغير حكمه دون أَصله فَلَا يَصح من الْأَجْنَبِيّ وَلَيْسَ كل ضَرَر يدْفع وَإِنَّمَا الْمَدْفُوع إِضْرَار من الزَّوْج فِي حَالَة الزَّوْجِيَّة وَقد ذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها غَرِيبا أَن هَذَا إِيلَاء وَلَا يتَّجه إِلَّا على قَول غَرِيب حَكَاهُ أَيْضا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِالْملكِ على مُوَافقَة أبي حنيفَة رَحمَه الله وَهُوَ غير صَحِيح وَأما الْإِيلَاء عَن الرَّجْعِيَّة فَصَحِيح وَإِنَّمَا يُفِيد إِذا رَاجعهَا لِأَن الْعَائِد هُوَ حل النِّكَاح الأول فَهِيَ فِي حكم الزَّوْجَات وَأما قَوْلنَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْجِمَاع فَيدْخل فِيهِ الْمَرِيض المدنف والخصي والمجبوب بعض ذكره فَيصح إِيلَاء جَمِيعهم لِإِمْكَان الْوَطْء مِنْهُم على حَال فَأَما الَّذِي جب تَمام ذكره فقد اخْتلف فِيهِ النُّصُوص وللأصحاب فِيهِ طرق وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَوجه صِحَّته أَنه إِضْرَار بِاللِّسَانِ فيمكنه الْفَيْئَة بِاللِّسَانِ والإعتذار بِالْعَجزِ كَمَا فِي الْمَرِيض وَمِنْهُم من قطع بِالْبُطْلَانِ وَقَالَ الْقَوْلَانِ فِيهِ إِذا حلف ثمَّ جب

وَمِنْهُم من قطع القَوْل بِأَنَّهُ وَإِن جب بعد الْحلف أَنه يبطل الْإِيلَاء لِأَنَّهُ أَيْضا حصل الْيَأْس من الْحِنْث فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ إِن وَطئتك فَعَبْدي حر فَمَاتَ العَبْد فَإِنَّهُ يبطل الْإِيلَاء لحُصُول الْيَأْس ثمَّ إِيلَاء الرتقاء والقرناء كإيلاء الْمَجْبُوب فَيخرج على الْخلاف

الرُّكْن الثَّانِي الْمَحْلُوف بِهِ وَالنَّظَر فِيهِ فِي سِتَّة أَقسَام الْقسم الأول الْحلف بِاللَّه أَو بِصفة من صِفَاته وَهِي الأَصْل وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه لَو وطىء هَل يلْزمه كَفَّارَة الْيَمين الْجَدِيد وَهُوَ الْقيَاس أَنه يلْزمه لانه حنث فِي يَمِين بِاللَّه تَعَالَى وَفِي الْقَدِيم قَولَانِ وَوَجهه أَن الْإِيلَاء كَانَ طَلَاق الْجَاهِلِيَّة فَغَيره الشَّرْع وَجعله مُوجبا للطَّلَاق بعد مُدَّة فَكَانَ حكمه بِضَرْب الْمدَّة وَإِيجَاب الطَّلَاق بدل عَن الْكَفَّارَة وَيشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى {أشهر فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} فَإِن هَذَا لَا يشْعر بِلُزُوم الْكَفَّارَة بل يشْعر بِأَنَّهُ يُوجب الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة نعم لَو حلف على أَن لَا يَطَأهَا ثَلَاثَة أشهر تلْزمهُ كَفَّارَة الْيَمين إِذا حنث لِأَن هَذَا لَيْسَ بإيلاء وَقيل بطرد القَوْل الْقَدِيم فِيهِ أَيْضا وَهُوَ بعيد الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن صِحَة الْإِيلَاء هَل تخْتَص بِالْيَمِينِ بِاللَّه تَعَالَى أم يَصح بِالْتِزَام الْعِبَادَات وَتَعْلِيق الطَّلَاق وَغَيره الْجَدِيد أَنه لَا يخْتَص لِأَنَّهُ مَنُوط بالإضرار والإضرار لانْقِطَاع رَجَاء الْمَرْأَة ورجاؤها يَنْقَطِع إِذا ظهر مَانع للزَّوْج وكما أَن خوف الْكَفَّارَة يمْنَع فَكَذَلِك خوف هَذِه اللوازم وتوجيه الْقَدِيم أَن الْإِيلَاء مَأْخُوذ من عَادَة

الْعَرَب وَهِي الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى عِنْدهم فَلَا يَنْبَغِي أَن يتَصَرَّف فِيهِ بِالْمَعْنَى وَلَا تَفْرِيع بعد هَذَا على هَذَا القَوْل أصلا فرع لَو كرر الْإِيلَاء بعد تخَلّل فصل وَقَالَ أردْت التَّأْكِيد قبل على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إِخْبَار فَأشبه الْإِقْرَار دون الْإِنْشَاء وَكَذَا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يقبل لِأَنَّهُ بالإنشاء أشبه الْقسم الثَّانِي فِي الْحلف بِالْتِزَام الْعِبَادَات فَإِذا قَالَ إِذا جامعتك فَللَّه عَليّ صَوْم أَو صَلَاة أَو عتق رَقَبَة أَو تصدق بِمَال فَهُوَ مؤل فَإِذا حنث فَفِيمَا يلْزمه الْأَقْوَال الْمَعْرُوفَة فِي يَمِين الْغَضَب واللحجاج نعم لَو قَالَ إِن وَطئتك فَللَّه عَليّ صَوْم هَذَا الشَّهْر لم يَصح الْإِيلَاء لِأَن الْمُطَالبَة تتَوَجَّه بعد انْقِضَاء الشَّهْر وانحلال الْيَمين الْقسم الثَّالِث الْحلف بِالْعِتْقِ وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ إِن جامعتك فَعَبْدي حر فَمَاتَ العَبْد أَو بَاعه أَو أعْتقهُ انحل الْإِيلَاء بعد انْعِقَاده لِأَنَّهُ خرج عَن التَّعَرُّض لالتزام شَيْء بِالْوَطْءِ وَلَو قَالَ إِن جامعتك فَعَبْدي حر قبله بِشَهْر صَار مؤليا وَلَكِن تحسب مُدَّة الْإِيلَاء بعد مُضِيّ شهر فَتكون الْمُطَالبَة فِي الشَّهْر السَّادِس إِذْ لَو وطىء فِي الشَّهْر الأول لم يلْزمه شَيْء فَإِن الْعتْق لَا يُمكن تَقْدِيمه على اللَّفْظ فَبعد تَمام الشَّهْر يتَعَرَّض للالتزام فَلَو بَاعَ العَبْد فِي منتصف الْخَامِس طُولِبَ فِي

السَّادِس لِأَنَّهُ لَو وطىء لتبين بطلَان البيع وَتقدم الْعتْق عَلَيْهِ وَلَو تركت الْمُطَالبَة حَتَّى انْقَضى من وَقت البيع شهر كَامِل سَقَطت الْمُطَالبَة إِذْ سقط التَّعَرُّض الْتِزَام الثَّانِيَة إِذا قَالَ إِن وَطئتك فعبد حر عَن ظهاري وَكَانَ قد ظَاهر صَار مؤليا وَعند الْوَطْء يعْتق العَبْد عَن الظِّهَار وَيكون الإلتزام الْجَدِيد فِي الْإِيلَاء تعْيين العَبْد وتعجيل الْعتْق فَإِن ذَلِك لم يُوجِبهُ الظِّهَار وَفِيه وَجه أَنه يعْتق وَلَا ينْصَرف إِلَى الظِّهَار لِأَنَّهُ يتَأَدَّى بِهِ حق الْحِنْث فَلَا يتَأَدَّى بِهِ حق الظِّهَار وطردوا هَذَا فِيمَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر عَن ظهاري وَهُوَ بعيد فَإِن التَّعْلِيق لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِضَافَة الْعتْق إِلَى الزَّمَان فَهُوَ كالتنجييز أما إِذا لم يكن قد ظَاهر فَلَا يكون مؤليا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَو وطىء لم يعْتق عَبده لِأَنَّهُ قَالَ أَنْت حر عَن ظهاري وَلَا ظِهَار وَلَكِن فِي الظَّاهِر يَجْعَل مقرا بالظهار وَيعتق عَبده عِنْد الْوَطْء وَيجْعَل مؤليا لذَلِك الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِن جامعتك فَعَبْدي حر عَن ظهاري إِن تظهرت فَهَذَا تَعْلِيق لعتق العَبْد بصفتين بِالْوَطْءِ وَالظِّهَار وَحكمه أَنه لَو وطىء أَولا لم يعْتق وَلَكِن يتَعَرَّض للُزُوم لَو ظَاهر فَيعتق العَبْد لَا على جِهَة الظِّهَار لِأَنَّهُ قدم تَعْلِيقه على الظِّهَار فَلَا ينْصَرف إِلَيْهِ ثمَّ قَالُوا لَا يصير مؤليا فِي الْحَال وَلَكِن لَو ظَاهر أَولا صَار مؤليا لِأَنَّهُ صَار الْعتْق مُتَعَلقا بِالْوَطْءِ ثمَّ قَالُوا إِنَّه يعْتق لَا من جِهَة الظِّهَار وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِذا لم ينْصَرف إِلَى الظِّهَار فَيَنْبَغِي أَن لَا يعْتق كَمَا إِذا قَالَ أَنْت حر عَن ظهاري وَلم يكن قد ظَاهر فَإِنَّهُ لَا يعْتق بَاطِنا كَمَا ذَكرْنَاهُ ثمَّ إِذا لم يعْتق لَا يصير مؤليا لِأَنَّهُ لَا الْتِزَام إِلَّا أَن يُقَال يلغى قَوْله عَن ظهاري لِأَنَّهُ جعل الْعتْق محالا وَبَقِي قَوْله أَنْت حر فَهَذَا لَهُ احْتِمَال وَلَكِن فِي

الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا أَعنِي فِي التَّعْلِيق وَفِي قَوْله أَنْت حر عَن ظهاري إِذا لم يكن قد ظَاهر الرَّابِعَة إِذا قَالَ إِن جامعتك فَللَّه عَليّ أَن أعتق هَذَا العَبْد عَن ظهاري فكونه مؤليا يَبْنِي على أَن العَبْد هَل يتَعَيَّن بِالنذرِ وَيعتق بِعِتْق سبق لُزُومه فِيهِ خلاف سَيَأْتِي فِي النذور الْقسم الرَّابِع فِي الْحلف بِالطَّلَاق وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه لَو قَالَ إِن وَطئتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَهُوَ مؤل على الْجَدِيد ثمَّ يُطَالب بالفيئة أَو تَنْجِيز الطَّلَاق وَيُقَال لَهُ فِي الْفَيْئَة عَلَيْك تغييب الْحَشَفَة والنزع فِي الْحَال مُتَّصِلا بالتغييب من غير مكث فَإِنَّهُ يَقع بِهِ الثَّلَاث وَتحرم وَيَقَع النزع فِي حَال التَّحْرِيم وَلكنه كالخروج من الْمعْصِيَة فَلَا بَأْس بِهِ وَقَالَ ابْن خيران يحرم الْوَطْء إِذْ وصل النزع غير مُمكن وَيتَّجه مذْهبه أَيْضا فَإِن النزع أَيْضا نوع مماسة وَالْخُرُوج عَن الْملك الْمَغْصُوب جَائِز للضَّرُورَة وَلَكِن تَعْرِيض النَّفس لمثل ذَلِك بِالِاخْتِيَارِ غير جَائِز فرع لَو قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا إِن وَطئتك فَأَنت طَالِق فَهُوَ مؤل فَإِن وَطئهَا وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَإِن كَانَ الطَّلَاق مُقَارنًا للْوَطْء غير مُتَأَخّر عَنهُ لِأَن الْوَطْء مُقَرر وَالطَّلَاق مُبين فقد اجْتمعَا فغلب جَانب تَقْرِير النِّكَاح الثاينة إِذا قَالَ إِن وَطئتك فضرتك طَالِق فَهُوَ مؤل فَإِن أبان الضرة انْقَطع الْإِيلَاء لزوَال الإلتزام فَإِن جدد نِكَاحهَا وَقُلْنَا بِعُود الْحِنْث عَاد الْإِيلَاء فتبنى الْمدَّة على مَا مضى من الْمدَّة قبل الطَّلَاق وَمَا تخَلّل فِي مُدَّة الْإِبَانَة لَا يحْسب وَلَا تسْتَأْنف الْمدَّة بِخِلَاف الرِّدَّة وَالرَّجْعَة إِذا طرءا كَمَا سَيَأْتِي الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِن وطِئت إِحْدَاكُمَا فالأخرى طَالِق فَهُوَ مؤل قَالَ ابْن الْحداد إِذا مَضَت الْمدَّة وجاءتا إِلَى القَاضِي طالبتين طلق القَاضِي إِحْدَاهمَا على الْإِبْهَام ثمَّ إِن كَانَ

الزَّوْج قد نوى إِحْدَاهمَا نزل على المنوية وعَلى الزَّوْج الْبَيَان وَإِن كَانَ قد أبهم بَقِي مُبْهما وَوَجَب على الزَّوْج التَّعْيِين فَلَو قَالَ قبل التَّعْيِين راجعت الَّتِي صادفها الطَّلَاق فَفِي صِحَة الرّجْعَة مَعَ الْإِبْهَام وَجْهَان وَالأَصَح أَنَّهَا إِذا لم تقبل التَّعْلِيق فَلَا تقبل الْإِبْهَام قَالَ الْقفال غلط ابْن الْحداد لِأَن الدَّعْوَى لَا تصح مُبْهما وهما معترفتان بالإشكال وهما كرجلين قَالَا عِنْد القَاضِي لِأَحَدِنَا على فلَان ألف فَإِنَّهُ لَا يسمع لَكِن يتَّجه لِابْنِ الْحداد أَن الضرار قد تحقق بهما وَلَا بُد من الرّفْع عَنْهُمَا الْقسم الْخَامِس فِي الْيَمين الَّتِي تقرب الْوَطْء من الإلتزام وَفِيه صِيغ الأولى إِذا آلى عَن نسْوَة فَقَالَ وَالله لَا أجامعكن فَإِنَّمَا تلْزمهُ الْكَفَّارَة إِذا جَامع جَمِيعهنَّ فَلَا تتَعَلَّق كَفَّارَة بِوَطْء وَاحِدَة وَلَكِن يتَعَلَّق بِهِ الْقرب من الْحِنْث بِوَطْء الْبَاقِيَات فالجديد أَنه لَا يصير مؤليا حَتَّى يطَأ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ فَيصير مؤليا فِي حق الرَّابِعَة إِذْ تتَوَقَّف الْكَفَّارَة على وَطئهَا وَالْقَوْل الْقَدِيم أَنه مؤل لِأَن الْقرب من اللُّزُوم مَحْذُور كأصل اللُّزُوم فعلى هَذَا لَو وطىء وَاحِدَة سقط إيلاؤها دون الْبَوَاقِي وَكَذَلِكَ لَو طلق وَاحِدَة أما إِذا مَاتَت وَاحِدَة سقط إِيلَاء الْكل إِذْ حصل الْيَأْس عَن جماع جَمِيعهنَّ وَبِه يَقع الْحِنْث الصِّيغَة الثاينة أَن يَقُول وَالله لَا أجامع كل وَاحِدَة مِنْكُن فَهَذَا إِيلَاء إِذْ يتَعَلَّق الْحِنْث بِكُل وَاحِدَة وَلَو قَالَ لَا أجامع وَاحِدَة مِنْكُن فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يُرِيد بِهِ لُزُوم الْكَفَّارَة بِوَاحِدَة أَي وَاحِدَة كَانَت على الْعُمُوم فَهُوَ مؤل إِذْ مَا من وَاحِدَة يَطَؤُهَا إِلَّا وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَلَكِن إِذا وطىء وَاحِدَة انْقَطع إِيلَاء الْبَاقِيَات إِذْ

الْيَمين لَا يتَنَاوَل إِلَّا وَاحِدَة الثَّانِيَة أَن يَقُول أردْت وَاحِدَة مُعينَة مُبْهمَة وَعلي تَعْيِينهَا اَوْ قَالَ نَوَيْت وَاحِدَة بِعَينهَا وَعلي بَيَانهَا انْعَقَد الْإِيلَاء كَذَلِك وَيُطَالب بِالْبَيَانِ أَو التَّعْيِين وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا إِيلَاء لِأَن كل وَاحِدَة ترجو أَن لَا تكون هِيَ المرادة أَو الْمعينَة بالإيلاء فَكيف يُسَاوِي هَذَا الْيَأْس الْمُحَقق فِي مُعينَة وَهَذَا مُتَّجه إِن اعْترفت بالإشكال فَإِن ادَّعَت أَنه عناها وَجب عَلَيْهِ الْجَواب لَا محَالة ثمَّ إِذا لم يكن قد عين فعين فتحسب الْمدَّة من وَقت التَّعْيِين أَو من وَقت الْيَمين فِيهِ خلاف يَنْبَنِي على أَن الطَّلَاق الْمُبْهم مَتى وَقع كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق الْحَالة الثَّالِثَة أَن يُطلق هَذِه الصِّيغَة فعلى أَي الْمَعْنيين يحمل فِيهِ وَجْهَان لتعارض الإحتمالين الصِّيغَة الثَّالِثَة إِذا قَالَ وَالله لَا أجامعك فِي السّنة إِلَّا مرّة وَاحِدَة فالوطء يقربهُ من الْحِنْث فَيكون مؤليا على الْقَدِيم دون الْجَدِيد وعَلى الْجَدِيد إِذا وَطئهَا صَار مؤليا فَينْظر إِلَى بَقِيَّة الْمدَّة من السّنة فَإِن كَانَت دون أَرْبَعَة أشهر فَلَيْسَ بمؤل وَإِن زَاد صَار مؤليا من وَقت الْوَطْء وَلَو قَالَ وَالله لَا أجامعك فِي السّنة إِلَّا مائَة مرّة أَو ألف مرّة فَحكمه حكم الْمرة الْوَاحِدَة لَا تخْتَلف بِالْكَثْرَةِ والقلة الصِّيغَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ إِن جامعتك مرّة فوَاللَّه لَا أجامعك بعْدهَا فَهَذَا تَعْلِيق يَمِين بِالْوَطْءِ فَمنهمْ من قطع بِأَنَّهُ لَيْسَ مؤليا لِأَنَّهُ لَيْسَ بحالف 7 فِي الْحَال حَتَّى يَطَأهَا مرّة وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ لِأَن الْوَطْء يعرضه لِأَن يصير حَالفا

وَلَو قَالَ إِن وَطئتك فَأَنت طَالِق إِن دخلت الدَّار قَالَ القَاضِي هُوَ مؤل قطعا لِأَن الْوَطْء يصير مَانِعا لَهَا عَن الدُّخُول وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ إِذْ لَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فرع إِذا قَالَ إِن وَطئتك فوَاللَّه لَا أطؤك فغيب الْحَشَفَة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِيلَاج ثَانِيًا فَفِي لُزُوم الْكَفَّارَة خلاف والاوجه أَن الْوَطْء يتَنَاوَل جَمِيع الإيلاجات فَلَا يَحْنَث بالوطأة الأولى ويلتفت إِلَى خلاف فِي وجوب الْمهْر إِذا كَانَ الْمُعَلق بِهِ ثَلَاث طلقات الْقسم السَّادِس فِي شُرُوط لفظ الْإِيلَاء وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الْكِنَايَة لَا تتطرق إِلَى لفظ الْيَمين من الْإِيلَاء فَلَو آلى عَن امْرَأَة ثمَّ قَالَ لأخرى أَشْرَكتك مَعهَا لم يصر مؤليا لِأَن عماد الْإِيلَاء ذكر اسْم الله تَعَالَى وَفِي مثله من الظِّهَار خلاف مَبْنِيّ على أَن الْمُغَلب فِيهِ الْيَمين أَو الطَّلَاق وَلَا خلاف فِي جَوَاز الْإِشْرَاك فِي نفس الطَّلَاق وَأما إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فانت طَالِق ثمَّ قَالَ لغَيْرهَا أَشْرَكتك مَعهَا وَأَرَادَ تَعْلِيق طَلَاق الثَّانِيَة بِدُخُولِهَا فِي نَفسهَا لَا بِدُخُول الأولى فَفِي ذَلِك خلاف وَلَو قَالَ أَنْت عَليّ حرَام وَنوى الْإِيلَاء فَالظَّاهِر أَنه لَا ينْعَقد كَلَفْظِ الْإِشْرَاك وَالثَّانيَِة أَنه ينْعَقد لِأَن هَذَا اللَّفْظ ورد فِي الْقُرْآن لإِيجَاب الْكَفَّارَة الثَّانِيَة فِي تَعْلِيق الْإِيلَاء وَهُوَ صَحِيح كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار فوَاللَّه لَا أطؤك وَلَو

قَالَ وَالله لَا أجامعك إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت صَار مؤليا وَهل تخْتَص الْمَشِيئَة بِالْمَجْلِسِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا فِي الطَّلَاق وَالثَّانِي لَا كَمَا فِي التَّعْلِيق بِالدُّخُولِ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله إِذا علق بمشيئتها لم يكن مؤليا لِأَنَّهَا الَّتِي أضرت بِنَفسِهَا إِلَّا أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ يعْتَبر ذَلِك فَإِنَّهَا لَو تركت الْمُطَالبَة بعد انْقِضَاء الْمدَّة فلهَا الْعود إِلَى الْمُطَالبَة لِأَنَّهَا تتْرك عَليّ توقع فَلذَلِك تشَاء على توقع أَن الزَّوْج يُخَالف مشيئتها ويطؤها الثَّالِثَة أَنه لَا يتشرط اقتران الْغَضَب بالإيلاء عندنَا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يكون مؤليا إِلَّا فِي حَالَة الْغَضَب وَهُوَ بعيد إِذْ الضرار حَاصِل بِكُل حَال

الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمدَّة الْمَحْلُوف عَلَيْهَا وَالْمُطلق مِنْهُ قَوْله لَا اجامعك والمقيد قَوْله لَا أجامعك سنة فَإِن حلف على أَرْبَعَة أشهر فَمَا دونه لَا يكون مؤليا لِأَنَّهُ قَاصِر عَن الْمدَّة الشَّرْعِيَّة وَلَو حلف على خَمْسَة أشهر فَهُوَ مؤل وَيُطَالب فِي الشَّهْر الْخَامِس وَلَو حلف على أَرْبَعَة أشهر ولحظة فَهُوَ مؤل على معنى أَنه يَأْثَم وَلَكِن لَا تظهر فَائِدَته فِي الْمُطَالبَة وَلَو حلف على أَرْبَعَة أشهر فَلَمَّا كَانَ فِي الشَّهْر الرَّابِع حلف على أَرْبَعَة أُخْرَى وَلم يزل كَذَلِك يفعل أبدا فَلَيْسَ مؤليا وَإِن كَانَ الضرار حَاصِلا وَلَو قَالَ دفْعَة لَا أجامعك أَرْبَعَة أشهر فَإِذا انْقَضتْ فوَاللَّه لَا أجامعك أَرْبَعَة أشهر وَهَكَذَا حَتَّى استوفى مُدَّة طَوِيلَة فَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بمؤل لِأَنَّهُ إِذا انْقَضى أَرْبَعَة أشهر فَكيف يُطَالب بِحكم الْيَمين الأولى وَقد انْحَلَّت أَو بِحكم الْيَمين الثَّانِيَة وَلم يَنْقَضِي مِنْهَا إِلَّا لَحْظَة وَفِيه وَجه أَنه إِذا فعل ذَلِك مرّة وَاحِدَة فَهُوَ مؤل لِأَنَّهُ يصير ذَرِيعَة إِلَى الْإِضْرَار وَيلْزم عَلَيْهِ مَا لَو فعل ذَلِك آخر كل أَرْبَعَة أشهر وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ إِذا مَضَت خَمْسَة أشهر فوَاللَّه لَا أطؤك لَا يصير مؤليا حَتَّى تَنْقَضِي خَمْسَة أشهر فبعده تستفتح الْمدَّة وَلَو قَالَ وَالله لَا اطؤك خَمْسَة أشهر وَإِذا انْقَضتْ فوَاللَّه لَا أطؤك سنة فَإِذا انْقَضى أَرْبَعَة أشهر طُولِبَ بالفيئة فِي الشَّهْر الْخَامِس فَإِن فَاء انْقَطَعت الطّلبَة فِي الشَّهْر الْخَامِس فَإِذا انْقَضى الشَّهْر الْخَامِس استفتحنا مُدَّة أَرْبَعَة أشهر للْيَمِين الثَّانِيَة

وَلَو قَالَ لَا أطؤك حَتَّى تصعدي السَّمَاء أَو ينزل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَو يخرج الدَّجَّال أَو يقدم فلَان وَهُوَ على مَسَافَة يعلم أَنه لَا يقدم فِي أَرْبَعَة أشهر فَهُوَ مؤل قطعا وَلَو أقت بِدُخُول دَار أَو قدوم زيد لم يكن مؤليا فِي الْحَال فَإِذا انْقَضى أَرْبَعَة أشهر فَهَل نطالبه بالفيئة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْوَطْء فِي هَذِه الْحَال مُوجب لِلْكَفَّارَةِ وَالثَّانِي أَنه لَا يُطَالب لِأَن الْقدوم وَالدُّخُول منتظر فِي كل حَال وَلَو أقت بِمَوْت زيد فَمنهمْ من قَالَ هُوَ كقدوم زيد وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ مطَالب لِأَنَّهُ كالمستبعد فِي الإعتقادات وَلَو أقت بِمَوْت الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ إِيلَاء لَا محَالة لِأَنَّهُ حصل الْيَأْس فِي الْعُمر وصيغته أَن يَقُول لَا أطؤك مَا عِشْت أَو عِشْت

الرُّكْن الرَّابِع فِي أَلْفَاظ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا هُوَ صَرِيح لَا يقبل التَّأْوِيل وَلَا يدين كَلَفْظِ النيك وإيلاج الذّكر فِي الْفرج وتغييب الْحَشَفَة فِي الْفرج وَكَذَلِكَ قَوْله للبكر لَا افتضتك فَلَو فسر بِالضَّمِّ والأعناق لم يدين على الْأَصَح الْقسم الثَّانِي مَا هُوَ صَرِيح فِي الظَّاهِر ويتطرق إِلَيْهِ التديين وَهُوَ الْوَطْء وَكَذَلِكَ الْجِمَاع لِكَثْرَة الإستعمال وَأما الْإِصَابَة فألحقه الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ بعيد أما الْمُبَاشرَة وَالْمُلَامَسَة والمباضعة وَمَا يجْرِي مجْرَاه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا صَرِيحَة كالجماع لِأَن الْعَادة فِي الْجِمَاع التحاشي عَن الصَّرِيح وَالثَّانِي أَنَّهَا كنايات لِأَنَّهَا بِالْوَضْعِ غير صَرِيح وَعَادَة الإستعمال لَيْسَ يَتَّضِح فِيهِ كَمَا فِي الْجِمَاع الْقسم الثَّالِث الْكِنَايَات قولا وَاحِدًا وَهُوَ كَقَوْلِه لأبعدن عَنْك وَلَا يجمع رَأْسِي ورأسك وسَادَة وَلَا شئونك وَفِي لفظ القربان والغشيان وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهُمَا كنايتان وَالثَّانِي أَنَّهُمَا فِي معنى الْمُبَاشرَة والمباضعة فَأَما إِذا قَالَ وَوَاللَّه لَا أجامعك فِي دبرك أَو فِي الْحيض وَالنّفاس فَهُوَ محسن وَلَيْسَ بمؤل

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْإِيلَاء الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومجموع مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام أَولهَا ضرب الْمدَّة وَالثَّانِي الْمُطَالبَة بالفيئة وَالثَّالِث دفع الْمُطَالبَة بفيأة أَو طَلَاق وَالرَّابِع مَا تقع بِهِ الْفَيْئَة فنشرحها فِي فُصُول

الْفَصْل الأول فِي الْمدَّة وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الْمدَّة تحسب من وَقت الْإِيلَاء من غير حَاجَة إِلَى القَاضِي بِخِلَاف مُدَّة الْعنَّة فَإِنَّهَا تحسب من وَقت ضرب القَاضِي الْمدَّة لِأَنَّهَا مُتَعَلقَة بالإجتهاد وَهَذَا مَنْصُوص فِي الْكتاب وَسَببه أَن النسْوَة فِي غَالب الْأَمر لَا يصبرن عَن الرِّجَال مَعَ الْيَأْس عَن الوقاع فِي أَكثر من أَرْبَعَة أشهر وَإِنَّمَا يشْتَرط زِيَادَة على الْأَرْبَعَة لوُقُوع الْمُطَالبَة بعد الْمدَّة وَأَن الْمدَّة مهلة للخيرة وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله رأى الطَّلَاق وَاقعا بِمُضِيِّ الْمدَّة فَلم يشْتَرط زِيَادَة على أَرْبَعَة أشهر الثَّانِيَة لَا تخْتَلف هَذِه الْمدَّة عندنَا بِالرّقِّ وَالْحريَّة فَإِنَّهُ أَمر يتَعَلَّق بالشهوة والطبع فَهُوَ كمدة الْعنَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْحرَّة تَتَرَبَّص أَرْبَعَة أشهر والامة شَهْرَيْن وَقَالَ

مَالك رَحمَه الله تخْتَلف برق الزَّوْج وحريته الثَّالِثَة فِي قواطع الْمدَّة فَإِن طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا قبل مُضِيّ الْمدَّة انْقَطَعت فَإِن رَاجعهَا استأنفنا الْمدَّة لِأَنَّهَا قد حرمت بِالطَّلَاق وَلَا بُد من إِصْرَار على التوالي فِي الْمدَّة وَالرِّدَّة بعد الدُّخُول كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيّ وَالطَّلَاق الرَّجْعِيّ بعد الْمدَّة يقطع الْمدَّة فَإِن جرت رَجْعَة فاستئناف الْمدَّة أولى فَإِن الطَّلَاق إِجَابَة إِلَى الْمُطَالبَة فقد اجاب مرّة فَلَا يُطَالب حَتَّى يمْتَنع أَرْبَعَة أشهر أخر وألحقوا الرِّدَّة أَيْضا بِالطَّلَاق وَهُوَ أبعد لِأَنَّهُ لَيْسَ إِجَابَة لمطالبته أما الَّذِي لَا يقطع الْمدَّة كَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَام من جِهَته فَلَا يُؤثر لَا طارئة وَلَا مُقَارنَة وَكَذَلِكَ الْأَعْذَار الطبيعية كمرضه وَكَونه مَحْبُوسًا وكما لَو طَرَأَ الْجُنُون عَلَيْهِ فَلَا تمنع تيك الْأَعْذَار انْعِقَاد الْمدَّة وَلَا دوامها أما الْمَوَانِع فِيمَا يمْنَع احتساب الْمدَّة فكإحرامها وصغرها ونشوزها أَو كَونهَا محبوسة أَو مَجْنُونَة أَو مَرِيضَة لَا تحْتَمل الْجِمَاع

ثمَّ هَذِه الْأَحْوَال إِذا طرأت قطعت الْمدَّة فَإِن زَالَت تسْتَأْنف الْمدَّة أَو تبنى على مَا مضى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الإستئناف كَالطَّلَاقِ وَالرِّدَّة من الزَّوْج وَالثَّانِي أَنه تبنى لِأَن هَذَا لم يقطع النِّكَاح حَتَّى تَنْقَطِع الْمدَّة المبنية عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هَذِه أعذار تمنع الْمُطَالبَة فَإِذا زَالَت عَادَتْ الْمُطَالبَة وَالْمذهب الْقطع بِأَنَّهَا إِذا طرأت بعد الْمدَّة لم توجب الإستئناف وَقيل بطرد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف وَأما صَومهَا فَلَا يمْنَع الإحتساب لِأَن التَّمْكِين حَاصِل بِاللَّيْلِ وَفِي التَّطَوُّع بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ ذَلِك عذرا مَانِعا الرَّابِعَة إِذا تنَازعا فِي انْقِضَاء الْمدَّة فَيرجع حَاصله إِلَى النزاع فِي وَقت الْإِيلَاء وَالْقَوْل فِيهِ قَوْله مَعَ يَمِينه

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمُطَالبَة وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَن لَهَا رفع الامر إِلَى القَاضِي فَإِن تركت الْمُطَالبَة أَو رضيت فلهَا الْعود مهما تشَاء بِخِلَاف مَا إِذا رضيت بِعَيْب الزَّوْج أَو رضيت بعد مُدَّة الْعنَّة لِأَن ذَلِك عجز وعيب فِي حكم خصْلَة وَاحِدَة فرضاؤها بِهِ يسْقط حَقّهَا وَأما هَذَا فَيحمل الرِّضَا فِيهِ على توقع الْحِنْث كَمَا يحمل رِضَاهَا عِنْد الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ على توقع الْيَسَار الثَّانِيَة لَا مُطَالبَة لغير الزَّوْجَة فَإِذا رضيت لم يكن للْوَلِيّ وَلَا لسَيِّد الْأمة الْمُطَالبَة وَلَا لوَلِيّ الْمَجْنُونَة وَالصَّغِيرَة لِأَن هَذَا لَا يقبل النِّيَابَة الثَّالِثَة لَا مُطَالبَة لَهَا إِذا كَانَ فِيهَا مَانع طبعا كالمرض الْعَظِيم والرتق والقرن أَو شرعا كالحيض وَالْعجب أَن الْحيض يمْنَع الْمُطَالبَة وَلَا يقطع الْمدَّة لِأَن ذَلِك يتَكَرَّر فِي الْأَشْهر مرَارًا نعم إِذا فرعنا على قَول بعيد فِي صِحَة الْإِيلَاء عَن الرتقاء كَانَ لَهَا الْمُطَالبَة بالفيئة بِاللِّسَانِ الرَّابِعَة إِذا كَانَ الْمَانِع فِيهِ إِن كَانَ طبعا فلهَا مُطَالبَته ليفيء بِاللِّسَانِ وَيعْتَذر ويعد الْوَطْء وَذَلِكَ يدْفع الضرار فَإِن كَانَ شرعا كالظهار وَالصَّوْم وَالْإِحْرَام قطع المراوزة بِأَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ الْفَيْئَة بِاللِّسَانِ وللمرأة الْمُطَالبَة وَعَلِيهِ أَن يُطلق فَإِن وطيء اندفعت الْمُطَالبَة مَعَ كَونه حَرَامًا ونقول انت مُخَيّر بَين أَن تَعْصِي بِالْوَطْءِ أَو تطلق وَأَنت قد ورطت نَفسك فِيهِ وَقَالَ

مَالك رَحمَه الله الْوَطْء فِي الْإِحْرَام لَا يسْقط الْمُطَالبَة أما الْعِرَاقِيُّونَ فبنوا على جَوَاز التَّمْكِين وَقَالُوا إِذا كَانَت مُحرمَة أَو حَائِضًا فطالبها بالتمكين لم يحل لَهَا وَإِن كَانَ الزَّوْج محرما أَو صَائِما عَن فرض فطالبها فَهَل يحل التَّمْكِين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن هَذَا الْوَطْء مَعْصِيّة فَكيف يُمكن مِنْهُ وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمعْصِيَة تخْتَص بِالزَّوْجِ وَالْوَطْء حَقه فعلَيْهَا التوفية وَإِن كَانَ المستوفي عَاصِيا وَلَا خلاف فِي أَن للرجعية الإمتناع لِأَن الطَّلَاق مُتَعَلق بهَا وَاخْتلفُوا فِي أَن الظِّهَار كالإحرام أَو كَالطَّلَاقِ ثمَّ قَالُوا إِن قُلْنَا عَلَيْهَا التَّمْكِين فلهَا الْمُطَالبَة فَإِن قصد الزَّوْج الْوَطْء وامتنعت سقط طلبَهَا وَإِن حرمنا التَّمْكِين فعلَيْهَا الإمتناع وَهل لَهَا الإرهاق إِلَى الطَّلَاق فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَهَا ذَلِك وَالزَّوْج هُوَ الَّذِي ورط نَفسه فِيهِ وَالثَّانِي لَا بل يَكْتَفِي بوعد كالمانع الطبعي

الْفَصْل الثَّالِث فِي دفع الْمُطَالبَة وَلَا ينْدَفع إِلَّا بِالطَّلَاق أَو الْوَطْء من الْقَادِر والفيئة بِاللِّسَانِ من الْعَاجِز كَمَا سبق فَإِن رفع إِلَى القَاضِي فَامْتنعَ من الْأَمريْنِ طلق القَاضِي عَلَيْهِ فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَفِي القَوْل الثَّانِي يلجئه بِالْحَبْسِ وَالتَّعْزِير إِلَى الطَّلَاق وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ إِكْرَاه على الطَّلَاق وَأنكر الْمُزنِيّ هَذَا وَقَالَ لم يصر إِلَيْهِ أحد من الْعلمَاء نعم لَو استمهل الزَّوْج من القَاضِي ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْفَيْئَة بِاللِّسَانِ لم يُمْهل وَفِي الْوَطْء وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن مُدَّة المهلة أَرْبَعَة أشهر وَقد تمّ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يجد قُوَّة ونشطة فِي الْحَال فعلى هَذَا لَو بَادر القَاضِي قبل مُضِيّ الْمدَّة لم تطلق لَا كَقَتل الْمُرْتَد قبل تَمام المهلة فَإِنَّهُ مهدر لِأَن الطَّلَاق يقبل الرَّد وَفِيه وَجه بعيد أَنه يفنذ والمهلة ثَلَاثَة أَيَّام تجْرِي فِي سَبْعَة مَوَاضِع الْمُرْتَد وتارك الصَّلَاة وَالْفَسْخ بالإعسار وبالعنة وَخيَار الْعتْق وَالشُّفْعَة وَالْإِيلَاء أما الرَّد بِالْعَيْبِ فَهُوَ على الْفَوْر ثمَّ إِذا استمهل فأمهلناه فَادّعى الْعنَّة فيستأنف مُدَّة الْعنَّة وَلَا يُطلق لِأَن الطَّلَاق كَانَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لظننا بِهِ الْقُدْرَة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يُطلق فرع إِذا غَابَ الزَّوْج إِلَى مَسَافَة أَرْبَعَة أشهر فلوكيلها فِي الْخُصُومَة أَن يُطَالِبهُ بِالطَّلَاق أَو الإنصراف إِلَى وَطئهَا وَخُرُوجه إِلَى السّفر فِي الرُّجُوع ابْتِدَاء الْفَيْئَة فَلَو صَبر حَتَّى انْقَضتْ مُدَّة الْإِمْكَان ثمَّ قَالَ الْآن أبتدىء السّفر فلحاكم تِلْكَ الْبَلدة أَن يُطلق

الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا بِهِ الْفَيْئَة وَهُوَ الْوَطْء وَيَكْفِي تغييب الْحَشَفَة وَلَو نزلت على زَوجهَا لم تحصل الْفَيْئَة إِذْ لَا تنْحَل بِهِ الْيَمين وَلَيْسَ هَذَا فيئة مِنْهُ أما إِذا أكره وَقُلْنَا يتَصَوَّر على الْوَطْء إِكْرَاه يدْرَأ الْحَد فَفِي لُزُوم الْكَفَّارَة بِهِ خلاف فَإِن قُلْنَا يلْزم فقد انحل الْإِيلَاء وَإِن قُلْنَا لَا فَهَل تنْحَل الْيَمين فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا تنْحَل فَلَا طلبة وَإِن قُلْنَا لَا ينْحل فَالصَّحِيح أَن الطّلبَة تبقى لبَقَاء الْإِيلَاء وَفِيه وَجه أَنه لَا طلبة لاندفاع الضرار بِحُصُول الْوَطْء أما إِذا آلى ثمَّ جن فوطىء فالمنصوص فِيهِ أَنه تنْحَل الْيَمين بِفِعْلِهِ وَلَا كَفَّارَة وَخرج من النَّاسِي قَول فِي وجوب الْكَفَّارَة فيلتحق تَفْصِيله بالمكره فرع لَو تنَازعا فِي الْوَطْء فِي الْمدَّة فَالْأَصْل عدم الْوَطْء وَلَكِن القَوْل قَوْله على خلاف قِيَاس الْخُصُومَات وَقد ذكرنَا نَظِير ذَلِك فِي الْعنَّة ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد لَو طَلقهَا وَأَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا وَقَالَ صدقتموني فِي الْوَطْء فلي الرّجْعَة قُلْنَا لَا بل نرْجِع إِلَى الْقيَاس وَالْأَصْل عدم الْوَطْء وَالْعدة وَالْقَوْل قَوْلهَا فِي ذَلِك وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لنَوْع ضَرُورَة وَالله أعلم

= كتاب الظِّهَار = وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه وَمُوجب أَلْفَاظه وَفِيه فصلان

الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه وَهُوَ الْمظَاهر والمظاهر عَنْهَا وَاللَّفْظ والمشبه بِهِ الرُّكْن الأول الْمظَاهر وكل من يَصح طَلَاقه يَصح ظِهَاره وَقد ذَكرْنَاهُ وَذَلِكَ لِأَن الظِّهَار كَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فَجعله الشَّرْع محرما للزَّوْجَة وموجبا لِلْكَفَّارَةِ عِنْد الْعود إِلَيْهَا فَيصح ظِهَار الْمَجْبُوب والخصي وَالذِّمِّيّ ثمَّ على الذِّمِّيّ الْكَفَّارَة وَيصِح مِنْهُ الْإِعْتَاق مهما أسلم فِي ملكه عبد كَافِر وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لمُسلم أعتق عَبدك الْمُسلم عَن كفارتي جَازَ على وَجه فَإِن عجز فالصوم غير مُمكن فِي حَقه فيعدل إِلَى الْإِطْعَام وَقَالَ القَاضِي لَا يعدل فَإِنَّهُ قَادر فليسلم وليصم وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ مُقَرر على دينه فَلَا يُكَلف تَركه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح ظِهَار الذِّمِّيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْكَفَّارَة

الرُّكْن الثَّانِي الْمظَاهر عَنْهَا وَهِي كل من يلْحقهَا الطَّلَاق فَإِن ظَاهر عَن الرَّجْعِيَّة وَتركهَا لم يكن عَائِدًا فَإِن رَاجعهَا تعرض للُزُوم الْكَفَّارَة كَمَا سَيَأْتِي وَإِن ارْتَدَّت وَظَاهر عَنْهَا فَإِن رجعت إِلَى الْإِسْلَام انْعَقَد الظِّهَار فالإيلاء وَالظِّهَار وَالطَّلَاق مُتَسَاوِيَة إِلَّا فِي الْمَجْبُوب والرتقاء فَإِن الصَّحِيح أَن الْإِيلَاء فيهمَا لَا يَصح الرُّكْن الثَّالِث اللَّفْظ وصريحه أَن يَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو مثل ظهر أُمِّي وَلَا مناقشة فِي الصلات فَلَو قَالَ أَنْت مني أَو معي أَو عِنْدِي مثل ظهر أُمِّي فَكل ذَلِك صَرِيح وَكَذَا لَو ترك الصِّلَة وَقَالَ أَنْت كَظهر أُمِّي فَلَو قَالَ أردْت الْإِضَافَة إِلَى غَيْرِي لم يقبل كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق وَقَالَ أردْت من غَيْرِي لِأَن الشُّيُوع يمْنَع هَذَا التَّأْوِيل ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي أَجزَاء الْأُم وأجزاء الْأُم قِسْمَانِ أَحدهمَا مَا لَا يذكر فِي معرض الْكَرَامَة كَقَوْلِه كبطن أُمِّي وشعرها ورجلها ويدها وَفِيه قَولَانِ الْقَدِيم أَنه لَيْسَ بظهار اتبَاعا لعادة الْجَاهِلِيَّة وَالثَّانِي أَنه ظِهَار اتبَاعا للمعنى لِأَنَّهُ كلمة زور تشعر بِالتَّحْرِيمِ كالظهر وَكَذَا لَو أضَاف إِلَى بعض الزَّوْجَة فَقَالَ يدك أَو رجلك عَليّ كَظهر أُمِّي يخرج

على الْقَوْلَيْنِ ومأخذه الإتباع أَو النّظر إِلَى الْمَعْنى فقد ظهر أَن التَّصَرُّفَات الْقَابِلَة للتعليق كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَار وَالْعتاق تصح إضافتها إِلَى الْبَعْض أما النِّكَاح وَالرَّجْعَة فَلَا وَأما الْإِيلَاء فَإِذا قَالَ لَا أجامع فرجك أَو نصفك الْأَسْفَل فَهُوَ صَرِيح وَلَو اضاف إِلَى النّصْف الشَّائِع فِيهِ احْتِمَال لِأَن ترك الْجِمَاع فِي النّصْف من ضَرُورَته تَركه فِي الْكل الْقسم الثَّانِي مَا يذكر فِي معرض الْكَرَامَة كَقَوْلِه أَنْت مثل أُمِّي أَو كأمي أَو كروح أُمِّي فَإِن أَرَادَ الْكَرَامَة فَلَيْسَ بظهار وَإِن قصد الظِّهَار فَهُوَ ظِهَار وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ لتعارض الإحتمالين وَلَو قَالَ كعين أُمِّي الْتفت إِلَى الْجَدِيد وَالْقَدِيم لِأَنَّهُ إِضَافَة إِلَى الْبَعْض وَاخْتلفُوا أَن الرَّأْس كالبطن وَالْعين وَالروح لِأَنَّهُ قد يذكر للكرامة الرُّكْن الرَّابِع فِي الْمُشبه بِهِ فَلَو شبهها بمحللة أَو مُحرمَة تَحْرِيمًا مؤقتا كالأجنبية

أَو تَحْرِيمًا لَا محرمية فِيهَا كالكملاعن عَنْهَا لم يكن ظِهَارًا أما الْمُحرمَة على التأييد بِقرَابَة أَو مصاهرة أَو رضَاع فَفِيهِ أَقْوَال أَحدهَا الإقتصار على الْأُم اتبَاعا لعادة الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ مَأْخَذ الْقَدِيم وَالثَّانِي أَن كل ذَلِك ظِهَار اتبَاعا للمعنى لِأَن التَّحْرِيم شَامِل وَالثَّالِث الإقتصار على الْأُم وإلحاق الْجدّة بهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا غير دونهَا وَالرَّابِع إِلْحَاق كل مُحرمَة بِالنّسَبِ بِالْأُمِّ وَكَذَا كل مُحرمَة بِالرّضَاعِ لم نعهد تحليلها من أول وجودهَا دون من طَرَأَ التَّحْرِيم عَلَيْهَا وَدون الْمُحرمَة بالمصاهرة فَإِنَّهَا كَانَت محللة وَلِأَن الرَّضَاع يشبه النّسَب دون الْمُصَاهَرَة أما إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أبي لم يكن ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحل الإستحلال

الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب الْأَلْفَاظ وَفِيه مسَائِل الأولى أَنه لَو قَالَ مهما ظَاهَرت عَن ضرتك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي كَانَ كَمَا قَالَ لِأَن الظِّهَار يقبل التَّعْلِيق وَلَو أَشَارَ إِلَى أَجْنَبِيَّة وَقَالَ مهما ظَاهَرت عَنْهَا فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي صَحَّ وَتَنَاول ظِهَارًا عَنْهَا بعد نِكَاحهَا تَنْزِيلا لموجب اللَّفْظ على الصَّحِيح شرعا فَلَو أجْرى مَعَ الْأَجْنَبِيَّة لفظ ظِهَار لم يَحْنَث وَلَو صرح وَقَالَ إِن ظَاهَرت عَن فُلَانَة وَهِي أَجْنَبِيَّة فَهَذَا لَغْو عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَتَعْلِيق بمحال وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله ينزل ذَلِك على اللَّفْظ وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ إِن بِعْت الْخمر فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي ثمَّ بَاعَ لم يَحْنَث عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبيع وَعند الْمُزنِيّ يحمل على الْمُسَمّى بيعا بِالْعَادَةِ أما إِذا قَالَ إِن ظَاهَرت عَن فُلَانَة الْأَجْنَبِيَّة فَيحْتَمل التَّعْرِيف وَيحْتَمل اشْتِرَاط كَونهَا أَجْنَبِيَّة فعلى أَيهمَا يحمل فِيهِ وَجْهَان

الثَّانِيَة أَن يظاهر عَن امْرَأَة ويقل لِلْأُخْرَى أَشْرَكتك مَعهَا وَنوى فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن الظِّهَار يغلب فِيهِ مشابه الْأَيْمَان أَو الطَّلَاق الثَّالِثَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق كَظهر أُمِّي وَقع الطَّلَاق بقوله أَنْت طَالِق ثمَّ نراجعه فَإِن أَرَادَ بالبقية التَّأْكِيد قبل وَإِن أَرَادَ الظِّهَار لَغَا إِن كَانَ بَائِنا وَنفذ إِن كَانَ رَجْعِيًا الرَّابِعَة أَن يَقُول أَنْت عَليّ حرَام كَظهر أُمِّي فَلهُ أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يَنْوِي الطَّلَاق دون الظِّهَار وَقصد التَّأْكِيد فَهُوَ كَمَا نوى وَكَقَوْلِه أَنْت طَالِق كَظهر أُمِّي وَفِيه وَجه أَن الظِّهَار هُوَ الْحَاصِل لِأَنَّهُ أَتَى بصريحه دون صَرِيح الطَّلَاق فَهُوَ أولى من الْكِنَايَة وَلَا يخفى أَنه لَو عَنى الظِّهَار دون غَيره فَلَا يحصل إِلَّا الظِّهَار الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَقُول نَوَيْت الطَّلَاق وَالظِّهَار جَمِيعًا مَقْرُونا بِقَوْلِي أَنْت عَليّ حرَام فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْجمع غير مُمكن فِي لفظ وَاحِد وَالطَّلَاق أقوى فَهُوَ الْوَاقِع وَالثَّانِي أَن الظِّهَار أولى إِذْ أَتَى بصريحه

وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد أَن الرجل يُخَيّر حَتَّى يخْتَار أَحدهمَا إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَقُول أردْت بِقَوْلِي عَليّ حرَام طَلَاقا وبقولى ظهر أُمِّي ظِهَارًا وَقع الطَّلَاق وَنفذ الظِّهَار إِن كَانَ رَجْعِيًا وَفِيه وَجه أَن الظِّهَار لَا يَصح لِأَن قَوْله كَظهر أُمِّي غير مُسْتَقل وَقد انْصَرف أول الْكَلَام إِلَى الطَّلَاق أما لَو عكس وَقَالَ أردْت الظِّهَار بِالْأولِ وَالطَّلَاق بِالْآخرِ نفذ الظِّهَار دون الطَّلَاق لِأَنَّهُ نَوَاه بِلَفْظ الظِّهَار وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ينفذ الطَّلَاق لِأَن قَوْله كَظهر أُمِّي لَيْسَ مُسْتقِلّا وَلم يحصل بِهِ ظِهَار فَيحصل بِهِ طَلَاق الْحَالة الرَّابِعَة أَن يَقُول لم أقصد بالمجموع إِلَّا تَحْرِيم عينهَا فَتحرم عَلَيْهِ ولتزمه الْكَفَّارَة الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَو قَالَ أَنْت عَليّ حرَام وَقَالَ نَوَيْت الطَّلَاق وَالظِّهَار جَمِيعًا مَعَ اللَّفْظَة قَالَ ابْن الْحداد إِن نوى الظِّهَار أَولا يَصح وَيَقَع الطَّلَاق وَلم يكن عَائِدًا وَإِن نوى الطَّلَاق أَولا وَكَانَ رَجْعِيًا صَحَّ الظِّهَار قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هَذَا غلط لِأَن اللَّفْظ وَاحِد فَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل كَمَا لَو نواهما مَعًا فَيخرج على الْخلاف فِي أَن الأولى أَيهمَا وَهَذَا يلْتَفت على أَن نِيَّة الْكِنَايَة إِذا اقترنت بِبَعْض اللَّفْظ مَا حكمه وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الظِّهَار الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَله حكمان أَحدهمَا تَحْرِيم الْجِمَاع على الإقتران بِهِ إِلَى أَن يكفر إِمَّا بِالْعِتْقِ أَو الصّيام أَو الْإِطْعَام وَجوز أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْوَطْء للمكفر بِالْإِطْعَامِ لِأَن الْآيَة مُطلقَة فِي حَقه

لَكِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ينزل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي مثل ذَلِك ثمَّ اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن التَّحْرِيم هَل يقْتَصر على الْجِمَاع فَقَالَ فِي الْمُخْتَصر أَحْبَبْت أَن يمْنَع الْقبْلَة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر رَأَيْت أَن تمنع الْقبْلَة فَقيل قَولَانِ أَحدهمَا التريم لقَوْله تَعَالَى {من قبل أَن يتماسا} وَالْقَائِل الثَّانِي يحملهُ على الوقاع لقَوْله {من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} نعم

مسالك الْأَشْبَاه متعارضة فَنَقُول كل مَا يحرم الْوَطْء لخلل فِي الْملك كَالطَّلَاقِ وَالرِّدَّة والإستبراء عَن الْغَيْر كعدة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ أَو لإباحة الْغَيْر كتزويج السَّيِّد أمته فَكل ذَلِك يحرم اللَّمْس وَأما الصَّوْم وَالْحيض فَلَا وَقِيَاس الْإِحْرَام أَن يكون كَالصَّوْمِ وَلكنه يحرم اللَّمْس تعبدا وَأما الإستبراء فِي المسبية فَيحرم الْوَطْء وَفِيمَا دونه خلاف وَإِن كَانَ من جِهَة شِرَاء أَو تملك فَيحرم الإستمتاع مُطلقًا لِأَنَّهُ لَو ظهر الْحمل لحرم على الْإِطْلَاق بِخِلَاف جِهَة السَّبي وَالظِّهَار مردد بَين هَذِه الْأُصُول فَإِن لم نحرم إِلَّا الْوَطْء فَفِي الإستمتاع بِمَا دون السُّرَّة وَالركبَة خلاف مَبْنِيّ على أَنا إِن حرمنا ذَلِك فِي الْحَائِض عللنا بانتشار الْأَذَى أَو تخوف الْوُقُوع فِي الوقاع وَيظْهر تَشْبِيه الظِّهَار بِالْحيضِ لِأَنَّهُ يحرم مَعَ دوَام النِّكَاح لَكِن من حَيْثُ إِنَّه كَانَ طَلَاقا فأقت تَحْرِيمه بِالْكَفَّارَةِ فَيحْتَمل أَن يشبه بِتَحْرِيم الرَّجْعِيَّة الحكم الثَّانِي وجوب الْكَفَّارَة وَهُوَ مَنُوط بِالْعودِ قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} فَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ على خَمْسَة مَذَاهِب قَالَ الثَّوْريّ هُوَ بِنَفس الظِّهَار عَائِد وَهُوَ فَاسد لقَوْله تَعَالَى {ثمَّ يعودون} وَقَالَ دَاوُد أَرَادَ تكْرَار لفظ الظِّهَار وَالْعود إِلَيْهِ وَقَالَ الزُّهْرِيّ

وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِنَّه الوقاع إِذْ بِهِ يعود لنقض كَلَامه وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك رحمهمَا الله فِي رِوَايَة إِنَّه الْعَزْم على الْإِمْسَاك وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هُوَ نفس الْإِمْسَاك وَمهما لم يُطلق عقيب الظِّهَار على الإتصال فَهُوَ مُمْسك وَلَا يَكْفِيهِ الْعَزْم على الطَّلَاق دون تَحْقِيقه لِأَن إِمْسَاكه عود لنقض كَلَامه فسبيله أَن يَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنْت طَالِق مُتَّصِلا حَتَّى لَا يلْزمه كَفَّارَة وَيتَفَرَّع على هَذَا الأَصْل مسَائِل الأولى إِذا مَاتَ عقيب الظِّهَار فَلَا كَفَّارَة إِذْ لم يتَحَقَّق الْإِمْسَاك فَإِنَّهُ يفْتَقر إِلَى زمَان الْقُدْرَة على الطَّلَاق وَلَو طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا فَلَا عود فَإِن رَاجع فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن نفس الرّجْعَة عود وَنَصّ أَنه لَو ارْتَدَّ وَعَاد لم يكن نفس الْإِسْلَام عودا وَكَذَا لَو أَبَانهَا وجدد النِّكَاح وَقُلْنَا بِعُود الظِّهَار والحنث لم يكن بِمُجَرَّدِهِ عَائِدًا لِأَن الْإِسْلَام يقْصد بِهِ تَبْدِيل الدّين وَالنِّكَاح يقْصد بِهِ تَجْدِيد الْملك وَالرَّجْعَة لَا معنى لَهَا إِلَّا إمْسَاك الزَّوْجَة وَمن أَصْحَابنَا من خرج وَجها إِلَى

الرّجْعَة من النِّكَاح وَإِلَى النِّكَاح وَالرِّدَّة من الرّجْعَة وطرد الْقَوْلَيْنِ لَكِن الْفرق وَتَقْرِير النَّص أظهر فَإِن قيل إِذا آلى ثمَّ أبان وجدد النِّكَاح لَزِمته الْكَفَّارَة بِالْوَطْءِ وَإِن لم نقل بِعُود الْحِنْث فَلم لَا تعود كفترة الظِّهَار قُلْنَا لِأَن الْيَمين يسْتَقلّ بِنَفسِهِ دون النِّكَاح وَالظِّهَار لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي النِّكَاح وَالْكَفَّارَة هَاهُنَا كالمطالبة بالفيئة عَن الْإِيلَاء فَإِنَّهَا من الْخَواص فَلَا تعود فِي نِكَاح ثَان نعم لَو ظَاهر وَعَاد حَتَّى حرمت عَلَيْهِ اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَة فَلَو طلق وجدد اسْتمرّ التَّحْرِيم إِلَى الْكَفَّارَة وَأما لَو كَانَت رقيقَة فاشتراها فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن تَحْرِيم الطَّلَاق وَاللّعان هَل يتَعَدَّى إِلَى ملك الْيَمين كَمَا ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا ظَاهر عَن زَوجته الرقيقة ثمَّ اشْتَرَاهَا على الْفَوْر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الشِّرَاء يَنْفِي الْعود كَالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ قَاطع وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نَقله من حل إِلَى حل فَهُوَ عَائِد وَهَذَا يتَّجه إِذا قُلْنَا إِنَّه يتَعَدَّى تَحْرِيم الظِّهَار إِلَى ملك الْيَمين ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد لَا بُد وَأَن يتَّصل قَوْله اشْتريت بالظهار فَلَو تشاغل بأسبابه حصل الْعود وَقَالَ الْأَصْحَاب إِن كَانَت أَسبَابه متعذرة فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِن كَانَت متيسرة على الْقرب لم يكن عَائِدًا أما إِذا علق طَلاقهَا بعد الظِّهَار على الدُّخُول فَهُوَ عَائِد وَإِن كَانَ الدُّخُول متيسرا إِذْ لَا فَائِدَة فِي التَّعْلِيق وَهُوَ قَادر على التَّنْجِيز وَلَو كَانَ قد علق من قبل فَدخل على الإتصال فَلَا عود إِن كَانَ الدُّخُول متيسرا

وَلَو لَاعن عقيب الظِّهَار فَظَاهر النَّص أَنه يمْنَع الْعود ثمَّ اخْتلف فِي تَصْوِيره فَمنهمْ من قَالَ لَو قذف بعد الظِّهَار وَلم يقصر فِي البدار إِلَى الرّفْع إِلَى القَاضِي على الْعَادة فَلَا عود وَمِنْهُم من قَالَ يَنْبَغِي أَن تتصل كَلِمَات اللّعان بالظهار وَيكون الْقَذْف وَالرَّفْع سَابِقًا وَقَالَ ابْن الْحداد يَنْبَغِي أَن تتصل الْكَلِمَة الْأَخِيرَة بالظهار فَإِنَّهُ الْقَاطِع وألزم عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ عقيب الظِّهَار يَا زَيْنَب أَنْت طَالِق وَقيل قَوْله يَا زَيْنَب لَا يُوجب الْعود لِأَنَّهُ من جملَة الْكَلَام فَكَذَا كَلِمَات اللّعان الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو علق الظِّهَار بِفعل غَيره فَوجدَ وَلم يعرف فَلَيْسَ بعائد فَكَمَا يعرف فَيَنْبَغِي أَن يُبَادر الطَّلَاق وَلَو علق بِفعل نَفسه فَفعل وَنسي الظِّهَار فَهُوَ عَائِد لِأَنَّهُ فِي نِسْيَان فعل نَفسه غير مَعْذُور الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي خَمْسَة أشهر لم يَصح على الْقَدِيم لِخُرُوجِهِ عَن الْمُعْتَاد وعَلى الْجَدِيد يَصح إِن غلبنا مشابه الْأَيْمَان وَإِن غلبنا مشابه الطَّلَاق فَلَا لِأَن الطَّلَاق الْمُؤَقت أَبَد لغَلَبَة الطَّلَاق وَلم يظْهر ذَلِك للظهار وَقد قيل يَصح مُؤَبَّدًا تَشْبِيها بِالطَّلَاق التَّفْرِيع إِن شبهناه بالأيمان صَحَّ مؤقتا وَيكون الْعود بِالْجِمَاعِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ينْتَظر تحليلا بعد الْأَشْهر وَإِنَّمَا يمسك لذَلِك فَلَا يكون مُجَرّد إِمْسَاكه مناقضا وَاعْترض الْمُزنِيّ رَحمَه الله على هَذَا وَقَالَ لَا فرق بَينه وَبَين الْمُطلق فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن الْعود هُوَ الْجِمَاع فيطرد فِي الْمُطلق والمقيد وَهُوَ فَسَاد لِأَنَّهُ نَص عَلَيْهِ فِي الْجَدِيد وَالْفرق مَا ذَكرْنَاهُ

فعلى النَّص إِذا جَامع حرم الْجِمَاع فَعَلَيهِ النزع مُتَّصِلا بتغييب الْحَشَفَة وعَلى مَذْهَب ابْن خيران يحرم الْجِمَاع الأول أَيْضا كَذَلِك قَالَ الصيدلاني إِذا جَامع نتبين أَنه كَانَ عَائِدًا عقيب اللَّفْظ وَعَلِيهِ يحمل إِمْسَاكه وَفِيه فقه يُوَافق النَّص وَيدْفَع اعْتِرَاض الْمُزنِيّ رَحمَه الله فعلى هَذَا لَا نُبيح الْوَطْء الأول إِذْ هُوَ مُبين للتَّحْرِيم قبله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق قبل الْوَطْء فَإِنَّهُ يحرم الْوَطْء الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ لأَرْبَع نسْوَة أنتن عَليّ كَظهر أُمِّي صَار مُظَاهرا عَن جَمِيعهنَّ وَلَكِن فِي تعدد الْكَفَّارَة واتحادها خلاف لِاتِّحَاد اللَّفْظ وَهُوَ كالخلاف فِيمَا لَو قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة أَن الْحَد هَل هُوَ مُتَعَدد ومشابه الْأَيْمَان تَقْتَضِي الإتحاد لِأَن الْكَلِمَة وَاحِدَة ومشابه الطَّلَاق التَّعَدُّد لتَعَدد الْمحل فَإِن قُلْنَا يَتَعَدَّد فَلَا يخفى وَإِن قُلْنَا يتحد فَلَو أمسكهن فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَلَو طلق ثَلَاثًا وَأمْسك وَاحِدَة لزمَه كَفَّارَة لِأَن مناقضة الظِّهَار بِالْعودِ تتَحَقَّق بإمساك وَاحِدَة وَلَيْسَ كَمَا لَو قَالَ وَالله لَا أجامعكن فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَة بجماع وَاحِدَة لِأَن مُخَالفَته تتَحَقَّق بجماع الْجَمِيع وتحقيقه أَن الظِّهَار هَاهُنَا يتَعَلَّق بِطَلَاق الْجَمِيع فَأَما إِذا ظَاهر عَنْهُن بِأَرْبَع كَلِمَات على التوالي فَتجب أَربع كَفَّارَات وَيكون بالظهار الثَّانِي عَائِدًا إِلَى الأول وبالثالث عَائِدًا إِلَى الثَّانِي وبالرابع عَائِدًا إِلَى الثَّالِث فَإِن قَالَ عقيب الرَّابِع أَنْت طَالِق فَعَلَيهِ ثَلَاث كَفَّارَات فَإِن لم يقل فأربع كَفَّارَات الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا كرر لفظ الظِّهَار على الإتصال وَقَالَ قصدت بِالثَّانِي تَأْكِيد الأول قبل وَلَكِن هَل يكون عَائِدًا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن اشْتِغَاله بالتأكيد ترك للطَّلَاق

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يكون بِهِ ممسكا لِأَن التَّأْكِيد فِي حكم تَمام الْكَلَام وَإِن قصد ظِهَارًا آخر فَفِي تعدد الظِّهَار مَعَ اتِّحَاد الْمَرْأَة طَرِيقَانِ أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ فِي تعدد الْكَفَّارَة وَالثَّانِي الْقطع بالتعدد وتغليبا لجَانب اللَّفْظ وَلَا خلاف أَنه لَو قذف شخصا وَاحِدًا مرَّتَيْنِ فالحد وَاحِد ثمَّ إِن طلق عقيب الثَّانِي لم يكن عَائِدًا فِي الثَّانِي وَهل يكون عَائِدًا فِي الأول لاشتغاله بِالثَّانِي فِيهِ وَجْهَان مرتبان على صُورَة إِرَادَة التَّأْكِيد وَهَا هُنَا أولى بِأَن يكون عَائِدًا لِأَنَّهُ كَلَام مُسْتَقل بِنَفسِهِ أما إِذا تخَلّل زمَان فَهُوَ عَائِد فِي الأول وَالظِّهَار الثَّانِي مُنْعَقد إِن قُلْنَا بِتَعَدُّد الْكَفَّارَة وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة فِيهِ أما إِذا قُلْنَا تَتَعَدَّد فَقَالَ أردْت التَّأْكِيد مَعَ تخَلّل الْفَصْل هَل يقبل هَا هُنَا تردد فِيهِ جَوَاب الْقفال كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْإِيلَاء لِأَن فِيهِ مشابه الْإِخْبَار الْمَسْأَلَة السَّابِعَة إِذا جن عقيب الظِّهَار فَلَيْسَ بعائد فَلَو أَفَاق لم تكن مُجَرّد الْإِفَاقَة عودا وَلَكِن إِن لم يُطلق عقيب الْإِفَاقَة صَار عَائِدًا وَلَو قَالَ إِن لم أَتزوّج عَلَيْك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي فَلَا ظِهَار فِي الْحَال فَإِن مَاتَ قبل التَّزْوِيج حصل الْيَأْس وَصَارَ مُظَاهرا عَائِدًا قبيل الْمَوْت هَكَذَا قَالَه ابْن الْحداد وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب الظِّهَار حَاصِل وَلَا عود لانه مَاتَ عقيب انْعِقَاد الظِّهَار وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَقِيم مَا قَالَه لَو اسْتندَ انْعِقَاد الظِّهَار إِلَى الأول وَمَا ذكره ابْن الْحداد أغوص فَلْيتَأَمَّل

فَإِن قيل الْوَطْء يحرم بِنَفس الظِّهَار أَو بِالْعودِ قُلْنَا بِالْعودِ إِذا لَو كَانَ بِمُجَرَّد الظِّهَار لَكَانَ تَسْتَقِر الْكَفَّارَة وَإِن طلق عَقِيبه حَتَّى لَو أَرَادَ وَطأهَا بِنِكَاح جَدِيد أَو ملك يَمِين لم يجز إِلَّا بكفارة وَلَيْسَ كَذَلِك لكنه إِذا عَاد حرم وَوَجَبَت الْكَفَّارَة واستقرت لَا لاجل استحلال الْوَطْء فَإِنَّهُ لَو أَبَانهَا بعد الْعود لم تسْقط الْكَفَّارَة لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ بِالْعودِ المناقض للظهار كَمَا يسْتَقرّ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمين فالكفارة تجب بالظهار وَالْعود جَمِيعًا وَالظِّهَار أحد سببيها كاليمين وَلذَلِك قَالَ ابْن الْحداد لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي ثمَّ أعتق عَن الظِّهَار ثمَّ دخلت وَقع الْعتْق لتأخره عَن أحد السببين وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَقَالُوا وزانه مَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فوَاللَّه لَا أُكَلِّمك ثمَّ أعتق قبل الدُّخُول لَا يجزىء لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصير حَالفا عِنْد الدُّخُول وَلَكِن يحْتَمل أَن يُقَال السَّبَب صَيْرُورَته حَالفا ومظاهرا وَقد وجد فَيَكْفِي ذَلِك وَالله أعلم
كتاب الْكَفَّارَات

وخصالها ثَلَاثَة الْعتْق وَالصَّوْم وَالْإِطْعَام وَالْعِتْق لَا يدْخل فِي فديَة الْحَج وَالْإِطْعَام لَا يدْخل فِي كَفَّارَة الْقَتْل على أحد الْقَوْلَيْنِ وَكَفَّارَة الْجِمَاع وَالظِّهَار متساويتان فِي التَّرْتِيب الْعتْق ثمَّ الصّيام ثمَّ الْإِطْعَام وَكَذَا كَفَّارَة الْقَتْل إِن قُلْنَا يدخلهَا الْإِطْعَام وَكَفَّارَة الْأَيْمَان على الْخيرَة بَين الْعتْق وَالْكِسْوَة وَالْإِطْعَام فَإِن عجز فالصيام ثَلَاثَة أَيَّام وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعه وَالْمَقْصُود كَفَّارَة الظِّهَار ثمَّ ينْدَرج فِيهِ جمل من أَحْكَام الْكَفَّارَات الْخصْلَة الأولى الْعتْق وَلَا يجزىء فِي الْكَفَّارَات إِلَّا رَقَبَة مسلمة سليمَة كَامِلَة الرّقّ تعْتق بنية جازمة عتقا خَالِيا عَن شوب الْعِوَض فَهَذِهِ خَمْسَة شُرُوط فلنفصلها الشَّرْط الأول الْإِسْلَام وَالْمُسلم كل من وَلَده مُسلم أَو مسلمة أَو أسلم أحد أَبَوَيْهِ فِي صغره أَو الْتقط فِي دَار الْإِسْلَام أَو سباه مُسلم فِي صغره وَلَيْسَ مَعَه أَبَوَاهُ أَو نطق بكلمتي الشَّهَادَة بعد الْبلُوغ فَلَو نطق وَهُوَ صبي مُمَيّز فَفِيهِ قَولَانِ وَلَو نطق مرها فَهُوَ مُسلم إِلَّا أَن يكون ذِمِّيا فَلَا يحكم بِإِسْلَامِهِ على أحد الْقَوْلَيْنِ وَفِيه مَسْأَلَتَانِ

إِحْدَاهمَا أَنه لَو نطق بكلمتي الشَّهَادَة فَالصَّحِيح أَنه إِسْلَام وَإِن لم يُصَرح بِالْبَرَاءَةِ عَن سَائِر الْملَل وَمِنْهُم من شَرط ذَلِك نعم لَو اقْتصر على قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ ذَلِك على وفْق مِلَّته لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ وَإِن كَانَ على خِلَافه كالثنوي وَالنَّصْرَانِيّ الْقَائِل بالتثليث فَمنهمْ من حكم بِإِسْلَامِهِ ثمَّ قَالَ يُطَالب بِالشَّهَادَةِ الثَّانِيَة فَإِن أَبى جعل مُرْتَدا وَمِنْهُم من لم يحكم بِإِسْلَامِهِ مَا لم يَأْتِ بكلمتي الشَّهَادَة الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَو أقرّ بِصَلَاة أَو ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام يُخَالف مِلَّته هَل يَجْعَل بِهِ مُسلما فِيهِ وَجْهَان وضابطه عِنْد من يَجعله مُسلما أَن كل مَا يكفر الْمُسلم بإنكاره فَيصير الْكَافِر بِالْإِقْرَارِ بِهِ مُسلما لِأَن التَّصْدِيق والتكذيب لَا يتَجَزَّأ ولعلنا قد استقصينا هَذِه الْأَحْكَام فِي كتاب اللَّقِيط فَلَا نعيده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يشْتَرط الْإِيمَان فِي رَقَبَة كَفَّارَة الظِّهَار فَإِن الْوَارِد فِي الْقُرْآن رَقَبَة مُطلقَة وَلَكِن عندنَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد

الشَّرْط الثَّانِي السَّلامَة من الْعُيُوب وَعَلِيهِ تنزل الرَّقَبَة الْمُطلقَة فِي الْقُرْآن ثمَّ قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الأقطع يجزىء والأصم والأبكم لَا يجزىء وَجعل الضَّابِط فِيهِ زَوَال جنس من الْمَنْفَعَة لِأَن الْعَيْب الْمُعْتَبر فِي الْبياعَات لَا يعْتَبر فَاعْتبر كَمَال أَجنَاس الْأَعْضَاء وَالْمَنَافِع وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ اعْتبر مَا يُؤثر فِي الْعَمَل أثرا بَينا إِذْ غَرَض الْإِعْتَاق أَن يسْتَقلّ وَيسْعَى لنَفسِهِ والزمن لَا يجزىء فِي الْعتْق ويجزىء الْأَصَم والأعور إِذْ يقدر على الْعَمَل وَالْكَسْب وَكَذَلِكَ الْأَقْرَع والأعرج والعنين والخصي والأقطع لَا يجزىء وَقطع الْإِبْهَام أَو المسبحة أَو الْوُسْطَى مَانع وَقطع الْخِنْصر أَو البنصر لَا يمْنَع وقطعهما جَمِيعًا مَانع إِن كَانَ من يَد وَاحِدَة وَمن يدين لَا يُؤثر وَقطع أُنْمُلَة لَا يُؤثر إِلَّا من الْإِبْهَام وفقد أَصَابِع الرجل لَا يُؤثر وَالْمَجْنُون لَا يجزىء إِذا كَانَ جُنُونه مطبقا وَالْمَرِيض الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَاله لَا

يجزىء فَإِن زَالَ على الندور فَهَل يتَبَيَّن إجزاؤه فِيهِ خلاف وَالَّذِي يُرْجَى زَوَاله يجزىء فَإِن مَاتَ فَهَل نتيقن أَنه لم يَقع موقعه فِيهِ خلاف وَإِن كَانَ يجن ويفيق فيجزىء إِن كَانَ أَيَّام الْإِفَاقَة أَكثر وَإِلَّا فَفِيهِ تردد والهرم الْعَاجِز لَا يجزىء وَالصَّغِير وَهُوَ ابْن يَوْم يجزىء لِأَن مصيره إِلَى الْكبر وَالظَّاهِر أَن الْجَنِين لَا يجزىء وَفِيه وَجه وَأما الْأَخْرَس فَالْقِيَاس أَنه يجزىء وَقد اخْتلف فِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وأجراهما فِي الْأَصَم الأصلخ وَمِنْهُم من قطع بِالْجَوَازِ وَحمل النَّص على الَّذِي لَا يفهم الْإِشَارَة الشَّرْط الثَّالِث كَمَال الرّقّ فَلَا يجزىء عتق الْمُسْتَوْلدَة لِأَنَّهُ يمْتَنع بيعهَا وَلَا عتق الْمكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة لنُقْصَان الرّقّ ولوقوع الْعتْق عَن جِهَة الْكِتَابَة بِدَلِيل استتباع الإكساب وَالْأَوْلَاد وَالْمكَاتب كِتَابَة فَاسِدَة يبتنى على العلتين إِن عللنا بِنُقْصَان الرّقّ نفذ وَإِن عللنا بالاستتباع وَقُلْنَا إِنَّه يستتبع لم ينفذ وَلَو اشْترى عبدا بِشَرْط الْعتْق وَأعْتقهُ عَن الْكَفَّارَة فَفِيهِ تَفْصِيل ذَكرْنَاهُ فِي البيع أما عتق العَبْد الْمَرْهُون والجاني إِن نفذناه فَهُوَ يجزىء عَن الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ يفك الرَّهْن بِخِلَاف الْكِتَابَة فروع الأول العَبْد الْغَائِب الَّذِي تتواصل أخباره يجزىء إِعْتَاقه والمنقطع الْخَبَر نَص

على أَنه لَا يجزىء وَنَصّ أَنه يخرج عَنهُ زَكَاة الْفطر فَقيل هُوَ ميل إِلَى الإحتياط فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقيل فيهمَا قَولَانِ لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ وَالْأَصْل اشْتِغَال الذِّمَّة الثَّانِي العَبْد الْمَغْصُوب فِي يَد متغلب يجزىء إِعْتَاقه وَفِيه وَجه أَنه لَا يجزىء لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد اسْتِقْلَالا كَامِلا كالأطقع وَهُوَ أميل الثَّالِث إِذا اشْترى قَرِيبه بنية الْكَفَّارَة لم يُجزئهُ لِأَن عتقه يسْتَحق من جِهَة الْقَرَابَة وَقَالَ الأودني إِذا اشْتَرَاهُ الْخِيَار وَأعْتقهُ عَن كَفَّارَته جَازَ الرَّابِع إِذا أعتق نِصْفَيْنِ من عبد فِي دفعتين أَجزَأَهُ وَلَو أعتق نصفي عَبْدَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجزىء لِأَن الأشقاص تجمع أشخاصا فِي الزَّكَاة كَذَلِك هَذَا وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَقْصُود إِفَادَة الإستقلال فَلَا تحصل بالتجزئة نعم لَو ملك عَبْدَيْنِ وَعَلِيهِ كفارتان فَقَالَ أعتقهما عَن كفارتي نصف كل وَاحِد

مِنْهُمَا عَن كَفَّارَة فقد حُكيَ عَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يجزىء فَمنهمْ من قَالَ عتق العبدان عَن الكفارتين وَلَا معنى لتجزئته وإضافته الْخَامِس إِذا ملك الْمُعسر نصف عبد فَأعتق نصفه عَن كَفَّارَته ثمَّ اشْترى النّصْف الثَّانِي وَأعْتق جَازَ لِأَنَّهُ كمل الْخَلَاص وَإِن كَانَ مُوسِرًا فَفِي كَيْفيَّة نُفُوذ الْعتْق ثَلَاثَة أَقْوَال فَإِن فرعنا على تنجز الْعتْق نظر فَإِن وَجه الْعتْق على جملَة العَبْد وَقَالَ أعتقك عَن الْكَفَّارَة نفذ وأجزأ وَقَالَ الْقفال لَا ينْصَرف النّصْف الثَّانِي إِلَيْهَا لِأَنَّهُ عتق بتسرية الشَّرْع لَا بإعتاقه إِلَّا أَنا نقُول حصل بتسببه فَصَارَ كَمَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر عَن كفارتي فَدخل العَبْد عتق وأجزأه إِن وَجه على النّصْف لم ينْصَرف النّصْف الْبَاقِي إِلَى الْكَفَّارَة وَهل يجزىء ذَلِك النّصْف يبتنى على عتق الأشقاص وَإِن فرعنا على أَن الْعتْق يتَوَقَّف على أَدَاء الْقيمَة فَنوى عِنْد اللَّفْظ صرف النّصْف وَعند الْأَدَاء صرف النّصْف الثَّانِي جَازَ وَإِن نوى الْكل عِنْد اللَّفْظ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ السَّبَب الْمُعْتق عِنْد الْأَدَاء وَالثَّانِي أَنه لَا بُد عِنْد الْعتْق من النِّيَّة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد يجب أَن يَنْوِي الْكل عِنْد اللَّفْظ وَلَا يعْتد بِالنِّيَّةِ عِنْد

الْأَدَاء الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون خَالِيا عَن الْعِوَض فَلَو أعتق على أَن يرد العَبْد إِلَيْهِ دِينَارا لم يَقع عَن الْكَفَّارَة وَلَو قَالَ لغيره أعتق عَبدك عَن كفارتك وَلَك ألف عَليّ فَأعتق نفذ لَا عَن الْكَفَّارَة وَهل يسْتَحق الْألف فِيهِ وَجْهَان جاريان فِي الإلتماس من غير ذكر الْكَفَّارَة أَحدهمَا لَا لِأَن الْعتْق وَقع مِنْهُ فَكيف يسْتَحق الْعِوَض وَالثَّانِي يسْتَحق كَمَا لَو قَالَ أعتق مستولدتك وَلَك عَليّ ألف وَكَأن الْخلاف يرجع إِلَى أَن الْفِدَاء هَل يجوز مَعَ إِمْكَان هَذَا الشِّرَاء وَعند هَذَا جرت الْعَادة بِذكر النّظر فِي التمَاس الْعتْق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ أعتق مستولدتك وَلَك عَليّ ألف نفذ وَلزِمَ الْألف وَهُوَ افتداء ومقابلة لِلْمَالِ بِإِسْقَاط الْملك كَمَا فِي اختلاع الْأَجْنَبِيّ وَلَو قَالَ أعتق مستولدتك عني على ألف فَقَالَ أعتقت عَنْك عتقت ولغا قَوْله عَنْك وَالظَّاهِر أَنه لَا يسْتَحق الْعِوَض لِأَنَّهُ رَضِي بِهِ بِشَرْط الْوُقُوع عَنهُ وَلم يَقع وَفِيه وَجه أَنه يسْتَحق ويلغي قَوْله عني كَمَا لَو قَالَ طلق زَوجتك عني فَإِنَّهُ يحمل على أَنه أَرَادَ طَلقهَا لأجلي فَيسْتَحق الزَّوْج الْعِوَض وَاعْلَم أَن حكم الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بنفوذ الْعتْق فِي الْمُسْتَوْلدَة مَعَ قَوْله أعتقت عَنْك يدل على أَنه إِذا وصف الْعتْق أَو الطَّلَاق بِوَصْف محَال يلغي الْوَصْف دون الأَصْل الثَّانِيَة إِذا قَالَ أعتق عَبدك عني فَقَالَ أعتقت وَقع عَن المستدعي ثمَّ إِن ذكر

عوضا اسْتَحَقَّه وَإِن لم يذكر فَهَل يسْتَحق فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يسْتَحق بل يحمل على الْهِبَة وَالثَّانِي أَنه يسْتَحق كَمَا لَو قَالَ اقْضِ ديني فَإِنَّهُ يرجع على رَأْي وَلَكِن هَذَا التَّوْجِيه إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا قَالَ أعتق عَن كفارتي فَإِنَّهُ أَدَاء حق مُسْتَحقّ وَلَو صرح وَقَالَ أعْتقهُ عني مجَّانا فَقَالَ أعتقت نفذ وَلَا عوض وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا ينفذ لِأَن الْملك لَا يحصل فِي الْهِبَة دون الْقَبْض وَلَكِن قَالَ بعض الْأَصْحَاب إِعْتَاقه تسليط تَامّ أقوى من الْإِقْبَاض وبنوا عَلَيْهِ أَنه لَو وهب ثمَّ قَالَ للمتهب أعْتقهُ عَن نَفسك فَأعتق نفذ عتقه من غير قبض أما إِذا أطلق وَقَالَ أعتق عَبدك وَلم يقل عني أَو عَنْك فَأعتق فعلى مَاذَا ينزل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه عَن المستدعي بِقَرِينَة الإستدعاء وَالثَّانِي أَنه كَقَوْلِه أعتق عَن نَفسك حَتَّى يخرج النّظر فِي الْعِوَض على مَا ذَكرْنَاهُ الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِذا جَاءَ الْغَد فَعَبْدي حر عَنْك بِأَلف فَقَالَ قبلت فَهَذَا كتعليق الْخلْع وَقد ذَكرْنَاهُ وَلَو قَالَ أعتق عَبدك عني غَدا بِأَلف فَصَبر حَتَّى جَاءَ الْغَد وَقَالَ أعتقت قَالَ صَاحب التَّقْرِيب هَا هُنَا يسْتَحق الْمُسَمّى لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيقا وَفِيه نظر أَيْضا ذَكرْنَاهُ فِي الْخلْع وَلَو قَالَ أعْتقهُ عني على خمر أَو مَغْصُوب فَهُوَ كالخلع على الْمَغْصُوب وَيحْتَمل هَا هُنَا الْفساد فِي الْعِوَض وَإِن كَانَ الْملك

يحصل للمستدعي لِأَنَّهُ ملك ضمني فَلَا تعْتَبر شُرُوطه وَينظر إِلَى صُورَة الْإِعْتَاق وَلذَلِك لم يشْتَرط الْقَبْض فِي الْإِعْتَاق مجَّانا فَإِن قيل الْعتْق يحصل مُتَّصِلا بآخر قَوْله أعتقت فالملك كَيفَ يحصل قبله فَيكون قد حصل قبل اللَّفْظ أَو كَيفَ يحصل بعده فَيكون مُتَأَخِّرًا عَن الْعتْق أَو مَعَه فَيكون مَعَ الْعتْق وَالْكل محَال قُلْنَا ذكر فِيهِ خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَنا نتبين حُصُوله بعد الإلتماس وَقبل الْإِجَابَة وَالثَّانِي أَنه يتَبَيَّن حُصُوله عِنْد الشُّرُوع فِي اللَّفْظ وهما بعيدان لِأَنَّهُ تَقْدِيم الْمُسَبّب على السَّبَب وَالثَّالِث أَنه يحصل الْملك مَعَ آخر أَجزَاء اللَّفْظ وَالْعِتْق مُرَتبا عَلَيْهِ وَالرَّابِع أَنه يحصل مُرَتبا على اللَّفْظ وَالْعِتْق يتَأَخَّر لَحْظَة وَالْخَامِس وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق رَحمَه الله أَن الْملك وَالْعِتْق يَتَرَتَّب على اللَّفْظ مَعًا واستبعد ذَلِك مِنْهُ وَنسب إِلَى الْجمع بَين المتضادين وَلَعَلَّه يَعْنِي أَنه جرى سَبَب الْملك وَالْعِتْق فِي حَالَة وَاحِدَة فيندفع الْملك فِي وَقت جَرَيَان سَببه وَيكون ذَلِك فِي معنى الإنقطاع وَلِهَذَا غور ذَكرْنَاهُ من قبل وَبِالْجُمْلَةِ فقد اخْتلفُوا فِي أَن كل حكم يَتَرَتَّب على لفظ فَيكون مَعَ آخر جُزْء من اللَّفْظ أَو مُتَأَخِّرًا مترتبا عَلَيْهِ ترَتّب الضِّدّ على زَوَال الضِّدّ وَالأَصَح أَنه مَعَ آخر جُزْء من اللَّفْظ لِأَن الْمَعْلُول يَنْبَغِي أَن يكون مَعَ الْعلَّة كَمَا ذَكرْنَاهُ الشَّرْط الْخَامِس النِّيَّة وَلَا بُد مِنْهَا لِأَن الْكَفَّارَة فِيهَا مشابه الْعِبَادَات نعم

تصح من الذِّمِّيّ وَالْمُرْتَدّ إِذا قُلْنَا لَا يَزُول ملكه أَو يسْتَثْنى قدر الْكَفَّارَة عَن ملكه الزائل كَمَا نستثني قدر الدّين وَلَا تصح النِّيَّة مِنْهُمَا وَلَكِن يسْتَقلّ بمشابه الغرامات فَإِن فِيهَا شبه الغرامات أما صَوْم الْكَفَّارَة فَلَا يَصح مِنْهُمَا لِأَنَّهُ عبَادَة مَحْضَة كَالزَّكَاةِ فَلذَلِك لَا يتَصَوَّر من كَافِر فرع لَا يشْتَرط تعْيين النِّيَّة فِي الْكَفَّارَات عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَلَو كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَات فيكفيه أَن يَنْوِي الْإِعْتَاق عَن الْكَفَّارَة لِأَن تعْيين النِّيَّة عندنَا يجب قصدا إِلَى التَّقَرُّب بِالصِّفَاتِ الْمَقْصُودَة فِي الْعِبَادَات الْمُخْتَلفَة الْمَرَاتِب ومرتبة الظّهْر تغاير مرتبَة الصُّبْح وَكَذَلِكَ صَوْم رَمَضَان يغاير صَوْم النّذر وَلَا تفَاوت فِي الْكَفَّارَات كَمَا لَا تفَاوت فِي زَكَاة أَعْيَان الْأَمْوَال فالأموال أَسبَاب الزَّكَاة والجنايات أَسبَاب الْكَفَّارَات وَهِي مُتَفَاوِتَة وَقد طردوا هَذَا فِي الْعتْق الْمُلْتَزم بِالنذرِ مَعَ

الْكَفَّارَة وَإِن كَانَ النّذر قربَة وَالْكَفَّارَة سَببهَا جريمة وَلَكِن لم يلْتَفت إِلَى هَذَا نعم إِذا أعتق فِي الْكَفَّارَة وَأَخْطَأ لم يُجزئهُ فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة قتل فَنوى الظِّهَار لم يَقع عَن الْقَتْل وَقد صرفه عَنهُ وَعَلِيهِ الْإِعَادَة وَهُوَ كتعيين الْإِمَامَة فِي الْقدْوَة وَلَا تشْتَرط وَلَكِن لَو أَخطَأ فَسدتْ الْقدْوَة

الْخصْلَة الثَّانِيَة الصّيام وَفِيه نظران الأول فِيمَا يجوز الْعُدُول إِلَيْهِ وَلَا يعْتَبر عندنَا عجز مُحَقّق عَن الْإِعْتَاق بل يَكْفِي أَن يعسر ذَلِك عَلَيْهِ لغَرَض مُعْتَبر مُعْتَد بِهِ وَالَّذِي لَا يملك شَيْئا لَا يخفى أمره أما إِن ملك عبدا أَو مسكنا أَو مَالا فَفِيهِ نظر فَنَقُول إِن كَانَ زَمنا وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى العَبْد لخدمته أَو كَانَ منصبه يَقْتَضِي أَن يخْدم وَلَا يُبَاشر الْأَعْمَال بِنَفسِهِ فَيجوز لَهُ الصَّوْم عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِن كَانَ عَبده نفيسا يُمكن إِبْدَاله بعبدين يلْزمه ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ قد ألف العَبْد وارتضاه من زمَان فَإِنَّهُ يعسر عَلَيْهِ الْإِبْدَال فَلَا يلْزمه وَفِيه وَجه أَنه يلْزمه ذَلِك وَلَا يعْتَبر الإلف أما الْمسكن فَلَا يُبَاع إِلَّا إِذا كَانَ فضلا عَن مِقْدَار حَاجته لاتساع خطته وَأمكنهُ

بيع بعضه فَإِن كَانَ بَيْتا نفيسا وَأمكن إِبْدَاله بمثليه فَهُوَ كَالْعَبْدِ النفيس المألوف لِأَن الْجلاء عَن الْمسكن أَيْضا شَدِيد فَفِيهِ وَجْهَان أما المَال إِذا ملكه زَائِدا عَن الْمسكن واللباس والأثاث الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فَيصْرف إِلَى الْعتْق إِلَّا إِذا كَانَ رَأس مَاله أَو ضَيْعَة لَو بَاعهَا لصار مِسْكينا يحل لَهُ سهم الْمَسَاكِين فالإنتقال إِلَى حَال المسكنة أَشد من الإنتقال من دَار أَو عبد فَقِيَاس قَول الْأَصْحَاب أَنه لَا يُكَلف ذَلِك ويكاد يُخَالف هَذَا قَوْله تَعَالَى {فَمن لم يجد فَصِيَام} وَلَكِن توسع الْأَصْحَاب فِي هَذَا لِأَن صَوْم شَهْرَيْن يكَاد يكون أشق من إِعْتَاق عبد وَلَيْسَ بَينهمَا كَبِير تفَاوت وَلَيْسَ كَذَلِك زَكَاة الْفطر فَإِنَّهُ يصرف إِلَيْهِ كل مَا فضل عَن قوت الْيَوْم لِأَنَّهُ أصل وَتَركه إبِْطَال لَا إِبْدَال أما إِذا كَانَ لَهُ مَال غَائِب فَلَا يجوز لَهُ الصَّوْم لِأَن الْكَفَّارَة على التَّرَاخِي وَيُمكن أَدَاؤُهَا عَنهُ بعد مَوته بِخِلَاف قَضَاء الصَّلَاة فَإِنَّهُ تجوز بِالتَّيَمُّمِ مَعَ توقع المَاء فِي ثَانِي الْحَال لِأَن الْمَوْت متوقع فِي كل حَال فَإِن قيل فَيعْتَبر إِعْسَاره عِنْد الْوُجُوب أَو الْأَدَاء قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يعْتَبر حَالَة الْوُجُوب تَغْلِيبًا لمشابه الْعُقُوبَات فعلى هَذَا لَو كَانَ مُعسرا ثمَّ أيسر وَأعْتق جَازَ بطرِيق الأولى وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنه لَا يجوز لِأَن هَذَا التَّرْتِيب بعيد وَإِلَّا فالصوم أشق وَهُوَ بعيد إِذْ الْمُعسر لَو تكلّف الْإِعْتَاق فَلَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع نعم ذكر وَجْهَان فِي العَبْد إِذا أعتق قبل الصَّوْم وأيسر أَنه هَل يعْتق لِأَنَّهُ لم يكن أَهلا لوُجُوب الْعتْق فِي الإبتداء وَهَذَا منقدح

القَوْل الثَّانِي أَنه يعْتَبر حَالَة الْأَدَاء تَشْبِيها بالعبادات إِذْ يعْتَبر فِي الْقعُود فِي الصَّلَاة وَفِي التَّيَمُّم حَالَة الْأَدَاء وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وعَلى هَذَا لَو شرع فِي الصَّوْم ثمَّ أيسر لَا يقطع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا شرع فِي الْبَدَل فقد اسْتَقر الْأَمر كالمتيمم إِذا وجد المَاء بعد الشُّرُوع فِي الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله والمزني لَا مبالاة بِالشُّرُوعِ بل يسْتَقرّ الْأَمر بالفراغ لِأَن وزان الشُّرُوع فِي الصَّوْم الشُّرُوع فِي التَّيَمُّم دون الصَّلَاة وَعِنْدَهُمَا تنْتَقض الصَّلَاة بِرُؤْيَة المَاء وَمن اصحابنا من وَافق الْمُزنِيّ هَا هُنَا فعلى هَذَا القَوْل نقُول الْوَاجِب الصَّوْم بِشَرْط أَن يسْتَمر الْإِعْسَار إِلَى الْفَرَاغ

القَوْل الثَّالِث أَنه يعْتَبر أغْلظ الْحَالَتَيْنِ فَإِذا أيسر عِنْد الْأَدَاء أَو عِنْد الْوُجُوب لزم الْعتْق احْتِيَاطًا وعَلى هَذَا لَو كَانَ مُعسرا فِي الطَّرفَيْنِ وتخلل الْيَسَار لم يُؤثر فَكَأَن مَا اقْتَضَاهُ حَالَة الْوُجُوب لَا يُغَيِّرهُ إِلَّا حَالَة الْأَدَاء وَأما العَبْد فمعسر وكفارته بِالصَّوْمِ وَأما الْإِطْعَام وَالْعِتْق فيبنى على أَنه هَل يملك بالتمليك وَالْعِتْق أولى بِأَن يمْتَنع عَلَيْهِ وَالصَّحِيح أَنه لَا يملك بالتمليك ثمَّ إِن العَبْد لَا يَصُوم إِلَّا بِإِذن السَّيِّد إِلَّا إِذا حلف وَحنث بِإِذْنِهِ فَإِن حلف بِإِذْنِهِ وَحنث بِغَيْر إِذْنه لم يصم وَإِن حلف بِغَيْر إِذْنه وَحنث بِإِذْنِهِ فَوَجْهَانِ وَإِنَّمَا يعْتَبر إِذْنه لِأَن حق السَّيِّد على الْفَوْر وَالصَّوْم على التَّرَاخِي بِخِلَاف شهر رَمَضَان وَأما من نصفه حر وَنصفه عبد فَهُوَ كالأحرار فِي الْكَفَّارَة وكالعبيد فِي الْجُمُعَة وَالشَّهَادَة وَالْولَايَة وَصدقَة فطره تتوزع على الرّقّ وَالْحريَّة النّظر الثَّانِي فِي حكم الصَّوْم وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه يجب عَلَيْهِ تبييت النِّيَّة وَلَا يجب تعْيين جِهَة الْكَفَّارَة نعم يَنْوِي صَوْم الْكَفَّارَة وَهل يَنْوِي التَّتَابُع فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يَنْوِي يَكْفِيهِ ذَلِك فِي اللَّيْلَة الأولى أَو يجددها كل لَيْلَة فِيهِ وَجْهَان وَإِذا مَاتَ لم يصم

عَنهُ وليه على الصَّحِيح الثَّانِيَة يَصُوم شَهْرَيْن بِالْأَهِلَّةِ فَإِن ابْتَدَأَ فِي أثْنَاء شهر صَامَ الشَّهْر الثَّانِي بالهلال وكمل الشَّهْر الأول ثَلَاثِينَ من الشَّهْر الثَّالِث خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّالِثَة لَا بُد من التَّتَابُع فِي كَفَّارَة الظِّهَار والوقاع وَالْقَتْل فَلَو أفسد الْيَوْم الْأَخير أَو نسي النِّيَّة فِيهِ وَجب اسْتِئْنَاف الْكل وَهل يفْسد مَا مضى أَو يَنْقَلِب نفلا فِيهِ وَفِي نَظَائِره قَولَانِ أما إِذا وطىء الْمظَاهر لَيْلًا لم يفْسد تتابعه وَلكنه يَعْصِي إِذْ التَّتَابُع قَائِم والتقديم على الْوَطْء قد فَاتَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسْتَأْنف

الرَّابِعَة الْحيض لَا يقطع التَّتَابُع وَالْمَرَض الَّذِي يُبِيح مثله الْإِفْطَار فِيهِ قَولَانِ مشهوران أَحدهمَا أَنه لَا يقطع التَّتَابُع لِأَنَّهُ لَا يزِيد وصف التَّتَابُع على وصف شهر رَمَضَان وَالثَّانِي أَنه يقطع لِأَن تدارك التَّتَابُع هَا هُنَا مُمكن بِخِلَاف وصف رَمَضَان وَفِي السّفر قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يقطع لِأَنَّهُ مَنُوط بالإختيار وَلَو قيل إِنَّه لَا يقطع على بعد فَلَا يبعد أَن يجزىء فِيمَا إِذا نسي النِّيَّة وَلَا قَائِل بِهِ لِأَنَّهُ مقصر بِالنِّسْيَانِ وَلذَلِك يلْزمه الْإِمْسَاك دون الْحَائِض وَالْمُسَافر إِذا زَالَ عُذْرهمَا فرع لَو أَرَادَت الْحَائِض أَن تفطر ثمَّ بعد الطُّهْر تسْتَأْنف شَهْرَيْن فَفِيهِ إحباط لوصف الْفَرْضِيَّة من الصَّوْم السَّابِق فَهَذَا فِيهِ احْتِمَال وَالْأَظْهَر جَوَازه لِأَنَّهُ على التَّرَاخِي وَمَا مضى لَا يفْسد وَكَانَت الْفَرْضِيَّة مَوْقُوفَة على الْفَرَاغ

الْخصْلَة الثَّالِثَة الْإِطْعَام ويعدل إِلَيْهِ الْعَاجِز عَن الصَّوْم بالهرم وَالْمَرَض الَّذِي يَدُوم شَهْرَيْن وَلَيْسَ توقع الصِّحَّة بعده كتوقع رُجُوع المَال الْغَائِب بعد شَهْرَيْن لِأَن من لَهُ مَال غَائِب يُسمى واجدا وَهَذَا يُسمى عَاجِزا فِي الْحَال وَفِي انْتِقَال الْمُسَافِر إِلَى الْإِطْعَام تردد وَأما الشبق المفرط فَالظَّاهِر أَنه لَا يرخص فِي الْعُدُول إِلَى الْإِطْعَام وَهُوَ الْقيَاس وَفِيه وَجه يسْتَند إِلَى حَدِيث الْأَعرَابِي وَقد ذكرنَا إشكاله فِي الصَّوْم وَالنَّظَر بعد هَذَا فِي قدر الْمخْرج وجنسه والمخرج إِلَيْهِ والإخراج أما جنس الْمخْرج فَهُوَ كَزَكَاة الْفطر وَأما قدره فستون مدا وَأما الْمخْرج إِلَيْهِ فالمسكين الَّذِي يجوز صرف الزَّكَاة إِلَيْهِ وَلَا يجوز عندنَا أَن يصرف إِلَى مِسْكين وَاحِد سِتِّينَ مدا فِي سِتِّينَ يَوْمًا خلافًا لأبي حنيفَة

رَحمَه الله فَلَا بُد من رِعَايَة عدد الْمَسَاكِين لظَاهِر الْآيَة وَأما الْإِخْرَاج فَهُوَ التَّمْلِيك والتسليط التَّام فَلَا يَكْفِي التغدية والتعشية بِتَقْدِيم التَّمْر إِلَى الْمَسَاكِين
كتاب اللّعان


وَاللّعان عبارَة عَن أَيْمَان يذكر اللَّعْن فِيهَا من نسب زَوجته إِلَى الزِّنَا فيدرأ الْحَد وَالنّسب عَن نَفسه بِمُجَرَّد يَمِينه وَذَلِكَ رخصَة لمسيس الْحَاجة إِلَى صِيَانة الْأَنْسَاب وعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة على زنا الْمَرْأَة وَردت أَولا فِي عُوَيْمِر بن مَالك الْعجْلَاني قذف زَوجته بِشريك بن السحماء

فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتأتين بأَرْبعَة شُهَدَاء أَو لأجلدن ظهرك فَاغْتَمَّ وَقَالَ أَرْجُو أَن ينزل الله قُرْآنًا يبرىء ظَهْري فَنزل قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} الْآيَة وَنظر الْكتاب فِي قسمَيْنِ الْقَذْف وَاللّعان

الْقسم الأول فِي الْقَذْف وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِيمَا يكون قذفا من كَافَّة الْخلق وَفِي مُوجبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي أَلْفَاظ الْقَذْف وَفِيه ثَلَاثَة أَقسَام صَرِيح وكناية وتعريض أما الصَّرِيح فَهُوَ كَقَوْلِه يَا زاني أَو زَنَيْت أَو زنى فرجك وَكَذَلِكَ ذكر النيك وإيلاج الْفرج مَعَ الْوَصْف بِالتَّحْرِيمِ فَهَذَا لَا يقبل فِيهَا تَأْوِيل أما الْكِنَايَة فكقوله للنبطي يَا عَرَبِيّ أَو للعربي با نبطي فَإِن أَرَادَ الزِّنَا فَهُوَ قذف وَإِلَّا فَلَا ثمَّ إِذا أنكر إراد الزِّنَا تَوَجَّهت الْيَمين عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يتم الْقَذْف باعترافه بِالنِّيَّةِ إِذْ بِهِ يحصل الْإِيذَاء التَّام وَيجب الْحَد بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا نوى

وَإِن أنكر النِّيَّة كَاذِبًا فَهَل يلْزمه إِظْهَار النِّيَّة فِيهِ نظر من حَيْثُ إِن فِيهِ إِيذَاء فيبعد إِيجَابه وَستر ذَلِك لكف الْأَذَى أولى إِلَّا أَن يرهق إِلَيْهِ بِالْيَمِينِ فَلَا يُبَاح لَهُ الْيَمين الْغمُوس فَيلْزمهُ الإعتراف وَقد قَالَ الْأَصْحَاب يجب عَلَيْهِ الْإِظْهَار بِكُل حَال كَمَا لَو قَالَ فِي خُفْيَة فَيلْزمهُ الْإِظْهَار وَقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَنه لَا قذف بِالْكِنَايَةِ لِأَن الْإِيذَاء لَا يتم بِهِ وَأما التَّعْرِيض فكقوله يَا ابْن الْحَلَال وَكَقَوْلِه أما أَنا فلست بزان فَهَذَا لَيْسَ بِقَذْف وَإِن نوى لِأَن اللَّفْظ لَيْسَ يشْعر بِهِ وَلَقَد جَاءَ رجل من فَزَارَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ إِن امْرَأَتي ولدت غُلَاما أسود معرضًا بزناها فَلم يَجعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاذِفا وَلَكِن قَالَ هَل لَك إبل فَقَالَ نعم قَالَ مَا ألوانها قَالَ حمر قَالَ فَهَل فِيهَا أسود قَالَ نعم قَالَ فَلم ذَلِك قَالَ لَعَلَّ عرقا نزع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّ عرقا نزع وَقَالَ مَالك رَحمَه الله التَّعْرِيض قذف والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ

وَيتم النّظر فِي الْأَلْفَاظ برسم مسَائِل إِحْدَاهَا إِذا قَالَ لامْرَأَة زَنَيْت بك فَهَذَا إِقْرَار بِالزِّنَا وَقذف للْمَرْأَة فَعَلَيهِ حدان وَكَانَ يحْتَمل أَن لَا يَجْعَل قَاذِفا لاحْتِمَال أَن يُفَسر بِأَنَّهَا كَانَت مستكرهة وَلم تكن مختارة وَلَكِن جعل قَاذِفا اعْتِمَادًا على مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِر وَلَو قَالَ لامْرَأَته أَنْت زَانِيَة فَقَالَت زَنَيْت بك فراجعناها فَإِن أَرَادَت الزِّنَا قبل النِّكَاح سقط حد الْقَذْف عَن الزَّوْج وَوَجَب عَلَيْهَا حدان حد الزِّنَا وحد الْقَذْف للزَّوْج فَإِن رجعت سقط عَنْهَا حد الزِّنَا وَلَا يسْقط حد الْقَذْف إِذْ الرُّجُوع لَا يسْقط حق الْآدَمِيّ إِنَّمَا يسْقط حُدُود الله تَعَالَى وَلَو قَالَت أردْت نفي الزِّنَا كَمَا يَقُول الْقَائِل سرقت فَيَقُول الْمُخَاطب سرقت سرقت مَعَك فَيقبل قَوْلهَا مَعَ الْيَمين وَيكون لَهَا طلب حد الْقَذْف من الزَّوْج لِأَن ذَلِك مُعْتَاد فِي الْجَواب وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَا لَو قَالَ لي عَلَيْك دِينَار فَقَالَ زنه أَنه هَل يكون إِقْرَارا الثَّانِيَة لَو قَالَ يَا زَانِيَة فَقَالَت أَنْت أزنى مني فَهُوَ قَاذف وَلَيْسَت هِيَ مقرة وَلَا قاذفة للزَّوْج لِأَنَّهَا لم تنْسب لنَفسهَا زنا حَتَّى يكون هُوَ زَانيا بِكَوْنِهِ أزنى مِنْهَا وَلَا نقُول إِن التَّرْجِيح يُوجب الْمُشَاركَة فِي الأَصْل فَإِن عَادَة المشاتمة لَا تنزل على وضع اللِّسَان نعم لَو قَالَ فلَان زَان وَأَنت أزنى مِنْهُ فَهُوَ قذف للشخصين جَمِيعًا وَلَو قَالَ أَنْت أزنى من فلَان فَلَيْسَ بِقَذْف

وَكَذَا لَو قَالَ أَنْت أزنى من النَّاس أَو أزنى النَّاس وَلَو قَالَ فِي النَّاس زناة وَأَنت أزنى مِنْهُم كَانَ قذفا وَلَا نقُول إِنَّه يعلم أَن فِي النَّاس زناة وَإِن لم يذكر بل ينظر إِلَى لَفظه وَلَو قَالَ أَنْت أزنى من فلَان وَكَانَ قد ثَبت زنا فلَان بِالْبَيِّنَةِ وَكَانَ الْقَائِل جَاهِلا لم يكن قذفا وَإِن كَانَ عَالما كَانَ قذفا وَلَو قَالَت أردْت أَنَّك زَان وَلست أَنا زَانِيَة فَهِيَ قاذفة فَلِكُل وَاحِد على صَاحبه حد وَلَا يتقاصان لِأَن الْمُقَاصَّة فِي الْعُقُوبَات مَعَ تفَاوت موقعها فِي النُّفُوس لَا وَجه لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يتقاصان الثَّالِثَة إِذا قَالَ للرجل يَا زَانِيَة أَو للْمَرْأَة يَا زاني فَهُوَ قَاذف عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الصُّورَة الأولى وَالسَّبَب فِيهِ أَن الْإِشَارَة تقدم على النَّحْو والتذكير والتأنيث وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ للرجل زَنَيْت وللمرأة زَنَيْت أَنه قَاذف وَلَو قَالَ زنأت فِي

الْجَبَل وَقَالَ أردْت الترقي فِيهِ فَلَيْسَ بقاذف وَلَو قَالَ زَنَيْت فِي الْجَبَل وَقَالَ أردْت الترقي فَهَل يقبل وَجْهَان وَوجه الْقبُول أَن حذف الْهمزَة قد يغلب على اللِّسَان وقرينة ذكر الْجَبَل تشهد لَهُ وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو قَالَ يَا زَانِيَة فِي الْجَبَل أَنه قذف وَقيل يفرق بَين الْبَصِير فِي الْعَرَبيَّة وَالْجَاهِل فَلَا يقبل حذف الْهمزَة من الْبَصِير الرَّابِعَة إِذا قَالَ زنى فرجك فَهُوَ قذف وَلَو قَالَ زنى عَيْنك أَو يدك أَو رجلك فَفِيهِ وَجْهَان وَظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه قذف وَهُوَ فَاسد إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العينان تزنيان وَالْيَد تزنيان

وَمن جعله قاذقا قَالَ ذكر صَرِيح الزِّنَا وأضافه إِلَى الْبَعْض وَمن ضَرُورَة الْإِضَافَة إِلَى الْبَعْض الْإِضَافَة إِلَى الْكل وَلَو خرج ذَلِك عَن كَونه صَرِيحًا لَكَانَ قَوْله يَا زاني غير صَرِيح إِذْ لَهُ أَن يُفَسر فَيَقُول أردْت بالزاني الْعين الْخَامِسَة إِذا قَالَ لوَلَده لست مني أَو لست وَلَدي ثمَّ قَالَ أردْت أَنَّك لست تشبهني خلقا وخلقا لم يكن قَاذِفا نَص عَلَيْهِ وَنَصّ أَن الْأَجْنَبِيّ إِذا قَالَ لست ولد فلَان أَن ذَلِك لَا يقبل مِنْهُ وَيكون قَاذِفا فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَإِلَيْهِ ميل الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَحدهمَا أَنه يقبل مِنْهُ لعرو اللَّفْظ عَن ذكر الزِّنَا وَاحْتِمَال مَا قَالَه وَالثَّانِي أَن ذَلِك لَا يفهم مِنْهُ فِي الْعَادة وَمِنْهُم من فرق بِأَن الْأَب يحْتَمل مِنْهُ ذَلِك فِي معرض التَّأْدِيب دون الْأَجْنَبِيّ والأقيس أَنه كِنَايَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا إِذْ رُبمَا ينْسبهُ إِلَى الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ أَو يُنكر وِلَادَته على فرَاشه ثمَّ إِذا فسر بِشَيْء من ذَلِك فَلَا يخفى كَيْفيَّة فصل الْخُصُومَة فِي نفي الْوَلَد ولحوقه السَّادِسَة إِذا قَالَ للْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ لست من الْملَاعن فَإِن أَرَادَ بِهِ النَّفْي الشَّرْعِيّ

فَلَيْسَ بقاذف وَإِن كَانَ أَرَادَ تَصْدِيق الْملَاعن فِي نِسْبَة الْوَلَد إِلَى الزِّنَا فَهُوَ قَاذف وَلَو قَالَ لقرشي لست من قُرَيْش فَإِن قَالَ أردْت أَن وَاحِدَة من أمهاته فِي الْجَاهِلِيَّة زنت فَلَيْسَ بقاذف لِأَنَّهَا غير مُعينَة وَمن قَالَ وَاحِد من أهل الْبَلَد زنى أَو النَّاس زناة فَلَا يكون قَاذِفا مَا لم يعين

الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب الْقَذْف وَالْقَذْف يُوجب التَّعْزِير إِلَّا إِذا صَادف مُحصنا فَيُوجب الْحَد ثَمَانِينَ جلدَة وخصال الْإِحْصَان التَّكْلِيف وَالْإِسْلَام وَالْحريَّة والعفة عَن الزِّنَا الْمُوجب للحد فَإِن من ثَبت مِنْهُ الزِّنَا فَكيف يصان عرضه مَعَ أَن الْقَاذِف صَادِق نعم يُعَزّر وَأما الْوَطْء الْحَرَام الَّذِي لَا يُوجب الْحَد لقِيَام ملك أَو شُبْهَة ملك فَهَل يبطل الْإِحْصَان فِيهِ خلاف وَله دَرَجَات فَإِذا وطىء مملكوته الْمُحرمَة برضاع أَو نسب فَفِيهِ وَجْهَان وَفِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة أَو جَارِيَة الإبن وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل الْإِحْصَان وَفِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا وطىء فِي النِّكَاح بِلَا ولي وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَظن الزَّوْجِيَّة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل وَوجه إِبْطَاله أَن ذَلِك يدل على قلَّة التحفظ وَلَو كَانَ قد جرى صُورَة الْفَاحِشَة فِي الصَّبِي فَوَجْهَانِ مرتبان على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَأولى بِأَن لَا يبطل أما الْوَطْء فِي الْحيض وَالصَّوْم وَالْإِحْرَام فَلَا يبطل وَفِيه وَجه بعيد أَنه يبطل أما مُقَدمَات الوقاع من اللَّمْس والقبلة فَلَا تسْقط الْإِحْصَان فروع الأول لَو زنى الْمَقْذُوف بعد الْقَذْف وَقبل الْحَد نَص أَن الْحَد يسْقط وَنَصّ فِي

الرِّدَّة أَنه لَا يسْقط وَعلل ذَلِك بِأَن الزِّنَا لَا يَقع هجوما بل يتقدمه فِي الْغَالِب مراودات تقدح فِي الْمُرُوءَة وَهَذَا ضَعِيف لِأَن المراودات السَّابِقَة لَا تبطل الْإِحْصَان وَلَا يُمكن أَن يُقَال الزِّنَا لَا يَقع هجوما فَإِنَّهُ لَا بُد وَأَن يكون لَهُ أول وَالرِّدَّة أَيْضا لَا تَخْلُو عَن تقدم ترددات بل السَّبَب أَن من ثَبت زِنَاهُ فِي الْحَال يبعد أَن يجلد ظهر غَيره لصيانة عرضه وَهُوَ قد هتك عرضه بِخِلَاف الْمُرْتَد إِذا عَاد فَإِن الْعرض قَائِم وَقد كَانَ الْإِسْلَام مَوْجُودا عِنْد الْقَذْف وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يسْقط بطرآن الزِّنَا كَمَا لَا يسْقط بطرآن الرِّدَّة وَقيل هُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ الثَّانِي من زنى مرّة فِي عمره ثمَّ عَاد وَحسنت حَاله قَالَ القَاضِي لَا حد على قَاذفه لبُطْلَان إحْصَانه فَإِن اسْم الزَّانِي لَا يسْقط عَنهُ وَهَذَا بعيد فِيمَا إِذا صرح بقذفه بزنا جَدِيد وَلَكِن كَأَن الْعرض إِذا انخرم بِالزِّنَا فَلَا يزايله الْخلَل بالعفة بعده الثَّالِث لَو أَقَامَ الْقَاذِف بَيِّنَة على زنا الْمَقْذُوف سقط عَنهُ الْحَد ويكفيه لذَلِك شَاهِدَانِ وَلَو عجز فَطلب يَمِين الْمَقْذُوف على أَنه مَا زنى فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَن ظَاهره الْإِحْصَان وَلَا عهد بِالْيَمِينِ على نفي الْكَبَائِر وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَو أقرّ بِهِ لسقط عَنهُ الْحَد فليحلف أَو لينكل حَتَّى يحلف الْقَاذِف الرَّابِع لَو مَاتَ الْمَقْذُوف قبل اسْتِيفَاء حد الْقَذْف ثَبت الْحَد وَالتَّعْزِير لوَارِثه لِأَن الْغَالِب عندنَا فِي حد الْقَذْف حق الْآدَمِيّين وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُورث

واعترف بِأَنَّهُ لَو قذف مَيتا فلوارثه طلب الْحَد ابْتِدَاء وَلَو قذف مُوَرِثه فَمَاتَ الْمُورث سقط الْحَد لِأَنَّهُ صَار شَرِيكا فِي اسْتِحْقَاق الْحَد على نَفسه ثمَّ فِيمَن يَرث ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يوزع على فَرَائض الله تَعَالَى وَالثَّانِي أَنه يخْتَص بِالنّسَبِ إِذْ لَا مدْخل للزَّوْج فِي حماية الْعرض وَدفع الْعَار وَالثَّالِث أَنه يخْتَص بالعصبات من النّسَب الَّذين لَهُم ولَايَة التَّزْوِيج لدفع الْعَار وعَلى هَذَا لَا يسْتَحق الإبن وَمِنْهُم من قَالَ يسْتَحق لِأَنَّهُ أقوى الْعَصَبَات فِي الْمِيرَاث وَلَو عَفا أحد الْوَرَثَة سقط الْكل على وَجه لِأَنَّهُ لَا يتَجَزَّأ وَلم يسْقط على وَجه لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يبطل حق البَاقِينَ من غير بدل بِخِلَاف الْقصاص الَّذِي لَهُ بدل وَالثَّالِث أَنه يوزع

فَيسْقط نصِيبه الْخَامِس إِذا قذف الْمَجْنُون بزنا قبل الْجُنُون فالحد يجب وَنَصْبِر إِلَى إِفَاقَته وَلَيْسَ للْوَلِيّ الإستيفاء لِأَنَّهُ مُتَعَلق بتشفي الغيظ فَلَو مَاتَ ثَبت لوَارِثه وَلَو قذف مَمْلُوك فَحق طلب التَّعْزِير لَهُ لَا لسَيِّده لِأَنَّهُ من خَواص حُقُوقه بل لَو قذفه سَيّده اسْتحق العَبْد تعزيره على الْمَذْهَب الظَّاهِر وَمِنْهُم من قَالَ يُقَال لَهُ لَا تعد فَإِن عَاد يُعَزّر كَمَا يُعَزّر لَو زَاد فِي استخدامه على الْحَد الْوَاجِب وَلَو مَاتَ العَبْد بعد اسْتِحْقَاق التَّعْزِير على أَجْنَبِي فَهُوَ يَسْتَوْفِيه السَّيِّد فِيهِ وَجْهَان وَوَجهه أَنه أولى النَّاس بِهِ إِلَّا أَنه لَا قرَابَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي قذف الْأزْوَاج خَاصَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَا يُبِيح الْقَذْف وَاللّعان أَو يُوجِبهُ وَاعْلَم أَن قذف الزَّوْج فِي إِيجَاب الْحَد وَالتَّعْزِير كقذف الْأَجَانِب وَلَكِن يُفَارق الْأَجَانِب فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا فِي أَنه قد يُبَاح لَهُ الْقَذْف وَيجب عَلَيْهِ لضَرُورَة نفي النّسَب وَالثَّانِي أَن الْعقُوبَة الَّتِي تتَوَجَّه عَلَيْهِ من حد وتعزير تنْدَفع بِاللّعانِ وَالثَّالِث أَن الْمَرْأَة تتعرض لحد الزِّنَا بلعانه إِلَّا إِذا دفعت عَن نَفسهَا بِاللّعانِ لقَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد} الْآيَة وَإِنَّمَا يُبَاح لَهُ الْقَذْف إِذا استيقن أَنَّهَا زنت أَو غلبت على ظَنّه ذَلِك وَلَكِن إِذا لم يكن ولد فَالْأولى أَن يطلقهَا وَلَا يقذف وَلَا يُلَاعن وَلَكِن لَو فعل لم يَأْثَم وَهَذَا فِيهِ غموض وَلَكِن كَأَن الْقَذْف وَاللّعان كالإنتقام مِنْهَا حَيْثُ لطخت فرَاشه ثمَّ تحصل الْغَلَبَة على الظَّن بقول عدل حكى مشاهدته الزِّنَا وَتحصل مهما

استفاض بَين النَّاس أَن فلَانا يَزْنِي بهَا إِذا رأى مَعَ ذَلِك مخيلة بِأَن رَآهَا مَعَه فِي خلْوَة فَإِن تجرد أحد الْمَعْنيين لم يحل لَهُ ذَلِك لِأَن الْخلْوَة مرّة لَا تدل على الزِّنَا نعم لَو رَآهَا مَعَه تَحت شعار على نعت مَكْرُوه حل لَهُ الْقَذْف وَإِن كَانَ لَا تحل الشَّهَادَة بِهَذَا الْقدر وَإِن رَآهَا فِي الْخلْوَة مرَارًا متكررة فَهَذَا قريب من الْمرة الْوَاحِدَة إِذا انضمت إِلَيْهِ الشُّيُوع فَإِن مُسْتَند أهل الإستفاضة هُوَ مُشَاهدَة ذَلِك مرَارًا أما نفي الْوَلَد بِاللّعانِ فَإِنَّمَا يجوز بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا تَيَقّن أَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ بِأَن لم يكن وَطئهَا أَو كَانَ يعْزل قطعا أَو أَتَت بِولد قبل سِتَّة أشهر من وَقت الْوَطْء وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا مبالاة بِالْعَزْلِ وَلَيْسَ لَهُ اللّعان إِذا اعْترف بِالْوَطْءِ وَأمكن إِحَالَة الْوَلَد عَلَيْهِ أما إِذا استبرأها بِحَيْضَة بعد الْوَطْء ثمَّ أَتَت بِولد فَهَذَا هَل يُبِيح النَّفْي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَن ذَلِك أَمارَة شَرْعِيَّة على النَّفْي وَلذَلِك ينْدَفع النّسَب عَن التَّابِع وَالثَّانِي أَنه إِن ظهر مَعَ ذَلِك أَمارَة الزِّنَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا يجوز لِأَن الْحيض لَيْسَ بقاطع وَالْحَامِل قد تحيض وَالثَّالِث أَنه يجوز وَلَكِن حَيْثُ يجوز النَّفْي يجب لِأَن السُّكُوت عَن إِلْحَاق الْبَاطِل حرَام إِذْ النّسَب يتَعَلَّق بِأَحْكَام كَثِيرَة وَلَكِن هَاهُنَا وَإِن جَازَ فَلَا يجب

وَقَالَ الإِمَام لَا يبعد أَن لَا يُوجب اللّعان لِأَنَّهُ إفضاح وقدح فِي الْمُرُوءَة فَنَقُول إِنَّمَا يحرم الإستلحاق كَاذِبًا أما إِذا ألحق الْفراش بِهِ وَهُوَ سَاكِت فَلَا يبعد أَن لَا يحرم السُّكُوت وَهَذَا غير منقدح فِي صُورَة الْيَقِين لِأَن أَمر النّسَب عَظِيم فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بالرسوم والمروءات وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يحل النَّفْي بِمُجَرَّد مشابهة الْوَلَد لغيره فِي الْخلق والخلق ولمخالفته للْوَلَد فِي الْحسن والقبح نعم لَو كَانَ الْأَب فِي غَايَة الْبيَاض وَالْولد فِي غَايَة السوَاد أَو الْعَكْس ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَهَذَا ينقدح إِن كَانَ مَعَ ذَلِك تظهر مخيلة الزِّنَا فَأَما مُجَرّد ذَلِك فَلَا فَلَعَلَّ عرقا قد نزع وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ يلْحق ولد المشرقي بالمغربي فَلَا شكّ فِي أَنه يُبِيح الْقَذْف ويحرمه عِنْد إِمْكَان الْعلُوق بِالْوَطْءِ وَنحن لَا نلحق النّسَب إِلَّا بعد سِتَّة أشهر من وَقت إِمْكَان الْوَطْء فرع إِذا أَتَت بِولد لمُدَّة الْإِمْكَان وَلَكِن الزَّوْج رَآهَا تَزني وَاحْتمل أَن يكون من الزِّنَا فَلَو قذف ولاعن انْتَفَى فِي الظَّاهِر بِدَلِيل قصَّة الْعجْلَاني وَلَكِن لَا يُبَاح لَهُ ذَلِك مَعَ تعَارض الإحتمال ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ لَهُ الْقَذْف وَاللّعان إِن ترك نفي النّسَب وَقد صَرَّحُوا بِجَوَاز

الْقَذْف إِذا لم يكن ولد لمُجَرّد الإنتقام من الزِّنَا فَهَذَا مُحْتَمل وَغَايَة تَعْلِيله أَنه إِذا كَانَ ثمَّ ولد لم يجز نَفْيه فنسبتها إِلَى الزِّنَا بِغَيْر الْوَلَد وَتطلق الْأَلْسِنَة فِي نسبه فَلَا يُقَاوم هَذَا الْغَرَض غَرَض التشفي فليقتصر على طَلاقهَا إِن أَرَادَ نظرا لوَلَده وَالَّذِي لحقه

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَرْكَان اللّعان ومجاريه وللعان سَبَب وَهُوَ الْقَذْف وَثَمَرَة وَأهل أَعنِي الْملَاعن فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَرْكَان سوى أَلْفَاظه الرُّكْن الأول الثَّمَرَة وثمرته أَرْبَعَة نفي النّسَب أَو قطع النِّكَاح أَو دفع عُقُوبَة الْقَذْف أَو دفع عَار الْكَذِب فِي الْقَذْف أما نفي النّسَب فِي النِّكَاح إِن تجرد جَازَ اللّعان لأَجله وَإِن لم تكن عُقُوبَة بعفوها مثلا وَكَذَلِكَ إِن لم يكن قطع نِكَاح بِأَن كَانَ قد أَبَانهَا وَلَو تجرد غَرَض الدّفع للعقوبة وَلم يكن ولد وَلَا قطع نِكَاح جَازَ اللّعان كَمَا لَو قَذفهَا وأبانها وَلم يكن ولد وَلَا فرق بَين أَن تكون الْعقُوبَة حدا أَو تعزيرا بِأَن تكون الزَّوْجَة أمة أَو ذِمِّيَّة أَو غير مُحصنَة على الْجُمْلَة وَفِيه وَجه بعيد أَن اللّعان لدفع التَّعْزِير غير جَائِز وَهُوَ ضَعِيف فَإِن عُقُوبَة مَحْذُورَة وَقد تَنْتَهِي إِلَى قريب من الْحَد وَهَذَا إِذا كَانَ التَّعْزِير لتكذيبه فَيكون لَهُ غَرَض فِي تَصْدِيق نَفسه وَفِي دفع الْعقُوبَة فيجتمع الغرضان فَإِن كَانَ تَعْزِير تَأْدِيب لَا تَعْزِير تَكْذِيب مثل أَن ينسبها إِلَى زنا قد قَامَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ من قبل أَو اعْترفت بِهِ فيؤدب لإيذائه بتجديد ذكر الْفَاحِشَة عَلَيْهَا وَقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله هَا هُنَا أَنَّهَا إِن طلبت ذَلِك غزر وَلم يلتعن

وَنقل الرّبيع رَحمَه الله عزّر إِن لم يلتعن فَمنهمْ من قطع بِأَنَّهُ يُلَاعن وَغلط الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يُلَاعن وَغلط الرّبيع وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يلتعن لِأَن اللّعان حجَّة تَصْدِيق فَكيف يُقَام على مَا ثَبت صدقه وَإِنَّمَا اندفاع الْعقُوبَة تَابع لظُهُور صدقه بِاللّعانِ وَهَذَا معترف بِهِ فَلَا يزِيدهُ اللّعان وضوحا فرعان أَحدهمَا أَن طلب الْعقُوبَة إِلَيْهَا لَا إِلَى السُّلْطَان فَإِن عفت فَهَل يُلَاعن إِذا لم يكن غَرَض آخر من نسب يدْفع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن دفع عَار الْكَذِب مَقْصُود أَيْضا وإفضاحها أَيْضا للإنتقام مِنْهَا مَقْصُود بِاللّعانِ المؤبد للْحُرْمَة فَلهُ إِقَامَة الْحجَّة وَإِنَّمَا ينْدَفع هَذَا باعترافها لَا بعفوها وَالثَّانِي أَنه لَا يُلَاعن لِأَن هَذَا غَرَض ضَعِيف وَاللّعان حجَّة ضَرُورَة فَلَا بُد من غَرَض مُهِمّ كدفع النّسَب أَو الْعقُوبَة أما قطع النِّكَاح فممكن بِالطَّلَاق أما إِذا سكتت عَن الطّلب فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِجَوَاز اللّعان لِأَن غَرَضه الطّلب وَهَذَا الْخلاف يرجع إِلَى أَن طلب الْعقُوبَة هَل هُوَ شَرط اللّعان إِذا لم يكن ثمَّة غَرَض من دفع نسب وَقطع نِكَاح وَإِن كَانَت مَجْنُونَة فَوَجْهَانِ مرتبان على الْعَفو وَأولى بِالْجَوَازِ

الثَّانِي لَو قَالَ زنى بك مَمْسُوح أَو قَالَ للرتقاء زَيْنَب فَهُوَ كَلَام محَال وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّعْزِير للإيداء وَلَا سَبِيل إِلَى اللّعان إِذْ كَيفَ يُمكن من أَن يحلف على مَا يعلم أَنه كَاذِب فِيهِ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ وَجْهَيْن كَمَا فِي تَعْزِير التَّأْدِيب وَهُوَ بعيد الرُّكْن الثَّانِي الْملَاعن وَشَرطه أَهْلِيَّة الْيَمين مَعَ الزَّوْجِيَّة أما أَهْلِيَّة الْيَمين فنعني بِهِ أَنه لَا يشْتَرط أَهْلِيَّة الشَّهَادَة فَيصح لعان العَبْد وَالذِّمِّيّ والمحدود فِي الْقَذْف خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ الذِّمِّيّ لَا يجْبر على اللّعان إِلَّا إِذا رَضِي بحكمنا فَإِن طلبت الْمَرْأَة اللّعان وَامْتنع الزَّوْج فَهَل يجْبر فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خُصُومَة تجْرِي بَين أهل الذِّمَّة إِن رَضِي بحكمنا أحد الْخَصْمَيْنِ أما إِذا لَاعن وامتنعت وَلم ترض بحكمنا لم نجبرها على اللّعان وَلَا على الْحَد فَإِن الْحَد حق الله تَعَالَى لَا حق الزَّوْج فَلَا غَرَض للزَّوْج فِي لعانها وَهَكَذَا

لَو قذف الْمُسلم زَوجته الذِّمِّيَّة فامتنعت فَلَا نجبرها وَإِنَّمَا عَلَيْهَا حد الزِّنَا وَهُوَ حق الله تَعَالَى لَا حق الزروج نعم الْمسلمَة إِذا امْتنعت من اللّعان وَلم يطْلب الزَّوْج لعانها عرضناها لحد الزِّنَا حَتَّى تلاعن إِن شَاءَت الدّفع وَمن أَصْحَابنَا من أجْرى الْقَوْلَيْنِ فِي إِجْبَار الْمَرْأَة الذِّمِّيَّة وَهُوَ بعيد الشَّرْط الثَّانِي الزَّوْجِيَّة فَلَو قذف الْأَجْنَبِيّ فَلَا يُلَاعن وَالنَّظَر فِي نِكَاح ضَعِيف بِالطَّلَاق أَو الرِّدَّة وَفِي النِّكَاح الْفَاسِد أما الرَّجْعِيَّة فيلاعن عَنْهَا وَلَا يتَوَقَّف على الرّجْعَة بِخِلَاف الْإِيلَاء وَالظِّهَار لِأَن مَقْصُود اللّعان نفي النّسَب وَالتَّحْرِيم المؤبد وَدفع الْحَد وكل ذَلِك لَا يُنَافِيهِ حَال الرّجْعَة أما إِذا ارْتَدَّ بعد الْمَسِيس فقذف أَو كَانَ قذفه بزنا قبل الرِّدَّة فَإِن لَاعن فِي الرِّدَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام صَحَّ لِعَانه كَمَا صَحَّ لعان الذِّمِّيّ فَإِن أصر تبين فَسَاد لِعَانه وَعند ذَلِك هَل يقْضِي بِوُجُوب الْحَد مَعَ جَرَيَان لعان فَاسد فِيهِ وَجْهَان سنذكر مأخذهما أما إِذا نكح نِكَاحا فَاسِدا أَو وطىء بِالشُّبْهَةِ ثمَّ قذف فَإِن كَانَ ثمَّ نسب تعرض للحوق وَأَرَادَ نَفْيه فيلاعن ويندفع الْحَد لِأَن اللّعان عندنَا يسْتَقلّ بمقصود نفي النّسَب خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

وَإِن لم يكن ثمَّ نسب فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يُلَاعن وَعَلِيهِ الْحَد فَإِن ظن صِحَة النِّكَاح فلاعن عِنْد القَاضِي ثمَّ بَان فَسَاده فَهَل تنْدَفع الْعقُوبَة فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْمُرْتَد الْمصر أَحدهمَا لَا لِأَن اللّعان فَاسد وَالثَّانِي نعم لِأَن الْحَد ينْدَفع بِالشُّبْهَةِ وَهَذِه حجَّة قَامَت على ظن الصِّحَّة فِي مجْلِس القَاضِي ثمَّ مهما جرى اللّعان فِي النِّكَاح الْفَاسِد فَفِي تعلق الْحُرْمَة المؤبدة بِهِ خلاف مأخذه أَنه لم يفد تَحْرِيمًا فَكَأَن التَّأْبِيد تَابع للْحُرْمَة وَقد كَانَت هِيَ مُحرمَة وَكَذَلِكَ فِي لعانها

خلاف يرجع حَاصله إِلَى أَنَّهَا هَل تتعرض للحد بِسَبَب لِعَانه فَمنهمْ من قَالَ نعم لقِيَام حجَّة صَحِيحَة على زنَاهَا وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن إِيجَاب الْحَد عَلَيْهَا بعيد عَن الْقيَاس فَيخْتَص بمقصود الإنتقام من تلطيخ الْفراش فَلَا يجْرِي إِلَّا فِي نِكَاح صَحِيح أما إِذا قذف فِي نِكَاح صَحِيح ثمَّ أَبَانهَا فَلهُ أَن يُلَاعن لدرء النّسَب إِن كَانَ أَو لدفع الْعقُوبَة لِأَنَّهُ جرى الْقَذْف حَيْثُ كَانَ مَعْذُورًا فَكَانَ يجوز لَهُ اللّعان فَلَا يتَغَيَّر بِمَا يطْرَأ بعد ذَلِك أما إِذا قَذفهَا فِي النِّكَاح بزنا قبل النِّكَاح فَإِن لم يكن نسب يَنْفِيه بِاللّعانِ لم يُلَاعن وَإِن كَانَ فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه قصر إِذْ ذكر التَّارِيخ فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على الْقَذْف وَاللّعان أما إِذا قذف بعد الْبَيْنُونَة فَإِن كَانَ ثمَّ ولد فَلهُ اللّعان وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ قذف أَجْنَبِيَّة وَفِيه وَجه أَنه إِن أضَاف الزِّنَا إِلَى حَالَة النِّكَاح لَاعن وَهَذَا لَا وَجه لَهُ فروع الأول إِذا قَذفهَا فلاعن ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ قَذفهَا فَلَا لعان لِأَنَّهُ قذف بعد الْبَيْنُونَة وَأما الْحَد فَينْظر فَإِن قَذفهَا بذلك الزِّنَا الَّذِي لَاعن عَنهُ فَلَا حد وَلَكِن يلْزمه التَّعْزِير للإيذاء وَلَو قَذفهَا بزنية أُخْرَى فَقَوْلَانِ

أَحدهمَا وجوب الْحَد كَمَا إِذا لم يتَقَدَّم لعان وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ سَقَطت حصانتها فِي حَقه بِحجَّة اللّعان

وَمن أَصْحَابنَا من قطع بِالْوُجُوب وَقَالَ اللّعان حجَّة ضَرُورَة وَهُوَ حجَّة قَاصِرَة كَيفَ وَقد عَارضه لعانها فتساقطا فَلَا وَجه لإِسْقَاط الحصانة نعم إِذا حدت وَلم تلاعن فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران أما إِذا قَذفهَا بزنا مَنْسُوب إِلَى مَا قبل اللّعان سوى الزِّنَا الَّذِي لَاعن عَنهُ فقد صَادف حَالَة الحصانة فَالظَّاهِر أَنه يحد وَفِيه وَجه أَن انخرام الحصانة يَنْعَطِف حكمه على مَا سبق فَلَا يحد فِي الْحَال وَهِي غير مُحصنَة فِي حَقه أما إِذا كَانَ الْقَذْف من أَجْنَبِي فَهُوَ أولى بِالْتِزَام الْحَد لِأَن تسرية حكم اللّعان إِلَى غير الزَّوْجَيْنِ أبعد الثَّانِي إِذا قذف أَجْنَبِيَّة ثمَّ نَكَحَهَا ثمَّ قَذفهَا فَفِي تعدد الْحَد مَعَ اتِّحَاد الْمَقْذُوف قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يَتَعَدَّد فَإِن لم يُلَاعن استوفى الحدان وَإِن لَاعن استوفى أَحدهمَا وَإِن قُلْنَا الْحَد مُتحد فيستوفى حد وَاحِد وَإِن لَاعن فَإِن الْحَد الأول لَا يُؤثر فِيهِ اللّعان وَإِنَّمَا ينْدَرج تَحت الْحَد الثَّانِي إِذا استوفى الثَّالِث الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن النّسَب فِي ملك الْيَمين لَا ينفى بِاللّعانِ لِأَن اللّعان ورد فِي النِّكَاح فَلَو اشْترى زَوجته الرقيقة فَأَتَت بِولد لزمان لَا يحْتَمل أَن يكون من ملك الْيَمين فَلهُ النَّفْي بِاللّعانِ كَمَا بعد الْبَيْنُونَة بِالطَّلَاق وَإِن احْتمل أَن يكون من النِّكَاح وَملك الْيَمين جَمِيعًا لم يُلَاعن لِأَن الْفراش الْأَخير يقطع الْفراش الأول وينسخه وَلذَلِك إِذا نكحت زوجا آخر وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل الْعلُوق من الأول وَالثَّانِي ألحق بِالثَّانِي قطعا حَتَّى فرع ابْن

الْحداد على هَذَا وَقَالَ لَو ادّعى المُشْتَرِي الإستبراء بعد الْوَطْء لم يلْحقهُ الْوَلَد بِملك الْيَمين للإستبراء وَلَا بِملك النِّكَاح لانْقِطَاع ذَلِك الْفراش بفراش ملك يَمِين وطابقه عَلَيْهِ جَمَاهِير الْأَصْحَاب وَفِيه وَجه أَنه يلْحقهُ وَأَن ملك الْيَمين لَا يقطع حكم فرَاش النِّكَاح من كل وَجه الرُّكْن الثَّالِث الْقَذْف الْمُسَلط على اللّعان نسبتها إِلَى الْوَطْء الْحَرَام كَالزِّنَا وَلَو نَسَبهَا إِلَى زنا هِيَ مستكرهة فِيهِ والواطىء زَان فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يجْرِي اللّعان لنفي النّسَب وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقَذْف مَخْصُوص فِي كتاب الله تَعَالَى بِالرَّمْي الَّذِي يحْتَاج فِيهِ إِلَى الشَّهَادَة وَهُوَ الزِّنَا لِأَن اللّعان انتقام مِنْهَا وإفضاح والمستكرهة لَا تسْتَحقّ ذَلِك وَلَو نَسَبهَا إِلَى وَطْء شُبْهَة تشْتَمل الشهبة الْجَانِبَيْنِ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بَان لَا يجْرِي وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يجْرِي لِأَن الْوَلَد يُمكن أَن يلْتَحق بالواطىء بِالشُّبْهَةِ فيدور بَينهمَا ويعرض على الْقَائِف فَلَعَلَّهُ يلْحقهُ بِهِ وَإِنَّمَا اللّعان لنفي ولد لَا يكون لَهُ نسب وَهَذَا إِنَّمَا يتَّجه إِذا اعْترف الواطىء بِالشُّبْهَةِ بِالْوَطْءِ فَإِن لم يعْتَرف فَلَا بُد من تَجْوِيز اللّعان لأجل النّسَب

أما إِذا قَالَ لَيْسَ الْوَلَد مني وَلم يضف إِلَى جِهَة فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ دائر بَين المستكرهة وَبَين الشُّبْهَة وَبَين الزِّنَا وَلَا يشْتَرط فِي الْقَذْف أَن يَقُول رَأَيْتهَا تَزني وَلَا أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء خلافًا لمَالِك رَحْمَة الله عَلَيْهِ

الْفَصْل الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة وَهِي خَمْسَة الأول إِذا قَذفهَا بأجنبي تعرض لحد الْأَجْنَبِيّ فَإِن لَاعن سقط عَنهُ الْحَد عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ أَقَامَ حجَّة على عين تِلْكَ الزنية فَصدق من وَجه وَالْحَد يسْقط بِالشُّبْهَةِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أثر اللّعان مَقْصُور على الزَّوْجَيْنِ فَلَا يتَعَدَّى إِلَى الْأَجْنَبِيّ وَهَذَا إِذا ذكره فِي اللّعان فَإِن لم يذكرهُ فِي اللّعان فَقَوْلَانِ أَحدهمَا السُّقُوط للشُّبْهَة ولقصة الْعجْلَاني فَإِنَّهُ لم يذكر شريك بن السحماء فِي اللّعان وَذكره فِي الْقَذْف وَالثَّانِي يجب وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ لم يقم عَلَيْهِ حجَّة وَأما ابْن السحماء فَلَعَلَّهُ لم يطْلب وَنَشَأ من هَذَا نظر وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يُنَبه ابْن السحماء على ثُبُوت حد الْقَذْف لَهُ فَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجْهَيْن فِي أَن من قذف عِنْد القَاضِي فَهَل على القَاضِي أَن يُنَبه الْمَقْذُوف أَحدهمَا لَا لقصة شريك بن السحماء

وَالثَّانِي نعم لقصة العسيف إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها إِذْ لم يكن الْغَرَض إِقْرَارهَا للرجم بل إنكارها ليثبت حد الْقَذْف الثَّانِي إِذا قذف نسْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فَفِي تعدد الْحَد قَولَانِ فَإِن قذف امْرَأَته وأجنبية بِكَلِمَة وَاحِدَة فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بالتعدد لانقسام حكمهمَا فِي اللّعان وَلَو قَالَ لزوجته يَا زَانِيَة بنت الزَّانِيَة فقد قَذفهَا وَأمّهَا بكلمتين فَعَلَيهِ حدان وَهل يقدم حد الْمَقْذُوف أَولا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا لَو قتل شَخْصَيْنِ وَالثَّانِي لَا كَمَا لَو أتلف مَال شَخْصَيْنِ فَإِن قُلْنَا يقدم فَفِي مَسْأَلَتنَا الْمُقدم الْبِنْت فَيقدم الْحَد أَو اللّعان وَقيل إِن الْأُم هَا هُنَا تقدم لِأَن حق الْبِنْت يعرض للسقوط بِاللّعانِ دون الْأُم ثمَّ مهما حددناه بِوَاحِد

أمهلناه حَتَّى يبرأ جلده وَلَا نوالي بَين الْحُدُود وَلَو قذف أَربع نسْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة وَقُلْنَا يتحد الْحَد فَفِي تعدد اللّعان وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اتِّحَاد الصِّيغَة والملاعن وَفِي الثَّانِي إِلَى تعدد النسْوَة مَعَ أَن هَذِه حجَّة تبعد عَن التَّدَاخُل فَإِن قُلْنَا يتحد اللّعان فَذَلِك ينفع إِذا توافقن فِي الطّلب أَو قُلْنَا لَا يشْتَرط طلبهن اللّعان فَإِن طلبت وَاحِدَة وَقُلْنَا يشْتَرط طلبَهَا فَلَا بُد من اللّعان عَنهُ ثمَّ يسْتَأْنف لعانا للباقيات وَحَيْثُ قُلْنَا يَتَعَدَّد فَلَو رضين بِلعان وَاحِد فَلَا أثر لرضاهن وَكَذَلِكَ لَو رَضِي جمَاعَة من المدعين بِيَمِين وَاحِدَة لم يُؤثر ذَلِك فِي تَغْيِير وصف الْحجَج أما إِذا قذف امْرَأَة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ بزنيتين فَفِي تعدد الْحَد وَاللّعان أَيْضا خلاف لِاتِّحَاد الْمَقْذُوف وتعدد الصِّيغَة الثَّالِث إِذا ادَّعَت عَلَيْهِ الْقَذْف فَأنْكر فأقامت الْبَيِّنَة فَأَرَادَ اللّعان فَإِن كَانَ قد أنكر بِالسُّكُوتِ أَو قَالَ أردْت بالإنكار أَنه لم يكن قذفا بل كَانَ حَقًا فَلهُ اللّعان وَإِن لم يؤول إِنْكَاره فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أنكر الْقَذْف وَلَا لعان إِلَّا بِقَذْف لينشيء قذفا إِن أَرَادَ ويستفيد بِهِ دَرْء حد الْقَذْف الَّذِي ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَيْضا وَالثَّانِي أَنه يُلَاعن وإنكاره يحمل على الْمُعْتَاد فِي الْخُصُومَات كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ ملك فَقَالَ اشْتَرَيْته من زيد وَكَانَ يملكهُ فَانْتزع من يَده بِالْبَيِّنَةِ فَرجع على زيد بِالثّمن وَلَا يُؤْخَذ بِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْملكِ أما إِذا قَالَ مَا قذفتك وَمَا زَنَيْت فَلَا يُلَاعن إِلَّا إِذا أنشأ قذفا بِالزِّنَا يحْتَمل أَن يكون قد

طَرَأَ بعد شَهَادَته لَهَا بِالْبَرَاءَةِ فَإِن لم يحْتَمل فَلَا يُلَاعن وَأطلق القَاضِي القَوْل بِجَوَاز اللّعان الرَّابِع إِذا امْتنع الزَّوْج عَن اللّعان اَوْ الزَّوْجَة فعرضناهما للحد فَرَجَعَا إِلَى اللّعان مكناهما من ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا كاليمين لَا يجوز الرُّجُوع إِلَيْهَا بعد النّكُول بل يلْحق اللّعان بِالْبَيِّنَةِ فِي هَذَا الْمَعْنى وَلَو قَالَ بعد أَن حد ألاعن قَالَ الْأَصْحَاب لم يُمكن لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة قَالَ الْقفال إِن كَانَ ثمَّ ولد يُمكن مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا الْخَامِس إِذا قَالَ زَنَيْت وَأَنت مَجْنُونَة اَوْ أمة أَو مُشركَة وعهد لَهَا تِلْكَ الْحَال فَلَا يجب إِلَّا التَّعْزِير وَكَانَ كَمَا لَو أضَاف إِلَى الصغر وَإِن لم يعْهَد وَلم يقم الزَّوْج عَلَيْهِ بَيِّنَة سَقَطت الْإِضَافَة وَعَلِيهِ الْحَد وَفِيه وَجه أَنه لَا حد لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى تِلْكَ الْحَال انْتَفَى الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلَو قَالَ زَنَيْت مستكرهة فَفِي وجوب التَّعْزِير خلاف لِأَن ذَلِك يعيرها وَإِن لم يسنبها إِلَى مَعْصِيّة ثمَّ الصَّحِيح أَنه يُلَاعن لدفع التَّعْزِير كَمَا يُلَاعن لدفع الْحَد

الرُّكْن الرَّابِع فِي صِيغَة اللّعان وَالنَّظَر فِي أَصله وتغليظاته وسننه النّظر الأول فِي أصل كَلِمَاته وَهُوَ أَن يَقُول الزَّوْج أَربع مَرَّات أشهد بِاللَّه إِنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَإِن الْوَلَد من الزِّنَا وَلَيْسَ مني إِن كَانَ ثمَّ ولد وَيَقُول فِي الْخَامِسَة لعنة الله عَليّ إِن كنت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتها بِهِ وتقابله الْمَرْأَة فَتشهد أَربع مَرَّات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَا وَتقول فِي الْخَامِسَة غضب الله عَليّ إِن كَانَ من الصَّادِقين فِيمَا رماني بِهِ وَيجب على الزَّوْج إِعَادَة نفي الْوَلَد فِي كل شَهَادَة فَإِن تَركهَا مرّة لم تحسب وَلَا يجب على الْمَرْأَة إِعَادَة أَمر الْوَلَد إِذْ لَا يتَعَلَّق إثْبَاته بلعانها وَلَا تقوم عندنَا مُعظم الْكَلِمَات مقَام الْكل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَالصَّحِيح أَنه يتَعَيَّن لفظ الشَّهَادَة فَلَا يجوز إبدالها بِالْحلف وَأَنه يتَعَيَّن لفظ اللَّعْن وَالْغَضَب من الْجَانِبَيْنِ وَيجب رِعَايَة التَّرْتِيب بِتَأْخِير اللَّعْن وَالْغَضَب وَتجب الْمُوَالَاة بَين

الْكَلِمَات وكل ذَلِك ميل إِلَى التَّعَبُّد لخُرُوج الْأَمر عَن الْقيَاس وَفِيه وَجه أَنه يجوز إِبْدَال الشَّهَادَة بالقسم وإبدال اللَّعْن بِالْغَضَبِ وَكَذَا عَكسه وَأَن التَّرْتِيب والموالاة لَا تشْتَرط وكل ذَلِك تشوف إِلَى اتِّبَاع الْمَعْنى فروع ثَلَاثَة الأول يَصح عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لعان الْأَخْرَس وقذفه خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله مَعَ أَن الْأَصَح أَنه لَا تقبل شَهَادَته وَلَكِن يغلب مشابه الْيَمين فِي اللّعان وَلَكِن لَا يُمكن فهم اللَّعْن وَالْغَضَب مِنْهُ وَهُوَ تعبد لَفْظِي فالطريق أَن يُكَلف الكتبة مَعَ الْإِشَارَة إِن قدر أَو يَقُول لَهُ نَاطِق لعنة الله عَلَيْك إِن كَانَ كَذَا فَيَقُول نعم أما إِذا اعتقل لِسَانه بعد الْقَذْف وَقَالَ أهل الصِّنَاعَة إِنَّه سينطلق لِسَانه على قرب أمهلناه كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا مزِيد فِي مهلته على ثَلَاثَة أَيَّام إِذْ تَأْخِير حد الْقَذْف إِضْرَار بالمقذوف

وَمهما لَاعن بِالْإِشَارَةِ ثمَّ انْطلق لِسَانه فَقَالَ لم أرد قذفا وَلَا لعانا لم يقبل الثَّانِي الأعجمي الْعَاجِز عَن الْعَرَبيَّة يلقن معنى اللَّعْن وَالْغَضَب بِلِسَانِهِ كَمَا فِي كلمة التَّكْبِير وَالنِّكَاح ثمَّ القَاضِي ينصب ترجمانا وَلَا بُد من الْعدَد لِأَنَّهُ فِي حكم شَهَادَة وَهل يَكْتَفِي بِاثْنَيْنِ أم لَا بُد من أَربع لما فِيهِ من إِثْبَات زنَاهَا فِيهِ خلاف الثَّالِث لَو مَاتَ الزَّوْج فِي أثْنَاء كَلِمَات اللّعان لم يَنْقَطِع النِّكَاح وَلحق النّسَب وَلم تقم الْوَرَثَة مقَامه فِي اللّعان أصلا وَإِن مَاتَت الْمَرْأَة فِي خلال لِعَانه اسْتكْمل الزَّوْج إِن كَانَ ثمَّ ولد فَإِن لم يكن فَلَا حَاجَة إِلَى لِعَانه إِن قُلْنَا إِن الزَّوْج يَرث حد الْقَذْف ويتضمن سُقُوط بعضه سُقُوط الْكل

النّظر الثَّانِي فِي التغليطات وَهِي بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَالْجمع أما الزَّمَان فبأن يُؤَخر إِلَى بعد الْعَصْر فَإِنَّهُ وَقت شرِيف وَإِن لم يكن طلب حثيث فَإلَى الْعَصْر من يَوْم الْجُمُعَة أما الْمَكَان فبأن يُلَاعن فِي أشرف الْمَوَاضِع فَإِن لَاعن وَهُوَ بِمَكَّة فَبين الرُّكْن وَالْمقَام وبالمدينة فَبين الْمِنْبَر والقبر وبالقدس عِنْد الصَّخْرَة وَفِي سَائِر الْبِلَاد فِي مَقْصُورَة الْجَامِع ويلاعن الذِّمِّيّ فِي أفضل مَوضِع عِنْدهم من بيعَة وكنيسة سوى بيُوت الْأَصْنَام فَلَا يَأْتِيهَا أصلا وَفِي بيُوت النيرَان للمجوس خلاف وَالظَّاهِر أَن الزنديق يغلظ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْجِهَات ليناله شؤمه وَإِن لم يَعْتَقِدهُ وَالْحَائِض تلاعن على بَاب الْمَسْجِد وَاعْترض الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَقَالَ جوز للمشركة اللّعان فِي الْمَسْجِد وَرُبمَا تكون حَائِضًا وَاخْتلفُوا فِي الْمُشرك الْجنب فَمنهمْ من قَالَ لَا يؤاخذون بتفصيل شرعنا فِي الْأَحْكَام وَإِن كَانُوا يؤاخذون عِنْد الله تَعَالَى أما الْجمع فَلَا بُد من حُضُور جمَاعَة لقَوْله تَعَالَى {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} وَلَا يَنْبَغِي أَن ينقصوا عَن عدد شَهَادَة الزِّنَا

والتغليظ بِالْمَكَانِ مُسْتَحبّ أَو مُسْتَحقّ فِيهِ قَولَانِ وَفِي التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ وَالْجمع طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بالإستحباب وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ أما جَرَيَان ذَلِك فِي مجْلِس الحكم فَشرط قطعا فَلَو تلاعنا فِي الْبَيْت لم يَصح إِلَّا عِنْد الْمُحكم على قَول جَوَاز التَّحْكِيم فِي الْعُقُوبَات

النّظر الثَّالِث فِي السّنَن وَهِي ثَلَاثَة الأول أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَاعن بَين الْعجْلَاني وَزَوجته على الْمِنْبَر فَقيل كَانَ الْعجْلَاني على الْمِنْبَر وَلَعَلَّه الْأَلْيَق للشهرة وَقيل كَانَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فعلى هَذَا يسن للْقَاضِي صعُود الْمِنْبَر الثَّانِي أَن يهدد كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ ويخوفهما بِاللَّه فلعلهما يتصادقان فَيَقُول للرجل مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ احتجب الله عَنهُ وفضحه على رُءُوس الْأَوَّلين والآخرين ويروي للْمَرْأَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَيّمَا امْرَأَة أدخلت على قوم من لَيْسَ مِنْهُم فَلَيْسَتْ من الله فِي شَيْء وَلنْ يدخلهَا الله جنته وَحَدِيث

الْمِعْرَاج أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بنسوة معلقات بثديهن فَقَالَ لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام من هَؤُلَاءِ فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هن اللَّاتِي ألحقن بأزواجهن من لَيْسَ مِنْهُم يَأْكُل حرائبهم وَينظر إِلَى عَوْرَاتهمْ الثَّالِث أَن يَأْتِي الرجل عِنْد الْخَامِسَة رجل من وَرَائه فَيَضَع يَده على فِيهِ وَيَقُول صَاحب الْمجْلس للملاعن اتَّقِ الله فَإِنَّهَا مُوجبَة وَالْمَرْأَة تأتيها امْرَأَة من وَرَائِهَا وَيُقَال لَهَا كَذَلِك وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي جَوَامِع أَحْكَام اللّعان وَحكم الْوَلَد خَاصَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما أَحْكَام اللّعان فخمسة وُقُوع التَّفْرِقَة وتأبد الْحُرْمَة وَسُقُوط حد الْقَذْف وَانْتِفَاء النّسَب وَوُجُوب حد الزِّنَا عَلَيْهَا وَجُمْلَة ذَلِك تتَعَلَّق بِلعان الزَّوْج وَلَا يتَعَلَّق بلعانها إِلَّا سُقُوط الْحَد عَنْهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْفرْقَة تتَعَلَّق بلعانهما وَقَضَاء القَاضِي وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تتَعَلَّق بلعانهما وَلَا يجب الْحَد عَلَيْهَا بلعانه عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَا تتأبد الْحُرْمَة عِنْده بل يحل لَهُ نِكَاحهَا مهما كذب نَفسه أَو خرج عَن أَهْلِيَّة الشَّهَادَة بِأَن يخرس أَو يحد فِي

الْقَذْف نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أَن هَذِه الْحُرْمَة هَل تشْتَمل ملك الْيَمين وَهل تتَعَلَّق بِاللّعانِ فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَبعد الْبَيْنُونَة أما حكم الْوَلَد وانتفائه ولحوقه فَفِيهِ ثَلَاثَة فُصُول

الْفَصْل الأول فِيمَن يلْحقهُ النّسَب وَهُوَ كل من يُمكن أَن يُولد لَهُ وَالنَّظَر فِي الصَّبِي والمجبوب والخصي أما الصَّبِي فإمكان الْعلُوق مِنْهُ بعد كَمَال السّنة الْعَاشِرَة فيلحقه ولد أَتَت بِهِ زَوجته لسِتَّة أشهر بعد السّنة الْعَاشِرَة وَقيل يُمكن الْعلُوق فِي أثْنَاء الْعَاشِرَة ويلحقه الْوَلَد بعد الْعَاشِرَة وَمهما أَتَت بِهِ قبل الْإِمْكَان لم يفْتَقر إِلَى اللّعان إِذْ لَا يلْحقهُ وَمهما لحقه فَقَالَ ألاعن وَأَنا بَالغ يُمكن مِنْهُ فَلَو قَالَ أَنا صبي وألاعن لم يُمكن وَلَو قَالَ كذبت وَأَنا بَالغ فألاعن قبل مِنْهُ لِأَن الصَّبِي لَا يعرف بُلُوغه إِلَّا بقوله أما الْمَجْبُوب الذّكر الْبَاقِي الْأُنْثَيَيْنِ فَالْوَلَد يلْحقهُ لبَقَاء أوعية الْمَنِيّ فَيحمل انزلاق الْمَنِيّ وَيحْتَمل استدخال مَائه أما المنزوع الْأُنْثَيَيْنِ الْبَاقِي ذكره فَقطع الْمُحَقِّقُونَ بلحوق الْوَلَد لبَقَاء اللآلة وَقَالَ الفوراني يرجع فِيهِ إِلَى الْأَطِبَّاء وَأما الْمَمْسُوح ذكره وأنثياه فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يلْحقهُ الْوَلَد إِذْ التجربة تدل على اسْتِحَالَة الإعلاق مِنْهُ وَحَيْثُ قضينا بِأَنَّهُ لَا إِمْكَان فَلَا حَاجَة إِلَى اللّعان

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْوَال الْوَلَد وَله ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يكون حملا وَهل يجوز نَفْيه بِاللّعانِ قبل الإنفصال فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الْحمل لَا يتَيَقَّن فَلَعَلَّهُ ريح ينفش وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يظنّ ظنا غَالِبا وَفِي التَّأْخِير خطر موت الزَّوْج ولحوق النّسَب وَهَذَا بعد الْبَيْنُونَة أما فِي صلب النِّكَاح فَالصَّحِيح أَنه يُلَاعن لِأَن الْعجْلَاني لَاعن عَن الْحمل وَلِأَن اللّعان دون الْوَلَد لمُجَرّد قطع النِّكَاح جَائِز وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَلَا وَجه لَهُ وَقد بنى الْأَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ على أَن الْحمل هَل يعرف بَقينَا وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح أَنه لَا يعرف يَقِينا وَلَكِن الْأَحْكَام مِنْهَا مَا يثبت بِالنّظرِ وَمِنْهَا مَا لَا يثبت وَمِنْهَا مَا يتَرَدَّد فِيهِ فلأجل ذَلِك اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْمسَائِل لَا لتردده فِي أَن الْحمل لَا يتَيَقَّن الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَكُونَا توأمين من بطن وَاحِد فَلَا يَتَبَعَّض نفيهما فَإِن اقْتصر على نفي أَحدهمَا لم ينتف مَعَ لُحُوق الثَّانِي وَلَو نفاهما واستلحق أَحدهمَا لحقه الثَّانِي وَلَو نفى الْحمل فَأَتَت بتوأمين انتفيا وَلَو أَتَت بِوَاحِد فِي النِّكَاح فلاعن فَأَتَت بثان لأكْثر من سِتَّة أشهر لحقه الثَّانِي دون الأول لِأَنَّهُ من بطن أُخْرَى وَيحْتَمل الْعلُوق بعد انْفِصَال الأول وَقبل اللّعان وَلَو نفى الْحمل فَأَتَت بِولد ثمَّ أَتَت بآخر لأكْثر من سِتَّة أشهر انْتَفَى من غير لعان لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل الْعلُوق بِهِ فِي صلب النِّكَاح

فرعان أَحدهمَا أَنه مهما أَرَادَ أَن يَنْفِي أَوْلَادًا عدَّة يَكْفِيهِ لعان وَاحِد وَلَا يحْتَاج كل وَاحِد إِلَى لعان الثَّانِي أَن التوأمين المنفيين بِاللّعانِ أَخَوان من الْأُم وَهل يتوارثان بأخوة الْأَب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن اللّعان أبطل الْأُبُوَّة وَالثَّانِي نعم لِأَن اللّعان أَثَره قَاصِر عَن الْملَاعن الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَمُوت الْوَلَد فَلهُ أَن يُلَاعن لِأَن الْمَوْت لَا يقطع النّسَب وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ للْوَلَد ولد حَيّ ثمَّ عندنَا مهما اسْتَلْحقهُ بعد اللّعان لحقه فَلَو نَفَاهُ فَلَمَّا مَاتَ اسْتَلْحقهُ ليحوز مِيرَاثه لحقه وَورث مَعَ التُّهْمَة لِأَن الأَصْل هُوَ النّسَب وَيلْحق بِمُجَرَّد قَوْله وَالْمِيرَاث تَابع وَكَذَلِكَ لَو نَفَاهُ بعد الْمَوْت فَلَمَّا قسم مِيرَاثه عَاد واستلحقه فَالظَّاهِر أَنه يلْحقهُ وَيسْتَرد نصِيبه من الْمِيرَاث نظرا إِلَى ثُبُوت النّسَب وَفِيه وَجه أَنه إِذا سقط الْمِيرَاث لم يرجع إِلَيْهِ

الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يسْقط حق النَّفْي وَالصَّحِيح أَنه على الْفَوْر لِأَنَّهُ فِي حكم ضرار يدْفع بعد مَعْرفَته فَلَا وَجه للتأخير وَفِيه قَول آخر لَا بَأْس بِهِ أَنه يُمْهل ريثما يتروى فَإِن الْأَمر فِيهِ خطر وَلَعَلَّه يتَقَدَّر بِثَلَاثَة أَيَّام وَحكي قَول ثَالِث أَنه لَا يسْقط إِلَّا بالاستلحاق وَهَذَا بعيد والتفريع على أَنه على الْفَوْر فعلى هَذَا لَا يعْذر إِلَّا إِذا لم تحصل لَهُ حَقِيقَة الْمعرفَة فَلَو صَبر حَتَّى ينْفَصل الْحمل جَازَ لِأَنَّهُ لَا يتَيَقَّن فَرُبمَا يكون ريحًا فينفش فَلَو قَالَ عرفت الْحمل وَلَكِن قلت رُبمَا تجهض فَهَل يبطل حَقه فِيهِ وَجْهَان وَلَو أخبرهُ فَاجر بِالْولادَةِ فَقَالَ لم أصدقه جَازَ وَإِن أخبرهُ عَدْلَانِ فَلَا وَإِن أخبرهُ عدل وَاحِد فَوَجْهَانِ لقبُول رِوَايَته ورد شَهَادَته وَلَو قَالَ كنت لَا أَدْرِي أَن لي حق النَّفْي فيعذر إِن لم يكن من جملَة الْفُقَهَاء فرع لَو هَناه مهن بِالْوَلَدِ وَقَالَ متعك الله بِهِ فَقَالَ آمين فَهُوَ إِقْرَار بِالنّسَبِ فَلَا لعان بعده وَلَو قَالَ جَزَاك الله خيرا أَو أسمعك الله مَا يَسُرك لم يكن إِقْرَارا